الأزمة بين المغرب والبرلمان الأوروبي: الخلفيات والأبعاد

تبحث هذه الورقة خلفيات موقف البرلمان الأوروبي ضد المغرب وأبعاده، فتحليل خلفيات الموقف مرتبط بالأزمة القائمة بين فرنسا والمغرب منذ صيف 2021، وهو الربط الذي يجعل من حجة انتهاكات حقوق الإنسان كحرية الرأي والصحافة مجرد ذريعة تخفي وراءها دوافع سياسية لدى عدد من الدول الأوروبية.
يصر المغرب على القول بأن الأزمة مع البرلمان الأوروبي مفتعلة، وأن الغرض منها الإضرار بالشراكة المغربية-الأوروبية (رويترز).

في 19 يناير/كانون الثاني 2023، تبنى البرلمان الأوروبي قرارًا(1) مثيرًا للجدل بشأن وضعية حقوق الإنسان، ولاسيما حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة، في المغرب؛ ما تسبب في ردود فعل مغربية غاضبة، اعتبرت القرار الأوروبي اعتداء على السيادة المغربية، وتدخلًا في استقلالية القضاء، بل إن البرلمان المغربي أعلن عن إعادة النظر في علاقاته مع البرلمان الأوروبي، وذلك في الوقت الذي اتهم الخطاب السياسي الصادر عن قادة الأحزاب السياسية "الدولة العميقة في فرنسا"(2)، تحديدًا، بالوقوف وراء موقف البرلمان الأوروبي، الذي لم يصدر مثله منذ سنة 1994، أي قبل 25 سنة. 

وقد تبنى البرلمان الأوروبي القرار بأغلبية 356 صوتًا من أصل 430 حضروا جلسة 19 يناير/كانون الثاني 2023. وبالرغم من أن القرار غير ملزم، إلا أن تأييده من لدن أغلبية البرلمانيين الأوروبيين -بما يعنيه ذلك من تأييد ضمني للحكومات الأوروبية كذلك- يؤكد أن خلفياته وكذا تداعياته تبدو أبعد مما هو معلن عنه حتى الآن، خصوصًا أن البرلمان الأوروبي كان بإمكانه أن يسلك سبيل الحوار مع السلطات المغربية، بدل اللجوء إلى أسلوب الضغط العلني، وهو الخيار الذي قد تكون له تداعيات وخيمة على العلاقات بين المغرب والبرلمان الأوروبي.

تبحث هذه الورقة، إذن، في خلفيات موقف البرلمان الأوروبي ضد المغرب وأبعاده، وتفترض أن تحليل خلفيات الموقف مرتبطة، على نحو وثيق، بالأزمة القائمة بين فرنسا والمغرب منذ صيف 2021، وهو الربط الذي يجعل من حجة انتهاكات حقوق الإنسان، وخصوصًا حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة، كما عبَّر عنها البرلمان الأوروبي مجرد ذريعة تُخفي وراءها صراعات ودوافع سياسية لدى عدد من الدول الأوروبية، وخصوصًا فرنسا، التي يتهمها جزء من الطبقة السياسية المغربية بالوقوف وراء تحريض البرلمانيين الأوروبيين، وتعبئتهم نحو استغلال ورقة حقوق الإنسان من أجل تصفية حسابات سياسية كامنة وراء العلاقات المتأزمة بين الرباط وباريس، والتي تتصدر المواجهة فيها أجهزة استخباراتية، وتجهل بعض أسبابها حتى الآن.

أولًا: سياق القرار الأوروبي: إعادة تركيب للوقائع

يقتضي فهم خلفيات قرار البرلمان الأوروبي إعادة تركيب الأحداث مع وضعها في سياقها. لقد بدأت الأحداث ليلة 15 ديسمبر/كانون الأول 2022، حين أعلن القضاء البلجيكي عن الشروع في التحقيق في قضية فساد، ذُكر فيها اسم المغرب وقطر، تزعم تلقي برلمانيين أوروبيين رشاوى، وهي مزاعم نفتها فورًا وبشدة كل من قطر والمغرب. وفي اليوم الموالي، 16 ديسمبر/كانون الأول 2022، وصلت وزيرة الخارجية الفرنسية، كاثرين كولونا، إلى المغرب، من أجل تخفيف حدة التوتر بين البلدين، وبحث الأزمة المستمرة بينهما منذ صيف 2021، على خلفية قرار فرنسي أحادي الجانب بتقليص عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة إلى النصف، وهو القرار الذي تراجعت عنه من جانب واحد كذلك(3).

وقد كشفت الوزيرة كولونا، خلال ندوة صحافية مع نظيرها المغربي، ناصر بوريطة، عن رغبة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في القيام بزيارة رسمية إلى المغرب في الفصل الأول من سنة 2023، وهو ما لم يحدث حتى الآن. وفي 5 يناير/كانون الثاني 2023، زار مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، المغرب، وكان لافتًا تصريحاته التي أكد فيها أن العلاقات بين الطرفين "مبنية على المبادئ قبل المصالح"، لكنه وصف الشراكة بين الاتحاد والمغرب بـ"المتينة والإستراتيجية".

في 17 يناير/كانون الثاني 2023، وبعدما قرر البرلمان إدراج أوضاع حقوق الإنسان في المغرب ضمن جدول أعماله، بعث رئيس اللجنة المشتركة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، لحسن حداد، برسالة إلى البرلمانيين الأوروبيين، يؤكد فيها أن مشروع القرار الأوروبي يتطرق، ولاسيما في حالة الصحافي، عمر الراضي، إلى "ملف قضائي مفتوح أمام قضاء مستقل لبلد شريك، ويتدخل بذلك في عملية قضائية لا تزال جارية، وهو ما يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان"، وبعد أن أثارت رسالة حداد "إعمال المعايير المزدوجة" من قبل أعضاء البرلمان الأوروبي، ختم رسالته بالقول: "نؤكد أن حماية حقوق الإنسان والنهوض بها هما خياران ثابتان ولا تراجع عنهما بالنسبة للمملكة المغربية، التي ستدافع عن تعزيز التزامها بالآليات الأممية لحقوق الإنسان وحقوق المرأة على الخصوص"(4).

ويبدو أن رسالة حداد، كان الغرض منها، دفع البرلمان الأوروبي إلى ترجيح خيار الحوار بدل خيار الضغط، لكن محاولته تلك قوبلت بالرفض، خصوصًا أن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، كان قد زار المغرب قبيل جلسة البرلمان الأوروبي، دون أن ينتزع أية تنازلات من المغرب؛ حيث اعتبر وزير الخارجية والتعاون الإفريقي المغربي، ناصر بوريطة، أن الشراكة الإستراتيجية المغربية الأولية تتعرض "لتحرشات قضائية وإعلامية هدفها ضرب عمق هذه الشراكة"(5).

وفي 19 يناير/كانون الثاني 2023، صوَّت البرلمان الأوروبي على قرار إدانة صريح ضد المغرب بشأن حقوق الإنسان، ولاسيما حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير، منتقدًا بأغلبية كبيرة -356 صوتًا مؤيِّدًا مقابل 32 اعتراضًا و42 امتناعًا من أصل 430 حضروا الاجتماع- "استخدام ادعاءات الاعتداء الجنسي لمنع الصحافيين من أداء واجباتهم"، ومطالبًا بـ"الإفراج المؤقت عن الصحافيين المعتقلين، والكف عن المضايقات ضد جميع الصحافيين ومحاميهم وعائلاتهم"(6)، مشيرًا بالاسم إلى ثلاثة صحافيين، هم: عمر الراضي، وسليمان الريسوني، وتوفيق بوعشرين، الذين أُدينوا من قبل القضاء المغربي بالسجن النافذ، على خلفية اتهامات بالاستغلال الجنسي، لكن القرار الأوروبي أشار إلى أن تلك الاتهامات قد تكون مجرد ادعاءات استعملت ذريعة لردع الصحافيين الثلاثة.

وشكَّل القرار صدمة للسلطات المغربية، كونه أول قرار يدين المغرب بسبب حقوق الإنسان منذ 25 سنة، غير أن ردَّ الفعل الرسمي كان متأنيًا. ويلاحظ، في هذا السياق، امتناع الحكومة ووزارة الخارجية والمؤسسات الحقوقية الرسمية عن التعليق على قرار البرلمان الأوروبي، في الوقت الذي تصدرت ثلاث مؤسسات رسمية التعبير عن الموقف الرسمي، تمثلت في المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والمؤسسة البرلمانية، والمجلس الوطني للصحافة، علاوة على الأحزاب السياسية والنقابات والمجتمع المدني. كما يلاحظ، أيضًا، أن التعليقات المغربية، رغم تعدد مصادرها، إلا أنها تجمع على إدانة القرار الأوروبي باعتباره تدخلًا في السيادة المغربية، واعتداء على استقلالية القضاء المغربي، في حين اتهمت الأحزاب السياسية وبعض وسائل الإعلام، على اختلاف مرجعياتها، فرنسا تحديدًا بالوقوف وراء قرار البرلمان الأوروبي، وهو ما نفاه السفير الفرنسي في المغرب، كريستوف لوكورتييه، الذي أصر على أن لا دخل لفرنسا في التعبئة لقرار البرلمان الأوروبي(7).

لا شك أن الاتهام المغربي علانية لفرنسا بالوقوف وراء هذا القرار، يعد محاولة صريحة لتسليط الضوء على خلفيات موقف البرلمان الأوروبي، وربطه بالأزمة القائمة بين المغرب وفرنسا، منذ أزيد من سنتين، وهو موقف سياسي يسعى إلى القول بأن الأزمة بين الطرفين دخلت مرحلة جديدة تحاول فيها فرنسا لي الذراع المغربي عبر الاستقواء بالمؤسسات الأوروبية، وتحديدًا البرلمان باعتباره رمز الديمقراطية الأوروبية، وبهدف إلحاق أقصى الأضرار بالشراكة الإستراتيجية بين المغرب والاتحاد الأوروبي.

في هذا السياق، يلاحظ أن السلطات الفرنسية تكتفي بنفي الاتهامات المغربية الموجهة إليها فقط، فقد نفت وزيرتها في الخارجية، كاثرين كولونا، خلال زيارتها للمغرب، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن تكون هناك أزمة مع المغرب أصلًا، مؤكدة أن العلاقات بين البلدين "استثنائية وفريدة"، مثلما نفى سفير فرنسا في الرباط، كريستوف لوكورتييه، أن تكون فرنسا من حرضت البرلمان الأوروبي على المغرب، وبين الاتهام المغربي والنفي الفرنسي يحتاج الموقف إلى تحليل خلفياته وأبعاده.

ثانيًا: خلفيات القرار الأوروبي: ذريعة حقوق الإنسان أم ابتزاز فرنسي؟

بالعودة إلى مضمون قرار البرلمان الأوروبي، يُلاحظ أنه أثار قضيتين: الأولى: تتعلق بمزاعم حول تجاوزات في مجال حقوق الإنسان، خصوصًا حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة، باستعمال ادعاءات الاستغلال الجنسي ذريعة لردع الصحافيين. القضية الثانية تتعلق بالتجسس، وذلك باستعمال برمجيات تكنولوجية لمراقبة المعارضين للنظام السياسي، واستعمال ذلك في إدانتهم قضائيًّا بأحكام مشددة. كلتا الحجتين سبق أن أثارتهما منظمات حقوقية مغربية ودولية مثل "مراسلون بلا حدود" التي ورد اسمها في القرار الأوروبي.

علاوة على إثارتها من قبل وزارة الخارجية الأميركية في تقريرها حول حقوق الإنسان لسنة 2022(8). أما فريق الأمم المتحدة المعني بالاعتقال التعسفي فقد سبق له أن طالب في تقرير رسمي بالإفراج الفوري عن الصحافي، توفيق بوعشرين، في فبراير/شباط 2019، كما طالب في تقرير آخر بالإفراج الفوري عن سليمان الريسوني في أكتوبر/تشرين الأول 2022، معتبرًا أن اعتقالهما، أي بوعشرين والريسوني، تم بشكل تعسفي ومخالف للقانون، ودعا إلى تمكينهما من الحق في جبر الضرر والتعويض وفقًا للقانون الدولي(9).

رغم تلك الأصوات المنددة بحرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة، تغاضى البرلمان الأوروبي طيلة السنوات الماضية عن التجاوزات المذكورة، بل اصطف إلى جانب الأطراف التي كانت تنوه بالتقدم الذي يحرزه المغرب في مجال حقوق الإنسان، والدليل على ذلك مؤشران: الأول: رفضه، في سنة 2018، منح جائزة "سخاروف لحرية التعبير" للناشط ناصر الزفزافي، المعتقل على خلفية حراك الريف. المؤشر الثاني: اختزال القرار الصادر عنه، في يونيو/حزيران 2021، حول المغرب في استغلال المهاجرين غير النظاميين من القاصرين للضغط على إسبانيا. لذلك، كان مفاجئًا صحوة البرلمان الأوروبي المتأخرة، حتى لو تذرع بما اعتبره انتهاكات ضد حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة في المغرب.

في الغالب، يُربط التحول في المواقف داخل البرلمان الأوروبي بمزاعم فساد ورشاوى، والتي أشارت إليها الفقرة الثالثة من القرار المذكور، وهي القضية التي تفجرت، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، إثر اعتقال الشرطة البلجيكية نائبة رئيسة البرلمان الأوروبي، اليونانية إيفا كايلي، وأثارت بشأنها الصحافة الأوروبية اسم قطر، لكن منذ 15 ديسمبر/كانون الأول الماضي، جرى التركيز أكثر على اسم المغرب تحديدًا. وبالرغم من مسارعة قطر والمغرب إلى نفي تلك الاتهامات فورًا وبشدة، ورغم أن تلك الاتهامات تظل مجرد ادعاءات حتى الآن، وأن التحقيقات القضائية جارية ولم تنته بعد، إلا أن اللافت للانتباه مسارعة البرلمان الأوروبي إلى إدانة المغرب في قضايا حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة، وهو ما يضفي مزيدًا من الغموض على الموقف وخفاياه، خصوصًا بعدما أضحى معلومًا أن قضية الرشاوى قد تفجرت على إثر عملية استخباراتية قام بها جهاز الاستخبارات البلجيكي، وبدأت في 2021 قبل أن تخرج للعلن في ديسمبر/كانون الأول 2022(10)، وهي العملية التي شاركت فيها أجهزة استخبارات أوروبية أخرى، أبرزها فرنسا وإيطاليا، كما تأكد أن جهاز الاستخبارات البلجيكي هو من وضع الملف أمام قضاء التحقيق في بروكسل، ومن ثم تسريبه إلى الصحافة كذلك.

من اللافت للانتباه أن مفتاح الأزمة بين البرلمان الأوروبي والمغرب يوجد بيد أجهزة الاستخبارات الأوروبية، البلجيكية والفرنسية كما سبقت الإشارة، مثلما أن الأزمة بين فرنسا والمغرب اندلعت على خلفية صراع استخباراتي كذلك، خرج للعلن حين اتهمت وسائل إعلام فرنسية، في يوليو/تموز 2021، المخابرات المغربية باستعمال برنامج "بيغاسوس" للتجسس على شخصيات فرنسية، من بينها الرئيس إيمانويل ماكرون وأعضاء في حكومته، وهو الاتهام الذي نفته الحكومة المغربية بشكل رسمي، ورفعت على إثره، في 28 يوليو/تموز 2021، دعاوى قضائية ضد عدة وسائل إعلام فرنسية، من أبرزها صحيفة "لوموند"، و"إذاعة فرنسا" وموقع "ميديا بارت" بتهمة التشهير(11).

وبالرغم من تبرؤ المغرب من اتهامات التجسس، إلا أن فرنسا اختارت التصعيد ضده، وفقًا لعدة مؤشرات؛ ففي 28 سبتمبر/أيلول 2021، قررت، من جانب واحد، تشديد شروط منح التأشيرات لمواطني المغرب والجزائر وتونس مع خفض عددها إلى النصف، بحجة رفض تلك الدول استقبال مواطنيها المهاجرين بطريقة غير شرعية، لكن السفير المغربي في باريس تصدى لكل ذلك؛ إذ في الوقت الذي نفى عن جهاز الاستخبارات المغربي تهمة التجسس، كشف، فيما يخص قضية الهجرة والتأشيرات، أن الأمر لا يتعلق بترحيل مواطنين مغاربة بل بمهاجرين أفارقة. ورغم التشدد الفرنسي، إلا أن الحكومة المغربية اختارت عدم التعليق، إلى أن قررت فرنسا التراجع من جانب واحد وطي موضوع التأشيرات، تزامنًا مع إثارة مزاعم الفساد والرشاوى في البرلمان الأوروبي، والتي وجهت بشأنها اتهامات إلى المغرب وقطر.

في ضوء ما سبق، يمكننا أن نفهم لماذا يصر المغرب على القول بأن الأزمة مع البرلمان الأوروبي مفتعلة، وأن الغرض منها الإضرار بالشراكة المغربية-الأوروبية، في حين اتهمت الأحزاب السياسية، سواء من المعارضة أو الأغلبية، فرنسا صراحة بالوقوف وراء الأزمة مع البرلمان الأوروبي، رغم محاولتها التواري للخلف. لكن ماذا تريد فرنسا من المغرب؟ في الواقع تدهورت العلاقات المغربية-الفرنسية على خلفية عدة ملفات، لكن أهمها قضية الصحراء المغربية، وقد اتضح ذلك من خلال خطاب الملك محمد السادس، في أغسطس/آب 2022، حين شدد على أن "ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات"(12). وذهبت عدة تعليقات ووسائل إعلام مقربة من السلطة إلى أن الدولة المقصودة في خطاب الملك هي فرنسا، التي "ترفض أن تُملى عليها سياستها حول الصحراء الغربية"(13).

خاتمة

نخلص إلى أن فهم خلفيات الأزمة بين المغرب والبرلمان الأوروبي لا يكتمل إلا باستدعاء خلفيات الأزمة بين المغرب وفرنسا. فمن وجهة نظر مغربية، ثمة توظيف فرنسي للبرلمان الأوروبي في مواجهة المغرب، أما من وجهة نظر أوروبية وفرنسية، فإن الأزمة سببها تدهور حقوق الإنسان في المغرب، وخصوصًا الانتهاكات ضد حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة. لكن يبدو أن أبعاد الأزمة أكبر من ذلك، وتتعلق بموقف فرنسا الرافض مغادرة المنطقة الرمادية فيما يتعلق بملف الصحراء المغربية، الذي تحتفظ به ورقة حاسمة في إدارة علاقاتها بالمغرب والجزائر، وربما تغذية الصراع المستمر بينهما. غير أن التطورات التي عرفها ملف الصحراء، منذ ديسمبر/كانون الأول 2020، إثر الاعتراف الأميركي بالسيادة المغربية على الصحراء، ثم تطور الموقف الإسباني نحو تأييد مبادرة الحكم الذاتي لتسوية النزاع في أبريل/نيسان 2022، يجعل فرنسا في موقف صعب، قد يكلفها مصالح ثمينة في المغرب، وهو ما دفعها، على ما يبدو، إلى إقحام البرلمان الأوروبي لمزيد من الضغط عليه، لكن رفض المغرب استقبال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أكثر من مرة، يشير إلى أنه عاقد العزم على انتزاع موقف فرنسي متقدم في ملف الصحراء، وبدونه قد تظل العلاقات باردة وخالية من الدفء المعهود في العلاقات بين البلدين منذ عقود.

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1) Résolution du Parlement européen sur la situation des journalistes au Maroc, en particulier le cas d’Omar Radi (2023/2506(RSP), du 19 janvier 2023, à: https://www.europarl.europa.eu/doceo/document/TA-9-2023-0014_FR.html

(2) مسؤول مغربي يتهم "الدولة العميقة الفرنسية" بالوقوف وراء توصية أوروبية ضد الرباط، فرانس 24، 31 يناير/كانون الثاني 2023، تاريخ الدخول: 20 يناير 2023. https://bit.ly/3ROUvUn

(3) بعد فتور في العلاقات... فرنسا تعلن انتهاء أزمة التأشيرات مع المغرب، دويتشه فيله، 16 ديسمبر/كانون الأول 2022، تاريخ الدخول: 21 يناير 2023.   https://bit.ly/3jwR6wQ

(4) حرية الصحافة.. البرلمان الأوروبي يصادق على قرار يدين المغرب، لوديسك بالعربية، 19 يناير/كانون الثاني 2023، تاريخ الدخول: 23 يناير 2023. https://bit.ly/3Yqctyw

 (5) بوريطة: الشراكة الإستراتيجية مع أوروبا تتعرض لتحرشات قضائية وبرلمانية، هسبريس، 5 يناير/كانون الثاني 2023، تاريخ الدخول: 23 يناير 2023. https://bit.ly/3Xia2Nw  

(6) Margot Hutton, pourquoi le parlement européen prend-il une résolution contre le Maroc?, TV5 monde, Le: 20/01/2023, à: https://bit.ly/3X7XwQM

(7) Réda Dalil et Nayl Fassi, L’ambassadeur de France au Maroc: ‘La résolution du Parlement européen n’engage aucunement la France’, Telquel, Le: 03/02/2023, à: https://bit.ly/3RJxqSQ

(8) تقرير الخارجية الأميركية حول حقوق الإنسان بالمغرب: انتقاد انتهاك حرية الصحافة واستهداف الحياة الشخصية، TELQUEl عربي، 15 أبريل/نيسان 2022، تاريخ الدخول: 19 يناير 2023.  https://bit.ly/3YguJKZ

(9) قضية بوعشرين: رأي أممي يثير سجالًا حقوقيًّا بالمغرب، العربي الجديد،  21 فبراير/شباط 2019، تاريخ الدخول: 20 يناير 2023.  https://bit.ly/3YbTisC

 

(10) Silvia Borrelli & Andy Bounds,  Spies, cash and luxury hotels: EU corruption probe explores Morocco links, Financial Times, on :01/11/2023, at : https://on.ft.com/3I6FcmI
(11) Logiciel espion Pegasus : le Maroc plainte contre « L’Humanité», Le Monde, Le 01/10/2021, à: https://bit.ly/3HKJQFB

(12) خطاب الملك محمد السادس، 20 أغسطس/آب 2022، تاريخ الدخول: 23 يناير 2023. https://bit.ly/3YjPB43

(13) بعد أشهر من التوتر.. فرنسا تسعى للتهدئة مع المغرب وإعادة بناء العلاقات بين البلدين، فرانس 24، 5 ديسمبر/كانون الأول 2022، تاريخ الدخول: 23 يناير 2023. https://bit.ly/3JQPM2A