يشهد الاقتصاد العالمي منذ مطلع العام تغيرات غير مسبوقة أطلقتها التطورات المتسارعة لجائحة الفيروس التاجي المستجد (كوفيد-19) الذي بدأ في مدينة ووهان الصينية إحدى مدن إقليم هوبي ومركز الصادرات العالمي. أصبحت هذه التغيرات جلية لصانع القرار الاقتصادي مع بداية شهر مارس/آذار 2020؛ حيث توالت الأخبار عن انتشار الوباء على امتداد طريق الحرير قبل أن تصل إلى كل ركن في هذا العالم مترامي الأطراف وبوتيرة متسارعة؛ الأمر الذي دفع منظمة الصحة العالمية لتصنيف تفشي الفيروس بوصفه وباءً عالميًّا "جائحة".
لا شك أن عوامل عدَّة أسهمت في تسارع انتشار الفيروس على نطاق واسع، غير أنه لم يعد خافيًا على أحد أن مخاوف عدة بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي هي ما دفع بعض دول العالم بادئ الأمر لتبني سياسات "أقل حذرًا" في التعاطي مع الفيروس ثم لم تلبث طويلًا حتى أدركت أنها تتعامل مع كارثة حقيقية. وكما هي الحال في كل الأزمات الاقتصادية وبغضِّ النظر عن التوصيف التقني لواقع الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن أو المستقبل المنظور، فإن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن بغض النظر عن عمق أو تأثير الأزمة: ما الإطار الزمني المتوقع لانتهاء هذه الأزمة؟ أو حتى يكون السؤال أكثر واقعية وقربًا إلى ما يدور في خلدنا جميعًا: متى ستعود عجلة الاقتصاد للدوران مجددًا؟ إن الإجابة على سؤال بهذا العمق في الوقت الراهن أقرب للتنجيم منها لأي شيء آخر، لكون الأزمة في منشئها أزمة صحية لذلك لابد لنا من التريث بانتظار كشف طبي يسهم في الحد من انتشار الفيروس أو القضاء عليه، أو إيجاد طريقة فعالة تمكن على الأقل من التوفيق بين الصحة والاقتصاد وألا نفاضل بينهما. لذلك، نعتقد أنه من الحكمة تأجيل الإجابة على هذا السؤال إلى وقت لاحق، تصبح فيه المعطيات كافية لبناء تصور دقيق لما هو آت.
كباحثين متخصصين في الشأن الاقتصادي، حاولنا إلقاء الضوء على أهم الآثار الاقتصادية التي خلَّفتها هذه الجائحة كما سنتطرق إلى حزم التحفيز الحكومية المقترحة في دولة قطر بطريقة تساعد في قياس حجم الجهود المبذولة من قبل الحكومات لاحتواء تلك الآثار ومحاولة استقراء أثرها الاقتصادي على المجتمعات والأفراد.
-
الفيروس والاقتصاد: علاقة معقدة
يمكن التمييز دائمًا بين نوعين من الصدمات الاقتصادية؛ ذلك أن التمييز بينهما يعطينا القدرة في الكثير من الأحيان على تتبع مصادر الأثر الذي تتركه على بنية الاقتصاد الكلي بشكل عام وعلى الأفراد والمنشآت بشكل خاص. في الوقت ذاته لابد من الإشارة إلى صعوبة التنبؤ بالآثار الناجمة عن هذه الصدمات على وجه الدقة بسبب الديناميكية التي تميز السلوك الاقتصادي المبني بالأساس على السلوك الاجتماعي. عودًا على أنواع الصدمات، يميز الاقتصاديون بين صدمات تؤثر على جانب العرض في النموذج الاقتصادي وصدمات تؤثر على جانب الطلب. يساعدنا التمييز بين هذين النوعين من الصدمات في بناء تصور زماني لتأثير هذه الصدمات وبالتالي رصد آثارها أو تتبع مساراتها عندما تكون صدمات مقصودة مثل سياسات تحفيزية للطلب أو العرض (دعونا نطلق عليها الصدمات الإيجابية، كتخفيض أسعار الفائدة لتحفيز الاقتصاد).
للوهلة الأولى يخيل للقارئ أن الصدمة الاقتصادية الناجمة عن الجائحة التي تمر بالعالم في هذه الأوقات هي صدمة في العرض (توقف الإنتاج والخدمات) لسببين رئيسين: الأول: هو انبثاقها من الصين التي تعتبر مصنع العالم وخط الإمداد الرئيس لغالبية السلع التي نراها من حولنا، والسبب الثاني هو العادة في التعاطي مع الصدمات المماثلة باعتبارها ذات إطار زماني محدود لكن بأثر مستدام. على النقيض من ذلك، يرى العديد من الاقتصاديين أن ما نمر به هو صدمة في الطلب. إن الإجراءات التي اتخذها العديد من الدول للحد من أثر تفشي الفيروس من شأنه أن يؤثر على سلوك المستهلك في المقام الأول، ثم لا يلبث أن ينتقل التأثير إلى مؤشرات الأعمال، وهنا مكمن الخطورة في هذا النوع من الصدمات بحكم الإطار الزماني الذي يحتاجه (مجتمع الأعمال) للعودة إلى دورة الحياة الاقتصادية من جديد.
لقد أصيب الاقتصاد العالمي بحالة أقرب للشلل التام في جميع الأنشطة الاقتصادية نجم عن الانخفاض المفاجئ في الاستهلاك والإنتاج، وهذا ما يجعلنا نستخلص أن الواقع الاقتصادي الراهن غير مسبوق تاريخيًّا كونه أثَّر على جانبي العرض والطلب في الوقت ذاته بالإضافة لتأثيره على مجمل القطاعات الاقتصادية. الأمر الذي انعكس جليًّا على سلاسل التوريد (الإمداد) والتجارة الدولية والتوظيف. وهي حالة لم يعد مجديًا فيها التعاطي مع الواقع من خلال التفريق بين نوعين شائعين للصدمات؛ فالأدوات التي اعتدنا استخدامها للتعاطي مع الأنواع المختلفة من الصدمات تبدو عاجزة عن الدفع باتجاه الخروج من هذه الأزمة أو الأزمات التي تعقب الأنواع المختلفة للصدمات. إن حالة عدم اليقين التي تحيط بالأزمة الراهنة تهدد العالم بالدخول في حالة من الركود الاقتصادي أو لربما الكساد الذي قد يستمر لفترة أطول. إن جل ما فعلته الحكومات حتى الآن يشبه الجرعات الوقائية التي لابد منها من أجل تجنب حالة الفشل التام للنظام الاقتصادي للدول. فيما يبدو الجانب الآخر اجتماعيًّا بالدرجة الأولى بهدف مساعدة الأفراد والأعمال الصغيرة على تجاوز المرحلة الحالية وبالتالي المحافظة على حالة التشغيل قدر المستطاع.
-
حزمة السياسات الحكومية (خطة إنقاذ استباقية)
وفي هذا السياق، انتهجت دولة قطر مجموعة من الإجراءات المهمة، والتي تجسد بمجملها خطة إنقاذ استباقية، تضمنت إغلاق المدارس والجامعات ومباشرة عملية التعلم عن بعد، وتعليق النقل العام، وإغلاق المساجد، ومنع السفر، وإغلاق المحلات التجارية وكافة الأنشطة غير الضرورية، وتحفيز إجراءات العمل عن بعد وذلك من خلال تقليص نسبة العمل في القطاع العام بنحو 80% (1)(2)، بالإضافة إلى حزمة من الإجراءات الصحية وسياسات التحفيز المالي والنقدي كاستجابة سريعة من قبل الأجهزة الحكومية لهذه التغيرات غير المتوقعة وذلك وفقًا للمؤشر الموحد الذي تم الإعلان عنه في جامعة أكسفورد(3). يتكون هذا المؤشر من 11 إجراء، ولقد قمنا بمواءمة هذا المعيار الدولي مع الإجراءات المتبعة في دولة قطر، مع إضافة إجراء إضافي يتعلق بالمساجد ودور العبادة، كما هو موضح في الجدول التالي:
الجدول رقم (1) يوضح المؤشر الإجمالي لقوة الاستجابة
|
الإجراء المتبع |
الاستجابة العاجلة من قبل الحكومة في دولة قطر |
(1) موصى به (2) إلزامي |
---|---|---|---|
1 |
|
|
2 |
2 |
|
|
2 |
3 |
|
|
2 |
4 |
|
|
2 |
5 |
|
|
2 |
6 |
|
|
1 |
7 |
|
|
1 |
8 |
|
|
2 |
9 |
|
|
2 |
10 |
|
|
2 |
11 |
|
|
2 |
12 |
|
|
1 |
لقد كان لهذه الإجراءات جملة من الأهداف الاستراتيجية في التأثير على كفاءة القطاع الصحي والطبي وقدرته الاستيعابية، وذلك من خلال إجراءات الإغلاق والتوقف والعزل المتابعة والتوعية (الإجراءات من 1 إلى 8) والتي تسهم بشكل مباشر في الحد من انتشار كوفيد-19 في دولة قطر أو في تأخير انتقال العدوى بقدر الإمكان حتى يظل القطاع الصحي قادرًا على الاستجابة أو ما يعرف اليوم بتسطيح منحنى الإصابات أي منعها من الزيادة. بالإضافة لذلك، لقد عُززت هذه الإجراءات بإجراءات إضافية من قبل الدولة لتعزيز الاستجابة العاجلة وإجراء الفحوص والرعاية الطبية (الإجراء 11 - 12).
-
توصيف الواقع الاقتصادي في قطر خلال الظروف الراهنة
تمثل الأسواق على اختلاف أنواعها انعكاسًا حقيقيًّا للحياة الاقتصادية والاجتماعية في كثير من الاقتصادات على امتداد العالم. وبالفعل، بدأت معالم هذه الجائحة تنعكس على الأسواق باختلاف أنواعها بداية بأسواق السلع والخدمات مرورًا بأسواق الأسهم والسندات وصولًا إلى سوق العمل. تأثرت قطر كغيرها من دول العالم بالتغيرات الاقتصادية التي تعصف بالاقتصاد العالمي حيث أسهم التباطؤ العام في مجمل الأنشطة الإنتاجية والخدمية في كثير من القطاعات الرئيسية في الاقتصاد إلى حدوث آثار سلبية أصبحت تهدد الاقتصاد بالدخول في ركود حقيقي. تشير توقعات صندوق النقد الدولي(4) إلى أن الاقتصاد العالمي سيشهد تراجعًا حادًّا بمقدار 3% في عام 2020 بينما تسجل الدول العربية ركودًا بمقدار 2.8% و2.3% في بعض الدول العربية المنتجة للنفط. تستند هذه التوقعات إلى سيناريو يفترض أن الوباء سيتلاشى في النصف الثاني من عام 2020، وأن إجراءات الاحتواء والإنعاش التي تتبعها الدول ستكون ناجحة بحيث يتمكن الاقتصاد العالمي من تحقيق نمو ملحوظ في عام 2021.
3-1 التجارة الدولية
يمثل الاقتصاد القطري أحد أهم اللاعبين في أسواق الطاقة العالمية والذي يعكس أهمية وحجم وأثر الصادرات والمستوردات القطرية في السوق المحلية وكذلك الأسواق العالمية، فلقد شكل مجموع الصادرات والمستوردات كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات القليلة الماضية ما يقارب 85% والتي تُدعَى بنسبة الانفتاح الاقتصادي ودرجة الانكشاف على العالم الخارجي (الشكل البياني رقم 1). أما نسبة الصادرات إلى إجمالي الناتج فهي تمثل ما يفوق 52%، في حين تشكل المستوردات إلى إجمالي الناتج ما يتجاوز 30%. تراجعت درجة الانفتاح الاقتصادي بشكل ملحوظ منذ عام 2012 وبشكل خاص بعد عام 2017 نتيجة لتغير الظروف الإقليمية.
83 % من الصادرات القطرية تتم مع دول آسيوية (كوريا 20%، اليابان 19%، الهند 14%، الصين 11%، سنغافورة 9%)، بالمقابل 9.6% من هذه الصادرات تتم مع دول الاتحاد الأوروبي و3% مع دول مجلس التعاون الخليجي و1% مع الولايات المتحدة الأميركية. أضف إلى ذلك أن جزءًا كبيرًا من هذه الصادرات (ما يقارب 85%) مرتبط بقطاع النفط والغاز (49 منها غاز، و25% منها نفط خام) وأسواق الطاقة العالمية. بالمقابل، فإن 34% من المستوردات القطرية تتم مع دول آسيا وتتصدرها دولٌ مثل (الصين واليابان والهند ...)، وما يقارب 36% تتم مع الاتحاد الأوروبي (بريطانيا وفرنسا وألمانيا...)، وما يقارب 19% مع الولايات المتحدة الأميركية، و3.7% مع دول مجلس التعاون الخليجي.
تُظهر الأرقام أن معظم الشركاء التجاريين لقطر هي دول تشهد اليوم أماكن ساخنة لانتشار الفيروس كما أنها دولٌ تشهد توقفًا حقيقيًّا في الكثير من القطاعات الرئيسية والحيوية؛ الأمر الذي قد يعزز البُعد الخارجي لصدمة العرض والطلب وظروف عدم اليقين. يمكن استثناء بعض الدول كاليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة والتي تُبدي تأثرًا أقل بانتشار الوباء حيث يظهر المشهد العام في هذه الدول بأنه أكثر أملًا مقارنة بالدول الأخرى. والجدير بالذكر أن ما يقارب 48% من الصادرات القطرية تتم مع دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة؛ الأمر الذي يبدو وكأنه مشكاة نور في نفق مظلم يُنبئ بأن دولة قطر قد تكون أقل عرضة لتقلبات الطلب العالمي على صادراتها.
3-2 أسعار الطاقة العالمية
ما تشهده أسعار النفط والغاز في أسواق الطاقة العالمية وأسعار الكثير من السلع الرئيسية يزيد المشهد العالمي والإقليمي والمحلي تعقيدًا؛ حيث تشهد أسعار النفط والغاز، كما أسلفنا وعلى التوازي مع انتشار الفيروس التاجي المستجد، اختلالات مستمرة وهبوطًا حادًّا(5) بسبب انخفاض الطلب الكلي العالمي مدفوعًا بإجراءات الإغلاق وحرب الأسعار والآثار السلبية لحالة عدم اليقين التي تهيمن على العالم بأسره. إن الانخفاض غير مسبوق في أسعار الطاقة بأكثر من 50% خلال الربع الأول من عام 2020 سيؤدي إلى اختلالات في التوازن الخارجي وانخفاض في الإيرادات العامة للدولة مما سيولِّد المزيد من الضغط على الموازنة العامة ويمتد الأثر إلى كثير من القطاعات الاقتصادية. لقد أسهمت المشاورات المكثفة التي عقدتها مجموعة أوبك الموسعة مؤخرًا في دفع سعر النفط إلى الارتفاع من جديد ولكن لا تزال أسواق الطاقة تشهد الكثير من المخاطر المدفوعة بتراجع الطلب الكلي والتوقفات المفاجئة بسبب جائحة الفيروس التاجي المستجد.
3-3 الطلب والعرض الكلي
بناءً على كل ما تقدم، من المحتمل أن يتراجع مستوى الناتج المحلي الإجمالي (القيمة النقدية للمنتجات والخدمات خلال مدة محددة) في الاقتصاد القطري تراجعًا ملحوظًا مدفوعًا بالاختلالات التي يشهدها رصيد الميزان التجاري كأحد أهم مكونات الناتج المحلي الإجمالي. بالإضافة إلى التراجع الملحوظ على مستوى الاستهلاك والاستثمار الكليين مدفوعًا بصدمة الطلب وتغير نمط الإنفاق والاستهلاك والتغيرات السلوكية والتذبذب الشديد التي تشهدها أسعار البضائع الرئيسة وحالة عدم اليقين التي تشهدها الأسواق المحلية والعالمية معًا.
لقد أثبتت دراسة أحداث الماضي والأزمات التي مرَّت عبر التاريخ، أنَّ الزيادة المفاجئة في حالات عدم اليقين قد أدت إلى زيادات كبيرة وطويلة في البطالة وانخفاض التضخم. هذه الآثار مماثلة لتلك الناتجة عن الانخفاض في الطلب الكلي(6) الذي يضرب العالم اليوم. صدمة الطلب تتمثل بانخفاض إجمالي الطلب الكلي في الاقتصاد بشكل كبير في الأجل القصير والتي تسبب حالة من تراجع مستوى الدخل وانخفاضًا كبيرًا في المستوى العام للأسعار. بالمقابل، فإن حالة انحسار الطلب الكلي على المستوى العالمي وتحديدًا فيما يتعلق بقطاع المال والنقل والتوريد والسياحة والتجارة الدولية قد يعزز اختلالات جانب العرض من الاقتصاد على المستوى الدولي والمحلي عبر حلقات التغذية الرجعية (أي إن الطلب والعرض يدحرجان بعضهما بعضًا)؛ وبالتالي، فإن صدمة العرض تنتج عن تراجع كبير في مستوى العرض الكلي مدفوعًا بزيادة التكاليف والتي قد تنتهي بركود تضخمي قد يهدد الاقتصاد بشكل حقيقي.
3-4 أسواق رأس المال
على مستوى أسواق رأس المال، فقد تأثرت قطر كغيرها من دول العالم بالتغيرات الاقتصادية التي تعصف بالاقتصاد العالمي؛ حيث أسهم التباطؤ العام في مجمل الأنشطة الاقتصادية في دفع مؤشر سوق الأسهم للانخفاض بمستويات قياسية قبل أن يعاود الارتفاع مجددًا مدعومًا بالعديد من القطاعات (الشكل البياني رقم 3). لقد شهدت بعض القطاعات مثل قطاع العقارات والقطاع الصناعي والقطاع المصرفي وقطاع النقل انخفاضًا ملحوظًا مردُّه التوقفات الاقتصادية المفاجئة والتوقف الكبير في حركة نقل البضائع والأفراد ليس على مستوى قطر فحسب بل على مستوى العالم، ومن المعلوم مدى تأثر هذا القطاع وانفتاحه على التغيرات العالمية، بالإضافة إلى الانخفاض المتوقع في أرباح البنوك والمؤسسات المالية بعد الإعلان عن خفض معدلات الفائدة من قبل البنك المركزي القطري. من الجدير بالذكر أن انخفاض أسعار النفط له أثر كبير على مجمل الأنشطة الاقتصادية في قطر؛ الأمر الذي فاقم الانخفاض الذي عانت منه الأسواق خلال شهر مارس/آذار الماضي (2020). من الجدير بالذكر أن مجمل الأنشطة الاقتصادية في بورصة قطر قد عاودت النمو، لكن بنسب متفاوتة. قد يعكس هذا الأداء في أسواق المال أثر السياسات الحكومية التي تم اتخاذها مؤخرًا وعلى وجه الخصوص، ونجاعة الإجراءات المالية والنقدية في تخطي الآثار السلبية التي لحقت بالأسواق والقطاعات المتضررة.
3-5 الإجراءات المالية والنقدية
يرتكز دور السياسات الحكومية المالية والنقدية وحزم الإنقاذ والدعم التي تقدمها الدول في سبيل تحفيز الطلب الكلي وتحقيق مستوى ما من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي (الإجراءات 9 و10 من الجدول الأول) والحد بقدر الإمكان من الدخول في ركود اقتصادي عميق ومستمر. قد تساعد السياسات المالية والنقدية منها، في دعم النشاط الاقتصاد والحد من الآثار السلبية للتوقفات المفاجئة على أصحاب الأعمال والأفراد وكذلك الحد من الآثار السلبية للتوقفات المفاجئة في قطاع الأعمال وصدمات وعدم اليقين.
3-6 استجابة السياسة النقدية
اتبعت السياسة النقدية في قطر تخفيضات مهمة في أسعار الفائدة الرئيسة لديها، ولمرتين على التوالي، وقد شملت كلًّا من سعر الإيداع (هي أصول مالية يحتفظ بها بنك أو مصرف لفترة ثم تُسترد) والإقراض الرسميين وسعر إعادة الشراء (بيع البنوك لتجارية سندات حكومية لفترة قصيرة وإعادة شرائها)، وكذلك نسبة الاحتياطي الإلزامي(7) الذي يكون دائمًا بحوزة البنك. بالإضافة إلى جملة من الإجراءات تضمنت توجيه المصارف العاملة لتأجيل أقساط القروض المستحقة والفوائد المترتبة عليها لمدة ستة أشهر. ولهذا الغرض، فقد أعلن المصرف المركزي في قطر عن نيته تزويد المصارف العاملة في الدولة بسيولة إضافية من خلال استحداث نافذة خاصة لعمليات الشراء بدون فائدة، بغرض تأجيل القروض المستحقة ومنح قروض جديدة(8). توضح هذه الإجراءات موقف السياسة النقدية الذي يستهدف سياسة نقدية توسعية تضمن توفير السيولة اللازمة للمصارف العاملة في الاقتصاد في مواجهة الركود المحتمل.
3-7 استجابة السياسة المالية
بشكل متسق، تقوم السياسة المالية بدور مهم من خلال تعزيز الإنفاق الحكومي، وخفض الضرائب على المؤسسات والأفراد، والمساعدات المباشرة للقطاعات المتضررة، بالإضافة إلى المساعدات المباشرة للأفراد والمستهلكين. وفي هذا الصدد، فقد تم الإعلان في 16 من مارس/آذار الماضي عن تقديم محفزات مالية واقتصادية بمبلغ 75 مليار ريال قطري (20.6 مليار دولار أميركي، ما يمثل 13٪ من الناتج المحلي الإجمالي) لتحفيز القطاع الخاص. يهدف البرنامج إلى دعم المنشآت المتوسطة والصغيرة، إضافة للقطاعات التي تأثرت بشدة مثل قطاعات الفنادق والسياحة وقطاعات التجزئة والمجمعات التجارية والخدمات اللوجستية من خلال إعفاءات لمدة ستة أشهر على مدفوعات المرافق (الماء والكهرباء)(9). كما تم إعفاء مناطق الخدمات اللوجستية والصناعات المتوسطة والصغيرة من الإيجار لمدة ستة أشهر. بالإضافة لذلك، فقد تم الإعلان مؤخرًا عن تخصيص ضمانات للبنوك المحلية بما قيمته 3 مليارات ريال قطري (824 مليون دولار أميركي)، وتوجيه الصناديق الحكومية لزيادة استثماراتها في البورصة بمبلغ عشرة مليارات ريال قطري (2.74 مليار دولار أميركي).
لقد شكَّلت هذه الإجراءات بمجملها ركيزة أساسية في دعم القطاعات الاقتصادية والاجتماعية الأكثر تضررًا وعلى وجه الخصوص قطاع الأعمال وضمان قابلية الاستمرار لدوره الفعال في التنمية الاقتصادية وتجنب موجات التسريح من العمل بقدر الإمكان.
خاتمة
التوقف المفاجئ الذي سبَّبه الفيروس التاجي المستجد يمثل، كما أسلفنا، صدمة معقدة تشمل جانبي الطلب والعرض في الاقتصاد، كما أنها أصابت قطاعات التصنيع والخدمات محليًّا ودوليًّا بالشلل في الوقت الذي لا تزال فيه الأسواق تشهد قدرًا كبيرًا من التذبذب. كما أنها وقبل كل شيء مرتبطة بالقطاع الصحي المحلي والعالمي على حدٍّ سواء والتطورات التي يشهدها. أخيرًا، مما لا شك فيه هو أن هذه الأسواق ستشهد نوعًا من التعافي في الأجل الطويل ولكن السؤال الأهم هو أي نوع من التعافي (Market Recovery) ستشهده الأسواق؟ بمعنى آخر: هل سيكون التعافي سريعًا على شكل حرف (V) أم بطيئًا على شكل حرف (U) أم سنشهد موجة جديدة من الركود بعد تعافٍ مؤقت على شكل حرف (W)؟ وما شدة هذه الأزمة ومقدار تأثيرها على الحياة الاقتصادية.
- Oxford university, Variation in government responses to COVID-19, BSG-WP-2020/031 March 2020
- World Economic Outlook, IMF, April 2020 -- Chapter 1: The Great Lockdown 0April 6, 202
- Sylvain Leduc and Zheng Liu, the Uncertainty Channel of the Coronavirus, FRBSF Economic Letter, March 30, 2020
- IMF, Policy Responses to COVID 19 https://www.imf.org/en/Topics/imf-and-covid19/Policy-Responses-to-COVID-19
- نفس المصدر.
- الجزيرة.نت، تشديد إجراءات مواجهة كورونا.. أمير قطر يوجه بقرارات تشمل إعفاءات وتسهيلات مالية، 15 مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 20 أبريل/نيسان 2020):https://bit.ly/34NRdbs
- نفس المصدر.
- الجزيرة.نت، اقتصاديون يثمنون الحزمة المالية القطرية لمواجهة كورونا، 16 مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 20 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/2VFNmJy
- https://oec.world/en/profile/country/qat