قادة ليبيا الصاعدون: أصوات غير مسموعة لجيل قادم

(الجزيرة)

صدر عن مركز الجزيرة للدراسات، اليوم، 13 فبراير/شباط 2022، كتاب جديد بعنوان "قادة ليبيا الصاعدون: أصوات غير مسموعة لجيل قادم"، تأليف مجموعة من الكتَّاب والباحثين، ويُنشر بالتزامن مع الذكرى الحادية عشرة لثورة السابع عشر من فبراير/شباط التي أطاحت بحكم العقيد معمر القذافي.

يضم الكتاب مجموعة من المقالات والأوراق البحثية تتناول موضوعات سياسية واجتماعية مختلفة، من بينها: تسييس القبيلة، ووضع المرأة، والإرهاب، والهجرة غير النظامية، وأوضاع حقوق الإنسان، والتدخلات الإقليمية والدولية، وتعاقب الحكومات.. كتب أغلبها شباب ليبي، وربما هذا ما يميزها؛ إذ من خلالها يستطيع القارئ الوقوف على رؤى هذه الفئة لما يشهده مجتمعها من أزمات ويواجهه من تحديات، ويتعرف على تصوراتهم للحل وتمثلاتهم لليبيا المستقبل.

تجدر الإشارة إلى أن هذه هي الطبعة العربية للكتاب، وكانت الإنجليزية صدرت تحت عنوان Unheard Voices of the Next Generation: Emergent Leaders in Libya وأشرف عليها فريق شبكة القيادة الشبابية العالمية World Youth Leadership Network التابع لشبكة القيادة عبر الأطلسي Transatlantic Leadership Network، بالولايات المتحدة.

رصد الكتاب أبرز المشكلات وأهم التحديات التي تواجه ليبيا، الدولة والمجتمع، كما يراها من شاركوا في تأليفه والذين هم في أغلبهم من الشباب، وقدّموا ما يعتقدون أنه حل لهذه المشكلات ورؤية للتعامل مع تلك التحديات، وقد خلص الكتاب إلى جملة من الأمور، أهمها: فيما يتعلق بالهجرة، أن من المهم، لكي يدار هذا الملف بنجاعة، أن تبادر ليبيا بالتصديق على اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، وأن تعمل على تطوير تشريعات اللجوء المعمول بها حاليا، حيث إنه على الرغم من إدراج حق اللجوء في المادة 10 من الإعلان الدستوري المؤقت لعام 2011 في ليبيا، فلم توضع أي لوائح تنفيذية له، ولا يزال طالب اللجوء يُعامل مثل أي مهاجر، وبالتالي يخضع للاحتجاز في ظروف قاسية إلى أجل غير مسمى. فالتعامل بكفاءة مع ملف الهجرة، وفقًا للتوصيات التي وردت في ثنايا هذا الكتاب، من شأنه أن يعالج مشكلات أخرى كثيرة من بينها التجارة غير المشروعة، وبالأخص تجارة المخدرات والسلاح والسلع المهربة والاتجار بالبشر، وهي كلها أعمال إجرامية تقوم بها عصابات منظمة، ومؤخرا حلت بعض الجماعات المسلحة المتقاتلة في ليبيا محل تلك العصابات، واستخدمت عائدات أنشطتها بتلك التجارة المحرمة في تأجيج الحرب الأهلية. والحل الذي يقترحه الكتاب يكمن في وضع سياسات وتشريعات جديدة للهجرة، واعتماد سياسة جديدة في هذا الشأن تراعي الاحتياجات التنموية الليبية من جهة وتحترم حقوق الإنسان من جهة ثانية.

وفيما يتعلق بمشكلة الاعتقالات أثناء النزاعات غير الدولية، كما هو الشأن في الحالة الليبية، فقد استعرض الكتاب أسبابها ومسبباتها وأوصى في ختام هذا الاستعراض بتطوير القانون الدولي الإنساني الحالي الذي لا يستوعب الحالة الليبية وحالات أخرى كثيرة مماثلة يكثر فيها الاعتقال خارج سلطة الدولة.

أما العنف، وبالأخص المرتبط بالتشدد الديني، فبعد أن سلط الكتاب الضوء عليه من خلال نموذج العنف الديني في بنغازي خلص إلى أن المسؤول عن تصاعد التطرف واشتداد موجة العنف والإرهاب في المقام الأول هو حكم الفرد والطغيان الذي صاحبه، وأن السبيل إلى إنهائه يأتي عبر الديمقراطية، وسماع أصوات المهمشين، وإفساح المجال أمام الحلول السياسية لتحل محل الصراع.

وكان للنظام القضائي الليبي مكان في هذا الكتاب من خلال استعراض المراحل التي مر بها، وقد خلص إلى أن الحاجة ماسة إلى إنشاء قضاء مستقل يخدم المواطنين وفقًا للمعايير القانونية الدولية، وأن الطريق إلى ذلك يمر عبر الاستقلال الكامل لمجلس القضاء الأعلى لأنه يعزز الفصل بين السلطات ويحمي مؤسسات الدولة ويقوي استقلال السلطة القضائية، كما يأتي أيضا من خلال الدستور والقانون الليبي الذي يجب أن يتبنى مجموعة من المعايير والإجراءات لتعيين أعضاء السلطة القضائية وترقيتهم وعزلهم وتنظيم الإجراءات التأديبية المتخذة بحقهم وفقًا للسلوك القضائي المستقر، وأن لا يكون للسلطة التنفيذية أي دور في تعيين أعضاء مجلس القضاء الأعلى لضمان الفصل الكامل بين السلطات واستبعاد أي تأثير سياسي محتمل على القضاء.

عالج الكتاب أيضا مشكلة تسييس القبلية في المجتمع الليبي سواء في عهد القذافي الذي عزز الهوية القبلية ووضعها أعلى هرم السلطة في محاولة منه لإلغاء النفوذ الليبرالي الغربي في البلاد ومنع إجراء انتخابات ديمقراطية، أو من خلال محاولات اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي أحيا النعرات القبلية في ليبيا ليستغلها في الوصول إلى الحكم وبالأخص بعد إعلانه عن عملية الكرامة عام 2014.

وناقش الكتاب كذلك تشكل الدولة الليبية وخلص إلى أن التفكك الحالي للسلطة وانتشار الميليشيات والتنظيمات الإجرامية كان لغياب المؤسسات نتيجةً لحكم القذافي الشمولي، فضلا عن انتشار ثقافة سياسية مشوشة تم اختراقها وتوجيهها من قبل مختلف الفاعلين السياسيين بعد ثورة 17 فبراير 2011.

أما فيما يتعلق بوضع المرأة الليبية فقد استعرض الكتاب ما كانت عليه إبان حكم القذافي وما يريد اللواء المتقاعد خليفة حفتر أن تكون عليه إذا آلت الأمور إليه، وخلص الكتاب إلى أن القذافي وحفتر كليهما بذلا محاولات دؤوبة لجعل المرأة تذعن للنظام وتدين له بالولاء، وأنهما استعملا في ذلك شتى أنواع الدعاية ومنها استعمال الخطاب النسوي التقدمي لكن الحقيقة أنهما يستغلان المرأة ويجوران على حقوقها.

ويوضح الكتاب أن الغرب، في إطار تسوية أزمة لوكيربي، ومحاولته نزع أسلحة الدمار الشامل وإنهاء البرنامج النووي الليبي، قبِلَ بإعادة تعويم نظام القذافي وتسويقه مجددا للمجتمع الدولي بغض النظر عن جديته في الانتقال الديمقراطي، وأن البلاد ورغم ثورة 17 فبراير 2011 لا تزال تفتقر إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وعن السياسات الاقتصادية التي بالإمكان أن تمثل رافعة للنهوض التنموي في البلاد خلص الكتاب إلى أن المناطق الاقتصادية المتخصصة (SEZ) يمكنها أن تكون قاطرة التنمية في هذا الأمر، وذلك إن نُظِّمَتْ بشكل صحيح وصاحبها إطار قانوني مناسب، واكتساب مهارات جديدة للعمل وتحسين للنظام التعليمي، وإنشاء مشاريع مشتركة مع شركاء دوليين، وتطوير للنظام الصحي من خلال متطلبات تنافسية تحددها مؤسسة المناطق الاقتصادية الخاصة.. وقدم الكتاب أمثلة متنوعة من التجارب الدولية للمناطق الاقتصادية المتخصصة حتى تتمكن ليبيا من اختيار الأكثر ملاءمة لها.

وبعد الاستعراض الذي قدمه للكتاب للتحديات التي واجهتها الحكومات الليبية المتعاقبة وساهمت في تشكيل الدولة في العقد الماضي، وبعد أن أوضح مدى عمق تأثير حقبة القذافي في أنشطة المجلس الوطني الانتقالي، والمؤتمر الوطني العام، وصولا إلى حكومة الوفاق الوطني خلص إلى أن حاجة تلك الحكومات إلى أن تبتعد عن الصراعات الداخلية والتجاذبات الإقليمية والدولية كي تتفرغ لإدارة دولاب الدولة وتخفيف العبء عن كواهل المواطنين، حاجة ماسّة.

أما القصة الختامية التي اختتم بها الكتاب صفحاته فقد كانت لفتاة ليبية تمثل أنموذجًا لجيل جديد قرر أن يتجاوز التحديات السياسية والاجتماعية القائمة ونجح في ذلك من خلال التعليم الجيد والانخراط في خدمة المجتمع بعقلية جديدة وروح متوثبة.

  • يمكن قراءة الكتاب وتحميله عبر الرابط التالي (اضغط هنا).