مقدمة
ما زالت القضية الفلسطينية مدار الاهتمام الإعلامي منذ بداية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وقد شكَّل إطار الصراع محور قراءات عديدة ومتنوعة، لكن المُلاحَظ هو أن أشكاله قد عرفت تطورًا بدءًا بالمواجهة بالسلاح وصولًا إلى أشكال جديدة ساحتها ليست الواقع المعيش بقدر ما هو الواقع الافتراضي.
على هذا الأساس لا يُمكن بأي حال من الأحوال تجاهل تأثير ظهور تكنولوجيا الاتصال الحديثة التي أحدثت ثورة في تغطية هذا الصراع. وقد أصبحت سرعة تدفُّق المعلومات وانتشارها الواسع عبر شبكات التواصل الاجتماعي تجذب انتباه الجمهور الراغب في متابعة الأخبار المتعلقة بالإطار موضوع الحديث، بل إنها ومن جهة مقابلة لهذا الانتقال النوعي في التأطير تظهر النتائج على مستوى التلقي؛ إذ يؤثر استعمال وسائل التواصل الاجتماعي على قرارات السياسة المتعلقة بالصراع في ضوء ما يتوافر من المعلومات وتلقي الرأي العام لها.
أما على مستوى الأكاديميا، فركزت مجموعة كبيرة من المؤلفات المتوافرة حول تغطية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي إما على مصادر الاتصال التقليدية، مثل: التليفزيون والراديو والصحف، أو منصات التواصل الاجتماعي بما في ذلك منصتا فيسبوك وتويتر وغيرها(1)، لكن وبالرغم مما توافر من معطيات، فإن مسألة العدوان الرقمي ظلت قليلة التناول في الدراسات العلمية.
إن هذا الوضع الذي اصطلحنا عليه في هذه الدراسة بالعدوان الرقمي أو الحرب على السردية الفلسطينية قد نبَّه إليه بعض الباحثين، لكن دون تسمية مباشرة تتعلق بحذف المحتوى بل بعدم توافر إمكانية إجراء عمليات بحث عبر محركات بحث محلي. فعلى سبيل المثال، انتظر الفلسطينيون إلى حدود شهر أغسطس/آب عام 2009 عندما أطلقت شركة غوغل موقع (Google.ps)، وهو محرك البحث المحلي في فلسطين، مما سمح للفلسطينيين بتلقي نتائج بحث محلية من الأراضي الفلسطينية. أما في السابق، أي قبل 2009، فكان على مستخدمي الإنترنت الفلسطينيين الانتقال إلى مواقع (Google.jo) أو (Google.eg) أو (Google.co.il) لإجراء عمليات بحث محلية باللغة العربية ولتفادي عجزهم والتضييق على حريتهم في استقصاء المعلومات بالرغم من أنه في عام 2000 مُنحت فلسطين الوضع الرسمي على الإنترنت من خلال اسم المجال الوطني أو ما يُسمَّى (Country code top level domain) الذي يرمز إليه اختصارًا بـ(CcTld). وهذا من شأنه أن يوضح مدى صعوبة استخدام الإنترنت في الفضاء الفلسطيني(2) .
في هذا السياق، تحاول الدراسة التعاملَ مع مسألة حذف المحتوى الفلسطيني في شبكات التواصل الاجتماعي من مدخل نظرية التأطير الإعلامي مع التركيز على أساليب هذا الحذف ومداخله والأسس التي تتحكَّم فيه، والكيفيات التي يحاول بها الفلسطينيون تحدي إجراءات هذه الشبكات، ومواصلة نضالهم ضمن إطار الصراع المتواصل في الزمان وانتقاله إلى أماكن وفضاءات جديدة (الإنترنت) وما يرتبط بها من مواقع ووسائط أصبحت اليوم تشهد إقبالًا واسع النطاق من قِبَل الرأي العام العالمي.
1. اعتبارات منهجية
خلفية الدراسة ومشكلتها
تشير جملة من الدراسات ذات الطابع الإحصائي والتحليلي، لاسيما التي أُنتِجت في الفضاء الناطق بغير العربية والمعنية بمتابعة تراكمات ظاهرة الرقمنة وعلاقتها بما هو إنساني تأثيرًا وتأثُّرًا، إلى حقيقة مفادها أن العالم شهد على امتداد السنوات القليلة الماضية توسعًا بالغ الأهمية على مستوى تأثير الإنترنت باعتبارها وسيلة لنشر المعلومات نشرًا بلغ فيما بلغ درجة تحدي وسائل الإعلام التقليدية وما يحف بها من الضوابط التي تفرضها حكومة ما، أو أي سلطة بالمعنى العام، لها تأثير على المنطوق التعبيري للفرد أو الجماعة بحسب سياسة ما يُراد لها أن ترسخ في الفضاء العمومي.
إن هذا التأثير المتزايد والمشار إليه في ثنايا الكلام سابقًا هو في واقع الأمر يتأتى بشكل مباشر من النمو الحاصل في عدد مستخدمي الإنترنت حول العالم؛ إذ إن أكثر من ملياريْ شخص لديهم الآن إمكانية الوصول إلى الإنترنت واعتمادها وسيلة من وسائل مباشرة الواقع ونقله من منظور ما أو حتى الحكم عليه نقدًا واستشرافًا لنماذج جديدة في تسييره، سواء أكان ذلك من مدخل يتم فيه تجزئة الموجود أو العمل عليه بما هو كلٌّ.
وبالرغم مما قد يبدو من تعاظم في استخدام الإنترنت، والوسائل المرتبطة بها مثل شبكات التواصل الاجتماعي، فإنه لا مراء في تقلص هامش الحقوق والحريات الأساسية ذات الصلة باستخدام هذه الوسائل والإنترنت بشكل عام. ذلك أن واقع الحال اليوم يشير بجلاء إلى أن عددًا كبيرًا من الأشخاص يستخدمون الإنترنت للتواصل، أو الحصول على المعلومات، أو الاختلاط بالآخرين من غير مواطنيهم وبلدانهم ودون قيد الجغرافيا والمكان، أو حتى لممارسة التجارة والأعمال ذات الطابع الربحي. ومع ذلك كثفت الحكومات، وكل ما يمكن تصنيفه في عداد السلطة، جهودها لتنظيم واقع الإنترنت، وفي بعض الحالات قد يصل الأمر بما هو في عداد السلطة تقديرًا أو تعيينًا إلى السيطرة الصارمة والكلية على الإنترنت، وكل ما يرتبط بها من وسائط وأدوات، ومن ثم الحريات التابعة لها ولاستخدامها.
يثير هذا الواقع ملاحظة ذات صلة بالخطاب الواصف للظاهرة أعلاه تتجلى فيما رُصد من زيادة في عدد التقارير عن ظواهر من قبيل حجب المواقع الإلكترونية، أو إغلاقها إغلاقًا كليًّا، والتلاعب بمحتوى المواد المنشورة في علاقة بموضوع هو مدار رفض من السلطة، وكذلك شنِّ حملات على المدونين واعتقالهم وسجنهم، ومن ثم خرق حرية التعبير والرأي.
في هذا السياق، وقصد مزيد إلقاء الضوء على طبيعة هذا التضييق على حرية التعبير أو الحرية الرقمية أو الحرية على النت، أو حرية الإنترنت في خيار ترجمة ممكنة للمعادل الإنجليزي (Freedom on the Net)، بما هي مصطلحات مرادفة لحرية التعبير وشكل من أشكالها الممكنة في عصر الرقمنة هذا، أجرت مؤسسة فريدوم هاوس دراسة شاملة في العام 2011 عن حرية الإنترنت في 37 دولة حول العالم، وفي العام 2022 بلغ عدد الدول التي كان محورًا للدراسة 70 بلدًا(3). وليست هذه التقارير سوى امتداد لتصور سابق في الزمن؛ إذ تم نشر نسخة تجريبية سابقة في العام 2009 بعنوان: "الحرية على النت: تقييم عالمي للإنترنت والوسائط الرقمية". وقد غطت النسخة الأولى إحصائيًّا عينة تتكوَّن من 15 دولة، وهو ما يعني أن مسائل الاعتداء على الحقوق والحريات الرقمية أصبحت في مقدمة مشكلات الأبحاث والدراسات ووجب الانتباه إليها والاهتمام بها باعتبارها ظاهرة قابلة للدراسات بالنظر إلى توافر عناصر الطابع الإشكالي فيها وكذلك ملامحه الدالة عليه(4).
وعلى الرغم مما تشير إليه هذه الدراسات كل واحدة من جهتها إلى أن التهديدات لحرية الإنترنت في تزايد مستمر، وهي على درجة واسعة من التنوع وكذلك إلى معارضة مستخدمي الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لهذه التهديدات مما دفع بكثير منهم إلى البحث عن طرق لتجاوز هذه القيود واستخدام قوة المنصات الجديدة القائمة على الإنترنت والإقبال المتزايد عليها قصد الترويج لديمقراطية أكثر في التعبير وأكثر ارتباطًا بحقوق الإنسان، إلا أن تلك الدراسات اتسمت بالاختصار من حيث العينة المدروسة، بل غيَّبت بشكل صارخ قضية الحرية الرقمية في فلسطين، حيث لا إحالة عليها لا تصريحًا ولا تلميحًا(5).
ولسائل أن يسأل عن الكيفية التي يتم من خلالها كتمان حرية التعبير عبر الوسائل الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي من منظور داخلي. ثم إن هذا المنظور المعتمد بشكل أساسي في الأدبيات الغربية الناطقة بالألمانية تحت مسمى (Innenperspektive)، والسائد في الدراسات الكمية والنوعية على حد سواء، من شأنه الكشف عن عمق المدى الإشكالي للقضية المطروحة، وهو ما يقابل حركة السعي التي يعتمدها الباحث لفهم عناصر تكوين ما من الداخل حتى إذا ما باشر حركتها في سياقاتٍ ما فهم ما لها وما عليها في هذه العناصر في مجمل التكوين وما جعلها تكون على ذلك النحو بتوافر الأسباب.
من منظور داخلي يقوم المتحكِّمون في شبكة الإنترنت بحملة لتقسيم الإنترنت المفتوح إلى ما يمكن أن نُسمِّيه خليطًا من الجيوب القمعية، وبموجب ذلك تمارس الحكومات -وكل من يمكن أن يلعب دورًا رقابيًّا بالمفهوم الفوكوي نسبة إلى الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو (Michel Foucault)- أكثر من أي وقت مضى فعلَ السيطرة على ما يمكن للأشخاص الوصول إليه ومشاركته عبر الإنترنت عن طريق حظر مواقع الويب الأجنبية، وتخزين البيانات الشخصية، وتركيز البنية التحتية التقنية لبلدانهم لتكون موائمة لهذه الاتجاهات؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى تراجع حرية الإنترنت العالمية. وقد وصلت الرقابة على الإنترنت إلى أعلى مستوياتها، وذلك مع قيام عدد قياسي من الحكومات بحظر المحتوى السياسي أو الاجتماعي أو الديني. وغالبًا ما تُستهدف مصادر المعلومات الموجودة خارج حدودها بشكل كبير، لأن هذه المصادر قد تلعب دورين متلازمين هما تهييج الداخل، والتشهير به ثانيًا على نطاق خارجي.
ومن منظور إحصائي، يعيش أكثر من ثلثي مستخدمي الإنترنت في العالم الآن في بلدان تُعاقب فيها السلطات الأشخاص لممارستهم حقهم في حرية التعبير على الإنترنت. كما أن المثير للقلق أن هذه الانتهاكات المعادية للديمقراطية ليست العامل الوحيد وراء انقسام الإنترنت إلى قطاعات مسموحة وأخرى محظورة؛ إذ من الواضح أن بعض الحكومات تزرع مساحة رقمية محلية تُهيمِن فيها الروايات التي تدعمها الدولة، وتُقمَع فيها وسائل الإعلام المستقلة والمجتمع المدني والأصوات المهمشة بسهولة أكبر.
ويتزايد القلق والطابع الإشكالي في القضية المطروحة عمومًا بمجرد الانتباه إلى وجود أطراف هم في العادة غير مرتبطين مباشرة بسلطة الرقابة فيساهمون عن غير قصد في الحواجز من خلال جهودهم لمعالجة المعلومات المُضَلِّلة وحماية بيانات المستخدم وردع الجرائم الإلكترونية. ومهما كانت الأهداف والغايات التي تحكم أي فعل رقابي مقصود أو غير مقصود، فإن ذلك يؤدي إلى التجزئة المتزايدة للإنترنت، وتترتب عنه عواقب وخيمة على الحقوق الأساسية من جهة، وتعميق سلطة المشرفين الذين يسعون بشكل دائم إلى احتواء المعارضة عبر الإنترنت من خلال منع المواطنين من الوصول إلى مصادر المعلومات العالمية من جهة أخرى. ولكي يكون الطابع الإشكالي لمعالجة القضية المدروسة أكثر وضوحًا وجب التنبيه إلى أن مسألة كتمان الحرية هي جزء من منافسة عالمية متعددة الأوجه للسيطرة على المجال الرقمي. ومن هذا المنطلق، يمكن القول: إن واقع التضييق هو أكثر حدة وإشكالية في علاقته بالقضية الفلسطينية التي تواجه أشد أنواع التضييق وأكثر أشكال القيود على الحقوق والحريات(6).
وفي قراءة من مدخل حقوقي، يمكن القول: إن جميع هذه القيود المفروضة تشكِّل انتهاكًا واضحًا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يُقنِّن الحق في أن "لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود"(7).
ومما لا شك في قيمته الجوهرية أن مسألة الحقوق الرقمية تُعد امتدادًا لحقوق الإنسان وفلسفتها والإيتيقا التي تحكمها. فهذه الحقوق تتنزَّل -كما ذُكِر آنفًا- ضمن السياق التطوري الذي يخضع إليه فعل الوجود الإنساني، والذي يترجم من مدخل الزمانية، وهو تعبير صريح عن حاجة إنسانية ماسَّة في عصر الرقمنة الذي يجب ألا يكون حكرًا على مجموعة دون أخرى، وأن يلحق ما هو إنساني في كليته بعيدًا عن منطق التجزئة الفردية.
وفي هذا الإطار، لابد من الإشارة إلى أن القانون يحتاج إلى تكييف لحماية الحقوق الأساسية وضمانها. فالحقوق الرقمية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بحرية التعبير والخصوصية؛ إذ إنها اليوم تتنزَّل منزلة الضرورة التي تسمح للأشخاص بالوصول إلى الوسائط الرقمية واستخدامها وإنشائها ونشرها، فضلًا عن الوصول إلى أجهزة الكمبيوتر والأجهزة الإلكترونية الأخرى وشبكات الاتصالات واستخدامها(8).
على هذا الأساس، يجب أن تكون هذه الحقوق -في فلسفتها وفي ضبطها التشريعي- معترفًا بها ومحمية بموجب القوانين والمعاهدات الدولية. فقد أقرت الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان عددًا من القرارات التي تنص على أن نفس الحقوق التي يتمتع بها الناس في العالم الواقعي، يتوجب حمايتها أيضًا على الإنترنت. ويشمل هذا المصطلح الحق في حرية التعبير، والحق في الخصوصية، والحق في التحرر من الرقابة على الإنترنت، والحق في الوصول إلى شبكة الإنترنت التي تشكِّل في مجملها المفاهيم الأساسية للحريات الرقمية وفلسفتها، وجزءًا لا يتجزأ من حقوق الإنسان على عكس ما يذهب إليه كثيرون في اعتقادهم(9).
وبالرغم من أهمية هذه الحقوق ووضوحها إلا أن شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت تواصل حربها ضد المحتوى الفلسطيني، من خلال حظر وإغلاق معظم الصفحات الفلسطينية التي تنقل الرواية الفلسطينية، وتفضح ممارسات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين. وحتى الدراسات التي تتناول مسألة الحرية الرقمية -كما أسلفنا الذكر- لا تشير إلى فلسطين، وتنتهج منهج الاختصار وعدم التوضيح.
انطلاقًا مما سبق بيانه يتضح بجلاء عمق المدى الإشكالي لمسألة العدوان على الحقوق الرقمية الفلسطينية. فالظاهرة مركَّبة إلى حد التعقيد في خصوصيتها الفلسطينية وفي علاقتها بقضية الحريات الرقمية والتحكُّم فيها عمومًا.
أسئلة الدراسة
تنطلق الدراسة من مجموعة من الأسئلة الموجِّهة لأبعاد المشكلة البحثية، والتي نلخّصها في:
- ما الحقوق الرقمية؟ وكيف تعبِّر عن مشكلة بحثية، وعن تطور في منظومة الحقوق والحريات الإنسانية؟
- كيف تتجلى أهمية استخدام الفلسطينيين لشبكات التواصل الاجتماعي في الدفاع عن حقوقهم وقضيتهم؟
- ما دوافع حذف وحجب المحتوى الفلسطيني على شبكة الإنترنت؟
- ما الإستراتيجيات المُوجِّهة للحذف وفيم تتمثَّل الأساليب المتبعة لتحقيق تلك الإستراتيجيات؟
- ما الجهات التي تدفع شبكات التواصل الاجتماعي لاتخاذ هذه القرارات؟
- ما الأدوات والأساليب والخطوات التي يجب اتخاذها لوقف هذا العدوان على المحتوى الرقمي الفلسطيني؟
- إلى أي مدى يمكن الحديث عن إستراتيجيات دفاعية يعتمدها الفلسطينيون لممارسة حقهم في التعبير عبر شبكات التواصل الاجتماعي؟
أهمية وأهداف الدراسة
تكمن أهمية الدراسة في كونها تهدف إلى:
- تسليط الضوء على منصات التواصل الاجتماعي (فيسبوك، وإنستغرام، وتويتر) في علاقتها بالقضية الفلسطينية وحرية التعبير التي ترافق هذه القضية.
- شرح مجمل الأساليب والآليات التي تعتمدها هذه المنصات في الرقابة على المحتوى الفلسطيني بكل أشكاله وحجب وإغلاق الحسابات، وذلك من خلال أرقام وإحصاءات وأمثلة لحسابات فلسطينية تم حجبها.
- تجاوز النقص الحاصل في المعطيات المتعلقة بالحريات الرقمية في فلسطين، والتي تكاد تكون ثغرة في الدراسات غير منتبه إليها أو مسكوتًا عنها لسبب من الأسباب.
منهجية الدراسة
تعتمد الدراسة المنهجَ الكيفي والكمي التحليلي من خلال دراسة محتوى حسابات فلسطينية وإسرائيلية حكومية وغير حكومية، والاستعانة بنظرية الإطار الإعلامي التي تقوم على تفسير الأحداث ومحاولة التنبؤ بها، وتساعد أيضًا في الكشف عن الطرق والآليات التي استخدمتها هذه الحسابات، سواء أكانت فلسطينية أو إسرائيلية، في تأطير القضايا والأخبار التي تنشرها. وتجدر الإشارة إلى أن الحاجة المنهجية إلى نظرية التأطير تنبع من كونها تهدف إلى تحديد المخططات التي يدرك من خلالها الأفراد العالم. ويتضح ذلك بجلاء بتتبُّع جذور هذه النظرية التي غالبًا ما تُعزى إلى عالم الاجتماع، إيرفينغ غوفمان (Erving Goffman)، الذي اعتبر أن النماذج أو التصاميم التفسيرية تشكِّل عناصر مركزية للتجربة اليومية في العالم. وبهذا تساعد الأطر على تقليل تعقيد المعلومات في علاقتها بتفسير الواقع وإعادة بنائه. ومن هذا المنطلق، فليس من المستغرب إذن أن تصبح نظرية التأطير مهمة لمجموعة متنوعة من القطاعات داخل مجتمع الإعلام اليوم، لاسيما أن العديد من الباحثين الإعلاميين يرونها مفيدة لتحليل الاختلالات وهياكل السلطة الكامنة التي تتحكَّم في الكثير من القضايا المتداولة في الواقع(10).
ولتحري مزيد من الدقة في الضبط المنهجي للدراسة نشير إلى أن الإطار المتَّبع في قراءة العدوان على الحقوق الرقمية الفلسطينية هو إطار الصراع الذي يتناول القضايا المتعلقة بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي والتطورات على أرض الواقع، وكذلك إطار الاهتمامات الإنسانية المتعلقة بالقضايا الإنسانية والاجتماعية الفلسطينية المختلفة، ثم الإطار الإستراتيجي قصد تسليط الضوء على مدارات المشكلة وتحليلها تحليلًا ذا إضافة.
2. أشكال العدوان الرقمي على المحتوى الفلسطيني
يُعد ظهور شبكات التواصل الاجتماعي من أحدث وأهم مظاهر الثورة الرقمية وتقنيات الاتصال التي كانت، منذ عدة عقود، إيذانًا ببداية حقبة ما بعد الصناعة، أي عصر المعلومات. وقد رافق هذا الظهور على نطاق عالمي سهولة في الانتشار بطريقة غير مسبوقة، ولُوحظ ذلك في السنوات الأخيرة من خلال الارتفاع السريع لتصنيع الأجهزة المحمولة المتصلة بالإنترنت كالحواسيب وأجيال الهواتف الذكية.
وأدى هذا الواقع إلى فرض واقع آخر تمثَّل في اعتماد هذه الوسائل قنوات للمعرفة، ومنابر للتصريح بالرأي وبالكلمة الحرة المبنية على رغبة الشخص فيما يريد أن يكون. وبهذه الحال أصبح كل فعل تعبيري تواصلي منخرطًا في سياق حرية التعبير، ويوضح ذلك مدى الإقبال على الوسائط الرقمية؛ إذ بقدر ما يتعاظم الإقبال تتكاثف الحاجة إلى فضاء حر يُعطي لكل فعل تواصلي معناه ضمن أفق التغيير الرقمي.
على هذا الأساس ومن منظور إحصائي، وبالنسبة إلى العديد من الأشخاص حول العالم، يمكن القول: إن وسائل التواصل الاجتماعي مثَّلت المصدر الرئيسي للمعلومات. ففي عام 2016، حصل 62% من المواطنين الأميركيين على أخبارهم من وسائل التواصل الاجتماعي بنسبة 44% من فيسبوك وحده(11).
وضمن هذا الإطار الإحصائي نفسه ووفقًا لدراسة أجريت على حوالي 5 آلاف شاب من 26 دولة، فإن شبكات التواصل الاجتماعي تجاوزت بالفعل التليفزيون كمصدر رئيسي للمعلومات لدى هذه الفئة(12).
إن هذا التحول المذهل في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من شأنه أن يكون له تأثير على جميع جوانب الحياة، كالتعليم والاقتصاد والسياسة. وقد أدى تطور طرق الاتصالات والحوسبة وتخزين البيانات إلى تغييرات جذرية في مفاهيم الخصوصية والهوية والحقوق والحريات والحدود الوطنية.
ولفهم هذا الوضع المتحول والأنساق المتحكمة فيه، يكفي الانتباه على سبيل المثال إلى أن استعمال موقعي تويتر وفيسبوك يجعل من صوت المستخدمين مسموعًا مع السماح لهم بالاتصال بتكلفة أقل، وبخصوصية أكبر والتواصل مع بعضهم البعض بشكل مباشر أكثر من أي وقت مضى. هذا فضلًا عن أن إخفاء الهوية الممكن تقنيًّا، أي باسم بديل عن الاسم الشخصي الحقيقي، على شبكات التواصل الاجتماعي، يمكن أن يتيح أكثر من إمكان لممارسة الخصوصية. بينما يعتبره بعض الدارسين خيارًا تقنيًّا حاملًا لتناقض داخلي، ويتيح استعمالات تجمع في عمقها بين المباح والمحظور من منظور إيتيقي إذا ما افترضنا جدلًا أن استخدام شبكات التواصل الاجتماعي خاضع لإيتيقا ما قبلية يلتزم بها المستخدم. ولسائل أن يسأل عن هذه الازدواجية، وفي هذا الصدد يمكن القول: إن الخيار التقني المتمثِّل في إخفاء الهوية يمكن أن يشجع أولئك الذين ينشرون خطاب الكراهية، وكذلك أولئك الذين يحاربون الأنظمة الاستبدادية دون خوف من الانتقام على نشر خطابه.
وفي المحصلة يمكن القول: إن استخدامات شبكات التواصل الاجتماعي تنبني على خفايا وممكنات لا يمكن الحسم في أمرها، ولعل ذلك ما يُغري بمزيد متابعة دورها في ظل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي؛ إذ توفر فرصًا جديدة لأولئك الذين يسعون إلى تعطيل نظام ما من خلال الاستفادة من الانفتاح المتأصل في الفضاء السيبراني. كما يمكن أن تُستغل شبكات التواصل الاجتماعي سلاحًا للتجنيد والدعاية. وقد تستخدم للتأثير في الديمقراطيات والكشف عن تهافتها، وتهافت الروايات الرسمية حولها، ونقد عمل المؤسسات، وكذلك لإظهار مدى تدخل الهامش في الشأن العام وفي حركة فاعلية المركز، هذا فضلًا عن تأطير أحداث الواقع اليومي المعيش إعلاميًّا بدرجة تفوق تغطية وسائل الإعلام التقليدية لها. هذا بشكل عام، أما في علاقة بموضوع الدراسة فيمكن الافتراض أن إطار الصراع عبر شبكات التواصل الاجتماعي أكثر إشكالية وأشد خصوصية مما يؤهله إلى مرتبة المعطى التحليلي. من هذا المنطلق تتساءل الدراسة -واضعة في اعتبارها البعد الإشكالي لاستخدام شبكات التواصل الاجتماعي- عن مظاهر العدوان الرقمي على الفلسطينيين من داخل إطار الصراع؟
أثناء الاعتداءات الإسرائيلية التي استهدفت الفلسطينيين، في حي الشيخ جراح وباب العمود والمسجد الأقصى، في شهر مايو/أيار 2021، ندد العديد من الأصوات بـ"الرقابة" على المحتوى المؤيد للفلسطينيين عبر شبكات التواصل الاجتماعي. في هذا الإطار، تعرض موقع فيسبوك، على وجه الخصوص، لانتقادات بسبب حذفه العديد من المنشورات المؤيدة للفلسطينيين دون إبداء أسباب مقنعة. وتحت وسم (هاشتاغ) "فيسبوك يحجب القدس"، خاض نشطاء وصحفيون فلسطينيون حملة ضد عملاق شبكات التواصل الاجتماعي الأميركي المتهم بمحو المحتوى المؤيد للفلسطينيين من منصته عبر خوارزمياته.
إن إدارات مواقع التواصل لها سلطة رقابية كبيرة على المحتوى المنشور عبر صفحات مستخدميها، وتكتسب في ممارسة هذه الرقابة مشروعية من خلال ما تقرُّه من شروط الاستخدام التي يقتضي استعمال شبكات التواصل الاجتماعي الالتزام المسبق بها والموافقة عليها. ولئن اختلفت هذه الشروط من موقع ومن وسيط إلى آخر فإنها تتفق إجمالًا على الحق في مراجعة المحتوى أو حذف أي مضمون أو حساب يخالف سياسة الاستخدام(13).
فما مظاهر هذا التحكُّم في المحتوى الفلسطيني وكيف يمكن قراءته ضمن أفق نظرية التأطير الإعلامي أو بالأحرى عبر الأطر المتحكِّمة في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي؟
يرصد الجدول رقم (1) استنادًا إلى وثائق من الصحافة العالمية ووكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية مجموعة منتخبة من مظاهر التدخل العدواني على المحتوى الفلسطيني، سواء أكان هذا المحتوى صادرًا عن أفراد أو جهات رسمية فلسطينية أو داعمة لفلسطين. وتجدر الإشارة إلى أن اختيار هذه الأحداث أخذ بعين الاعتبار شهرتها وما فيها من تنوع على مستوى وسائل الرقابة وطبيعتها، هذا فضلًا عن قابليتها للتحليل ضمن إطار الصراع. كما تجدر الإشارة إلى أن التحليل ينطلق من الخاص بمعنى الحالة المذكورة مشارًا إليها بحسب عددها الترتيبي ومن ثم الوصول إلى العام قصد إظهار الأنساق التي تدير هذا التحكُّم. كما يجب أن نضع في الاعتبار وجود حالات فردية متفرقة في الزمان والمكان ليست معلومة. وقد تم اقتباس نظام الجدولة هذا عن تقرير الوكالة الفلسطينية للأنباء والمعلومات (جدول تقييد حرية الصحافة لسنة 2018).
جدول (1): نماذج لمظاهر قمع المحتوى الفلسطيني
م |
التاريخ |
الإجراء الرقابي |
الوسيط التواصلي |
1 |
1 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 |
حذف محتوى يُوثِّق لعنف الشرطة |
فيسبوك |
2 |
11 أكتوبر/تشرين الأول 2015 |
حذف قناة حركة حماس بناء على طلب من الخارجية الإسرائيلية |
يوتيوب |
3 |
16 أبريل/نيسان 2016 |
إغلاق موقع تويتر لحساب المتحدث الرسمي باسم كتائب القسام |
تويتر |
4 |
مطلع العام 2017 |
إغلاق 90 صفحة تابعة لحركة المقاومة الفلسطينية |
فيسبوك |
5 |
2012 |
حجب الرسائل بناء على تشريعات دولة الاحتلال |
تويتر |
6 |
4 ديسمبر/كانون الأول 2021 |
حذف مقطع فيديو نشرته الصحفية، كريستين ريناوي، يُظهر قوات الأمن الإسرائيلية في القدس وهي تطلق النار على رجل فلسطيني ملقى على الأرض |
فيسبوك |
7 |
2021 |
وفقًا لمركز صدى سوشيال، الذي يعنى بتوثيق الانتهاكات الرقمية ضد المحتوى الفلسطيني، تم حذف 600 حساب |
فيسبوك |
8 |
3 ديسمبر/كانون الأول 2018 |
حذف مقاطع فيديو صورها الصحفي محمد غفري |
فيسبوك |
9 |
غير محدد |
قسم "الإنترنت" في وزارة العدل الإسرائيلية يبلغ عن المحتوى الذي يعتبره ضارًّا |
فيسبوك وتويتر ويوتيوب |
* ملاحظة: لا تلتزم هذه النماذج بكرونولوجية أحداث ومظاهر قمع المحتوى الفلسطيني بقدر ما تُعنى بإبراز أشكال العدوان الرقمي، أما عن الزمانية فإنها متأصلة في قدم الصراع؛ إذ ليس الغرض رصد الاعتداءات عبر الزمن بل النظر في طبيعة الاعتداءات وأنماطها.
3. البنى الحاكمة للعدوان الرقمي وتشكُّل إطار الصراع
نلاحظ من خلال الجدول السابق، ووفقًا لقراءة عامة، أن شبكات التواصل الاجتماعي، وعلى اختلاف منصاتها وأهدافها، تتبع سياسة واحدة مشتركة في تعاملها مع المحتوى الفلسطيني. ولئن تنوعت هذه السياسة في مضامينها كالحذف في الحالات (1 و2 و6 و7)، أو الحجب في الحالة (5)، أو الإغلاق في الحالات (3 و4)، أو الإبلاغ في الحالة (9)، فإنها جميعًا تدل على عمل إقصائي رافض لكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية في تعدٍّ صارخ على حرية التعبير التي أصبحت ذات صلة جوهرية باستخدام الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي المرتبطة بها. كما تفضح هذه السياسة العدوان الصارخ على كل ما يمكن أن يكشف رواية بديلة ومن منظور آخر مخالفة للروايات الرسمية التي يصدرها المتحكِّمون في الشأن العام.
وهنا، يمكن أن نلاحظ أن الإجراءات الرقابية المذكورة تبدو أكثر في حدتها وفي منسوبها منذ العام 2010، لكنها شهدت أشد تجلياتها خلال أحداث الشيخ جراح والمسجد الأقصى سنة 2021، حيث عرف الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي نقلة من حيث الآليات والإستراتيجيات المُوجِّهة له وفي توازنات القوى؛ إذ إن المواطن الفلسطيني ليس مطالبًا اليوم بالنزول إلى الشوارع للتظاهر أو للمواجهة المباشرة، فهو قادر من وراء شاشة حاسوبه أو هاتفه الذكي على نقل واقعه وتوجيه انتقادات وضربات موجعة من شأنها الكشف عن جرائم الجيش الإسرائيلي والمستوطنين.
في هذا الإطار، لا ينكر المتخصصون في قراءتهم لتلقي الدفق التعاملي بوسائل التواصل الاجتماعي أن النظر في توازن القوى بين الجهات الحكومية في النظام الدولي وبين من هم في إطار صراع ومواجهة، سواء أكانت معلنة أو غير معلنة، يتطلب الآن وأكثر من أي وقت مضى مراعاة القضايا المتعلقة بالفضاء السيبراني؛ ذلك أن أجهزة الكمبيوتر أصبحت أداة حيوية للتشغيل السليم لهياكل الدولة والرفيق اليومي لجزء كبير من الإنسانية مقارنة بالفترات الأولى لانبعاثها مكونًا من مكونات الواقع. كما أن توازن القوى هذا لم يكن يومًا لصالح كفة من يمتلك الأدوات والقدرة على السيطرة، وإن بدا هذا الأمر كذلك خاصة قبل العام 2010 الذي يعد حدثًا قادحًا؛ إذ يمثِّل تاريخ اندلاع ما يسمى بالربيع العربي الذي غالبًا ما يُصوَّر على أنه دخول وحشي لأنظمة المنطقة العربية في العصر الرقمي الجديد، وكأن منطقة جغرافية كبيرة كهذه يمكن إخراجها منه. هذا إذا ما سلمنا جدلًا بأن من يكتب ينطلق من خلفية التفوق تكنولوجيًّا ضمن رؤية تقرن بين التكنولوجيا والحضارة بالتلازم أو التوالد. ومهما يكن من أمر ذلك فمسألة الخمول التكنولوجي حاصلة لا محالة في تقدير من يقدر وذات مدى تأثيري غير قابل للإنكار(14).
ونتيجة للتحول المشار إليه سابقًا في مدى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي خاصة بعد العام 2010، يتضح بجلاء أن هذه التطبيقات التواصلية أصبحت تلعب دورًا رئيسيًّا في إعلام وتعبئة وتنظيم حركات فكرية ونضالية وإنسانية تمتد من دولة إلى أخرى بغض النظر عن الحدود. هذا فضلًا عما بثته من آمال وأمنيات في التحرر كما هي الحال مع القضية الفلسطينية؛ إذ أسست لشعور بالثقة في الذات. لكن في المقابل أدى انتشار استخدام التطبيقات بكل ما فيه من أمل وعزم بدوره إلى تعاظم دور الرقابة. وبالرغم من كل ما قيل فإن هذا التطور الرقمي لم ينبثق من صحراء رقمية. إنه، بطريقة ما، إرث التطور البطيء للصحافة العابرة للحدود والقنوات الفضائية وظهور وسائل الإعلام عبر الإنترنت التي سمحت بظهور شبكة ويب جديدة ونشيطة مما أعطى مكانة بدرجة الفخرية للمدونات ثم تطبيقات الوسائط الاجتماعية(15).
على هذا الأساس، فإن تزايد الرقابة على المحتوى الفلسطيني بتنوعاته كما يظهر في الجدول (1) يُعد نتيجة طبيعية لانخراط الطرف الفلسطيني -كغيره في المنطقة العربية- في مسار الثورة التكنولوجية والاستعمال المكثف لشبكات التواصل الاجتماعي بديلًا عن الإعلام التقليدي وبديلًا عن أساليب المواجهة القديمة. ولئن تغيرت هذه الأساليب ورسمت أفقًا آخر يوسع من مفهوم إطار الصراع فإن الفعل الرقابي في جوهره يُعد أكثر رسوخًا في ممارسات السلطة وإن تبدلت مظاهره، كما نظَّر لذلك ميشيل فوكو الذي اعتبر أن ثمة ثلاث طرائق رئيسية في المجتمع الرقابي الحديث؛ تتمثَّل الأولى في اتباع كل كيان في النظام لكيان أعلى بشكل متدرج هرمي من خلال التفاوت الحاصل في الأدوار. وهذه التراتبية قد تكون ظاهرة ماكروفيزيائية أو مخفية ميكروفيزيائية. أما الطريقة الثانية فهي الإصلاح تأديبيًّا، وتتبع المجتمعات الحديثة، أو بالأحرى يتحكَّم في العلاقة بين صاحب السلطة ومن تمارس عليه هذه السلطة ثنائية الفرض والتطبيع، بمعنى أن السلطة تسعى في عملها إلى فرض القانون وعادة ما يكون سائدًا ليسري في التداول بين الناس وقد يلحق حتى المناهج التعليمية. وتتمثَّل الطريقة الثالثة في الفحص، وهي تجمع بين الطريقتين السابقتين وتسمح بتوجيه الآراء والمواقف بناء على ما تريده السلطة أن يكون(16).
من هذا المنطلق يُشرع في تبيُّن الإجراءات الرقابية على المحتوى الفلسطيني في عملية إحياء لنظرية فوكو التي لم تُطرح ضمن أنظمة السلطة التي عالجتها مسألة وسائل التواصل الاجتماعي وهذا ليس خللًا بطبيعة الحال؛ إذ إنها جاءت في سياق مخصوص. ولو واصل فوكو عمله وامتد إلى الفترة الراهنة لكانت وسائل التواصل الاجتماعي في مقدمة أجهزة السلطة. فآليات من قبيل الحذف والحظر والإغلاق أو التبليغ تتَّبِع في اشتغالها النسقَ الذي رسمه فوكو في نظريته.
فالحالة الأولى على سبيل المثال في الجدول (1) تتمثَّل في حذف محتوى يُوثِّق اعتداء الشرطة الإسرائيلية؛ يعبِّر عن إجراء فحص للمحتوى المذكور ويأخذ في الاعتبار وجود قانون سائد يجب التطبيع معه، وهو أن الشرطة الإسرائيلية تمارس عملها الطبيعي في مقاومة الشغب وليس القمع كما في تقدير الطرف المقابل في إطار الصراع، وكل تجاوز لهذا القانون -أي قانون مكافحة الشغب ونقده والتشهير به- هو ضد عمل جهاز الشرطة في مكافحة الشغب. هذا فضلًا عن كونه فضحًا لسرية العمل الأمني، ينضاف إلى ذلك ما يعرف عن هذا الجهاز من كونه ذا وجود منطقي وإلزامي في الدول، وهو موضوع لأجل العامة لحمايتها وفرض حالة من الاستقرار تسمح بممارسة الحياة بشكل طبيعي ومنظم.
على هذا الأساس، فإن فحص المحتوى يتم بشكل ظاهري من قبل الوسيط التواصلي تحت غطاء الموضوعية كما يشرَّع لذلك في سياسات الاستخدام وقد يُتعامل مع المحتوى باعتباره حاملًا لمشاهد عنف لا يقبلها كل المتلقين بنفس الدرجة وفي ذلك موضوعية أيضًا، لكن هذه الموضوعية تنطوي على تحيز كبير ومن شأنها إخفاء جزء كبير من الواقع الفلسطيني المؤلم، هذا فضلًا عن الشروع في ممارسة المعاقبة باعتبارها خطوة طبيعية لفعل الفحص.
أما عن الحالة التاسعة فتتمثَّل في الإبلاغ عن المحتوى لفترات تعبِّر في عمقها عن الرقابة الممارسة عبر أجهزة السلطة الميكروفيزيائية غير الظاهرة في العلن، ذلك أن التبليغ عملية سرية يباشرها المحتكر للسلطة وعبرها يتمكن من فرض منهجيته في تصريف الواقع وكذلك روايته الرسمية.
إن هذه الأدوات الرقابية والإستراتيجيات الخاضعة لها تكشف عن عمق الصراع وتأججه بدرجة تفوق ما هو عليه في الواقع. فلئن كانت المواجهات المباشرة رغم تكرارها تتسم أحيانًا بالسكون والاستقرار فإنها في الفضاء الافتراضي ليست ثابتة على حال بل في تطور دائم، لاسيما إذا ما نُظر إلى إستراتيجيات المراقبة والتحكُّم من منظور آخر خارج دائرة المحدد الفوكوي.
تجدر الإشارة إلى أن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي الذي انتقل إلى شبكات التواصل الاجتماعي يُجسد نقطة ساخنة في مسار تشكُّل إطار الصراع، ومن هنا يمكن فهم أسباب الحذف والتبليغ وكل أشكال العدوان على المحتوى الفلسطيني. فهو ليس مجالًا للفعل بمفهومه المادي في إطار ما هو افتراضي، بقدر ما هو مجال للفعل بمفهومه القولي، ويفرض حالة نفي للتقاتل الذي قد تتكاثف حوله الأهواء والتقييمات والمشاعر حتى ولو كانت إنسانية فضلى وهو أيضًا غير خاضع لتفاوت في العدد أو في القدرة على مستوى العتاد والسلاح، لأنه في نهاية الأمر يفرض نسقًا من تحاور الأفكار والآراء التي تلعب على خلق تأثير فاعل لدى المتلقي، كما يسمح بإتاحة فرصة لفهم القضية وإنصاف أطراف الصراع على عكس ما يوجد في الحرب من تقاتل وما يصاحبها من فوضى في تلقي مختلف الأحداث.
وقد شرعت بعض الدراسات بالفعل في البحث عن محامل جاهزة وهادئة لقراءة إطار الصراع حيث يهدف بعض الدارسين إلى البحث في الكيفية التي تجعل من الكلمات المنطوقة سببًا ومبررًا لاستبعاد الآخر من أجل خلق استجابة بشكل أفضل لمطالب مجموعة رأي ما وللتعامل العقلاني مع التهديد الذي يمثِّله رأي الخصم ومواقفه وممارساته وربما لتبرير استخدام العنف ضده(17). فهذا الصنف من الدراسات يركز أساسًا على الإستراتيجيات الخطابية المعتمدة في المحتوى الذي ينشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
لذلك يُلاحظ، خلال تحليل تمثيلات الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني على فيسبوك، تكرار موضوعات من قبيل أوجه التشابه التي تم رسمها مع الحرب العالمية الثانية، وخاصة الحقبة النازية الألمانية.
تمثِّل هذه المقارنة مع النازية وسيلة غالبًا ما تستخدم بشكل متكرر لتشويه سمعة الخصم ونزع الصفة الإنسانية عنه(18). ومن المثير للاهتمام في هذا السياق أن هذا الشكل من التجريد من الإنسانية يعكس إستراتيجية خطابية لتأطير الصراع وجعله أقرب إلى المتلقي الغربي الذي يحمل في داخله خوفًا من تلك الحقبة ورفضًا كبيرًا. هذا فضلًا عن أن هذه المقارنة تذكِّر اليهود بمسألة المحرقة ومعاناتهم، وفي المقابل هم يُظهرون عدم اكتراث لما هو إنساني ولحق الشعوب في تقرير مصيرها ليخرجوا بذلك إلى العالم في حالة من المرض النفسي؛ حيث إنهم يُعامِلُون غيرهم كما كانوا يُعامَلُون بعنف وبربرية، وقد بنوا نظامهم على الانتقامية لا على عقد اجتماعي واضح المعالم يسمح بتسميتهم شعبًا ذا قضية بقدر ما هم عبارة عن قبيلة تبرم الأحلاف مع الإدارات المتحكمة والمالكة لوسائل التواصل الاجتماعي كي تغطي على جرائمهم الشنيعة، لاسيما موقع فيسبوك الذي يعكس تحيزًا كبيرًا وضروبًا شتى من الاستقطاب الواسع(19). ولعل هذا التحيز يظهر في التعامل مع مصطلحات وكلمات من قبيل عبارة "الشهيد"؛ حيث يُعامِل هذا الموقع العبارة بالحظر كما في الحالة التي يجسدها منشور للشاعر التونسي، سالم المساهلي، وهو لا يمثِّل إلا عينة من نماذج أخرى عديدة.
صورة (1): حجب أبيات شعرية للشاعر التونسي سالم المساهلي بعد استخدامه عبارة "الشهيد" والتهديد بتعطيل حسابه على فيسبوك(20)
ثم إن الصراع يزداد تعقيدًا وعمقًا بمجرد الانتباه إلى مسائل من قبيل أن أقسام التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي هي قبل كل شيء مساحات لتأكيد الذات وتقوية الروابط من خلال الشعور بالانتماء المشترك(21). وتعكس من خلال ما تتيحه من وسائل تعبيرية عبر أكثر من وسيط تبليغي كالكلام والصورة والرمز مشاريع المشترك الممكن والتفاوض بشأن الهويات(22)، لذلك يلاحظ دائمًا العمل على إضافة خوارزميات للتصرف فيها من قبل صاحب المنشور والتقليل منها.
يتضح بجلاء مما تقدم أن شبكات التواصل الاجتماعي على اختلافها أصبحت تمثِّل فضاء للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي يعضد واقع الصراع في الأراضي المحتلة. ولعل أركان هذا الصراع المتجدد في إطار القضية التاريخية الدائمة أكثر دقة وعمقًا دلاليًّا ضمن المسار النضالي العام، لكن أزمة العدوان الإسرائيلي لم تنفك تمارس ضغوطات وإجراءات رقابية مستغلة في ذلك تحيز الإدارة الأميركية وسياسات الخصوصية التي وضعتها الوسائط التواصلية للتضييق على الكلمة الحرة في اعتداء صارخ على حرية التعبير التي لابد أنها تطورت بموجب التطور التكنولوجي الذي لحق مختلف أصقاع العالم بدرجات متفاوتة.
تتنوع وسائل التضييق وأشكال العدوان وتكشف المنشورات على مواقع فيسبوك وتويتر ويوتيوب وغيرها عن إستراتيجيات خطابية ترسم في مجملها إطارًا عامًّا للصراع. فهي تكاد تكون غير قابلة للحصر العددي أو المضموني، كالحذف والحظر والإلغاء والتبليغ ورفض استعمال مصطلحات وعبارات من قبيل "الشهيد" أو "القدس عاصمة فلسطين" وغيرها من المصطلحات والعبارات التي تتشكَّل في سياق الأزمات تحت ما يسمى بـ"الهاشتاغ". وقد يصل الأمر إلى الحيلولة دون إنشاء المحتوى حيث تعمد سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى محاصرة الناشطين والمدونين والصحفيين الفلسطينيين ومصادرة معدات عملهم واعتقالهم وتنظيم المحاكمات لهم مما يذكِّر بما ضربه فوكو في صلب نظريته عن السلطة وأدوات تحكمها فيمن يعيشون في كنفها وفي أفق ثنائيتي المعرفة والسلطة والمراقبة والمعاقبة.
ولتفادي العدوان الإسرائيلي على المحتوى الإلكتروني يسعى الفلسطينيون إلى تحدي خوارزميات شبكات التواصل الاجتماعي عبر المراسلات والتشهير والإدانة وابتداع شعارات ورموز تجعل المحتوى الذي ينشرونه يستمر في الظهور، ويحتل الصدارة في الأخبار العالمية، ويكون بذلك مصدرًا بديلًا للخبر الإعلامي. إن هذه الإجراءات الدفاعية التي يبتدعها الفلسطينيون يوميًّا لتفادي العنف الإلكتروني والتآمر على قضيتهم من شأنه أن يفتح الباب أمام مجالات ودلالات بحثية جديدة وأن يلفت النظر إلى مفهوم جديد للصراع.
كما تجدر الإشارة إلى أن الإجراءات الدفاعية التي ينتهجها الفلسطيني اليوم يجب أن يعضدها غطاء قانوني يتمثَّل في السعي إلى تفعيل الضمانات الحقوقية الدولية اللازمة لممارسة حرية التعبير وحق الحياة الخاصة، وفي التراسل بشكل خاص دون تدخل أو تعسف. وهذا ينطبق بشكل صريح على استعمال شبكات التواصل الاجتماعي؛ إذ تقر المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنه "لا يجوز تعريض أحد لتدخُّل تعسُّفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمسُّ شرفه وسمعته. ولكلِّ شخص حقٌّ في أن يحميه القانون من مثل ذلك التدخل أو تلك الحملات"(23). وكما أسلفنا الذكر، فإن استخدام وسائط التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها ينضوي تحت هذا الحق، ويتقاطع بشكل متلازم مع التشريعات ذات الصلة بحرية التعبير والحق في الكلمة. ثم إن الاطلاع على النصوص والتشريعات الدولية، وضمنها ما ذُكر سابقًا، له دور فاعل في تنمية النضال الرقمي الفلسطيني، لاسيما إذا ما تم العمل عليه بشكل منظم قصد نيل التفعيل في الواقع، خاصة أن النصوص موجودة وهي مدار عمل دائم وثابتة في صيغتها التقريرية ولا يمكن المساس بها. وفي هذا الإطار، يمكن التذكير بأن "لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود"(24).
ولسائل أن يسأل في هذا الصدد: كيف نجعل هذه الحريات واقعًا غير قابل للنقاش قصد الاعتداد بها في عمليات النضال الرقمي الذي يُعد مسارًا جوهريًّا في فلسفة الحريات وتشريعها؟
يتطلب ذلك العمل على توفير بيئة تنظيمية وقانونية تسمح بظهور إعلام رقمي ونشاط على الإنترنت متعدد الآراء ومنفتح. ولابد كذلك من تفعيل دور الإدارة السياسية لدعم ذلك والضغط لتوفير القوانين واللوائح والقرارات الضامنة لاستمرارية وضع نضالي رقمي تحت عنوان نشاط رقمي منفتح. كما تتطلب هذه الحريات وجود قانون يضمن الحصول على المعلومة دون شرط أو قيد، وخاصة المعلومات عن الفضاء العمومي واليومي. هذا فضلًا عن العمل على توفير الكفايات التعليمية اللازمة لدى منتجي الأخبار والمحتوى ليتمكنوا من تحليل المعلومات تحليلًا نقديًّا وتجميع ما يصلهم منها لاستخدامها في حياتهم اليومية ولبناء روايات مؤثرة على الجمهور المتلقي بطريقة تجمع بين مخاطبة العقل والقلب.
استنتاجات
إن ما يمكن قوله على سبيل المراجعة والتلخيص لمحاور الدراسة:
- إن مفهوم الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي لم يعد مفهومًا تقليديًّا، بل عرف نقلة نوعية على مستوى الإستراتيجيات والسياسات الخطابية؛ الأمر الذي من شأنه أن يعدل موازين القوى بين الطرفين، لأنه ينبني على الرمز والكلمة والفعل التعبيري القولي. هذا فضلًا عن أن درجة تلقيه وطريقته قد سجلت تحولًا كبيرًا، وأصبح بذلك للفلسطينيين وقضيتهم مساندون أكثر عددًا بعيدًا عن منطق الاصطفاف الذي ركز عليه الطرف الفلسطيني في بداية مساره النضالي.
- شبكات التواصل الاجتماعي على اختلافها تعيش لحظة مهمة من عمرها تتعلق بمدى ارتباطها بحقوق الإنسان ومدى مواكبتها لها والتزامها بها، ويُعد الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي دافعًا لمراجعات عميقة في العصر الراهن.
- الطرق التي يبتدعها الفلسطينيون لمواجهة غيرهم من شأنها أن تخلق مجتمع معرفة جديدًا؛ ففي خضم هذه المقاومة ترتسم لغة جديدة ورموز تعبيرية تفرض صلاحيتها الدراسية من منظور تحليل الخطاب والدراسات اللسانية والثقافية.
نُشِرت الدراسة في العدد الثاني من مجلة الجزيرة لدراسات الاتصال والإعلام، للاطلاع على العدد كاملًا (اضغط هنا)
(1) Musharaf Zouhour, Najma Sadiq, "Digital Puplic Sphere and Palestine-Israel conflict: A conceptual analysis of news coverage," Liberal Arts and Social Sciences International Journal, Vol. 5, No. 1, (January- June, 2021), "accessed January 15, 2023". https://bit.ly/3o5yWnA.
(2) Anat Ben-David, "La Palestine et ses frontières virtuelles 2.0: Du "non-lieu" à l'espace généré par les utilisateurs," Réseaux 1, No. 159, (2010): 151-179.
(3) Adrian Shahbaz et al., "Freedom on the Net 2022: Countering an Authoritarian Overhaul of the Internet," freedomhouse, 2022, "accessed January 15, 2023". https://bit.ly/41hr817.
(4) Karin Deutsch Karlekar, Sarah Cook, "Freedom on the Net: A Global Assessment of Internet and Digital Media," freedomhouse, April 1, 2009, "accessed January 15, 2023". https://bit.ly/43mY4GI.
(5) Sanja Kelly, Sarah cook, "Freedom on the Net 2011: A Global Assessment of Internet and Digital Media," freedomhouse, April 18, 2011, "accessed January 15, 2023". https://bit.ly/3o76lyA.
(6) Adrian Shahbaz et al., "Freedom on Net 2022: Countering an Authoritarian Overhaul of the Internet," freedomhouse, (2022), "accessed January 15, 2023". https://bit.ly/3mqy7FE.
(7) الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المادة 19.
(8) محمد الطاهر، الحريات الرقمية: المفاهيم الأساسية، ط 1 (القاهرة، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، 2013)، ص 152.
(9) Eric Sterner, "Retaliatory Deterrence Cyberspace," Strategic Studies Quarterly, (spring, 2011): 62-80.
(10) Stephan Littlejohn, Karen Floss, Encyclopedia of Communication Theory, (USA: SAGE, 2009), 476-477.
(11) Jeffrey Gottfried, Shearer Elisa. “News Use Across Social Media Platforms 2016,” Pew Research Center, May 26, 2016, "accessed January 15, 2023". https://pewrsr.ch/3KPBK1a.
(12) Jane Wakefield, “Social Media ‘Outstrips TV’ as News Source for Young People,” BBC, June 15, 2016, "accessed January 15, 2023". https://bbc.in/2REDnQz.
(13) فاطمة الزهراء عبد الفتاح، "جدل عالمي: آليات وضوابط "مراقبة" مواقع التواصل الاجتماعي"، المستقبل، 23 فبراير/شباط 2017، (تاريخ الدخول: 16 يناير/كانون الثاني 2023)، https://bit.ly/3KNw0oC.
(14) Faris David, "La révolte en réseau: le printemps arabe et les médias sociaux," Politique étrangère 1, (Printemps 2012): 99-109.
(15) Romain Aby, "Cybersécurité et contrôle de la région," Le Moyen-Orient et le monde, (2020): 239-245.
(16) ميشيل فوكو، المراقبة والمعاقبة، ترجمة علي مقلد (منشورات مركز الإنماء القومي، 1990)، ص 223.
(17) Neta Oren, Daniel BarTal, “The detrimental dynamics of delegitimization in intractable conflicts: The Israeli-Palestinian case,” International Journal of Intercultural Relations, Vol. 31, No. 1, (2007): 111-126.
(18) Albert Bandura, “Moral Disengagement in the Perpetuation of Inhumanities,” Personality and Social Psychology Review, Vol. 3, No. 3, (August, 1999): 193-209.
(19) Eli Pariser, The Filter Bubble: How the New Personalized Web is changing what we read and how we think, (New York, Penguin Books. 2012), 89-90.
Aby Romain, "Cybersécurité et contrôle de la région,": 239-245.
(20) سالم المساهلي، m.facebook.com/salemsehli، (تاريخ الدخول: 16 يناير/كانون الثاني 2023)، https://bit.ly/3KTIhbe.
(21) Nira Yuval-Davi et al., The Situated Politics of Belonging, (London: Sage Publications, 2006), 76.
(22) Alexandre Coutant, Thomas Stenger, "Production et gestion d’attributs identitaires," Les Cahiers du numérique, Vol. 7, No. 1, (2011): 61-74.
Raphaël Grably, "Des internautes palestiniens accusent Facebook de censure,” bfmtv, December 31, 2021. "accessed January 15, 2023". https://bit.ly/3ZX6K3F.