تصاعد مطرد للصراع الإقليمي على سورية

إيران تقف إلى جانب النظام السوري، وتركيا إلى جانب الثوار، أما الدول العربية فلا تزال لم تتفق على موقف واضح يحمي سوريا من الحرب الأهلية و التدخل الأجنبي.
20111026943624734_2.jpg

كان واضحاً منذ تصاعدت حدة الانتفاضة الشعبية المعارضة لحكم الرئيس الأسد، وعجز نظام الحكم عن اجتثاث الحراك الجماهيري–السياسي أو احتوائه، أن الأزمة السورية ستتطور إلى تدافع إقليمي، وربما دولي. فباعتبار موقع سورية في القلب من المشرق العربي–الإسلامي، وتأثيرها الكبير على أدوار قوى إقليمية رئيسة، مثل إيران وتركيا والعربية السعودية، إضافة إلى دورها في لبنان وفي الصراع العربي – الإسرائيلي، يعد مستقبل سورية شأناً أكبر من سورية نفسها. ولأن الأزمة السورية طالت لأكثر من سبعة شهور، بدون أن يبدو لها أفق قريب، فإن من المتوقع أن يحتدم التدافع الإقليمي والدولي على سورية في صورة لم تعرفها أي من الثورتين المصرية والتونسية، اللتين نجحتا في إحداث تغيير في بنية النظام خلال أسابيع قليلة فقط.

بكلمة أخرى، كلما طال أمد الصراع الداخلي على مستقبل سورية السياسي، كلما تصاعدت محاولات التدخل الخارجية، التي ستأخذ في البداية صورة إقليمية تستبطن بعداً دولياً بالتأكيد ثم تتطور إلى صراع إقليمي ودولي متداخل بعد ذلك. وليس ثمة شك في أن الإعلان عن تأسيس المجلس الوطني السوري بمدينة اسطنبول (2 أكتوبر/ تشرين أول)، الذي يفترض أن يضم القطاع الأوسع من قوى المعارضة وفعاليات الحراك الشعبي، قد رفع من وتيرة هذا التدافع.

ستنظر هذه الورقة في تداعيات الإعلان عن المجلس الوطني، وفي تطور مواقف الأطراف الإقليمية الرئيسة من الأزمة السورية، وفي تأثير كل من هذه المواقف في اللحظة الراهنة.

تداعيات تشكيل المجلس الوطني

بالنظر إلى تعدد المحاولات لبلورة هيئة تمثل قوى المعارضة والحراك الشعبي، منذ اندلاع الثورة السورية في منتصف مارس/ آذار، لم يكن من السهل توقع ردود الفعل الوطنية السورية على الإعلان عن المجلس الوطني. ليس ثمة شك أن مشروع المجلس، في صيغته الموسعة، قد ضم قطاعاً عريضاً من قوى المعارضة وأن فترة الإعداد الطويلة له سمحت بضم العدد الأكبر من تجمعات اللجان التنسيقية المحلية التي تنظم وتقود فعاليات الحراك الشعبي في المدن السورية المختلفة. ولكن تأسيس المجلس على مرحلتين (الإعلان الأول في 15 سبتمبر/ أيلول، والثاني الموسع في 2 أكتوبر/ تشرين أول) ولّد شكوكاً معتادة حول مدى نجاحه في توكيد مصداقيته لدى الحراك الشعبي.

جاءت المفاجأة الأولى في يوم الإعلان نفسه عندما خرجت مظاهرات عفوية في ريف دمشق وحمص وبلدات شمالية أخرى تعرب عن تأييدها للمجلس مباشرة بعد نهاية قراءة بيان المجلس الأول. ولكن الاستفتاء الشعبي الحقيقي على المجلس حدث يوم الجمعة 7 أكتوبر/تشرين أول عندما شهدت كل المدن والبلدات السورية المنتفضة مظاهرات حاشدة تأييداً للمجلس، وهو الأمر الذي عجزت عن تحقيقه هيئة التنسيق الوطني، التي تضم قوى وشخصيات من اتجاهات يسارية وقومية وليبرالية بقيادة السيد حسن عبد العظيم. لا يعني ذلك بالضرورة أن المجلس الوطني قد أصبح الجهة الوحيدة لتمثيل قوى الثورة والحراك الشعبي، ولكنه بالتأكيد قد اكتسب موقعاً أقوى بكثير من ذلك الذي تحتله أية جهة أخرى.

بيد أن تصريحات قيادات المجلس المبكرة بأن المجلس سيحصل على اعترافات عربية ودولية لم ترتكز إلى قراءة دقيقة للأمور. رحبت الدول الغربية الرئيسة بتأسيس المجلس، وقد قابل ممثلون عنه وزير الخارجية الفرنسي والوزير البريطاني المسؤول عن الشرق الأوسط. ولكن أياً من الدول الغربية لم تعلن اعترافاً رسمياً به. يعني الاعتراف الرسمي بالمجلس في لغة العلاقات الدولية سحباً تلقائياً للاعتراف بنظام الحكم السوري (كما وقع في الحالة الليبية)، وهذه خطوة مبكرة من وجهة نظر الدول الغربية والأغلبية العظمى من الدول العربية، لاسيما أن المجلس، وبخلاف المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا، لا يسيطر على أي جزء من الأراضي السورية.

الاعتراف الوحيد الذي حصل عليه المجلس جاء من المجلس الوطني الانتقالي الليبي، ومن ثم دعوة ممثليه لزيارة رسمية إلى طرابلس (18 أكتوبر/تشرين أول). وكان وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو قد قابل في أنقرة مجموعة من قيادات المجلس في اليوم السابق، في أول لقاء رسمي بين تركيا وقوى المعارضة السورية. كما أن الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي اجتمع هو الآخر بممثلي المجلس في القاهرة مساء 18 أكتوبر/ تشرين أول، بعد انتهاء زيارتهم للعاصمة الليبية.

اللقاءات المختلفة مع مسؤولين غربيين ومع وزير الخارجية التركي والأمين العام للجامعة العربية إضافة للاعتراف الليبي الرسمي، عززت من موقع المجلس الوطني. والمتوقع أن تعمل دولة عربية أخرى على عقد لقاءات رسمية علنية مع قيادات المجلس وممثليه. ولكن السؤال المعلق حتى الآن هو ما إن كان وجود المجلس سيعزز من الجهد العربي لإيجاد حل سريع للأزمة السورية.

الموقف التركي
الحقيقة أن موقفاً تركياً حاسماً وقاطعاً من الوضع السوري لم يتبلور بعد. فخلال الأشهر الأولى من الثورة السورية، كانت أنقرة أقرب إلى الحفاظ على نظام الرئيس الأسد، بعد إجراء إصلاحات تشريعية ودستورية وسياسية جوهرية في بنية النظام. وقد تصور رئيس الحكومة التركي طيب رجب أردوغان أن علاقات بلاده التحالفية الوثيقة مع سورية ستكون أداة تأثير قوية وفعالة على الرئيس السوري. ولكن لقاءات المسؤولين الأتراك المتكررة بالرئيس السوري طوال شهري أبريل/ نيسان ومايو/ أيار لم تفلح في تحقيق نجاحات تذكر. وبينما تزايدت أعداد ضحايا الثورة السورية وتكررت نداءات المتظاهرين السوريين لتركيا بالتدخل، كانت الثقة بين أنقرة ودمشق تتلاشى بصورة حثيثة. والمؤكد أن زيارة داوود أوغلو لدمشق في أغسطس/آب واجتماعه الماراثوني بالرئيس الأسد كانت نهاية طريق سياسة الضغط من أجل الإصلاح.

منذ ذلك اللقاء تزايدت المراهنات حول احتمالات التدخل التركي في سورية. ولكن الواضح أن ثمة حدوداً لما تستطيع تركيا القيام به. فالتدخل التركي العسكري المباشر في سورية يتطلب غطاءً قانونياً دولياً (وغطاءً عربياً سياسياً)، إضافة لقرار برلماني تركي. وفي ضوء الموقفين الروسي والصيني في مجلس الأمن الدولي، يمكن القول إن الغطاء الدولي غير متوفر في المدى المنظور، هذا قبل أن تبدأ القيادة التركية في التفكير بجدوى مثل هذا التدخل وإمكانية تحقيق دعم عربي وبرلماني تركي له. من جهة أخرى، فإن فرض عقوبات اقتصادية تركية واسعة على سورية لابد أن يترك تأثيراً سلبياً على الأوضاع المعيشية للشعب السوري، نظراً للعلاقات الاقتصادية والتجارية الوثيقة بين البلدين. فكيف إذن يمكن لتركيا أن تتحرك لدعم الحراك الشعبي السوري؟

ما قامت به تركيا حتى الآن هو فتح أبواب البلاد لقوى المعارضة السورية المختلفة (وليس للإسلاميين فقط، كما يُعتقد)، سواء لعقد اجتماعاتهم أو للتعبير عن مواقفهم، وفرض حظر غير معلن على إمدادات السلاح للدولة السورية، وإيقاف التواصل مع نظام الأسد وتبني خطاب معارض لسياساته تجاه الحراك الشعبي، وأخيراً، قيام وزير الخارجية التركي باستقبال وفد من المجلس الوطني السوري. والأرجح أن رئيس الحكومة التركية سيعلن عن حزمة إجراءات أخرى تجاه النظام السوري بعد عيد الأضحى، خلال زيارة يقوم بها أردوغان لمخيمات اللاجئين السوريين، وهي الزيارة التي أُجلت بسبب وفاة والدته. وبالرغم من تكتم الحكومة التركية، فمن غير المتوقع أن تتضمن هذه الحزمة أية إجراءات ذات طابع عسكري. مع العلم بأن تركيا قد قامت منذ فترة بتعزيز قواتها في منطقة الحدود التركية – السورية.

بالرغم من أن الإجراءات التركية ضد النظام السوري لم تصل حتى الآن إلى مستوى القطيعة الكاملة أو التهديد المباشر، فإن انطباعاً تولّد بأن أنقرة، أكثر من أي عاصمة أخرى، تعمل على إطاحة النظام السوري والتحكم في عملية التغيير. أحد أسباب هذا الانطباع هو الحرية الواسعة التي توفرها تركيا لنشاطات المعارضة السورية. أمّا الأسباب الأخرى، فتتعلق بطبيعة الارتباط الجيوبوليتيكي والبشري بين تركيا وسورية، وإدراك كافة الأطراف المهتمة بأن تركيا ستلعب دوراً رئيساً في أي تدخل عسكري دولي محتمل، إضافة إلى التعاطف بين حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم والقوى الإسلامية السورية التي تشكل القطاع الأكبر من قوى المعارضة. وقد بات هذا الانطباع مصدر قلق متزايد لدى إيران وبعض الدول العربية.

الموقف الإيراني
وجّه المستشار العسكري لمرشد الجمهورية الإسلامية في إيران، قائد الحرس الثوري الإيراني السابق رحيم صفوي، تهديداً صريحاً لتركيا (9 أكتوبر/ تشرين أول) على خلفية تراكم الخلافات بين الجارتين الإسلاميتين الكبيرتين، فقال إن على تركيا "أن تتوقع الكثير من المتاعب (من شعبها وجيرانها، كما قال صفوي) إن لم تعد النظر في سياستها تجاه سورية، ومضت قدماً في نصب الرادارات الخاصة بنظام الصواريخ المضادة للصورايخ الخاص بحلف الناتو، واستمرت في ترويج العلمانية – الإسلامية". بعضٌ مما قاله صفوي في مقابلته مع وكالة أنباء إيرانية شبه رسمية كرره الرئيس الإيراني أحمدي نجاد.

يحمل القلق الإيراني من السياسة التركية، من وجهة نظر صفوي، ثلاثة أبعاد: دور تركيا في مجالها الإقليمي المباشر (سورية)، وزن علاقات تركيا الغربية (الناتو)، وتأثير تركيا الفكري والثقافي في الجدل حول مستقبل الدول العربية –الإسلامية (الدعوة للعلمنة).

والحقيقة أن الخلافات المتزايدة بين تركيا وإيران، بعد شهر عسل سياسي واقتصادي قصير، لم تعد تخفى. وإذا استثنينا مسألة "العلمنة الإسلامية" ذات الطابع الدعائي، ونصب الرادار الخاص بجدار الناتو الصاروخي، الذي لا يخلو من احتياطات دفاعية تركية أيضا، فلابد من النظر إلى سورية باعتبارها مصدر التوتر الأكبر في العلاقات الإيرانية–التركية المستجدة.

تمثل سورية قاعدة إستراتيجية بالغة الأهمية للنفوذ الإيراني في الجوار العربي المشرقي، حيث توفر نافذة على المتوسط، وطريقاً آمناً إلى لبنان وشريكاً يعتمد عليه، يجعل من إيران طرفاً في الصراع العربي – الإسرائيلي. كما أن التحالف الإيراني–السوري يعتبر ضمانة حيوية للنفوذ الإيراني في العراق. وقد نظرت طهران بقلق لا يخفى إلى التقارب السوري–التركي في السنوات القليلة الماضية. وفي حين يصب التدهور في العلاقات بين أنقرة ودمشق لصالح طهران، فإن إيران ستبذل كل جهد ممكن لمنع سقوط نظام الحكم في دمشق وبروز نظام حكم سوري جديد وثيق الصلة بتركيا.

حاول مسؤولون إيرانيون قبل أسابيع، بما في ذلك أحمدي نجاد، وضع مسافة بين طهران والتصاعد المستمر في مستويات القمع الدموي الذي يمارسه النظام السوري ضد الحراك الجماهيري. ولكن دعوات طهران للإصلاح في سورية لابد أن ينظر لها في صورة تفصيلية وليس كمجرد موقف عام. والمؤكد أن الإصلاح الذي تقبل به إيران في سورية لا يزيد كثيراً عن تصور النظام السوري للإصلاح، بمعنى أن تنتقل سورية لنظام سياسي أكثر انفتاحاً، وبتعددية سياسية حذرة ومتحكم بها، تتعلق بتكليف الحكومة ورئيسها والإطاحة بهما، ولا تمس رئيس الدولة وسلطاته الواسعة والأجهزة المرتبطة به.

الموقف العربي
بخلاف خطوة سحب سفراء دول الخليج العربي من دمشق، التي لم تتبعها إجراءات إضافية ضد النظام السوري، لم يتبلور موقف عربي واضح من الأزمة السورية حتى نهاية أغسطس/ آب، الشهر الذي شهد تصاعداً ملموساً في حركة الاحتجاج الشعبي ومستوى القمع الرسمي على السواء. ويعتبر اتفاق مجلس الجامعة العربية (المجتمع على مستوى وزراء الخارجية) على المبادرة العربية حول سورية في 28 أغسطس/ آب أول مؤشر على عودة التماسك والفاعلية للنظام العربي منذ انفجرت الثورات العربية في ديسمبر/ كانون أول 2010.

حملت المبادرة تصوراً وسطياً ومحافظاً لحل الأزمة السورية، يستجيب لبعض المطالب الشعبية (توقف عنف الدولة، سحب الجيش وقوات الأمن من الشوارع، الإفراج عن المعتقلين ...الخ)، ويقر بقاء الرئيس بشار الأسد في موقعه حتى 2014، مع الدعوة لمفاوضات بين الحكم والمعارضة للاتفاق على خطوات الإصلاح.

بيد أن الرئيس السوري لم يستقبل الأمين العام للجامعة العربية إلا في 10 سبتمبر/ أيلول. وبدا واضحاً في نهاية اللقاء أن الأسد رفض التعامل مع المبادرة. خلال الأسابيع التالية، وباستمرار دورة العنف في التصاعد، كانت معدلات الانشقاق عن الجيش السوري تتزايد، وبدأت العقوبات الغربية تترك أثرها على اقتصاد البلاد وموارد الدولة، بينما نجحت المعارضة في الإعلان عن المجلس الوطني.

ولذا، فعندما التقى وزراء الخارجية العرب من جديد في 16 أكتوبر/ تشرين أول لبحث الأزمة، كان النظام يواجه وضعاً أسوأ من ذلك الذي واجهه في نهاية أغسطس/آب. في نهاية لقاء طويل، اتفق مجلس الجامعة على إعطاء النظام السوري مهلة أسبوعين، يقوم خلالها وفد عربي بزيارة دمشق بهدف العمل على إطلاق مباحثات بين النظام وقوى المعارضة، تحت رعاية الجامعة العربية، للتوصل إلى اتفاق سوري وطني حول برنامج الإصلاح. هذه المرة لم يكن رفض النظام لقرارات الجامعة العربية قاطعاً، وأعلن موافقته على استقبال اللجنة العربية بحر الأسبوع الجاري.

ليس ثمة شك في أن المبادرة العربية، بتصورها المحافظ للتغيير، توفر طوق نجاة لنظام الأسد. ولكن دوافع النظام لرفضها في المرة الأولى لم تؤسس على سيادة الدولة السورية وحسب، ولكن أيضاً على خشية وهمية من أن تكون المبادرة مقدمة لتوفير غطاء عربي لتدخل أجنبي. ومع أن من الصعب القول أن هناك موقفاً عربياً واحداً، فإن الاتفاق العربي في اجتماعي مجلس الجامعة يشير إلى وجود حد أدنى مما يمكن تسميته بموقف عربي موحد من سورية. يستند هذا الموقف إلى تقدير عربي بأن أياً من طرفي الأزمة السورية غير قادر على حسم المواجهة، وأن وضع سورية وموقعها يستوجب محاولة تجنب التدخل الأجنبي، وأن اندلاع حرب أهلية في سورية قد يهدد الأمن العربي في دائرة واسعة من الجوار السوري، وأن من الضروري أن لا تترك الدول العربية الملف السوري للتدافع الإيراني-التركي.

ليس من الواضح ما إن كان النظام، عند استقباله الوفد العربي (المقرر أن يصل دمشق يوم الأربعاء 26 أكتوبر/ تشرين أول) سيقبل بالتفاوض مع المعارضة، لاسيما المجلس الوطني، وما إن كان المدى الذي يتصوره النظام للإصلاح يعتبر مقبولاً من الوفد العربي ومقنعاً للشارع السوري وقوى المعارضة السياسية السورية. ولكن الملاحظ على أية حال أن اجتماع مجلس الجامعة العربية الثاني حول سورية قد تبعه تصعيد ملموس في معدلات القمع الدموي الذي يمارسه النظام ضد الحركة الشعبية.

استنتاجات

بالرغم من وعي كل من الأطراف الإقليمية الثلاثة، الإيراني والتركي والعربي، بموقف كل من الطرفين الآخرين، إلا أن حواراً جاداً بينها لم يبدأ بعد. وليس من الواضح إن كان ثمة تفكير لدى أي من الأطراف الثلاثة في إطلاق مثل هذا الحوار. ويعزز غياب قنوات الاتصال والحوار بين الأطراف الثلاثة من ديناميكية التدافع بينها. ولأن الأوضاع على الأرض السورية لا تشير إلى حسم قريب لصالح النظام أو الحراك الجماهيري، فمن المتوقع أن تتصاعد حدة هذا التدافع. ولكن الإقليم لا يعيش عقد الخمسينيات من القرن العشرين عندما كانت سورية ساحة صراع إقليمي ودولي غُيب فيه دور الشعب السوري نفسه، فما تشهده اليوم هو حركة معارضة جماهيرية واسعة النطاق سيكون للشعب السوري فيها الدور الأكبر. وهذا ما يستدعي مراجعة جوهرية وسريعة من أطراف التدافع الثلاثة، لاسيما الطرف العربي، الذي يفتقد موقفه للوضوح الذي بات يتسم به كل من الموقف الإيراني والتركي.

فمن ناحية، تقف إيران موقفاً داعماً للنظام في دمشق وتبذل كل جهد ممكن من أجل أن لا تطال عملية الإصلاح جوهر النظام ووجوده. ولا يبدو أن طهران تكترث كثيراً بردود الفعل الشعبية، السورية والعربية، تجاه موقفها من الأزمة، إذ أن ضرورات بقاء النظام السوري بالنسبة لإيران ودورها في المشرق العربي تفوق كثيراً أية ردود فعل شعبية. ومن ناحية أخرى، تحركت تركيا تدريجياً خلال الشهور القليلة الماضية نحو فك الارتباط مع النظام السوري، وتبدو الآن وكأنها توشك على التبني الصريح لإسقاطه، بعد أن فتحت أبواب البلاد لكافة أطياف المعارضة السورية واستضافت العدد الأكبر من اللاجئين السوريين وأصبحت منطقة الحدود التركية – السورية ملاذاً آمنا لعناصر الجيش السوري المنشقة.

ما يفتقده الموقف العربي هو الوضوح الكافي لاكتساب الدور الفعال في تقرير مجريات الوضع السوري. ففي حين يساند الموقف العربي الإصلاح، لا يبدو واضحاً مدى الإصلاح الذي يريده العرب في سورية. وفي حين يدعو الموقف العربي لحوار بين النظام والمعارضة، لا يبدو أن العرب قد قرروا في صورة واضحة المسائل والأهداف التي سيدور حولها الحوار، أو هوية المعارضة التي ستحتل موقع المحاور للنظام. وفي حين يسعى الموقف العربي إلى أن تتجنب سورية الحرب الأهلية أو التدخل الأجنبي، فليس من الواضح ما إن كان العرب قد اتفقوا على الأدوات والوسائل التي سيوظفونها لفرض رؤيتهم على أطراف الأزمة السورية. بذلك، لم يزل الموقف العربي يفتقد ثقة النظام والمعارضة على السواء.