الأردن: تصدعات في صفوف قوى الإصلاح

لعبت السلطات الأردنية على التفرقة بين السكان حسب أصولهم لإضعاف جبهة المطالبين بالإصلاح.







 

مركز الجزيرة للدراسات


تعيش الحالة السياسية في الأردن توترا وتأزما، والمشهد تسوده الضبابية والارتباك وعدم الوضوح، وظهر ذلك جلياً بعد أحداث (25) مارس/آذار الماضي التي شكلت صدمة وهزّة عنيفة لحالة الانسجام الشكلية التي حرص النظام على إضفائها طوال الشهرين المنصرمين، عندما أصبحت المناداة بالإصلاح على ألسنة جميع الأطراف ابتداءً بالقوى السياسية المعارضة، والقوى الاجتماعية والنقابية، وانتهاءً بالحكومة والملك.





تعيش الحالة السياسية في الأردن توترا وتأزما، والمشهد تسوده الضبابية والارتباك وعدم الوضوح، وظهر ذلك جلياً بعد أحداث (25) مارس/آذار الماضي.
أحداث (25) مارس/آذار أعادت الأمور إلى بدايتها، وأصبح المشهد السياسي مستقطبا، ورئيس الحكومة ومعه مؤسسة القرار يعيشون حالة من الارتباك والتردد والتناقض.

فقد سارع رئيس الحكومة الأردنية، معروف البخيت، إلى اتهام الحركة الإسلامية وحزب جبهة العمل الإسلامي بتلقي التعليمات من سوريا ومصر، وأنّهما لا يريدان الإصلاح ولا الحوار، وحمّلهما مسؤولية ما جرى ويجري، ويرى بعض المراقبين أنّ الأجهزة الأمنية والقوى المتنفذة اتبعت أسلوب إثارة التمييز الجهوي، واستخدمت لعبة التفرقة على الأصول، وقامت بالتجييش في عدة قضايا:



  1. الأول: إثارة الانقسامات الاجتماعية عن طريق تخويف الفئة السكانية من أصل أردني من أن هناك حراكا فلسطينيا لإحكام السيطرة على البلد، ويعتمدون في ذلك على مقولة (الوطن البديل) التي ظهرت على ألسنة المسئولين الصهاينة، ويحاولون إعادة ذكريات عام (1970م) وما حدث من حرب أهلية.


  2. الثاني: إثارة المواطنين ضد الحركة الإسلامية واتهامها بعدة تهم منها:


  • الارتباط بالخارج.

  • لديهم مخطط للاستيلاء على الحكم، وأنهم يعملون للإطاحة بالملك.

  • فرض رؤيتهم بالقوة من خلال الشارع، وعدم انخراطهم في لجنة الحوار الوطني.

  • تعطيل حركة الناس وإغلاق الشوارع والتأثير سلبا على الحياة الاقتصادية وإثارة الفوضى.


  • الثالث: اتباع أسلوب التخويف والتهديد لقيادات الحركة الإسلامية، وخاصة الذين هم من أصول فلسطينية، وافتعال الحوادث والاعتداءات.

  • وفي هذا الجو، كادت لقاءات الحوار، التي دعت إليها المؤسسة الملكية وتتابعها الحكومة، أن تفشل، ولكن سرعان ما تحول الموقف على إثر اجتماع عاجل للملك عبد الله الثاني مع لجنة الحوار، من أجل إنقاذ الموقف واستئناف الحوار ومسيرة الإصلاح، فدعا إلى نسيان ما حدث والتطلع نحو المستقبل، وأعلن ضمانته لقرارات اللجنة، كما وافق على إدراج بند (التعديلات الدستورية) على جدول أعمال اللجنة، ممّا أسفر عن عودة المستقيلين جميعاً إلى اللجنة، فعادت الحياة إليها وارتاحت الحكومة.


    الأهداف السياسية للتحرك الحكومي
    تهدف الحكومة والجهات المتنفذة إلى تحقيق الأهداف الرئيسية التالية:



    • أولاً: وقف حركة الشارع والحيلولة دون تطورها نحو حركة شعبية عارمة تطالب بالإصلاح، وتفرض رؤيتها من خلال الحراك الشعبي السلمي كما حدث في مصر وفي تونس قبلها.


    • ثانياً: عزل الحركة الإسلامية عن الشارع أولاً، وعن القوى السياسية والاجتماعية والنقابية، بحيث يبدو الحراك وكأنّه نشاط سياسي فردي حزبي للحركة الإسلامية فقط، وليس حراكاً شعبياً شاملاً.


    • ثالثا: العمل على إظهار الحركة الإسلامية أنّها حركة احتجاج فلسطيني؛ من أجل حرمانها من التمثيل المجتمعي الشامل، ومن أجل تقزيم مطالبها الإصلاحية والإنقاص من شرعيتها.

    مقدار النجاح الحكومي
    هناك نجاح حكومي في القدرة على إحداث انشقاقات داخل القوى المنادية بالإصلاح. وقد وجدت مقولة أن الفئة الفلسطينية تريد من خلال الإصلاح الاستيلاء على البلد وتحقيق مشروع التوطين والوطن البديل أُذناً صاغية لدى قطاعات معينة خاصة من تلك الشرائح المنخرطة في الدرك والأجهزة الأمنية بالإضافة إلى بعض سكان البادية ومناطق الأطراف، وشرائح ليست واعية تماماً لما يجري، بالإضافة إلى فئة معادية للحركة ومستفيدة من الوضع القائم.





    ويرى بعض المراقبين أنّ الأجهزة الأمنية الأردنية والقوى المتنفذة اتبعت أسلوب إثارة التمييز الجهوي، واستخدمت لعبة التفرقة على الأصول، وقامت بالتجييش في عدة قضايا.
    كما أنّ الأجهزة الأمنية استطاعت تحقيق اختراقات ناجحة في القوى السياسية المعارضة من حيث تشكيل موقف سياسي للأحزاب جعلها  تنأى بنفسها عن الحركة الإسلامية في المحطات المهمّة، مثل المشاركة في لجنة الحوار على سبيل المثال.

    كما حققت اختراقاً آخر عن طريق إيجاد شرخ بين الجسم النقابي والجسم السياسي الحزبي، إذ يحاول النقابيون أن يتخذوا موقفاً سياسياً مغايراً عن موقف أحزاب المعارضة وعن موقف الحركة الإسلامية، مثل عدم المشاركة في النشاطات الجماهيرية.


    يمكن القول أيضاً أنّها حققت بعض التأثير على قيادات الحركة الإسلامية، بإرباك اندفاعها نحو الإصلاح من خلال التهديدات، كحادث قيام شخص بدوي من شرق الصحراء الأردنية "الريشة"، تبعد (300 كم) عن عمّان العاصمة، بحمل حزام متفجر وهمي، عبارة عن قطع خشب وبطاريات تالفة، ويقتحم به مبنى جبهة العمل الإسلامي.


    وإذا علمنا بأنّ الإستراتيجية الحكومية عملت على إبراز الحركة الإسلاميّة وكأنّها حركة فلسطينية منذ زمن بعيد بوسائل عديدة ومختلفة، جاءت الآن الفرصة مواتية عند ظهور همّام سعيد، من أصول فلسطينية، كمراقب عام للإخوان المسلمين لأول مرة في تاريخ الحركة الإسلامية، مع صعود حمزة منصور، وهو من أصول فلسطينية أيضا، في موقع الأمين العام للحزب في الوقت نفسه، ممّا سهّل على الأجهزة تمرير روايتها، من خلال تركيزها على هذه الشخصيات فقط.


    الخلاصة
    تمتلك القوى الرافضة للإصلاح داخل السلطة أدوات إعاقته بإثارة الانشقاقات داخل القوى الاجتماعية الداعية إليه، ويعد الانقسام بين ذوي الأصول الأردنية والفلسطينية، حسب التقسيم المتداول، المدخل الرئيسي الذي تتسلل منه القوى الرافضة للإصلاح لتظهر نفسها وكأنها هي الجهة التي تحمي الأردن من الانقسام والفوضى مقابل بقاء الوضع على حاله دون إصلاح.