دور نظام الكوتا في ترقية الحقوق السياسية للمرأة في الجزائر دراسة تقييمية لمنتخبات المجالس الشعبية الولائية في الجنوب الجزائري عهدة 2012-2017

مقدمة

أخرجت النقاشات الدائرة في الجزائر الحقوق السياسية للمرأة من إطارها النسوي، ومن مضامين المواثيق الدولية، التي لم يُعبَّرُ عنها واقعيًّا، إلى خانة الفعل السياسي والمأسسة القانونية العلنية، ـوذلك بعد دعوة الأمم المتحدة الحكومات والدول والمنظمات الدولية لإدماج النوع الاجتماعي (الجندر) في سياساتها وتشريعاتها، من أجل رفع أشكال التمييز ضد المرأة، والتمكين السياسي الحقيقي لها، ما يسمح بإعادة توزيع السلطة بين الرجل والمرأة على أساس النوع الاجتماعي.

ويعتبر نظام "الكوتا"، أو تخصيص حصص للنساء، إحدى الآليات المقترحة في المؤتمر الرابع العالمي عن النساء، الذي عقد في العاصمة الصينية بيجين عام 1995 كحل مرحلي لمشكلة ضعف مشاركة النساء في الحياة السياسية ومراكز صنع القرار، بعدما طال النساء من تهميش وإقصاء أدى إلى عدم تمثيلهن أو على أقل تقدير ضعف هذا التمثيل، وعزوفهن في كثير من الأحوال عن المشاركة في مراكز صنع القرار.

لقد جاء نظام "الكوتا" ليزيد من نسبة المشاركة السياسية للنساء في المجالس المنتخبة، باعتباره آلية مؤقتة تعالج المشكلات الخاصة بتمكين المرأة سياسيًّا. ويطرح هذا النظام جدلًا واسعًا بين معارض له ومؤيد. ويدور النقاش تحديدًا حول المدى الذي يمكن أن يساهم هذا النظام "التمييز الإيجابي" في خلق فرص حقيقية للنساء المهمشات عن العملية السياسية ومواقع صنع القرار، وقدرته على إفراز قيادات نسوية مستقبلية تستطيع أن تصنع فارقًا في العملية السياسية والانتخابية.

ولا يخفى على أحد الدور الفاعل الذي لعبته الحركات النسوية في دعم حقوق المرأة السياسية، من خلال إشراك هذه الحركات في مشاورات المنظمات الدولية، وتكليفها بإعداد تقارير تنتقد مضامين التقارير الرسمية للحكومات، وتحاول أن تكشف نقاط الخلاف التي تجاوزتها التقارير الوطنية المرفوعة والتي تتناول واقع المرأة في تلك البلدان، وتتسبب هذه التقارير في مساءلة الدول وممارسة الضغوط الخارجية عليها، وتحصيل مكاسب لصالح المرأة.

تقع المسؤولية الأكبر على الدولة والأحزاب السياسية لدعم الحقوق السياسية للمرأة، وتوسيع تمثيلها في المجالس المنتخبة ومواقع صنع القرار، وتذليل الصعوبات التي تقف في وجه تحقيق هذه الأهداف.

لن تتمكن المرأة من المشاركة الفعّالة إلا بتوسيع نطاق الفرص والخيارات والبدائل المتاحة لها، وتطوير قدراتها وإمكاناتها، لتمتلك عناصر القوة التي تجعلها قادرة على إحداث التغيير في مجتمعها. وهذا ما أدى إلى تعالي النداءات بضرورة اتخاذ تدابير من أجل إدماج المرأة في العملية التنموية وإشراكها في اتخاذ القرار، وتمكينها من حقوقها السياسية، خاصة وأن أن تعزيز تمكين المرأة بالمشاركة الفعلية في تلك المجالات لا يتنافى ولا يتعارض مع دورها الرئيسي والحيوي في رعاية الأسرة وتنشئة الأبناء.

ولا يتعلق تمكين المرأة السياسي بمسألة "الكوتا" فحسب، وإنما يتعلق كذلك بالتكوين والتدريب في الجانب السياسي، ولكي تتمكن المرأة من ممارسة حقوقها السياسية بفاعلية لا بد من إزالة العقبات والعراقيل من طريقها استنادًا إلى الشرعية الدولية لحقوق الإنسان والإعلانات الدولية والإقليمية والوطنية ذات الصلة.

إنَّ نيل المرأة لحقوقها السياسية يساهم في جعلها أكثر إدراكا لمشاكلها ما يفتح أمامها أبواب التعاون الإيجابي بينها وبين المؤسسات الرسمية والمدنية لحل هذه المشاكل ومعالجة قضاياها، مما يعزز من دور هذه المؤسسات مجتمعيًّا، ويقوم بإزالة الهوة القائمة بينها وبين القيادة الجماهيرية لتحقيق خطط التنمية.

إن الجزائر من بين الدول التي عرفت تحولات عميقة بفعل المشروع التنموي الذي تبنته بعد الاستقلال، وبفعل العوامل الخارجية التي عملت على ضرورة التكيف مع النظام الدولي والالتزام بالعهود والمواثيق الدولية من خلال المصادقة عليها ثم إدراجها في المنظومة التشريعية المحلية. ويعتبر موضوع إشراك المرأة في الحياة السياسية وتوسيع حظوظها في المجالس المنتخبة من المواضيع المتداولة في أوساط الفاعلين السياسيين وفي أوساط المجتمع الجزائري، لذا عملت الدولة الجزائرية على تحقيق توازن بين الجنسين، وهذا ما جاء في مضامين دساتيرها التي تنص على تعزيز وتفعيل دور المرأة في الحياة السياسية وتوسيع حظوظ التمثيل النيابي والتمتع بكافة حقوقها، وصادقت على العديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحقوق السياسية للمرأة عامة وحقها في الترشح بصفة خاصة.

ورغم الجهود التي بذلتها الجزائر من خلال الالتزامات الدولية والدستورية والوطنية لتفعيل دور المرأة في الحقل السياسي، فإن واقع الممارسة يظهر أن هناك عقبات تحول دون حصول المرأة على كافة حقوقها، وهذا ما دفع بالمشرّع الجزائري إلى إعادة النظر في مسألة حقوق المرأة، فوضع آليات قانونية جديدة تقر بدور المرأة في النهوض بالمجتمع، وتعمل على ترقية حقوقها السياسية، وهذا ما أفرزه التعديل الدستوري لسنة   2008الذي أدرج المادة 31 مكرر في التعديل الدستوري، ومعها سن القانون العضوي رقم 12-03 المحدد لكيفيات توسيع حظوظ تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة، ليتجسد ميدانيا سنة 2012 عبر تبني نظام "الكوتا" بعد خطاب الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في 15 أبريل/نيسان عام 2011، حيث حصلت المرأة بعد الانتخابات التشريعية والمحلية عام 2012 على عدد مقاعد معتبرة في هذه المجالس، ولم تكن الولايات الجنوبية استثناء، إذ شهدت المجالس الشعبية الولائية للولايات الجنوبية العشر بعد انتخابات 29 نوفمبر/الثاني 2012  تزايدًا للنساء فيها.

خاتمة

لقد نجحت هيئة الأمم المتحدة في فرض مقاربة النوع الاجتماعي (الجندر)، وتدويل المصطلحات النسوية وتعميمها وترجمتها إلى قوانين واتفاقيات ومؤتمرات وخطط عشرية، من أجل النهوض بأوضاع المرأة، وتفعيل الرقابة الأممية على الحكومات، وإجبارها على الإيفاء بالتزاماتها حيال المرأة.

لقد سعت المنظمات والهينات الدولية لإرساء العديد من المبادئ والأهداف، ضمن اتفاقيات خاصة بحقوق المرأة، بغية الإسراع في تحقيق المساواة الفعلية والتمكين من جميع حقوقها بما فيها الحقوق السياسية، وتسارعت جهود الدول والحكومات في اتخاذ الكثير من الإجراءات والخطوات الهامة، لاسيما على صعيد تشريعاتها، إذ عمدت إلى تقنين هذه الحقوق ضمن قوانينها الداخلية، واعتمدت نظام "الكوتا" لصالح ترقية حقوق المرأة السياسية.  

وازداد الإقبال على تطبيق نظام "الكوتا" في البلدان المختلفة بعد مؤتمر المرأة الرابع المنعقد في بيجين عام 1995، والذي دعا بيانه الختامي الدول المشاركة إلى تخصيص نسبة من 30 إلى 50 في المائة كحد أدنى للنساء في مؤسسات صناعة القرار، ويتم تطبيق هذه الآلية اليوم في كثير من دول العالم، وقد أسفر هذا التطبيق عن صعود الكثير من النساء كعضوات في المجالس المنتخبة. ورغم ما يطرحه هذا النظام من إشكالات ديمقراطية وقانونية، حسب معارضيه، يبقى، بحسب الكثير من مؤيديه، قانونًا إيجابيًّا يصب في صالح تمكين المرأة، ويعتبر خطوة مهمة أوصلت النساء إلى مختلف الهيئات التمثيلية، ويظل التحدي الأكبر أمام توسيع حظوظ المرأة وتمكينها سياسيًّا هو مواجهة تهميش دورها في المجتمع بسبب الأعراف والتقاليد وتوزيع الأدوار التاريخية لكل من الرجل والمرأة؛ فهناك ارتباط وثيق بين تمكين المرأة وتوسيع حظوظها السياسية وثقافة المجتمع وعاداته وقيمه، وهو ما يتطلب تغييرًا للعقلية السائدة، وإتاحة الفرص لتعليم المرأة وتثقيفها بما يزيد من ثقتها بنفسها وإدراكها لحقوقها وواجباتها، وتصبح قادرة على اتخاذ القرارات المناسبة، ولن يتحقق ذلك إلا بإدراك حقيقة أن تمكين المرأة من حقوقها السياسية لا يرتبط فقط بفتح باب المشاركة السياسية وولوج البرلمانات والمجالس المحلية، عن طريق نظام "الكوتا" الذي يبقى آلية مؤقتة تضمن وصول النساء لمراكز صنع القرار وتمكينها للمساهمة الفعالة في اتخاذ القرارات ضمن مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

رغم أن القانون أقر بحق إنشاء الأحزاب السياسية على أساس مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة فإن الممارسة أظهرت عكس ذلك، فهناك تفاوت في الواقع حول وضع النساء في الأحزاب السياسية ومدى إسهامهن في عملية صنع القرار وتوجيه سياسات الحزب والتواجد في هياكله الداخلية، ما يطرح تساؤلات عن مدى استيعاب هذه الأحزاب لتواجد العنصر النسوي. لذا فإنه لابد من مواصلة الجهود الرامية إلى تفعيل التمكين السياسي للنساء لتمكينهن من صناعة القرار والتأثير في صياغة السياسات على مستوى الحزب والمجالس المنتخبة وصنع القرار بصفة عامة.

لقد وفَّت الجزائر بالتزاماتها الدولية وسارعت إلى تعديل منظومتها التشريعية، التي أثبتت محدوديتها في تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة رغم تكريس المساواة بين الجنسين في الدساتير المختلفة ، خاصة المساواة في حق الانتخاب والترشح وممارسة العمل السياسي، ونتيجة لذلك اعتمدت الجزائر نظام "الكوتا" من خلال صدور القانون العضوي 12-03 المحدد لكيفيات توسيع حظوظ تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة تطبيقًا لنص المادة 31 مكرر من التعديل الدستوري لسنة 2008، وقد أدى تطبيق هذا القانون  إلى ارتفاع حظوظ تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة، الأمر الذي جعل الجزائر تحقق قفزة نوعية في الترتيب الدولي والإقليمي، بعدما كانت ضمن المراتب الأخيرة قبل تطبيق هذا القانون.

لقد ساهم تطبيق نظام "الكوتا" في إيصال الكثير من النساء إلى المجالس الشعبية الولائية، ومنها الولايات الجنوبية العشر، وذلك في الانتخابات المحلية التي جرت في 29 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2012، كأول تجربة انتخابية يُطبَّق فيها هذا النظام، واستطاعت المرأة في هذه العهدة أن تتحصل على أكثر من 105 مقعدًا، وتترأس لأول مرة بعض لجان المجلس الشعبي الولائي لهذه الولايات، وتحصل على نيابات، ورغم العراقيل الكثيرة والمختلفة التي شابت تطبيق "الكوتا" لأول مرة في الجزائر تبقى هذه التجربة جديرة بالدراسة والتعمق أكثر، خاصةً في شقها الاجتماعي.   

التوصيات

وفي الأخير يمكن تقديم بعض التوصيات والمقترحات التي يمكن أن تساهم في بلورة تصور جديد لتطبيق نظام "الكوتا" لدعم الحقوق السياسية للمرأة:

  1. إن قصور نظام "الكوتا" في تحقيق تمثيل سياسي نسوي متكامل (کميًّا ونوعيًّا) في الجزائر يستدعي توفر إرادة داخلية من طرف النظام السياسي والأحزاب السياسية، لدعم المرأة بكل الوسائل المتاحة، ورفع كل العوائق التي تقف حائلًا أمام تمكين المرأة السياسي.   
  2. تعزيز الضمانات الرسمية القانونية والتشريعية التي تدعم نظام "الكوتا" في الجزائر، ليصبح حقيقة آلية مثلى لتمكين المرأة من حقوقها السياسية؛ فالكثير من الدول تراجعت عن تطبيق نظام "الكوتا" لمرحلة معينة لتمكين المرأة، ولكن فيما بعد أعادت هذا النظام إلى الواجهة لدوره الفعَّال في التمكين السياسي للمرأة، والتزامًا بمضامين الاتفاقيات الدولية المصادق عليها.
  3. الاستفادة من التجارب الدولية الرائدة في مجال تطبيق نظام "الكوتا" لصالح المرأة، والتي حقق تنفيذها نجاحًا في كثير من دول العالم.   
  4. الاهتمام بالدريب والتكوين السياسي للمرأة، إن قبل الانتخابات أو بعدها، لزيادة الوعي الثقافي السياسي لدى المرأة الجزائرية، من خلال إيجاد مؤسسات تعنى بذلك، وتعزيز النضال الحزبي للمرأة من خلال التزام الأحزاب باشراك جميع شرائح المجتمع في هياكلها وأنشطتها، مع دعم الدولة وإلزام الأحزاب قانونًا.    
  5. لابد من إشراك المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية في إبراز أهمية التواجد السياسي للمرأة، وتسليط الضوء على أنشطتها السياسية، من أجل إظهار الدور المهم الذي يمكن للمرأة أن تضطلع به في سبيل تحقيق التنمية.
  6. لقد قصر المشرِّع الجزائري مجال ترقية الحقوق السياسية للمرأة على المجالس المنتخبة فقط، بدلًا من توسيع الحق في كل المجالات السياسية، من خلال المادة 31 مكرر من التعديل الدستوري لسنة 2008، والقانون العضوي 12_03، في حين أن نصوص القانون الدولي تذهب إلى ترقية المشاركة السياسية للمرأة وتكافؤ الفرص في المجالس المنتخبة.
  7. بالنسبة لآلية الرقابة على تحقيق نسبة 30%، كان على المجلس الدستوري أن يُبقي على المادة 08، وللإشارة أن مشروع القانون العضوي الذي يحدد كيفية توسيع تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة، والذي صادق عليه البرلمان، ضمن المادة 08 والتي تلزم الحكومة بتقديم تقرير تقييمي أمام البرلمان حول مدى تطبيق هذا القانون العضوي، عقب كل انتخابات للمجالس الشعبية البلدية والولائية والبرلمان، والتي ألغاها المجلس الدستوري عندما عُرض عليه هذا القانون للرقابة، بحجة أنها غير دستورية، ومن هنا لا يمكن إلغاء أو الإبقاء على  نظام "الكوتا" دون تحديد أو عرض النتائج المتحصّل عليها من تطبيقها، لتحديد مدى نجاعته ميدانيًّا.
  8. بالنسبة لأحكام الاستخلاف فمن الضروري إحداث الانسجام والتناسق فيما يخص أحكام الاستخلاف بين القانون العضوي 12_03 والقانون العضوي للانتخابات 12_01 وقانون البلدية 11-10 والولاية 12-07، لتفادي التعارض بين المنظومات القانونية ذات العلاقة، الأمر الذي من شأنه أن يُحدِث إشكالات أثناء تطبيق القوانين.

وفي الأخير إن نظام "الكوتا" ساهم بشكل كبير في تعزيز الحقوق السياسية للمرأة في الجزائر، ورغم تراجع الدولة عن تطبيقه في هذه العهدة فإننا نرى أنه السبيل الأنجع لتمكين المرأة من الوصول لمراكز صنع القرار وكذا المجالس المنتخبة المحلية والوطنية.

تنويه:

  • الآراء الواردة في هذه الدراسة تُعبِّر عن كاتبها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي مركز الجزيرة للدراسات.
  • للاطلاع على النص الكامل للدراسة (اضغط هنا)
  • يمكن للباحثين الراغبين في نشر رسائلهم وأطروحاتهم مراسلتنا على العنوان التالي:   ajcs-publications@aljazeera.net

نبذة عن الكاتب