سياسة مصر الخارجية 2009

يصعب على النظام السياسي في مصر تبني توجهات جديدة في سياسته الخارجية من شأنها إعادة مصر لمكانتها دون تغيير بنية نظامها السياسي الراهن والذي يشهد في المرحلة الراهنة بداية لحالة حراك من نوع جديد


حسن نافعة








 
ارتبطت سياسة مصر الخارجية على مر العصور بمعطيات جيوستراتيجية أملتها عوامل جغرافية وتاريخية اتسمت بثبات نسبي. فالجغرافيا جعلت من مصر دولة تعتمد اعتمادا شبه كلي على مياه نهر ينبع خارج أراضيها ويجري داخل دول عدة قبل أن يصل إلى حدودها الجنوبية.


أما التاريخ فتشير دروسه إلى أن معظم الغزاة أتوا إلى مصر عبر بوابتها الشمالية الشرقية وكثيرا ما كانوا يواصلون زحفهم في اتجاه فلسطين والشام لتأمين احتلالهم لها, أما الغزاة الذين جاءوا قاصدين الشام وفلسطين فعادة ما كانوا يواصلون زحفهم في اتجاه مصر لتأمين بقائهم في المشرق, مما جعل من مصر وفلسطين والشام كتلة إستراتيجية واحدة ترتبط بمصير واحد.


دعائم إستراتيجية السياسة المصرية
توجهات السياسة المصرية والخلل
مصر في المرحلة القادمة



دعائم إستراتيجية السياسة المصرية






نظرة عابرة على ما يجري في المنطقة من تفاعلات في المرحلة الراهنة تكفي للتوصل إلى نتيجة مفادها أن سياسة مصر الخارجية باتت عاجزة عن تأمين وحماية مجالها الحيوي, سواء على جبهة الجنوب أو على جبهتها الشمالية الشرقية
هذه المعطيات الإستراتيجية فرضت على مصر سياسة خارجية تقوم على دعامتين.



الأولى:


تستهدف الدفاع عن الحياة والبقاء, بالعمل على ضمان استمرار تدفق مياه نهر النيل, وهو ما فرض عليها ضرورة متابعة ما يجري وراء حدودها الجنوبية, أي في دول حوض النيل.




والثانية:


تستهدف الدفاع عن الأمن والاستقلال, بالعمل على مواجهة التهديدات الخارجية, وهو ما فرض عليها ضرورة متابعة ما يجري وراء حدودها الشرقية, أي في فلسطين والشام.



وكان من الطبيعي, في سياق كهذا, أن تشكل منطقة حوض النيل, من ناحية, ومنطقة الشام, من ناحية أخرى, مجالا حيويا متصلا ومتكاملا لمصر من منظور سياستها الخارجية. لذا لم يكن غريبا أن تتسم هذه السياسة بدرجة عالية من الثبات والاستقرار, وهو ما ظهر بوضوح خلال جميع المراحل التي امتلكت فيها مصر مقومات الاستقلال والنهضة, رغم التقلبات التي كانت تطرأ على شكل النظام السياسي أو على طبيعة النخبة الحاكمة, بين الحين والآخر, عبر تاريخها الطويل والممتد.



غير أن نظرة عابرة على ما يجري في المنطقة من تفاعلات في المرحلة الراهنة تكفي للتوصل إلى نتيجة مفادها أن سياسة مصر الخارجية باتت عاجزة عن تأمين وحماية مجالها الحيوي, سواء على جبهة الجنوب أو على جبهتها الشمالية الشرقية, مما يشير إلى أن خللا ما قد وقع في تصميم ورسم هذه السياسة بحيث لم تعد متسقة على الإطلاق مع معطيات مصر التاريخية والجغرافية.



صحيح أن النيل ما زال يتدفق عبر حدودها الجنوبية, وصحيح أيضا أنه لا تلوح في الأفق مخاطر غزو خارجي وشيك عبر بوابتها الشمالية الشرقية, إلا أن بوسع كل مراقب محايد أن يدرك على الفور أن المخاطر والتهديدات المحتملة على مصر, سواء من جبهتها الجنوبية أو من جبهتها الشمالية الشرقية, تتزايد باضطراد وبسرعة, وأن قدرة مصر على ضبط ما يجري من تفاعلات في هاتين المنطقتين تتضاءل باضطراد وبسرعة أيضا!



فعلى صعيد الجبهة الجنوبية، يبدو السودان, والذي يشكل مع مصر كتلة طبيعية واحدة كمنطقة مصب لنهر ينبع خارجهما, بات مهددا بالتفتت والانقسام إلى دويلات عدة, والضغوط على مصر من جانب دول حوض النيل لإعادة النظر في الاتقاقات الخاصة بتوزيع حصص مياه النهر تتزايد بانتظام, سواء بسبب احتياجاتها الطبيعية المتزايدة من المياه أو نتيجة لتعاظم لنفوذ إسرائيلي كان وما يزال يسعى لمحاصرة مصر وابتزازها للحصول على المزيد من التنازلات وتحقيق تفوق استراتيجي في الصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط وعليها.



أما على صعيد الجبهة الشمالية الشرقية، فتبدو مصر في موقف لا تحسد عليه أيضا. فبعد ثلاثين عاما من توقيع مصر على معاهدة صلح منفرد مع إسرائيل ما يزال السلام غائبا, وأصبحت الحركة الوطنية الفلسطينية ضعيفة ومنقسمة على نفسها بعد أن عجزت سلطة أفرزها اتفاق أوسلو عن التوصل إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية, ووقع قطاع غزة تحت سيطرة قوة سياسية تعتبرها مصر مناوئة وترى فيها امتدادا لجماعة الإخوان المسلمين المعارضة، بعد أن اضطرت إسرائيل إلى القيام بانسحاب منفرد منه.


ولأن معاهدة السلام التي أبرمتها مصر لم تلزم إسرائيل بأي ضوابط للسلوك تجاه الأطراف الأخرى في الصراع, في الوقت الذي فرضت فيه على مصر التزام الحياد في الصراع , فقد بدت مصر الرسمية في بعض الأحيان ليس فقط غير قادرة على ضبط التفاعلات في المنطقة ولكن أيضا شبه منحازة إلى إسرائيل في مواجهة أطراف عربية أخرى, وهو ما تجلى بصفة خاصة أثناء حرب إسرائيل على لبنان صيف عام 2006 ثم على قطاع غزة شتاء 2008/2009.



وحين تصبح مصر غير قادرة على ضبط الأوضاع داخل مجالها الحيوي, فمن الطبيعي أن تفقد نفوذها داخل الدوائر الأوسع لحركة سياستها الخارجية, أي الدوائر العربية والإفريقية والإسلامية. إذ يلاحظ أن قدرة مصر على قيادة العالم العربي, سواء منفردة أو بالتنسيق مع سوريا والسعودية, تقلصت كثيرا في الآونة الأخيرة.



أما الدائرة الإفريقية فقد أهملتها مصر إهمالا شبه كامل في عهد الرئيس حسني مبارك, ولم يعد لمصر من تأثير يذكر على القارة مقارنة بدول صاعدة مثل جنوب إفريقيا, بل إن نفوذها داخل منظمة الاتحاد الإفريقي بدا باهتا حتى بالمقارنة بدول عربية أخرى مثل ليبيا أو حتى الجزائر المشغولة بصراعاتها الداخلية.



نفس الشيء حدث داخل الدائرة الإسلامية, حيث تراجع النفوذ المصري مقارنة بنفوذ دول كالسعودية أو إيران أو حتى تركيا. وقد ترك هذا التراجع فراغا تنافست لملئه ثلاث دول غير عربية هي: إسرائيل وإيران وتركيا, وهو وضع يبدو غير طبيعي وغير مقبول, شعبيا على الأقل, وبالتالي غير قابل للاستمرار.



ومن هنا الحاجة الماسة إلى مراجعة شاملة لسياسة مصر الخارجية لتشخيص طبيعة الخلل الذي أدى إلى التراجع في الدور وفي المكانة واتخاذ الإجراءات اللازمة لتصحيح الخلل القائم بطريقة تعيد التناغم المطلوب بين سياسة مصر الخارجية ومعطياتها الجيواستراتجية.



توجهات السياسة المصرية والخلل






لم تعكس المحاولات "التصحيحية" المصرية رؤية متماسكة لسياسة خارجية مصرية جديدة بقدر ما عكست مهارة تكتيكية في توظيف تفاعلات إقليمية ودولية معينة للتحلل من ضغوط داخلية وخارجية ملحة لذا سرعان ما انهارت أمام أول أزمة كبرى حقيقية حين أقدم صدام حسين على غزو الكويت
للتعرف على طبيعة الخلل الذي وقع, ربما يكون من المفيد أن نعيد التذكير أولا بالتوجهات الرئيسية لسياسة مصر الخارجية, خاصة منذ الحرب العالمية الثانية, والتي أمكن في سياقها تحقيق التناغم المطلوب مع المعطيات الجيوستراتيجية حين قامت على الأسس التالية:



1. التعامل مع المشروع الصهيوني باعتباره مصدر التهديد الرئيس لأمن العالم العربي ككل.


2. التعامل مع القضية الفلسطينية باعتبارها قضية عربية وإسلامية لا يجوز التصرف فيها على نحو منفرد.


3. البعد عن المحاور والتكتلات الدولية واعتماد سياسة عدم الانحياز كركيزة لتحرير الإرادة وحماية استقلال الوطني.



وانطلاقا من هذه التوجهات العامة قامت مصر بمبادرات هامة بعد الحرب العالمية الثانية منها:




1. تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945 واحتضان مقرها في القاهرة.


2. المشاركة في الحرب العربية الإسرائيلية الأولى عام 1948.


3. وضع بذور سياسة عدم الانحياز بالامتناع عن التصويت على قرار الحرب التي قادتها الولايات المتحدة على كوريا الشمالية بتفويض من مجلس الأمن عام 1950.


4. اقتراح مشروع قرار أقره مجلس الجامعة العربية عام 1950 يقضي بتوقيع عقوبات كل دولة عربية توقع صلحا منفردا مع إسرائيل وطردها من الجامعة العربية.


5. صياغة وإقرار معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي العربي.



وقد ظلت هذه المبادرات, بدرجة أو أخرى, هي الموجه الرئيسي لسياسة مصر الخارجية حتى حرب أكتوبر/تشرين أول 1973, رغم اختلاف طبيعة النظم والنخب والقيادات التي تعاقبت على حكم مصر طوال تلك الفترة. لكن ما إن وضعت حرب أكتوبر أوزارها حتى بدأ الانقلاب الكبير في سياسة مصر الخارجية.



فقد قرر الرئيس السادات أن حرب أكتوبر يجب أن تكون آخر الحروب, وبدأ البحث عن تسوية سلمية مع إسرائيل بالاستعانة بالوساطة المنفردة للولايات المتحدة الأمريكية التي اعتقد أنها تملك 99% من أوراق الحل, إلى أن قادته خطاه عام 1977 إلى الذهاب إلى القدس وإلقاء خطاب في الكنيست.


وقد بنى الرئيس السادات توجهات سياسته الجديدة على مجموعة من الافتراضات أهمها:




1- أن إسرائيل أصبحت جاهزة نفسيا لتسوية على أساس العودة إلى حدود 67 و حل عادل لقضية اللاجئين.



2- أن الولايات المتحدة ترغب في إنجاز مثل هذه التسوية حتى لو اقتضى الأمر ممارسة الضغط على إسرائيل.



3- في حال تعذر التوصل إلى تسوية شاملة دفعة واحدة يمكن البدء بالمسار المصري.



4- لن يكون أمام العالم العربي في نهاية المطاف سوى الالتحاق بركب التسوية طوعا أو كرها.



غير أن الأحداث اللاحقة أثبتت خطأ هذه الافتراضات جميعا والتي انتهى بها المطاف إلى:




1. تسوية منفردة مع إسرائيل رفضتها الدول العربية الأخرى.


2. قطيعة بين مصر والعالم العربي دامت حوالي عشر سنوات ونقل مقر الجامعة العربية إلى تونس.


3. احتقان الحياة السياسية في مصر إلى درجة أدت إلى اعتقال كافة رموز الحركة الوطنية المصرية في سبتمبر/ أيلول 1981.


4. اغتيال الرئيس السادات في أحد أكثر مشاهد العنف السياسي إثارة في التاريخ المصري في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1981.



وعندما ظهر بوضوح, في سياق هذه الأحداث المتعاقبة, أن خللا جسيما أصاب سياسة مصر الخارجية, بدأت محاولات لتصحيحه عقب اختفاء الرئيس السادات وتولي الرئيس مبارك, أخذت أشكالا عدة منها:




• التجاوب مع الضغوط الشعبية لتجميد التطبيع واستخدام الخلاف حول طابا وسيلة لتبريد عملية السلام مع إسرائيل.


• السعي لتصحيح العلاقة المختلة مع الاتحاد السوفييتي وإعادة بعض التوازن المفقود في صيغة العلاقة مع قمة النظام الدولي.


• استغلال الحرب العراقية الإيرانية من أجل العمل على إزالة الاحتقان في العلاقة مع العالم العربي تمهيدا لعودة جامعة الدول العربية إلى مقرها في القاهرة دون الاضطرار إلى إلغاء أو تجميد المعاهدة مع إسرائيل, وهو ما تم فعلا قبل نهاية الثمانينات.



هذه المحاولات "التصحيحية" لم تعكس في حقيقة الأمر رؤية متماسكة لسياسة خارجية مصرية جديدة بقدر ما عكست مهارة تكتيكية في توظيف تفاعلات إقليمية ودولية معينة للتحلل من ضغوط داخلية وخارجية ملحة. لذا سرعان ما انهارت أمام أول أزمة كبرى حقيقية حين أقدم صدام حسين على غزو الكويت. فقد أدارت مصر هذه الأزمة أيضا بمنطق الدولة التي تسعي للاستفادة التكتيكية منها وليس انطلاقا من رؤية إستراتيجية تسعى لاستعادة دور مصر القيادي المفقود في العالم العربي, ومن ثم خرجت من الأزمة مستفيدة ماديا وسياسيا وخاسرة استراتيجيا, وهو ما اتضح بجلاء بعد نجاح إسرائيل في إجهاض مؤتمر مدريد.



كهذا عادت مصر إلى نظام عربي ضعيف وممزق, ولكن بدون دور فاعل حيث توقفت فاعليته على قدرة مصر على لعب دور حاسم في استكمال عملية التسوية الشاملة, أو قيادة العالم العربي نحو إدارة جديدة للصراع تجمع بين العمل السياسي ودعم المقاومة, وهو ما فشلت فيهما معا.



وقد ترتب على هذا الفشل, خصوصا في ضوء نجاح المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان بدون شروط, تقزيم الدور المصري بسبب سعي الولايات المتحدة وإسرائيل لتوظيفه للضغط على الأطراف العربية للقبول بالشروط الإسرائيلية للتسوية, وهو ما بدا واضحا بصفة خاصة في الفترة التي أعقبت فشل كلينتون في التوصل إلى تسوية للقضية الفلسطينية عام 2000.



وعندما كشرت الولايات المتحدة بقيادة المحافظين الجدد عن أنيابها بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001, آثرت مصر السلامة وعادت للانكفاء على ذاتها, مما سهل من مهمة الولايات المتحدة في غزو وتدمير العراق عام 2003.



ومع بروز جمال مبارك على مسرح السياسة المصرية بدا واضحا أن القيادة المصرية أصبحت مشغولة بترتيب خلافة السلطة في مصر أكثر بكثير من انشغالها باستعادة دورها القيادي في العالم العربي. وربما يفسر هذا الانشغال عودة الدفء إلى العلاقات المصرية الإسرائيلية, بالإفراج عن الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام قبل انتهاء مدة عقوبته, ثم إبرام اتفاقية الكويز مع إسرائيل, وأخيرا بإبرام صفقة لمد إسرائيل بالغاز المصري بسعر يقل عن الأسعار العالمية.



يلفت الانتباه ويثير التأمل هنا أن عودة الدفء للعلاقات المصرية الإسرائيلية لم يواكبه اعتدال في السلوك وإنما واكبه, على العكس, تشدد بالغ وصل إلى حد خوض حربين كبيرتين خلال أقل من عامين, أحدهما ضد لبنان عام 2006 والثاني ضد غزة عام 2008 حيث ألقت مصر الرسمية باللوم في الأولى على حزب الله وفي الثانية على حماس, وبما أوحى بأنها بدأت تتبنى عمليا وجهة النظر الإسرائيلية والأمريكية التي تحاول الترويج إلى أن إيران والأصولية الإسلامية والمنظمات "الإرهابية", وليس القضية الفلسطينية أو الصراع العربي الإسرائيلي, هي مصادر التهديد الرئيسية للأمن في المنطقة.



مصر في المرحلة القادمة






استمرار سياسة مصر الخارجية على ما هي عليه لن يؤدي إلا إلى زيادة التحديات خطورة وتعقيدا, وما لم تتوافر لقيادتها السياسية إرادة حقيقية لمواجهة هذه التحديات والخروج عن الطوق الأمريكي فسوف يستمر تدهور دورها ووضعها ومكانتها في النظامين الإقليمي والعربي
في سياق ما تقدم يمكن القول إن مصر ستواجه في المرحلة القادمة جملة من التحديات التي تنطوي على تهديدات محتملة مباشرة لأمنها الوطني, يتمثل أهمها في:



1- تفتت عدد من الأقطار العربية تحت وطأة الصراعات الإثنية والقبلية والدينية والقومية, على رأسها السودان.



2- انهيار عملية التسوية نهائيا, خاصة على المسار الفلسطيني, ونجاح إسرائيل في فرض تسوية بشروطها قد تتضمن فرض توطين أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين في سيناء تحت شعارات التعمير والتنمية.


3- تنامي قوة كل من إيران وتركيا وإسرائيل إلى الدرجة التي تؤهلها للعب أدوار إقليمية تتنافس على النفوذ في المنطقة وتسعى لاقتسامه.



وفي تقديري أن استمرار سياسة مصر الخارجية على ما هي عليه لن يؤدي إلا إلى زيادة التحديات خطورة وتعقيدا, وما لم تتوافر لقيادتها السياسية إرادة حقيقية لمواجهة هذه التحديات والخروج عن الطوق الأمريكي فسوف يستمر تدهور دورها ووضعها ومكانتها في النظامين الإقليمي والعربي. وحين تتوفر لقيادتها هذه الإرادة السياسية فسوف تظهر الحاجة الماسة لتغيير بوصلة سياسة مصر الخارجية انطلاقا من الأسس التالية:




1- التعامل مع إسرائيل باعتبارها مصدر التهديد الرئيسي على أمن مصر وأمن العالم العربي والذي يسبق أي خطر آخر, مما يفرض عليها السعي لحشد كل الطاقات وتعبئة كل الجهود لمواجهته بكل الوسائل المتاحة, بما في ذلك دعم وترشيد عمل المقاومة المسلحة, والعمل على إعادة توحيد الحركة الوطنية الفلسطينية من خلال المساعدة على إعادة بناء منظمة تحرير فلسطينية أصدق تمثيلا للشعب الفلسطيني وحرصا على ثوابت نضاله.



2- إعادة ترتيب البيت العربي على أسس جديدة والسعي لبناء توافق عربي جول صيغة للتكامل تحقق منفعة متبادلة لكافة الدول العربية ويكسب منها الجميع. 3- فتح صفحة جديدة في العلاقات مع إيران. تبدأ بإعادة العلاقات على مستوى السفراء , ودعم علاقات التعاون مع تركيا, وتمهيد الطريق لحوار عربي-تركي-إيراني يستهدف البحث عن حلول إقليمية متوازنة لمشكلات الأمن في المنطقة.



غير أني اعتقد أنه يصعب تبني مصر لهذه التوجهات الجديدة في سياستها الخارجية بدون تغيير في بنية نظامها السياسي الراهن والذي يشهد في المرحلة الراهنة بداية لحالة حراك من نوع جديد، من المتوقع أن تتصاعد تدريجيا على مدى العامين القادمين لتصل ذروتها أثناء في الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في أكتوبر/تشرين أول عام 2011 والتي ستسبقها انتخابات تشريعية شديدة الأهمية والحساسية في نهاية عام 2010.



وفي تقديري أن نتائج هذه الانتخابات هي التي ستؤشر لحجم التغير الذي سيطرأ على سياسة مصر الخارجية، وبالتالي مدى قدرة مصر كدولة وكنظام وكمجتمع على مواجهة تحديات الحقبة القادمة.
_______________
كاتب وأستاذ جامعي