خارطة توضح منطقة التماس الساخنة بين شمال لبنان وسوريا (الجزيرة) |
المواجهات المتتامية في لبنان، خاصة في الشمال، بين قوى تساند الرئيس السوري بشار الأسد وقوى تساند الثائرين عليه، تندرج في عدة ديناميات: داخلية خاصة باللبنانيين وخارجية تتعلق بالسوريين وبالقوى الدولية المنخرطة حاليًا في الصراع حول مصير النظام السوري. وتتميز الأزمة اللبنانية الراهنة بأنها مرتفعة الرهانات من جهة وتفتقد إلى نظام سياسي داخلي متماسك أو شبكة أمان خارجية يمنعانها من الانفلات حتى لا تنتقل إلى حريق داخل نسيج المجتمع اللبناني.
الاقتراب من المحظور
خلال العام الفائت، حصلت حوادث أمنية في لبنان على خلفية الحدث السوري، مثل اختطاف شبلي العيسمي (تسعون عامًا)، نائب الرئيس السوري الأسبق والمعارض لنظام الأسد، من لبنان والذي ما يزال مصيره مجهولاً، عدا عن حوادث أمنية متفرقة أخطرها الاشتباكات المتقطعة بين جبل محسن وباب التبانة في طرابلس. ولكن منذ شهر إبريل/نيسان 2012، أخذت الأمور بالتسارع في اتجاه توتر قد يفضي إلى الانفجار في أية لحظة. قذيفة أنيرغا تُطلَق فجأة من حي باب التبانة (ذي الغالبية السنية) في اتجاه حي جبل محسن (ذي الغالبية العلوية الموالية لنظام الأسد) أو العكس، تعقبها طلقات نارية متبادلة لعدة ساعات تتوقف بعد تدخل الجيش فتعود الأمور إلى ما كانت عليه من هدوء حذر في انتظار ما بات يسميه اللبنانيون بالجولة المقبلة، وهو تعبير ساد خلال الحرب الأهلية الطويلة المدمرة في سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم. وبعد ثماني "جولات" من التقاتل بين الفريقين الطرابلسيين وسقوط عشرات القتلى والجرحى، اجتمعت الفعاليات الطرابلسية لترفع الغطاء عن المتقاتلين وتفتح المجال للقوى الأمنية، من جيش وأمن داخلي، للانتشار للسيطرة على الوضع. واللافت أن الجيش وحده لا يملك أن يتدخل من دون غطاء سياسي علني واضح، لأنه محسوب، من قبل كثيرين، على فئة حزبية طائفية معينة. كذلك الأمر بالنسبة لقوى الأمن الداخلي فهي محسوبة على فئة طائفية وحزبية مناهضة لتلك الأخيرة. من هنا الاتفاق على نشر الجيش والأمن الداخلي معًا كتعبير عن وجود غطاء سياسي للقوى الأمنية، وقرار سياسي بوضع حد للقتال في طرابلس بعد أن هدد بالانتشار في طول البلاد وعرضها.
مثال آخر على انقسام مؤسسات الدولة الأمنية اللبنانية حيال الوضع السوري هو توقيف الشاب شادي المولوي من قبل الأمن العام لدى خروجه من مكتب وزير المالية محمد الصفدي وذلك بتهمة الانتماء إلى تنظيم القاعدة. فور انتشار خبر التوقيف تقوم جماعات سلفية سنية بتنظيم اعتصامات واحتجاجات في البقاع والشمال وتطلق التهديدات، لاسيما ضد جهاز الأمن العام الذي يديره اللواء عباس إبراهيم الذي يُعتَبر مقربًا من جماعة الثامن من مارس/آذار، إذا لم يُخْلِ سبيل المولوي. وبعد يومين أو ثلاثة يُطلَق سراح المولوي فيستقبله أنصاره استقبال الأبطال بل إنه يُصطَحَب في سيارة الوزير الصفدي ويذهب لزيارة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي. ولا ندري ما إذا كان إخلاء السبيل ناجمًا عن الضغوط السياسية وتهديدات الشارع السُّني أم أن التحقيق لم يجد ما يدينه.
مثال آخر هو مقتل الشيخ عبد الواحد ومعاونه لدى مروره على حاجز للجيش اللبناني. روايتان انتشرتا حول الحادث: واحدة تقول بأن ضابطًا مندسًا في الجيش قام بالجريمة مدفوعًا من جماعة تريد إشعال نار الفتنة، ورواية تقول: إن الجيش أطلق النار دفاعًا عن النفس وردًّا على إطلاق النار الذي بدأه مرافقو الشيخ. تم توقيف ثلاثة ضباط وأحد عشر عنصرًا من الجيش للتحقيق معهم، وانتهت القضية عند هذا الحد في انتظار نتائج تحقيقات قد لا تُنشر بالضرورة.
لا ينحصر التوتر بين القوى اللبنانية وحدها بل اتسع ليصل إلى العلاقة بين النظام السوري والحكومة اللبنانية، فالمندوب السوري لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري كان قد بعث برسالة إلى الأمين العام بان كيمون، في 16 مايو/أيار 2012، اتهم فيها لبنان حسب قوله باحتضان عناصر إرهابية من تنظيم القاعدة والإخوان المسلمين ممن يعبثون بأمن سورية. وقد رد رئيس الحكومة ميقاتي على الرسالة بالقول: إن هدفها تأجيج الخلافات في لبنان الذي تقوم حكومته بواجبها في مكافحة الإرهاب ومراقبة الحدود ومعالجة الثغرات، وذكّر بالتجاوزات التي تحصل من الجانب السوري للحدود. وينبغي التذكير بأن وزير الدفاع اللبناني فايز غصن كان في وقت سابق قد قال: إن هناك عناصر من تنظيم القاعدة في بلدة عرسال البقاعية، الأمر الذي نفاه وزير الداخلية مروان شربل ورئيس الحكومة.
على خلفية انقسام الحكومة والأجهزة والطبقة السياسية-الطائفية والشارع، تكاثرت عمليات قطع الطرق الاحتجاجية وارتفعت وتيرة الخطاب المذهبي وكأنما ثمة أصابع خفية تسعى لإشعال نار الفتنة.
من الذي يحرك هذه الأصابع؟
الاتهامات متبادلة؛ فمن وجهة نظر الثامن من آذار تريد الدول المتآمرة على سورية استخدام الشمال اللبناني كقاعدة خلفية للانقضاض على النظام السوري؛ فمشروع المنطقة العازلة حسبهم يتم تنفيذه في الشمال، وعرسال البقاعية الحدودية أيضًا، نظرًا لعجز الدولة وللطبيعة المذهبية للمنطقة. وهكذا يجري حسب اعتقادهم تهريب السلاح والمسلحين من لبنان إلى سورية بدليل توقيف الجيش اللبناني لباخرة في سلعاتا كانت تنقل سلاحًا من ليبيا إلى الثوار السوريين. ويتم، حسب اعتقادهم دائما، نشر ومساعدة التيارات السلفية السنية المناهضة لسورية وحزب الله بغية تحقيق توازن مع هذا الأخير قوامه الشمال في مقابل الجنوب والضاحية، وسلاح السلفيين السنة في مقابل سلاح حزب الله الشيعي؛ فالهدف الاستراتيجي من كل ما يحصل حسب تيار الثامن من مارس/آذار هو نزع سلاح المقاومة عبر تفكيك التحالف الإيراني-السوري-حزب الله، ذلك أن نشر الفوضى في لبنان، وصولاً إلى الحرب المذهبية، يحقق مآرب الساعين للقضاء على المقاومة من الداخل عبر إلهائها عن العدو الإسرائيلي في حرب داخلية طاحنة.
من وجهة نظر جماعة الرابع عشر من مارس/آذار، فإن سورية وراء التوترات الأخيرة؛ ذلك أن الرئيس الأسد هدد مرارًا وتكرارًا بأن زلزالاً سيضرب المنطقة في حال تداعى النظام السوري. وهذا الزلزال ينطلق من لبنان الواقع على منطقة انزياح جيو-سياسي. وسياسة النأي بالنفس لم تعد تعجب النظام السوري الذي طلب من الحكومة اللبنانية التراجع عنها بالأفعال (التشدد مع النازحين السوريين، ومنع تهريب السلاح، وتوقيف المتهمين بمساعدة الثوار...)، ودعم مطالب الجنرال عون، ومطالب أخرى. وقد جاء توقيف شادي مولوي الناشط إلى جانب الثورة السورية كتلبية لمطلب سوري. وفي جبل محسن، فإن مؤيدي سورية هم الذين يعملون على التوتير بهدف فتح الطريق أمام تدخل عسكري سوري بدليل مطالبة رفعت عيد، رئيس الحزب العربي الديمقراطي الموالي لسورية، بتدخل القوات السورية. والحرب المذهبية في لبنان تُلهي الأنظار الدولية عن سورية وتخفف عنها الضغوط ما يتيح للنظام فرصة إخماد الثورة.
وقد وصل التوتر الأمني إلى بيروت نفسها وبدأ يحوِّم في أجواء صيدا عاصمة الجنوب ومخيم عين الحلوة بالتحديد. ووسط كل هذا الجو المشحون تمت الدعوة إلى تنظيم طاولة حوار تهدف إلى نزع فتيل الانفجار وإنقاذ موسم الصيف لاسيما بعد أن دعت الكويت وقطر والإمارات المتحدة مواطنيها إلى عدم السفر إلى لبنان، لكن انعقاد طاولة الحوار في 11 حزيران/يونيو ليس من شأنه إيجاد حل للأزمة اللبنانية التي باتت ترتبط عضويًا بشقيقتها السورية ولكنه يضع البلد في صالة انتظار ظروف قد تكون أفضل وقد لا تكون.
هذه التوترات المتصاعدة تفقد داخليا نظاما سياسيا متماسكا يستطيع تجاوزها أو الحد من تفاقمها.
نهاية اتفاق الدوحة
أنتج اتفاق الدوحة في مايو/أيار 2008 سلة اتفاقات سياسية على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب" اللبنانية التقليدية، تُرجِمت بانتخاب رئيس جمهورية توافقي، هو العماد ميشال سليمان، بحضور حشد غفير من سفراء ومسؤولين كبار لدول عظمى وإقليمية كتعبير عن رعاية دولية جديدة للبنان تسد فراغ الانسحاب السوري منه في العام 2005. ثم كانت الانتخابات البرلمانية في ربيع العام 2009 التي انبثقت عنها، في خريف العام نفسه، حكومة توافقية برئاسة سعد الحريري، أعقبها انفراج في العلاقة بين هذا الأخير ودمشق بتشجيع سعودي وغربي.
في 13يناير/كانون الثاني 2011، سقطت الحكومة المذكورة باستقالة ثلث وزرائها، من المؤيدين لسورية، على خلفية تأزُّم العلاقة بين هذه الأخيرة من جهة والسعودية وحلفائها اللبنانيين (لاسيما تيار المستقبل) من الجهة المقابلة. هذه الإطاحة بالحكومة سددت ضربة قاصمة لاتفاق الدوحة واعتُبرت محاولة سورية للاستئثار بالشأن اللبناني والعودة إلى عهد الوصاية. ثم كان تشكيل حكومة جديدة برئاسة نجيب ميقاتي من دون مشاركة قوى الرابع عشر من مارس/آذار بمثابة إعلان موت الاتفاق المذكور. ومن سوء طالع هذه الحكومة أنها ما كادت تبدأ عملها حتى دخل الراعي السوري نفسه، ابتداء من 15 مارس/آذار 2011، في أنفاق أزمة راحت تتفاقم حدة ودموية يومًا بعد يوم.
رغم شعارها الذي رفعته "كلنا للعمل"، عانت حكومة ميقاتي منذ ولادتها من عجز عن الحركة والعمل بسبب الخلافات حول الحصص بين أركانها، وبسبب افتقارها إلى رعاية إقليمية (ما كان يُسمَّى "س.س" أي السعودية وسورية)، دون أن ننسى حالة الترقب التي خلَّفتها الأزمة السورية على الوضع اللبناني رغم سياسة الحكومة المعلنة القائمة على "النأي بالنفس"، وهي سياسة نجحت عمليًا في حماية البلد الذي بقي ارتباطه بهذه الأزمة نظريًا أو مؤجلاً على الأقل رغم انقسام اللبنانيين المعلن بين مؤيد للنظام السوري ومناهض له؛ فالسيد حسن نصرالله يؤكد في كل خطاب له وقوفه إلى جانب نظام الممانعة السوري بقيادة بشار الأسد الذي رعى وحمى المقاومة والذي تتعرض بلاده، حسب نصر الله، إلى مؤامرة خارجية صهيونية-أميركية تهدف إلى القضاء على كل من يقاوم إسرائيل. في المقابل، تعلن قوى الرابع عشر من مارس/آذار تأييدها للشعب السوري الثائر على النظام الدكتاتوري المستبد والذي عانى منه اللبنانيون ما عانوا طيلة حقبة الوصاية.
وبدت الحكومة اللبنانية، لاسيما رئيسها ميقاتي على وجه التحديد، وكأنها تتفادى اتخاذ قرارات ومواقف هامة، وذلك في انتظار جلاء الأمور في سورية التي على وقع تطوراتها راحت تسير العلاقات بين قوى الثامن من مارس/آذار والرابع عشر منه من دون أن تلامس المحظور أي الفتنة المذهبية أو الاشتباك العسكري. ولكن في ربيع العام الجاري، بدأت الأمور تسير في اتجاه المحظور لتذكر بالتهديد الذي أطلقه الرئيس السوري بأن زلزالاً سيضرب المنطقة في حال أوشك نظامه على السقوط.
ما يفاقم الأوضاع أن القوى اللبنانية الداخلية لا تعمل على الحد من تداعيات الأزمة السورية وإنما إلى استعمالها في ترجيح ميزان القوى الداخلي.
لعبة صفرية بين 8 و14 مارس/آذار
طيلة عام كامل لم ينفرط عقد الاستقرار الأمني في لبنان رغم هيمنة الحدث السوري على تفاصيل الحياة اليومية السياسية والإعلامية والاجتماعية. لكن الخطاب السياسي السائد راح يأخذ اتجاه المزيد من التأييد للنظام السوري من جهة والمزيد من التبني للاجئين السوريين إلى لبنان من الجهة المقابلة وهم، في جُلِّهم، مناهضون للنظام.
في الشرق الأوسط -ورغم بعض الإشارات الإيجابية الناتجة عن المفاوضات الإيرانية-الغربية حول الملف النووي- مالت الأوضاع إلى التأزم على خلفية اشتباك سياسي بين دول الخليج العربي وتركيا والجامعة العربية من جهة وإيران وسورية المدعومتين من روسيا والصين من الجهة المقابلة. في لبنان أخذ الاستقطاب يزداد حدة وتأزمًا لتضحي اللعبة صفرية بين جبهتي 8 و14 مارس/آذار، فما يحققه الثوار السوريون على الأرض يعتبره أنصار 14 مارس/آذار مكسبًا لهم في وجه قوى الثامن من مارس/آذار، وهؤلاء يكسبون عندما ينجح النظام السوري في اقتحام بابا عمرو على سبيل المثال. وعندما يجتمع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ليعلنوا أن سياسات إيران وبرنامجها النووي سبب عدم الاستقرار في المنطقة فإن قوى الرابع عشر من مارس/آذار لا تنفك تعلن بأن سلاح حزب الله هو سبب عدم الاستقرار في لبنان؛ فالتحالفات الإقليمية والدولية باتت في صلب النسيج السياسي اللبناني، والساحة اللبنانية ليست سوى مرآة لهذه الاستقطابات الإقليمية-الدولية.
مع ملاحظة أنها ليست المرة الأولى التي ينكشف فيها لبنان على الخارج، فلطالما كان مرآة لما يجري في الخارج الإقليمي الذي بدوره هو انعكاس للمحاور الدولية. لكن هذه المرة فإن الخطورة تكمن في أن المحظور هو بالتحديد فتنة مذهبية قد تنتهي بحرب أهلية تحرق الأخضر واليابس في سورية ولبنان والمنطقة بأسرها، ويشترك في التحذير من مخاطرها كبار المسؤولين الدوليين من الأمين العام للأمم المتحدة بان-كي مون إلى المبعوث الدولي كوفي أنان إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون وغيرهم. وهذه التحذيرات باتت يومية منذ الإشارات المعلنة عن اتجاه مهمة كوفي أنان صوب الفشل المحتوم.
توقعات المستقبل
يصعب التكهن بما ستؤول إليه الأوضاع السورية في المستقبل المنظور والأبعد. لكن من المؤكد بأن الحل العسكري بات مستبعدًا بكل أشكاله؛ فالحلف الأطلسي لن يتدخل عسكريًا في سورية على الطريقة الليبية لأسباب معروفة وهو لا ينفك يكرر استبعاده لمثل هذا التدخل. والمعارضة السورية عجزت عن التوحد في إطار جامع واحد وبناء يستند إلى تصور موحد متفق عليه، بل إنه من الأصح الكلام عن "معارضات" سورية. ومن جهة النظام، فإنه رغم التشدد والإصرار منذ بداية الأزمة على استخدام الوسيلة العسكرية والأمنية لقمع الانتفاضة، فإن هذه الأخيرة تشتد عُودًا وقوة وتوسعًا يومًا بعد يوم ولا تبين عن إشارات تراجع أو اضمحلال رغم عجزها الأكيد عن إسقاط النظام بالقوة المسلحة.
وقد بتنا أمام نزاع دولي على سورية لا يقل عن صراع بين نظام ومعارضة يعجز أحدهما عن القضاء على الآخر. وبالتالي، فإن الحل للأزمة السورية لن يكون في أحد أهم أوجهه إلا خارجيًا وبالتحديد بين موسكو وواشنطن. ولن يقبل الروس إلا بحل على طريقتهم يؤمِّن لهم مصالحهم التي انتهكها الأميركيون في غير أزمة ومنطقة من العالم. وبما أن الولايات المتحدة لا تبدو أنها تشعر بالاستعجال لأن الوقت يعمل في غير مصلحة خصومها؛ فعلى الأرجح ستؤجل التفاوض الجدي على الحل السوري إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية. عندها، ثمة سيناريوهات عديدة لحلول ستكون على الطاولة تبعًا لميزان القوى القائم، إما على الطريقة اليمنية أو الروسية أو حتى على طريقة خاصة بالحالة السورية (مؤتمر دولي وإقليمي تدعو إليه موسكو على سبيل المثال).
في هذا الوقت، سوف يستمر لبنان في العيش على إيقاع الأزمة السورية من دون أن يدخل في أتون حرب أهلية يعرف اللبنانيون مرارة طعمها ولكن من دون أن ينتقل إلى استقرار وسلم أهلي وسياسي. لذلك، سوف تبقى الساحة اللبنانية جاهزة للحراك الأمني والعسكري والتهديد بفتنة مذهبية تحقيقًا لهذا المبتغى الإقليمي أو ذاك وتبقى مجالاً لإرسال الرسائل، الأمر الذي يجد فيه كل الفرقاء الإقليميين مصلحة وضرورة. وإذا لم تنته الأزمة السورية قبل الانتخابات النيابية المقبلة في ربيع العام 2013 فمن الممكن أن يجري تأجيلها، بذريعة أو بأخرى، في انتظار جلاء الأمر السوري.
وعلى الأرجح لن يقود انجلاء الوضع السوري إلى استقرار في لبنان بسحر ساحر؛ ففي ظل اللعبة الصفرية السائدة سيكون هناك غالب ومغلوب، وسيحاول المغلوب تعويض خسارته وهو الذي يمثل طائفة كبرى وتيارًا أو حزبًا قادرًا على زعزعة استقرار البلد الهش بفعل نظامه الطائفي القائم على المحاصصة والارتباط بقوى الخارج. وسيحاول المنتصر أن يعزز مكاسبه بمنع المنهزم من استرداد المبادرة. ولذلك ستكون ثمة حاجة لرعاية إقليمية تتمثل في اتفاق ما على غرار الدوحة أو الطائف تقوم على ميزان القوى الجديد الناشئ عن المعطى السوري المستجد. لذلك من الضرورة بمكان أن تضم التسوية الدولية-الإقليمية للأزمة السورية لبنان بين بنودها، نظرًا للارتباط الوثيق بين البلدين، وكي لا تُترَك الساحة اللبنانية مكشوفة أمام تداعيات المرحلة الانتقالية في سورية والتي ستكون صعبة دون شك.