مفترق حرج: إستراتيجية ترامب الشرق أوسطية

قد يسعى نتنياهو إلى إقناع الرئيس ترامب بالانخراط المباشر في الحرب لتحقيق الأهداف التي عجز عن إنجازها، لكن الولايات المتحدة تواجه عقبات كثيرة قد تجعلها هي أيضًا تفتقد القدرة على تحقيق تلك الأهداف، بل قد تؤدي إستراتيجية ترامب المرتقبة بزيادة التصعيد إلى دفع إيران لمزيد من التدابير القصوى مثل التسريع في تطوير مشروعها النووي، فتصل المنطقة لنقطة حرجة وهي إما التراجع عن حافة الهاوية والتوصل لاتفاق جديد أو اندلاع حرب إقليمية ستعجِّل بدخول المنطقة في مرحلة سباق نووي.
8 ديسمبر 2024
ترامب ونتنياهو يصوبان على نفس الأهداف في الشرق الأوسط(رويترز)

يقسم ترامب منطقة الشرق الأوسط إلى ثلاثة أطراف: أولًا: إسرائيل التي يعتزم في تصريحاته وتعييناته بإدارته ألا يعترض على سياساتها ومشاريعها بل صرَّح في حملته بأنها تحتاج إلى توسيع مساحتها. ثانيًا: دول الخليج التي يعتبرها من جهة حليفًا قادرًا على المساهمة في مشاريعه الاستثمارية في الولايات المتحدة ومن جهة أخرى الشريك الرئيسي في اتفاقات إبراهام التي تدمج إسرائيل في المنطقة لتكوين حلف مضاد لإيران. ثالثًا: إيران وحلفاؤها، ويعتزم ممارسة الضغط الأقصى عليهم، خاصة على إيران، لدفعها إلى حافة الإفلاس فتضطر للرضوخ للشروط الأميركية.

من منظور شامل، تقوم إستراتيجية ترامب على الاقتصاد للعقاب والجزاء، للعقاب كما في تشديد العقوبات الاقتصادية على إيران أو رفع التعريفات الجمركية مع الدول المزاحمة للولايات المتحدة مثل الصين، والجزاء مثل سعيه في عهدته الأولى في توفير الرخاء للفلسطينيين في غزة خاصة حتى يكونوا مثل سنغافورة أو دبي مقابل تخليهم عن النضال المسلح لتحرير بلادهم. وحرص ترامب في تصريحاته على الظهور كصانع للصفقات، ورافض للحروب. هذا هو المنحى العام، لكن هذا لا يستبعد أن يضطر نتيجة التطورات للجوء إلى العمليات العسكرية لأن الأداة الاقتصادية لم تجد، كما وقع في عهدته الأولى حين أمر باغتيال قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، في 2020، وخاطر باندلاع حرب واسعة مع إيران. وحرَّض في حملته الانتخابية، 2024، نتنياهو على ضرب المنشآت النووية الإيرانية. لذلك، لا يمكن استبعاد لجوء ترامب إلى العمليات العسكرية في سياسته الخارجية إذا أخفقت الأداة الاقتصادية وتعاضدت عوامل داخلية مثل مجموعات المصالح وخارجية مثل ضغوط الحلفاء إلى المضي في الخيار العسكري.

قد تكون إستراتيجيته للمنطقة في عهدته الثانية شبيهة بعهدته الأولى بين 2016-2020، لكن السياق الجيوبوليتيكي والإستراتيجي تختلف دينامياته في 2024 عن العهدة الأولى، وسيفرض تحويرات في التنفيذ قد ترجِّح الخيار العسكري أكثر وقد تؤدي إلى نتائج بخلاف المرجو. فمن جانب إسرائيل، صوَّت الكنيست الإسرائيلي على رفض قيام دولة فلسطينية، وتشير التقارير إلى أن الحكومة الإسرائيلية تعتزم ضم شمال القطاع والكتل الاستيطانية في الضفة الغربية، وهي تغييرات جيوبوليتيكية بمعنى التحول في السلطة المتحكمة في الإقليم الجغرافي، إضافة إلى أن إسرائيل تريد تحقيق أهدافها بالقوة العسكرية وليس بالمفاوضات السياسية، وهذا تحول إستراتيجي؛ لأنه يتعلق باستعمال الحرب للوصول إلى السلام. ومن جانب ثان، فإن رفض إسرائيل قيام دولة فلسطينية يضع عوائق أمام استكمال اتفاقات إبراهام التي أقام عليها ترامب إستراتيجيته الكبرى للشرق الأوسط، والقائمة على الاستعانة ببعض دول الخليج كي توظف ثروتها لتوفير الرخاء للفلسطينيين مقابل تأجيل المطالبة بقيام دولة فلسطينية. لكن دول الخليج ترفض المشاركة في مشاريع توسيع دمج إسرائيل في المنطقة ما لم تتضمن قيام دولة فلسطينية. كذلك لم تعد دول الخليج تنظر إلى إيران كتهديد بل كشريك، كما تبين في التقارب بين إيران والسعودية الذي بلغ مستوى التخطيط للمشاركة في تدريبات عسكرية مشتركة. وهذا يخالف الأساس الإستراتيجي الذي استندت إليه اتفاقات إبراهام، وهو تشكيل تحالف إسرائيلي-خليجي لمجابهة إيران. ثالثًا: إيران باتت مع حلفائها تشكل جبهة مقاومة تسيطر على مناطق واسعة جغرافية وبحرية، بل إنهم فعليًّا باتوا أيضًا يشاركون في فرض السيطرة على غزة لأنهم شاركوا منذ طوفان الأقصى في عمليات الإسناد العسكرية، واشترطوا وقفها بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة. هذا من ناحية الجيوبوليتيك، أما من ناحية الإستراتيجية، فإن الحوثيين يخوضون قتالًا مع القوات الأميركية في البحر الأحمر وبحر العرب، وكشفت الهجمات الإيرانية أن إسرائيل غير قادرة على حماية نفسها، وتحتاج إلى المظلة الأميركية، ورغم ذلك ظلت مكشوفة. كذلك، أعلنت إيران تخليها عن عقيدة الصبر الإستراتيجي وتعهدت بالرد على كل هجوم تتعرض له، ولم تمنعها سياسة العقوبات القصوى من مواصلة مشروعها النووي بل تمكنت من رفع نسبة تخصيب اليورانيوم، وتشير التقارير إلى أنها باتت قريبة من صنع سلاح نووي في وقت وجيز لو قررت ذلك(1)، ولم تعزلها سياسات العقوبات القصوى كما كان ترجو الإدارة الأميركية في عهد ترامب الأول ثم بايدن بل تمكنت من رفع كمية البترول المصدَّر بنحو 4 مرات والاندماج في تكتلات اقتصادية كبيرة مثل البريكس بلاس تمنحها منافذ تجارية وبدائل في التعامل المالي خارج شبكة الدولار الأميركي.

السؤال: كيف سينفذ ترامب إستراتيجيته للشرق الأوسط في هذا السياق الجديد؟ وهل ستكون الحصيلة قضاء ترامب على التهديدات المستهدفة أم أنها ستتعاظم وستتعدد؟ وهل ستحصل الولايات المتحدة على عوائد مجزية أم أن خسائرها ستكون أعلى؟

إستراتيجية ملتبسة

كانت تصريحات ترامب خلال حملته الانتخابية على الحرب الإسرائيلية ملتبسة، فيعلن في بعض المرات أنه لو كان يحكم الولايات المتحدة لما حدث هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، ويعلن في مرات أخرى أنه سيوفر لإسرائيل ما تحتاجه لتحقيق أهدافها بخلاف إدارة بايدن التي كانت، حسبه، متذبذبة في دعمها، ويعلن في مرات أخرى أنه سيحقق السلام في الشرق الأوسط إذا فاز في الانتخابات الرئاسية. وقد يكون هذا الالتباس مقصودًا لأنه كان يتطلع إلى كسب أكبر عدد من أصوات الناخبين الذين تتعارض مواقفهم من الحرب الجارية في المنطقة العربية الإسلامية. وقد تمكن بفضل هذه الإستراتيجية الانتخابية من كسب أصوات فئات مناهضة للحرب، بمن فيهم، أصوات مسلمين أميركيين في ولاية ميتشغان؛ لأنهم وثقوا بوعده بإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان.

بدأ هذا الالتباس يزول قليلًا بعد فوز ترامب وإعلانه عن ترشيحات طاقم إدارته؛ فقد كانت الشخصيات المكلفة بالسياسة الخارجية عمومًا وبملف الشرق الأوسط والعلاقات مع إسرائيل، مجموعة من الصقور الذين يميلون إلى الصدام في العلاقات الخارجية، ومعاداة إيران وحلفائها بمحور المقاومة، ويدعمون الحرب الإسرائيلية، وسياستها التوسعية.

رشح ترامب مارك روبيو لوزارة الخارجية، وهو من أشد المتحمسين لإسرائيل، وأعلن عشية ترشيحه أنه لن يطلب من إسرائيل وقف الحرب على غزة، وتمنَّى أن تقضي إسرائيل على كل فرد من حماس، ورفض تحميل إسرائيل قتل المدنيين بل أدان حماس لأنها تختبئ حسبه وسط المدنيين. وقد كان اعترض على وقف لإطلاق النار في 2023. من جانب آخر، يعتبر روبيو النظام الإيراني إجراميًّا، وقد أباح لإسرائيل اتخاذ تدابير غير متناسبة للتصدي للمخاطر الإيرانية، وساند سياسة العقوبات القصوى، ودعا بلاده إلى وقف المشروع النووي الإيراني بشتى الوسائل المتاحة.

رُشِّح لمنصب مستشار الأمن القومي، مايك ولتز، الذي رفض، في سبتمبر/أيلول 2024، وقف الحرب في غزة؛ لأنه لن يحل النزاع في الشرق الأوسط، وسيكون، حسبه، حلًّا مؤقتًا وليس سلامًا دائمًا. وقد ساند تقوية القدرات العسكرية الإسرائيلية، كقبول استعمال إسرائيل مقاتلات إف 35 للهجوم على منشآت عسكرية إيرانية. وقد دعا إسرائيل إلى ضرب المنشآت النفطية والنووية الإيرانية. وقد عبَّر عن انشغاله من تسريب معلومات استخباراتية أميركية عن خطط إسرائيل في الهجوم على إيران، في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2024، وقد رافع من أجل سياسة أشد صرامة مع إيران، تشتمل على تنفيذ هجمات عسكرية.

رُشِّح مايك هاكابي لمنصب سفير الولايات المتحدة في إسرائيل، وهو رافض لقيام دولة فلسطينية، ويعتبر المستوطنات في الضفة الغربية شرعية لأنها، حسبه، يهودا والسامرة المذكورة في التوراة. وقد اعترض بشدة على وقف إطلاق النار في غزة، وذكر أن حماس ليست قادرة على مفاوضات مشرفة، وأن الأولى هو محوها وليس التفاوض معها. وله مواقف شديدة من إيران، فلقد شبَّه الاتفاق النووي المبرم في عهد أوباما بأنه هولوكوست، وأن أوباما يدفع باليهود إلى فم الفرن.

ورُشِّح ستيفن ويتكوف لمنصب المبعوث الخاص للشرق الأوسط، وهو مطور عقاري في مدينة نيويورك، وصديق قديم لترامب، ويعرف عنه نصرته التي لا تتزحزح لإسرائيل. يميل في تصريحاته إلى الإشادة بقدرة ترامب على جلب الاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط؛ لأنه، برأيه، يتجنب الصراعات.

قد يبدو مستغربًا اختيار مطور عقاري مبعوثًا للعلاقات بالشرق الأوسط، لكن هذا الاستغراب قد يزول إذا أدرجنا هذا الاختيار في رؤية ترامب للمنطقة العربية وتسوية الصراع في فلسطين، فلقد عبَّر صهره ومبعوثه للشرق الأوسط في عهدته الأولى، جاريد كوشنر، بأنه يعطي أولوية للأعمال في العلاقات مع دول المنطقة، وجعل الصفقة الاقتصادية أساسًا لاتفاقات إبراهام، ويتحقق بمقتضاها التكامل الاقتصادي بين إسرائيل والدول العربية، فتنشأ نحو 4 ملايين وظيفة، وتدر 1000 مليار دولار من النشاط الاقتصادي الإضافي في العشرية الأولى على الاتفاق. أما عن غزة، فلقد ذكر كوشنر في لقاء بجامعة هارفارد أن موقعها فرصة استثمارية هائلة، لأن عقاراتها مطلة على البحر، وأن تنفيذ المشروع الاستثمار العقاري يقتضي إبعاد السكان مؤقتًا حتى تنظف إسرائيل المكان من الركام وتشرع في البناء(2). وقد سبق أن وجَّه، في يونيو/حزيران 2019، بالمنامة، دعوة للخليجيين ورجال الأعمال لجمع 50 مليار دولار تستثمر في البنية القاعدية بالضفة الغربية وغزة، واقترح إنشاء طريق يربط بين المنطقتين، وقال: الأولوية للجانب الاقتصادي أما القضايا السياسية فلاحقًا، وعبَّر عن تطلعه لأن تكون المناطق الفلسطينية شبيهة بسنغافورة ودبي.

لم يرشح كوشنر لتولي منصب في إدارة ترامب الجديدة؛ بل التفت إلى شركته الاستثمارية "شركاء أفينيتي" التي تستثمر أموال أطراف عديدة، منها دول خليجية بلغت مساهماتها نحو 2.5 مليار دولار. لكن اتفاقات إبراهام التي أشرف عليها في عهدة ترامب الأولى بين 2016-2020، وتحقق جزء منها، تبدو هي أفق منظور ترامب للعلاقات بحلفائه في الشرق الأوسط وبسبل تسوية القضية الفلسطينية. لذلك، يبدو ويتكوف المطور العقاري لمنصب المبعوث الخاص للشرق الأوسط ملائمًا تمامًا لهذا المنظور، وهو الترويج للرفاهية الاقتصادية للتطبيع مع إسرائيل، وإعطاء الأولوية لوعود الرخاء الاقتصادي للفلسطينيين مقابل تأجيلهم الحديث عن الحقوق السياسية أو التخلي عنها بالكامل.

رُشِّحت تولسي غابارد لمنصب مديرة الاستخبارات الوطنية، وهي نائبة ديمقراطية سابقة، وتعارض بشكل عام التدخلات العسكرية الأميركية الخارجية، لكنها ساندت الحرب الإسرائيلية على غزة، وأدانت حماس، معتبرة إياها منظمة إرهابية ينبغي أن تُهزم عسكريًّا وأيديولوجيًّا، وترى بقاء حماس في حكم غزة ضارًّا بأمن إسرائيل.

أما عن إيران، فلقد وصفتها في 2014، بأنها "الدولة الراعية للإرهاب"، وقد عارضت في البداية الاتفاق النووي لكنها صوتت له في نهاية المطاف، معتبرة أنه يضع كوابح على المشروع النووي الإيراني مقابل رفع بعض العقوبات.

يعزز من احتمال غلبة الخيار العسكري على سياسة إدارة ترامب في التعامل مع الأوضاع في غزة والشرق الأوسط، أن ترامب غرَّد على منصة الحقيقة وإكس بأنه يريد من حماس أن تطلق المحتجزين فورًا قبل توليه منصبه، في 20 يناير/كانون الثاني 2025، وإلا فإنه سيشعل الجحيم في منطقة الشرق الأوسط وسيضرب المسؤولين عن الاحتجاز ضربًا لم تفعله الولايات المتحدة من قبل.

العجز الإسرائيلي

من مجمل مواقف هذا الفريق، تبرز الصفات التالية: يناصر سياسات إسرائيل بشدة بل إنه يدعم توسعها الاستيطاني، ويرفض وقف الحرب على غزة، ويساند القضاء العسكري على حماس، ويتفق في غالبيته على سياسات العقوبات الأقصى على إيران لأنها، برأيهم، راعية الإرهاب في المنطقة. يبرز من كل ذلك، ميل إلى الخيار العسكري في التعامل مع حماس، والعقوبات الاقتصادية المشددة في التعامل مع إيران.

يختلف هذا الفريق عن فريق إدارة بايدن في أنه لا يسعى لوقف إطلاق النار، ولا يدَّعي -كما ادعى بايدن- أنه أعرف بمصلحة إسرائيل من حكومتها، وأنه حريص أن يقيها المهالك التي وقعت فيها الولايات المتحدة الأميركية في حروب العراق وأفغانستان، وأن هاجسه هو منع تحول الحرب على غزة إلى حرب إقليمية، وأن حل الدولتين هو الصيغة المثلى لتسوية الصراع، وأن تنامي الاستيطان يهدد هذا الحل ويضر بأمن إسرائيل. بخلاف ذلك، تدل تصريحات فريق ترامب على أنه لا يسعى لوقف الحرب على غزة أو إلى منع تحولها إلى حرب إقليمية، ولا يعطي اهتمامًا لحل الدولتين بل إن السفير هاكابي يرفض قيام دولة فلسطينية، ويبارك الاستيطان ويعتبره حقًّا مشروعًا في الضفة الغربية التي يسميها يهودا والسامرة. ويلتزم فريق ترامب فقط بدعم حكومة نتنياهو لتنجز ما تراه في صالح إسرائيل، وعاب ترامب خلال حملته على بايدن الادعاء بأنه كان يخالف نتنياهو وأنه بخلاف ذلك قال في حديث تليفوني لنتنياهو: افعل ما تراه، وحرَّض خلال حملته الحكومة الإسرائيلية على ضرب المنشآت النووية الإيرانية.

رغم احتمال هذا التحول المرتقب في موقف الإدارة الأميركية إلا أنه قد لا يساعد كثيرًا حكومة نتنياهو في تحقيق أهدافها بالقوة، لأن اعتراضات إدارة بايدن لم تمنع حكومة نتنياهو من تنفيذ ما تريده، وتحافظ في نفس الوقت على الدعم الأميركي المتعدد الذي بلغ مقداره خلال عام 17.9 مليار دولار. رغم ذلك، لم تتمكن حكومة نتنياهو من تحقيق أهدافها: لم تقض على حماس في غزة أو إطلاق سراح المحتجزين، ولا تزال قواتها تُستنزف في مختلف البقاع. ولم تتمكن أيضًا من إرغام حزب الله بالقوة على وقف ضرباته أو إنشاء منطقة عازلة في جنوب لبنان تحول دون غزو قوات حزب الله لمنطقة الجليل بل وافقت على وقف لإطلاق النار لا يضمن إزالة تهديد حزب الله. ولم تتمكن أيضًا من إرغام الحوثيين على وقف قصفهم لإسرائيل أو وقف هجماتهم على السفن المتجهة إليها، رغم أن أنشطة الحوثيين العسكرية أوقفت نشاط ميناء إيلات بالكامل وهو أحد الموانئ الرئيسية في إسرائيل. ولم تتمكن أيضًا من وقف هجمات فصائل الحشد الشعبي، ولم تتمكن من ردع إيران التي باتت ترد على الضربات الإسرائيلية بضربات مضادة، بل إنها أعلنت تخليها عن عقيدة الصبر الإستراتيجي، واعتمدت عقيدة الرد على كل هجوم إسرائيلي على أراضيها. وليس مرجحًا أن تحقق إسرائيل أهدافها بالقوة العسكرية إذا حافظت إدارة ترامب على الدعم العسكري والدبلوماسي كما كانت تفعل إدارة بايدن أو زادت من مستوياته فقط دون مشاركة مباشرة في الأعمال العسكرية الهجومية. وذلك، أن إسرائيل باتت أقل رغبة وقدرة على مواصلة القتال بعد أكثر من عام على الحرب. أما عن الرغبة، فلقد صرح اللواء إسحاق بريك، المعروف بنبي الغضب، أن 50% من قوات الاحتياط باتت ترفض الخدمة العسكرية، وأصيب القوات المقاتلة بالإعياء لأنها دُعيت إلى الخدمة عدة مرات فاقت الفترات المقررة للخدمة(3)، وبات الجيش في حاجة إلى إضافة نحو 7000 جندي، سعى إلى تجنيدهم من فئة الحريديم، لكن هذه الفئة وقيادتها الدينية والأحزاب المتطرفة المتحالفة مع نتنياهو ترفض التحاقها بالخدمة العسكرية، وقد كان هذا الخلاف بين قيادة الجيش والقيادات السياسية الممثلة للحريديم والمتحالفة مع الحكومة، أحد أسباب إطاحة نتنياهو بوزير الدفاع، غالانت، الذي كان يصر على تجنيد الحريديم، إلا أن غالانت أصدر قبل إقالته أمرًا بتجنيد نحو 3000 جندي، فاندلع بعد رحيله نزاع في الشوارع بين القوات النظامية التي تريد تنفيذ القرار وجماعات الحريديم التي تقاوم التنفيذ، وقد يتطور هذا النزاع إلى صدوع في بنيان الدولة الإسرائيلية.

أما عن القدرات، فلقد كلفت الحرب إسرائيل خسائر اقتصادية معتبرة تتوزع على فترات قريبة ومتوسط وبعيدة. فلقد أوردت صحيفة إسرائيل تايمز أن التقديرات ترجح وقوع خسائر اقتصادية بنحو 67 مليار دولار بين 2023-2025، أما على المدى المتوسط فإن معدل النمو الاقتصادي سيحوم حول 2% بين 2023-2024، كمؤشر على التباطؤ الاقتصادي، أما على المدى البعيد فإن التكلفة ستكون مرتفعة أيضًا وإن يتعذر حسابها بدقة، وهي تشتمل على إعادة الإعمار والتعويضات لأهالي القتلى والتكفل بالمصابين، وتعويض النقص في مخزونات السلاح، وكذلك الخسائر الناتجة عن هجرة رأس المال وتوقف المشاريع الاستثمارية ورحيل قطاع من الكفاءات في مجالات تمنح إسرائيل ميزات تنافسية في الأسواق الدولية. تشير التقديرات مثلًا إلى أن الاستثمار في الشركات التكنولوجية الناشئة انخفض بشدة إلى نسبة 55% في 2023، فتراجع النشاط الاقتصادي إلى مستواه في 2018. تجدر الإشارة إلى أن الخسائر في قوات الجيش الإسرائيلي سواء في القتلى أو الجرحى يوقع أضرارًا طويلة بالقطاع الاقتصادي؛ لأن هؤلاء الجنود هم أيضًا جزء من اليد العاملة، وسيترك القتلى منهم فراغًا في المناصب التي كانوا يشغلونها، وقد يصعب تعويضهم إذا كانوا يشتغلون في تخصصات دقيقة، إضافة إلى أن أهاليهم والجنود المصابين تثقل التعويضات التي يحصلون عليها كاهل الميزانية العامة. ومن المؤشرات على ذلك أن بنك إسرائيل المركزي أشار إلى حدوث عجز معتبر في الميزانية بلغ 8.5% متجاوزًا سقف 6.6% المقرر في ميزانية 2024، ويرجع ذلك إلى زيادة في مصروفات الدفاع(4).

إجمالًا، تتناقص موارد إسرائيل البشرية والاقتصادية مع استمرار الحرب دون قدرة على حسمها، وقد تكون إستراتيجية نتنياهو هي التمسك بمواصلة الخيار العسكري ولكن بجر الإدارة الأميركية القادمة إلى الانخراط المباشر في الحرب عددًا وعتادًا ومالًا، لتعويض العجز الإسرائيلي في هذه الجوانب.

لا يمكن القطع بأن نتنياهو يستطيع إقناع ترامب بالانخراط المباشر في القتال، لكن سيصر على ذلك لأنه لا يزال يواجه نفس المعضلة، وهي إطالة أمد الحرب للحفاظ على الائتلاف الحاكم، فيظل رئيسًا للحكومة، فيتفادى المحاكمات التي تنتظره سواء عن الفساد أو إخفاق 7 أكتوبر/تشرين الأول؛ وقد يوظف عدة عوامل قد ترجح نجاحه في فرض أجندته، كفشل العقوبات الاقتصادية في ثني إيران عن مواصلة مشروعها النووي وترسيخ نفوذها الإقليمي، والاستفادة من سيطرة الجمهوريين المتحمسين له على الكونغرس لإقناع ترامب بدعم خياره العسكري، وقد يعمد -كما فعل مع إدارة بايدن- إلى التحرش بإيران كي تضطر إلى الرد عليه فيسارع إلى الاحتماء بالولايات المتحدة.

في حال نجح نتنياهو في مسعاه فإنه قد يضع الولايات المتحدة أمام نفس المعضلة الإستراتيجية الدائمة التي واجهها هو، وهي التوفيق بين القدرات والأهداف، وقد لا يتمكن ترامب وإدارته من التوفيق بينهما لعدة اعتبارات تتوزع على المقتضيات الداخلية للولايات المتحدة، وحسابات الدول الحليفة المجاورة لإيران، والارتدادات الاقتصادية على الولايات المتحدة، وترابط كل ذلك بتداعيات الإستراتيجية الأميركية الشاملة.

نتناول ثلاثة عوائق داخلية: التغييرات المرتقبة في أجهزة الدولة، وأولوية ترحيل المهاجرين غير القانونيين، وتعديل دور الجيش في الشؤون الداخلية.

كوابح الخيار العسكري

اعتاد ترامب اتهام الأجهزة الإدارية، مثل الاستخبارات والشرطة الفيدرالية والجيش، بالتحامل عليه، وتوعد بتعديل ذلك في عهدته الثانية. وقد كان أول قراراته ترشيح محاميه الخاص، روبرت بلانش، لمنصب نائب المدعي العام خَلَفًا للمدعي العام بوزارة العدل الذي لاحقه في عدة قضايا جنائية، كقضية المدفوعات السرية في 2024. وتشير تفضيلاته إلى أنه يعطي الأولوية في التعيينات للولاء والتماثل الأيديولوجي، وقد يؤدي ذلك إلى تبديل عدد كبير من الموظفين في الهيئات الفيدرالية يتصفون بذلك. أشارت تقارير إلى أن مشروع 2025، الذي أشرف عليه أنصار ترامب، يقترح تغيير 20000 موظف حالي بموظفين موالين لترامب في تلك الهيئات، لكن موقف ترامب من هذا المشروع ظل ملتبسًا، وأنكر علاقته به. رغم ذلك، تدل تفضيلات ترامب على رغبته في جعل الهيئات الفيدرالية موالية له، وقد يؤدي حجم التغيرات في المديرين وتقليص عدد الموظفين إلى اضطراب شديد في أدائها، وقد يشمل ذلك مؤسسات مهمة جادة للانخراط في حرب مباشرة بجانب إسرائيل، مثل مؤسسة الجيش التي رُشِّح لتولي شؤونها في وزارة الدفاع، الصحفي بقناة فوكس نيوز التلفزيونية، بيت هيغسيت، المعروف بانتقاده للقيادة العسكرية للبنتاغون، وقد أثار ترشيحه انتقادات عديدة لفقدانه الخبرة بإدارة هذه المؤسسة الهائلة والمعقدة، وقد يكون سبب ترشيحه هو انتقاده المستمر للقادة العسكريين والسخرية من سياسة توظيف الجيش في سياسة إدماج التنوع العرقي والجنسي التي يتبناه الديمقراطيون، وقد يتولى إحداث تغييرات في قيادة الجيش موالية لترامب ومنفذة لسياساته الداخلية والخارجية. هذه المواجهة المرتقبة بين وزير الدفاع، هيغسيت، والضباط الكبار، ستستنزف جهد البنتاغون وتركيزه، وستُضعف -لا محالة- قدراته، وقد تصيبه بنزيف حاد إذا قرر عدد كبير من القادة الاستقالة، خاصة إذا قرر وزير الدفاع تبديل عدد كبير من الضباط بضباط موالين، قد يكونون أقل كفاءة، أو لا يحظون بالاحترام الضروري لسلطتهم في الجيش، وحتى لو افترضنا أنهم أكفاء فإنهم يحتاجون إلى فترة تكيف واطلاع على أوضاع الجيش المعقدة قبل الشروع في خوض حرب معقدة ومتعددة الجبهات بمنطقة الشرق الأوسط. 

يعطي ترامب الأولوية في مشروعه للقضايا الداخلية، فقد يبدأ بترحيل المهاجرين غير القانونيين؛ لأنه لا يحتاج إلى موافقة الكونغرس، وكان أحد أهم وعوده الانتخابية. تتضارب التقديرات في أعداد هؤلاء المهاجرين، فلقد ذكرت وكالة أسوشيتد برس أنهم نحو 11 مليون شخص، نقلًا عن إحصاءات وزارة الأمن الداخلي في 2022. وتذهب التقديرات إلى أن تكلفة هذا الترحيل تقدر بنحو 315 مليار دولار إذا كانت عملية ترحيل جماعي واحدة، أو قرابة 1 تريليون دولار إذا استغرقت عدة سنوات، قد تبلغ 10 سنوات (5). ولقياس تعقيد هذه العملية، تمكن أوباما من ترحيل 432000 مهاجر غير قانوني في 2013، وهي أكبر عملية ترحيل في تاريخ الولايات المتحدة، بينما تمكن ترامب من ترحيل 350000 خلال عهدته الأولى. بهذا المعدل لن يستطيع ترامب في أفضل الترجيحات ترحيل أكثر من مليوني مهاجر غير قانوني خلال عهدته الثانية. وقد أثارت خطته جدلًا حول احتمال لجوئه للحرس الوطني لتنفيذ عمليات الاعتقال والترحيل، ويكون هذا توريطًا للجيش في إنفاذ تدابير داخلية، قد تمزق وشائج عائلات مشكَّلة من المواطنين الأميركيين والمهاجرين غير القانونيين، فلقد كشف استطلاع لمركز بيو للأبحاث أن 70% من العائلات التي لها مهاجر غير قانوني بالولايات المتحدة لها أيضًا شخص مقيم فيها قانونيًّا، فيؤدي بذلك تدخل الجيش إلى تمزيق نسيج العائلات، وقد يقاوم قادته إنفاذ المطلوب منهم، فيتفاقم الخلاف بين قادة الجيش وترامب، وقد يشغلهم هذا الخلاف عن الانخراط في حرب واسعة بالشرق الأوسط.

يعيق كذلك التضارب في الأولويات الإستراتيجية إدارة ترامب عن المضي في خيار التصعيد العسكري الذي تريده إسرائيل، فإدارة ترامب الجديدة تعتزم دفع إيران إلى الإفلاس حتى تتخلى عن مشروعها النووي؛ وقد شرع ترامب في هذه التدابير خلال عهدته الأولى، فتمكن من خفض صادرات إيران من الطاقة إلى نحو 400 ألف برميل يوميًّا، لكن شركات التكرير الصينية الصغرى التي لا تخشى العقوبات الأميركية رفعت استيرادها من البترول الإيراني لتخزينه في أفران طينية تسمى أباريق الشاي بمنطقة شاندونغ الصينية، وقد بلغت حصة الصين 90% من البترول الإيراني المصدَّر الذي بلغت كميته في 2024، نحو1.7 برميل يوميًّا، وتدر نحو 150 مليون دولار يوميًّا. لذلك لن تنجح تدابير ترامب في إفلاس إيران دون تعاون بيجين؛ لكن ليس من المرجح أنها ستتعاون في ذلك بل قد تميل إلى تقوية إيران لإنهاك ترامب الذي يعتزم شن حرب تجارية عليها برفع التعريفة الجمركية على صادراتها نحو الولايات المتحدة بنسبة 60%(6).

يحتاج ترامب لإنجاح سياسة الضغط الأقصى أو خوض مواجهة عسكرية مع إيران إلى تعاون حلفائه الخليجيين، سواء لتعويض النقص الناتج عن وقف تصدير البترول الإيراني أو استعمال أراضيهم وموانئهم منصات للقوات الأميركية لضرب إيران، لكن من المرجح أن دول الخليج سترفض بشدة المشاركة في هذه التدابير؛ لأنها تخشى التعرض للرد الإيراني، وكذلك قد تعتبر إيران تعويض حصتها في أسواق الطاقة عملًا عدائيًّا يسهم في إفلاسها فتقرر الرد بالمثل فتمنع هذه الدول من تصدير حصصها من الطاقة؛ وقد كانت إيران واضحة في الرد على دول الجوار التي تشارك في العمليات العسكرية التي تستهدفها، وقد أعلنت قيادة هذه الدول أنها ترفض استعمال أراضيها لضرب إيران عسكريًّا.

يرجح هذا الاتجاه، عدة تطورات تشير إلى سعي دول الخليج للنأي بنفسها عن النزاع الجاري بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة وإيران من جهة أخرى، فلقد قبلت إيران والسعودية الوساطة الصينية في 2023 لتسوية خلافاتهما وإعادة العلاقات المقطوعة منذ 2016، وقد التقى وزيرا خارجية البلدين في طهران، في يونيو/حزيران 2023، واتفق بعد ذلك البلدان، في 2024، على تدريبات عسكرية مشتركة أوردتها وسائل الإعلام الإيرانية، وقد دعا ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، خلال قمة الرياض، في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، إلى وقف الهجمات على الأراضي الإيرانية واحترام سيادتها، وكان قائد الأركان السعودي، القائد الركن فياض بن حمد الرويلي، قد زار طهران عشية قمة الرياض في وفد عسكري رفيع، والتقاه رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، اللواء محمد باقري. ويستند هذا التحول إلى مصالح بنيوية للبلدين، فالسعودية تستفيد من التعاون الإيراني لتسوية النزاع مع الحوثيين وتأمين حدودها الجنوبية للتركيز على المشاريع التنموية. وفي المقابل، تستفيد إيران من التعاون مع السعودية في حرمان الولايات المتحدة من استعمال دول الجوار في عزل إيران أو مهاجمتها عسكريًّا.

ليست السعودية إلا أبرز مؤشر على موقف بقية الدول الخليج التي يسعى جميعها إلى تحسين العلاقات مع إيران؛ لأن أمن الطرفين متشابك، ويحتاج اقتصادهما إلى الاستقرار، ولن تجني المنطقة من الحرب إلا الدمار والاضطراب الطويل.

الترس النووي

ليس من المرجح إذن أن يتمكن ترامب من وقف المشروع النووي الإيراني أو تمزيق محور المقاومة؛ بل إن سياسته القائمة على الضغط الشديد ستحفز القيادة الإيرانية على تشديد التدابير الحمائية والردعية؛ فقد تسارع الخطى في تخصيب اليورانيوم لتكون قادرة على تصنيع السلح النووي إن شعرت أن سلامة النظام والبلاد مهددة، وقد تتصاعد الدعوات المطالبة للمرشد بمراجعة فتوى تحريم امتلاك السلاح النووي، وتصل حينها الإدارة الأميركية منعطفًا حرجًا، إما أن تتراجع عن العقوبات القصوى وتعقد اتفاقًا جديدًا مع إيران شبيهًا بالاتفاق الذي عقده أوباما لكن بضمانات أوثق هذه المرة حتى لا تتنصل منه الإدارات الأميركية مجددًا، أو تقرر الولايات المتحدة وقف المشروع النووي عسكريًّا، لكن نجاح ذلك قد يكون جزئيًّا لأن أجزاء من المشروع مخبأة عميقًا داخل الجبال، ومؤقتًا لأن إيران تمتلك مكونات المشروع النووي فتعيد تجميعها مجددًا، لكنها ستعتزم هذه المرة المضي إلى امتلاك السلاح النووي حتى تردع أي هجمات عسكرية مستقبلية على أراضيها. حينها تدخل المنطقة في سباق تسلح يحرم إسرائيل أكثر من ميزة التفرد بامتلاك السلاح النووي.

نبذة عن الكاتب

مراجع
  1. Jonathan Masters and Will Merrow, "What Are Iran’s Nuclear and Missile Capabilities?" Source: Council on Foreign Relations (CFR), Date of Publication: November 26, 2024, Date Accessed: December 4, 2024.
  2. https://www.cfr.org/article/what-are-irans-nuclear-and-missile-capabilities
  3. Jared Kushner: Gaza could be a valuable 'waterfront property', Middle East Eye, 19 March 2024, Date Accessed: December 4, 2024, Date Accessed: December 4, 2024.
  4. https://www.middleeasteye.net/news/jared-kushner-gaza-could-be-valuable-waterfront-property
  5. معتز مطر، نبي الغضب: 50% يرفضون التجنيد.. ونتياهو تحت حصار أهالي الأسرى.. والسيسي يبدأ خطوات صفقة القرن !!، قناة معتز مطر البديلة (يوتيوب)، 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، تاريخ الدخول، 04 ديسمبر/كانون الأول 2024
  6. https://www.youtube.com/watch?v=QlbjwKcgHBg
  7. Sharon Wrobel, "Fiscal deficit climbs to 8.5% as state continues to shell out for war effort," Times of Israel, 10 October 2024, Date Accessed: December 4, 2024.
  8. https://www.timesofisrael.com/fiscal-deficit-climbs-to-8-5-as-state-continues-to-shell-out-for-war-effort/
  9. "Mass Deportation: Devastating Costs to America, Its Budget and Economy," The American Immigration Council, October 2, 2024, Date Accessed: December 4, 2024.
  10. https://www.americanimmigrationcouncil.org/research/mass-deportation
  11. Nader Itayim, "Trump to zero in on Iran’s oil exports - will it work?", Argus Media, November 8, 2024, Date Accessed: December 4, 2024.
  12. https://www.argusmedia.com/en/news-and-insights/latest-market-news/2626918-trump-to-zero-in-on-iran-s-oil-exports---will-it-work