انتخابات الإعادة في تركيا: هل تكون فوزًا مؤجلًا لأردوغان؟

تأتي انتخابات الإعادة بين أردوغان وكليتشدار أوغلو في الـ 28 من مايو/أيار 2023، ليكون الأعلى أصواتًا بينهما الرئيس المقبل لتركيا. ولا تسمح المدة القصيرة التي تفصل بين الموعدين بحملة انتخابية تقليدية وشاملة. في هذه المدة الوجيزة ستُبنى إستراتيجية المرشحَيْن على مبدأ الحفاظ على أصوات الجولة الأولى ومحاولة كسب أصوات جديدة عبر التأثير على فئة المترددين و/أو الذي قاطعوا الجولة الأولى، فضلًا عمن صوتوا للمرشح الثالث، سنان أوغان.
هذه هي الانتخابات الرئاسية الثالثة التي يخوضها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان (غيتي)هذه هي الانتخابات الرئاسية الثالثة التي يخوضها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان (غيتي)

أعلنت اللجنة العليا للانتخابات في تركيا عن النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية والتشريعية التي منحت أغلبية البرلمان لتحالف الجمهور الحاكم، دون أن تحسم انتخابات الرئاسة ما دعا للاحتكام لجولة إعادة بعد أسبوعين.

تشكِّل انتخابات الإعادة استحقاقًا مستقلًّا قائمًا بذاته لا يبني على الجولة الأولى الاعتيادية، بما يعني نظريًّا احتمال تغير النتيجة بشكل جذري لصالح أحد الطرفين، تحديدًا الخاسر منهما. بيد أن الرئيس التركي يملك أفضلية ملحوظة في جولة الإعادة تجعل كفته ترجح كثيرًا على كفة منافسه، تبعًا لعدة عوامل تشير إليها الورقة.

يعني ذلك أن تحالف الشعب المعارض سيكون بعد انتخابات الإعادة أمام سيناريو خسارة كل من الرئاسة والبرلمان، بعد أن كان يطمح للفوز بالرئاسة من الجولة الأولى وبأغلبية مريحة في البرلمان تمكِّنه من تحقيق الهدف الذي تشكَّل لأجله وهو العودة بالبلاد للنظام البرلماني؛ ما يفتح الباب على انعكاسات هذه الهزيمة، من حيث تماسك التحالف ووحدته من جهة، وارتدادات النتائج داخل بعض الأحزاب وفي المقدمة منها الشعب الجمهوري من جهة ثانية.

مقدمة

هذه هي الانتخابات الرئاسية الثالثة التي يخوضها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان. في 2014، فاز أردوغان بالرئاسة من الجولة الأولى وبفارق كبير عن منافسيه بعد حصوله على نسبة 51.79%من الأصوات، متقدمًا على المرشح التوافقي لحزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية، أكمل الدين إحسان أوغلو، الذي حصل على نسبة 38.4%، ومرشح حزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين دميرتاش، الذي حصل على نسبة 9.7% من الأصوات(1).

وفي 2018، فاز أردوغان كذلك من الجولة الأولى بعد حصوله على نسبة 52.5% من الأصوات، متقدمًا على أقرب منافسيه مرشح حزب الشعب الجمهوري، محرم إينجه، الذي حصل على نسبة 30.6%، ثم مرشح الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين دميرتاش، الذي حصل على 8.4%(2).

في الانتخابات الحالية، فرضت التحالفات الانتخابية نفسها بشكل ملحوظ؛ حيث كان المرشحون الرئاسيون الأربعة انعكاسًا لمنظومة التحالفات القائمة؛ فتنافس أردوغان، مرشح تحالف الجمهور الحاكم، وكمال كليتشدار أوغلو، مرشح تحالف الشعب المعارض، ومحرم إينجه، رئيس حزب البلد، وسنان أوغان، مرشح تحالف الأجداد اليميني(3).

جدول رقم 1: نتائج الانتخابات الرئاسية(4)

المرشح

التحالف

نسبة التصويت (مئوية)

عدد الأصوات

رجب طيب أردوغان

الجمهور

49.5

27088360

كمال كليتشدار أوغلو

الشعب

44.89

24568196

سنان أوغان

الأجداد

5.17

2829634

محرم إينجه(5)

حزب البلد (بدون تحالف)

0.44

238690

 

جدول رقم 2: نتائج الانتخابات البرلمانية(6)

التحالفات والأحزاب

نسبة التصويت (%)

عدد مقاعد البرلمان

تحالف الجمهور

49.46

322

حزب العدالة والتنمية

35.58

267

حزب الحركة القومية

10.07

50

حزب الرفاه مجددًا

2.82

5

حزب الاتحاد الكبير

0.99

0

تحالف الشعب

35.02

213

حزب الشعب الجمهوري

25.33

169

الحزب الجيد

9.69

44

تحالف العمل والحرية

10.54

65

حزب اليسار الأخضر

8.81

61

حزب العمل التركي

1.73

4

تحالف الأجداد

2.43

0

حزب النصر

2.23

0

حزب العدالة

0.20

0

تحالف اتحاد القوى الاشتراكية

0.29

0

حزب اليسار

0.14

0

الحزب الشيوعي التركي

0.12

0

الحركة الشيوعية التركية

0.03

0

في الانتخابات الرئاسية، لم يستطع أي من المرشحين الثلاثة تجاوز نسبة 50% من الأصوات في الجولة الأولى، فأعلنت اللجنة العليا للانتخابات عن إجراء جولة إعادة في الثامن والعشرين من الشهر الجاري(7).

أظهرت النتائج الأولية تقدم الرئيس أردوغان في الانتخابات الرئاسية وحزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية رغم تراجعهما عن نتائج انتخابات عام 2018؛ حيث تراجع أردوغان بنسبة 3% والحزب بنسبة 7%.

ثبَّتت النتائج توازنًا نسبيًّا بين التحالف الحاكم والمعارضة بشقَّيْها، تحالف الشعب وتحالف العمل والحرية، حيث حصل تحالف الجمهور على أغلبية بسيطة فقط في البرلمان وبتراجع 22 مقعدًا، كما أنها المرة الأولى التي لا يحسم فيها الرئيس التركي الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى، فضلًا عن أن كليتشدار أوغلو حقق نسبة غير مسبوقة أمام أردوغان.

ومن المؤشرات المهمة لمخرجات الانتخابات تفوق كليتشدار أوغلو على أردوغان في عدد مهم من المدن الكبرى، في مقدمتها إسطنبول وأنقرة، بينما تقدم العدالة والتنمية وتحالف الجمهور في معظمها بما فيها إسطنبول وأنقرة كذلك؛ ما يعني أن السبب الرئيس لتفوق كليتشدار أوغلو فيها هو منظومة التحالفات، ولاسيما "الصوت الكردي" أو أنصار حزب الشعوب الديمقراطي.

جولة إعادة

ستنظم انتخابات الإعادة بين أردوغان وكليتشدار أوغلو في الـ 28 من الشهر الحالي أي بعد أسبوعين من الجولة الأولى، ليكون الأعلى أصواتًا بينهما الرئيس المقبل لتركيا. المدة القصيرة التي تفصل بين الموعدين لا تسمح بحملة انتخابية تقليدية وشاملة. في هذه المدة الوجيزة ستُبنى إستراتيجية المرشحَيْن على مبدأ الحفاظ على أصوات الجولة الأولى ومحاولة كسب أصوات جديدة عبر التأثير على فئة المترددين و/أو الذي قاطعوا الجولة الأولى، فضلًا عمن صوتوا للمرشح الثالث، سنان أوغان. بيد أن نسبة المشاركة المرتفعة جدًّا، والتي بلغت قريبًا من 90%(8)، لا تمنح المتنافسَيْن مجالًا واسعًا للمناورة فيما يتعلق بالمقاطعين.

العوامل التقليدية المؤثرة في تصويت الناخبين، من اقتصاد وزلزال ولاجئين ومنظومة التحالفات وما إلى ذلك(9)، تبقى ماثلة، لكنها ضعيفة التأثير في شرائح جديدة، لاسيما مع ضيق الوقت. لذلك يجدر البحث في عوامل مستجدة، بعد إعلان النتائج، قد تملك تأثيرًا أكبر.

ثمة عوامل قد ترجِّح الكفة لصالح كليتشدار أوغلو أو على أقل تقدير يمكن أن يحاول الاستفادة منها، في مقدمتها محاولة إقناع الناخبين بضرورة التوازن بين السلطات، بحيث يكون الرئيس من تحالف وأغلبية البرلمان من تحالف آخر، وبالتالي ضرورة انتخابه لئلا يتفرد تحالف الجمهور بالرئاسة والبرلمان معًا.

ورغم أن كليتشدار أوغلو لم يفز بالانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى كما كان يطمح وكما أظهرت بعض استطلاعات الرأي غير الدقيقة، إلا أنه حقق نتيجة غير مسبوقة بالنسبة للمعارضة من حيث نسبة التصويت (44.8%) وكذلك منع أردوغان من الفوز من الجولة الأولى. قد يشكِّل ذلك دافعًا لأنصاره في جولة الإعادة، كما أن الفرصة ما زالت قائمة أمامه للفوز بالرئاسة خصوصًا إذا ما حصل تراخٍ وعزوف بين أنصار الرئيس التركي في الإعادة.

أما الفرصة الأفضل التي تتبدى أمام كليتشدار أوغلو فهي محاولة كسب أنصار جدد، مثل أنصار المرشح المنسحب، محرم إينجه، حيث لم يكن تعامله مع انسحاب الأخير مشجعًا لهم على ذلك(10)، فضلًا عن إمكانية التفاهم مع المرشح الثالث، سنان أوغان، الذي حصل على نسبة 5% تبدو كافية نظريًّا لتعديل الكفة مع أردوغان في حال صوَّت جميع أنصاره لصالح كليتشدار أوغلو.

في المقابل، ثمة عوامل لصالح أردوغان أو يمكن له استثمارها. أولها: الفارق الكبير في الأصوات عن كليتشدار أوغلو في الجولة الأولى، فليس من السهل على الأخير الحصول على مليونين ونصف مليون صوت خلال أسبوعين.

كما أن فوز تحالف الجمهور بأغلبية البرلمان يعد عاملًا مهمًّا لصالح الرئيس التركي. سيبني الأخير جزءًا مهمًّا من خطابه خلال الحملة الانتخابية على ضرورة التناغم -لا التوازن- بين الرئاسة والبرلمان تجنبًا للصدام والأزمات المحتملة. وهي سردية ستلقى تجاوبًا لدى كثير من الناخبين؛ إذ إن التصويت لصالح أردوغان ينم عن تقديمهم مبدأ الاستقرار على التجديد.

كما أن لهذه النتيجة تأثيرات إيجابية على معنويات التحالف الحاكم وسلبية على تحالف المعارضة ومعسكر كليتشدار أوغلو، وقد بدأت بعض مؤشرات ذلك من خلال استقالات في حزبَيْ الشعب الجمهوري والجيد(11).

إضافة لذلك، يتوقع أن تكون المشاركة في جولة الإعادة أقل من الجولة الأولى. فأتراك الخارج يواجهون تحديات لوجستية تتعلق ببُعد مراكز التصويت ومشقة التنقل وكلفته، وفي الداخل يواجه الناخبون في مناطق الزلزال صعوبات مشابهة. كما أن دوافع أنصار حزب الشعوب الديمقراطي والأحزاب المنضوية في تحالف الشعب ستكون أقل في جولة الإعادة بعد انتهاء معركة البرلمان.

أخيرًا، لا نرجح أن يكون لأوغان تأثير كبير في جولة الإعادة، فهو لا يملك كتلة تصويتية يمكنه التحكم بتوجهاتها؛ إذ إن جزءًا غير يسير ممن صوتوا له هم من الرافضين لكل من أردوغان وكليتشدار أوغلو أو من الذين انضموا له بعد انسحاب إينجه. كما أن خلفيته وأنصارِه القوميةَ قد تحول دون تصويتهم لكليتشدار أوغلو بسبب تعاونه مع الشعوب الديمقراطي، حتى ولو دعاهم أوغان لذلك. وعليه، فمن صوتوا لأوغان في الجولة الأولى أقرب لمقاطعة الإعادة أو التصويت لأردوغان من التصويت لخصمه.

سيحرص كل من أردوغان وكليتشدار أوغلو على لقاء أوغان ومحاولة إقناعه بدعم أحدهما في جولة الإعادة، وقد تواصل الطرفان معه فعلًا لكن سقف شروطه المرتفع(12) ومسارعته لطرحها قبل يوم الاقتراع قد يحولان دون إمكانية تفاهمه مع أي منهما وبالتالي التزام الحياد مرحليًّا.

أحد أهم نقاط ضعف كليتشدار أوغلو في جولة الإعادة أن فوز التحالف الحاكم بأغلبية البرلمان يفقده عمود حملته الانتخابية والفكرة الأهم التي أُنشئ التحالف من أجلها، وهي إعادة النظام البرلماني في البلاد والتي لم تعد ممكنة. كما أنه سيحتاج لتعديل خطاب رحيل النظام القائم والحلول مكانه لخطاب التعاون مع البرلمان إن فاز بالرئاسة. هذا التغير الراديكالي في الرؤية والخطاب والأسلوب لن يكون سهلًا ومن الصعب أن يؤتي أكله في الوقت القصير المتاح، فضلًا عن أنه قد يُغضب بعض أنصار الرجل ويدفعهم للعزوف عن المشاركة في الانتخابات.

وفي الخلاصة، وبالنظر لمجمل العوامل المؤثرة في اتجاهات التصويت في جولة الإعادة، تبدو فرص الرئيس التركي أوفر بكثير من خصمه، بل قد يكفيه الاحتفاظ بالأصوات التي حصل عليها في الجولة الأولى خصوصًا إذا ضمن عدم دعم أوغان لخصمه بالحد الأدنى.

خاتمة

لم تَحسِم جولة الانتخابات الأخيرة السؤال الأهم المتعلق باسم الرئيس المقبل للبلاد، والتي تُحكَم وفق نظام رئاسي يمنح منصب الرئيس صلاحيات واسعة جدًّا. يملك أردوغان فرصة كبيرة في الفوز بولاية إضافية بالاستفادة من عدة عوامل في مقدمتها نتائج الانتخابات التشريعية وتركيبة البرلمان المقبل.

وقد أغلقت النتائج الصادرة ملف العودة للنظام البرلماني، المشروع الرئيس لكليتشدار أوغلو وعموم المعارضة، لسنوات خمس قادمة بالحد الأدنى. كما أنها تفتتح مرحلة جديدة في الحياة السياسية التركية؛ حيث يتوقع أن يكون لخسارة المعارضة تداعيات مهمة على صعيد تماسك الطاولة السداسية واستقرار بعض الأحزاب، لاسيما إذا ما فاز أردوغان بالرئاسة في الإعادة.

كما سيكون على الأخير والحزب الحاكم القيام بمراجعات حقيقية للبحث في أسباب التراجع المستمر في درجة تأييدهم بين الناخبين في السنوات الأخيرة والعمل على التجاوب مع التصويت الاحتجاجي الذي تكرر في الانتخابات الأخيرة.

نبذة عن الكاتب

مراجع
  1. تركيا: رجب طيب أردوغان يفوز في الانتخابات الرئاسية بغالبية الأصوات، فرانس 24، 10 أغسطس/آب 2014 (تاريخ الدخول: 16 مايو/أيار 2023)، https://bit.ly/3MxkChD
  2. النتائج النهائية للانتخابات التركية: أردوغان رئيسًا والعدالة والتنمية يتصدر البرلمان، وكالة أنباء الأناضول، 4 يوليو/تموز 2018، (تاريخ الدخول: 16 مايو/أيار 2018)، https://bit.ly/3WaeJdq
  3. سعيد الحاج، الانتخابات التركية: حملات ساخنة وفرص متقاربة، مركز الجزيرة للدراسات، 10 مايو/أيار 2023، (تاريخ الدخول: 16 مايو/أيار 2023)، https://bit.ly/3MzFSDe
  4. حسب النتائج الأولية، بينما ستصدر النتائج الرسمية النهاية بعد البت في الطعون المقدمة للجنة العليا للانتخابات خلال أيام.
  5. انسحب محرم إينجه من السباق الرئاسي بعد أن أقرت اللجنة العليا للانتخابات القائمة النهائية للمرشحين، وبعد أن بدأ التصويت لأتراك الخارج.
  6. حسب النتائج الأولية، بينما ستصدر النتائج الرسمية النهاية بعد البت في الطعون المقدمة للجنة العليا للانتخابات خلال أيام.
  7. انتخابات تركيا.. جولة إعادة بين أردوغان وكليتشدار أوغلو في 28 مايو، الجزيرة نت، 15 مايو/أيار 2023، (تاريخ الدخول: 16 مايو/أيار 2023)، https://bit.ly/3MdlFC4 
  8. المصدر السابق.
  9. سعيد الحاج، العوامل المؤثرة في نتائج الانتخابات التركية، الجزيرة نت، 25 أبريل/نيسان 2023، (تاريخ الدخول: 16 مايو/أيار 2023)، https://bit.ly/42G7dcx
  10. أول تعليق من أردوغان على انسحاب محرم إينجه.. ماذا قال كليتشدار أوغلو؟، عربي 21، 11 مايو/أيار 2023، (تاريخ الدخول: 16 مايو/أيار 2023)، https://bit.ly/3MbJQRd
  11. استقالة نائب مرشح المعارضة التركية كلجدار أوغلو على خلفية نتائج الانتخابات، العربي الجديد، 16 مايو/أيار 2023، (تاريخ الدخول: 16 مايو/أيار 2023)، https://bit.ly/42Z1BtQ
  12. صانع الملوك في تركيا يضع 5 شروط قبل دعمه لأي من المرشحين المتنافسين.. ما هي؟، رأي اليوم، 16 مايو/أيار 2023، (تاريخ الدخول: 16 مايو/أيار 2023)، https://bit.ly/3OdnDVt