استقبل الفريق عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، المبعوث الأميركي إلى القرن الإفريقي، جيفري فيلتمان، مساء الأحد 24 أكتوبر/تشرين الأول. كان الدافع لزيارة فيلتمان للخرطوم إدراك الإميركيين، وأغلب الدول الغربية، أن العلاقات المدنية-العسكرية في نظام الحكم الانتقالي، المستمر منذ إقرار الوثيقة الدستورية واتفاق الشراكة، بعد إطاحة حكم عمر البشير، باتت أقرب إلى القطيعة. يعتبر الأميركيون والأوروبيون أنفسهم رعاة عملية التحول المدني/الديمقراطي في السودان، وليس ثمة شك أن فيلتمان أراد من لقاءاته مع البرهان والقادة السودانيين الآخرين أن يرى ما إن كان بإمكان واشنطن التدخل لاحتواء الخلافات بين المعسكرين وإيجاد مخرج من حالة التوتر السوداني الداخلي.
بعد ساعات قليلة، استلم فيلتمان، الذي طار من الخرطوم إلى الدوحة، طبقًا لروايته، رسالة على جهاز هاتفه تخبره باستيلاء العسكريين، بقيادة البرهان على السلطة. ما حدث في الحقيقة أن البرهان، قائد الجيش، أعلن سلسلة من القرارات منذ فجر الاثنين، 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، بما في ذلك حلُّ مجلس السيادة، وتسريح الحكومة التي يرأسها عبد الله حمدوك، وإقالة كافة الولاة ووكلاء الوزارات من مناصبهم. كما أعلن تجميد العمل بالمواد المتعلقة بالشراكة بين المدنيين والعسكريين في الوثيقة الدستورية التي أسست للحكم الانتقالي.
خلال الأيام القليلة التالية، استمرت قرارات الإقالة لتصل إلى رؤساء مؤسسات حكومية، مثل الإذاعة والتلفاز، وعدد من السفراء، الذين سبق أن أعلنوا معارضتهم لقرارات البرهان. كما نُفِّذت اعتقالات واسعة لعدد من الشخصيات السياسية والنشطاء، الذي مارسوا أدوارًا ما في منظومة الحكم الانتقالي، أو أعربوا عن شجب التحرك العسكري ودعوا لمقاومته.
عدد من القوى المدنية في تجمع الحرية والتغيير، الذي كان انقسم على نفسه قبل شهور من تحرك البرهان، وصف التحرك بالانقلاب. الولايات المتحدة، التي اعتبرت أن البرهان خدع فيلتمان ولم يخبره بنيَّة إنهاء الشراكة مع المدنيين، أدانت سيطرة العسكريين على السلطة؛ وكذلك فعلت معظم الدول الأوروبية الغربية. إقليميًّا، عبَّرت قطر وتركيا عن قلقهما من التطورات ودعَوَتا إلى العودة للمسار السياسي، الذي وصفته قطر بالصحيح وحدَّدته تركيا بالالتزامات الواردة في الإعلان الدستوري التوافقي، لكنهما تستخدمان لغة إدانة حادة. من جهة أخرى، لم تعلن السعودية موقفًا قريبًا من موقف الدول المعارضة لتحرك الجيش إلا بعد اتصال هاتفي بين وزير الخارجية الأميركي ونظيره السعودي.
ولكن روسيا، ومصر، والإمارات، إضافة إلى إسرائيل، لم تُدِن حركة الجيش، وبدت وكأنها تؤيد ما حدث. ليس ذلك فحسب، بل إن روسيا مارست ضغطًا صريحًا لتخفيف حدة بيان مجلس الأمن الدولي بشأن تطورات الموقف السوداني.
لماذا قام الجيش، بقيادة البرهان، بإنهاء نظام الشراكة الانتقالي؟ ما الذي يخطِّط له العسكريون السودانيون لتسيير الشأن السوداني، وما الذي يَعِدُون به للمحافظة على المسار الديمقراطي؟ وبالنظر إلى الحشد الشعبي الداخلي، ووحدة المعارضة الأميركية والأوروبية الغربية، هل تميل الكفة لصالح نجاح العسكريين أم فشلهم؟
نهاية شراكة مضطربة
لم يكن العسكر السودانيون سعداء أصلًا باتفاق الشراكة، واحتاج التوصل إلى الاتفاق إلى ضغوط ووساطات إقليمية ودولية. ولكن آلة الحكم طوال معظم العامين الأولين اشتغلت بقدر مُرْض من السلاسة؛ أولًا: لأن علاقة ودية ربطت بين رئيس الحكومة، عبد الله حمدوك، ورئيس مجلس السيادة السابق، البرهان؛ وثانيًا: لأن الحكم الجديد كان يواجه تحديات ملحَّة على صعيد موقعه الدولي، بما في ذلك السعي للتخلص من العقوبات الأميركية، ومحاولة تخفيض عبء الديون الخارجية ثقيلة الوطأة.
بيد أن العلاقات بين العسكريين والمدنيين أخذت في التوتر منذ بدايات العام الحالي. كان معسكر المدنيين في الحكم والسلطة، منذ البداية، محصورًا عمومًا في تحالف يساري-بعثي، لم يُقْصِ بقية أطراف الحرية والتغيير، وحسب، بل ومارس، عبر ما عُرِف بلجنة "إزالة التمكين"، حملة اجتثاث واسعة النطاق ضد كافة القوى الإسلامية، ذات الثقل الشعبي المعتبر، وضد من كان له صلة بنظام البشير، حتى وإن لم يكن شريكًا في النظام. بغير سند قانوني، عملت لجنة التمكين باعتبارها هيئة تحقيق، وكالة نيابة واتهام وقضاء، في الوقت نفسه.
تمكَّن حمدوك من تحقيق تحسن طفيف في المؤشرات الاقتصادية مثل خفض نسبة التضخم قليلًا ووقف انهيار سعر العملة السودانية وزيادة تدفق التحولات المالية من الخارج وخفض العجز التجاري، لكن كان بحاجة إلى إجراءات إضافية خلال وقت أطول، والتصرف داخل القيود التي فرضها عبء كوفيد-19، والأعباء الموروثة من فترة حكم البشير، علاوة على أن حكومة حمدوك لم تحصل على المساعدات والعون الخارجي، الغربي والعربي، الموعود، وأفقدتها الاحتجاجات بشرق السودان، منذ شهر سبتمبر/أيلول 2021، السيطرة على ميناء ومطار شرق السودان الضروريين لتعاملات البلد التجارية والاقتصادية مع الخارج. ما فاقم من صورة الحكومة السلبية كان الطابع الإقصائي للسلطة المدنية، والتهميش الذي استمرت ولايات الأطراف في معاناته. خلف ذلك، حَسِبَ العسكريون أن التحقيقات في فض اعتصام القيادة العامة في الخرطوم، في 2019، باتت تقترب من أعناق بعض كبار قادة الجيش وقوات التدخل السريع وأن اتفاق الشراكة سيقضي على امتيازاتهم الاقتصادية. في النهاية، تمثلت القشة التي قصمت ظهر البعير في مسعى الجناح المدني الحاكم (الذي وصل لموقعه باتفاق الشراكة وليس عبر الانتخابات) بالإشراف على شؤون القوات المسلحة، حسب مبادرة حمدوك، في 23 يونيو/حزيران 2021، لإعادة بناء جيش وطني مهني موحد، وقد أيدها البرهان.
خلف ذلك، كان الجناح المدني قد أهمل العمل لإعداد البلاد لإجراء الانتخابات التي نصَّ عليها اتفاق الشراكة في نهاية المرحلة الانتقالية، لإدراك أطرافه الحاكمة أن الانتخابات ليست لصالحها، وأن خيارها الأفضل هو الاستمرار في عملية اجتثاث الخصوم من مؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية والقضاء، وتعزيز سيطرتها وأنصارها في مفاصل الحكم المؤثرة.
والمؤكد أن الكتلة العسكرية في مجلس السيادة وفي قيادة الجيش بدأت تنظر في خيار التخلص من اتفاق الشراكة قبل عدة أشهر، على الأقل. ولكن ما حسم الذهاب إلى هذا الخيار كان عددًا من التطورات التي كشفت للعسكريين أن الوضع داخل صفوف القوات المسلحة لم يعد محتملًا، سيما بعد محاولة انقلاب سبتمبر/أيلول 2021؛ وأن فئات شعبية خارج الخرطوم لم تعد تقبل باستمرار حكومة حمدوك، سيما بعد تمرد شرق السودان كله تقريبًا على الحكومة؛ إضافة إلى الانقسام الحاد داخل تجمع الحرية والتغيير.
وعود البرهان
في اليوم التالي لاستيلاء الجيش على السلطة، وبينما الجميع لم يزل تحت وقع المفاجأة، عقد الفريق البرهان مؤتمرًا صحفيًّا، تحدث في بدايته إلى الشعب السوداني لفترة تقارب الساعة، قبل أن يسمح بتلقي أسئلة الصحفيين. يمكن تقسيم بيان البرهان الطويل إلى ثلاثة أقسام: عرض أدلة إدانة الجناح المدني في النظام وإظهار فشله؛ وتقديم تصور عام لخطة الإصلاح المباشرة؛ والتلويح بجملة وعود مستقبلية.
قال البرهان: إن مجموعة أيديولوجية سيطرت على الحكم في السودان خلال العامين الماضيين، نجم عن سياساتها تشظي البلاد وتقسيم الشعب. وقال: إن الشركاء المدنيين أخلُّوا بالوثيقة الدستورية واتفاق الشراكة عندما شكَّلوا حكومة أغلب وزرائها من السياسيين وليس من التكنوقراط؛ وإنهم فشلوا في إكمال بناء مؤسسات الدولة والحكم التي جرى الاتفاق عليها. وأشار الجنرال البرهان إلى أن الجناح العسكري قدَّم العديد من التنازلات خلال الأسابيع الأخيرة، وكان من الممكن احتواء الأزمة لو أن القوى السياسية قبلت بمبادرة رئيس الحكومة، عبد الله حمدوك. بمعنى، أن البرهان أراد إقناع السودانيين بأن المجموعة المدنية الحاكمة هي من انقلب على الوثيقة الدستورية واتفاق الشراكة، وليس العسكريين.
أكد البرهان من جديد على أنه علَّق العمل ببعض مواد الوثيقة الدستورية ولم يُلغها، كما أشار إلى الالتزام بالحفاظ على اتفاق جوبا للسلام. وحرص على أن يوصل للشعب السوداني حرصه على استمرار مسار الحكم المدني، وأن الحكومة التي سيعمل على تسمية رئيسها في القريب العاجل ستكون حكومة تكنوقراط، مدنية خالصة. وقال بأن مؤسسات الدولة التي تجاهلها الشركاء المدنيون، مثل المحكمة الدستورية، ومجلس القضاء الأعلى، والمجلس التشريعي المؤقت، ستشكَّل خلال فترة قصيرة، وأن الشباب سيكون لهم موقع بارز في المجلس التشريعي.
وعد البرهان بإجراء انتخابات عامة في نهاية المسيرة الانتقالية، بدون أن يحدد جدولًا زمنيًّا لهذه الانتخابات، كما وعد بإعادة تشكيل مجلس السيادة على أساس من تمثيل مناطق السودان، وليس المحاصصة الحزبية، كما كان عليه الأمر في مجلس السيادة المنحل.
خلال الأيام التالية، أكد البرهان على أن عبد الله حمدوك هو المرشح الأوفر حظًّا لتولي رئاسة الحكومة، المدنية غير الحزبية، الجديدة. وكان البرهان في مؤتمره الصحفي يوم الثلاثاء، 26 أكتوبر/تشرين الأول، قال: إن حمدوك ليس معتقلًا، وإنه مقيم معه في منزله، حماية له من مخاطر محتملة. خلال الساعات التالية على نهاية المؤتمر الصحفي، واستجابة لضغوط دولية، أُعيد حمدوك إلى منزله، وسُمح له على ما يبدو بإجراء الاتصالات الهاتفية، وليس حرية الحركة والاجتماع. وذكر مكتبه أنه لا يتمتع بحرية التحرك ويوجد تحت حراسة مشددة.
بيد أن وعود البرهان، وإن اتصفت بالوجاهة في تقديره لفشل الوضع السابق، بدت غامضة إلى حدٍّ كبير، سيما أنه تجاهل كليةً الإشارة إلى حملة الاعتقالات واسعة النطاق التي نُفِّذت منذ فجر الاثنين، 25 أكتوبر/تشرين الأول، وإلى أساليب القمع الأمني التي وُوجِهَت بها حركات الاحتجاج المحدودة التي شهدتها الخرطوم في اليومين الأولين للتحرك العسكري.
خلف البيانات الصحفية، والاتصالات الخارجية، أصبح واضحًا أن البرهان يستند إلى دعم وتأييد قوى سياسية فاعلة في الداخل وحلفاء إقليميين بارزين في الخارج. في الداخل، يراهن العسكريون على القوى الإسلامية التي أصيبت بضرر كبير من سياسات الاجتثاث التي اتبعتها المجموعة المدنية التي سيطرت على الحكومة ومؤسسات الدولة والحكومات المحلية ولجنة إزالة التمكين (بدون أن تكون لديهم ثقة كاملة بوعود العسكريين). كما يستندون إلى الجناح الميثاقي من قوى الحرية والتغيير، التي انشقت على الجناح المركزي. ويعتقد العسكريون أن فشل الشركاء المدنيين في إدارة الشأن الاقتصادي سيدفع عموم السودانيين، سيما خارج العاصمة الخرطوم، إلى تأييد التحرك العسكري.
في الخارج، وبالرغم من الشجب الدولي، الأميركي والغربي، للإجراءات التي تلت إنهاء نظام الشراكة، كان واضحًا أن العسكريين تلقوا دعمًا وتأييدًا من مصر والإمارات وإسرائيل، وموقفًا أقرب إلى التأييد من السعودية.
السؤال الذي لا يزال عالقًا، بعد مرور أسبوع على حركة العسكريين، هو ما إن كان التأييد والدعم الداخلي والخارجي الذي تلقاه العسكريون كافيًا لتمرير مخطط البرهان وزملائه؟
مستقبل تحيطه الشكوك
يوم السبت، 30 أكتوبر/تشرين الأول، نجحت القوى المعارضة للعسكريين في تنظيم حركة احتجاج حاشدة، سيما في العاصمة، الخرطوم، شارك فيها مئات الآلاف من السودانيين، الذين طالبوا بتخلي العسكريين عن السلطة. كشفت مظاهرات السبت عن أن قوى الحرية والتغيير (وعددًا من النقابات المهنية المساندة لها) لم تزل قادرة على الحشد تحت شعار الدولة المدنية، بغضِّ النظر عن مدى وعي عموم السودانيين بطبيعة القوى الحزبية، التي احتكرت السلطة، ومصالحها. كما كشفت عن أن تفاؤل العسكريين، في الأيام السابقة، بضعف الحزبيين المعارضين وهشاشة قاعدتهم الشعبية كان تفاؤلًا مبالغًا فيه.
وليس ثمة شك في أن الموقف المتصلب الذي اتخذته الولايات المتحدة والدول الأوروبية الغربية ضد تحرك البرهان وزملائه، وفَّر دعمًا معنويًّا كبيرًا لمعارضي العسكريين في الداخل، سيما أن السودان سيظل بحاجة للمساعدات والقروض الخارجية لفترة قد تطول من الزمن، قبل أن يستطيع إنهاض اقتصاده من جديد.
بيد أن هذا لا يعني أن بإمكان المعارضين استعادة الوضع السابق كما هو. الواضح أن تحرك العسكريين يوم الاثنين، 25 أكتوبر/تشرين الأول، صنع توازن قوى جديدًا في العلاقة بين العسكريين والمدنيين.
التحرك الشعبي، واحتمال تبلور حالة عصيان مدني وإضرابات مهنية، إضافة إلى المعارضة الغربية، تضع حدودًا على حركة العسكريين وقدرتهم على المضي بمخططهم للفترة المقبلة. ولكن وجود تأييد ملموس سياسي داخلي، أيضًا، للعسكريين، إضافة إلى التأييد الإقليمي، سيجعل من الصعب إجبار العسكريين على العودة الكاملة إلى الوضع السابق. ثمة عدد من الوساطات النشطة التي تقوم بها قوى وشخصيات سياسية سودانية، كما أن المبعوث الأممي في السودان يتحرك هو الآخر في مسار وساطة آخر، ومن المتوقع عودة المبعوث الأميركي للقرن الإفريقي إلى الخرطوم من جديد. والمؤكد أن عددًا من الوسطاء فتح قنوات اتصال مع واشنطن والدول الأوروبية ذات الاهتمام بالشأن السوداني. ما توحي به تحركات الوساطة هذه أن أطراف الخلاف العسكرية والمدنية فتحت الباب فعلًا للحوار، وأنها ترغب في إيجاد حل وسط ما.
والأرجح، أن الأمور تتجه إلى تسوية تفضي إلى استعادة الشراكة، ولكن ضمن إطار جديد، يضع في الاعتبار أن تصدع قوى الحرية والتغيير بين جناحي المجلس المركزي ومجموعة الميثاق الوطني، يمثل عقبة أمام التوافق بين الشريكين، المدني والعسكري، على استكمال مؤسسات المرحلة الانتقالية كالمجلس التشريعي. لذلك، قد تتشكل حكومة تكنوقراط فعلية، خالية من الحزبيين، ويعاد تشكيل لجنة إزالة التمكين على أسس قانونية جديدة. كما قد يعاد بناء مجلس السيادة بتوافقات مختلفة عن السابق، توافقات ذات طابع مناطقي وليس حزبيًّا. ولكن حتى مثل هذا الحل لن يصنع استقرارًا مستديمًا، بدون أن يجري التوافق على ضمانات تراعي مصالح الشركاء وتيسر عملية التحول السياسي، فتمهد بذلك لجدول زمني لإجراء انتخابات حرة، تؤسس لنظام حكم يكتسب شرعيته من إرادة الناخبين وتوافقات الشريكين الرئيسيين في المرحلة الانتقالية.
قد يكون التوافق بين القيادة العسكرية الحالية للجيش مع المدنيين في ائتلاف قوى الحرية والتغيير أو قد يحدث مجددًا تغير في بنية الشريكين، قد يتكرر سيناريو تغيير قيادة الجيش كما حدث عقب الإطاحة بعمر البشير، وتدل على احتمال حدوث ذلك مؤشرات، مثل غياب نائب رئيس مجلس السيادة السابق، اللواء محمد حمدان حميدتي، عن المشهد منذ استيلاء البرهان على الحكم بالكامل، وتذكر تقارير أنه يترقب تطور الأحداث كما فعل خلال الإطاحة بعمر البشير، ليصطف مع الطرف القوي حتى يظل جزءًا مركزيًّا في بنية السلطة. هناك متغيران سيؤثران في تماسك سلطة البرهان الحالية، هما: شدة ضغط الشارع وضغط الخارج، فإذا تضافر الضغطان وتمكَّنا من خلخلة تماسك قيادة الجيش، فإن التعارضات بين البرهان وحميدتي ستتسع، وقد يقرر حميدتي حينها تغيير تحالفاته حتى يتفادى العزلة الداخلية والخارجية.
إن لم تنجح جهود الوساطة، فستدخل البلاد مناخ تأزم وعدم استقرار طويل، يحاول فيه العسكريون إحكام قبضتهم على السلطة، وربما تحريك شارع مناهض للشارع المؤيد للجناح المركزي لتجمع الحرية والتغيير؛ ما سيعمل على تفاقم حالة الانقسام السياسي والشعبي. في مثل هذا المناخ، سيتسارع التدهور الاقتصادي والتشظي الاجتماعي، وينحدر السودان إلى مستوى الدولة الفاشلة.
هناك سيناريو آخر شبيه بالسيناريو المصري، وهو تفرد قيادة الجيش بالحكم كاملًا، واستعمال القوة في قمع المعارضين داخليًّا، واستمداد العون الاقتصادي من دول خليجية مساندة، والعون السياسي من القيادة الإسرائيلية التي قد تخفِّف الضغط الأميركي، فتتمكن قيادة الجيش السوداني مع طول الوقت من تشكيل واجهة مدنية وفكِّ العزلة الخارجية. لكن هذا السيناريو يواجه عقبات تحول دون تحققه: داخليًّا، ليست مكونات القوات المسلحة السودانية متجانسة بل يوجد تنافس بينها، وخارجيًّا، تضغط الولايات المتحدة بشدة على حلفائها المساندين للبرهان كي يمتنعوا عن دعمه حتى يقبل بالشراكة مجددًا مع المدنيين.