أسباب وأبعاد الضربة الأميركية المحتملة لسورية

يبحث تقدير الموقف هذا في الأسباب التي دفعت إدارة أوباما لإجراء انعطافة في مقاربتها للأزمة السورية؟ ويحاول الإجابة عن ما إذا كان الرئيس الأميركي سيستطيع الحصول على تفويض من الكونغرس؟ وإن حصل على التفويض، فما الذي يمكن توقعه من الضربة من أثر على نظام دمشق؟
2013912121351752580_20.jpg
المصدر (الجزيرة)

شهدت سورية، في 21 أغسطس/آب، واحدة من أبشع حلقات الصراع الدائر منذ عامين ونصف العام بين الشعب ونظام الحكم، عندما أخذ المئات من المواطنين السوريين، في بلدة المعضمية من الغوطة الغربية، وثلاثة مواقع أخرى من الغوطة الشرقية، في السقوط بدون تعرضهم لإطلاق نار، وبأعراض تشبه التسمم الكيماوي بغاز السارين.

كما في حالات سابقة، أنكر النظام السوري استخدامه السلاح الكيماوي، ولكن المؤشرات الأولية، بما في ذلك شهادات الناجين، وأدلة توفرت للدول الغربية الرئيسة، أكدت مسؤولية النظام عن هذه المجزرة، التي أوقعت أكثر من 1600 قتيل، بينهم عدد كبير من الأطفال. خلال أيام قليلة، دعت فرنسا وبريطانيا المجتمع الدولي للتدخل ومعاقبة النظام، لتلحق بهما الولايات المتحدة بعد ذلك. ولكن، وبالرغم من تصريحات قادة الإدارة الأميركية الحاسمة حول استعداد واشنطن توجيه ضربة عقابية للنظام السوري، سرعان ما أعلن أوباما عن عزمه طلب تفويض من الكونغرس قبل توجيه مثل هذه الضربة.

كان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قد خصّ استخدام السلاح الكيماوي باعتباره خطًا أحمر، منذ بداية تفاقم الأزمة السورية في 2011، ربما لأنه لم يتصور حينها أن نظام الأسد لن يقدم على مثل هذه الخطوة. ولأن أوباما لم يرغب مطلقًا في التدخل في الأزمة السورية، تجاهلت واشنطن حوادث استخدام الكيماوي السابقة، التي لم تكن ببشاعة مجزرة 21 أغسطس/آب، على أية حال. فما الذي دفع إدارة أوباما لهذه الانعطافة في مقاربتها للأزمة السورية؟ وهل سيستطيع الرئيس الأميركي فعلاً الحصول على تفويض من الكونغرس؟ وإن حصل على التفويض، فما الذي يمكن توقعه من الضربة من أثر على نظام دمشق؟ 

تدخل لم يكن يريده أوباما

من يوم إلى آخر في مسيرة الثورة السورية الطويلة، وعندما أخذت وحشية النظام في التصاعد، وأعداد القتلى في الازدياد، توقع السوريون تدخلاً دوليًا ما، يضع نهاية لاستباحة حياتهم ومعاشهم ومقدرات بلادهم. ولكن هذا التدخل لم يقع. كان الواضح من البداية أن التدخل الدولي في سورية مشروط بالموقف الأميركي، وأن الولايات المتحدة لا تريد ولا ترغب ولا تخطط للتدخل في سورية.

لأسباب تتعلق بموازين القوى العالمية، بصورة أساسية، وبالإخفاقات التي منيت بها إدارة بوش الابن وحروبها في أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين، اتخذت إدارة أوباما قبل أربعة أعوام قرارًا بإعادة النظر في الاستراتيجية الأميركية العالمية. طبقًا لرؤية أوباما، أصبح لحوض الباسيفيك الأولوية في الاستراتيجية الأميركية الجديدة. مستهدفة إحاطة الصين، في البر والبحر، عززت الولايات المتحدة أسطولها في الباسيفيك، وعقدت سلسلة من الاتفاقيات مع دول المنطقة، لإنشاء قواعد عسكرية أو الحصول على تسهيلات لقواتها الجوية والبحرية. آخر هذه الاتفاقيات وُقّع مع الفلبين في الأسبوع الأول من سبتمبر/أيلول، لتوسيع نطاق التمركز والنشاط العسكريين في الجزر الفلبينية؛ حيث تواجدت قاعدة أميركية منذ زمن. في المقابل، انتهجت إدارة أوباما سياسة الانسحاب من المشرق العربي-الإسلامي، الانسحاب العسكري الكامل من العراق، والانسحاب الملموس من أفغانستان، وتجنب التورط في أية مغامرات جديدة في المنطقة.

لم تخرج الولايات المتحدة كلية من المشرق العربي، وليس بإمكان أية قوة عالمية أن تُقدم على الخروج من المنطقة الأكثر أهمية جيوسياسية، ولكن حجم ما يمكن أن تخصصه واشنطن من الاهتمام، من الزمن، من الموارد، من الجهد، تراجع إلى حد كبير. التدخل الأميركي في الأزمة الليبية كان استثناء، وجاء بعد أن قررت الدول الأوروبية التدخل وعجزت عن حسم الموقف. وبالرغم من أن العملية الليبية انتهت إلى إسقاط نظام القذافي، لم تعتبرها إدارة أوباما أمرًا مهمًا، ولا سابقة تحتذى، ولا احتلت موقعًا بارزًا في حملة أوباما الانتخابية الثانية.

لم يكن لدى أوباما، منذ اندلاع الأزمة السورية، أي مخطط للتدخل، ليس خوفًا من إيران وحزب الله، ولا ترددًا وضعفًا. لم يرد الرئيس الأميركي التدخل لأن المحددات الاستراتيجية لإدارته اختلفت عن إدارة سابقة. ولكن واشنطن أوباما ما كان لها أن تتجاهل سورية كلية، لأنها أصلاً لم تقرر الخروج كلية من المشرق العربي-الإسلامي، ولأن ما بدأ كثورة شعبية انتهى إلى أزمة إقليمية ودولية. في البداية، تصور أوباما، كماتصور أردوغان، أن لدى النظام السوري من عقلانية الدول ما سيجعله ينصت للغة الاحتجاج والتهديد. ولكن نظام الأسد لم يكن بصدد التراجع. وهكذا، لم تعارض الإدارة الأميركية جهود الدول المؤيدة للشعب السوري لدعم الثوار السوريين، سواء الدعم المالي أو الدعم بالسلاح، وإن بصورة مشروطة.

يُبدي الأميركيون قلقًا بالغًا من النفوذ المتزايد للجماعات الإسلامية الراديكالية، أو تلك المتهمة بالارتباط مع القاعدة، في صفوف الثوار السوريين. وكان هذا هو السبب الرئيس خلف امتناع الولايات المتحدة عن المشاركة في دعم الثوار، وخلف الضغوط الأميركية على الحلفاء الإقليميين للامتناع عن توفير أسلحة نوعية، يمكن أن تشكّل مصدر تهديد مستقبلي، إن وقعت في أيدي الجماعات الراديكالية. ولكن حتى هذا الموقف، يبدو أنه خضع لبعض المراجعة والتغيير في الآونة الأخيرة.

ما حاولته واشنطن بصورة أكثر جدية، كان العمل من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة. ولأن روسيا هي القوة الدولية المؤيدة للنظام السوري، والعضو الدائم في مجلس الأمن، الذي عارض كل محاولة لإدانة النظام في دمشق وتبلور إجماع دولي ضد سلوكه المشين ضد شعبه؛ توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاق جنيف الأول مع روسيا، في صيف العام الماضي، الذي كان يُفترض أن يمهد الطريق لعقد مفاوضات بين ممثلين عن النظام وعن المعارضة للتوصل إلى حل للأزمة. ولكن غموض اتفاق جنيف، واستعصاء الموقف الروسي، أدّيا إلى دفع الجهود التفاوضية إلى طريق مسدود. جرت المحاولة الثانية لإطلاق المسار التفاوضي في لقاء موسكو بين وزيري خارجية الولايات المتحدة وروسيا في يوليو/تموز الماضي. ولكن الآمال التي أطلقها لقاء موسكو سرعان ما تأجلت بفعل التطورات المتلاحقة على الأرض السورية.

لماذا تغير موقف إدارة أوباما؟

ما يدفع إدارة أوباما الآن إلى توجيه ضربة عقابية لنظام دمشق، عدد من الأسباب،الأول: كان لجوء النظام، للمرة الثالثة على الأقل، وبنتائج بالغة البشاعة والقسوة، إلى استخدام السلاح الكيماوي ضد الشعب السوري في أكثر من موقع، في الغوطة الشرقية بصورة رئيسة، كما في الغوطة الغربية. ثمة أدلة استخباراتية، وأدلة معملية، قاطعة، على ارتكاب النظام هذه الجريمة، ربما لم تتوفر في حوادث سابقة. كما أن من المعروف أن النظام يعاني صعوبات بالغة في التعامل مع مجموعات الثوار في بلدات الغوطة الشرقية، على وجه الخصوص، التي تشكّل تهديدًا بالغًا لأحياء دمشق الشرقية؛ حيث مواقع مؤسسات حكومية رئيسة وأحياء يقطنها قادة الدولة والنظام. بمعنى، أن هناك دافعًا واضحًا خلف هذه الجريمة.

من جهة أخرى، أصبح استخدام السلاح الكيماوي منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، الذي كانت الدول الغربية أول من استخدمه في الحروب، بما في ذلك الحروب الاستعمارية، مقرونًا بانتهاك خطير للقيم والمعايير الدولية. وهذا ما دفع الرئيس الأميركي إلى إعلانه المبكر حول اعتبار لجوء نظام الأسد للسلاح الكيماوي خطًا أحمر، الخط الذي تحول في الشهور الأخيرة إلى مصدر للسخرية.

في النهاية، برز هذا الاستخدام السافر والبشع للسلاح الكيماوي كامتحان مصداقية حاسم للرئيس الأميركي، رئيس الدولة الأكبر في العالم.

السبب الثاني خلف هذه الانعطافة في مقاربة إدارة أوباما لسورية وشؤون المشرق، يتعلق بالموقفين الإيراني والروسي؛ فخلال الشهور القليلة الماضية، وبفعل الإخفاقات المتتالية التي منيت بها قوات النظام السوري في كافة الجبهات، شهد الصراع في سورية انخراطًا أوسع لحزب الله وعناصر الميليشيات الشيعية المرتبطة به في القتال، وأخذت إيران في لعب دور أكثر نشاطًا في تعزيز الجهود العسكرية لقوات النظام ومقدّراتها.

من جهة أخرى، سورية ليست سوى دولة من العالم الثالث، لا يمكنها أن تخوض حربًا بهذا الاتساع، طوال عامين ونصف العام، بدون إمدادات عسكرية مستمرة وكبيرة. وهذا ما قامت به روسيا وإيران. إضافة إلى ذلك، لم يعد ثمة مجال للشك في أن موسكو، وبغض النظر عن سعيها إلى، وتوكيدها على، ضرورة التوصل إلى حل سياسي، تقف وبقوة ضد أي تغيير سياسي جوهري في النظام السوري. إدارة أوباما، باختصار، وجدت نفسها في مواجهة إهانة كبيرة في سورية، بالرغم من، وربما بسبب، حرصها المبكر على تجنب الانخراط في الملف السوري.

أما السبب الثالث، فيعود إلى نفوذ الليبراليين من دعاة التدخل العسكري الإنساني في إدارة أوباما، وعلى رأسهم سوزان رايس، سكرتيرة مجلس الأمن القومي. هؤلاء، وبالرغم من ليبراليتهم، لا يختلفون كثيرًا عن المحافظين الجدد، من جهة إيمانهم بأن على الولايات المتحدة، بصفتها القوة الكبرى في العالم، مسؤوليات مختلفة عن الدول الأخرى، وأن من أهم هذه المسؤوليات التدخل العسكري لحماية القيم التي تمثلها الولايات المتحدة. وكما المحافظين الجدد، يؤمن الليبراليون التدخليون بأن على الولايات المتحددة أحيانًا أن تتعهد مسؤولياتها العالمية حتى إن لم تستطع الحصول على غطاء من الأمم المتحدة؛ وإن كانوا حريصين في الوقت نفسه على أن يتمتع أي تدخل أميركي عسكري بدعم ومشاركة من أكبر عدد ممكن من الحلفاء. 

هل سيحصل أوباما على تفويض من الكونغرس؟

فسر البعض ذهاب أوباما المفاجيء للحصول على تفويض من الكونغرس بأنه مؤشر على الضعف والتردد؛ فالرئيس، أي رئيس أميركي، ليس مضطرًا للحصول على تأييد الكونغرس لقراراته بالعمل العسكري، ما لم يرغب في إعلان حالة الحرب، أو إن طالت العملية العسكرية التي أمر بها لأكثر من تسعين يومًا. ولكن، وبالرغم من أن أوباما أكد أكثر من مرة على أنه انتُخب لوضع حدّ للحروب الأميركية وليس لإشعالها، وأنه بنى استراتيجيته على أساس أن الشرق الأوسط لم يعد منطقة بالغة الحيوية للسياسة الأميركية العالمية؛ فالأرجح أن ذهابه للكونغرس يحمل دلالات أخرى، بما في ذلك خشيته من تطور الضربة العقابية التي يخطط لها إلى تدخل أوسع في الأزمة السورية، بفعل عوامل وقوى ليست في الحسبان، ورغبته بأن يتحمل الكونغرس معه عبء أية تطورات غير منظورة.

حصل طلب أوباما على تأييد من لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، في 4 سبتمبر/أيلول. ولكن، وبالرغم من نفوذ اللجنة وتأثيرها على توجهات مجلسي الشيوخ والنواب فيما يتعلق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، فإن حظوظ تأييد مجلس النواب لطلب الرئيس تبدو ضعيفة، بينما حظوظه في مجلس الشيوخ أعلى قليلاً. المشكلة، أن إدارة أوباما لم تستطع إقناع الرأي العام الأميركي بأن سورية تمثل خطرًا يهدد الأمن القومي الأميركي؛ وبعد عقد من الحروب المكلفة، لا تبدو الحجة الأخلاقية مقنعة بما يكفي. من جهة أخرى، يرى عدد ملموس من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ أن الرئيس كان بإمكانه توجيه الضربة بدون الرجوع للكونغرس، كما فعل أسلافه من الرؤساء من قبل، وأن طلبه التفويض منهم ليس سوى محاولة لتوريطهم في حرب لا يؤيدها الرأي العام الأميركي.

ثمة جهد كبير تبذله إدارة أوباما منذ بداية الأسبوع الثاني من سبتمبر/أيلول لإقناع أكبر عدد ممكن من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب المترددين، أو من لم يحسموا موقفهم بعد. كما سيُجري أوباما سلسلة من المقابلات المتلفزة مساء الاثنين، 9 سبتمبر/أيلول، ويوجه كلمة للأميركيين في اليوم التالي، في محاولة لكسب أكبر قطاع ممكن من الرأي العام. ولكن المؤكد أن أحدًا لا يستطيع التنبؤ بما سيكون عليه تصويت أي من مجلسي الكونغرس. كما من الصعب التنبؤ بما سيكون عليه موقف إدارة أوباما في حال لم يستطع الحصول على تأييد المجلسين، أو واحد منهما، أو إن جاء التأييد بفارق أصوات ضئيل.

الضربة ونتائجها

سيؤدي حصول أوباما على التفويض من الكونغرس، على الأرجح، إلى توجيه ضربة أميركية للنظام السوري، ضربة محدودة، كما قالت واشنطن. ولكن الذي تعنيه "محدودة" هنا؛ مسألة لا يمكن تقديرها. يتحدث مسؤولون أميركيون عن أن الضربة، إن وقعت، ستستمر لعدة أيام فقط، وأن هدفها ليس إسقاط النظام، ولكن تلقينه درسًا يمنعه من استخدام السلاح الكيماوي مرة أخرى؛ وأنها ستُنفذ بإطلاق صواريخ موجهة وطائرات، بدون إنزال عسكري بري على الأرض السورية. والحقيقة أن ليس هناك نظام حكم سبق وأن أُسقط بضربة جوية، طالت مدة هذه الضربة أو قصرت.

مهما كان حجم واتساع ومدة الضربة الأميركية؛ فمن الضروري ملاحظة وقع الضربة الأميركية على مقدرات الضبط والتحكم في صفوف قوات النظام (command and control)، وليس مجرد حجم الضرر الواقع بقواعد ومخازن ومطارات القوات الموالية للنظام. كما من الضروري ملاحظة ما إن كانت أعداد ملموسة من الضباط والجنود ستترك مواقعها أو تختار الانشقاق والانضمام إلى صفوف الثورة. سيتيح مثل هذا الأثر للثوار السوريين إحراز تقدم ملموس على الأرض في جبهات الاشتباك الرئيسة، سيما ما تبقى من مناطق سيطرة النظام في محافظتي إدلب وحلب، ومحافظة درعا الجنوبية، وخطوط الاشتباك في محافظتي حمص وحماه، إضافة لريف دمشق الشرقي والشمالي.

من جهة أخرى، لابد من مراقبة رد فعل النظام السوري وحلفائه؛ ففي حال لجأ النظام إلى توجيه صواريخه للأراضي التركية والأردنية والسعودية، أو قام حزب الله بقصف أهداف إسرائيلية؛ فالأرجح أن تتطور الضربة نوعًا وزمنًا؛ وقد تنتقل المشاركة التركية المتوقعة، من جهد عسكري جوي محدود إلى تدخل عسكري أعمق.

المسألة المهمة أن سورية أصبحت جزءًا حيويًا في الاستراتيجية الإيرانية الإقليمية. وقد اعتمدت إيران، منذ نهاية الحرب العراقية-الإيرانية، سياسة الحرب بالوكالة (proxy wars) لتنفيذ أهدافها وتعزيز نفوذها الإقليمي، متجنبة أية حروب تقليدية ومواجهات عسكرية مباشرة. وإن أدت الضربة الأميركية إلى إيقاع ضرر ملموس بمقدرات نظام دمشق العسكرية، فلابد لإيران أن تسارع بالرد؛ والأرجح أن الرد سيتبع سياسة حروب الوكالة ذاتها. وسيكون من الضروري بالتالي ملاحظة اتجاهات الرد الإيراني، سواء في لبنان والعراق، ضد الدولة العبرية، أو دول الخليج العربية، لما له من صلة مباشرة باحتمالات تفاقم الأزمة السورية إقليميًا.

خلاصات أولية

لا تعتبر الضربة الأميركية لسورية شأنًا محتومًا؛ أحد أبرز محددات الضربة هو بلا شك موقف الكونغرس، سيما أن العالم الغربي شهد تراجع الحكومة البريطانية عن المشاركة في عمل عسكري ضد سورية بعد خسارتها التصويت في مجلس العموم البريطاني. إضافة إلى ذلك، فقد تؤدي الضغوط الروسية المحمومة على سورية، سيما تلك المتعلقة باقتراح وضع السلاح الكيماوي السوري تحت إشراف دولي (9 سبتمبر/أيلول)، إلى إطلاق عملية سياسية أوسع من السلاح الكيماوي ذاته. ما ينبغي تذكره أن هدف السياسة الأميركية في هذه اللحظة من الأزمة السورية هو التوصل إلى اتفاق بين المعارضة والنظام على حل ينتهي بتنحي الرئيس السوري والحفاظ على ما تبقى من مؤسسات الدولة السورية. هذا الهدف هو ما يتوخى الأميركيون أن تساعد الضربة العسكرية على تحقيقه، بما تمثله الضربة من ضغط على النظام وحلفائه في طهران وموسكو. إن طرح الروس تصورًا لمسار ينتهي بخروج الأسد من المشهد، وليس مصير السلاح الكيماوي وحسب، فلن تكون هناك حاجة لتوجيه ضربة عسكرية.

أما إن تداعت الأوضاع إلى قيام الولايات المتحدة، بدعم من حلفائها الإقليميين والدوليين، بتوجيه ضربة عسكرية للنظام، فقد لا تنتهي الأمور بما يريده المسؤولون الأميركيون من "عقاب محدود". الاستقطاب الحاد ومناخ عدم الاستقرار في المشرق العربي-الإسلامي، وما باتت تمثله سورية للأطراف الإقليمية المختلفة، كفيل بمزيد من التفاقم لأزمة أوقعت، خلال عامين ونصف العام، آلامًا لا تُحتمل وخسائر باهظة بالشعب السوري ومقدرات وطنه.