مذكرة التعاون الأمني بين العراق وتركيا.. الواقع والتداعيات

تحلل هذه الورقة أبعاد الاتفاقية الأمنية التي أبرمها العراق مع تركيا مؤخرا، وفرص نجاحها بتحقيق أهداف السلطات في البلدين بخروج عناصر حزب العمال الكردستاني التركي من الأراضي العراقية، وتغيير الواقع الأمني المعقد في مناطق مختلفة شمالي العراق.
التنسيق بين القوات العراقية والتركية داخل العراق من بين أهم أهداف الاتفاقية الأمنية (رويترز)

على هامش زيارة الوفد العراقي للعاصمة التركية أنقرة منتصف شهر أغسطس/آب 2024 الجاري، برئاسة وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين ومسؤولين آخرين، وقع وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي، ونظيره التركي يشار غولر، مذكرة تفاهم للتعاون العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب بين البلدين. وجاء توقيع هذه المذكرة في سياق اتفاق الإطار الإستراتيجي للتعاون المشترك بين حكومتي العراق وتركيا، الذي تم توقيعه أثناء زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لبغداد في شهر إبريل/نيسان 2024، مما يشير بدوره إلى التطور الكبير في التفاهمات الأمنية بين البلدين.

إن توقيع هذه المذكرة التي وصفها وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين بأنها الأولى من نوعها في سياق العلاقات العراقية التركية، يثير العديد من التساؤلات حول الأسباب التي تقف خلفها، وحول توقيتها وسياقاتها المحلية والإقليمية، ودورها في إعادة تشكيل العلاقات الأمنية بين العراق وتركيا مستقبلًا، خصوصًا أن تركيا تخوض اليوم عملية عسكرية في شمال العراق، من أجل مواجهة تهديدات حزب العمال الكردستاني، لا تزال ملامحها غير واضحة.

وتسلط هذه الورقة الضوء على طبيعة مذكرة التعاون الأمني بين العراق وتركيا، وشكل الوجود العسكري التركي في العراق، إلى جانب التركيز على الحاجات الأمنية التركية، وطبيعة المقاربة العراقية التي تقف خلف هذه المذكرة، والأهم معرفة التأثير المستقبلي لهذه المذكرة في المشهد الأمني بين البلدين، في ضوء التحديات المحلية والإقليمية التي تطرح نفسها في سياق العلاقات العراقية التركية.

أهداف ومجالات مذكرة التعاون الأمني

جاءت مذكرة التعاون الأمني بين العراق وتركيا التي تم توقيعها مؤخرًا في عشر مواد، وحملت عنوان "مذكرة تفاهم بشأن التعاون العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب"، وتضمنت المقدمة والنطاق والغايات وأشكال التعاون الأمني، كما أوضحت طبيعة الالتزامات الأمنية بين البلدين، من حيث تبادل الخبرات والتدريب والاستشارة، والتنسيق الاستخباري والأمني عبر الحدود، فضلًا عن افتتاح العديد من معسكرات التدريب المشتركة، من أجل نقل الخبرات الأمنية التركية إلى العراق، وبالعكس، والأهم من ذلك كله، تنسيق الجهود في مواجهة تهديدات حزب العمال الكردستاني.

وحدد الطرفان الغايات الإستراتيجية التي تقف خلف توقيع مذكرة التعاون الأمني الأخيرة بالآتي:
1.    معالجة المخاوف الأمنية للبلدين.
2.    القضاء على التهديدات الأمنية التي تشكلها الجماعات الإرهابية والمحظورة ضد سيادة البلدين، وأمنهما وسلامتهما الإقليمية.
3.    الاحترام المتبادل للسيادة وأمن الحدود.
4.    إنهاء الوجود العسكري التركي على الأراضي العراقية.
5.    إيقاف الخروقات الأمنية بكافة أشكالها.

أما مجالات تطبيق هذه المذكرة، فقدد حددها الجانب العراقي والتركي في المسارات الآتية:
1.    التدريب العسكري والتدريب على إنفاذ القانون.
2.    مكافحة الإرهاب ومجابهة التهديدات الإرهابية المختلفة.
3.    أمن الحدود المشتركة.
4.    مكافحة الهجرة غير الشرعية والهجرة عبر الحدود المشتركة.
5.    تسوية قضية الإرهابيين الأجانب.
6.    مكافحة التهريب والمخدرات عبر الحدود.
7.    تبادل المعلومات الاستخبارية.
8.    إنشاء مركز للتنسيق الأمني المشترك عبر الحدود.
9.    تعزيز التعاون في مجال الصناعات العسكرية.

وإلى جانب ما تقدم، فإنه بموجب هذه المذكرة، سيتم نقل القاعدة التركية (قاعدة زليكان) في بعشيقة بشمال شرق محافظة نينوى، إلى القوات المسلحة العراقية، وتحويلها من قاعدة عسكرية تركية إلى مركز تدريب مشترك، مع إقامة مركزين أمنيين للتنسيق والتدريب، يتولى المركز الأول إلى جانب الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب، العمل ضد منظمات الجريمة المنظمة العابرة للحدود مثل الاتجار بالبشر وتجارة المخدرات، أما المركز الثاني فسيتم إنشاؤه في قاعدة زليكان، ويركز على عمليات التدريب والتعاون المشترك. وسبق لتركيا أن أرسلت جنودًا إلى هذه القاعدة لتدريب ودعم القوات المسلحة العراقية خلال فترة الحرب على تنظيم "داعش"، ثم أصبح وجودها هناك دائمًا، بعد نهاية الحرب على التنظيم.

وعلى هامش توقيع هذه المذكرة، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، "إن التنسيق الأمني في مجال مكافحة الإرهاب في البلدين أصبح أكثر قوة، وتم توقيع مذكرة تفاهم من جانب وزيري الدفاع التركي والعراقي، فيها مواد نؤمن بتطبيقها، وستؤدي إلى نتائج إيجابية للدولتين، فيما يتعلق بوقف نشاط جميع التنظيمات الإرهابية"(1). كما أعرب فيدان عن ارتياح أنقرة لحظر بغداد أنشطة ثلاثة أحزاب تابعة لحزب العمال الكردستاني، وقال نتوقع من بغداد تعريف حزب العمال الكردستاني بأنه "منظمة إرهابية"(2). يُذكر أن الأحزاب التي حظرها العراق بسبب ارتباطها بحزب العمال الكردستاني هي حزب الديمقراطية والحرية الإيزيدية، وحزب جبهة النضال الديمقراطي، وحركة حرية مجتمع كردستان. 

يمكن القول بأن تركيا نجحت في تعزيز المخاوف الأمنية الخاصة بها في بنود هذه المذكرة، وأنها نجحت في ترسيخ مفهوم "الإرهاب" عند تعاملها مع تهديدات حزب العمال الكردستاني، أو أي تهديدات أخرى قادمة من العراق، وإلزام الجانب العراقي التعاون في ذلك، كما أنها وفرت الشرعية لوجودها وأدوارها الأمنية المستقبلية في شمال العراق، عبر تضمين ذلك ببنود ومواد المذكرة، ومنه أن وجود القوات التركية سيكون بحماية الجانب العراقي.

ومن جانبه يهتم العراق بتسوية القضايا الأمنية مع تركيا، لتهيئة البيئة الآمنة للشروع في إنشاء "طريق التنمية" الذي يعول عليه العراق كثيرا في تغيير واقعه الاقتصادي والاجتماعي. ويصل الطريق عبر سكك حديد وطرق برية بين ميناء الفاو في شمال الخليج والحدود مع تركيا ومن ثم البحر المتوسط وأوروبا، وينتظر أن يكون طريقا مختصرا للبضائع بين آسيا وأوروبا. ويمثل وجود حزب العمال في مناطق سنجار بنينوى وجبال أقصى شمال العراق، أبرز عائق أمام تسويق فكرة المشروع واستقدام الاستثمارات الخارجية لتنفيذه، ولا سيما أن تركيا طرف أساسي في المشروع.

وشملت زيارة الوفد العراقي فضلا عن الاتفاقية الأمنية توقيع 27 مذكرة تفاهم بين البلدين، تشمل العديد من الجوانب الاقتصادية والتجارية والثقافية، إلّا أنه من الواضح أن الدبلوماسية الأمنية كانت هي محور الزيارة الأخيرة، وأن الغاية الأساسية من تلك الزيارة هي توضيح التزامات الطرفين عبر المذكرة الأمنية الأخيرة، خشية أن يؤدي استمرار سوء الفهم في العلاقات الأمنية العراقية التركية، إلى مزيد من الارتباك الأمني في شمال العراق، في ظل استمرار انتشار العديد من الفواعل المسلحة (محلية وإقليمية) في شمال العراق.

طبيعة الوجود العسكري التركي في العراق 

بعد تأسيسه عام 1978 ببضع سنوات ترك حزب العمال الكردستاني قواعده في سوريا، بطلب من حكومتها، وانتقل للعمل في أقصى شمال غرب العراق مستغلا أوضاع الحرب العراقية الإيرانية وطبيعة المنطقة الوعرة والنائية التي اختارها ملاذا لعناصره. أنشأ الحزب منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي قاعدة له على سلسلة جبال قنديل في منطقة المثلث الحدودي بين العراق وتركيا وإيران، ومنذ ذلك الوقت أصبح هذا الحزب أحد أبرز الملفات المعقدة في مسار العلاقات العراقية التركية. وقد دفع هذا الواقع نظام الرئيس الراحل صدام حسين إلى توقيع مذكرة تفاهم أمني مع تركيا عام 1984، سمح فيها لتركيا بالدخول في عمق 5 كم داخل الأراضي العراقية لملاحقة عناصر حزب العمال، وعلى الرغم من أن مذكرة التعاون الأمني آنذاك نصت على سريانها مدة عام واحد، فإن تركيا بقيت متمسكة بها من جانب واحد، وزاد من تعقيد هذه الحالة، عدم تمكن العراق من فرض سلطانه الداخلي على المناطق الشمالية، بسبب قرارات مجلس الأمن الدولي التي حظرت  الطيران فوق مناطق شمالي العراق، ومنعت قوات الجيش العراقي من دخول هذه المناطق، في أعقاب غزو الكويت في أغسطس/آب 1990.

في سبتمبر/أيلول 2007، وأثناء زيارة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي لتركيا، تم التوقيع على اتفاقية "المجلس الأعلى للتنسيق الإستراتيجي بين البلدين"، وتضمنت هذه الاتفاقية 10 مذكرات تفاهم، شملت الجوانب الاقتصادية والتجارية والسياسية والثقافية، إلى جانب توقيع مذكرة تفاهم أمني بين الطرفين، سمحت لتركيا بالدخول بعمق 35 كم داخل الأراضي العراقية لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، إلا أن الجانب العراقي رفض إدخالها حيز التنفيذ، بعد رفض تركيا تطبيق البرتوكول الخاص بالمياه.

شكل افتتاح قاعدة زليكان التركية في أكتوبر/تشرين الأول 2014، في شمال شرق محافظة نينوى، تحت عنوان المشاركة في مواجهة تنظيم داعش أول وجود عسكري تركي صريح في شمال العراق، رغم وجود نقاط عسكرية تركية غير معلنة داخل الأراضي العراقية منذ تسعينيات القرن العشرين، وشكلت زليكان نقطة شروع تركيا في تنويع صور وجودها داخل العراق، لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، وتشير معلومات ميدانية غير رسمية تم جمعها من مصادر عسكرية عراقية، إلى أن هذه القاعدة تضم مئات من الضباط والجنود الأتراك، فضلًا عن منظومات للقيادة والسيطرة، ومدارج هبوط طائرات مروحية، وعربات مدرعة وأسلحة ثقيلة، ومنظومة اتصال لوجستي تربط العديد من مناطق الانتشار التركي في شمال العراق عبر قيادة عمليات موحدة، وتبدو هذه الإمكانات التجهيزية والتسليحية طبيعية ومتوقعة بالنظر إلى المهمة الموكلة للقاعدة التركية.

وتمتلك تركيا بالأصل عشرات من النقاط العسكرية ومراكز المراقبة في العمق العراقي بما يصل إلى 30 كيلومترا، كما في ناحية بعشيقة القريبة من الموصل وغيرها من المناطق الحدودية (3). وتتضمن هذه القواعد بشكل خاص، مقرات استخبارية، تقوم بمتابعة تحركات عناصر حزب العمال الكردستاني، وتنسيق تحركات الجيش التركي، إلى جانب نقاط عسكرية ثابتة، تمارس في بعض الأحيان مهام الشرطة العسكرية في المناطق التي تسيطر عليها، وهي نقاط استخبارية لغرض الاستطلاع والمتابعة والرصد،  إلى جانب أبراج مراقبة وتعقب، وتنتشر على طول الشريط الحدودي  بدءًا من معبر (فيشخابور) في الشمال الغربي على الحدود مع كل من تركيا وسوريا، وصولًا إلى منطقة سوران قرب الحدود في شمال شرق العراق. وبطبيعة الحال، فمثل هذا الانتشار يستلزم نقاطًا للدعم اللوجستي والتدريب.

العملية العسكرية الحالية

احتفظت تركيا بقواتها ضمن مدى محسوب داخل الأراضي العراقية، وبعضها تم باتفاقات مع الحكومة في بغداد، لكن مدى التوغل العسكري اتسع داخل الأراضي العراقية، خلال العملية العسكرية التركية الجارية، حيث سيطرت القوات التركية منذ بدء هذه العملية في مطلع يوليو/تموز 2024، على الطرق الرئيسية التي تربط جبل متين بمدينة العمادية، واستطاعت إيقاف نشاط حزب العمال فيها، وانتشرت من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، فأدى ذلك إلى قطع طريقه باتجاه تركيا. وانشأت نقاط مراقبة داخل مناطق دهوك، كما قامت بتأسيس قواعد عسكرية على سفح جبل متين وقرب جبل غارا. وتجاوز التوغل التركي عمق 40 كيلومترا داخل إقليم كردستان، حيث وصل إلى بلدة العمادية التي تبعد 20 كيلومترا فقط عن مركز محافظة دهوك. ويعد جبل غارا بمنزلة قاعدة عمليات للعمال الكردستاني ضد القوات التركية، حيث تسعى أنقرة خلال العمليات الحالية غير المسبوقة إلى الوصول إلى معاقل الحزب في هذه المنطقة(4).

وعبر هذا الانتشار العسكري التركي، تطمح تركيا إلى جعل تحركاتها العسكرية الجارية في شمال العراق، مترابطة من حيث التخطيط والفعل العسكري، وهو ما يؤشر لرغبة تركية في عدم ترك أي فراغات أمنية يمكن أن يستغلها حزب العمال الكردستاني، إلى جانب دفع الحزب إلى التمركز بعيدًا عن الحدود العراقية التركية، خصوصًا أن العملية العسكرية الجارية في شمال العراق، نجحت في حصر الوجود الرئيس للحزب في سنجار جنوب غرب الموصل، وهو ما يعني أن تركيا تطمح عبر مذكرة التعاون الأمني الأخيرة، إلى معالجة الوضع الأمني الذي سينشأ بعد العملية العسكرية، خصوصًا أن هذا الانتشار العسكري سيكون جزءًا من جهود التعاون الثنائي بين العراق وتركيا في مكافحة الإرهاب، كما أنه سيكون جزءًا من المنطقة الآمنة التي تطمح تركيا لإقامتها في شمال العراق، أو  في الشمال السوري.

وحرص الجانب العراقي خلال زيارته الأخيرة لأنقرة على مطالبة الجانب التركي بتزويده بتقارير تفصيلية عن مناطق انتشار القوات التركية، خصوصًا في حال وصول القوات التركية إلى مقتربات مدينة سنجار التي تشهد انتشارًا كثيفًا للفصائل المسلحة الموالية لإيران، كما طالب الجانب العراقي بتوسيع التفاهم الأمني حول التحركات العسكرية التي تقوم بها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على الحدود العراقية السورية، من أجل توفير هامش مناورة لحزب العمال الكردستاني، إذ يمثل نجاح العراق وتركيا في قطع التواصل العابر للحدود بين حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية، هدفًا أمنيًّا رئيسيًّا في التفاهمات الحالية، لما يمثله ذلك من تحدٍّ أمني لكلا البلدين.

الحاجات الأمنية التركية 

مما لا شك فيه أن تركيا تدرك أهمية إعادة تشكيل دورها الأمني في العراق، على نحو أكثر قبولًا من قبل القوى الرافضة لوجودها العسكري، وتحديدًا الفصائل المسلحة الموالية لإيران، وذلك بسبب حالة سوء الفهم التي أنتجها الوجود العسكري التركي طوال الفترة الماضية، بسبب استمرار العمليات العسكرية التركية ضد مواقع انتشار حزب العمال الكردستاني داخل العراق.  ورغم أن مذكرة التعاون الأمني التي تم توقيعها مؤخرًا قد لا تضمن حالة من الاستقرار الأمني لكونها ليست الأولى بين البلدين، إذ تم توقيع مذكرات أمنية سابقًا ووقع الانقلاب عليها لاحقًا؛ فإن المذكرة الأخيرة يمكن أن تشكل أساسًا يمكن البناء عليه في استدامة حالة التعاون الأمني في القضايا الأمنية ذات الاهتمام المشترك.

ومن أجل تأمين وجودها العسكري داخل العراق، وتقليل الضغوط التي تمارس عليها لسحب قواتها من شمال البلاد، فإن تركيا استبدلت مفهوم "الوجود العسكري" بمفهوم "التعاون الأمني"، لتقلل من حساسية الأطراف العراقية المتوجسة من هذا الوجود، عبر افتتاح معسكرات مشتركة للتدريب والتعاون الأمني، في نموذج شبيه بالعلاقة التي تربط بين العراق والتحالف الدولي ضد داعش، وهذا في حد ذاته كفيل بتوفير مظلة أمنية يمكن لتركيا من خلالها حماية قواتها في العراق، ولا سيما أن مسؤولية حماية القوات التركية ستقع على عاتق القوات الأمنية العراقية، وهو ما أكده مركز مكافحة التضليل الإعلامي، التابع لدائرة الاتصال في رئاسة الجمهورية التركية، الذي أكد أن مذكرة التعاون الأمني الموقعة بين العراق وتركيا، لا تتضمن أي نص يتعلق بإنهاء وجود القوات التركية في الأراضي العراقية. (5) وأن ما جرى هو تغيير في عنوان هذا الوجود.

إن محاولة تركيا لتكرار نموذج الحوار الأمني العراقي الأميركي، أو اتفاق التعاون الأمني بين العراق وإيران الذي تم توقيعه في أغسطس/آب 2023، لملاحقة عناصر المعارضة الكردية الإيرانية في شمال العراق، يعكس رؤية تركية واضحة لطبيعة وجودها العسكري في مرحلة ما بعد نهاية العملية العسكرية الجارية ضد عناصر حزب العمال الكردستاني، فالجانب التركي يدرك أنه بدون مذكرة تعاون أمني، تؤطر الوجود العسكري التركي في المرحلة المقبلة، فإن النتائج العسكرية والعملياتية التي تطمح تركيا لتحقيقها على هامش العملية العسكرية الجارية، ستكون أمام تحدٍّ حقيقي في منع بروز تهديدات حزب العمال الكردستاني من جديد.

وفي سياق الرؤية التركية، فإن التطور الجديد الذي رافق توقيع المذكرة الأمنية بين العراق وتركيا، تمثل بحضور رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض عملية النقاش والتوقيع على هذه المذكرة، وهو ما يشير إلى دمج هيئة الحشد الشعبي في الجهود الأمنية بين العراق وتركيا، في تحول مهم يعكس إدراكًا تركيًّا لضرورة ترتيب أوضاع وسلوك الفصائل المسلحة المنضوية ضمن هيئة الحشد الشعبي، خصوصًا أن بعض هذه الفصائل متهمة بإدارة عمليات الهجوم الصاروخي على قاعدة زليكان، والقنصلية التركية في محافظة نينوى في الفترة الماضية، ولعل هذا ما أكده عدم بروز ردٍّ واضح من قبل قادة الفصائل المسلحة على مذكرة التعاون الأمني الموقعة بين العراق وتركيا، إذ إنه باستثناء بيان الاستنكار الذي صدر عن المتحدث باسم كتائب حزب الله العراقي أبو علي العسكري، فإن باقي الفصائل المسلحة لم يصدر عنها أي موقف، وهو ما يرتبط بوجود الفياض في عملية التوقيع على المذكرة الأمنية.

و تدرك تركيا أهمية تحقيق اختراق في سياق العلاقات التي تربط بعض الفصائل المسلحة المنضوية ضمن الحشد الشعبي، وحزب العمال الكردستاني، إلى جانب الشراكات المحلية القوية التي أنتجها الحزب في شمال العراق، خصوصًا أن مثل هذه العلاقات والشراكات عطلت بدورها العديد من الاستراتيجيات التي اعتمدتها تركيا في شمال العراق في الفترة الماضية، وذلك بحكم دمج العديد من عناصر حزب العمال الكردستاني ضمن لواء 80 حشد شعبي (وحدات مقاومة سنجار - اليابشا)، التي تشهد وجودا واضحا في سنجار وربيعة باتجاه الحدود السورية، فضلًا عن أن هذه العلاقات والشراكات سمحت لحزب العمال الكردستاني بالتمدد إلى داخل محافظة نينوى، وتحديدًا غرب المدينة، إلى جانب محافظة كركوك، وتحديدًا في مناطق التون كوبري والدبس وليلان وقرى هنجير. وعبر هذه العلاقة تمكن حزب العمال الكردستاني من السيطرة على مساحات جغرافية واسعة على طول الشريط الحدودي العراقي مع تركيا وسوريا، وبناء تواصل إقليمي واضح مع قوات سوريا الديمقراطية، كما نجح عبر علاقاته الجيدة مع الحرس الثوري والفصائل المسلحة الموالية لإيران في الحصول على هامش مناورة كبير أمام التحركات التركية؛ مما أدى إلى حرمان الجيش العراقي من ممارسة أدوار أمنية واسعة، سواءً في المناطق التي يسيطر عليها، أو على مستوى ضبط الحدود.

ومن ثم فإن تحييد الفصائل المسلحة الموالية لإيران عن حزب العمال الكردستاني، عبر دمج هيئة الحشد الشعبي في جهود التعاون الأمني بين العراق وتركيا، قد يعطي لتركيا فرصة أكبر للمضي قدمًا في احتواء تهديدات حزب العمال الكردستاني في المرحلة المقبلة، مع ضرورة التأكيد على أن مثل هذه الرغبة ستتوقف على الطريقة التي ستتعامل بها تركيا مع ملفات أخرى في العراق، خصوصًا ملف المياه أو الموقف من التطورات السياسية في كركوك، التي قد تستغلها بعض الأطراف السياسية المحسوبة على الفصائل المسلحة للمناورة السياسية، للانقلاب على أي دور تركي أوسع في العراق بالمرحلة المقبلة.
يمكن القول إن مذكرة التعاون الأمني بين العراق وتركيا، جاءت ترجمة للحاجات الأمنية التركية في شمال العراق، إذ إنه عند مراجعة استراتيجية الأمن القومي التركي، نجد أنها تشير إلى العديد من الأحزمة الأمنية التي تمثل مداخل مؤثرة للأمن القومي، وتحديدًا بالخط الجغرافي الممتدّ من حلب السورية حتى الموصل العراقية، الذي تعتبر تركيا أن تجاوزه من أية قوة محلية أو إقليمية، يعني تهديدًا مباشرًا للأمن القومي التركي؛ ولذلك أصبح وجود عناصر حزب العمال الكردستاني على طول هذا الحزام الجغرافي، بمثابة فجوة أمنية عانت منها تركيا كثيرًا، وهو ما تحاول تجاوزه عبر المذكرة الأمنية الأخيرة.
المقاربة الأمنية العراقية

إن الإشكال الرئيس الذي يواجه العراق في سياق مواجهة المعضلة الأمنية في شمال العراق، وتحديدًا في موضوع وجود حزب العمال الكردستاني، والانتشار العسكري التركي، يكمن في ضعف الجهود الاستخبارية والأمنية والعسكرية العراقية في سنجار وغيرها، بسبب التحديات الأمنية التي أفرزتها مرحلة ما بعد داعش من جهة، والخلاف المستمر مع إقليم كردستان من جهة أخرى، وكذلك في عدم تمكن الحكومات العراقية المتعاقبة، من الدفع بقوات الجيش أو القوات الاتحادية العراقية، لمسك الأرض في المناطق الشمالية؛ مما أدى إلى اندفاع جهات أخرى (محلية وإقليمية) لملء الفراغ الأمني العراقي، واستثمار ورقة الحزب؛ وهو ما جعل مسألة وجود حزب العمال في شمال العراق تحديًا حقيقيًّا يواجه العراق، لكون الحزب أصبح يطرح نفسه في سياق صراع إقليمي أكبر مع دول الجوار، وأصبح  يمارس نشاطات تهدد الداخل العراقي، أبرزها تجارة المخدرات والاختطاف وعمليات التهريب العابرة للحدود، وذلك عبر تأثيره في العديد من المعابر الحدودية العراقية مع سوريا.

لقد أنتج وجود حزب العمال الكردستاني في سنجار العديد من التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية للعراق، من دون أن تستطيع الحكومات العراقية تجاوزها حتى اللحظة، بسبب ضعف إدارة العراق لهذا الملف، وخضوعه للتأثير الإيراني، عبر الأدوار التي تمارسها الجماعات المسلحة الموالية لإيران في العراق، التي تهمين على القرار السياسي عبر قوى الإطار التنسيقي، على الرغم من الخطوة الأخيرة لحكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بتصنيف حزب العمال الكردستاني جماعةً محظورة في العراق.

إن القيمة الجيوسياسية لسنجار وامتداداتها الجغرافية، تجعل مسألة الاحتفاظ بها من قبل حزب العمال الكردستاني، أمرا مهما للغاية، وتحديدًا عندما يتعلق الأمر بمستقبل الدور التركي في شمال العراق، وخصوصًا في إقليم كردستان ونينوى وكركوك، وهي مناطق ترى فيها تركيا مجالًا للنفوذ الجيوسياسي، إذ إنه في مرحلة ما بعد داعش، بدأت تركيا تواجه واقعا صعبا، خصوصًا مع تمكن عناصر حزب العمال الكردستاني من تشكيل ملاذات آمنة في سنجار وقنديل وربيعة وغيرها، وبالتالي فإن الوصول إلى بيئة هادئة اليوم، لن يتم دون أن تكون هناك إرادة محلية وإقليمية حقيقية في هذا الاتجاه.

يمكن القول بأن الهدف الاستراتيجي للعراق من وراء توقيع مذكرة التعاون الأمني مع تركيا، يكمن في محاولته "تهذيب" السلوك العسكري التركي في شمال العراق، عبر القنوات القانونية المشروعة، سواءً على مستوى تحديد حجم ونوع ودور هذا الوجود، أو على مستوى دفع تركيا إلى إعادة إنتاج سياسة خارجية جديدة حيال العراق، تتجاوز الحالة الأمنية، إلى معالجة كافة القضايا العالقة بين البلدين، وتحديدًا في ملف المياه، إذ إنه في الوقت الذي تم فيه توقيع مذكرة التعاون الأمني، تم توقيع مذكرة تفاهم مائي بين العراق وتركيا، تعهدت فيها تركيا بضمان حصص مائية عادلة للعراق.

ومن المقدر أن يتمكن العراق عبر مذكرة التعاون الأمني من الإشراف على الوجود التركي، وتحديد أشكال التفاهم والتنسيق، كما أن المذكرة تمنح العراق فرصةإيجاد مسافة أمان بين الوجود العسكري التركي ومواقع انتشار الفصائل المسلحة، والأهم سحب ورقة التهديد الأمني الذي يشكله حزب العمال الكردستاني من التعامل الأحادي التركي، من خلال وضع استراتيجية مشتركة، تجبر تركيا على التخلي عن النهج الأحادي في مواجهة هذا التهديد داخل الحدود العراقية.
إن ترجمة هذه الفوائد الأمنية على أرض الواقع، هي مهمة ستقع على عاتق حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، خصوصًا أنها ستكون مطالبة في المقابل بإعادة تشكيل موقف الفصائل المسلحة وإيران من طبيعة الدور التركي في المرحلة المقبلة، ولا سيما أن  تحول مناطق شمال العراق إلى ساحة للتنافس الجيوسياسي بين تركيا وإيران، قد ينعكس سلبًا على أي توافق عراقي تركي مستقبلًا، خصوصًا أن لإيران دورًا فاعلًا في تقوية حزب العمال الكردستاني في سنجار وغيرها، وهو ما يضع تحديًا أمام بغداد.

وفي سياق ما تقدم، فإن تمكن العراق من إعادة تشكيل الدور الأمني التركي، عبر المذكرة الأمنية الأخيرة، يتطلب جهدا أمنيا عراقيا في مواجهة التحديات التي أفرزها استمرار وجود حزب العمال الكردستاني، وكانت سببًا وراء الأدوار العسكرية التركية المستمرة، إذ أدى ضعف وجود وانتشار القوات الأمنية العراقية في سنجار، إلى إنتاج واقع أمني هش في المدينة، وما يجاورها على الحدود العراقية السورية، وتحول هذا الشريط الحدودي إلى ملاذ آمن للجماعات الكردية المقاتلة في سوريا، وسهّل لها عملية نقل المقاتلين والسلاح، كما أنتج وجود عناصر الحزب في سنجار ظهور ما يعرف بـ"الاقتصاد الأسود أو الاقتصاد العابر للحدود"، عبر تصاعد كبير لتجارة المخدرات وعمليات التهريب وبروز أنشطة السوق الموازية مع قوات سوريا الديمقراطية على الجانب السوري من الحدود.
وكان من التحديات المهمة الأخرى إمكانية أن يتحول وجود حزب العمال في سنجار إلى واقع دائم يؤدي بدوره إلى إعادة تشكيل الحدود العراقية السورية، خصوصًا أنه يجد نفسه في إطار امتداد جيوسياسي لوجود الأكراد على الجانب السوري، بل إن وجود عناصر الحزب تسبب بدوره في واقع سياسي عراقي يتسم بحالة عدم اليقين، وتحديدًا على مستوى العلاقة بين بغداد وأربيل ومستقبل المناطق التنازع عليها.

إن قدرة العراق على تحقيق فوائد استراتيجية من توقيع مذكرة التعاون الأمني مع تركيا، ستكون متوقفة على قدرة حكومة السوداني على معالجة المخاوف التركية، ووقف التدخلات الإيرانية، والسيطرة على سلوك الفصائل المسلحة، والأهم تسوية وضع حزب العمال الكردستاني، إذ إن تصفير مثل هذه التحديات سيجعل العراق قادرًا على الانتقال نحو بناء علاقات أكثر استقرارا مع الجانب التركي، كما قد يجبر تركيا على إعادة تشكيل دورها في العراق، على نحو أكثر توازنًا، في سياق الحقوق والالتزامات المتبادلة بين البلدين.

تداعيات محلية وإقليمية

يمكن القول بأن مذكرة التعاون الأمني بين العراق وتركيا، ستفرز بدورها جملة من التداعيات المحلية والإقليمية التي تطرح نفسها في سياق العلاقات العراقية التركية، فعلى صعيد إقليم كردستان، وتحديدًا على مستوى العلاقة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية، قد تؤدي هذه المذكرة دورًا في تصحيح معادلة التوازن السياسي بين أربيل والسليمانية، الذي أصبح لصالح السليمانية مؤخرًا، خصوصًا بعد أحداث كركوك الأخيرة، المتمثلة بسيطرة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني على الإدارة المحلية فيها، بدعم من فصائل مسلحة موالية لإيران، ولما تمثله كركوك من قيمة جيوسياسية واقتصادية للإقليم، فعبر مذكرة التعاون الأمني، وكذلك مذكرات التفاهم الأخرى التي جرى توقيعها بحضور وزير داخلية إقليم كردستان القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني ريبر أحمد، فإنه بحكم العلاقة الوثيقة التي تربط أنقرة بأربيل، ستسعى الأخيرة للتخلص من ضغط العلاقة الوثيقة بين حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني من جهة، ومن جهة أخرى ستستثمر الحضور التركي المدعوم عراقيًّا، لتحقيق منافع اقتصادية وأمنية في المرحلة المقبلة.

أما على صعيد حزب العمال الكردستاني، فيمكن اعتبار أن الحزب مثل الأساس الذي بنيت عليه مذكرة التعاون الأمني الأخيرة، ولذلك فإن مدى قدرة التوافق العراقي والتركي على المضي قدمًا في تنفيذ بنود ومواد هذه المذكرة، ستحدد بشكل كبير مستقبل وجود حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن الشراكات المحلية والإقليمية التي أقامها الحزب خلال سنوات وجوده في سنجار وغيرها، قد تجعله قادرًا على تجاوز أي تفاهمات عراقية وتركية، كما أن الرعاية الإقليمية التي توفرها له إيران، على مستوى التسليح والتجهيز، وكذلك الدعم الذي يتلقاه من فصائل مسلحة موالية لإيران، سيمثلان أبرز تحدٍّ لمدى قدرة مذكرة التعاون الأمني على رسم مستقبل هذا الحزب.

فيما يتعلق بالفصائل المسلحة الموالية لإيران، فإنها ستشكل كذلك تحديًا كبيرًا في مدى قدرة الجانب العراقي على الالتزام بمذكرة التعاون الأمني مع تركيا، وذلك نظرًا إلى الحضور الكبير لهذه الفصائل في شمال العراق، ورفضها المستمر لأي وجود عسكري تركي، وهو ما عبر عنه صراحة العديد من قيادات الفصائل المسلحة في الفترة الماضية، ورغم أن أغلب هذه القيادات التزم الصمت حيال مذكرة التعاون الأمني الأخيرة، فإن هذا لا يعكس موقفًا استراتيجيًّا عامًّا، قدر ما يعكس لحظة ثقة فصائلية بوجود رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض ضمن الوفد العراقي، وقد يثير موضوع هذه المذكرة في أي لحظة صداما بين تركيا والفصائل المسلحة في شمال العراق مستقبلًا، خاصّة إذا ما أنتجت هذه المذكرة تداعيات سياسية على مستوى تقوية حلفاء تركيا من السُّنة والأكراد، ويتعلق الأمر كذلك بمدى قدرة تركيا على إنهاء وجود حزب العمال الكردستاني في المرحلة المقبلة.

أما على المستوى الإقليمي، فيمكن القول بأن التحدي الأكبر الذي قد يقف في طريق مذكرة التعاون الأمني بين العراق وتركيا، يتمثل بالدور الإيراني، إذ حرصت إيران على إنتاج واقع سياسي وعسكري جديد في مرحلة ما بعد داعش، وتحديدًا في المناطق الشمالية للعراق، من أجل قطع الطريق على أي عودة تركية في المستقبل، كما أنها سخرت الجغرافيا الشمالية للعراق، عبر علاقاتها مع حزب العمال الكردستاني، من أجل الوصول الآمن إلى البحر الأبيض المتوسط، إذ وفرت إيران للحزب انتشارا عسكريًّا في سنجار وكركوك والكوير ومخمور وجنوب كركوك وغيرها.

لقد تمكنت إيران عبر علاقاتها بحزب العمال الكردستاني، من التحول نحو استراتيجية أكثر تخصصية في شمال العراق في مرحلة ما بعد داعش، عبر دعم وتهيئة وتنظيم وحدات مقاومة سنجار (اليابشا) التي شكلها الحزب، ولم يقتصر الدور الإيراني على العميد ريبر أزدائي مسؤول ملف حزب العمال الكردستاني في قوة القدس الإيرانية، وإنما أشرفت على دعم هذه الوحدات ماديًّا ولوجستيًّا استخبارات الحرس الثوري منذ نهاية عام 2016، وذلك عبر التنسيق مع الفصائل المسلحة الموالية لإيران التي توجد في سنجار، وأبرزها فصائل أنصار الحجة وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله ومنظمة بدر، ولم يقتصر دورها على الإشراف على سنجار والفصائل الموجودة فيها فحسب، وإنما شمل أيضًا تأمين الطريق البري الرابط بين سنجار وربيعة باتجاه الحدود السورية، وذلك لتأمين عمليات نقل المقاتلين والأسلحة إلى سوريا، فضلًا عن تأمين عمليات تجارة المخدرات والتهريب والتجارة العابرة للحدود، عبر مناطق سنجار والإدارة الذاتية الكردية بشمال شرق سوريا، نحو تركيا وأوروبا، وشكلت هذه العمليات مدخلًا لحصول إيران على ملايين الدولارات، في الوقت الذي تخضع فيه لعقوبات أميركية مشددة.

ولذلك فإنه يمكن القول إن إيران ربما ستمارس دورها في إفراغ هذه المذكرة من أي نتائج عملياتية قد تؤثر في حضورها في شمال العراق مستقبلًا، لما لذلك من تهديد مباشر لمجمل الاستراتيجية الإيرانية في العراق وسوريا، والصمت الإيراني الحالي لا يعكس قبولًا إيرانيًّا لهذه المذكرة، بقدر ما يعكس انشغالًا إيرانيًّا بملفات داخلية وإقليمية أكثر خطورة.

خاتمة

على الرغم من الجانب الإيجابي لمذكرة التعاون الأمني بين العراق وتركيا، لكونها مسارًا مهمًّا يمكن البناء عليه في سياق إقامة علاقات أكثر استقرارًا بين البلدين على مختلف المستويات، عبر دورها في نقل العلاقات الأمنية من حالة عدم التفاهم والحسابات الخاصة إلى حالة التوافق والمصالح المشتركة، فإنها لا تزال بحاجة إلى مزيد من إجراءات بناء الثقة بين البلدين، وتحديدًا على مستوى مستقبل الوجود العسكري التركي في شمال العراق، وكذلك مدى قدرة العراق على القيام بدوره في كبح جماح تهديدات حزب العمال الكردستاني، والسيطرة على سلوك الفصائل العراقية المسلحة المتفاعلة معه، والأهم مدى قدرته على تحييد الدور الإيراني بعيدًا عن التفاهمات العراقية التركية.

إن الانقلاب المستمر على التفاهمات الأمنية العراقية التركية في السنوات الماضية، قد لا يجعل التفاهم الأمني الأخير بين البلدين استثناءً من هذه القاعدة؛ وذلك بسبب فشل البلدين في الانتقال بعلاقاتهما إلى مستوى أكثر تفهمًا للمصالح والحاجات المشتركة، إلى جانب الاختلاف المستمر بين البلدين في تحديد الأولويات الأمنية، أو حتى مصادر التهديد؛ مما يجعل مسألة وضع استراتيجية مشتركة لمواجهة مختلف التهديدات، مرتبطة بهذا الاختلاف، وكذلك حالة عدم الثقة، التي كانت سببًا في تعثر الوصول إلى حالة أمنية مستدامة في العلاقات العراقية التركية، وهو ما يجعل عملية الالتزام المشترك بمذكرة التعاون الأمني الموقعة مؤخرًا أمام تحديات كبيرة في المرحلة المقبلة.

نبذة عن الكاتب

مراجع
  1. العراق وتركيا يوقعان مذكرة «بالأحرف الأولى» لمحاربة «العمال»، موقع جريدة الشرق الأوسط، في 15 أغسطس/آب 2024. (تاريخ الدخول: 22/أغسطس/آب 2024): https://shorturl.at/FI3Zp
  2. تفاصيل مذكرة التفاهم العسكرية بين تركيا والعراق، الزمان، 18 أغسطس/آب 2024، (تاريخ الدخول: 22/أغسطس/آب 2024): https://shorturl.at/YsW3z
  3. مرحلة جديدة وتوسع محتمل للعملية العسكرية التركية بكردستان العراق، الجزيرة نت، 14/7/2024، (تاريخ الدخول: 23/8/2024): https://shorturl.at/PPcPH
  4. نفس المصدر.
  5. تركيا: لا اتفاق مع العراق على إنهاء الوجود العسكري، الشرق الأوسط، 23 أغسطس/آب 2024، (تاريخ الدخول: 23/8/2024): https://shorturl.at/SE6yn