الخرطوم وجوبا: المصلحة في التهدئة

رغم التوترات الدورية، فإن مصلحة جوبا والخرطوم تلتقيان في التهدئة، الأولى حتى تستكمل الانفصال والثانية حتى تطبع علاقاتها مع أمريكا.



 


 


 


 


 


 



 


 



مركز الجزيرة للدراسات


شمال السودان وجنوبه يعيشان حالات تصعيد تتلوها حالات تهدئة، فبعد اتهامات حكومة الجنوب للشمال بالتآمر، جاءت زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى جنوب السودان في السابع من أبريل/نيسان الجاري (الثانية منذ بداية 2011م) محملة بدلالات استثنائية في التوقيت والدوافع.

فهي تأتي والجنوب يتهيأ لإعلان الاستقلال كاملاً غير منقوص في التاسع من يوليو/تموز القادم بعد نتيجة الاستفتاء التي جاءت لصالح الانفصال بنسبة 98.57%.

وقد تمت زيارة الرئيس السوداني إلى جنوب السودان في أعقاب ثلاثة تطورات مهمة في الساحة السودانية (السودان الشمالي):





شمال السودان وجنوبه يعيشان حالات تصعيد تتلوها حالات تهدئة، فبعد اتهامات حكومة الجنوب للشمال بالتآمر، جاءت زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى جنوب السودان في السابع من أبريل/نيسان الجاري (الثانية منذ بداية 2011م) محملة بدلالات استثنائية في التوقيت والدوافع

1 - التطور الأول: اتهامات الجنوب للشمال

الاتهامات المتكررة من حكومة الجنوب على لسان مسئوليها بأن حكومة الخرطوم تخطط لزعزعة الأمن والاستقرار بدولتهم الجنوبية, وقد جاء في المؤتمر الصحفي الذي عقده السيد باقان أموم وزير السلام بحكومة الجنوب والأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان (الحزب الحاكم بالجنوب)، اتهامه لدولة السودان الشمالي بالتخطيط لإشعال فتيل الصراعات المسلحة بالجنوب عبر دعم بعض "المليشيات"، والسعي لتسليح قبائل الشمال المتاخمة لحدود الجنوب مع الشمال, وقدم السيد أموم اتهاماته بناء على ما يقول إنها وثائق تدعم ما ذهب إليه.

وفي السياق نفسه، أعلن الناطق الرسمي للجيش الشعبي في مارس/ آذار الماضي أن طيران الجيش السوداني قصف منطقة راجا الواقعة على الحدود مع إقليم دارفور المضطرب. كما وجّه الناطق الرسمي للجيش الشعبي اتهامه لحكومة الشمال بأنها وراء تمرد الفريق عبد الباقي أكول مستشار رئيس حكومة الجنوب والذي كان يشغل، بالإضافة إلى مهامه الرسمية، رئيس هيئة شورى مسلمي جنوب السودان، فضلاً عن زعامته القبلية كسلطان للدينكا في إقليم بحر الغزال. كما شمل الاتهام دعم تمرد قائد سلاح مدفعية الجيش الشعبي اللواء بيتر قديت في ولاية الوحدة الحدودية مع الشمال السوداني، الغنية بالنفط.

ويلاحظ أن معظم المجموعات التي تمردت على دولة الجنوب كانت "مليشيات" حليفة لحكومة الخرطوم، وشاركت جنباً إلى جنب مع الجيش السوداني في حربه ضد الجيش الشعبي قبل توقيع اتفاقية السلام الشامل عام 2005م.

يذكر أن هذه "المليشيات" كانت قد أدمجت في الجيش الشعبي بعد مؤتمر الحوار الجنوبي الذي أنعقد عام 2006م, ولكنها ومنذ ذلك الحين تواجه استهدافا وضغوطا سياسية من الحركة الشعبية، وتهميشاً داخل المؤسسة العسكرية (الجيش الشعبي) على أساس الدور السابق إبان الحرب بين الشمال والجنوب، وتعاونها مع الشمال حين حملت السلاح ضد حكومة الجنوب في عدة بؤر كما في ولاية الوحدة, وولاية بحر الغزال، وولاية أعالي النيل، مع العلم أن هنالك بعض المجموعات التي تمردت بدعاوى ظلم حكومة الجنوب وعدم حياديتها إبان الانتخابات التي أجريت عام 2010 في الجنوب. لكن المشهد في عمومه يدل على أن هذه المجموعات وتلك البؤر الملتهبة ستظل دوما عوامل توتر بين الشمال والجنوب.

2- التطور الثاني: التحرك الأمريكي
جاءت زيارة الرئيس عمر البشير للجنوب (7 أبريل/نيسان الجاري) بعد يوم واحد من وصول المبعوث الأمريكي وينستون ليمان إلى الخرطوم واجتماعه مع وزير الخارجية السوداني، وتأكيده التزام الولايات المتحدة بخارطة طريق لتطبيع العلاقة مع الخرطوم، ومعالجة الديون الخارجية، بالإضافة إلى رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وحث ليمان، أثناء زيارته، طرفي الاتفاقية على عدم اتخاذ أي خطوات عدائية ثنائية من شأنها زعزعة الاستقرار والسلام في الدولة الأخرى.

ويبدو جلياً أن أمريكا تستخدم سياسة العصا والجزرة في مسعاها إلى إعلان دولة جنوب السودان في 9 يوليو/تموز القادم كأولوية قصوى، ومن ثمّ المساهمة في بناء وتطوير الدولة الجديدة لاحقاً.

ولتحقيق تلك الإستراتيجية تعمل الولايات المتحدة على تكبيل يد الخرطوم مما تظن أنها تحركات من شأنها زعزعة الاستقرار في الجنوب. وكذا السعي لحل بعض القضايا العالقة والضغط لإيجاد تسوية لقضية دارفور. وبذا يكون التطبيع ومعالجة قضايا الديون ورفع اسم السودان الشمالي من قائمة الإرهاب رهينا باكتمال استقلال الجنوب واستقراره والحلول السلمية لقضية دارفور وأبيي.





تنامي التهديد الإسرائيلي للأمن القومي السوداني بالهجوم المباشر على الحدود الشرقية، مثلما حدث على سبيل المثال في الخامس من أبريل/نيسان الجاري, مما يمثل مؤشرا بالغ الخطورة على دولة السودان وأمنه القومي في ظل التوترات بين الشمال والجنوب

3- التطور الثالث: الهجوم الإسرائيلي

تنامي التهديد الإسرائيلي للأمن القومي السوداني بالهجوم المباشر على الحدود الشرقية، مثلما حدث على سبيل المثال في الخامس من أبريل/نيسان الجاري, مما يمثل مؤشرا بالغ الخطورة على دولة السودان وأمنه القومي في ظل التوترات بين الشمال والجنوب، والتقارب الملحوظ بين حكومة الجنوب وإسرائيل الذي تؤكده الشواهد والمواقف الرسمية بينهما.

مكاسب الجنوب وتطلعات الشمال
مهما تكن دوافع زيارة الرئيس السوداني عمر البشير للجنوب فإن الطرفين مستفيدان منها، فالجنوب ضمن بهذه الزيارة ابتعاد الشمال عن دعم المجموعات المسلحة التي تحارب الجيش الشعبي إلى حين إعلان الاستقلال الكامل في يوليو/تموز القادم, كما سيكسب الدعم والتعاطف الدولي في معركته مع الشمال إذا اندلعت في المستقبل.

أما السودان الشمالي فأمامه فرصة لتطبيع علاقاته مع أمريكا إذا استوفى الشروط التي تحتويها خارطة طريق التطبيع التي تسهر عليها واشنطن. علاوة على أن تحقيق التعاون بين الخرطوم وجوبا قد يُحكم الحصار على حركات دارفور التي وجدت لها قنوات للدعم والإسناد في الجنوب بعد التقارب بين تشاد والخرطوم، والأوضاع الراهنة في ليبيا التي كان لها تأثير سالب على الأداء السياسي والعسكري لحركات دارفور.