تهدف هذه الورقة إلى تحليل مشاركة القائمة العربية الموحدة برئاسة النائب منصور عباس في الائتلاف الحكومي الجديد الذي أقيم في إسرائيل برئاسة نفتالي بينت، رئيس حزب "يمينا" اليميني، ويائير لبيد، رئيس حزب "يوجد مستقبل"، "الوسطي"، والذي تأتّى عنه إقامة حكومة أطلقت على نفسها اسم "حكومة التغيير"(1). ستعرض الورقة للأسباب التي دفعت القائمة الموحدة إلى دخول الائتلاف الحكومي، في خطوة تُعتبر غير مسبوقة في تاريخ السياسة العربية في إسرائيل، كما تستشرف تحديات مشاركتها في الحكومة وعوامل نجاحها وفشلها، فضلًا عن مستقبلها وتداعياتها المستقبلية على مختلف جوانب العمل السياسي العربي.
القائمة العربية الموحدة
تعتبر القائمة العربية الموحدة الذراع السياسية للحركة الإسلامية التي تشارك في الانتخابات الإسرائيلية العامة، والمعروفة باسم الحركة الإسلامية (الجناح الجنوبي). خاضت القائمة الموحدة الانتخابات منذ عام 1996 عندما حدث الانشقاق في الحركة الإسلامية في أراضي 1948، بين تيار يؤيد الدخول للكنيست برئاسة الشيخ عبد الله نمر درويش (توفي عام 2017)، وتيار يعارض المشاركة في الكنيست برئاسة الشيخ رائد صلاح. عُرف التيار المعارض باسم الحركة الإسلامية (الجناح الشمالي)، وحظرته قانونيًّا الحكومة الإسرائيلية في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، بعد ملاحقات رئيسه الشيخ صلاح، إثر مواقفه الداعية لحماية المسجد الأقصى، منذ انتفاضة الأقصى عام 2000.
تُمَثَّل القائمة الموحدة في الكنيست منذ عام 1996، وفي عام 2015 تشكلت "القائمة المشتركة" من الأحزاب الفاعلة في صفوف المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل، وكانت القائمة الموحدة إحدى مركباتها الأربعة (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة/ الحزب الشيوعي الإسرائيلي، التجمع الوطني الديمقراطي، الحركة العربية للتغيير، والقائمة العربية الموحدة). وعشية الانتخابات الإسرائيلية العامة في أبريل/نيسان 2019، انقسمت القائمة المشتركة إلى قائمتين، واحدة كانت بتحالف الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير وحصلت على ستة مقاعد، والثانية بتحالف التجمع الوطني والقائمة الموحدة وحصلت على أربعة مقاعد. وفي جولتي الانتخابات التاليتين في سبتمبر/أيلول 2019 ومارس/آذار 2020، عادت القائمة المشتركة بمركباتها الأربعة وخاضت الدورتين المذكورتين وحققت في انتخابات 2020 إنجازًا كبيرًا بحصولها على 15 مقعدًا، ما أهلها لتكون القوة الثالثة في الكنيست الإسرائيلي السابق.
بعد انتخابات 2020 قررت القائمة المشتركة دعم رئيس تحالف "أزرق أبيض" بيني غانتس، الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، المكلف وقتها بمهمة تأليف الحكومة الإسرائيلية، ولكن غانتس رفض تأليف حكومة بالاعتماد على القائمة المشتركة، وأقام حكومة بالتحالف مع زعيم الليكود بنيامين نتنياهو، إثر ذلك ظهرت بوادر خلاف في القائمة المشتركة، وعشية الانتخابات الأخيرة التي جرت في آذار/مارس 2021، قررت القائمة الموحدة الانشقاق عن القائمة المشتركة، وخاضت الانتخابات بشكل منفصل وحصلت فيها على أربعة مقاعد، في حين ظلت القائمة المشتركة بمركباتها الثلاثة الأخرى وحصلت على ستة مقاعد.
منهج المشاركة
أطلق النائب عباس على منهجه اسم "منهج المشاركة"(2). وهو يقرُّ بأن له ثمنًا "ولكن ثبت أنه فاعل وحاضر وفرض قضايا المجتمع العربي على الطاولة وعلى الرأي العام الإسرائيلي وهذه بداية التغيير"(3). ويعتمد هذا المنهج، كما يُصرح عباس وغيره من قادة القائمة الموحدة والحركة الإسلامية (الجناح الجنوبي)، على التحالف مع أي حزب إسرائيلي يوافق على التعاون بشأن الاحتياجات المدنية للمجتمع العربي في إسرائيل، وعدم إيلاء الأولوية القصوى للقضية الوطنية لأنها بمثابة عائق أمام تحالفات مع أحزاب إسرائيلية وأمام المشاركة في الحكومة، مع تغييب الفروق بين التيارات السياسية الإسرائيلية من أجل التحالف معها، على عكس ما اتبعته الأحزاب العربية التي غيَّبت الفروق بين الأحزاب الصهيونية لكي لا تتحالف معها. وعلى حد تعبير عباس فإن السرديات التاريخية ما هي إلا سرديات داخلية ليست لها علاقة بالصراع (4). وينطلق المنهج الجديد هذا كذلك من اعتبار أن سياسات النظام الإسرائيلي تجاه العرب هي نتاج تحالفات سياسية مصلحية، يمكن قطعها وتغييرها وبناء تحالفات جديدة قد تغيِّر من تعامل النظام السياسي مع مطالب المجتمع العربي(5).
في إطار هذا المنهج ومع تكليف بنيامين نتنياهو بتأليف الحكومة إثر الانتخابات الأخيرة (في مارس/آذار 2021)، كانت القائمة الموحدة مستعدة للانضمام إلى حكومة يترأسها نتنياهو، غير أن معارضة حزب "الصهيونية الدينية" مثل هذا الانضمام منع إقامة هذه الحكومة(6). وبعد انتقال التكليف بشأن تأليف الحكومة الجديدة إلى رئيس حزب "يوجد مستقبل" (وسطي) يائير لبيد، يوم 5 مايو/أيار 2021، أعلن هذا الأخير أنه سيسعى لتأليف "حكومة وحدة"، وتجنُّب إجراء انتخابات خامسة خلال ما يزيد قليلًا على عامين. وكما قال لبيد فـ"إن إسرائيل بحاجة إلى حكومة تعكس حقيقة أننا لا نكره بعضنا البعض. حكومة يعمل فيها اليسار واليمين والوسط معًا لمواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية التي نواجهها، حكومة ستظهر أن خلافاتنا هي قوة وليست ضعفًا"(7).
ووقع لبيد اتفاقية مع منصور عباس على انضمام القائمة الموحدة إلى الحكومة. شملت الاتفاقيّة الموقعة بين الطرفين التفاهمات التي اُتفِق عليها بين القائمتين، وملحقًا يُنظِّم عمل الحكومة، كجزء من الاتفاقية بين الطرفين. أما أهم البنود حسبما وردت في الاتفاقية فكان(8):
أولًا: تدعم القائمة العربيّة الموحدة تشكيل الحكومة، وتكون جزءًا من الائتلاف الحكومي، وتكون ملتزمة بقرارات الحكومة وإدارة الائتلاف، وتدعم إجراءاتها في الكنيست.
ثانيًا: تدعم القائمة العربية الموحدة كل تعديلات التشريع التي تُرفع للكنيست بعد التوقيع على هذه الاتفاقيّة.
ثالثًا: تلتزم القائمة العربية الموحدة بدعم إجراءات الائتلاف في الكنيست، والتصويت لمرشحي الائتلاف للمناصب المختلفة، في الكنيست واللجان المختلفة.
رابعًا: تعمل القائمة العربية الموحدة لضمان بقاء الحكومة حتى نهاية دورتها، بما في ذلك دعم ميزانية الدولة ومعارضة اقتراحات حجب الثقة، أو اقتراحات حلِّ الكنيست.
خامسًا: ستُقسَم لجنة الداخلية وحماية البيئة إلى لجنتين: لجنة الداخلية وحماية البيئة ولجنة الأمن الداخلي.
سادسًا: ستحصل القائمة العربيّة الموحدة على المناصب التالية: نائب وزير في ديوان رئيس الحكومة، رئاسة لجنة الداخلية، نائب رئيس الكنيست، رئيس اللجنة لشؤون المجتمع العربي.
سابعًا: يتفق الطرفان على العمل على صياغة خطة خمسية لتقليص الفجوات للمجتمع العربي، الدرزي والشركسي والبدوي بميزانية تصل إلى 30 مليار شيكل (الدولار = 3.26 شيكل) حتى نهاية عام 2026، وذلك من دون المسِّ بقرارات حكومية سابقة (على الأقل 50% إضافة ميزانية). تُبَلْوَر الخطة الخماسية بالتنسيق بين هيئة التطوير الاقتصادي للمجتمع العربي وقسم الميزانيات في وزارة المالية وبالتشاور مع لجنة شؤون المجتمع العربي (البرلمانية).
ثامنًا: ستقر الحكومة خطة خماسية لمكافحة العنف والجريمة في المجتمع العربي حسب تقرير "المديرين" والقرار الحكومي رقم 852 بميزانية تقدر بـ 2.5 مليار شيكل لخمس سنوات، منها مليار شيكل لمكافحة الجريمة والعنف ليس لها علاقة بوزارة الأمن الداخلي.
تاسعًا: ستتبنى الحكومة خطة "نتيفي أيالون" الاستراتيجية بإجمالي 20 مليار شيكل (حتى عام 2030) للمواصلات الداخلية في المجتمع العربي، ستُمَوَّل الخطة بملياري شيكل خلال العامين 2022-2023.
عاشرًا: ستُقر الحكومة ضمن ميزانية الدولة السنوية مبلغ 100 مليون شيكل سنويًّا لمدة خمس سنوات، من أجل إصلاح أعطاب في تطوير مشاريع في البلدات العربية.
الحادي عشر: ستعمل الحكومة على تمثيل مُنصف للمجتمع العربي في وظائف خدمات الدولة، والشركات والتعاونيات الحكومية بما يوازي نسبته من السكان من خلال قرار حكوميّ.
الثاني عشر: تحسين الخطط الحكومية المتعلقة بالتخطيط والسكن في المجتمع العربي، ومنح السلطات المحلية العربية صلاحيات أوسع في هذا المضمار.
الثالث عشر: ستعمل الحكومة على رفع عدد الوحدات السكنية للمجتمع العربي بمعدل 10 آلاف وحدة سكنية في السنة.
الرابع عشر: إقامة لجنة وزارية لشؤون المجتمع العربي برئاسة رئيس الحكومة.
الخامس عشر: تذليل العقبات التخطيطية والبيروقراطية لتراخيص البناء في المجتمع العربي، والتوجه إلى المستشار القانوني للحكومة للنظر في إلغاء المخالفات التي أعطيت للعرب فيما يتعلق بالبناء غير المرخص.
السادس عشر: تلتزم الحكومة بأن تصادق، خلال 45 يومًا من تشكيلها، على قرار بالاعتراف بثلاث قرى بدوية في النقب، وبالتوازي مع ذلك، تُقدَّم للحكومة، خلال تسعة شهور من تشكيلها، خطةٌ لتنظيم توطين البدو في النقب حسب المصلحة العامة في النقب.
لدى تعقيبه على هذه الاتفاقية قال عباس: هناك واقع سياسي موجود يقول إن حقك ومطالبك لا يمكن تحقيقها إلا بمشاركتك الفاعلة في اللعبة السياسية الإسرائيلية ونحن بحاجة لتسوية مشاكل ملحة وخطيرة؛ مثل استشراء الجريمة التي سنكافحها بخطة حكومية حقيقية لم يكن بالمقدور بلوغها بدون مشاركتنا. وبدون الاهتمام بالحقوق المدنية فإن فلسطينيي الداخل سيعزفون عن النضال السياسي وربما ينخرطون في اللعبة الإسرائيلية بالكامل دون عناية كافية بالهوية الوطنية. لا بد من الموازنة بين الشعار السياسي وبين احتياجات مجتمعنا(9).
كما أكد عباس أنه يأمل في تحسين أوضاع المواطنين العرب الذين يشكون من التمييز وإهمال الحكومة لهم. وقال في رسالة إلى أنصاره بعد توقيع الاتفاقية إن فصيله قرر الانضمام للحكومة "من أجل تغيير توازن القوى السياسية في البلاد". وقالت القائمة العربية الموحدة إن الاتفاق يقضى بتخصيص أكثر من 53 مليار شيكل(16 مليار دولار) لتحسين البنية التحتية والتصدي لجرائم العنف في المدن العربية. وأضافت أن الاتفاق يتضمن أيضًا بنودًا لتجميد هدم البيوت التي بنيت دون تراخيص في قرى عربية ومنح بلدات البدو في صحراء النقب، التي تعتبر معقلًا للدعم الإسلامي، وضعًا رسميًا.
وقال عباس إنه عندما تتأسس الحكومة على دعم الفصيل العربي فإنه سيتمكن من التأثير فيها ومن تحقيق إنجازات للمجتمع العربي(10).
عوائق وتحديات
تواجه القائمة العربية الموحدة عوائق أو تحديات قد تعرقل تجربتها في الحكومة، ويمكن انطلاقًا من النقطة الزمنية الراهنة، الإشارة إلى مجموعة من هذه العوائق:
أولًا، عوائق بنيوية: تتحدَّد بطبيعة النظام الإسرائيلي المتأزِّم حاليًا بسبب الصراع داخل اليمين على شخصية بنيامين نتنياهو وعلى قيادة اليمين الإسرائيلي. هذا الصراع هو الذي دفع إلى التحالف مع القائمة الموحدة التي أبدت استعدادها لأي تحالف مع أي حكومة إسرائيلية في مقابل تحقيق مطالب مدنية معينة. ويمكن أن يتمثل هذا العائق في خروج النظام السياسي من تأزمه، إما بتنحي نتنياهو أو تنحيته من المشهد السياسي مما قد يؤدي إلى إخراج القائمة الموحدة من أي حكومة مستقبلية. وقد شرَّع الائتلاف الحكومي مؤخرًا قانونًا جديدًا يسمح لأي أربعة من أعضاء الكنيست بالانفصال عن كتلتهم البرلمانية وتشكيل قائمة مستقلة داخل الكنيست. وهناك من يعتقد أن تشريع هذا القانون، وهو بالأحرى تعديل لقانون الكنيست، يهدف إلى منح الإمكانية لأعضاء كنيست من الليكود بالانفصال عنه وتشكيل قائمة مستقلة والانضمام إلى الحكومة، ورقم أربعة أعضاء، كحد أدنى للانفصال وتشكيل قائمة، يضاهي أعضاء القائمة الموحدة في الكنيست. ويمكن لهذه العوائق إقصاء أو إخراج القائمة الموحدة عن الحكومة واستبدالها بقائمة أخرى أو بقائمة منفصلة عن قائمة موجودة، وهو ما من شأنه أن يهدم كل الخطاب السياسي للقائمة الموحدة حول استغلال الفرص والثغرات في النظام السياسي الإسرائيلي من أجل التأثير. بهذا يسمح التعديل الجديد لمجموعة صغيرة، مثل أربعة من أعضاء الكنيست، بالانسحاب من كتلتهم الحزبية من دون التعرُّض إلى أي عقوبات، وكان القانون السابق ينص على فرض عقوبات إذا لم تضم المجموعة المنشقة ثلث أعضاء كتلة الحزب على الأقل(11).
ثانيًا، عوائق سياسية: تتمثل في مدى استعداد القائمة العربية الموحدة إلى الذهاب بعيدًا في دعم قرارات الحكومة الإسرائيلية المُعادية للشعب الفلسطيني. حتى الآن وقفت القائمة الموحدة مع الحكومة في مواقف سياسية مثل دعم عضوي كنيست من القائمة الموحدة، لقانون منع لم الشمل (الذي سقط في نهاية المطاف). وتتحدَّد هذه العوامل في مدى استعداد الحركة الإسلامية لترك يد القائمة الموحدة طليقة، في كل ما يتصل باتخاذ قرارات دعم الحكومة في إجراءات وسياسات معادية للشعب الفلسطيني، وفي مدى تقبل قاعدتها الاجتماعية والانتخابية لهذه المواقف التي قد تهدِّد تماسكها؛ فمثلًا في التصويت على تشكيل الحكومة امتنع أحد نوابها عن التصويت، وفي التصويت على قانون منع لم الشمل امتنع نائبان عن التصويت. صحيح أنهم لم يصوتوا ضد في الحالتين، ولكن من المُرجَّح أن هذا من شأنه أن يدل على خلاف قائم في القائمة الموحدة حول حدود دعمها للحكومة.
ثالثًا، عوائق تتصل بالائتلاف نفسه: أهمها مدى قدرة القائمة الموحدة على تحقيق بنود اتفاق الائتلاف الموقع بين لبيد ومنصور عباس. وضمن هذه المجموعة يمكن الإشارة إلى عدة علامات استفهام حول قدرة القائمة الموحدة على تحقيق ذلك، من قبيل:
- الاتفاق هو بمثابة اتفاق ثنائي بين القائمة الموحدة وحزب "يوجد مستقبل"، ولا يعتبر اتفاقًا ضمن الخطوط الأساسية للحكومة.
- تستند الحكومة إلى حق النقض (الفيتو) لرئيسي الحكومة الفعلي (نفتالي بينت)، والمناوب رئيس الحكومة البديل (يائير لبيد) على قرارات كل منهما، وهذا قد يمنع تنفيذ بنود من الاتفاق.
- اعتبر رئيس الحكومة الفعلي في المناوبة الأولى نفتالي بينت أن الاتفاقيات التي وقعها يائير لبيد، رئيس الحكومة البديل، بصفته المُكلَّف بتشكيل الحكومة، هي اتفاقيات لا تمثله. صحيح أنه قد لا يعترض عليها أو حتى قد يقبل جزءًا منها ولكنها غير ملزمة له.
- هناك بنود في الاتفاقية عمومية للغاية، ولا توضح الاتفاقية الآليات بشأن طريقة تنفيذها، وهناك بنود اقتصادية كثيرة ستبقى رهن قرارات وزير المالية أفيغدور ليبرمان، رئيس "إسرائيل بيتنا".
تنطلق مجموعة العوائق هذه من التحديات الماثلة أمام قدرة القائمة العربية الموحدة على تحقيق إنجازات معينة للمجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل، فإخفاق القائمة في تحقيق ما وعدت به جمهورها سوف يؤدي، دون أدنى شك، إلى إضعاف فكرة المشاركة في الحكومة مع الثمن السياسي الكبير الذي تدفعه القائمة في إطار هذه المشاركة، وهو ثمن ذو صلة بالقضية القومية التي هي الأساس والجوهر.
خاتمة
يمكن القول إن القائمة العربية الموحدة تتعامل مع ذاتها كما لو أنها حزب إسرائيلي تقليدي يستطيع تحقيق إنجازات مدنية للمجتمع العربي في أراضي 1948، ما قد ينطوي على تغاضٍ عن ماهية النظام السياسي الإسرائيلي أو سوء تقدير له. وليس مبالغة القول إن القائمة الموحدة تقوم بتقليد أو باستيحاء تجربة الأحزاب الدينية اليهودية قبل عقود، عندما كانت هذه الأحزاب تشارك في الائتلافات الحكومية بالأساس بناء على مصالحها الاقتصادية المتعلقة بمؤسساتها التعليمية وبمصالح جمهورها في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية. وفي نفس الوقت فإن جلَّ النقد الذي يوجَّه إلى القائمة الموحدة ولا سيما من طرف القوى السياسية التي تنتقدها، يتمحور حول الادعاء بأنها تتعامل مع المجتمع العربي على أنه مجموعة مهاجرين وليس مجموعة أصيلة في وطن. ولئن كانت مطالب المجموعات المُهاجرة (كالعرب الذين يهاجرون من الدول العربية إلى أوروبا أو أميركا أو أي بقعة أخرى في العالم على سبيل المثال)، تتمحور بشكل رئيس حول الاندماج والحصول على مساواة اقتصادية واجتماعية، وإزالة العوائق أمام هذا الاندماج مع بعض الحقوق الثقافية، فإن مطالب مجموعات الوطن، على غرار مجموعة فلسطينيي 1948، تكون في العادة هي الاعتراف بحقوقها الجماعية الوطنية والقومية بالإضافة إلى المساواة المدنية الكاملة، مع المطالبة بتغيير جوهر النظام بما يتلاءم مع هذه المطالب، أي المطالبة بنزع الصفة العرقية أو الاستعمارية عنه.
مؤدى هذا أن القائمة الموحدة تتصرَّف بقدر من التغاضي عن ماهية النظام الإسرائيلي من جهة، وعن طبيعة مطالب المجتمع الفلسطيني في إسرائيل من جهة أخرى. فضلًا عن ذلك فالحكومة الإسرائيلية الحالية تواجه بنفسها تحديات كبيرة في كل ما يتصل بقدرتها على الاستمرار، وهي تحاول كل الوقت إثبات أنها يمينية بامتياز، وهذا هو بالضبط ما عبرت عنه في مجموعة من قراراتها خلال الفترة القليلة المنقضية منذ تسلمها مهمات منصبها؛ من ذلك:
- قصف قطاع غزة حتى في مقابل كل بالون حارق يطلق من القطاع في اتجاه الأراضي الإسرائيلية.
- الموافقة على "مسيرة الأعلام" في القدس في مناسبة ما يعرف بـ"ذكرى توحيد شطري المدينة" تحت السيادة الإسرائيلية.
- طرح قانون المواطنة لتمديده بما يشمله من بند يقضي بمنع لم شمل العائلات التي أحد الزوجين فيها فلسطيني من حاملي الجنسية الإسرائيلية والآخر فلسطيني من حاملي الجنسية الفلسطينية في الضفة الغربية أو قطاع غزة للعيش معا في مناطق داخل الخط الأخضر والقدس.
- التسوية حول البؤرة الاستيطانية العشوائية "أفيتار" (في جبل صبيح بالقرب من نابلس) التي وُصفت حتى من طرف جهات يسارية في الحكومة بأنها بمثابة استسلام للمستوطنين.. وغيرها.
ويشير كل ذلك إلى أن هذه الحكومة ماضية في التوجه اليميني للحكومة السابقة، لأن أغلب مركباتها يمينية، وأن مشكلة هذه المركبات ليست في سياسة اليمين بل هي كامنة في استمرار وجود نتنياهو في المشهد السياسي، ما يعني أن التغيير الوحيد الذي أنجزته كـ"حكومة تغيير"، مثلما تؤثر أن تسمِّي نفسها، هو إنهاء حكم نتنياهو الذي استمر منذ عام 2009 لغاية أداء الحكومة الجديدة اليمين الدستورية يوم 13 يوينو/حزيران 2021.
وما كان تحالف الأحزاب اليمينية مع القائمة العربية الموحدة أن يتم لولا أن هذه الأخيرة جاءت بأجندة خدماتية صرفة، ولولا أن تلك الأحزاب مضطرة إلى تشكيل ما تسميه بـ"حكومة التغيير"(12). كما أن ذلك حدث إثر شرعنة هذا التحالف قبل ذلك من طرف نتنياهو نفسه. وهو ما أشار إليه أيضًا رئيس الحكومة بينت في سياق الخطاب الذي ألقاه في الكنيست، يوم 13 يونيو/حزيران 2021، وعرض فيه حكومته وسياستها العامة. وقال بينت لدى تطرقه إلى مشاركة القائمة الموحدة برئاسة منصور عباس في الحكومة: "سنفتح صفحة جديدة في علاقات دولة إسرائيل بمواطنيها العرب. ويتعيِّن عليَّ أن أشير هنا إلى أن الفضل في ذلك يعود إلى رئيس الحكومة المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو الذي فتح لنا الطريق بعد سلسلة من اللقاءات مع عباس الذي مدَّ له يده. وأعتقد أنها خطوة صحيحة لرئيس الحكومة(السابق)"(13). ولا بد من ملاحظة أن بينت فعل هذا أيضًا من باب الدفاع عن النفس، ولتفادي النقد جراء تحالفه مع العرب.
أخيرًا، ليس مبالغة القول إن انضمام القائمة العربية الموحدة إلى الحكومة الإسرائيلية سيظل موضع خلاف بينها وبين معظم مركبات لجنة المتابعة العليا لشؤون الفلسطينيين في أراضي 48، كما أشار إلى ذلك رئيس هذه اللجنة محمد بركة(14) الذي اعتبر أن مساندة القائمة العربية الموحدة للحكومة وانضمامها إليها يمثل "خطأ جسيمًا"، وحذَّر من خطورة هذا الأمر. وذكر أن بعض أعضاء لجنة المتابعة اقترحوا إخراج القائمة من اللجنة، مشيرًا إلى معارضته لهذه المسألة. وقال: "إخراج القائمة من اللجنة، سيدخلنا في نقاشات لا أول لها ولا آخر، كما أنه سيمس بعمل اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية، وسيصب في صالح سياسة تفكيك المجتمع الفلسطيني في الداخل، التي تنتهجها إسرائيل". وبرأيه فإن مخاطر خروج القائمة من اللجنة أكبر من تلك المرتبطة باستمرار الوضع الحالي، أي باستمرار بقائها فيها.
في المقابل يؤكد النائب عباس أن الحكم على هذه الشراكة في الائتلاف لا ينبغي أن يكون حكمًا على قرار هنا أو قرار هناك إنما على مسار عام. ووفقًا لقوله: إذا صار الائتلاف في الاتجاه الصحيح سنعطيه فرصة، والعكس صحيح. وردًّا على سؤال عما إذا كانت هناك مدة زمنية محددة؟ أجاب: "هذا أمر مُتراكم ونحتاج إلى عام أو عامين حتى تتضح الاتجاهات"(15).
1- يضم الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الجديد الذي حظي بثقة الكنيست الإسرائيلي يوم 13 يونيو/حزيران 2021، ثلاثة أحزاب يمينية هي "يمينا" برئاسة نفتالي بينت، و"أمل جديد" برئاسة جدعون ساعر (المنشق عن حزب الليكود)، و"إسرائيل بيتنا" برئاسة أفيغدور ليبرمان، وحزبين من الوسط هما "يوجد مستقبل" برئاسة يائير لبيد، و"أزرق أبيض" برئاسة بيني غانتس، وحزبين من اليسار الصهيوني هما "العمل" برئاسة ميراف ميخائيلي، و"ميرتس" برئاسة نيتسان هوروفيتس، والقائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس وهي الذراع السياسي للحركة الإسلامية- الجناح الجنوبيّ.
2- وديع عواودة، "منصور عباس رئيس القائمة العربية الموحدة داخل أراضي 48: لسنا حجّة على أحد ولا يوجد فصيل فلسطيني حجّة علينا"، القدس العربي، 26 حزيران/ يونيو 2021، (تاريخ الدخول: 21 يوليو/تموز 2021): https://bit.ly/3hQdRrU
4-a "القائمة العربية الموحدة في الحكومة الإسرائيلية وتحديات/ فخ المشاركة فيها"، مركز مدى الكرمل، يونيو/حزيران، 2021، (تاريخ الدخول: 21 يوليو/تموز 2021): https://bit.ly/3eDXw7u
6- ياكي أدماكر، "بتسلئيل سموتريتش (زعيم "الصهيونية الدينية"): لن تقوم حكومة يمينية تستند إلى القائمة العربية الموحدة، انزعوا هذا من رؤوسكم"، موقع واللا الإخباري (بالعبرية)، 25 آذار/ مارس 2021. (تاريخ الدخول: 21 يوليو/تموز 2021): https://bit.ly/2TpwWaW
7- "لبيد: حكومة الوحدة الاسرائيلية ليست حلا وسطا بل هدفا"، صحيفة معاريف (بالعبرية)، 6 أيار/ مايو 2021، (تاريخ الدخول: 21 يوليو/تموز 2021): https://www.maariv.co.il/elections-2021/Article-838854
8- اتفاق ائتلافي لتشكيل حكومة وحدة. (2021، 2 حزيران/ يونيو). الاتفاقيّة موقعة بين كتلة "يوجد مستقبل" وكتلة القائمة العربيّة الموحدة ومتوفرة على الموقع الرسميّ للكنيست. (https://bit.ly/2V3oSxb). الاقتباس من مدى الكرمل: القائمة العربية الموحدة في الحكومة الإسرائيليّة وتحديات/ فخّ المشاركة فيها. حيفا: مدى الكرمل، 2021. https://bit.ly/3eDXw7u
9- عواودة، "منصور عباس رئيس القائمة العربية الموحدة داخل أراضي 48"، مرجع سابق.
10- رامي أيوب، "إسلامي عربي يلعب دورًا في تشكيل حكومة إسرائيل الجديدة المناوئة لنتنياهو"، رويترز، 3 حزيران/ يونيو 2021، (تاريخ الدخول: 21 يوليو/تموز 2021)،
https://mobile.reuters.com/article/amp/idARAKCN2DF17S
11- محمد وتد، "قانون تفكيك الليكود.. حكومة بينت تسعى لتدعيم ائتلافها الهش"، الجزيرة نت، 9 تموز/ يوليو 2021، (تاريخ الدخول: 21 يوليو/تموز 2021)، https://bit.ly/3itMYcc
12- انظر مثلًا: شاؤول برطال، "الإخوان المسلمون في حكومة إسرائيل"، مركز بيغن- السادات للأبحاث الإستراتيجية، 25 يونيو/حزيران 2021، (تاريخ الدخول 25 يونيو/حزيران 2021)، https://bit.ly/3hXTFEu
13- "خطاب رئيس الحكومة نفتالي بينت لدى أداء الحكومة اليمين الدستورية (بالعبرية)"، موقع رئيس الحكومة الإسرائيلية، 13 حزيران/ يونيو 2021، (تاريخ الدخول: 21 يوليو/تموز 2021)،
https://www.gov.il/he/departments/news/event_bennett130621
14- "بركة: لا ينبغي توقع الكثير من الحكومة الإسرائيلية الجديدة وانضمام القائمة الموحدة خطأ جسيم"، في ندوة المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، 14 يوليو/تموز 2021، (تاريخ الدخول: 21 يوليو/تموز 2021)، https://bit.ly/3hXTTLQ
15- عواودة، "منصور عباس رئيس القائمة العربية الموحدة داخل أراضي 48"، مرجع سابق.