مركز الجزيرة للدراسات
تستفيد السلطات السورية من الدعوة إلى الحوار بالتغطيةَ على قمع الاحتجاجات السلمية، والإيحاءَ أنها تعترف بمطالب المحتجين، وأنها تتعامل معهم سياسيا وسلميا، أما العمليات العسكرية فلمواجهة من تسميهم بالمسلحين أو "الإرهابيين". |
وقع هذا بينما كان وزير الإعلام السوري يعلن عزم السلطات إطلاق حوار وطني في المحافظات كافة. لكن عددا من المراقبين يعتبرونه حوارا دون سياسي، يتمثل في نوع من مزج آراء ومطالب جماعات محلية، فهو أدنى مرتبة حتى من تلك اللقاءات التي يجريها الرئيس السوري بشار الأسد مع وفود من أعيان المحافظات والشخصيات النافذة في بيئاتها المحلية. فهو لا يتعلق بحوار مع المعارضة أو مع الانتفاضة. وفي جمع السلطات بين العمليات الأمنية وبين الدعوة إلى الحوار، ما يشير إلى أن الحوار استمرار للحرب بوسائل أخرى تكون أدنى كلفة. وأنه يندرج في تكتيك العزل وتقطيع الأوصال نفسه الذي تعتمده السلطات في مواجهة بؤر الاحتجاج الأنشط، على نحو ما فعلت في درعا ودوما وحمص وبانياس وتلكلخ.
يوم الجمعة الأخيرة، والتي سماها المحتجون جمعة آزادي (الحرية)، تعاملت قوات الجيش والأمن بالرصاص مع جميع بؤر التظاهرات، عدا تلك التي جرت داخل دمشق. فأوقعت 34 قتيلا، وهو عدد مرشح للزيادة بحساب المصابين إصابة خطيرة. وهذا القمع يجعل الدعوة إلى الحوار غير ذات مصداقية، ويوحي بأنها أداة إضافية في مواجهة الانتفاضة في مطلع شهرها الثالث.
وتستفيد السلطات السورية من الدعوة إلى الحوار بالتغطيةَ على قمع الاحتجاجات السلمية، والإيحاءَ أنها تعترف بمطالب المحتجين، وأنها تتعامل معهم سياسيا وسلميا، أما العمليات العسكرية فلمواجهة من تسميهم بالمسلحين أو "الإرهابيين".
وتستفيد ثانيا بتخفيف الضغوط الدولية المتصاعدة، فلقد بات الرئيس السوري مستهدفا شخصيا، ويجري حديث عن عقوبات أخرى قد تعرض على مجلس الأمن، وتحريك محكمة الجنايات الدولية. لكن لا يبدو أن أيا من القوى الدولية التي يهتم النظام لمواقفها قد اهتمت بهذه الدعوة، أو اعتبرتها خطوة إيجابية.
وثالثا، العمل على شق صفوف المعارضة، باستقطاب قطاعات تعودت القبول بالأوضاع القائمة، ومن ثم تستطيع السلطات وصف المتشككين في الحوار والمعترضين عليه بالمتطرفين، وتحدث تصدعات داخل الحركة الاحتجاجية، ثم تعلن أمام الداخل والخارج بأن ليس لها شريكا تحاوره على مخرج من الأزمة الراهنة.
رابعا، قد تجعل الدعوة إلى الحوار السلطات تكسب بعض المترددين، ممن يريدون شيئا إيجابيا، ولو شكليا، كي ينحازوا إلى صف النظام.
لكن الواضح أنه بعد أكثر من أسبوع على الدعوة للحوار لم تتوقف الانتفاضة الميدانية، بل كانت مواطن الاحتجاج تتسع وعدد المحتجين يكبر، مع ملاحظة أن بعض بؤر الاحتجاج تتجه شمالا، وتقترب من حلب.
دعوة السلطات إلى الحوار مع استمرار القمع تجعلها أشبه بالمناورة في أعين المعارضة والمحتجين. وتنزع عن النظام الحد الأدنى من الصدقية. |
من ناحية أخرى، لا يبدو أنه كان لدعوة الحوار تأثير يذكر على تشتيت الطيف المعارض التقليدي، لأن قمع الاحتجاجات جعلها تتشك في جدية السلطات، ثم إن ديناميكية الانتفاضة وتوسعها ضيقت الفوارق المحتملة في صفوف المعارضة.
في المحصلة فإن دعوة السلطات إلى الحوار مع استمرار القمع تجعلها أشبه بالمناورة في أعين المعارضة والمحتجين. وتنزع عن النظام الحد الأدنى من الصدقية. وبالتالي لن تحقق السلطات أيا من الأهداف التي تنشدها والمتمثلة في وقف الاحتجاجات بكلفة أقل وشق صف المعارضة وكسب العطف الدولي.