تداعيات الصراع بين الدعم السريع والجيش على العملية السياسية بالسودان

تتناول هذه الورقة التحليلية تداعيات الصراع بين الجيش والدعم السريع على العملية السياسية بالسودان بعد أن تعاظمت المخاوف من نشوب مواجهات مسلحة بين القوتين بعد أن طفت إلى السطح خلافات بين محمد حمدان دقلو وعبد الفتاح البرهان، خلافات مرتبطة بقضايا داخلية وأخرى إقليمية.
تعاظمت المخاوف من نشوب مواجهات مسلحة بين القوتين بعد أن طفت إلى السطح خلافات بين محمد حمدان دقلو وعبد الفتاح البرهان. (الأناضول).

تصاعدت وتيرة الخلافات بين بعض قيادات الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان وشمس الدين الكباشي وياسر العطا، وبين قائد قوات الدعم السريع، حمدان دقلو، وشقيقه، عبد الرحيم دقلو(1)، بعد سلسلة من التراشقات الإعلامية خلال الأسابيع الماضية؛ حيث تطرقت إلى أبرز القضايا الخلافية المتعلقة بضرورة دمج الدعم السريع في القوات المسلحة، فضلًا عن مستقبل العملية السياسية، لاسيما النقاط المرتبطة باستكمال مسار الانتقال المدني الديمقراطي؛ بتشكيل حكومة مدنية تدير الفترة الانتقالية حتى نهايتها بإجراء انتخابات حرة ونزيهة(2).

تعاظمت المخاوف من نشوب مواجهات مسلحة بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة بعد أن طفت إلى السطح خلافات بين محمد حمدان دقلو وعبد الفتاح البرهان، خلافات مرتبطة بقضايا داخلية وأخرى إقليمية(3). بناء على ما تقدم، سوف تتناول هذه الورقة التحليلية تداعيات الصراع بين الجيش والدعم السريع على العملية السياسية بالسودان.

أولًا: الدعم السريع: النشأة والصعود والنفوذ

ليس بالأمر الحديث بالسودان الاستعانة بالميليشيات والتشكيلات العسكرية والمجموعات المسلحة غير النظامية؛ حيث شاركت تلك القوات بشكل فاعل بالحرب الأهلية في جنوب السودان: الدفاع الشعبي، وجيش السلام، والقوات الصديقة، حتى توقيع اتفاقية السلام الشامل بنيروبي(4).

وعقب اندلاع التمرد في دارفور، سنة 2003، لجأت الحكومة مجددًا إلى الاستعانة بالميليشيات المسلحة والاعتماد عليها في كثير من الأحيان؛ لعوامل واعتبارات عديدة، منها: طبيعة الحرب التي اختارتها الحركات المسلحة؛ حيث اعتمدت على إستراتيجية الحرب الخاطفة التي تقوم على قاعدة: "اضرب واهرب"، وغالبًا ما تفشل الجيوش النظامية في تحقيق انتصارات في تلك الحرب(5). ولا ينبغي أن ننسى البعد الإثني والأهلي الذي ألقى بظلاله على تلك الحروب، ويتمثل في وجود أعداد كبيرة من أبناء المجموعات التي تمردت داخل القوات المسلحة كجنود وضباط صف؛ الأمر الذي جعل الحكومة تتخوف من حدوث تمرد داخل الجيش في حال تنفيذ عمليات عسكرية تتجاوز العرف العسكري وقواعد القانون الدولي الإنساني(6).

وكان لابد من إيجاد قوات تتبع نفس الأسلوب لمواجهة الحركات المسلحة التي لجأت إلى حروب الاستنزاف؛ حيث إنها لا تقوم على السيطرة على المدن والقرى أو الاحتفاظ بها، بل على أساس إنهاك واستنزاف السلطة الحاكمة(7).

وقد تطورت الميليشيات المسلحة التي استخدمتها الحكومة في دارفور لإخماد تمرد الحركات المسلحة، بدأت من ميليشيات الجنجويد، مرورًا بقوات حرس الحدود التي تعمل تحت قيادة القوات المسلحة. وأخيرًا، في العام 2013، تم تكوين قوات الدعم السريع التي استوعبت كل عناصر قوات حرس الحدود وكل الميليشيات الأخرى بدارفور(8)؛ حيث أصبحت تتبع جهاز الأمن والمخابرات الوطني بقيادة العميد محمد حمدان دقلو. وكان ذلك أمر غريبًا؛ حيث لم يتم منح أي قائد ميليشيا رتبة عسكرية. وقد شاركت هذه القوات في معارك حاسمة؛ مما أسهم في تزايد نفوذها، كمعركة قوز دنقو في أبريل/نيسان 2015، فضلًا عن معارك مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بالنيل الأزرق وجنوب كردفان(9).

وقد صدر مرسوم في أبريل/نيسان 2016 يضع هذه القوات تحت إشراف رئيس الجمهورية القائد العام للقوات المسلحة. وفي يناير/كانون الثاني 2017، أجاز البرلمان قانون قوات الدعم السريع؛ باعتبارها قوات مستقلة تتبع لرئاسة الجمهورية(10).

وعلى أية حال، لا يمكن إخفاء الأدوار الإقليمية والدولية التي أسهمت بشكل مباشر في صعود قوات الدعم السريع والاعتراف بها، خصوصًا مع دورها في الحد من انتشار الجريمة المنظمة العابرة للحدود كالاتجار بالبشر، والهجرة غير الشرعية، لاسيما في الصحراء الكبرى عقب انهيار نظام معمر القذافي، في أكتوبر/تشرين الأول 2011. هذا فضلًا عن المشاركة الفاعلة لقوات الدعم السريع في عاصفة الحزم باليمن إلى جانب قوات التحالف العربي في مارس/آذار 2015. ولا شك أن صعود الدعم السريع مرتبط أيضًا بصراع الأجنحة داخل الحكومة السودانية؛ حيث لعب طه عثمان الحسين دورًا محوريًّا في ذلك(11).

وإبان الاحتجاجات والمظاهرات التي اندلاع في السودان منذ ديسمبر/كانون الأول 2018، وحتى سقوط نظام الرئيس عمر البشير في أبريل/نيسان 2019، وما صاحب ذلك من انحياز اللجنة الأمنية لتطلعات الشارع الساعية إلى إسقاط نظام عمر حسن البشير، فقد برز الدعم السريع داعمًا للتغيير، كما وُجِّهت له اتهامات بالمسؤولية عن مجزرة القيادة العامة في يونيو/حزيران 2019(12).

لعب محمد حمدان دقلو، الشهير بحميدتي، دورًا محوريًّا في التفاوض الذي أدي إلى التوقيع على الوثيقة الدستورية، في أغسطس/آب 2019، وبعدها دخول المكون العسكري (الجيش والدعم) والقوى السياسية (قوى الحرية والتغيير) في شراكة بكل مستويات الحكم. أيضًا استطاع قائد قوات الدعم، محمد حمدان دقلو، أن يسهم بشكل مباشر في إنجاح المباحثات التي جرت في عاصمة دولة جنوب السودان، جوبا، وأسفرت عن توقيع اتفاقية سلام السودان بين حكومة الفترة الانتقالية والحركات المسلحة (العدل والمساواة- جيش تحرير السودان قيادة مني أركو مناوي، التحالف السوداني تحالف حركات التحرير)، في أكتوبر/تشرين الأول 2020. كذلك استطاع الدعم السريع تكوين إمبراطورية اقتصادية من خلال الاتجار بالذهب والسيطرة على مناجم جبل عامر وسنقو ونهر النيل والنيل الأزرق وجنوب كردفان، فضلًا عن الشركات المرتبطة بالإنشاءات والمقاولات(13).

ثانيًا: نقاط الخلاف بين الدعم السريع والجيش

في يونيو/حزيران 2021، أطلق رئيس الوزراء السوداني المستقيل، عبد الله حمدوك، مبادرة من أجل تحصين مسار الانتقال المدني الديمقراطي؛ حيث أكد على ضرورة إصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية وتجاوز نقاط الخلاف؛ مما يؤكد أن نقاط الخلاف قديمة متجددة(14)، وأبرز تلك النقاط:

  1. دمج الدعم السريع في الجيش

تم التوقيع على الاتفاق الإطاري بين المكون العسكري "الجيش والدعم السريع" والقوى السياسية "قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي" في الخامس من ديسمبر/كانون الأول 2022، وكان من أهم بنوده خطة للإصلاح الأمني والعسكري، التي يفترض أن تتم عبر مؤتمر تشارك فيه القوى السياسية والمدنية والحركات المسلحة الموقِّعة على اتفاقية جوبا للسلام، على أن يتحقق ذلك من خلال الشروع في عملية الدمج والتسريح لعناصر الدعم السريع وقوات الحركات المسلحة، وفي الوقت نفسه أشار الاتفاق الإطاري إلى أن رئيس الدولة هو القائد الأعلى لقوات الدعم السريع(15).

ويرى بعض المحللين أن الخلاف بين البرهان وحميدتي إنما هو حول المستقبل السياسي لكليهما، ويتبين ذلك من خلال مطالبة البرهان بدمج الدعم السريع في الجيش شرطًا للاستمرار في العملية السياسية. وبالرغم من أن ذلك أشارت إليه الاتفاقية الإطارية، لكن الجداول الزمنية لم يتم الاتفاق عليها، وربما ستكون مدخلًا لخلافات أعمق، وفي نفس السياق طالب الدعم السريع بهيكلة وإصلاح الجيش كما نصَّت اتفاقية جوبا للسلام(16).

ويرى البعض أن دمج الدعم السريع يعني فقدان حميدتي وقادة الدعم السريع للمكتسبات التي تراكمت منذ صعوده أواخر عهد الرئيس المعزول، عمر البشير، فضلًا عن المخاطر التي تهدده جرَّاء ذلك، كإمكانية محاكمته في اتهامات تتعلق بالجرائم والانتهاكات في دارفور والنيل الأزرق وفض اعتصام القيادة العامة 2019. ولن تكون عملية دمج الدعم السريع يسيرة، فهي لا تتعلق بوضع خطة فنية فقط، ولا حتى توافر الاعتمادات المالية، بل هي مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بموقع قادته، لاسيما محمد حمدان دقلو في المشهد السياسي(17).

  1.  العملية السياسية

منذ الوهلة الأولى، أكد محمد حمدان دقلو دعمه العملية السياسية وتسليم السلطة إلى حكومة مدنية. وبناء على ذلك، يمكن القول إنه في محاولة مستمرة للحصول على شرعية واعتراف من قبل القوى السياسية حتى يستمر فاعلًا في المشهد السياسي. وفي سبيل ذلك، بني شبكة من التحالفات السياسية، تارة مع الجيش وأخرى مع قوى إعلان الحرية والتغيير، وعلى إثر ذلك حقق مكاسب سياسية كبيرة؛ حيث أكد في مناسبات عديدة ضرورة تسليم السلطة للمدنيين، وعدم السماح بالتعرض للمتظاهرين، كما أكد ندمه على المشاركة في انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021(18).

ولعل مصلحة حميدتي في مطالبته بانتقال السلطة إلى المدنيين هي الحصول على اعتراف القوى السياسية به شريكًا في الانتقال، والعمل معهم لمواجهة ضغوط القوات المسلحة. ومنذ تشكيل الحكومة الانتقالية الأولى، بدأ حميدتي أولى خطواته نحو تثبيت دعائم السيطرة على الخدمة المدنية، وذلك بالسيطرة على العمل العام والموظفين، لاسيما في قطاع المعلمين وعمال الكهرباء(19).

وقد كشفت بعض التقارير أن هناك عددًا من الموظفين يعملون مع حميدتي؛ حيث إنه يوظف حوالى ثمانية آلاف شخص في تخصصات مختلفة، ويعملون في شركات تجارية وصناعية وإعلامية وفي منظمات مدنية، وينال هؤلاء الموظفون حوالي ستة آلاف دولار. وتأتي مخاوف الجيش من هذا التطور خصوصًا أن الدعم السريع لديه علاقات مميزة مع الحركات المسلحة الموقِّعة على اتفاق سلام السودان بجوبا، فضلًا عن تقديم نفسه على أنه خصم للإسلاميين، مع أنه يغازلهم أحيانًا. إلا أن جوهر الخلاف في سياق الاتفاق الإطاري يكمن في أن الدعم السريع بقيادة حميدتي متمسك بتشكيل حكومة مدنية محدودة، فيما يتمسك الجيش بتشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة وذات توافق وطني(20).

ثالثا: الدور الخارجي

يُنظر إلى الدول العربية، مثل مصر والإمارات العربية المتحدة، على أنها حليفة لمجمل القوى العسكرية الحاكمة في السودان بقيادة البرهان وحميدتي معًا؛ لذا فمواقف هذه الدول تتباين في حال الخلاف بين الرجلين. كما يُعتقد أن مصر بشكل خاص أبرز حلفاء المؤسسة العسكرية، وتزايد هذا التوجه بعد تولي الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، السلطة. ولن يُنسى مشهد تأدية البرهان التحية العسكرية للسيسي في القاهرة؛ فقد فُهم من تلك الصورة أنها تعكس حميمية العلاقة بين الطرفين، ويقول باتريك سميث محرر مجلة "أفريكا كونفيدنشيل" (Africa confidential): إن المصريين يفضلون البرهان بسبب تلقي تدريباته العسكرية في القاهرة(21).

بالرغم من أن الولايات المتحدة الأميركية أقرب للقوى المدنية السودانية، وهي تدعم التحول الديمقراطي، لكن مع احتمال نشوب صراع بين الجيش والدعم السريع فإن موقفها سيكون حاسمًا لصالح الجيش؛ حيث تسعى القاهرة لتعزيز علاقة واشنطن بالقوى الداعمة البرهان عبر صلاح قوش، مدير المخابرات الأسبق، الذي يعيش في القاهرة(22).

أما العلاقات بين عبد الفتاح البرهان ودولتي الإمارات السعودية فهي مميزة وذات تعاون مشترك في مجالات مختلفة، إلا أن العلاقة بين محمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع، مع الإمارات العربية المتحدة ذات خصوصية؛ حيث يُصدِّر الدعم السريع الذهبَ إليها، وهي صادرات تقدر قيمتها بمبلغ 16 مليار دولار سنويًّا. يسيطر حميدتي وأسرته على مناجم الذهب في دارفور عبر شركة الجنيد، التي تستثمر أموالًا طائلة تجعل حميدتي على الأرجح أغنى رجل في السودان(23).

وفي فبراير/شباط 2022، أجرى قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، زيارة استغرقت أسبوعًا إلى موسكو؛ حيث تناولت المباحثات مع الروس إعادة النظر في اتفاقية إنشاء قاعدة روسية في السودان. ويتضمن الاتفاق العسكري بين السودان وروسيا السماح بإنشاء قاعدة بحرية يصل قوامها إلى 300 جندي روسي، مع الاحتفاظ بأربع سفن بحرية، بما في ذلك السفن التي تعمل بالطاقة النووية في ميناء بورتسودان. وبذلك تضمن القاعدة وجودًا دائمًا للبحرية الروسية في البحر الأحمر ولمدة 25 عامًا مع تمديد تلقائي لمدة عشرة أعوام، في مقابل تزويد السودان بالأسلحة والمعدات العسكرية، ويعتبر التعدين من مصالح روسيا الإستراتيجية بالسودان(24).

وفي العام 2019، وقَّع محمد حمدان دقلو عقدًا بقيمة ستة ملايين دولار مع شركة علاقات عامة لصاحبها آري بن منشه، وهو ضابط مخابرات إسرائيلي سابق، وهو على وثيقة بجماعات الضغط واللوبيات بكندا، وتذهب بعض التقارير إلى أنه يعمل لصالح الدعم السريع السودانية داخل المؤسسات الإسرائيلية والدولية. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أشارت تقارير إعلامية إلى أن قوات الدعم السريع حصلت على أنظمة وتقنيات تجسس حديثة من إسرائيل، كما أكدت أن قوات الدعم السريع من أهم الداعمين لمسار التطبيع والتوقيع على الاتفاقيات الإبراهيمية بين السودان وإسرائيل(25).

رابعًا: السيناريوهات المتوقعة

بعد أسابيع من الخلافات والتصعيد، التقى عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو وقوى الحرية والتغيير، وتم التوافق على تشكيل لجنة عسكرية مشتركة لإدارة الأوضاع الأمنية بالبلاد؛ مما يفتح الباب لاستكمال العملية السياسية بعد الجمود الذي عرفته علاقة الطرفين العسكريين وذلك بإثر التباين في وجهات النظر بين الجيش والدعم السريع(26).

وعلى ضوء ما سبق، نحاول طرح سيناريوهات متوقعة، وهي على النحو التالي:

السيناريو الأول

ويعني استكمال مسار العملية السياسية، والسير قدمًا في ملف الدمج والتسريح لاسيما فيما يتعلق بقوات الدعم السريع والحركات المسلحة الموقِّعة على اتفاقية جوبا للسلام في إطار خطة أوسع لإصلاح مؤسسات القطاع العسكري والأمني، حتى الوصول إلى جيش قومي ذي عقيدة قتالية. ومن أجل الوصول إلى ذلك تعتمد القوى السياسية والمدنية على الضغوط الدولية المتزايدة، والتي تشمل فرض عقوبات على قيادات الدعم السريع والشركات التابعة لها والعاملة في قطاعات واسعة كالتعدين والإنشاءات والطرق والجسور وغيرها. ومن خلال هذه السيناريو، يستطيع محمد حمدان دقلو أن يظل فاعلًا سياسيًّا، وذلك عبر تكوين حزب سياسي والاستعانة بالتحالفات التي نسجها محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، والفوز بالانتخابات المقبلة.

السيناريو الثاني

ويعني حدوث مواجهات مسلحة واسعة النطاق، وحرب مدن بالخرطوم وغيرها، بعد وصول تعزيزات عسكرية من قبل قوات الدعم السريع، وانتشار عسكري واسع من قبل القوات المسلحة، وزيادة نقاط الارتكاز والتفتيش بمدن العاصمة، الخرطوم. وستكون نتائج ذلك إما سيطرة الدعم السريع على السلطة بالبلاد، ولن يتم ذلك إلا بالسيطرة على القوات المسلحة وإبعاد قياداتها الحالية التي لديها تحفظ إزاء الدعم السريع وشرعيته، أو انتصار الجيش على الدعم السريع، ومن بعده تصفيته وإدماج بعض عناصره في الجيش، وتقديم قياداته إلى محاكمات عسكرية بتهم تقويض النظام الدستوري، والتمرد على الدولة، كما حدث عند نشوء تمرد هيئة العمليات بجهاز الأمن والمخابرات، في يناير/كانون الثاني 2020.

السيناريو الثالث

ويعني استمرار قوات الدعم السريع كيانًا مستقلًّا عن الجيش قد يعلب دورًا سياسيًّا مؤثرًا، وذلك من خلال الشراكات والاتفاقات مع بعض قيادات الجيش، فضلًا عن العلاقات المميزة مع القوى السياسية والأهلية، والطرق الصوفية، والإدارات الأهلية، لاسيما بعد تصريح حميدتي الأخير بأن المشاركة في انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 خطأ وأنه ونادم على ذلك؛ وهذا يعني تبني استكمال مسار العملية السياسية، وتسليم السلطة إلى المدنيين. ويهدف محمد حمدان دقلو من خلال ذلك إلى الحصول على الشرعية والاعتراف به وبقوات الدعم السريع مستقلة عن الجيش، حتى يحافظ على مكاسبه ومكاسب القوى المتحالفة معه، وحتى تتسنى له مواجهة قيادات القوات المسلحة.

خاتمة

ينبغي التأكيد على أن القطاع العسكري والأمني بالسودان بحاجة إلى إصلاح شامل، فقد أكدت اتفاقية سلام السودان بجوبا وكذلك الاتفاق الإطاري على ذلك، لكن يبدو أن الكثير من قيادات الجيش والدعم السريع، وحتى بعض القوى السياسية والمدنية، لا ترغب في تنفيذ ذلك. وهذا يعني أن تشكيل جيش قومي ذي عقيدة قتالية يدافع عن الحدود ويحقق الأمن القومي السوداني، وإدماج الدعم السريع وغيره من المجموعات المسلحة في جيش قومي يضعف الدعم السريع، ويحد من نفوذه وصعوده، وهو ما يعني تلاشي مكاسبه لصالح الدولة، فضلًا عن ذلك يجعل مشاريع بعض القوى الإقليمية والدولية تتراجع في إفريقيا، لاسيما الإمارات العربية المتحدة وروسيا. لذا فإن مسألة دمج الدعم السريع في الجيش قضية معقدة وذات أبعاد إقليمية ودولية، وتنفيذ دمجها بحاجة إلى إرادة وعزيمة، وهذا ما لا يتوافر لدى جميع أطراف الأزمة.

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1) انظر: خلاف الجنرالين... سيناريوهات ما بعد الانفراد بالمشهد، موقع صحيفة الراكوبة الإلكترونية، 26 فبراير/شباط 2023، (تاريخ الدخول: 10 مارس/آذار 2023)، https://bit.ly/3JGXRX0

(2) انظر: تقرير صحيفة واشنطن بوست: صراع النفوذ يتصاعد بين البرهان وحميدتي بالسودان، موقع الخليج الجديد، 24 أكتوبر/تشرين الأول 2022، (تاريخ الدخول: 10 مارس/آذار 2023)، https://bit.ly/40dcbvM

(3) شمائل النور، كيف صعد زعيم ميليشيا إلى سدة الحكم في السودان، صحيفة السفير العربي، 17 يوليو/تموز 2019، (تاريخ الدخول: 10 مارس/آذار 2023): https://bit.ly/3llDRjt

(4) شمائل النور، المصدر نفسه.

(5) انظر: بعد خلافات حميدتي والبرهان.. إليك أبرز حلفاء الرجلين ومن الأقوى واحتمالات المواجهة بين الجيش والدعم السريع، موقع عربي بوست، 21 فبراير/شباط 2023، (تاريخ الدخول: 10 مارس/آذار 2023)، https://bit.ly/3lc9RXj

(6) المصدر نفسه.

(7) انظر: مساع لتطويق الخلاف بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان، موقع صحيفة العرب، 7 مارس/آذار 2023، (تاريخ الدخول: 11 مارس/آذار 2023)، https://bit.ly/3Jt9ZKa

(8) محمد مصطفى جامع، السودان: حرب كلامية بين الجيش والدعم السريع أم مسرحية جديدة؟، 6 مارس/آذار 2023، (تاريخ الدخول: 11 مارس/آذار 2023)، https://bit.ly/3ZYj58M

(9) المصدر نفسه.

(10) انظر: حرب كلامية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، موقع الشرق الأوسط، 26 فبراير/شباط 2023، (تاريخ الدخول: 12 مارس/آذار 2023)، https://bit.ly/3JJQMoQ

(11) المصدر نفسه.

(12) إسماعيل محمد علي، الدعم السريع والجيش السوداني... صراع مكتوم أم هدوء مرهون؟، 10 يونيو/حزيران 2021، (تاريخ الدخول: 12 مارس/آذار 2023)، https://bit.ly/3Lt5CRN

(13) المصدر نفسه.

(14) الصادق الرزيقي، أصل الصراع بين الجيش والدعم السريع، صحيفة الدكش نيوز، 28 فبراير/شباط 2023، (تاريخ الدخول: 12 مارس/آذار 2023)، https://bit.ly/3Tmfj6u

(15) المصدر نفسه.

(16) انظر: الجيش والدعم السريع.. من يحاول الإيقاع بينهما؟، موقع صحيفة الصيحة، 2 مارس/آذار 2023، (تاريخ الدخول: 12 مارس/آذار 2023)،  https://www.assayha.net/138508/

(17) المصدر نفسه.

(18) انظر: البرهان يشترط دمج الدعم السريع في الجيش.. رسائل سياسية وعسكرية ودولية، موقع الجزيرة نت، 17 فبراير/شباط 2023، (تاريخ الدخول: 13 مارس/آذار 2023): https://bit.ly/3JGtlN5

(19) المصدر نفسه.

(20) عبد الحميد عوض، البرهان وحميدتي على نهائي الكأس، باج نيوز، 28 فبراير/شباط 2023، (تاريخ الدخول: 13 مارس/آذار 2023)، https://bit.ly/3JJCeW8

(21) المصدر نفسه.

(22) انظر: ما هي الملفات التي أشعلت خلافات البرهان وحميدتي؟، موقع صحيفة سودان تربيون، 21 فبراير/شباط 2023، (تاريخ الدخول: 13 مارس/آذار 2023)،     https://sudantribune.net/article271135/

(23) المصدر نفسه.

(24) عباس محمد صالح، توقيع الاتفاق الإطار في السودان: مستقبل التسوية السياسية وتحديات المراحل المقبلة، مركز الجزيرة للدراسات، 21 ديسمبر/كانون الأول 2022، (تاريخ الدخول: 14 مارس/آذار 2023)،

https://studies.aljazeera.net/ar/article/5511

(25) المصدر نفسه.

(26) محمد تورشين، التسوية القادمة ووضعية الدعم السريع، صحيفة الميثاق، 30 أبريل/نيسان 2022، (تاريخ الدخول: 15 مارس/آذار 2023): https://almeithaq.com/archives/11327