المغرب: نحو فصل الإصلاحات عن "المصالحة" مع التيار السلفي

كانت الأجهزة الأمنية المغربية تخشى من الإفراج عن مساجين التيار السلفي، ثم وقع تفجير مدينة مراكش، وتلاه قمع مسيرة متجهة لسجن تمارة، فبدا أن السلطات المغربية تريد الفصل بين الإصلاح الذي وعدت به والمصالحة مع السلفية الجهادية.







 

مركز الجزيرة للدراسات





الإصلاح الذي حدد معالمه خطاب الملك يوم 9 مارس/آذار لن يكون "جذريا" بقدر ما سيكون إصلاحا متحكما فيه.
بعد خطاب الملك محمد السادس ليلة 9 مارس/آذار 2011، والذي أعلن من خلاله عن فتح ورش الإصلاح المؤسساتي والسياسي عبر إجراء تعديل عميق على مقتضيات الدستور المعمول به منذ 13 سبتمبر/أيلول 1996، تبلور موقفان من الخطاب: الأول يعتبر أن المغرب قد قطع نهائيا مع فلسفة حكم كانت سائدة تجعل من الملك المحور الوحيد والمركزي في المجال السياسي من خلال نظام "الملكية التنفيذية"، والثاني يعتبر أن الخطاب الملكي وفي الظرفية التي أنتجته محاولة لاحتواء الحراك الشعبي ووقف الزخم السياسي للحيلولة دون تحول "الشارع" إلى سلطة مضادة؛ ورغم أن الفجوة تكاد تكون عميقة بين الموقفين باعتبار تباين منطلقاتهما، غير أن نقطتين كانتا تشكلان المشترك بينهما، أولهما تتمثل في كون عملية التغيير لا يمكن أن تتحقق إلا مع المؤسسة الملكية وليس ضدها، وثانيهما تتجسد في إبداء بعض المخاوف حول ردود الفعل التي يمكن أن تصدر عن القوى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي ستتضرر من مسلسل الإصلاحات بصرف النظر عن حدود هذا الإصلاح و طبيعته.

للتعبير عن إرادته في المضي قدما في مسلسل الإصلاحات، بادر الملك محمد السادس إلى اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات المواكبة بهدف إقناع المشككين في جدية الإصلاح، كإعادة النظر في القوانين المنظمة للهيئة المركزية للوقاية من الرشوة ومجلس المنافسة والدعوة إلى دسترتهما، ومباشرة معالجة ملف الاعتقال السياسي بإصدار عفو بطلب من المجلس الوطني لحقوق الإنسان يوم 14 أبريل/نيسان الماضي، غادر بموجبه السجن السياسيون الخمسة المعتقلون على خلفية تفكيك شبكة عبد القادر بليرج في فبراير/شباط 2008، إضافة إلى معتقلين سلفيين، وفي مقدمتهم محمد الفيزازي وعبد الكريم الشاذلي.


في اللحظة التي كان يفترض فيها أن تشكل مبادرة 14 أبريل/نيسان بداية طي ملف الاعتقال السياسي والإفراج عن المعتقلين السلفيين، خاصة وأن الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان كان يتحدث عن قرب إعداد لائحة ثانية تضم أسماء الذين سيستفيدون من العفو الملكي، تولدت ردود فعل سلبية عنها، وذلك في اتجاهين: تجلى الأول في تلويح السلفيين المعتقلين بالتصعيد حيث رفضوا  سياسة الإفراج عبر دفعات التي لا تدل في نظرهم على إرادة حقيقية لطي ملف الاعتقال السياسي، وتجسد الثاني في مطالبة بعض السلفيين المفرج عنهم خاصة محمد الفزازي بضرورة محاكمة المسؤولين الأمنيين الذين كانوا وراء اعتقالهم سنة 2003.


إن ردود الفعل في الاتجاهين شكلت متغيرا دفع الملاحظين إلى التساؤل عن مسار المسلسل الإصلاحي وذلك بعدما أصبح التركيز بين 14و27 أبريل/نيسان، منصبا أساسا على اتهامات موجهة إلى الأجهزة الأمنية وتحميلها مسؤولية "فبركة" العديد من الملفات، وهي اتهامات أكدها محمد الفيزازي وشدد عليها المعتقلون السياسيون الخمسة المفرج عنهم، كما تم التركيز على مقر المخابرات الداخلية ( مقر المديرية العامة لحماية التراب الوطني) بتمارة جنوب العاصمة الرباط، باعتباره حسب المحتجين معتقلا سريا خارج القانون يمارس فيه التعذيب، وهذه الاتهامات بالتعذيب تضمنتها تصريحات لبعض المعتقلين السلفيين، ونجحت في بثها بعض المواقع الاجتماعية؛ وفي هذا السياق أتت الدعوة من قبل حركة شباب 20 فبراير لتنظيم مسيرة نحو ذلك المعتقل السري الذي حدد تاريخها في 15 مايو/أيار الجاري.


لكن يبدو أن مبادرة 14 أبريل/نيسان بإطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين اعتبرتها حسب بعض المراقبين جهات أمنية نافذة ضربة موجهة لها كما اعتبرت الحملات التي يقودها السلفيون داخل السجون أو خارجها ضد الأجهزة الأمنية هي حملة للنيل من مصداقيتها؛ وفي خضم هذه الحملات، قامت جهات غير معروفة بإعادة بث شريط فيديو على بعض المواقع الاجتماعية يتوعد فيه مغاربة من تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي السلطات المغربية بتوجيه ضربات للمغرب انتقاما للسلفيين المعتقلين قبل أن يتبين أن هذا الشريط يعود لسنة 2007 ولا علاقة له بمبادرة 14 أبريل/نيسان، ومباشرة بعد أيام من إعادة بث هذا الشريط، شهدت مدينة مراكش يوم 28 أبريل/نيسان الماضي تفجيرا استهدف مطعما بساحة "جامع الفنا" السياحية خلف 17 قتيلا أغلبهم من الأجانب.


عندما يشهد المغرب تفجيرا في ظرفية خاصة تتميز بحراك سياسي وانخراط في مسلسل إصلاحات، حدد معالمه خطاب الملك يوم 9 مارس/آذار 2011، فمن المشروع أن نبحث في تداعيات الانفجار في هذه اللحظة بالذات.


قيل في البداية أن المتضرر هو مسلسل الإصلاحات، لكن الإصلاح الذي حدد معالمه خطاب 9 مارس/آذار لن يكون "جذريا" بقدر ما سيكون إصلاحا متحكما فيه، إضافة إلى أنه لا سبيل للتراجع عنه لكون كثير من دوافعه مرتبطة بالتزامات المغرب تجاه شركائه الغربيين خاصة تجاه " الاتحاد الأوروبي"، لكن من المؤكد أن هذا التفجير سيدفع إلى الفصل بين مسار المسلسل الإصلاحي ومسلسل "المصالحة " مع التيار السلفي. وهذا ما يفسر بيان المعتقلين السلفيين الذين لم يترددوا في توجيه أصابع الاتهام إلى الأجهزة الأمنية بالوقوف وراء التفجير في محاولة منها لإبقائهم في السجون.


قبل مبادرة 14 أبريل/نيسان، كانت المطالبة بطي ملف المعتقلين السلفيين تعتبر إجراء مواكبا لتعزيز مسلسل الإصلاح، وبعد هذه المبادرة أصبحت هناك رغبة في التشديد على ما يمكن أن يشكله التيار السلفي من تهديد لاستقرار البلاد، وقد تم الاستدلال، على ذلك من خلال:






  • لعل التوجه إلى الفصل بين مسلسل الإصلاح ومسلسل المصالحة مع التيار السلفي هو الذي يفسر لجوء السلطات إلى استعمال العنف والقوة ضد من كانوا يعتزمون السير نحو معتقل تمارة.
    التظاهر المنظم والملفت للأنظار للسلفيين في إطار حركة شباب 20 فبراير.
  • عملية مهاجمة مقهى بمدينة طنجة بالسلاح الأبيض من خلال أحد السلفيين، سبق اعتقاله في أسبانيا والمغرب، وأدت إلى مقتل أحد الطلبة وجرح آخر.
  • الأشرطة المبثوثة للسلفيين المعتقلين وفي مقدمتهم عمر حدوشي المهاجمة للنظام والمتوعدة له.
  • تمرد السلفيين المعتقلين خاصة داخل سجن سلا يوم 16 مايو/أيار الجاري والذين اتهموا بالاعتداء على الأمن واحتجاز بعض حراس السجن.

ولعل التوجه إلى الفصل بين مسلسل الإصلاح ومسلسل المصالحة مع التيار السلفي هو الذي يفسر لجوء السلطات إلى استعمال العنف والقوة ضد من كانوا يعتزمون السير نحو معتقل تمارة، وتبرير ذلك بكون بعض المتظاهرين كانوا يحملون أسلحة بيضاء ويرفعون أعلام القاعدة، بما يفيد إحالة واضحة على التيار السلفي الجهادي.


يوم الثلاثاء 17 مايو/أيار الجاري، أكد الملك في كلمة أمام مجلس الوزراء بمدينة مراكش ضرورة مواصلة الإصلاحات، وفي نفس اليوم أعلن عن تحديد مواعيد إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد وانتخابات مجلس النواب وتشكيل الحكومة الجديدة، وفي نفس كملة الملك كان هناك تنويه بأداء الأجهزة الأمنية وتدبيرها لملف "الإرهاب"، بدءا بتفجيرات 2003 وانتهاء بتفجير مراكش 2011 ، بما يفيد أن المتغيرات الجديدة لن تمس مسلسل الإصلاح كما هو مطروح رسميا بقدر ما ستنعكس سلبا على ملف التعاطي مع التيار السلفي الجهادي.