الأردن: الإصلاح رهينة الانقسام

المشهد السياسي على الساحة الأردنية ما زال يعاني من الارتباك والخلاف، ويعاني مطلب الإصلاح في الأردن من انقسام القوى الداعية إليه حول مضمونه والمستفيد منه، مما سمح لمؤسسة القرار الأردنية بالمناورة لتتجنب صيغة الملكية الدستورية.

مركز الجزيرة للدراسات


يعاني مطلب الإصلاح في الأردن من انقسام القوى الداعية إليه حول مضمونه والمستفيد منه، مما سمح لمؤسسة القرار الأردنية بالمناورة لتتجنب صيغة الملكية الدستورية. فمن أهمّ المحطات البارزة في المشهد السياسي الأردني مؤخرا، هو ما عرف باعتصام (24) آذار، وهذا التجمّع تمّ إنشاؤه على صفحات الفيس بوك، ودعا إلى اعتصام مفتوح في (ميدان جمال عبد الناصر)، المعروف بدوار الداخلية، والذي يمثل مدخل عمّان الرئيسي، كما يمثل منطقة حيوية وحساسة جداً، مما استفز الحكومة والأجهزة الأمنية بشكل كبير.


لقد تمّ تنفيذ الاعتصام فعلاً، وحضر ما يقارب (2000-3000) شخص، وهم مزيج من اليسار واليمين، والحركة الإسلامية والقوى السياسية المختلفة، من شيوعيين وقوميين وبعثيين، ومستقلين، وكان الاعتصام منضبطاً، من حيث التنظيم والهتاف والالتزام بالتظاهر السلمي الكامل، وعدم الاستجابة لاحتكاكات المناوئين.


المعتصمون بين "البلطجية" وهراوات الأمن



يعاني مطلب الإصلاح في الأردن من انقسام القوى الداعية إليه حول مضمونه والمستفيد منه، مما سمح لمؤسسة القرار الأردنية بالمناورة لتتجنب صيغة الملكية الدستورية.
وقع في الليلة الأولى اعتداء من مجموعة من (البلطجية)، وهم نفر غير معروفين الانتماء، يهاجمون بالحجارة والعصي، من أجل افتعال مواجهة مع المعتصمين والاحتكاك بهم، إلاّ أنّ المعتصمين استطاعوا الصمود في الليلة الأولى، واستمروا إلى يوم 25 مارس/آذار، وأدوا صلاة الجمعة على الدوار، دون مشاكل. في اليوم نفسه، نظمت الحكومة مسيرة "ولاء وانتماء" إلى حدائق الحسين، وتمّ حشد المتظاهرين من مختلف المحافظات. وبعد انتهاء هذه المسيرة في حدائق الحسين، تمّت تعبئتهم وإعادة توجيههم إلى المعتصمين بدوار الداخلية، وعندما وصلوا، كانت قوات الدرك والشرطة قد أعدّت خطة للاقتحام بعد أن عمدت إلى افتعال المواجهة بين الطرفين، فتدخلت قوات الأمن والدرك لضرب المعتصمين ورشهم بالمياه اللزجة، فتمّ سحقهم وطردهم تحت وابل الهراوات والحجارة والقضبان الحديدية والعصي الصاعقة، ممّا أسفر عن مقتل شخص وإصابة ما يزيد على 150، جلّهم من الشباب وطلاب الجامعات.

حملت الحكومة والأجهزة الأمنية، في روايتها للأحداث، المسؤولية للمعتصمين، واتهمت الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي بتنظيم الاعتصام . مع العلم أنّ الاعتصام نشاط شبابي محض، ينتمي المنخرطون فيه إلى مختلف الاتجاهات، وربما كان دور شباب الحركة الإسلامية هو الأبرز لكنّه لا يبدو أنه بتوجيه رسمي من قيادتهم الحزبية.


إنّ الهجوم العنيف الذي تمّ من قبل الدرك وأجهزة الأمن على الشباب المعتصم شكّل نقطة توتر حادة، فأصبحت لهجة الحكومة منفعلة ومتهمة للحركة الإسلامية بأنّها تتلقى الأوامر من مصر وسوريا، إشارة إلى حماس في سوريا، وإلى مكتب الإرشاد في مصر، كما أنّ رد الحركة الإسلامية كان بنفس الحدة وبنفس القوة، فبات الجو مشحونا ومتوترا.


واستندت الحكومة إلى تصوير المعتصمين بأنهم تجمّع فلسطيني يريد أن يعمل انقلاباً على الملك، وإقامة الوطن البديل، وركزت على رموز الحركة كالدكتور همّام سعيد المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين، والأستاذ حمزة منصور الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، باعتبارهما من أصول فلسطينية، وراحت تحشد أبناء المحافظات والقرى البعيدة بالحافلات لتنظيم مسيرات ولاء وانتماء.


لكن الحملة الحكومية لم تلق نجاحا، وانهارت روايتها أمام المشاهد المصورة على (اليوتيوب). كما أنّ الشهادات تواترت بأنّ معظم الموجودين على الدوار والذين قادوا الاعتصام من أصول شرق أردنية، وأنّ معظم المصابين من عشائر أردنية معروفة.


تراجع الحكومة وتشتت المعارضة
تراجعت الحكومة بشكل سريع، وأبدى رئيسها استعداده للحوار؛ وما أسهم في إضعاف موقف الحكومة، أنّ شخصيات مهمّة وثقيلة صرّحت بعكس رواية الحكومة، ومن هؤلاء:



  • الأمير حسن بن طلال، ولي العهد السابق، الذي قال: "إنّ ما جرى على دوار الداخلية مخز ومؤلم، والإتيان بالناس من معان والمحافظات تمّ بكبسة زر".
  • الأستاذ أحمد عبيدات رئيس الوزراء الأسبق، انتقد ما حدث بأنّه خطأ فاحش وتخلف، وإثارة للفتنة من قبل الأجهزة، وعجز في القرار.




الحكومة لا تزال تخيف مكونات الشعب الأردني بنتائج الإصلاح على توازن التركيبة السكانية المكونة من أردنيين وذوي أصول فلسطينية.
كما أعلن ما يقارب (ستة عشر) عضواً من لجنة  الحوار استقالتهم، ممّا جعل طاهر المصري رئيس اللجنة يعلن وقف عملها، وكل ذلك جعل كثيرا من الإعلاميين والصحفيين يطالبون برحيل الحكومة فوراً لفشلها وعجزها عن إدارة ملف الإصلاح. ومن أجل إنقاذ اللجنة وإنقاذ الحكومة، تم تنظيم لقاء الملك مع اللجنة، للتأكيد على دعمها، وضمان ما تتوصل إليه من قرارات، بالإضافة إلى الإعلان عن الموافقة على إدراج بند تعديلات دستورية بما يتعلق بتطوير قانون الانتخاب والأحزاب. لكن الحركة الإسلامية اعتبرت إجراءات الحكومة ومؤسسة القرار مماطلة وكسبا للوقت من خلال تغييرات شكلية لا تمسّ جوهر النظام السياسي، وطالبت بعزل المسئولين عن الاعتداء على المعتصمين، وأولهم رئيس الحكومة. أما موقف أحزاب المعارضة فظل مترددا، فلم  يقاطعوا لجنة الحوار، ربما خوفا من أن تكون الحركة الإسلامية هي الكاسب الأكبر من عملية التحول الديمقراطي.

وكذلك ظل موقف النقابات مرتبكا، وذلك بسبب انقسام الجسم النقابي، وما يحدث فيه من نزاع وتدخل الأجهزة الأمنية في الضغط على بعض رؤساء النقابات. بالإضافة إلى تراجع حلفاء الحركة الإسلامية من القوميين والبعثيين وتغير موقفهم من جملة من الأحداث على الساحة العربية خاصة اتجاه ما يحدث في ليبيا وسوريا.


الخلاصة
المشهد السياسي على الساحة الأردنية ما زال يعاني من الارتباك والخلاف. ويمكن وصفه بما يلي:



  1. فمن جهة، مازال المطلب الإصلاحي غير محدد ولم يصل إلى حد الاتفاق على (الملكية الدستورية).
  2. لم يتبلور حتى اللحظة حراك شعبي عميق وشامل وواسع، فالحكومة لا تزال تخيف مكونات الشعب الأردني بنتائج الإصلاح على توازن التركيبة السكانية المكونة من أردنيين وذوي أصول فلسطينية.
  3. هناك تحرك شبابي يراه المراقبون واعدا، ربما يتطور خلال الأيام القليلة القادمة، مستندا إلى حركة (24) مارس/آذار.