نشرت وسائل إعلام تقارير تفيد أن قرار الاتهام الذي ستتقدم به لجنة التحقيق للمحكمة الدولية سيتضمن تحميل المسؤولية عن اغتيال الرئيس الحريري ليس لعناصر سورية، كما ساد الاعتقاد خلال السنوات القليلة التي تلت حادثة الاغتيال، بل إلى عناصر من حزب الله. |
وجهت أصابع الاتهام في مقتل الحريري أولاً إلى سورية، نظراً لنفوذها الهائل في لبنان ووجود قواتها واستخباراتها فيه، وتحالفها مع عدد واسع من قواه الإسلامية والقومية والطائفية. وبما أنه كان ينظر للرئيس الحريري باعتبار أنه ليس زعيما لبنانيا سنيا وحسب، بل وأحد أعمدة السياسة السعودية في المشرق؛ ولأن العلاقات السعودية – السورية كانت تمر بمرحلة من التوتر بعد غزو العراق؛ ولأن الأميركيين اعتقدوا أن سورية تقوم بدور "تخريبي" ضد وجودهم في العراق، فقد عملت واشنطن والرياض على تشكيل لجنة دولية للتحقيق في مقتل الحريري، تقدم نتائج عملها بعد ذلك لمحكمة دولية.
على أنه خلال الشهور القليلة الماضية، نشرت وسائل إعلام ألمانية وإسرائيلية وكويتية، وبشكل متكرر، تقارير تفيد أن قرار الاتهام الذي ستتقدم به لجنة التحقيق للمحكمة الدولية سيتضمن تحميل المسؤولية عن اغتيال الرئيس الحريري ليس لعناصر سورية، كما ساد الاعتقاد خلال السنوات القليلة التي تلت حادثة الاغتيال، بل إلى عناصر من حزب الله. وطبقاً لتصريحات السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، فإن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري أكد هذه التقارير خلال لقاء غير معلن جمع بين الاثنين قبل أسابيع، وأبدى استعداده للإعلان بأن قرار الاتهام لا يعني أن حزب الله ذاته هو المتهم، بل يخص مجرد عناصر "منفلتة" في الحزب.
إن صدر مثل هذا القرار الاتهامي بالفعل، فسيحدث أصداء هائلة في كل المشرق. وهذا ما دفع نصر الله للظهور أمام وسائل الإعلام ثلاث مرات على التوالي، خلال الأسابيع القليلة الماضية، للحديث عن المخاطر التي يمكن أن يولدها قرار لجنة التحقيق. وهكذا، باختصار، يدخل لبنان من جديد في مناخ أزمة مستعصية، ذات أبعاد تطال كل الخارطة السياسية الإقليمية. وستحاول هذه الورقة النظر إلى الأسباب التي تقف خلف أجواء هذه الأزمة، وإلى جوانبها المتعددة، مساراتها المحتملة، وما يعنيه كل من هذه المسارات.
المحكمة الدولية واتهام التسييس
من سورية إلى حزب الله
سياق اتهام حزب الله
احتمالات احتواء الأزمة وتفاقمها
المحكمة الدولية واتهام التسييس
منذ بدأت لجنة التحقيق الدولية عملها والجدل لا ينتهي حول ما إن كانت محايدة بالفعل أم أنها مسيسة وتخضع لإرادة القوى النافذة في مجلس الأمن، الذي صدر عنه قرار تأسيس هذه اللجنة في 2004، وقرار تأسيس المحكمة الدولية في 2006. وبالرغم من أن ثمة لجان تحقيق دولية، مثل لجنة التحقيق في الحرب الإسرائيلية على غزة، لم يثبت بشكل قاطع أنها تأثرت بضغوط خارجية، علاوة على أن قوى 14 آذار اللبنانية، والدول العربية والغربية المساندة لها، تدافع باستماتة عن حيادية التحقيق والمحكمة، فإن اتهام التسييس لابد أن يؤخذ على محمل الجد. فوضع لبنان، بالطبع، أكثر حساسية من تداعيات تقييم أداء القوات الإسرائيلية في حربها على غزة، لاسيما أن تقرير لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس الحريري هو في حد ذاته قرار اتهام قضائي، وأن هذا القرار سيقدم إلى محكمة دولية جرى بالفعل تشكيلها، وستبدأ عملها بمجرد صدور القرار الاتهامي.
وهناك دائماً مستويان للتأسيس لابد أن يؤخذا في الاعتبار: المستوى الأول هو أن تتدخل الدول النافذة، مثل الولايات المتحدة، مباشرة في توجيه لجنة التحقيق والمحكمة، مثلما حدث في أغلب مراحل عمل لجان الأمم المتحدة التي كلفت بنزع أسلحة الدمار الشامل في العراق خلال الفترة بين 1991 و2003. أما المستوى الثاني فيتعلق بالثقافة القانونية؛ فالقانون، والقانون الدولي على وجه الخصوص، لا يصدر عن جهات عليا، تسمو على الاعتبارات البشرية، بل هو نتاج ثقافة وضعية، تسيطر عليها الرؤية ونمط الحياة الغربية لفكرة القانون. والعدالة الدولية ليست قيمة مجردة، بل هي نتاج السياسة والعلاقات وتوازنات القوى الدولية.
بيد أنه من الضروري ملاحظة كون لجنة التحقيق الدولية أصبحت أكثر مهنية وصرامة في تقاريرها وقراراتها منذ استقالة رئيسها الأول، الأهوج وخفيف الوزن، ديتلف ميليس. والمقصود هنا، ليس بالضرورة ترجيح أي من مقولتي التسييس أو المهنية، بل التأكيد على أن قرار الاتهام الذي تخطط لجنة التحقيق إعلانه، وبغض النظر عن تقييمه القانوني وصلابة الأسس والأدلة التي يستند إليها، هو في النهاية أسير سياقات سياسية، لبنانية وإقليمية ودولية.
بينت أحداث مايو/ أيار 2008 بأن حزب الله بات قوة فوق الدولة، وأن سيطرته على الوضع اللبناني وحجم تسلحه تؤهله للعب دور ملموس على صعيد التوازنات الإقليمية، فيما يتعلق بالصراع العربي – الإسرائيلي، وبالعراق، والنفوذ المصري والسعودي، ومستقبل القوى الشيعية السياسية. |
بمجرد وقوع حادثة اغتيال الحريري، وجه الاتهام مباشرة إلى دمشق من قبل القوى السياسية اللبنانية المعارضة لسورية، المدعومة أميركياً ومصرياً وسعودياً، حتى قبل أن تتسرب عن لجنة التحقيق الدولية برئاسة ميليس أية إشارة ملموسة إلى دور سوري في عملية الاغتيال. فسارعت سورية، بنصيحة تركية، لمحاولة احتواء هذه الضغوط باتخاذ قرار الانسحاب الكامل من لبنان. ولكن الضغوط على دمشق لم تتراجع؛ فقد استمرت الاتهامات الموجهة لها بالمسؤولية عن الاغتيال من السياسيين اللبنانيين ودوائر حلفائهم العرب.
استمرت حوادث الاغتيال الغامضة للشخصيات اللبنانية المعارضة لسورية. وبانتصار حماس في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية في أوائل 2006، والانتصار الذي حققه حزب الله في مواجهة الحرب الإسرائيلية في صيف العام نفسه، والتدهور الحثيث في وضع الاحتلال الأميركي للعراق، أخذت الموازين الإقليمية تنقلب لصالح سورية، فتغيرت المقاربة الأميركية تجاهها بعد صدور تقرير بيكر – هاملتون، الذي تضمن اتهام إدارة بوش بإتباع سياسة خارجية أيديولوجية تهدد المصالح الأميركية، وبدأت السعودية تستكشف إمكانية جسر الخلافات مع سورية، لا سيما في الساحة اللبنانية. وربما كان رد فعل حزب الله في مايو/ أيار 2008 على الإجراءات الأمنية التي اتخذتها حكومة رئيس الوزراء اللبناني آنذاك، فؤاد السنيورة، والتي قدر حزب الله أنها تهدد أمنه، بفرض سيطرته العسكرية على العاصمة بيروت، ومن ثم توقيع اتفاق الدوحة للمصالحة في الشهر نفسه، نقطة تحول أساسية في مجريات الوضع اللبناني والتوازنات الإقليمية المتعلقة به.
من جهة، تسارعت عجلة التوافق السعودي – السوري، وتراجع الدور الأميركي في لبنان. وبالرغم من أن قوى 14 آذار قد حققت انتصاراً طفيفاً في الانتخابات البرلمانية اللبنانية، إلا أن جوهر التوافق السعودي – السوري قام على أساس أن يكون لسورية الأولوية في لبنان، وأن يعمل البلدان على المحافظة على استقراره، بدون المس بالمصالح السورية فيه. وفي ظل هذه الأجواء، تشكلت الحكومة الائتلافية برئاسة الحريري الابن، واختفت الاتهامات الموجهة لسورية باغتيال الرئيس الحريري؛ بل أن حكومة الحريري الابن انتهجت سياسة تقارب استراتيجي مع دمشق، تمثلت في لقاءات قمة سورية – لبنانية متكررة، وتوقيع اتفاقات وبروتوكولات تعاون وتنسيق بين البلدين.
من جهة أخرى، بينت أحداث مايو/ أيار 2008 بأن حزب الله بات قوة فوق الدولة، وأن سيطرته على الوضع اللبناني وحجم تسلحه تؤهله للعب دور ملموس على صعيد التوازنات الإقليمية، فيما يتعلق بالصراع العربي – الإسرائيلي، وبالعراق، والنفوذ المصري والسعودي، ومستقبل القوى الشيعية السياسية. ولم تكن مفاجأة أن تختفي الاتهامات ضد سورية، وتتحول إلى تسريبات عن مسؤولية عناصر من حزب الله عن حادثة الاغتيال. وقد وافق حزب الله بالفعل في مارس/ آذار الماضي على ظهور أعضاء من الحزب أمام لجنة التحقيق الدولية بصفتهم شهوداً. لكن المعروف في إجراءات التحقيق العدلية الغربية أن من يبدأ شاهداً قد ينتهي متهماً. وإن صدقت التقارير الإعلامية الإسرائيلية في نهاية يوليو/ تموز المنصرم، فإن المتوقع أن يكون مصطفى بدر الدين، أحد كوادر الحزب الأمنيين، وصهر القائد العسكري والأمني للحزب عماد مغنية الذي اغتيل في تفجير سيارة بمدينة دمشق قبل عامين، أحد من يوجه إليهم الاتهام؛ وأن الاتهامات ستبدأ بعدد قليل من كوادر الحزب، ثم تتسع لتطال كوادر وقيادات أخرى، ربما صعوداً باتجاه أرفع مستويات القيادة.
سيصعب في حال توجيه الاتهام لكوادر متقدمة من حزب الله، أن يقال إن حادثة الاغتيال كانت عملاً فردياً؛ فلا يتصور أن يتصرف هذا المستوى من العناصر بدون قرار من أعلى مستويات الحزب. وهذا ما يجب أن يدفع للتساؤل حول السياق السياسي لمثل هذا التطور في عمل لجنة التحقيق.
الملك السعودي ربما لا يستطيع إلغاء المحكمة، أولاً لأن مثل هذه الخطوة تتطلب موافقة مجلس الأمن، وتتطلب قبل ذلك موافقة الرئيس الحريري الابن، ولي الدم كما سماه نصر الله. |
من جهة أخرى، شهدت الشهور القليلة الماضية تصاعداً حثيثاً في الإجراءات الأميركية والغربية ضد إيران والمتعلقة ببرنامجها النووي، بعد أن تزايدت المؤشرات على أن هذا البرنامج يوشك على تجاوز الحافة الحرجة نحو التحول إلى برنامج تسلح نووي. ولذلك، فإن اتهام حزب الله باغتيال الرئيس الحريري، حتى إن لم تجد المحكمة بعد ذلك ما يدين المتهمين، سيقوض من موقع حزب الله ونفوذه السياسي، مما سينعكس على نفوذ إيران ودورها، ويجعل توجيه ضربة عسكرية للحزب في المستقبل أيسر نسبياً. هذا، مع العلم أن اختفاء الاتهامات الموجهة لسورية لا يؤدي إلى الجزم بأن قرار لجنة التحقيق لن يتهم، في المستقبل، سوريين أيضاً.
احتمالات احتواء الأزمة وتفاقمها
هل قامت عناصر من حزب الله فعلاً بتخطيط وإعداد عملية اغتيال الرئيس الحريري، وإن فعلت فلحساب من، وبالتعاون مع من، وإن لم تكن فعلت، فمن قام بالعملية؟ هل سورية هي المسئول عن حادث الاغتيال أم أن الدولة العبرية هي من خطط وأعطى الأمر بالعملية، لإدخال لبنان وسورية والعرب في دوامة ما بعد الاغتيال؟
هذه أسئلة لا يمكن الإجابة عليها بشكل حاسم، خاصة بعد أن قال نصر الله أن لديه معلومات مؤكدة على أن قرار لجنة التحقيق الدولية سيوجه الاتهام لعناصر من حزب الله. إذن لم يعد من المهم، ربما على الأقل في المدى المنظور، البحث عن إجابات لهذه الأسئلة. المهم الآن هو البحث عن مخرج للأزمة. فقد أعلن حزب الله صراحة أنه يرى في صدور مثل هذا القرار تهديداً مباشراً له، وأنه لن يرفض التعامل مع المحكمة وحسب، بل وسيأخذ خطوات لمواجهة اتهاماتها لأعضائه. والدولة اللبنانية في وضعها الحالي غير قادرة على مواجهة الحزب.
من جهة أخرى، ليس من السهل على رئيس الحكومة الحريري الابن وحلفائه أن يتخلوا عن المحكمة بعد سنوات من إصرارهم على دعمها وتأكيدهم الدائم على حياديتها وقدرتها على إحقاق الحق، حتى أصبح القبول بالمحكمة ودعمها جزءا لا يتجزأ من برامج الحكومات الائتلافية اللبنانية منذ صدور قراري مجلس الأمن بتأسيسها. وحتى إذا سحب الحريري الابن دعمه للمحكمة، فربما لم يعد من السهل إيقاف عجلة إجراءاتها، نظراً لطابعها الدولي واستنادها إلى قرار من مجلس الأمن وليس من الحكومة أو السلطات القضائية اللبنانية، وارتباط أي قرار مستقبلي للمجلس في هذا الشأن بإرادة القوى الرئيسية فيه، لاسيما الولايات المتحدة.
وقد كانت الزيارة المشتركة التي قام بها الملك السعودي عبد الله والرئيس السوري بشار الأسد لبيروت في 30 يوليو/ تموز، بعد مباحثات ثنائية بينهما في دمشق، محاولة لاحتواء أجواء الأزمة ومنع تفاقمها. ولكن الواضح أن الرئيس الأسد والملك عبد الله، ورغم عدد من اللقاءات الجانبية التي أجراها مسئولون سوريون وسعوديون مع حزب الله وتيار المستقبل الذي يقوده الحريري الابن، لم يستطيعا التوصل إلى صيغة خروج آمنة من الأزمة. ويعتقد أن الأسد دعا الملك عبد الله إلى تفهم مخاوف حزب الله، وطالبه بالعمل على إلغاء المحكمة الدولية نهائياً، بعد أن أصبحت مصدر قلق وعدم استقرار في لبنان والمنطقة. ولكن عبد الله لم يعد إلا بالسعي إلى تأجيل إصدار قرار الاتهام المقرر له سبتمبر/ أيلول المقبل. والواقع أن الملك السعودي ربما لا يستطيع إلغاء المحكمة، أولاً لأن مثل هذه الخطوة تتطلب موافقة مجلس الأمن، وتتطلب قبل ذلك موافقة الرئيس الحريري الابن، ولي الدم كما سماه نصر الله.
من هنا، يواجه لبنان وجواره العربي عدداً من الاحتمالات، ليس بينها احتمال مأمون التداعيات على استقرار لبنان:
- موافقة السعودية والحريري الابن على العمل لإلغاء المحكمة، أو العمل على صدور قرار اتهامي يتجنب الإشارة إلى حزب الله، ويركز على أفراد لا قيمة سياسية لهم. وكلا الأمرين تقريبا سواءً، لأن الخيار الثاني هو في جوهره إلغاء فعلي، وإن لم يكن رسمياً، للمحكمة. ويستدعي هذا السيناريو مطالبات كبيرة من سورية في المقابل، تبدأ بتطبيع وضع حزب الله في لبنان، بمعنى إيجاد حل لمسألة سلاحه، ولا تنتهي عند تخفيض مستوى التحالف السوري مع إيران؛ وهذا ما يصعب على سورية الاستجابة له.
نجاح السعودية في تأجيل الإعلان عن قرار المحكمة الاتهامي؛ وهذا ليس إلا تأجيلاً للأزمة لا حلاً لها، بل إنه سيؤدي على الأرجح إلى تحويلها لأزمة بعيدة المدى. ولأن هذا ليس حلاً حقيقياً ونهائياً، فسيجعل لبنان أكثر توتراً، نظراً لأن كافة الأطراف ستبدأ في العمل على تعزيز أوضاعها، انتظاراً للحظة الإعلان المترقبة.أزمة لبنان في أن تركيبته السياسية تجعله عرضة للتدخلات الخارجية، وتجعل كافة قواه السياسية أسيرة لعلاقاتها مع قوى الخارج، لأنها متباينة المصالح في أغلب الأوقات. - اقتناع الأطراف المعنية بعجزها عن احتواء الأزمة، أو تحصل السعودية على أدلة تفيد بمصداقية قرار الاتهام واستناده إلى أدلة ملموسة، ومن ثمّ صدور قرار المحكمة الظني، وتوجيه الاتهام بالفعل لعناصر من حزب الله. وهنا، ستنفتح أبواب لبنان على مستوى آخر من احتمالات تفاقم الأزمة، بما في ذلك انهيار الحكومة الائتلافية واندلاع الصراع الداخلي في لبنان، بصورة أو أخرى. وسيكون لاتهام حزب الله، وتأييد الحريري قرار الاتهام، آثار سلبية وعميقة على العلاقات السياسية العربية – العربية، وعلى العلاقات السنية – الشيعية، داخل لبنان وخارجه. كما سيسهم صدور هذا الاتهام في توفير مناخ موات لتوجيه ضربة عسكرية لبرنامج إيران النووي، سواء من قبل الولايات المتحدة أو الدولة العبرية.
- ثمة تحليل يقول بأن سورية في الحقيقة لا تمانع صدور قرار ظني يتهم عناصر من حزب الله، نظراً لأنها باتت تعتقد بأن الوقت قد حان لتقليم أظافر الحزب وإضعافه. إن كان هذا التحليل صحيحاً، فلا شك أنه يعني دخول دمشق في صفقة كبيرة وثقيلة الوزن، لا تتعلق بمستقبل لبنان وحسب، ولكن أيضاً بإيران والصراع العربي – الإسرائيلي. ولكن المؤشرات المتوفرة حتى الآن لا تؤسس لمصداقية هذا الاحتمال، بأي حال من الأحوال.
ما ينبغي التذكير به في النهاية أن ما يشهده لبنان من تأزم ليس أمراً غريباً أو استثنائياً. لبنان الحالي وليد متصرفية جبل لبنان، التي تشكلت في ستينات القرن التاسع عشر على أساس طائفي، ودولة لبنان (الكبير) التي أقامها الانتداب الفرنسي. لبنان هذا يعيش منذ القرن التاسع عشر أزمة متصلة، تتخللها فترات سلم واستقرار. وهذا هو المستقبل الذي ينتظر العراق، إن استمر فيه الحكم على أساس طائفي. أزمة لبنان في أن تركيبته السياسية تجعله عرضة للتدخلات الخارجية، وتجعل كافة قواه السياسية أسيرة لعلاقاتها مع قوى الخارج، لأنها متباينة المصالح في أغلب الأوقات. وليس ثمة من حل للمسألة اللبنانية بدون التحرر من النظام الطائفي وتحصين البلاد من التدخلات الخارجية.
_______________
مركز الجزيرة للدراسات