حقّق الرئيس محمد مرسي في يوم واحد ما اعتقد كثيرون أنه سيستهلك سنوات لتحقيقه. فبحسمه ازدواجية السلطة،
وإخراج المجلس الأعلى للقوات المسلحة من شؤون الحكم، قاد مرسي مصر إلى طريق الانتقال الفعلي نحو حكم مدني.
في 12 أغسطس/آب الماضي 2012، حقّق الرئيس محمد مرسي في يوم واحد ما اعتقد كثيرون أنه سيستهلك سنوات لتحقيقه. فبحسمه ازدواجية السلطة، وإخراج المجلس الأعلى للقوات المسلحة من شؤون الحكم، وإعادة الجيش إلى مهامه الأساسية، قاد مرسي مصر إلى طريق الانتقال الفعلي نحو حكم مدني، ديمقراطي وحر. ولكن خطوة الرئيس تلك وضعته، منفردًا، في مواجهة الأعباء الثقيلة لحكم بلاد أوصلها النظام السابق إلى حافة الخراب، ودفعتها أجواء الثورة والحرية والصراع بين القوى السياسية إلى حافة الفوضى. منذ أغسطس/آب 2012، لم يعد باستطاعة الرئيس المصري الجديد أن يعزو فقدان الفعالية وبطء الإنجاز لازدواجية السلطة والحكم.
كان مرسي قد خاض الانتخابات الرئاسية بحزمة من الوعود، التي تتناول ملفات عاجلة، معلنًا عزمه على تحقيقها في المئة يوم الأولى من حكمه؛ ففي خطاب طويل وتفصيلي للمصريين في ذكرى حرب 1973، مساء السادس من أكتوبر/تشرين الأول 2012، قدم الرئيس بيانه حول برنامج المئة يوم، مقرًا بعدم استطاعته الوفاء بوعوده كلية. ورغم الاستقبال الشعبي الإيجابي للخطاب، رأى كثيرون أن أرقام الإنجاز التي جاء بها الرئيس بدت مضخمة إلى حدٍّ ما.
بين خطوة حسم ازدواجية الحكم وخطاب أكتوبر/تشرين الأول، عاش مرسي أفضل لحظاته في العلاقة مع المصريين. ولكن من الواضح أن أسهم الرئيس أخذت في التراجع بعد ذلك.
هذه قراءة للصعوبات التي يواجهها الرئيس المصري وهو يواجه واحدة من أثقل التركات لدول الربيع العربي.
أزمة المالية العامة
يعتبر شح الموارد مشكلة مصرية مزمنة، على الأقل منذ ولادة مصر باعتبارها دولة حديثة، مستقلة في عشرينيات القرن العشرين. ولكن المشكلة لم تصل قط إلى مستوى التفاقم الذي وصلته في العقد الأخير من حكم النظام السابق. خلال التسعينيات من القرن الماضي، أفاد انخراط النظام في حرب الخليج الأولى في تخفيف أعباء الدَّيْن الخارجي وتوفر قدر من المساعدات المالية من الولايات المتحدة والدول الأوروبية الغربية ودول الخليج العربية. ولكن الرافد الأكبر تمثل في المردودات الكبيرة التي جنتها الدولة من بيع عدد كبير من شركات الملكية العامة للقطاع الخاص. أتاحت عوائد التسعينيات فرصة لنهوض اقتصادي ملموس في مصر، ولكنها فتحت أبواب الفساد أيضًا، الذي وصل في العقد الأول من القرن الحالي إلى مستويات غير مسبوقة، وطال كل مستويات النظام والدوائر القريبة منه.
عقد النظام السابق صفقة غير مكتوبة مع المصريين، سيما الشرائح الوسطى، حاضنة القيم وعماد المجتمع؛ ففي مقابل صمت المصريين عن مناخ الفساد والنهب الذي اجتاح البلاد، حافظ النظام على الدعم المالي الهائل الذي توفره الدولة للمصاريف على الطاقة والسلع الأساسية، سيما رغيف الخبز؛ بحيث أصبح ربع الميزانية العامة المصرية مخصصًا للدعم.
بيد أن ذلك أدى إلى آثار خطيرة تمثلت في تراجع الشعور العام بالمسؤولية؛ فالدولة تدعم استهلاك الغاز للفقراء والأثرياء، ولفنادق النجوم الخمس ومراكز رعاية الأيتام، على السواء. وفي بلاد تهدر المياه بلا حساب، وتوشك على مواجهة أزمة مياه طاحنة، بفعل الخلافات المستعصية مع دول منبع نهر النيل في إثيوبيا وأوغندا، يحسب استهلاك المياه في أغلب البنايات السكنية للبناية ككل، وبأسعار لا تُذكر، بدون أن يدرك المواطن فعلاً حجم استهلاكه أو يشعر بما يدفعه من مقابل.
ما كان متداولاً هو أن الدَّيْن القومي وصل إلى 36–38 مليار دولار. ولكن هذا الرقم يخص الدين الخارجي فقط. ما تكشّف خلال الأشهر القليلة الماضية، هو أن الدين الداخلي وصل إلى تريليون ومائتي مليار جنيه مصري؛ ولأن سعر الفائدة على الجنية المصري مرتفعة بصورة استثنائية، فإن فائدة الدين الداخلي تتراوح بين 12 و16 بالمائة. بصورة عامة، تنقسم الميزانية المصرية إلى أربعة أقسام: ربع لخدمة الديون، وربع لدعم الطاقة ورغيف الخبز وسلع أخرى، وربع لرواتب ستة ملايين من موظفي الدولة، والربع الأخير لكل واجبات الدولة الأخرى.
مثل هذا الوضع لا يمكن استمراره؛ وإن استمر، فليس ثمة شك في أنه سيؤدي إلى إفلاس الدولة المصرية ودفعها إلى هوة شبيهة بالهوة اليونانية. الفارق، أن مصر ليس لها اتحاد أوروبي يسارع إلى إنقاذها. فطبقًا لتقديرات الحكومة المصرية، سيبلغ عجز الميزانية العامة هذا العام 138 مليار جنيه. ولكن الإعلان مؤخرًا عن أن عجز الربع الأول من العام تجاوز الخمسين مليارًا، يعني أن تقديرات الحكومة متفائلة إلى حد كبير، وأن العجز السنوي قد يتجاوز 170 مليارًا من الجنيهات.
ما حاوله الرئيس المصري خلال الأشهر القليلة الماضية، كان السعي للحصول على قرض بفائدة ضئيلة من صندوق النقد الدولي بمقدار 4,5 مليار دولار، وودائع مالية من دول شقيقة وصديقة، توفر للبنك المركزي مرونة في الحركة، بعد أن انخفض احتياطي البنك من العملات الأجنبية، منذ سقوط النظام السابق، من 35 مليار دولار إلى 15 مليارًا فقط. وقد استجابت قطر بإيداع 2 مليار دولار، وتركيا بإيداع مليار آخر. ولكن الجميع يدرك أن هذا ليس سوى حل مؤقت، وأن الأزمة أعقد بكثير من توفير مرونة مالية للبنك المركزي.
بطء النمو الاقتصادي
بلغ معدل النمو الاقتصادي في مصر في 2010، السنة السابقة على اندلاع الثورة، 5,1 بالمائة؛ وهو معدل أقل مما خططت له حكومة حسني مبارك آنذاك، التي بررت انخفاض الأداء بالأزمة الاقتصادية العالمية. وكما كان متوقعًا، أدت أحداث الثورة والمناخ الاحتجاجي والمطلبي الذي ولَّدته، والانخفاض الحاد في الاستثمارات الداخلية والخارجية، إلى تراجع ملموس في معدلات النمو. طبقًا لتقرير الآفاق الاقتصادية العالمية، الذي أصدره البنك الدولي في فبراير/شباط الماضي 2012، انخفض معدل النمو الاقتصادي المصري في 2011 إلى 1,3؛ وتوقَّع التقرير أن يبلغ معدل النمو 3,8 في 2012، وأن يقفز إلى 5,5 في 2013.
بيد أن الأداء الاقتصادي لا يبدو أنه سيصل حتى إلى مستوى توقعات البنك الدولي؛ فطبقًا لتصريحات وزير التخطيط المصري، أشرف العربي، في (13 سبتمبر/أيلول 2012)، لم يتجاوز معدل النمو في الربع الأخير من السنة المالية 2011–2012 نسبة 3,3 بالمئة. وتوقع الوزير أن لا يتجاوز هذا المعدل 4 بالمئة في العام 2012–2013. بمثل هذا الأداء الاقتصادي، سيصعب على البلاد مواجهة التراجع الهائل في الخدمات الضرورية (التعليم، والصحة، والإسكان، والمواصلات)، والتعامل مع مستوى بطالة يصل إلى 12,6 بالمئة، أو 3,4 مليون عاطل.
أين هي المشكلة؟
الدولة، بالطبع، هي القاطرة الاقتصادية الرئيسة؛ والمالية العامة في مصر ليست في أحسن حال. ولكن هناك ما هو أكثر تعقيدًا. ففي ظل ضآلة الجزء المتاح من الميزانية العامة للتنمية، يفترض أن تلعب الاستثمارات الخاصة، الداخلية والخارجية، دورًا متزايدًا في العملية الاقتصادية. وكان طبيعيًا طوال فترة فقدان اليقين السياسي، بعد انهيار النظام السابق، أن يُحجم القطاع الخاص عن الاستثمار والعمل. ولكن، حتى بعد حسم الازدواجية في الحكم، في 12 أغسطس/آب، ليست ثمة مؤشرات ملموسة على انطلاقة اقتصادية. ثمة عدد متداخل من الأسباب خلف ركود المبادرة الاقتصادية لدى القطاع الخاص.
-
الأول: أن عددًا من مجموعات الاستثمار العربية الخليجية يواجه إشكاليات قانونية، تعود إلى تجاوزات في العقود التي وقّعها أثناء العهد السابق. ويصعب توقع تدفق استثمارات عربية جديدة ما لم تُحَلّ هذه القضايا، من جهة، وتطمئن هذه المجموعات لطبيعة العلاقات بين النظام المصري الجديد ودول مجلس التعاون الخليجي، من جهة أخرى.
-
الثاني: أن عددًا كبيرًا من رجال الأعمال المصريين، بعضهم في داخل البلاد وبعضهم يخشى العودة إليها من الخارج، ارتكبوا تجاوزات متفاوتة أثناء عقد الفساد والاستباحة الأخير من العهد السابق. وليس من الواضح حتى الآن ما إن كان الحكم الجديد سيلجأ لتسويات تصحح أوضاع هؤلاء، أو إن كان سيلاحقهم قانونيًا. التسويات السريعة قد توفر للدولة عشرات المليارات من الجنيهات، وتدفع عجلة السوق إلى الأمام. ولكن الاستقطاب السياسي في البلاد، وغموض موقف الرئيس من المسألة، يقف عائقًا أمام خيار التسوية، بالرغم من أن أحدًا لا يمكنه تقدير نتائج الخيار القضائي.
-
الثالث: أن البلاد لم تخرج نهائيًا من حالة الفوضى وعدم اليقين؛ إذ لم يزل معدّل الإضرابات العمالية عاليًا؛ ولم تصل القوى السياسية إلى توافق حول مسودة الدستور؛ وليس هناك من برلمان بعد؛ وليس من الواضح كيف ستتطور علاقة الدولة بالقطاع الخاص.
محنة المعاش اليومي
في مصر، ليس ثمة قطاع خدمات واحد يعمل بصورة مرضية أو شبه مرضية. مستوى التعليم المصري المدرسي والجامعي في أدنى مستوياته؛ وتنفق الأسر المصرية مليارات من الجنيهات سنويًا على التعليم الإضافي الخاص، المدرسي والجامعي. وبالرغم من أن من المفترض أن الخدمات الصحية مجانية، فإن الطبقات المصرية الوسطى والعليا لا تكاد تعرف الطريق إلى مراكز الصحة العامة. ولا يقل قطاع المواصلات خرابًا عن القطاعات الأخرى، ليس فقط لأن المدن المصرية تعيش أزمة مرورية متفاقمة، ولكن أيضًا لعدم توفر وسائل مواصلات جماعية، لائقة.
وعود الرئيس مرسي بحل أزمات الكهرباء والخبز والغاز والقمامة والمواصلات، تحققت بنسب متفاوتة. لم تعد البلاد تعاني من انقطاعات الكهرباء المتكررة، وتم إلى حد كبير حل أزمة رغيف الخبز (المدعوم من الدولة)، وتوشك أزمة غاز الطهي أن تنتهي. ولكن أحدًا لا يعرف ما إن كانت الحلول دائمة أو مؤقتة؛ فالبترول المصري لا يحتوى إلا نسبة ضئيلة من السولار، مما يضطر البلاد إلى الاستيراد؛ تمامًا كما أن نسبة البوتان، الذي يُستخدم للاستهلاك المنزلي، في الغاز المصري الخام ضئيلة، ولابد من الاستيراد من الخارج لسد حاجة البلاد. ويقول خبراء النفط المصريون: إن إنتاج البلاد من النفط، البالغ 600,000 برميل يوميًا، وصل إلى أقصاه، ويُتوقع له الانخفاض في السنوات المقبلة، التي يفترض أن تشهد نهوضًا صناعيًا كبيرًا وطلبًا متزايدًا على مصادر الطاقة.
من جهة أخرى، يشعر المصريون أن الاختناقات المرورية أصبحت أكثر سوءًا منذ خطاب الرئيس في 6 أكتوبر/تشرين الأول، وأن رجال الشرطة لا يتواجدون في الشارع بصورة كافية، بالرغم من وعود وزير الداخلية المتكررة؛ بينما عادت ظاهرة تكدس القمامة في الشوارع إلى ما كانت عليه. وكما في إمدادات الطاقة والمياه، لا يتحمل المصريون تكلفة تُذكر مقابل خدمات الإدارة المحلية. ولكن المشكلة أن الثقة متدنية في كفاءة وطهارة يد العاملين في هذه الإدارات. أقدم الرئيس مؤخرًا على تعيين محافظين ونواب محافظين جدد في بعض المحافظات، ولكن فقدان الثقة لا يطول المحافظين وحسب، بل والمجالس المحلية، التي لم تزل على تشكيلها منذ العهد السابق.
بُنيت حزمة وعود الرئيس للمئة يوم الأولى على تقديرات متفائلة إلى حد كبير وعدم إدراك لحجم المشاكل التي تئنّ تحتها البلاد، ولكن الثورات ترفع من مستوى الآمال والتوقعات. على أية حال، إن كان ممكنًا الاعتذار عن عدم الإيفاء بوعود المئة يوم، فكيف يمكن الاعتذار في الأيام التالية؟
مخاطر الاستقطاب السياسي
لن يستقر النظام السياسي الجديد، ولن يُنظر إليه باعتباره مستقرًا، إلا عندما تكتمل عملية البناء السياسي، سيما الانتهاء من مسودة الدستور والاستفتاء الشعبي عليها، وإجراء انتخابات مجلسي الشعب والشيوخ الجديدين. ولكن عودة حالة الاستقطاب الحادة إلى الساحة السياسية، تقف حاجزًا أمام توافق القوى السياسية على مسائل الخلاف الرئيسة في الدستور المرتقب. فبينما تحاول كتلة الإخوان المسلمين في الجمعية التأسيسية اتخاذ موقف وسط، تتزايد الاعتراضات على المسودة الأولى المطروحة للنقاش العام من القوى الليبرالية واليسارية والسلفية على السواء.
في 25 أكتوبر/تشرين الأول، دعا الرئيس بضع عشرات من قادة القوى السياسية ونشطاء الثورة للحوار. ورغم حضور زهاء الستين من الحزبيين والشخصيات العامة والنشطين السياسيين، فإن عددًا ملموسًا من الشخصيات السياسية والحزبية رفض الدعوة. لا يستطيع الرئيس التدخل مباشرة في عملية صياغة الدستور وأعمال الجمعية التأسيسية، ولكنه أقام دعوته للحوار على فرضية استطاعته ربما أن يساعد على خلق مناخ توافقي بين أطراف الساحة السياسية المختلفة.
إن لم تنته الجمعية التأسيسية من وضع مسودة الدستور خلال ستة شهور من بداية عملها، أي ديسمبر/كانون الثاني المقبل 2012، كما كان مقررًا لها، فعلى الرئيس، طبقًا للإعلان الدستوري الجديد الصادر في 12 أغسطس/آب، أن يقوم بتشكيل جمعية تأسيسية جديدة. وسيكون على الرئيس التأكد من أن الجمعية التي سيشكلها قادرة على التوصل لتوافق على مسائل الخلاف. ولكن ما هي التشكيلة التي ستُرضي القوى السياسية، وتمتع بشرعية كافية في أعين الأغلبية، وتستطيع بالفعل الانتهاء من مسودة الدستور في أقصر مدة ممكنة؟ كلما تأخرت عملية وضع الدستور، تأخرت انتخابات البرلمان المقبل، وظلت البلاد، شعبًا وأعمالاً وإصلاحًا، تنتظر اكتمال البناء السياسي للنظام.
نتائج و توصيات
-
ليس من الواضح بعد ما إن كان الرئيس يدرك أن عليه تعهد ثورة حقيقية، ليس فقط للمضي بالثورة المصرية في طريق إصلاح جهاز الدولة والحكم، ولكن أيضًا فيما يتعلق بشعور المصريين، سيما الطبقة الوسطى منهم، بالمسؤولية؛ المسؤولية تجاه نمط حياتهم واستهلاكهم وعلاقتهم بالبيئة التي يعيشون فيها. ولكن تنمية الشعور بالمسؤولية لا يمكن أن تبدأ بدون تقدم ملموس في إصلاح إدارة الدولة وقطاعات الخدمات الحيوية. هذه دائرة مغلقة، بالطبع، ولكن الرئيس وحده من يملك القوة لكسرها.
-
ثمة قرارات كبرى لا يستطيع الرئيس اتخاذها بدون وجود برلمان يمثل إرادة الأغلبية؛ ولكن احتفاظه المؤقت بالسلطة التشريعية، يوفر له مجالاً لاتخاذ القرارات الضرورية التي لا يجب أن تنتظر ولادة البرلمان الجديد. على الرئيس، مثلاً، أن يوجه حكومته إلى البدء فورًا في إعادة جدولة دعم موارد الطاقة، بحيث يقتصر الدعم على الشرائح الفقيرة، ويُوضع حدٌّ للتضخم المتزايد باستمرار في عجز الميزانية. وبإمكان الرئيس أن يكلف لجنة من القانونيين بوضع معايير للتعامل مع رجال الأعمال المرتكبين لمخالفات، يقرر على أساسها من ستتم المصالحة معهم ومن ستترك مخالفاتهم للقضاء. بذلك، يمكن أن تنتهي حالة فقدان اليقين أمام القطاع الخاص الداخلي، الذي سيصعب جذب استثمارات خارجية بدون مبادرته للاستثمار والعمل. وربما بات من الضروري أن يعيد الرئيس النظر في حكومته وإجراء تقييم موضوعي لأداء رئيس الوزراء والوزراء، ونجاح كل منهم في التقدم بمهماتهم قدمًا. وليس ثمة شك، رغم القرارات التي اتخذها الرئيس في تغيير رئيسي الجهاز المركزي للحسابات وهيئة التنمية الإدارية، أن هناك ضرورة ملحة لإجراء إصلاحات أوسع وأعمق في جهاز الدولة، الذي لم تصله رياح الثورة المصرية بعد. وتتعلق بهذه المسألة الأخيرة، إعادة النظر في الصناديق المالية الخاصة للوزارات والهيئات الحكومية، وإعادة النظر في العدد الكبير للمستشارين في الوزارات المختلفة، الذين يعملون بعقود خاصة ومكافآت مالية ضخمة، بدون أن يتضح حجم مساهماتهم في إدارة شؤون الدولة.
-
أحد أسباب تردد الرئيس وحكومته في اتخاذ قرارات جذرية يعود إلى الخشية المتزايدة من الإعلام ومناخ الاستقطاب السياسي. وقد سبق للرئيس أن نجح في مخاطبة الشعب مباشرة، من فوق رؤوس النخبة السياسية والأحزاب. وهذا هو واجبه اليوم، ليس فقط لإيضاح حجم التركة التي ورثها، ولكن أيضًا لتسويغ القرارات التي قد تبدو قاسية لكن لم يعد ثمة مجال لتأجيلها. على الرئيس، باختصار، أن يقوم بمهام القيادة التي أوكل بها.