مركز الجزيرة للدراسات
مؤتمر لندن هو المؤتمر الدولي السادس الذي يُعقد منذ الاحتلال الأميركي لأفغانستان عام 2001، وقد مثل هذا المؤتمر الذي عقد في أكتوبر/ تشرين أول 2010 إقرارا ودعما لسياسة الرئيس الأفغاني حميد كارزاي، ولمقررات قمة اسطنبول التي جمعت رؤساء أفغانستان وباكستان وتركيا ودعت للحوار مع طالبان أو بالأحرى مع "المعتدلين منهم". وبهذا كانت أول ثمار المؤتمر أنه كشف عن فشل الخيار العسكري أولا، ثم منح شرعية لطالبان ولكل من يتصل أو يتحاور معها.
جدية الحوار المطروح وموقف طالبان
تعتقد طالبان أن الهدف من طرح الحوار معها هو استمالة مقاتليها، لهذا جاء الطرح الغربي بصيغة التحاور مع المعتدلين من عناصرها. |
فطالبان تصر على شرطين أساسيين لم يتغيرا منذ البداية وهما رفض الدستور الأفغاني، والمطالبة بانسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، وهما مسألتان حيويتان للقوى الغربية ولحكومة كارزاي أيضا، ويأتي الدفع بثلاثين ألف جندي أميركي إلى أفغانستان ليزيد من قناعة طالبان أن الطرف الآخر لا يزال يصر على الخيار العسكري مع تصعيده الأخير في هلمند، وتصعيده في استهداف شبكة القائد سراج الدين حقاني شمال وزيرستان القبلية الباكستانية، حيث زادت موازنة الضربات الجوية الأميركية هذا العام بنسبة 75% عن موازنة العام الماضي، وهو ما تعكسه كثافة الضربات في الشهر الأول من العام الجديد.
وتعتقد طالبان أن الهدف من طرح الحوار معها هو استمالة مقاتليها، لهذا جاء الطرح الغربي بصيغة التحاور مع المعتدلين من عناصرها، وهو الذي دعا إليه الرئيس كارزاي حين طالب بشطب أسماء بعض القيادات الطالبانية من فئة المحظورين للتحاور معهم، والملاحظ أن هذه القيادات لا علاقة لها بالحركة، كما لم يشطب منها سوى خمسة أسماء من أصل مائة وأربعين اسما محظورا، وهم من الذين لا تأثير لهم على أرض المعركة.
وعزز هذا الاعتقاد لدى طالبان قائد القوات المركزية الأميركية ديفيد بتريوس الذي قال إنه لا بد من مناطق آمنة يلجأ إليها المقاتلون الذين تتم استمالتهم تمهيدا لخطة المصالحة، وهو الأمر الذي أيده فيه قائده في أفغانستان الجنرال ستانلي ماكريستال الذي دعا إلى اعتماد بليون ونصف البليون دولار من أجل استمالة مقاتلي طالبان، مع الإشارة إلى أن ماكريستال كان قد صرح للفايننشال تايمز بوجوب وقف الحرب، وأن لا بد من التوصل إلى حل سلمي.
ولكن حاول قائد قوات النيتو في أفغانستان فوغ راسموسن أن يبدد ما تشير إليه رؤية كرزاي والتصريحات الأميركية الآنفة الذكر، عندما قال في إسطنبول "إن الخطة الجديدة لا تعني استمالة مقاتلين من طالبان أو رشوتهم".
وحتى الآن، يمكن القول إنه إن كانت هناك مفاوضات فهي تجري مع قيادات طالبانية سابقة لا قوة ولا تأثير لها على أرض الواقع. وبالتالي فإن القوى المؤثرة والفاعلة الطالبانية ما زالت مستبعدة أو يتم تجاوزها، وهذا يضع القوى الغربية والمناهضة لطالبان في ضبابية لم تفصح ولم توضح ماذا تريد، ولا ما هي الجهات التي يريدون الحوار معها. مع العلم أن الرئيس الأفغاني نفسه الذي توجه إلى السعودية طالبا منها التوسط لدى طالبان، ألغى لقاء له كان مقررا مع منظمة المؤتمر الإسلامي التي كان من المفترض أن تسهل أو تساعد في عملية الحوار، دون أن يكشف أسباب ذلك.
وعلى العموم من الواضح أن المفاوضات والحوار حاجة أميركية وغربية لأن طالبان لم تطلب المفاوضات، في حين بذلت طيلة السنوات الماضية جهود أميركية وبريطانية وفرنسية علنية وسرية من أجل استمالة قادة طالبانيين بالمال وفشلت في تحقيق أهدافها.
وإذا لم تقم الدول الغربية المعنية بالحوار بشطب أسماء مائة وأربعين قياديا طالبانيا عن قائمة الأسماء المحظورة، فإنه ليس من المتوقع أن تعلق طالبان بشكل واضح لا غموض فيه على مبدأ المفاوضات والحوار، أولا لأنها ليست على عجلة من أمرها فهي تعتقد أن الطرف الآخر تملكه التعب ومل من مواصلة الحرب بمقابل التنامي المتصاعد لقوتها، وثانيا لأن ما يُطرح عليها ما دام يميز بين معتدلين ومتشددين فهو "مشروع شراء ذمم مقاتليها وقادتها" وليس مشروع مصالحة أو حوار.
احتمال انقسام طالبان تجاه طرح الحوار
بالنظر إلى ما آلت إليه تجربة العراق، هناك توقعات بأن مجرد قبول طالبان أو بعض فئاتها لمبدأ الحوار، فإن احتمال وقوع انقسام في صفوف طالبان أمر متوقع. |
وعليه من الصعب الجزم أو ترجيح وقوع الانقسام في الحركة سواء في حال قبلت مبدأ الحوار أو لم تقبله، ما دامت القيادات السياسية والعسكرية فيها منسجمة مع بعضها، وخاصة إذا ما بقيت متفقة على القضيتين الأساسيتين التي تدور حولهما الحركة ألا وهما: الانسحاب الأجنبي من أفغانستان، ورفض الدستور. أي رفض الاحتلال وما أفرزه أو نتج عنه طوال السنوات الماضية.
لكن مع هذا لا بد من تسجيل إمكانية وقوع الاحتمال الآخر في حال قبول طالبان بالحوار، لأن هناك مجموعات صغيرة في داخل أطر الحركة تدين بالولاء للملا عمر لكنها ترفض مبدأ الحوار، مثل مجموعة داد الله القائد العسكري السابق لطالبان. إضافة إلى مجموعة سراج الدين حقاني -نجل القائد المعروف جلال الدين حقاني- في جنوب شرق أفغانستان، الذي بدا أخيرا أن أجندتها ربما تكون عالمية الإعلان والظهور، بخلاف طالبان التي تسعى حتى الآن إلى الظهور وكأن أجندتها أفغانية محلية. ومن ذلك أن هذه المجموعات أعلنت ضم اسم عالمة الأعصاب الباكستانية عافية صديقي -التي جرمها القضاء الأميركي مؤخرا- إلى قائمة واحد وعشرين سجينا طالبانيا ينبغي الإفراج عنهم ضمن صفقة التبادل مع جندي أميركي محتجز لديها، وهو ما لا تريده طالبان الرئيسية الحريصة على جعل الصراع أفغانيا محليا.
الحوار وتخلي طالبان عن القاعدة
اشترطت المملكة العربية السعودية للتوسط مع طالبان للحوار، أن تتخلى الحركة عن تنظيم القاعدة وهو الأمر الذي يستبعده المراقبون والخبراء، فطالبان فقدت حكمها بسبب إصرارها على إيواء القاعدة، وخاضت حربا مع أكثر من أربعين دولة بسبب القاعدة، وقاتلت الأخيرة معها، والملا عمر يوصف بأنه رجل "مبادئ" ويحفظ "وعوده" والتزامه بالقاعدة فيما مضى أحد الأسباب الرئيسية لاتصافه بهذه الأوصاف، وبالتالي من الصعب التوقع بأنه سيغير موقفه من مسألة القاعدة.
إضافة إلى ذلك أن المجموعات الصغيرة المسلحة المنضوية تحت الطالبان والأكثر نفوذا على الساحة العسكرية، مثل مجموعة حقاني وداد الله ، تتماهى ربما مع القاعدة فكرا وممارسة.
وعلى كل فقد جاءت بعض التسريبات لتؤكد هذا التوجه، ومضمونها يقول بأن حركة طالبان وضعت شروطا ثلاثة لبدء الحوار، ويبدو أنها صحيحة:
- شطب كل أسماء القاعدة من القائمة السوداء الدولية.
- إطلاق سراح كل عناصر طالبان ومن كل السجون أينما وجدت.
- ووقف عملية إرسال المزيد من القوات الأجنبية إلى أفغانستان، هذا إذا كنتم جادين في الحوار.
والشرط الأول منها على وجه الخصوص يتناقض مع الشرط السعودي للانخراط في آلية الحوار، الأمر الذي سيدفع بأصحاب طرح الحوار إلى البحث عن بديل آخر كمكان للمفاوضات والحوار.
آلية الحوار المتوقعة
من الصعب تصور حصول حوار في الفترة القصيرة المقبلة، لكن إن حصل ذلك فإن مبادئ وآليات وتعقيدات المفاوضات الدولية التي تعارفت عليها الدبلوماسية الدولية لا يمكن تطبيقها على أفغانستان وطالبان تحديدا. |
وكذلك هناك تركيا وربما باكستان وإن كان من الصعب أن تكون الأخيرة منطقة محايدة مع وجود اعتراض إيراني وهندي وأفغاني شمالي عليها، لكن دورها سيكون المقنع لطالبان.