تكامل المنصات الإعلامية في غرفة الأخبار: دراسة تطبيقية على "الجزيرة مباشر"

2 أبريل 2023
(الجزيرة)

ملخص البحث

وجدت المؤسسات الإعلامية نفسها مجبرة على البث من خلال منصات (platforms) متعددة حتى تتمكن من الوصول إلى الجمهور الذي أصبح يتابع المنتجات الإعلامية عبر التليفزيون والراديو والصحف ومواقع الإنترنت وتطبيقات الهواتف الذكية. وقد أدى هذا إلى تغييرات واسعة ليس في شكل وهيكل غرف الأخبار (newsrooms) وحسب، بل وفي الطريقة التي تعمل بها. وعملت هذه الدراسة على استكشاف حجم التكامل بين تلك المنصات وطريقة سير العمل (workflow) فيما بينها، وذلك من خلال دراسة حالة لغرفة أخبار الجزيرة مباشر. وللوصول إلى هذه الأهداف أفرد الباحث بابًا خاصًا عن الجزيرة، قبل أن يستعرض في باب آخر معنى التكامل ونشأته وتطوره. ثم انتقل للحديث عن درجات التكامل بين المنصات المختلفة في غرفة الأخبار، وأثبت باستخدام أداتي تحليل مضمون والملاحظة الإثنوغرافية أن غرفة أخبار الجزيرة مباشر تقع على الدرجة الرابعة من السلم الديناميكي (Dynamic Scale)، وهو نموذج وضعه (Larry Dailey ,Lori Demo & Mary Spillman) لتحديد حجم التكامل في غرف الأخبار. كما توصل الباحث إلى أن غرفة أخبار الجزيرة مباشر تنتمي إلى الجيل الثاني من غرف الأخبار (0.2 Newsroom)، أو ما يطلق عليه اسم: المنصات المتقاطعة Cross-media platforms Newsroom، بحسب النموذج الذي وضعه (Dietmar Schantin). وأشارت الدراسة أيضا إلى أن الفيديو يمثل النطاق المركزي (public domains) الذي تعمل من خلاله غرفة أخبار الجزيرة مباشر، وذلك لكون معظم منصاتها تركز على بث المواد المصورة. وأخيرًا وضع الباحث نموذجًا يوضح طريقة سير العمل (workflow) وتدفق المواد بين المنصات المتنوعة في غرفة أخبار الجزيرة مباشر.

مقدمة

لقد غدا واضحًا أن النشر عبر منصة إعلامية واحدة –مقروءة أو مرئية أو مسموعة- بات أمرًا من الماضي، وأصبح السؤال بشأن التكامل بين المنصات المتعددة في غرف الأخبار، سؤال عن كيف ولماذا، وليس عمَّا إذا كان سيحدث أم لا. لذلك فإنه لم يعد من المنطقي أن نواصل ترديد عبارات من قبيل: المستقبل للمنصات المتعددة the future is multi-platform (Krugeron, 2012)، لأن الواقع أصبح كذلك بالفعل. ولم يعد تكيف المؤسسات الإعلامية مع "الإعلام التكاملي" خيارًا، بل أصبح ضرورة للبقاء والاستمرار (Stephan, Nienstedt & Wilczek, 2013). 

وإذا كان الكثير من الصحفيين والباحثين في مجال الإعلام ينظرون إلى التكامل بين المنصات باعتباره "قدرًا"، فإن التطور التكنولوجي هو المحرك الرئيسي لهذا التكامل. فالجمهور الذي يحمل في جيبه هاتفا ذكيًّا يجعله متصلًا بالعديد من المنصات الإعلامية على مدار الساعة، لم يعد من الممكن إجباره على استقلال حافلة لشراء صحيفة بعينها تطلعه على آخر المستجدات، أو انتظار نشرة الأخبار الرئيسية في قناته المفضلة بالمساء، أو حتى استخدام وسيلة بعينها للوصول إلى المحتوى الذي يفضله. بل أصبح من الحكمة أن تقوم المؤسسة الإعلامية بإنتاج المحتوى، ثم تسعى لبثه عبر كل المنصات الممكنة للوصول إلى أكبر عدد من المتلقين، مستخدمة في سبيل ذلك كل الوسائل التكنولوجية المتاحة. تحت قاعدة اكتب مرة واحدة وانشر في كل مكان write once, publish anywhere” (Saltzis & Dickinson, 2008, p.218 )، أو قاعدة مطبخ واحد ومطاعم متعددة "one kitchen, several restaurants" (Hultén, 2015, p.26 ).  

وقد أدى تحول المنصات المنفردة (صحيفة، قناة تلفزيونية، إذاعة، موقع إلكتروني ..... إلخ) لمؤسسات تبث عبر عدة منصات، أدى إلى ظهور اتجاه بحثي عُرف بالموجة الثالثة في دراسة المؤسسات الإعلامية the third phase of media institution research، يهتم بالمؤسسات التي تملك منصات متعددة. وهو اتجاه ظهر مع نهاية تسعينيات القرن الماضي بعد موجتين سابقتين كانت الأولى تهتم بعصر احتكارات البث، والثانية ظهرت مع تطور وسائل الإعلام في الثمانينيات والتسعينيات (Moe & Syvertsen, 2007). وينقسم الاندماج في هذا النوع من الدراسات الإعلامية إلى: اندماج الصناعي أو التجاري industrial convergence ويتم عادة بين مؤسستين إعلاميتين أو أكثر، واندماج التكنولوجي technological convergence يتم بين المنصات المتعددة داخل المؤسسة الواحدة. ويهتم هذا البحث بالنوع الثاني -الاندماج التكنولوجي- الذي يتناول عملية التكامل بين المنصات داخل مؤسسة بعينها. 

وتطور مفهوم التكامل من مجرد عملية نشر محتوى المنصات التقليدية على نظريتها الجديدة، ليشير مع الوقت إلى عملية معقدة تتطلب تغييرًا في بنية غرفة الأخبار وطبيعة تدفق العمل فيها، بل وحتى في المهارات التي يجب توافرها في القائم بالاتصال (Kirkby, 2007). ففي غرف الأخبار الحديثة يهتم الصحفي بالمادة الخبرية أكثر من وسيلة النشر، لذلك ظهرت قاعدة: المحتوى أولًا والمنصة ثانيا ,Content First ,Platform Second (O’Brien & Senor, 2009, p.2)، وتغيرت طبيعة تفكير الصحفيين من العمل كناشرين للأخبار News Publisher إلى العمل كمنتجين للمحتوى المعلوماتي Information Content Provider (Keshvani, 2000). 

ولتسليط الضوء على عملية التكامل بين المنصات، ولمزيد من فهم الظاهرة التي تبدو معقدة إلى حد ما، عمل الباحث على دراسة غرفة أخبار قناة الجزيرة مباشر، كمثال تطبيقي يمكن من خلاله الوصول إلى نموذج يوضح ويفسر طريقة عمل المنصات المختلفة داخل غرفة الأخبار، وحجم التكامل بين تلك المنصات، وتصنيف غرفة الأخبار ذاتها من حيث درجة التكامل. 

وقد اختار الباحث دارسة إحدى غرف أخبار شبكة الجزيرة، ليس فقط لأنها شبكة ذات تأثير واسع دفع البعض لوصفها بـ"CNN العرب" (Johnson & Fahmy, 2007, p.43)، ولكن أيضا لكونها رائدة في مجال تنويع المنصات، ففي عام 2005 – وقبل ظهور مواقع التواصل- أتاحت الجزيرة للناشطين الشباب التدوين عبر مشروع يحمل اسم "الجزيرة توك" ليساهموا في نقل الأخبار للجمهور وقت حدوثها. وفي 2008 أطلقت خدمة "شارك" (sharek.aljazeera.net) واحتوت نحو مائة ألف مقطع فيديو تم تحميلها بواسطة ناشطين من دول مختلفة في المنطقة، وخصصت صفحة أخرى لنفس الغرض تحت اسم "إعلامك أنت" (yourmedia.aljazeera.net)، ومع اندلاع أحداث الربيع العربي بلغ استخدام الجزيرة لمواقع التواصل ذروته، وأخيرا ظهرت منصة "الجزيرة بلس" (AJ+) عام 2015 لتنضم إلى أخواتها في الشبكة (ميلادي، 2016).

وتمتلك قناة الجزيرة مباشر عددًا لا بأس به من المنصات التي تجعل من دراسة حالة التكامل بينها أمرًا مثيرًا للاهتمام، حيث تأسست الجزيرة مباشر كشاشة فضائية في أبريل/نيسان 2005 كجزء من شبكة الجزيرة الإعلامية، ثم تأسس موقعها الإلكتروني، وبلغ عدد متابعيه في مارس/آذار 2017 نحو 11 مليون متابع، كما تمتلك القناة حسابًا على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تأسس في مايو/أيار 2008 ويتابعه قرابة 12 مليون شخصًا، وحسابًا على تويتر تأسس في يوليو 2009 ويتابعه أكثر من ثلاثة ملايين شخص، بالإضافة إلى قناة على يوتيوب تم إنشاؤها في يونيو/حزيران 2009 ويتابعها 240,366  شخصًا، وتجاوز عدد المشاهدات (views) بها الـ 52 مليون مشاهدة حتى مارس/آذار 2017، وحساب على تطبيق تليجرام ويتابعه 26 ألف شخص، وآخر على انستغرام ويتابعه نحو 650 ألف شخص، بالإضافة إلى حساب على واتس آب يستقبل مئات الرسائل يوميًّا.

قسَّم الباحث دراسته لخمسة أبواب، خصص الأول للحديث عن شبكة الجزيرة من خلال ثلاثة فصول، تناول الأول نبذة تعريفية عن الشبكة، بينما استعرض الفصل الثاني أهم الأبحاث العلمية والمصطلحات التي ارتبطت بها مثل: "تأثير الجزيرة" effect Al-Jazeera، و"الموضوعية السياقية" contextual objectivity أو السياق الذي تعمل فيه الشبكة. فيما اهتم الفصل الثالث بالجزيرة مباشر من حيث النشأة والتطور. وفي الباب الثاني الذي حمل عنوان: "التكامل الإعلامي .. البدايات والتطور"، تحدث الباحث عن العلاقة الجدلية بين الوسائل الإعلامية القديمة والجديدة، قبل أن يتحدث عن نشأة وتطور حالة التكامل بين المنصات المختلفة. ثم انتقل الباحث إلى باب خاص بالإطار النظري، بدأه باستعراض المداخل النظرية لعملية التكامل، ثم تناول درجات التكامل في غرف الأخبار، وبنية غرف الأخبار المدمجة، ونماذج تدفق العمل بين منصاتها، قبل أن يفرد فصلًا لفكرة النطاق المركزي لغرفة الأخبار التي استخدمها كأحد الأطر النظرية في البحث. ثم انتقل الباحث لتحديد مشكلة الدراسة وسؤالها وفرضياتها. وفي الباب الرابع حدد الباحث المنهجية التي استخدمها في الدراسة محددًا الإطار الزماني والمكاني لها والأدوات البحثية التي مكنته من جمع البيانات. كما قدم في الباب الخامس دراسة تطبيقية لغرفة أخبار الجزيرة مباشر، كشف فيها عن حجم التكامل بين المنصات المختلفة في غرفة الأخبار، ونوع هذه الغرفة من حيث درجة التكامل فيها، كما حدد الإطار المركزي public domains الذي تعمل من خلاله غرفة أخبار الجزيرة مباشر، وأخيرًا رسم نموذجًا لعملية سير العمل workflow وتدفق المواد بين المنصات المختلفة في غرفة الأخبار. وفي نهاية البحث قدم الباحث عددًا من التوصيات المعتمدة على الدراسة التي قام بها في غرفة أخبار الجزيرة مباشر. 

وقد حاول الباحث في هذه الدراسة تقديم إضافة يمكن أن تكون مفيدة على المستويين النظري والعملي على حد سواء، وعدم الاكتفاء بتفسير تأثيرات وسائل الإعلام على الجمهور أو القائمين بالاتصال، ولكن أيضًا وضع نماذج لطريقة عمل تلك الوسائل بهدف المساهمة في تطويرها. وإذا كان كارل ماركس قد قال "إن الفلاسفة يجب أن يسعوا إلى تغيير العالم وليس فقط تفسيره"، فإن الباحث يعتقد أنه على الباحثين كذلك أن لا يكتفوا بتفسير الواقع، بل من الضروري أن يسعوا إلى وضع دراسات علمية تساهم في تطويره.  

 مشكلة البحث

إن التطور التقني الذي غير وجه العالم في العصر الحديث، أثَّر على جميع مجالات الحياة تقريبًا وغيَّر ملامحها، وإذا كان هناك مجال يمكنه النجاة من هذا التغير وتجنبه، فبالتأكيد لن يكون الإعلام الذي يعد واحدًا من أسرع المجالات تطورًا.

وقد أدى هذا التطور الكبير، وتوفر التكنولوجيا الرخيصة على نطاق واسع -وخصوصا تلك المتعلقة بالإنترنت والهواتف الذكية- إلى اتساع الجمهور المتابع لوسائل الإعلام بشكل ملفت. الأمر الذي دفع المؤسسات الإعلامية إلى محاولة الوصول إلى هذا الجمهور عبر كل الوسائل والمنصات الممكنة، وأصبح الهدف الأساسي هو وصول الرسالة للمستهلك بغض النظر عن الوسيلة المستخدمة.

وقد فرض هذا الواقع على المؤسسات الإعلامية بمختلف أشكالها إنشاء منصات متعددة وتحقيق حالة من التكامل بين تلك المنصات. وهنا لا يمكن اعتبار التكامل مجرد نشر لمحتوى المنصات التقليدية على نظيرتها الجديدة، ولكنه يتعدى هذا المفهوم ليدلل على عملية معقدة تتطلب تغييرًا في بينة غرفة الأخبار وطبيعة العمل فيها، بل وحتى في المهارات التي يجب توفرها في القائم بالاتصال.

وتتمثل مشكلة البحث في محاولة تحديد الطريقة أو النموذج الذي تدير به مؤسسة إعلامية منصاتها المتعددة من حيث إنتاج المحتوى في غرفة الأخبار، وتأثيره على بنيتها الشكلية، وطريقة تدفق المواد عبر المنصات المختلفة، وأيضا مدى تكامل تلك المنصات وتفاعلها خلال عملية البث.

 واختار الباحث مؤسسة الجزيرة مباشر الإعلامية لقياس كل ما سبق، نظرًا لكونها تتمتع بتنوع في المنصات يسمح للباحث بالوصول إلى نموذج واضح يُظهِر حالة التكامل بين تلك المنصات التي تتمتع بمتابعة واسعة في العالم العربي وأنحاء متفرقة من العالم. كما اختار الباحث قناة الجزيرة مباشرة لأنه يعمل بها، الأمر الذي ساعده على تجاوز الكثير من العقبات وإجراء دراسة متعمقة في غرقة الأخبار.

أسئلة البحث

السؤال الرئيسي للبحث: ما حجم وطبيعة التكامل بين المنصات المختلفة في غرفة أخبار الجزيرة مباشر؟ وإلى أي حد يساعد نموذج عمل منصاتها (القناة التلفزيونية وموقع الإنترنت وحسابات يوتيوب وفيس بوك وتويتر وإنستغرام وواتس آب وتلغرام) على تحقيق التكامل اللازم لإنتاج ونشر الرسائل الإعلامية والحصول على رجع الصدى (feedback)؟  

ومن خلال هذا السؤال يجيب البحث على عدد من الأسئلة الفرعية، حيث يقيس حجم التعاون بين المنصات المختلفة في غرفة أخبار الجزيرة مباشر في مرحلة إنتاج المحتوى، وطريقة تدفق المواد الإعلامية في هذه المرحلة والحصول على رجع الصدى. كما يسعى لقياس حالة التكامل بين تلك المنصات في مرحلة البث، والترويج المتبادل فيما بينها، وكيفية استفادة كل منصة من نظيراتها في ذات المؤسسة، ورسم نموذج لكل ما سبق. كما يهدف البحث إلى قياس تأثير حالة التكامل بين المنصات على البنية الشكلية لغرفة الأخبار في الجزيرة مباشر. ويسعى إلى إعطاء تفسيرات لمستوى التعاون بين المنصات المختلفة وأسباب زيادته أحيانًا بين بعض المنصات ونقصه بين منصات أخرى. كما يسعى لفهم الإطار المركزي الذي تعمل من خلاله غرفة أخبار الجزيرة مباشر.

أهداف البحث

بناء على ما سبق يمكن تلخيص أهداف البحث فيما يلي:

- تحديد وتفسير حجم التكامل بين المنصات المختلفة في غرفة أخبار الجزيرة مباشر.

- الكشف عن نوع غرفة أخبار الجزيرة مباشر من حيث درجة التكامل فيها.

- تحديد النطاق المركزي (public domains) الذي تعمل من خلاله غرفة أخبار الجزيرة مباشر.

- رسم نموذج لعملية سير العمل (workflow) وتدفق المواد بين تلك المنصات.

 منهج البحث 

اعتمد الباحث على أداتين أساسيتين لجمع المعلومات هما: تحليل المضمون والملاحظة الإثنوغرافية. حيث استخدم تحليل المضمون في عملية جمع المعلومات الأولية بشأن حجم ونسب تدفق المواد عبر المنصات المختلفة للجزيرة مباشر في مرحلتي الإنتاج والبث. بينما استخدم الباحث الملاحظة الإثنوغرافية في فهم الطريقة التي تتدفق من خلالها تلك المواد عبر المنصات، بهدف الوصول إلى نموذج يوضح طريقة سيل العمل بين المنصات المختلفة داخل مؤسسة الجزيرة مباشر.

تحليل المضمون هو أداة قياس كمي مفيدة في تحليل الكم الكبير من المعلومات (Budd, Thorp & Donohew, 1967). واعتمد الباحث على أداة تحليل المضمون لرصد ما يلي:

أولًا: مصادر المواد المذاعة على الشاشة.

ثانيًّا: مصادر المواد المنشورة على الموقع الإلكتروني.

ثالثًّا: مصادر المواد المنشورة على حسابات الجزيرة مباشر على مواقع التواصل المختلفة (فيسبوك، تويتر، انستغرام، واتس آب، تلغرام).

رابعًا: نسبة المواد المرئية في منشورات الموقع. 

خامسًا: نسبة المواد المرئية في منشورات حسابات الجزيرة مباشر على مواقع التواصل (فيسبوك، تويتر، انستغرام، واتس آب، تلغرام).

وقد استخدم الباحث عددًا من وحدات القياس اختلفت باختلاف كل وسيلة، فكانت وحدة التحليل الخاصة بالقناة هي الدقيقة، والخاصة بموقع الإنترنت هي الخبر، والخاصة بمواقع التواصل هي المنشور (Post)، والخاصة بقناة اليوتيوب هي الفيديو. وقد اختار الباحث أن تمتد عينة الدراسة الزمنية إلى ستة أسابيع؛ تبدأ من مطلع فبراير/شباط 2017، وتنتهي في الخامس عشر من مارس/آذار من العام ذاته، معتبرًا أن هذه المدة كافية للوصول إلى أهداف البحث المذكورة.

وحصل الباحث على البيانات من خلال جدول بث قناة الجزيرة مباشر خلال فترة البحث (بعد أن سمحت القناة للباحث بالاطلاع عليه)، كما قام برصد يومي للموقع الإلكتروني للجزيرة مباشر وحسابات القناة على مواقع التواصل الاجتماعي ويوتيوب خلال نفس الفترة الزمنية المحددة.      

كما استخدم الباحث في جمع المعلومات طريقة الملاحظة الإثنوغرافية (Ethnographic participant observation)، والدراسات الإثنوغرافية تستهدف جمع المعلومات عن نشاط مجموعة من البشر في الطبيعة أو في حقل تجارب (Brewer, 2000)، حيث قام الباحث بمعايشة كاملة لبيئة العمل محل الدراسة، وهي هنا غرفة الأخبار المركزية في مؤسسة الجزيرة مباشر. حيث امتدت فترة الدراسة ستة أسابيع كما سبق القول؛ قام خلالها الباحث بالتواجد في غرفة الأخبار خمسة أيام أسبوعيًّا، في كل يوم أربع ساعات، بمجموع بلغ 120 ساعة. كما أجرى الباحث 20 مقابلة معمقة مع العاملين في القناة، شملت المدير العام للجزيرة مباشر واثنين من مشرفي غرفة الأخبار وستة من منتجي الهواء في القناة وخمسة من محرري الموقع بالإضافة إلى مدير الموقع وأربعة من محرري مواقع التواصل الاجتماعي ومنتير متخصص في مونتاج المواد المرئية. واستغرقت كل مقابلة نحو 25 دقيقة، وقد وجه الباحث إلى المستجوَبين أسئلة متعددة حاول من خلالها فهم الطريقة (The method) التي يتم خلالها إنتاج وتبادل الرسائل الإعلامية عبر المنصات المختلفة، والطرق التي تسلكها المواد الإعلامية الخام (raw material) قبل أن تصل إلى الجمهور. كما سعت المقابلات للوصول إلى تفسيرات للنتائج التي توصل إليها الباحث من خلال أدوات تحليل المضمون. وبناء على كل ما سبق طوَّر الباحث نموذجًا يوضح حالة التكامل وطريقة تدفق المواد في غرفة أخبار الجزيرة مباشر. 

النتائج والتوصيات

أولًا: النتائج

إن الهدف الأساسي من الدراسة يتمثل في توصيف حالة التكامل بين المنصات المتخلفة التي تمتلكها قناة الجزيرة مباشر، والوصول إلى فهم النموذج الذي تدير به المؤسسات الإعلامية منصاتها المتعددة من حيث إنتاج المحتوى في غرفة الأخبار، وتأثيره على بنيتها الشكلية، وطريقة تدفق المواد عبر المنصات المختلفة، ومدى تكامل تلك المنصات وتفاعل خلال عملية البث. وبناء عليه فإن الباحث وضع عددًا من الأهداف عمل على تحديدها من خلال البحث، وتتمثل فيما يلي:

- تحديد وتفسير حجم التكامل بين المنصات المختلفة في غرفة أخبار الجزيرة مباشر.

- الكشف عن نوع غرفة أخبار الجزيرة مباشر من حيث درجة التكامل فيها.

- تحديد الإطار المركزي (public domains) الذي تعمل من خلاله غرفة أخبار الجزيرة مباشر.

- رسم نموذج لعملية سير العمل (workflow) وتدفق المواد بين تلك المنصات.

وللوصول إلى الأهداف السابقة كان على الباحث أن يحدد أولًا الإطار النظري الذي سيعمل من خلاله، حيث وجد أن الأبحاث العلمية تناولت ظاهرة الإعلام التكاملي من خلال عدة مداخل نظرية، مثل تأثير الاندماج على القائم بالاتصال (gate keeper)، وتأثيره على الجمهور، بالإضافة إلى التغيرات الإدارية والاقتصادية الناتجة عن الاندماج، فيما ركزت مداخل نظرية على الجانب التكنولوجي في عمليات التكامل، وأخرى على الجانب الثقافي، وأخيرًا تناولت العديد من الأبحاث عملية التكامل من زاوية إنتاج وبث المحتوى، وقدمت العديد من النماذج الشارحة للطرق التي تتم من خلالها عمليات الإنتاج في غرف الأخبار المدمجة، وهو المدخل الذي اختاره الباحث لتناول ظاهرة التكامل في غرفة أخبار الجزيرة مباشر.

ولتحقيق الهدف الأول للبحث المتمثل في "تحديد وتفسير حجم التكامل بين المنصات المختلفة في غرفة أخبار الجزيرة مباشر"، كان على الباحث أولًا أن يوضح معنى التكامل ونشأة فكرته وتطورها، وعلاقة الوسائل الجديدة بالقديمة، في فصلين مستقلين، قبل أن ينتقل للحديث عن درجات التكامل بين المنصات المختلفة في غرفة الأخبار، التي اختلف الباحثون في تحديدها، وقد اختار الباحث الاعتماد على نموذج السلم الديناميكي (Dynamic Scale)، الذي وضعه (Larry Dailey ,Lori Demo & Mary Spillman)، والمكون من خمسة درجات:  تبدأ بالترويج المتبادل  cross-promotion، ثم الاستنساخ Cloning، والتعاون التنافسي Coopetition، وتبادل المحتوى content sharing، وحتى الوصول إلى حالة التكامل الشامل full convergence. وجاء اعتماد الباحث على هذا النموذج بسبب واقعيته وتنوع الخيارات داخله. مشيرًا إلى أنه يمكن وضع غرفة أخبار الجزيرة مباشر على الدرجة الرابعة من سلم التكامل الديناميكي، وهي درجة تبادل المحتوى content sharing، حيث أثبت الباحث من خلال تحليله لبيانات المنصات المختلفة أنها تتبادل المواد بعد تجهيزها، ولا تشترك في عملية تجهيز المواد الخام نفسها، وأن علاقة التكامل بين منصات الجزيرة مباشر جيدة، لكنها لم تصل إلى درجة التكامل القصوى. فقد أظهرت البيانات التي توصل إليها الباحث أن نحو (7%) من المواد التي تبثها شاشة الجزيرة مباشر يتم الحصول عليها من حسابات القناة على مواقع التواصل الاجتماعي، ونحو نسبة 6.6% فقط من المواد التي ينتجها الموقع الإلكتروني للجزيرة مباشر يتم الحصول عليها من الشاشة. أما حسابا الجزيرة مباشر على فيسبوك وتويتر فكانت نسبة المواد المنقولة عليها من الشاشة تبلغ (45.4%)، ومن موقع الجزيرة مباشر (39.5%). وبدوره نقل حساب الجزيرة مباشر على تلغرام (62.5 %) من محتواه من الشاشة و(36.2 %) من الموقع، أما حساب انستغرام فنقل (10%) من محتواه من الشاشة، و (18.3%) من حسابي الجزبرة مباشر على فيسبوك وتويتر، أما حسابا الجزيرة مباشر على يوتيوب وانستغرام فكان إنتاجهما منصب على التكامل مع إنتاج الشاشة دون غيرها من المنصات.

أما الهدف الثاني المتمثل في: "الكشف عن نوع غرفة أخبار الجزيرة مباشر من حيث درجة التكامل فيها" فتطلب أن يشرح الباحث أولًا في فصل خاص أنواع غرف الأخبار من حيث درجات التكامل داخلها، مستعرضًا آراء الباحثين في هذا الشأن. وقد اعتمد في النهاية على نموذج Dietmar Schantin (2009) الذي قسم غرف الأخبار المدمجة إلى ثلاثة أنواع رئيسية، تشبه الأجيال الثلاثة من إصدارات الإنترنت (web 1.0 - web 2.0 - web 3.0)، وأطلق Schantin على الأنواع الثلاثة: المنصات المتكاملة Integrated platforms Newsroom، والمنصات المتقاطعة Cross-media platforms Newsroom، والمنصات المتوازية Parallel platforms Newsroom.  وتوصل الباحث من خلال البيانات السابقة إلى أن غرفة أخبار الجزيرة مباشر تنتمي إلى الجيل الثاني من غرف الأخبار (0.2 Newsroom)، أو ما يطلع عليه اسم: المنصات المتقاطعة Cross-media platforms Newsroom. حيث تتعاون المنصات فيما بينها بشكل جيد، لكن دون وجود دسك مركزي يديرها بشكل كامل، حيث غالبًا ما تعمل كل منصة بنوع من الاستقلالية، لكنها تقوم بالترويج والاقتباس من المنصات الأخرى.

ولتحقيق الهدف الثالث: "تحديد الإطار المركزي (public domains) الذي تعمل من خلاله غرفة أخبار الجزيرة مباشر"، شرح الباحث هذا المفهوم ضمن فصل الإطار النظري ليكشف عن وجود ثلاثة أطر مركزية تحكم غرف الأخبار المدمجة حول العالم، حيث يتمثل النطاق المركزي للعمل في الصحف الورقية في تحقيق الانفراد الإعلامي والسبق الصحفي، بينما يظهر أن النطاق المركزي الذي يضبط مفهوم العمل في مواقع الإنترنت هو تقديم الأخبار والمعلومات للجمهور بأسرع وقت ممكن. أما النطاق المركزي للعمل التلفزيوني فيركز كثيرًا على المواد المرئية (الفيديو)، باعتبار أن الشاشة بالأساس وسيلة لنقل هذه المواد إلى الجمهور. وقد صنَّف الباحث غرفة أخبار الجزيرة مباشر على أنها من النوع الثالث الذي يمثل الفيديو (المواد المرئية) إطاره المركزي، وذلك بناء على البيانات التي حصل عليها من خلال تحليل المواد التي تم بثَّها على المنصات المختلفة للجزيرة مباشر خلال فترة البحث، والتي أظهرت أن نسبة الفيديو بلغت: (50%) في الموقع، و(58.5 %) في مواقع التواصل، و(58.5 %) في تلغرام، و(13%) في انستغرام، أما شاشة القناة وموقع يوتيوب، فنسبة الفيديو فيهما تبلغ (100%)، بحكم طبيعة وسيلة البث نفسها.  

وقبل أن يحاول الباحث تحقيق الهدف الرابع المتمثل في "رسم نموذج لعملية سير العمل (workflow) وتدفق المواد بين تلك المنصات"، نقل إسهامات الباحثين السابقة في توصيف أنوع غرف الأخبار من حيث البنية ونماذج تدفق المواد وسير العمل داخلها، متبنيًّا نموذج Schantin نفسه لكن لقياس تدفق العمل هذه المرة، حيث قسَّم هذا النموذج غرف الأخبار إلى ثلاثة أنوع: غرف تعمل بشكل متوازٍ (Parallel Platforms) وأخرى متعاونة (Cross - Media Platforms)، وثالثة مدمجة بشكل كامل (Full Integrated Platforms). واعتبر الباحث أن غرفة أخبار الجزيرة مباشر تقع في مرحلة وسط بين النموذجين الثاني والثالث، فالتكامل فيها يتجاوز مرحلة التعاون وهو أقل من مرحلة الاندماج الكامل.

 وفي النهاية رسم الباحث نموذجًا يصف طريقة تدفق العمل داخل الجزيرة مباشر، وقسَّمه إلى أربعة مراحل: حيث تتلخص المرحلة الأولى في عملية جمع المواد الخام من مصادرها الأولية المتمثلة في وكالات الأنباء (news agencies)، و قسم المهام (assignment)، وقسم التخطيط (planning). ثم تأتي المرحلة الثانية التي يتم فيها معالجة المواد الخام عن طريقة إرسالها إلى قسم تحميل المواد (media disc)، الذي ينقلها بدوره إلى قسم المونتاج (editing department) أو قسم الإبداع (creative disc) أو قسم التبادل الإخباري (operations department) لتجهيزها للبث. وفي المرحلة الثالثة تتم عملية النشر النهائي للمواد التي تم إنتاجها وتجهيزها بالفعل، وذلك عن طريق ثلاث منصات رئيسية هي: الشاشة، والموقع الإلكتروني، بالإضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، يوتيوب، انستغرام، تلغرام). أما المرحلة الرابعة فيتم خلالها عملية تبادل المواد المنشورة بالفعل على المنصات المختلفة، حيث تقوم كل منصة بنقل جزء من المواد التي نشرتها المنصات الأخرى، لتحقق بذلك درجة معقولة من التكامل.  وبشكل عام فإن الباحث اكتشف أن المواد تتدفق بشكل أكبر من المنصات التقليدية إلى منصات الإعلام الجديد، حيث يتم النظر إلى مواقع التواصل باعتبارها وسائل توزيع للمحتوى الذي تعمل المنصات التقليدية وخاصة الشاشة على إنتاجه. فعادة ما يقود المحررون المخضرمون في وسائل الإعلام التقليدية عملية إنتاج المحتوى، في حين يكون المحررون في أقسام الإعلام الجديد المسؤولين الحقيقيين عن نشره على نطاق واسع والحصول على ردود الأفعال المتعلقة به. وعادة ما تحدث نقاشات بين فريق العمل الذي يقود وسائل الإعلام التقليدية والذي يكون عادة أكثر خبرة ومهارة، وبين فريق العمل في وسائل الإعلام الجديد الذي يملك إمكانية نشر المواد على نطاق واسع والترويج لها، بحيث يكون الفريق الأول بحاجة للثاني في الترويج لعمله، والفريق الثاني بحاجة للأول في إنتاج المواد ذات القيمية العالية.

وقد أفرد الباحث بابًا خاصًا عن شبكة الجزيرة قسَّمه إلى ثلاثة فصول تناولت نشأة الشبكة والأبحاث التي تناولتها، وتأثير الشبكة والمصطلحات التي ارتبطت بها مثل "تأثير الجزيرة" (effect Al-jazeera) ، و"الموضوعية السياقية" (contextual objectivity)، وأخيرًا أفرد الباحث فصلًا خاصا عن الجزيرة مباشر من حيث النشأة والتطور وأصل الفكرة.

محدودية البحث والأبحاث المستقبلية

 إن واحدًا من أبرز أوجه القصور في البحث هو أنه تناول غرفة أخبار واحدة، فيما كانت النتائج ربما ستكون أكثر دلالة، وأكثر قابلية للتعميم، إذا ما قارن بين عدد من غرف الأخبار، وينبغي أن يقوم الباحثون في المستقبل بالمقارنة بين عدد من غرف الأخبار للوصول لنماذج أكثر دقة، خاصة في العالم العربي الذي يفتقر إلى أبحاث جادة في هذا المجال.

وينبغي أن تحلل البحوث المستقبلية أثر عملية التكامل على المضمون الذي يتم تقديمه في كل منصة من المنصات، وحجم التغيرات التي طرأت على مضمون العمل التلفزيوني بشكل خاص بعد تكامله مع المنصات الأخرى، وتحديدًا مواقع التواصل الاجتماعي. وعدم الاكتفاء بتحليل الجانب الإجرائي لعملية التكامل. وسيكون من المثير للاهتمام كذلك أن يتم تتبع مسار عملية التكامل ومستوياتها في قناة الجزيرة مباشر.

كما ينبغي أن تركز البحوث المستقبلية على تقديم نماذج عملية ومتكاملة، تفيد الباحثين والصحفيين على حد سواء، بحيث لا يكتفي الباحثون بتفسير الواقع الإعلامي، بل من الضروري أن يسعوا إلى وضع أبحاث علمية تساهم في تطويره. فالجانبان، النظري والعملي، يكمل بعضهما بعضًا لجعل البيئة الإعلامية أكثر مواءمة وفاعلية، لذلك سعى الباحث إلى تقديم نموذج يمكن أن يكون مفيدًا على المستوى العملي، مستعينًا بآراء عدد من الخبراء الإعلاميين أصحاب الخبرات العملية والنظرية في هذا المجال، في محاولة للمساهمة في سد الفجوة بين الواقع والتنظير.

ثانيًا: التوصيات

بناء على الدراسة التي قام بها الباحث في غرفة أخبار الجزيرة مباشر فإنه يوصي بالنقاط التالية:

  • تدريب جميع الأقسام على استخدام نظام (I news) بدلًا من اقتصار استخدامه على ديسك الشاشة فقط.
  • التعديل في بنية غرفة الأخبار ليصبح التواصل أكثر سهولة، فمثلًا سيكون مفيدًا أن يتحول ديسك قسم المهام ليكون بالقرب من دسك الشاشة والتخطيط.
  • تنشيط تعليقات الجمهور على الموقع الإلكتروني، أو على الأقل زيادة متابعة الصحفيين في الموقع الإلكتروني لردود الأفعال التي تثيرها الأخبار التي يقومون بإنتاجها على مواقع التواصل.
  • تفعيل دور قسم التخطيط لإفادة مواقع التواصل والموقع الإلكتروني.
  • تفعيل دور قسم المهام لإفادة الموقع الإلكتروني ومواقع التواصل.
  • السعي لقياس نسب المشاهدة للشاشة من خلال شركات متخصصة.
  • تطوير عملية الإنتاج الخاص لمواقع التواصل الاجتماعي، وتجاوز اعتبارها مجرد أداة للنشر واستقبال رجع الصدى دون الإنتاج، لتتحول إلى رافد أساسي لبقية المنصات، وبذلك يمكن تجنب السياسة التي تتبعها المنصات التقليدية لجذب جمهور مواقع التواصل الاجتماعي بنفس محتوها الذي تبثه على المنصات التقليدية.
  • تنمية المهارات التقنية للمحررين أصحاب الخبرة في الصحافة التقليدية، وفي المقابل تنمية المهارات الصحفية عند العاملين في مواقع التواصل. 

للاطلاع على النص الكامل لرسالة الماجستير (اضغط هنا)

نبذة عن الكاتب