مقتل "أبو مصعب البرناوي".. أين تتجه أجندة توسّع ولاية غرب إفريقيا؟

لعل تقسيم جماعة "ولاية غرب إفريقيا" ووجود ولاة في كل الخلافات الأربعة الجديدة: خلافة بحيرة تشاد، وخلافة سامبيسا، وخلافة تمبكتو وخلافة تومبوما، تعطي عمليات الجماعة وضعا أكثر تعقيدا، خاصة في ظل الغموض الذي يكتنف القائد العام للجماعة وشحّ الموارد وقلة المجندين.
مصرع البرناوي جاء بعد مصرع شيكاو مما يعني أن تنافس ولاية غرب إفريقيا وبوكو حرام في نقطة تحوّل جديد، (الفرنسية).

في منتصف شهر سبتمبر/ أيلول 2021 كشفت صحيفة محلية في نيجيريا أن "حبيب يوسف" الشهير بـ"أبو مصعب البرناوي" زعيم "تنظيم الدولة الإسلامية /ولاية غرب إفريقيا" قد قُتِل في أواخر أغسطس/ آب 2021 في ولاية "بورنو" شمال شرق نيجيريا. ولكن التطور رغم رمزيته لم يَنَلْ اهتماما كبيرا إلا بعدما أكّد صحته رئيسُ أركان الدفاع النيجيري الجنرال "لوكي إيرابور" في يوم 14 من أكتوبر الجاري، أي بعد قرابة شهر ونصف من وقوع الحادثة(1).

ويمكن فهم تأخر تأكيد أو نفي مقتل البرناوي من قبل قيادات الجيش النيجيري؛ إذ سبق وأن أعلنت الحكومة والجيش النيجيري بين عامي 2015 و2019 مقتل "أبو بكر شيكاو"، زعيم "بوكو حرام" السابق، لخمس مرات مختلفة ليخرج "شيكاو" للعلن بعد كل إعلانٍ أنه حيّ يرزق(2). وهي سيناريوهات وضعت الحكومة والجيش لدى العامة كعديمي المصداقية والمسؤولية، وفاقدي الاتصال بواقع الحالة المتعلقة بالأوضاع الأمنية في شمال نيجيريا والمناطق المجاورة.

بل بالرغم من تأكيد القائد العسكري النيجيري من مقتل البرناوي، وبالرغم من إعلان مستشار الأمن القومي النيجيري "باباغانا مونغونو" يوم الجمعة 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 بأن القوات الأمنية قد قضت أيضا على "مالام باكو" - خليفة البرناوي(3)؛ إلا أن الجهات والهيئات المختلفة تدعو إلى التعامل مع التطور بحذر شديد؛ لذلك أبدى مسؤولون أمريكيون في البيت الأبيض وفي البنتاغون أنه لا يمكنهم تصديق التطور رغم اطلاعهم على تقارير مقتله، وذلك بسب مزاعم سابقة بشأن زعماء الجماعة الذي تكون في النهاية غير صحيحة.

ويأتي مقتل البرناوي بعد حوالي ثلاثة أشهر من القضاء على "شيكاو" الذي اغتِيل في يوم 19 مايو /أيار 2021 مما يعني أن تنافس الفصيلين – "ولاية غرب إفريقيا" و"بوكو حرام" – في نقطة تحوّل جديد وخاصة فيما يتعلق بتنفيذ خطة "ولاية غرب إفريقيا" التوسعية وإعادة هيكلة قيادتها. وهناك من يعتبر هذا التطور الجديد مكسبا لجهود مكافحة الإرهاب رغم أن طبيعة مقتل الزعيمين (شيكاو والبرناوي) يؤشر على ضعف فعالية الجهود العسكرية في السنتين الأخيرتين، وأن العامل الأساسي في تراجع تأثير الجماعة وفصيليها (ولاية غرب إفريقيا / بوكو حرام) ببعض مناطق سيطرتها يكمن في محاولة كل فصيلٍ القضاء على الآخر(4). وبعبارة أخرى؛ سيكون من الخطإ اعتبار مقتل "شيكاو" والبرناوي و"باكو" نهاية الأنشطة الإرهابية في بحيرة تشاد، وذلك لوجود زعماء آخرين يتبنون أفكارا متقاربة لهم، ولوجود خطة متفق عليها داخل "ولاية غرب إفريقيا" والتي بدأ تنفيذها فور السيطرة على سامبيسا وقبل مقتل البرناوي(5).

ظروف مقتل البرناوي

كان "أبو مصعب البرناوي" نجل "محمد يوسف" مؤسس جماعة "بوكو حرام" وابنه الأكبر. وقد برز كمتحدث الجماعة ثم قائد الفصيل المنشق الذي قاد الانقلابات الداخلية في "بوكو حرام" بسبب خلافات مع قائدها "أبو بكر شيكاو". وعزّز البرناوي سيطرة "ولاية غرب إفريقيا" في مناطق شمال شرق نيجيريا وبحيرة تشاد وحاول ضم المتبقين من "بوكو حرام" إلى فصيله، ولكن الموالين لـ"شيكاو" قاوموا خطوات البرناوي حتى تصفيته.

وهناك روايتان غير مؤكدتين حول مقتل البرناوي؛ الأولى تقول إنه قُتِل أثناء عمليات للقوات النيجيرية، وهي رواية لم يؤكدها الجيش النيجيري حتى في البيان الأخير لقائده ومستشار الأمن القومي النيجيري، وتقول الرواية الثانية إن البرناوي قُتِل أثناء مواجهة قتالية وحرب مضادة من قبل معارضيه ومؤيدي معسكر "شيكاو" داخل "ولاية غرب أفريقيا"(6).

وقد مال الكثيرون إلى الرواية الثانية؛ لقربها من التطورات السابقة، ولكونها الاحتمالَ الأرجحَ، بالنظر إلى كون البرناوي هو من قضى على "شيكاو"، ولكنه لم يتمكن من توحيد "ولاية غرب إفريقيا" رغم ضمّ ما تبقى من "بوكو حرام" إلى التنظيم؛ فتعرّض البرناوي لهجوم أثناء الصراع على قيادة الجماعة وقُتل إثرها في القرب من تقاطع "بانكي" عبر "كاشيمبري/جولومبا" في ولاية "بورنو" شمال شرق نيجيريا. وبلغت المعركة ذروتها بين 14 و26 أغسطس/ آب 2021 لتودي بحياة قادة آخرين من جانبي الفصيلين، وذلك بمشاركة مقاتلين آخرين من وسط إفريقيا وقد جاؤوا بهدف الإطاحة بالبرناوي.

وقد يعني هذا انتقامًا من قبل المقاتلين الذين ربّاهم "شيكاو" أو المنتفعين من وحشيته التي اعترض عليها البرناوي وغيره؛ إذ رأى بعض المقاتلين الموالين لـ"شيكاو" أن البرناوي يحاول فرض نفسه خليفة شرعيا لكونه نجل مؤسس الجماعة، وأن قيادتها ليست إرثا أو حكرا لأسرة أحد وأنّ إجراءات "شيكاو" الدامية مبرّرة وهذه النقطة أيضا ضمن أسباب انقسام "بوكو حرام" فيما بين 2014 و2016.

انقلابات البرناوي الداخلية

ظهر البرناوي في مرئيات "بوكو حرام" في يناير/ كانون الثاني عام 2015 كمتحدثها الرسمي؛ ولكنه قبل ذلك ورغم دوره داخل الجماعة كثيرا ما اشتبك مع "شيكاو" زعيم "بوكو حرام"؛ فالبرناوي يرى أن مشروع الجماعة يجب أن يستهدف الحكومة النيجيرية ومواليها وجيشها، وليس المدنيين والسكان المحليين العزل. وانتقد البرناوي أيضا عدة سياسات تبنّاها "شيكاو" مثل استخدام الأطفال كمفجرين انتحاريين واستهداف الأسواق والمساجد المزدحمة شمال نيجيريا وبحيرة تشاد والمناطق المجاورة في النيجر وتشاد والكاميرون.

وإذا كانت حادثة عام 2014 التي تمثلت في اختطاف "بوكو حرام" حوالي 276 تلميذة في بلدة "شيبوك" من الحوادث المفصلية في تاريخ "بوكو حرام"؛ إلا أنها أيضا أثارتْ استياء بعض مقاتليها، بمن فيهم البرناوي، الذين اعترضوا على الخطوة وتعاطفوا مع أسر التلميذات والرأي العام في نيجيريا. بل وكانوا في وقت من الأوقات وسيلة التفاوض والاتصال بين الجماعة والحكومة لإطلاق سراح المختطفين.

وعلى أمل توحيد الصف وتغيير الاستراتيجية والتراجع عن الهمجية التي تغذي عداء السكان المحليين ضد الجماعة؛ اصطف مقاتلو "بوكو حرام" وراء "شيكاو" في بيعته لـ"تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش) في عام 2015، وأيّدوا تغيير اسم الجماعة إلى "تنظيم الدولة الإسلامية ولاية غرب إفريقيا". ولكنه اتضح لاحقا أن "شيكاو" استخدم الخطوة لتحقيق استراتيجته الخاصة فقط دون اعتبار شكاوى المقاتلين وآراء القادة الآخرين، كما أنه لم يغيّر من وحشيته وأسلوب قيادته. وهكذا انقلب البرناوي في عام 2016 مع المعارضين على قيادة "شيكاو".

من جانب آخر، كان الاعتقاد السائد منذ عام 2016 أن البرناوي هو القائد الرمزي لـ"ولاية غرب إفريقيا". ونمت قوة الجماعة بشكل مفاجئ كما ارتفعت أنشطتها التي تستهدف في الأساس الجيش النيجيري، وضاهت "بوكو حرام" في السنوات الأخيرة من حيث النفوذ، بل تفوقت عليها في الشهور الأخيرة حيث قدّرت "مجموعة الأزمات الدولية" قوات "ولاية غرب إفريقيا" بحوالي خمسة آلاف مقاتل، بينما قدّرت قوات الفصيل التابع لـ"شيكاو" بحوالي ألفي مقاتل؛ ولذا تمكن البرناوي وقادة آخرون في "ولاية غرب إفريقيا" من توسيع دائرة عملياتهم بإنشاء خلايا التي هاجمت المنشآت العسكرية والقوات الأمنية في أجزاء من شمال شرق نيجيريا مثل ولاية "بورنو" ومنطقة حوض بحيرة تشاد، وفرضوا ضرائب على السكان المحليين في مناطق السيطرة إلى جانب الدعم المالي والمادي الذي حصلوا عليه من "داعش". وفي الوقت نفسه كانوا يخططون للهجوم على "شيكاو" الذي اتخذ غابة سامبيسا (شمال شرق نيجيريا) مركزا له ونصب أعوانه على جزء من جبال ماندارا المتاخمة لجمهورية الكاميرون.

ويمكن القول إنه رغم التقارير التي أشارت إلى تفوّق فصيل "شيكاو" على جميع الفصائل والحركات الأخرى في بحيرة تشاد بين 2015 و2019، إلا أن التكتيكات التي انتهجها البرناوي فيما بعدُ أكّدت استفادته من التدريبات التي قيل إنه تلقاها من "داعش" لسنوات قبل صعوده إلى سدة قيادة الجماعة، خاصة وأن "داعش" التي باركت انقلاب البرناوي في عام 2016 هي نفسها التي عززت جهوده اللاحقة بما فيها خطته للقضاء على "شيكاو" بهدف الهيمنة على غابة سامبيسا التي تعتبرها "ولاية غرب إفريقيا" منطقة أساسية في خطة بقائها وانتشارها ونموّها في بحيرة تشاد وجوارها.

يضاف إلى ما سبق أن البرناوي لم يكن فقط قائدا في "بوكو حرام" و"ولاية غرب إفريقيا"؛ بل كان العقل المدبر الذي عزّز استخدام الجماعة للمواقع الاجتماعية، وخاصة تويتر، لتوصيل رسائلها وأجنداتها إلى جهور أكبر ولاسترضاء عامة الناس على فهم مشروعهم. وتلاحظ طبيعة الصراع القيادي بين "شيكاو" والبرناوي بين عامي 2015 و2016 من خلال نمط إدارة حسابات تويتر التابعة للجماعة؛ إذ في عام 2015 كان البرناوي، بصفته متحدث "بوكو حرام"، شاغل حساب "العروة الوثقى" على تويتر، والذي أُعيد إحياؤه واستخدم للإعلان عن بيعة "شيكاو" مع البغدادي. ومن الملامح الأساسية للحساب في تلك الفترة أنه نشر محتوى حول حياة والد البرناوي، "محمد يوسف" مؤسس "بوكو حرام"، الشخصية التي تجاهلها "شيكاو" في رسائله وخطاباته(7).

ومن الملاحظ أيضا أن نسبة ظهور "بوكو حرام" على المواقع الاجتماعية كانت أكبر في الفترة بين 2015 و2016، حيث أدار البرناوي حسابات مختلفة على تويتر، أعلن من خلالها عن اسم الجماعة الجديدة (ولاية غرب إفريقيا) بعد الانضمام لـ"داعش". وقد تراجعت أنشطة معظم هذه الحسابات بعدما قُتِل أعضاء فريق البرناوي الإعلامي في إحدى المعارك، وحظرت تويتر معظم هذه الحسابات. ومع ذلك واصل البرناوي نشر مقاطع فيديو حول عمليات الجماعة في حسابات أخرى، وروّج لفكرة إنشاء "دولة إسلامية" في شمال شرق نيجيريا ومكاسب الجماعة المتمثلة في السيطرة على مساحات شاسعة من أراضي المنطقة، والهجوم على القوات النيجيرية، وتهديد قوات الدول المشتركة الإقليمية والأفريقية وفق تغريدة 2 يونيو/ حزيران 2015(8).

وفي معظم المنشورات قبل يوليو/تموز 2015 غالبا ما كان "شيكاو" غائبا عن المشهد، مما يعني عدم الرضا التام في قيادة "شيكاو" من جانب البرناوي مدير إعلام الجماعة. وقد يكون إخفاء صورة "شيكاو" من إعلام الجماعة وقتذاك إشارةً إلى ما كان يقدم عليه البرناوي من انقلاب داخلي ضدّ "شيكاو". ولكن بوادر الانشقاق والصراع بين الرجلين ظهرت للعلن في 16 أغسطس/ آب و19 سبتمبر/ أيلول 2015 عندما أصدر "شيكاو" رسالتين صوتيتين ونفى فيهما شائعات خلعه عن قيادة "ولاية غرب إفريقيا"، مما يعني أن فصيل "شيكاو" أبعد البرناوي عن إعلام الجماعة. ومع ذلك استعاد البرناوي الصفحات الإعلامية بحلول هجمات النيجر في مايو /أيار 2016، حيث اتهم فصيل "شيكاو" البرناوي بـ"التلاعب" بـ"داعش" وتشويه الصورة وعدم نقل رسائل "شيكاو" إلى البغدادي.

قيادة ما بعد البرناوي

لقد دعا خبراءُ الأمن مسؤولي الجيش النيجيري إلى استغلال المرحلة الحالية التي تمرّ بها "ولاية غرب إفريقيا"، بسبب مقتل البرناوي وخليفته "مالام باكو"، من خلال تكثيف حملاتهم ضد الجماعة. ولكنّ مقتل قائدين بارزين في الجماعة في فترة قصيرة فقط، قد يكون بمثابة ضربة قوية يمكنها التأثير في الشأن الداخلي لـ"ولاية غرب إفريقيا"؛ إلا أن هناك مخاوف من أن يكون التأثير صوريا فقط؛ حيث هناك من المطلعين على أنشطة الجماعة من رأى أن "مامان نور" هو القائد الحقيقي والشخصية ذات النفوذ داخل "ولاية غرب إفريقيا"، وليس البرناوي. بل كان "مامان نور" أحدَ الزعماء البارزين في "بوكو حرام" قبل حدوث الانشقاق، كما أن "ولاية غرب إفريقيا" في شمال شرق نيجيريا بعد انفصالها عن "بوكو حرام" غالبا ما يُشار إليها بـ"فصيل مامان نور".

على أنه من شبه المتفق عليه لدى مصادر كثيرة أن "مامان نور" قد توفي في عام 2018، مما يعني أنه لا يمكن الجزم عمن كان على رأس الجماعة في الوقت الحالي، كما أنه لا يمكن معرفة من يقود خطة إعادة الهيكلة الجديدة التي قدّمتها "داعش" لـ"ولاية غرب إفريقيا" في يونيو /حزيران 2021 الماضي، والمتمثلة في تقسيم الجماعة إلى أربع خلافات جديدة مختلفة مع تعيين والٍ مستقلّ لكل منها. وهذه الخلافات هي: خلافة بحيرة تشاد، وخلافة سامبيسا، وخلافة تمبكتو وخلافة تومبوما(9).

وقد بدأ تنفيذ الخطة بعد مقتل "شيكاو" وبمشاركة المقاتلين الذين شاركوا في عمليات تعيين قادة الخلافات؛ إذ عُين "با لاوان" واليًا ومسؤولا عن خلافة تومبوما، واحتلّ "أبو مصعب البرناوي" قبل مقتله خلافة سامبيسا الذي ينظر إليها كمركز رئيسي لـ"ولاية غرب إفريقيا". وقد كان يتوقع قبل قتله أن يتم ترقيته (أي البرناوي) لرئاسة مجلس الشورى الجديد للجماعة. وهناك شخص آخر عُيّن أميرا للجيش وفق الهيكل الجديد كي يشرف على جزر بحيرة تشاد إلى حين تعيين والٍ فيها.

أما الجماعة نفسها (ولاية غرب إفريقيا) التي سيطرت على ما تبقى من "بوكو حرام" وتضم الآن جميع الخلافات الأربع، وتحافظ على حوض بحيرة تشاد كمراكزها الرئيسية؛ فهي وفق الهيكل الجديد تحت سيطرة داعش بقيادة "أبو إبراهيم الهاشمي القرشي"، مما يعني سيطرة مركزية واتصالا شبه مؤكد بين الجماعة المحلية و"داعش".

جدلية العفو عن الإرهابيين

من المواضيع التي تثير جدلا واسعا في الأوساط العسكرية والعامة قضية العفو عن مقاتلي "بوكو حرام" و"ولاية غرب إفريقيا" الذين تركوا الجماعة. وفي حين لم يعلن مسؤولو الجيش بشكل علني عن وجود برامج من هذا القبيل، إلا أن النسبة الكبرى من النيجيريين استاؤوا من لقاءات مسؤولين في حكومات بعض الولايات الشمالية النيجيرية مع المقاتلين الذين قالوا إنهم تراجعوا عن أفكارهم التطرفية، وإنهم تابوا عما اقترفوه من الجرائم. وما زال الباحثون الأمنيون يجادلون عن ضعف فاعلية برامج العفو التي تقدمها حكومات الولايات الشمالية للمجرمين والإرهابيين، وقلة فاعليتها في صدهم عن العودة إلى الأعمال الإجرامية السابقة.

وقد كشف تقرير في أغسطس /آب 2021 وجود برنامج سري جديد باسم "صُلْحُو"، الذي يعني صنع السلام في إحدى اللغات المحلية النيجيرية؛ ويُعتبر البرنامج لدى مؤيديه حربًا "ذكية" تخرج كبار الإرهابيين من ساحة المعركة وتجعلهم مصطفين وراء الجيش لصالح الحملة العسكرية. وتستهدف منهجية "صُلْحو" استنزاف القوة القتالية للفصائل الإرهاربية في شمال شرق نيجيريا وبحيرة تشاد، من خلال تقديم منازل بدون إيجار، ورخصا تجارية، ورواتب شهرية للمقاتلين، مقابل خدمتهم للتجسس للمخابرات النيجيرية(10).

على أن أسر ضباط الجيش الذين قتلوا في الحملات العسكرية ضد الجماعات الإرهابية في المنطقة، يتحفّظون على المبادرة لعدة أسباب: منها أن المبادرة ستعني أن حياة الضباط ضحايا الحرب ذهبت صدى، ويعارضها النشطاء وبعض السياسيين؛ لأنها إذ لم تقدم عفوًا رسميًا للمقاتلين المشاركين فيها، إلا أنها أيضا لا تحاسبهم على الجرائم التي ارتكبوها في الصراع الدامي الذي أودى بحياة 35 ألف شخص وحوّلت الملايين إلى نازحين ولاجئين.

جدير بالذكر أن النقاشات حول العفو عن الإرهابيين تعود إلى عام 2013، عندما حثّ منتدى حكماء شمال نيجيريا الرئيسَ السابق "غودلاك جوناثان" على التفاوض مع "بوكو حرام". وقد عارض الكثيرون هذه المبادرة كما رفض "شيكاو" زعيم "بوكو حرام" هذا العرض. وفي عام 2016 أطلق الرئيس "محمد بخاري" برنامج "عملية الممر الآمن" (Operation Safe Corridor = OSC) الذي كان مقره في "مالام سيدي" ولكنه مختلف عن مبادرة "صُلْحُو"؛ حيث يعدُّ الأول (عملية الممر الآمن) مبادرة أكبر للجيش لنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، بينما يقع البرنامج الثاني (صلحو) تحت إدارة "جهاز أمن الدولة" (Department of State Services) والجيش في نيجيريا، وكلاهما محاولة لتكرار نمط برنامج العفو الحكومي في منطقة دلتا النيجر الغنية بالنفط والذي سجّل نجاحا نسبيا بتخفيف الاضطرابات في المنطقة وتقليل الهجوم على المنشئات النفطية.

خاتمة

لا شك في أن تصفية "شيكاو" والبرناوي و"باكو" سيؤثر في "ولاية غرب إفريقيا" التي كانت تمرّ بمرحلة انتقالية بعد الإطاحة بـ"شيكاو"، ولكن تقسيم الجماعة إلى هيكلها الجديد ووجود ولاة مختلفين ومستقلين في كل الخلافات الأربعة الجديدة: خلافة بحيرة تشاد، وخلافة سامبيسا، وخلافة تمبكتو وخلافة تومبوما، تعطي عمليات الجماعة منعطفا جديدا ووضعا أكثر تعقيدا، خاصة في ظل الغموض الذي يكتنف القائد العام للجماعة أو العقل المدبر الحالي لها وشحّ الموارد والمجندين.

نبذة عن الكاتب

مراجع

1- “West Africa’s top ISIL leader is dead، says Nigerian army،” Aljazeera، October 14، 2021، accessed October 22، 2021: https://bit.ly/3m6TU2b

2- حكيم ألادي نجم الدين. "ماذا بعد "أبو بكر شيكاو" زعيم بوكو حرام؟"، مركز الجزيرة للدراسات، مايو 26، 2021، اطلع عليه في أكتوبر 22، 2021: https://bit.ly/3nr8oZZ

3- “Nigerian official says new leader of ISIL-linked group killed،” Aljazeera، October 22، 2021، accessed October 22، 2021: https://bit.ly/3vDaI3O

4- حكيم ألادي نجم الدين. "هل استفادت الحركات الموسومة بالإرهاب بشمال نيجيريا من وباء كورونا؟،" مركز الجزيرة للدراسات، يوليو 20، 2020، اطلع عليه في أكتوبر 22، 2021: https://bit.ly/3pv6D0z

5- Malik Samuel. “Islamic State fortifies its position in the Lake Chad Basin،” ISS Africa، July 13، 2021، accessed October 22، 2021: https://bit.ly/3CafPed

6- Olatunji Omirin، & Idowu Isamotu. “Vicious ISWAP Leader، Al-Barnawi، Killed،” Daily Trust، September 14، 2021، accessed October 22، 2021: https://bit.ly/2Zha2FP

7- Jacob Zenn. "Boko Haram: Abu musab al-Barnawi’s leadership Coup and Offensive in Niger." Terrorism Monitor (2016)، accessed accessed October 22، 2021: https://bit.ly/3Ceo60M

8- المصدر السابق.

9- المصدر سابق:

Malik Samuel. “Islamic State fortifies its position in the Lake Chad Basin،” ISS Africa.

10- Obi Anyadike. “EXCLUSIVE: Nigeria’s secret programme to lure top Boko Haram defectors،” The New Humanitarian، August 19، 2021، accessed October 22، 2021: https://bit.ly/2ZeEC2j