مقدمة
في اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى، في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وبدء الحرب الإسرائيلية على غزّة، دخل لبنان فعليًّا في الحرب هناك، عبر فتح جبهة الجنوب اللبناني باعتبارها جبهة مواجهة وإسناد كما أعلن حزب الله، وبذلك انخرط لبنان في أزمات الإقليم وحروبها. ومع استمرار الحرب في غزة استعرت المواجهات عبر الحدود جنوبًا مع إسرائيل لتزيد من مشاكل لبنان السياسية والأمنية والاقتصادية. وقد أحدث ذلك مزيدًا من الانقسام الداخلي ما بين مؤيد لفتح جبهة الجنوب ومعارض لها تحت عنوان أن هذه الحرب أكبر من قدرة لبنان على تحمل تبعاتها السياسية والمالية والاقتصادية، خاصة في ظل انهيار مالي واقتصادي غير مسبوق يشهده لبنان منذ عام 2019. أضف إلى ذلك الانقسام السياسي وعدم القدرة على تنفيذ استحقاقات سياسية كبيرة، في مقدمتها انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة أصيلة تعيد الانتظام العام في جميع الإدارات والمؤسسات العامة؛ إذ لا تزال حكومة تصريف أعمال تدير شؤون البلاد منذ الانتخابات النيابية في مايو/أيار 2022، وتاليًا تنفيذ إصلاحات تشريعية واقتصادية ومالية ضرورية للتعافي الاقتصادي كإعادة هيكلة المصارف وغيرها من القضايا الملحَّة، لإخراج اللبنانيين من دوامة التدهور المستمر في أوضاعهم المعيشية والاجتماعية والمالية.
ورغم أن البلاد تشهد حركة دبلوماسية واتصالات مكثفة، فضلًا عن توافد شخصيات دبلوماسية إقليمية ودولية، لتجنب توسع رقعة الحرب وحصرها ضمن حدود معينة في الجنوب اللبناني وحتى محاولة إيقافها، إلا أن حزب الله يعلق وقف إطلاق النار جنوب لبنان، بنهاية الحرب في غزة.
هذه الأحداث المستجدة في الجنوب اللبناني والواقع المتغير في المنطقة، تشكل ضغطًا جديدًا على الاقتصاد اللبناني وماليته العامة، وتطرح أسئلة مركزية حول مآل الوضع الاقتصادي اللبناني خاصة في ظل العجز السياسي الداخلي والانقسام الوطني.
تبحث هذه الورقة مآل الاقتصاد اللبناني في ظل الانهيار المالي والمواجهات العسكرية مع إسرائيل جنوبًا، وتعيد تقييم الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية في ظل استمرار أزمات لبنان السياسية، والتي أضيفت إليها أعباء وكلفة الحرب المستمرة عبر الحدود جنوبًا وتداعياتها على الاقتصاد اللبناني وماليته، وتطرح السيناريوهات والمسار الذي قد تسلكه الأزمة الاقتصادية والمالية.
واقع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية
يشهد لبنان منذ أواخر العام 2019 أزمة اقتصادية صنفت ضمن أسوأ 3 أزمات عالمية منذ منتصف القرن التاسع عشر(1)، انعكس ذلك على المستوى المعيشي للشعب اللبناني الذي يعيش في ضائقة مالية وتردٍّ اجتماعي كبير؛ فقد تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي من حوالي 1500 ليرة (1507.5) لكل دولار ما قبل الأزمة إلى حدود 89 ألف ليرة حاليًّا، وبالتالي فقدت القدرة الشرائية لليرة اللبنانية حوالي 98% من قيمتها، وانخفضت قيمة رواتب الموظفين مما أثَّر على التوازن الاجتماعي؛ إذ تقلصت نسبة الطبقة الوسطى من 70% إلى نحو 30-40%(2). وقد ارتفع مؤشر أسعار الاستهلاك من 115.54% مع نهاية عام 2019 ليصل إلى رقم قياسي 5978.13% في نهاية العام 2023(3)، في دلالة واضحة على الارتفاع الكبير جدًّا في أسعار السلع الأساسية من مأكل وملبس وسكن واتصالات وتعلم وطبابة وغيرها. وأدى ذلك إلى ازدياد معدل التضخم المالي من 2.9% في العام 2019، إلى 154.8% عام 2021، ودخل لبنان بذلك نادي التضخم للأرقام الثلاثية، ثم وصل إلى 231.1% في العام 2023(4)؛ ما أضعف من قدرة المواطنين على تأمين مقومات حياتهم اليومية وأرهق الفئات الاجتماعية الأكثر فقرًا.
ولكن رغم كل هذه المؤشرات السلبية، كان من المتوقع أن يشهد الاقتصاد اللبناني مع نهاية العام 2023 تحسنًا طفيفًا، وتوقفًا للأزمة عند القاع الذي وصلت إليه واستقرت عنده، ونموًّا في ناتجه المحلي بنسبة 0.2%، بانتظار خطط التعافي والإنعاش الاقتصادي والمالي، لاسيما أن قطاعات عدة أظهرت تحسنًا نسبيًّا، أهمها:
- تحسن السياحة: فقد وصل عدد السياح، حتى نهاية سبتمبر/أيلول 2023، حوالي 1.4 مليون سائح منهم ما يزيد عن 863 ألف سائح خلال موسم الصيف فحسب، بارتفاع 25% عن العام الفائت و113% عن العام 2021(5)؛ الأمر الذي أسهم في تحقيق استقرار نقدي ولو هشًّا، كما أسهم في تثبيت سعر صرف الليرة عند حدود 89.000 ليرة للدولار. وكذلك في تنشيط الحركة الاقتصادية وضخ دولارات في السوق وفي الدورة الاقتصادية؛ مما أسهم في زيادة الناتج المحلي وتوفير فرص عمل في كل القطاعات المرتبطة بالسياحة من مطاعم وفنادق وغيرها. فالتقديرات أشارت إلى توافر حوالي 35 ألف فرصة عمل جديدة في المطاعم في صيف 2023 وحوالي 50 ألف فرصة في كل القطاع السياحي(6).
- تدفق كبير للتحويلات المالية من الخارج: تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن حجم التحويلات من الخارج وصلت إلى 6.4 مليارات دولار وهي تشكل 27.5% من الناتج المحلي(7). هذه التحويلات هي المسجلة بشكل رسمي فحسب، ولكن هناك أيضًا تحويلات أخرى يحصل عليها بعض الأحزاب والقوى السياسية، فتسهم في ضخ المزيد من الدولارات في النشاط الاقتصادي وفي شبكات الأمان الاجتماعي.
- دولرة جزء من الرواتب (أي دفعها بالدولار) وزيادة المساعدات الاجتماعية لموظفي القطاع العام: ضاعفت الدولة اللبنانية رواتب معظم موظفيها تحت اسم المنافع الاجتماعية حوالي 7 أضعاف، ودفعتها بالدولار الأميركي أو وفق سعر صرف قريب من السعر في السوق الموازي. وكذلك قام العديد من مؤسسات وشركات القطاع الخاص بدولرة جزء من رواتب العاملين لديها؛ مما حسَّن من القدرة الشرائية لشريحة كبيرة من الشعب اللبناني.
هذا المسار الاقتصادي، رغم تحسنه الطفيف واستقراره النسبي والهش، أخذ يتراجع مجددًا بعد المواجهات العسكرية في الساحة الجنوبية، لاسيما أن الاختلالات البنيوية في النظام الاقتصادي وهشاشة المالية العامة، لا تزال قائمة وتدفع بالاقتصاد اللبناني إلى التأزم. وهو الأمر الذي دفع البنك الدولي إلى الإعلان أن اقتصاد لبنان الهش أخذ يعود إلى الركود من جديد، وأن إجمالي الناتج المحلي الحقيقي سينكمش بنسبة 0.6% إلى 0.9%. هذه التحذيرات والمؤشرات أعلنها البنك الدولي في أحدث تقرير صادر له عن لبنان بعنوان: "في قبضة أزمة جديدة"، في 21 ديسمبر/كانون الأول 2023(8)، أي بعد اشتعال جبهة الجنوب بحوالي شهرين ونصف وبعد الأخذ بعين الاعتبار التداعيات الاقتصادية والمالية للحرب.
الخسائر المالية والاقتصادية للحرب
إن الحرب المستمرة جنوبيَّ لبنان منذ ما يزيد عن 4 أشهر والتي تتوسع يومًا بعد يوم لتصل مناطق بعيدة عن الحدود، تؤثر في الاقتصاد اللبناني ككل وفي قطاعات أساسية فيه. ففي دراسة غير رسمية أظهرت أن إجمالي الخسائر الناجمة عن الحرب في الجنوب تبلغ حوالي 1.5 مليار دولار، منها مليار و200 مليون خسائر مباشرة تشمل الدمار في البنى التحتية والطرقات والمباني والأراضي الزراعي؛ حيث تم تدمير كلي لحوالي 520 منزلًا و3300 منزل بشكل جزئي. كما أن هناك نحو 300 مليون دولار خسائر غير مباشرة نتيجة إقفال المؤسسات وتوقف الأعمال إضافة إلى خسائر القطاع الزراعي وبالأخص تضرر موسم الزيتون(9).
وتضررت بسبب الحرب أيضًا قطاعات أساسية تدر دخلًا لخزينة الدولة، منها:
- القطاع السياحي: الذي يُعد من أهم القطاعات في الاقتصاد اللبناني؛ حيث يسهم بنسبة 20% من الناتج المحلي وتمثل إيراداته 26% من إيرادات الحساب الجاري، أي هو أهم مصدر من مصادر الأموال من الخارج وهو القطاع الأكثر تضررًا خاصة مع اشتداد المواجهات في بداية موسم التزلج الذي يشتهر به لبنان. كان يُتوقع مجيء 1.29 مليون سائح بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 وفبراير/شباط 2024، ولكن على افتراض استمرار الانخفاض بنسبة 23٪ في عدد الوافدين كما حدث في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023 فمن المرجح أن يصل العدد إلى 300 ألف سائح. وبالاعتماد على تقدير أن السائحين ينفقون في المتوسط 1500 دولار لكل زيارة بناءً على أرقام 2022، فإن الخسارة الاقتصادية في السياحة تقدر بنحو 450 مليون دولار(10).
- القطاعات المرتبطة بالسياحة: تأثرت جميع القطاعات المرتبطة بالقطاع السياحي، فقد تراجعت حركة المطار 25% عن معدلاتها الطبيعية في مثل هذا التوقيت من السنة من حيث نسبة القادمين إلى لبنان(11)، وهذا يعكس حالة الخوف من المجيء إلى لبنان بسبب حالة الحرب؛ وبالتالي تأثرت نسبة الحجوزات في الفنادق حيث وصلت نسبة الإشغال فيها بين صفر و10%، وهناك 8 آلاف سيارة في قطاع السيارات المستأجرة عاطلة ولا تتحرك من أماكنها. وسجل قطاع المطاعم تراجعًا بين 60 إلى 70% في أيام العطل و80% خلال منتصف الأسبوع(12).
- القطاع الزراعي: يعد جنوب لبنان مركزًا رئيسيًّا للزراعة، يمثل 21.5% من المساحات المزروعة في لبنان، ويرفد سهلا مرجعيون والوزاني الواقعان في الشريط الحدودي المحاذي "لإسرائيل"، السوق المحلية بحوالي 30% من حاجته. يؤمِّن القطاع الزراعي مصدر دخل لـ70% من سكان الجنوب اللبناني. وبفعل الحرب لم يتمكن المزارعون من الوصول إلى حقولهم لجني محاصيل موسم الخريف أو زراعة محاصيل الشتاء. كما دمرت الغارات الإسرائيلية نحو 800 هكتار من الأراضي الزراعية، وأكثر من 50 ألف شجرة زيتون عمر بعضها 300 عام، كما نفق الآلاف من المواشي(13). تستخدم إسرائيل في غاراتها على الجنوب الفوسفور الأبيض المحرم دوليًّا، وهو ما أضر بالتربة والمياه الجوفية الصالحة للشرب وللري، والأشجار بجميع أنواعها.
- القطاع التجاري: تضررت المؤسسات والمحال التجارية في الجنوب خاصة في مناطق المواجهات والقصف؛ إذ جميعها يعاني من حالة جمود كلي أو جزئي، بسبب نزوح أكثر من 88 ألف شخص من هذه المناطق. وتقلص حجم الحركة التجارية واقتصر المواطنون على شراء السلع الضرورية فقط.
- أعباء النزوح: سبَّبت المواجهات العسكرية في الجنوب نزوح ما يزيد على 88 ألف شخص حتى منتصف فبراير/شباط الجاري (2024)، وتوزعوا على الشكل التالي: يعيش حوالي 81% من النازحين حاليًّا مع عائلات مضيفة، في حين 13% منهم استأجروا شققًا للسكن، انتقل 4٪ منهم إلى مساكنهم الثانوية، ويقيم حوالي 2% منهم في 19 ملجأ جماعيًّا(14). إن النازحين الذين استأجروا المنازل والبالغ عددهم حوالي 11.475 قد شكلوا ضغطًا على إيجارات الشقق السكنية فارتفعت الإيجارات ما بين ضعفين إلى 5 أضعاف، وهذا زاد من الأعباء المالية عليهم، فضلًا عن خسارة جزء كبير منهم لأعمالهم وفقدان جزء من مداخيلهم.
- زيادة تكاليف الشحن والنقل البحري والتأمين: تضررت الصادرات والواردات اللبنانية نتيجة ما يجري في البحر الأحمر؛ إذ تعد الصين في المرتبة الأولى لناحية الواردات للبنان والإمارات في المرتبة الأولى لناحية الصادرات اللبنانية، التي تتطلب المرور بقناة السويس والبحر الأحمر. إن التوترات الجارية في البحر الأحمر تنعكس على التأخر في وصول السلع المستوردة وتأمين حاجات السوق المحلية منها، وكذلك تضرر المصدرون بسبب التأخر الحاصل. وكذلك تضاعفت تكلفة حاويات الشحن، وفقًا للمعايير في لبنان، إلى 4000 دولار بعد أن كان متوسطها 2000 دولار عقب أحداث البحر الأحمر، وقفزت تكاليف التأمين بنحو 700 في المئة على خلفية ارتفاع أقساط التأمين المرتبطة بمخاطر الحرب(15).
سيناريوهات مسار الأزمة الاقتصادية والمالية
انحصرت الحرب الدائرة في جنوب لبنان بين إسرائيل وحزب الله في بداياتها ضمن إطار جغرافي لا يتعدى بضعة كيلومترات، باعتبار أن الجبهة اللبنانية جنوبًا جبهة إسناد وليست ساحة الصراع الرئيسية، ما لبثت أن توسعت بشكل تصاعدي كلما اشتدت وتوسعت الحرب في غزة.
وبالتالي، فإن مجريات الأحداث في لبنان وتطوراتها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا وبشكل مباشر بمجريات الأحداث في غزة وتطوراتها. وبناء عليه، فإن مآلات الأزمة الاقتصادية والانهيار المالي ترتبط بتطورات الجبهات العسكرية والتي تخضع للسيناريوهات التالية:
- السيناريو الأول (وهو استمرار الحرب في غزة والإبقاء على قواعد الاشتباك في لبنان ضمن النطاق الجغرافي في الجنوب): في هذه الحالة لن يتغير واقع الأزمة الاقتصادية كثيرًا، سوى ما يستجد من تكاليف وخسائر إضافية جراء القصف، تُقدر حينها وفق قوة الضربات وحجمها ومداها الجغرافي.
- الثاني (وهو امتداد رقعة القصف في لبنان لتصل بقية المناطق اللبنانية بغض النظر عن مجريات الحرب في غزة): إذ يُخشى عندها من حرب شبيهة بحرب تموز 2006، وأن يستهدف القصف الإسرائيلي الجسور والطرق ومدارج المطارات والموانئ والمصانع وشبكات الكهرباء والمياه والمنشآت العسكرية، فضلًا عن تدمير المنازل (تدمر أو تضرر في حرب تموز 125 ألف منزل). عندها ستكون التداعيات كارثية على لبنان وستكون الخسائر المباشرة ما لا تقل عن 2.8 مليار دولار وخسارة الناتج المحلي حوالي 2.2 مليار دولار وانكماشه بنسبة 5%، وهي قيمة خسائر حرب تموز 2006 التي استمرت 34 يومًا. في أعقاب تلك الحرب أنفقت الحكومة اللبنانية 318 مليون دولار على إعادة البناء ودفعت تعويضات 181 مليون دولار للأشخاص الذين دُمرت منازلهم أو تضررت، وأنفقت 54 مليون دولار على إصلاح البنية التحتية و42 مليون دولار على المدنيين النازحين، مع العلم بأن هذه الخسائر وتكاليف إعادة الإعمار قد تحملها المانحون من الدول العربية وفي مقدمتهم دولة قطر(16).
هذا السيناريو إن تحقق، عندها ستتضرر البنى التحتية بشكل تام والتي هي أصلًا مهترئة، ناهيك عن عدم توافر الأموال اللازمة لإعادة تحسينها بفعل الأزمة المالية. وسيتوقف تدفق الأموال من الخارج خلال أيام الحرب وتتأثر آلاف العائلات التي تعيش على هذه التحويلات، فهذه الأخيرة شكلت خط الحماية الاجتماعية الأول للشعب اللبناني منذ الانهيار المالي (2019). وأيضًا ستتعطل الماكينة الاقتصادية وتتأثر الدورة الاقتصادية وتاليًا سيتقلص حجم الناتج المحلي المنكمش أساسًا بفعل الأزمة الاقتصادية، وسيتعطل العديد من طاقات القوى العاملة ليزيد من نسبة البطالة المرتفعة. وستتأثر حركة الاستيراد وتأمين حاجات السوق المحلية من المواد الغذائية والسلع الضرورية، وحركة التصدير وإدخال دولارات جديدة إلى البلاد. وستزداد أزمة الإدارات والمؤسسات العامة وما تقدمه من بعض الخدمات بحسب ما يتوافر من إمكانياتها المالية مثل الكهرباء وغيرها. وستنخفض القدرة على تحصيل الضرائب ورفد خزينة الدولة بالموارد المطلوبة للإنفاق العام، وسيتحول الفائض المتوقع في الموازنة العامة لعام 2024 إلى عجز مالي. كما ستتفاقم حدة الانقسامات بين القوى السياسية ومكونات الشعب اللبناني، وقد تنعكس على الوحدة الوطنية وخاصة في زمن الحروب والأزمات مما يشكِّل مصدرًا لزعزعة الاستقرار والخوف على وحدة البلاد وتماسكها.
وإذا طال أمد الحرب عندها سيحدث الانهيار الاقتصادي والمالي التام وسنكون أمام تداعيات اجتماعية وسياسية خطيرة، وهذا ما أكده معهد التمويل الدولي الذي أعلن أن الحرب الطويلة والممتدة ستدمِّر اقتصاد لبنان المنهك بالفعل، وسيحدث انكماش كبير في الناتج المحلي بحوالي 30% في عام 2024، وسيتسع عجز الحساب الجاري والعجز المالي، وقد تُستنزف الاحتياطيات الرسمية من النقد الأجنبي، وقد تتفكك البلاد(17).
- الثالث (وهو توقف الحرب في كل من غزة ولبنان ضمن تسوية واتفاق معين): هذا السيناريو قد يحصل لكن بعد اشتداد المواجهات في لبنان، لأن القصف راهنًا بدأ يمتد إلى مناطق بعيدة عن الحدود نسبيًّا. وفق هذا السيناريو ستكون هناك مرحلة جديدة من المشهد السياسي اللبناني وفي مسار الأزمة المالية والاقتصادية ضمن الترتيبات الجديدة في المنطقة ككل. هذه المرحلة تبدأ بإعادة إنتاج السلطات الدستورية والإدارات العامة عبر انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة تراعي التوازنات الداخلية وعودة الانتظام العام، مما سيرخي بظلاله على الوضع المالي والاقتصادي، وينعكس إيجابًا في عودة الثقة وتوفير بيئة إيجابية تساعد في عمليات الإصلاح المالي والاقتصادي المطلوبة. عندها تصبح خطط التعافي المالي والانتعاش الاقتصادي القائمة على هيكلة المصارف، وهيكلة الدين العام، ورد الودائع للمودعين، وتوحيد سعر صرف العملة الوطنية والبدء بتحسين سعر الصرف، وتوقيع اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي والحصول على الدعم الدولي، وتحفيز الاستثمارات، وإصلاح النظام الضريبي، مسائل قابلة للتحقق.
خاتمة
ألقت الحرب جنوبًا بثقلها على الاقتصاد اللبناني وماليته، لتضيف إلى أزماته تحديات جديدة وأعباء مالية إضافية أكبر من قدرة لبنان على تحملها في وضعه الحالي. ورغم تعدد السيناريوهات وما يترتب عليها من مسارات متعددة محتملة للأزمة وسبل حلها، فإن التجارب التاريخية أثبتت أن اللبنانيين غير قادرين وحدهم وبمبادرات داخلية وطنية فقط على الخروج من مشاكلهم، فهم يعتمدون دائمًا على الدعم العربي-الخليجي وعلى توافقات إقليمية ودولية. لذلك، فإن مسار الأزمة الاقتصادية والانهيار المالي خاصة بعد غزة، بات مرهونًا أكثر بالتسويات والاتفاقيات الخارجية إضافة إلى اتفاق الأطراف اللبنانية على خارطة طريق للمستقبل، عندها ستحدث الانعطافة في مسار الأزمة الانحداري لتتجه صعودًا نحو تعاف مالي وانتعاش اقتصادي.
- البنك الدولي، "لبنان يغرق: نحو أسوأ 3 أزمات عالمية"، ربيع 2021 (تاريخ الدخول: 2 يونيو/حزيران 2022)، https://www.albankaldawli.org/ar/news/press-release/2021/05/01/lebanon-…
- باسل الخطيب، "بالأرقام لبنانيون ينتقلون من الطبقة الوسطى إلى الفقيرة"، سكاي نيوز عربية، 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، (تاريخ الدخول: 20 فبراير/شباط 2024): https://2u.pw/TPg6xjs
- إدارة الإحصاء المركزي، (Economic Statistics CPI 2007-2024)، الجمهورية اللبنانية، (تاريخ الدخول: 14 فبراير/شباط 2024)، https://2u.pw/I32EUCB
- إدارة الإحصاء المركزي، (Annual Inflation rate 2023)، الجمهورية اللبنانية، 2024 (تاريخ الدخول: 14 فبراير/شباط 2024)، https://2u.pw/Qj5RjsA
- محطة MTV اللبنانية، "كم بلغ عدد السياح في صيف 2023؟"، 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 (تاريخ الدخول: 14 فبراير/شباط 2024)، https://2u.pw/Bp8X491
- ناجي يونس، "السياحة أنقذت لبنان"، الصفا نيوز، 19 أغسطس/آب 2023 (تاريخ الدخول: 14 فبراير/شباط 2024)، https://2u.pw/Vh3nbXS
- World Bank, “Migration and Development Brief 39”, December 2023 (Accessed: 15 February 2024), P36:
- البنك الدولي، "اقتصاد لبنان الهش يعود مجددًا إلى حالة الركود"، 21 ديسمبر/كانون الأول 2023 (تاريخ الدخول: 14 فبراير/شباط 2024)، https://2u.pw/Q3l6dGn
- بولا أسطيح، "خسائر لبنان من حرب غزة تقارب 1.5 مليار دولار الشرق الأوسط"، جريدة الشرق الأوسط، 7 فبراير/شباط 2024 (تاريخ الدخول: 14 فبراير/شباط 2024)، https://2u.pw/xZL39lx
- Sami Zoughaib and others, “Economic Impact of the War in Lebanon: Real and potential losses”, The Policy INITIATIVE, 12 february 2024 (Accessed: 15 February 2024), https://2u.pw/SQIdY15
- أسطيح، جريدة الشرق الأوسط، المرجع السابق.
- باسمة عطوي، "مليار دولار خسائر الاقتصاد اللبناني منذ بدء حرب غزة"، جريدة نداء الوطن، 8 ديسمبر/كانون الأول 2023 (تاريخ الدخول: 14 فبراير/شباط 2024)، https://2u.pw/mYnNEw7
- وكالة أنباء الأناضول، "لبنان.. القطاع الزراعي يدفع ضريبة توترات الجنوب"، 29 يناير/كانون الثاني 2024 (تاريخ الدخول: 15 فبراير/شباط 2024)، https://2u.pw/jFjoW0K
- International Organization for Migration (IOM), “MOBILITY SNAPSHOT”, 6 February 2024 (Accessed: 15 February 2024): https://2u.pw/MeKTYPe
- هدى علاء الدين، "لبنان يدفع ثمن التوترات في البحر الأحمر...ارتفاع تكاليف الشحن وتأخير الصادرات"، موقع لبنان الكبير، 4 فبراير/شباط 2024 (تاريخ الدخول: 19 فبراير/شباط 2024)، https://2u.pw/E0oDeLM
- Reuters, “Costs of war and recovery in Lebanon and Israel”, 10 August 2007 (Accessed: 16 Febr 2024): https://2u.pw/OoDWXh2
- رنى سعرتي، "للحرب الشاملة تداعيات اقتصادية إقليمية وخيمة... أخطرها على الإطلاق يدفع ثمنها لبنان"، جريدة نداء الوطن، 30 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (تاريخ الدخول: 15 فبراير/شباط 2024)، https://2u.pw/hEUq4F4