لم يأت إعلان المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات "حالة الطوارئ" وما أسماها "الإدارة الذاتية" لجنوب اليمن في منتصف ليل 25 أبريل/نيسان الماضي (2020) من فراغ، فقد جاء في سياقات متعددة بعضها يتعلق بالتأريخ الطويل للصراع المناطقي في اليمن بين الشمال والجنوب وداخل الجنوب ذاته واستفادة الإمارات منه في تشكيل قوى موالية منذ ثمانينات القرن الماضي، والبعض يتعلق بالتنافس السعودي-الإماراتي داخل التحالف العربي.
لكن ما دلالة توقيت هذا الإعلان الذي يُنظر إليه على أنه يأتي في إطار إجراءات انفصالية من طرف واحد، خاصة أنه تعزز بتصعيد عسكري في سقطرى إلى جانب الاستعدادات العسكرية في عدن والضالع ولحج وجزء من أبين وهي المحافظات التي يسيطر عليها الانتقالي؟
الخسائر العسكرية التي مُنيت بها قوات الرئيس هادي في معارك نهم والجوف بين فبراير/شباط ومارس/آذار الماضي، شجعت الانتقالي والقوة الإقليمية الداعمة له على التصعيد، فقوات الانتقالي كانت تنتظر سقوط محافظة مأرب لتستعيد السيطرة على محافظة شبوة التي تسيطر عليها الشرعية والموجود فيها ميناء نفطي مهم وهو ميناء بلحاف المرتبط بأكبر مشروع للغاز الطبيعي في اليمن .
بينما سعت الإمارات من خلال هذا التصعيد لفرض بعض من استراتيجيتها في اليمن على شريكها في التحالف؛ ومن بين تلك الاستراتيجيات إعطاء دور لقوات طارق صالح في الشمال والتعامل مع الانتقالي كممثل وحيد للجنوب في أي اتفاقيات قادمة، وهي استراتيجيات تُبقي دور الإمارات وتأثيرها كبيرين في اليمن مستقبلًا.
الإمارات والمناطقية المزمنة
شكَّلت المشيخات والسلطنات القديمة تأثيرًا مناطقيًّا على الأوضاع السياسية والعسكرية لجنوب اليمن، وقد منع تفجرها صراع الجنوبيين مع بريطانيا، ثم انفجرت في أحداث يناير/كانون الثاني 1986 الدموية، لما انتهى الاقتتال بإقصاء مناطقي لفصيل "الزمرة" المحسوب على أبين من قِبل فصيل "الطغمة" المحسوب على مناطق الضالع ويافع وهما فصيلان ضمن الحزب الاشتراكي الحاكم للجنوب.
كانت هذه الأحداث إلى جانب انهيار النظام السوفيتي الداعم الرسمي للحزب الاشتراكي سببًا في قبول جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بوحدة اندماجية، في 22 مايو/أيار 1990، مع الجمهورية العربية اليمنية والتي كانت تحت حكم حزب واحد هو المؤتمر الشعبي العام.
ومع اختيار نظام حكم ديمقراطي أتاح التعددية السياسية، ظهرت تيارات منافسة للحزبين المهيمنين، فجاء حزب الإصلاح (إسلامي) في المرتبة الثانية بعد المؤتمر وقبل الاشتراكي في أول انتخابات ديمقراطية تشهدها اليمن عام 1993، وهو ما دفع بالحزب الاشتراكي إلى إعادة ترتيب حساباته، فالمؤسسة العسكرية لا تزال غير مندمجة تمامًا، ومع التصعيد بين الرئيس، علي عبد الله صالح، الذي كان يمثل الشمال ونائبه، علي سالم البيض، الذي كان يمثل الجنوب، انفجر الوضع عسكريًّا فيما يُعرف بحرب صيف 1994، فكانت فرصة مثالية للفصيل الاشتراكي المهزوم في أحداث يناير/كانون الثاني 1986 لتولي إدارة المعركة ميدانيًّا بقيادة الرئيس الحالي، عبد ربه منصور هادي، ضد خصومه المناطقيين.
ورغم سوء نظام صالح في إدارة ملف الجنوب بعد الحرب، وقيامه بانتهاكات حقوقية وحرمان عشرات الآلاف من العسكريين الجنوبيين من وظائفهم، إلا أن انطلاق المعارضة الجنوبية له كان مناطقيًّا ومن قبل قيادات محسوبة على مناطق تعتقد أنها تعرضت لهزيمة عسكرية من قبل المناطق الأخرى، فتشكَّلت في الخارج حركات تطالب بفك الارتباط متخذة من الإمارات والسعودية مقرًّا لها مثل الجبهة الوطنية للمعارضة (موج)، وحركة تقرير المصير (حتم)، والتجمع الديمقراطي الجنوبي (تاج)، وتشكلت في الداخل حركات مثل اللجان الشعبية وملتقى أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية وملتقيات التصالح والتسامح، والتي انطلقت من الضالع وردفان وبعض مناطق حضرموت المحسوبة على نائب الرئيس السابق، البيض، لكن التأثير الأكبر كان لجمعية المتقاعدين العسكريين التي اتخذت من الضالع منطلقًا للحراك الجنوبي 2007، وكان سقف مطالبها حقوقيًّا ثم تحول إلى سياسي يطالب بفكِّ الارتباط بعد قمع نظام صالح للمظاهرات.
وجد الحراك الجنوبي ضالته في الثورة السلمية، 2011، ضد نظام صالح ليكون التنظيم الجنوبي الأوسع قبل أن تجتاح قوات الحوثي وصالح عدن بعد انقلاب عسكري على الرئيس هادي وإسقاط العاصمة، صنعاء، في سبتمبر/أيلول 2014.
إيران والإمارات: التنافس والتكامل
بين 2011 و2014، تمكنت إيران من إحداث اختراق في الجنوب وذلك بدعم وتدريب ميليشيات بقيادة عيدروس الزُبيدي، الذي قاد ميدانيًّا حركة "حتم" المسلحة والتي أوقفت السعودية دعمها لها بعد اتفاقية الحدود عام 2000، وصدر قرار الرئيس بالعفو عن الزبيدي من حكم غيابي بالإعدام بعد تورط حركته في هجمات مسلحة نهاية التسعينات ضد الدولة.
كان لمكتب (البيض)، نائب الرئيس السابق، الفضل في ربط الزبيدي بطهران، وتم تدريب مئات المقاتلين له في البقاع جنوب لبنان على أيدي خبراء من حزب الله، قبل أن يصبح حليفًا رئيسًا للإمارات بعد تدخل التحالف العربي عسكريًّا في اليمن، مارس/آذار 2015. أسس الزبيدي 12 لواء عسكريًّا نصفها من الضالع والنصف الآخر من لحج وأبين لكن تحت قيادة شقيقه محمد قاسم الزبيدي؛ ما يوحي بالتأثير المناطقي حتى للألوية العسكرية التي أصبحت فيما بعد النواة الصلبة التي تعتمد عليها الإمارات في جنوب اليمن.
حاول الرئيس هادي الخروج من اتهام خليجي له بالمناطقية ضد خصومه السابقين فأصدر، في ديسمبر/كانون الأول 2015، قرارًا بتعيين بعض القيادات الجنوبية في مناصب بناء على طلب الإمارات، وعين عيدروس الزبيدي محافظًا لعدن بعد السيطرة عليها، لكن الزبيدي كان يسعى للانفراد بحكم الجنوب فأُقيل هو ورفيقه، وزير الدولة هاني بن بريك، في أبريل/نيسان 2017، بعد شهرين من منع القوات الإماراتية لطائرة الرئيس من النزول في مطار عدن.
قرارات الإقالة دفعت الإمارات لدعم وإنشاء مجلس حكم جنوبي يمهد للانفصال، فأُعلن في مايو/أيار 2017 تأسيس مجلس انتقالي جنوبي وعُيِّن الزبيدي رئيسًا له، وانعكس هذا التعيين على تشكيلة المجلس والألوية العسكرية التابعة له فظهرت مناطقية أكثر من كونها جنوبية، كما أن الإمارات اعتمدت بدرجة رئيسة على الزبيدي وألويته في سيطرتها على العاصمة المؤقتة، عدن، ودعمها تشكيل فصائل جديدة من الأحزمة الأمنية والنخب مع اعتمادها الأساس المناطقي للثقة في قياداتها، وإضافة معايير أخرى لاختياراتها مثل المعيار الأيديولوجي، فحاولت احتواء قيادات سلفية استخدمتهم ضد قيادات سلفية محسوبة على السعودية، وتوالت أنباء، أشار إلى بعضها تقرير لجنة الخبراء الأممين، عن تعاونها مع قيادات محسوبة على القاعدة، وتداولت تقارير أخرى دعمها كتائب أبي العباس في تعز المحسوب أيضا على القاعدة.
الشرعية ومصالح التحالف
نفَّذ المجلس الانتقالي، وبدعم إماراتي، سلسلة تمردات على سلطة الدولة في عدن والمحافظات المحررة المجاورة، رغم أن معركة الشرعية والتحالف مع الحوثيين ما زالت مفتوحة، وحدثت مواجهات دامية بين قوات الانتقالي والشرعية في يناير/كانون الأول 2018 وأغسطس/آب 2019، وضربت طائرات إماراتية الجيش الوطني على أبواب عدن وقتلت وأصابت حوالي 300 جندي وضابط يمني ما استدعى الرئيس هادي وحكومته إلى التصعيد ضد الإمارات في أروقة مجلس الأمن، لكن السعودية ضغطت على الحكومة اليمنية ودعت إلى حوار مباشر مع المجلس الانتقالي كان من مخرجاته اتفاق الرياض، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، الذي أعطى الانتقالي حق المشاركة السياسية في الحكومة.
تحرك الإمارات العسكري في اليمن أكد أن أولوية أبوظبي ليست مواجهة الحوثيين، بل لديها أولويات استراتيجية أخرى وراء تدخلها من بينها السيطرة على الموانئ اليمنية وخاصة ميناء عدن، كما أن أبوظبي سعت للوجود عسكريًّا على الضفة الشرقية للبحر الأحمر بعد أن ضمنت وجودًا عسكريًّا على الضفة الأخرى في القرن الإفريقي من خلال قواعد عسكرية في إريتريا.
لدى الإمارات أيضًا طموح كبير في أن تكون الحليف الأقوى للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ولذلك تنتهج سياسة توسعية فتشكِّل الجيوش والميليشيات وتحاول إعادة صياغة أنظمة المنطقة، وبالذات في الدول التي شهدت ثورات سلمية أو ما يُعرف بالربيع العربي 2011.
تحاول الإمارات التحكم في الطاقة في المنطقة، فحوَّلت منشأة بلحاف للغاز الطبيعي في شبوة إلى ثكنة عسكرية، كما أن لها أهدافًا تتصادم مع مصالح السعودية في اليمن.
تعاملت السعودية مع تحركات الإمارات في اليمن بنوع من التراخي البراجماتي الذي يحول دون الاصطدام مع أبوظبي لضمان مشاركتها في التحالف، ومراقبة السواحل منعًا لأنشطة تهريب السلاح للحوثيين، وتخويف عُمان من وجود استراتيجي للإمارات على حدودها، وتحقيق فوضى منظمة تدفع اليمنيين وعُمان إلى قبول الوجود السعودي العسكري في المهرة تستند إليه الرياض في بناء ميناء نفطي على البحر العربي، وهو حلم قديم جديد للسعودية لتفادي مضيق هرمز الذي تتحكم فيه إيران.
تشققات التحالف
أعلنت الإمارات الانسحاب من العمليات العسكرية في اليمن أكثر من مرة، لكن أظهرت جدية في تقليص قواتها في اليمن بعد الهجوم بالطائرات المسيَّرة وصواريخ كروز على ناقلات نفط إماراتية في ميناء الفجيرة ومنشآت أرامكو النفطية في بقيق وخريص السعودية، مايو/أيار 2019، ورغم إعلان الحوثيين مسؤوليتهم عن الهجمات، اتهمت السعودية إيران بالمسؤولية، لكن أبوظبي فضَّلت الصمت والذهاب للتفاوض مباشرة مع طهران.
وقبل حلول العام السادس لعاصفة الحزم التي أُعلن عنها في مارس/آذار 2015 بهدف استعادة شرعية الرئيس هادي وإنهاء انقلاب الحوثيين، ذهب السعوديون إلى مسقط للتفاوض مع الحوثيين نهاية 2019، بينما أعلنت الإمارات استكمال قواتها الانسحاب من اليمن في فبراير/شباط 2020.
كانت المفاوضات السعودية مع الحوثيين وإعلان أبوظبي الانسحاب العسكري الكامل إجراءات اضطرارية تهدف إلى تخفيف التصعيد مع إيران وإيقاف استهداف المنشآت النفطية خوفًا على سمعة البلدين الاقتصادية خاصة أن هناك حدثين مهمين للرياض وأبوظبي يحتاجان للأمن ولسمعة جيدة لإنجاحهما، هما: معرض أكسبو الدولي في دبي، المقرر في أكتوبر/تشرين الأول 2020، والقمة الـ15 لقادة مجموعة العشرين، المقرر انعقادها في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 في الرياض.
لكن كل ذلك قوبل بتصعيد عسكري للحوثيين ميدانيًّا أدى لتحقيق انتصارات مهمة لهم حيث سيطروا على منطقة نهم المتاخمة للعاصمة صنعاء، ومحافظة الجوف الشرقية على الحدود مع السعودية.
لم تكن تلك الانتصارات بمعزل عمَّا يحصل في الجنوب، فقد اطَّلعت الجزيرة، في عام 2017، على تقرير لفريق خبراء لجنة العقوبات التابع للأمم المتحدة يذكر أن بنوكًا بالإمارات العربية المتحدة موَّلت شراء معدات للطائرات الحوثية المسيرة من إيران، التي يستخدمها الحوثيون لمهاجمة عدد من المواقع والمعسكرات التابعة للحكومة الشرعية، وكان آخرها قصف قاعدة العند.
حاولت السعودية التغاضي عن تلك الخسائر لتضغط على الحكومة اليمنية الذهاب إلى هدنة من طرف واحد مع الحوثيين، بحجة مطالب أممية تتعلق بمواجهة فيروس كوفيد 19، لكن المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيًّا استغل فرصة حرص السعودية على عدم التصعيد العسكري ومنع القوات الحكومية من العودة إلى عدن، ليعلن، في 27 أبريل/نيسان 2020، عن الانفصال من طرف واحد وإدارة حكم ذاتي للمحافظات الجنوبية، متجاهلًا كل التنديدات الدولية بعدم تطبيق اتفاقية الرياض الذي أشرفت عليه السعودية لتمكينه من المشاركة في الحكومة الشرعية والتفرغ لمواجهة الحوثيين الذين استفادوا من التناقضات وتمددوا على الأرض.
تداعيات إعلان حكم ذاتي لجنوب اليمن
إلى جانب الرفض المطلق لبيان المجلس الانتقالي الأخير بإعلان " الطوارئ" و"الإدارة الذاتية" للجنوب من قبل الحكومة اليمنية والتحالف العربي ومجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية والأمم المتحدة ودول كبرى مثل بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، إلا أن تداعيات هذا الإعلان سلبية على الحكومة الشرعية والتحالف العربي، وبالذات السعودية إن كُتب له النجاح مستقبلا.
-
الحكومة الشرعية
إعلان الانتقالي حكمًا ذاتيًّا في جنوب اليمن يقوِّض الحكومة الشرعية، ويعطي مشروعية لحكم الحوثيين على محافظات الشمال، بل ويعزز هذا الحدث من الدعم الشعبي لهم خاصة إذا ما أعلنوا عن عمليات عسكرية باتجاه الجنوب للحفاظ على وحدة البلاد، كما أنه يهدد سيادة الجمهورية اليمنية ويشجع ظهور حركات تمرد مسلحة أخرى تؤسس لإمارات ودويلات ومشيخات وسلطنات جديدة.
كما أن رفض مكونات سياسية واجتماعية والسلطات المحلية في شبوة وحضرموت وسقطرى والمهرة لهذه الخطوة التي اعتبروها متهورة يجعل تحركات الانتقالي تبدو ضمن تصفية حسابات مناطقية مع الرئيس هادي وحكومته، وهو ما قد ينذر بحروب مناطقية قادمة ضمن دورات صراع جديدة في جنوب اليمن.
إلى جانب أن إعلان الانتقالي جاء في ظل ظروف صعبة يعيشها اليمن والمحافظات الجنوبية بالذات نتيجة الفيضانات ومخاطر انتشار فيروس كوفيد-19 وانقطاع المياه والكهرباء في العاصمة المؤقتة، عدن.
-
التحالف بقيادة السعودية
كشفت خطوة الانتقالي بإعلان إدارة ذاتية للجنوب اليمني، فشلًا كبيرًا لاتفاق الرياض الذي تشرف السعودية على تطبيقه، وبينما كانت تعتقد أنها وسيط مقبول إذا بها تكتشف أن الإمارات أكثر تأثيرًا منها في جنوب اليمن؛ ما يجعل المناطق التي تحت سيطرة المجلس الانتقالي خارج أي تأثير سعودي، كما هي عليه الحال في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
قد يدفع ذلك إما إلى تفاهمات إماراتية/سعودية لتقاسم المصالح في جنوب اليمن، أو قد تؤدي تلك الخطوة إلى تفكك التحالف العربي في حال أصرَّت السعودية على سحب البساط من الإمارات في الجنوب اليمني واستعمال القوة لفرض التزامه باتفاق الرياض، كما قد تدفع خطوة الانتقالي إيران إلى رعاية تفاهمات بينه وبين الحوثيين لتشديد الخناق على السعودية.
سيناريوهات الحسم والتسوية
هناك عدة سيناريوهات للوضع في اليمن بعد قرار المجلس الانتقالي إعلان الطوارئ والإدارة الذاتية لجنوب اليمن ثم تجديد احترامه لاتفاق الرياض، وكلها مرتبطة بعامل واحد هو مدى جدية الانتقالي في العودة إلى تنفيذ اتفاق الرياض بعد ضغوط محلية كبيرة أسهمت الأوضاع المتردية للخدمات في عدن وانتشار فيروس كوفيد-19 في تصاعدها، إلى جانب بيانات الدول الكبرى المتحفظة على خطوات الانتقالي والداعية للعودة إلى اتفاق الرياض .
السيناريو الأول: حسم الانتقالي العسكري في حال رفض مجددًا الالتزام بتنفيذ اتفاق الرياض والتحرك عسكريًّا لفرض انفصال عملي من طرف واحد.
إصرار الإنتقالي على تحقيق الانفصال العملي في هذا الظرف نجاحه ضئيل إلا في حال وجود تغاضي من التحالف بقيادة السعودية وحتى لو حصل هذا الدعم سيكون على مستوى الإعلان فقط، أما تحقيق انفصال آمن على الأرض للجنوب وعودة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية فغير وارد؛ حيث إن المناطقية العميقة ستدفع بالجنوب إلى عودة السلطنات والمشيخات والدويلات الصغيرة ، كما أن هذا السيناريو قد يدفع باليمن وبالذات الجنوب إلى حرب أهلية طويلة الأمد، ورغم ذلك فإن الصراع في الجنوب مغرٍ للاستقطاب الإقليمي والدولي خاصة من قبل إيران وروسيا، إذا لم يُحتوَ من التحالف .
السيناريو الثاني: حسم الشرعية العسكري في حال استخدامها القوة العسكرية لاستعادة عدن والمحافظات التي يسيطر عليها الانتقالي.
فعودة الرئيس هادي وحكومته إلى العاصمة المؤقتة، عدن، عسكريًّا وبدون تفاهمات مع الانتقالي والإمارات وفق اتفاق الرياض صعب جدًّا، لكن هذا السيناريو قد لا يجد قبولًا لدى السعودية الراعية لاتفاق الرياض، إلا في حال وصول الأوضاع بين الرياض وأبوظبي إلى الصدام الحقيقي وليس الخلاف المسيطَر عليه كما هو الوضع الحالي، وهو أمر مستبعد.
السيناريو الثالث: تنفيذ اتفاق الرياض
سيناريو الالتزام باتفاق الرياض شكليا رغم الخروقات بين الفينة والأخرى مرجح وقد برزت مؤشرات رجحانه مجددًا هذه المرة في إعلان المجلس الانتقالي الترحيب بدعوة السعودية والتحالف احترام اتفاق الرياض. بيد أن احترام المجلس الانتقالي الشكلي لاتفاق الرياض لن يمنعه من افتعال أزمات تمكِّنه من القضم المتدرج للسلطة في جنوب اليمن، فيحقق عدة أهداف وهي الحصول على شرعية سياسية من اشتراكه في الحكومة الشرعية، وتفادي الصدام مع السعودية ومراعاة تحالفها مع الإمارات.
وفي المقابل، فإن الاتفاق يعطي السعودية دورًا -مهما كان ضعيفًا- في تشكيل الحكومات القادمة في اليمن، خاصة إذا توصلت لاتفاق مع الحوثيين على آلية محاصصة لحكم اليمن توقف الحرب.