جماعة "لاكوراوا" الإرهابية في نيجيريا: عوامل ظهورها وتداعياتها الإقليمية

تتناول هذه الورقة حقيقة جماعة "لاكوراوا" وأهدافها، والعوامل التي أدت إلى ظهورها، وخاصة في هذا التوقيت من انعدام الأمن المتفاقم في نيجيريا، بالإضافة إلى تداعياتها في سياق الأزمات الأمنية المحلية في نيجيريا والمستجدات الإقليمية للدول المجاورة لمنطقة نشاط الجماعة.
تؤكد الهجمات الأخيرة التي نفذتها "لاكوراوا" أن مسلحيها أنفسَهم ليسوا مختلفين كثيرًا عن مقاتلي الحركات الإرهابية (الجزيرة)

سيطرت على وسائل الإعلام مؤخرًا أخبار ظهور جماعة إرهابية جديدة في نيجيريا باسم "لاكوراوا"، وتحديدًا في ولاية سوكوتو الواقعة في أقصى شمال غرب نيجيريا. وقد استولت الحركة في الأسابيع الأخيرة على مناطق عديدة، مُنفذةً هجمات دامية مع فرض أيديولوجياتها على السكان، ومنتشرة في اتجاه الولايات الشمالية الغربية الأخرى المجاورة لولاية سوكوتو.

وتتناول هذه الورقة حقيقة جماعة "لاكوراوا" وأهدافها، والعوامل التي أدت إلى ظهورها، وخاصة في هذا التوقيت من انعدام الأمن المتفاقم في نيجيريا، بالإضافة إلى تداعياتها في سياق الأزمات الأمنية المحلية في نيجيريا والمستجدات الإقليمية للدول المجاورة لمنطقة نشاط الجماعة.

أولًا: نشأة "لاكوراوا" ومناطق نفوذها

أعلنت حكومة ولاية سوكوتو النيجيرية، في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، عن وجود جماعة إرهابية جديدة باسم "لاكوراوا" على أراضيها(1). وبعد ثلاثة أيام أكدت قيادة الدفاع النيجيري إعلان حكومة ولاية سوكوتو، قائلة: إن الجماعة الجديدة هاجرت من جمهورية النيجر المجاورة وتسللت إلى نيجيريا عبر الأجزاء الشمالية من ولايتي كيبي وسوكوتو الواقعتين في شمال غرب نيجيريا والمجاورتين لجمهورية النيجر(2).

على أن مراجعة تقارير الصحف الوطنية النيجيرية منذ عام 2018(3) وكذلك الدراسات الأمنية المنصبة على شمال غرب نيجيريا منذ أواخر عام 2021 وبداية عام 2022(4) تفيد بأن "لاكوراوا" باتت موجودة منذ أكثر من ست سنوات على الأقل، وهو ما يعني عدم صحة ادعاء سلطات ولاية سوكوتو وتأكيدات الجيش النيجيري حول كون الجماعة جديدة. وقد كشفت الدراسة التي نشرها الدكتور مورتالا أحمد رفاعي، من جامعة عثمان دان فوديو في ولاية سوكوتو في عام 2023(5)، أن "لاكوراوا" تشكلت بناءً على طلب من الزعماء والقادة المحليين (رئيس منطقة بالي في حكومة غودو المحلية، ورئيس منطقة غونغونو في حكومة تانغازا المحلية، وبدعم من رئيس سابق لجمعية مربي المواشي في نيجيريا والمعروفة بـ "معيتي الله")؛ إذ استعانوا بها في معالجة أزمة قُطاع الطرق المسلحين من ولاية زامفارا المجاورة لولاية سوكوتو، وفي تغطية الفراغ الأمني الذي خلَّفه فشل السلطات الحكومية وضعف الجيش النيجيري ووكالات الدولة الأخرى بين عام 2016 وعام 2017. وقد نجحت الجماعة في تحقيق الطلب؛ إذ أزاحت تهديد قُطاع الطرق وقُدِّمت لأفرادها مبالغ مالية مقابل خدماتهم الأمنية في تلك الفترة.

وتتفق جميع المصادر تقريبًا على أن "لاكوراوا" مكونة من رعاة يتحدثون اللغتين العربية والفلانية، وأنهم جاؤوا من مالي ودخلوا نيجيريا عبر جارتها جمهورية النيجر، وتزوجوا من نساء المنطقة الحدودية النيجيرية. وتحولت "لاكوراوا" إلى جماعة إجرامية تنشط في المناطق الحدودية من ولاية سوكوتو منذ عام 2016 تقريبًا؛ إذ سرعان ما بدأ أعضاؤها حملتهم العنيفة بعد إنهاء مهمتهم التي دُعوا لها. وأنشأت الجماعة في حوالي عام 2017 قاعدة في غودو وتانغازا، وهما منطقتان من مناطق الحكومة المحلية في ولاية سوكوتو واللتان تبعدان حوالي 60 ميلًا عن مدينة سوكوتو (عاصمة الولاية ومقر حكومتها)، واستمرت تهديداتهم للقادة المحليين الذين دعوهم إلى المنطقة، وبلغت التوترات بينهم والسلطات المحلية ذروتها في عام 2019 عندما أدت أنشطتهم المسلحة إلى مقتل رئيس منطقة بالي الحكومية المحلية.

وفي حين أن "لاكوراوا" لم تعلن حتى اليوم عن أهدافها المحددة، ولم يُعرَف لها قائد أو زعيم معين حتى الآن؛ فقد بدأت الجماعة بأقل من 50 شابًّا في المنطقة الحدودية في سوكوتو، وزاد عدد أعضائها إلى أكثر من 200 عضو معظمهم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عامًا؛ إذ تجذبهم للانضمام الحوافز المالية التي تشمل تقديم رواتب للأعضاء. كما يجمع أفراد الجماعة الضرائب من السكان المحليين، وينخرطون في أنشطة غير مشروعة أخرى في مناطق سيطرتهم(6).

وقد تمثل تقدير قيادة الدفاع النيجيرية في أن "لاكوراوا" تابعة لـ"تنظيم الدولة الإسلامية ولاية غرب إفريقيا"(7). كما أفادت التقارير الصحفية والدراسات أن أفراد الجماعة يقومون بالوعظ وفق تفسيراتهم الخاصة للقرآن الكريم، مُدعين نقاء معتقدهم ورافضين الارتباط أو الانتماء إلى التيارات الإسلامية التقليدية والسائدة في شمال نيجيريا، مثل الطريقتين الصوفيتين، التجانية والقادرية، وكذلك جماعة إزالة البدعة وإقامة السنة (السلفية). وقد حاولوا تطبيق الشريعة الإسلامية في المجتمعات التي يعيشون فيها، وأطلقوا اسم "دار الإسلام" على المعسكرات التي أقاموها حول غوانغوانو ومولاوا ووانسانيا وتونغارا على طول المناطق الحدودية بين نيجيريا وجمهورية النيجر(8).

ثانيًا: عوامل ظهور "لاكوراوا" وتكثيف هجماتها

صنَّف الجيش النيجيري والسلطات الحكومية "لاكوراوا" ضمن الجماعات الإرهابية في نيجيريا، وأتبعت الجماعة هذا الإعلان بعد أيام قليلة فقط بشن هجوم قاتل في ولاية كيبي المجاورة لولاية سوكوتو والواقعة في شمال شرق نيجيريا.

ويمكن تلخيص عوامل ظهور جماعة "لاكوراوا" وتكثيف هجماتها في الأسابيع الأخيرة في النقاط التالية:

أ- الحدود المسامية والتغيرات السياسية الأخيرة في الساحل

تلعب الحدود النيجيرية مع جيرانها، والتي تتسم بسهولة الاختراق، دورًا بالغًا في الأزمات الأمنية التي تشهدها البلاد، وخاصة في شمال نيجيريا، والتي يتنقل فيها مقاتلو الجماعات الإرهابية مثل "بوكو حرام" وتنظيم الدولة الإسلامية ولاية غرب إفريقيا، وجماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان (الشهيرة بـ"أنصارو") بين الأراضي الشاسعة والمناطق الحدودية مع تشاد والكاميرون وجمهورية النيجر بسهولة(9)؛ مما يصعِّب الحملات الهادفة إلى مكافحتهم. ويتأكد هذا الأمر في حالة "لاكوراوا"، وفق ما أفاد به الجيش النيجيري بأن الجماعة ظهرت نتيجة الاضطرابات التي أعقبت الانقلابات الأخيرة في بعض دول الساحل، خصوصًا في جمهورية النيجر (يوليو/تموز 2023)، ومالي (أغسطس/آب 2020، ومايو/أيار 2021)، وبوركينا فاسو (يناير/كانون الثاني، وسبتمبر/أيلول 2022)، وأثَّرت سلبيًّا بشكل عام في التعاون الأمني بين دول الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) والمجالس العسكرية التي تحكم هذه الدول(10)، وأعاقت بشكل خاص المبادرات الأمنية بين نيجيريا وجمهورية النيجر اللتين تشتركان في حدود يبلغ طولها ما يزيد على ألف وستمئة كيلومتر.

ويُلاحظ عامل الحدود أيضًا في الروايات الأخرى التي تقول: إن أفراد "لاكوراوا" كانوا رعاة موجودين منذ عام 1999 في عدد من مجتمعات جمهورية النيجر على طول الحدود مع نيجيريا(11)، وإن زعماء المجتمعات الحدودية على الجانب النيجيري هم من دعوهم إلى أراضيهم من أجل مساعدتهم في صد المجرمين المسلحين الذين كانوا يستهدفون تلك المجتمعات، وإن علاقة الجماعة مع تلك المجتمعات تدهورت بعد أن اتهمها السكان المحليون بسرقة مواشيهم ومحاولة فرض الشريعة الإسلامية عليهم؛ فتراجعت الجماعة إلى المناطق الحدودية في جمهورية النيجر ومالي، ولكنها عادت بقوة إلى نيجيريا في أعقاب الاستيلاء العسكري الأخير على السلطة في جمهورية النيجر، والذي أدى إلى توقف الدوريات العسكرية المشتركة بين نيجيريا وجمهورية النيجر على طول الحدود.

ب- فشل الوكالات الأمنية وضعف الحكومات المحلية

يرتبط تزايد وجود "لاكوراوا" بغياب الوجود الأمني لوكالات الأمن الحكومية في العديد من المناطق المتضررة بالأنشطة الإجرامية الأخرى، وهو ما أدى إلى اعتماد المجتمعات المحلية على ميليشيات مثل "لاكوراوا" لحماية أنفسهم وممتلكاتهم. وكانت النتيجة أن صارت عصابة من الرعاة المسلحين من مالي، والتي تم تمكينها محليًّا، تفرض قرارها على تلك المجتمعات مستغلة عجز الحكومة النيجيرية عن توفير الأمن لشعبها مسيطرة على المساحات غير الخاضعة للحكم والرقابة.

وتتضح هذه النقطة بشكل أكبر في حقيقة أن منطقة شمال غرب نيجيريا التي تنشط فيها "لاكوراوا" تتسم بتاريخ طويل من أعمال اللصوصية المسلحة، كما زادت معدلاتها الجوع والفقر وانعدام الأمن على المستوى الوطني النيجيري في السنوات القليلة الماضية؛ الأمر الذي يسهِّل عملية تجنيد المقاتلين، وخاصة الشباب، للانضمام إلى المنظمات الإجرامية المختلفة. وبالرغم من أن حكومة ولاية سوكوتو وقيادة الدفاع النيجيري تحاولان تبرئة ساحتهما من أي مسؤولية عن الأزمة من خلال وصف "لاكوراوا" بأنها تطور جديد وتقديمها للنيجيريين كقضية اكْتُشفت مؤخرًا. بيد أن توسيع الجماعة لعملياتها في الأسابيع الماضية يشير إلى تزايد عدد المناطق غير الخاضعة للحكم في المنطقة، والتي تضم إدارات الحكومة المحلية الثلاث في ولاية سوكوتو (وهي الإدارات الحكومية نفسها توجد تاريخيًّا ضمن إطار الأماكن التي يستهدفها المجرمون في المنطقة).

ج- زحف الجماعات الإرهابية الرئيسية نحو شمال الغرب

يتزامن الإعلان الحكومي الرسمي عن وجود جماعة "لاكوراوا" مع فرار مقاتلي "بوكو حرام"، وتنظيم الدولة الإسلامية ولاية غرب إفريقيا، و"أنصارو" من شمال شرق نيجيريا وإنشاء قواعد جديدة لها في شمال غرب نيجيريا نتيجة العمليات العسكرية المكثفة التي واجهت هذه الجماعات في شمال شرق البلاد. وقد أدَّت قلة تأثير عمليات الجيش النيجيري ضدهم في المناطق الجديدة إلى ظهور أشكال جديدة من العنف والإجرام وانعدام الأمن، والمتمثلة في اللصوصية الموسعة والاختطاف شبه اليومي والهجمات المتكررة على القرى الزراعية الرافضة لدفع الضرائب لتلك الجماعات الإرهابية.

وفي المقابل، كان عمل أعضاء "لاكوراوا" قد بدأ في عدة أماكن بشمال غرب نيجيريا بطريقة مغمورة لأكثر من ست سنوات؛ أي قبل الزحف الجماعي لمقاتلي "بوكو حرام" وغيرهم إلى المنطقة. وبَنَتْ "لاكوراوا" قوتها على آلام السكان المحليين وحاجتهم للدفاع ضد المجرمين المارقين. وقد أفادت التقارير المحلية أن "لاكوراوا"، وبعد إعلان وجودها من طرف جهات رسمية، تحاول تصوير نفسها صديقةً لحكومات الولايات بشمال غرب نيجيريا في مساعيها للقضاء على مقاتلي الجماعات الإرهابية الرئيسية وإجرام العصابات اللصوصية المستمر في المنطقة. وهذه المحاولة من الجماعة قد تكون لكسب تعاطف السكان، على المستوى الإقليمي، والذين سئموا من ضعف حكومات ولايات شمال نيجيريا في وضع حدٍّ لأزمة انعدام الأمن التي تؤثر سلبيًّا على الأمن الغذائي الوطني والنشاط الاقتصادي المحلي.

ومع ذلك، تؤكد الهجمات الأخيرة التي نفذتها "لاكوراوا" على أن مسلحيها أنفسَهم ليسوا مختلفين كثيرًا عن مقاتلي الحركات الإرهابية الرئيسية التي يقولون إنهم يقاتلونها، وذلك لكون مقاتلي "لاكوراوا" أيضًا قد فرضوا معتقداتهم وممارساتهم المتطرفة على سكان مناطق سيطرتهم. بل قد يكونون أسوأ من تلك الحركات الرئيسية وقطاع الطرق الريفيين الحاليين، باعتبار أن أعضاء "لاكوراوا" متهمون بمواصلة قتل القرويين الأبرياء، ومهاجمة أفراد الأمن، وفرض الضرائب على المزارعين والرعاة والتجار المحليين.

د- التنافس على الموارد والنفوذ

يشير تكثيف "لاكوراوا" لهجماتها في الأسابيع الأخيرة، وفي هذا التوقيت من تفاقم الأزمات الأمنية في شمال نيجيريا، إلى تنافس محتدم بين الجماعات الإرهابية والميليشيات المختلفة في شمال غرب نيجيريا، كما يؤكد عدم رضا مقاتلي "لاكوراوا" عن مزاحمتها في مناطق سيطرتها من قبل مقاتلي الجماعات الإرهابية الرئيسية التي كانت موجودة سابقًا في شمال الشرق. وقد ينظر أعضاء "لاكوراوا" إلى الهيمنة الجديدة لمقاتلي بوكو حرام و"أنصارو" في شمال الغرب، والأموال الكبيرة والموارد الضخمة التي يحصلون عليها من فدية الاختطاف وضريبة الزراعة، باعتبارها تهديدًا لوجودهم ونفوذهم غير المرئي على المستوى الإقليمي والوطني، وخاصة أن مخاوف المسؤولين الحكوميين من المنظمات الإجرامية الكبرى وقطاع الطرق ودعوتهم للحوار والنقاش غالبًا ما تتجاهل جماعة "لاكوراوا" ضمن تلك المنظمات. وبالتالي لجأ أعضاء "لاكوراوا" إلى تكثيف هجماتهم القاتلة لإظهار قوتهم وإمكاناتهم لكي تحصل الجماعة في النهاية على نصيبها من الموارد والاعتراف.

ثالثًا: التداعيات المحلية والإقليمية

إن النظر إلى تطور جماعة "لاكوراوا" وتحولها إلى منظمة إرهابية يؤكد حالة انعدام الأمن في نيجيريا، وينضاف إلى تمرد "بوكو حرام"، وإلى الصراعات بين المزارعين والرعاة، وإلى ممارسة اللصوصية في مناطق شمال الشرق والشمال الأوسط (أو الحزام الأوسط) وشمال الغرب. كما أن استجداء القادة المحليين لـ"لاكوراوا"، وكذلك أفعال الجماعة بعدها في المجتمعات التي استضافتها تشكل صورة واضحة لنموذج استيراد المشاكل والعنف تحت ستار الأمن؛ إذ لم تستغل الجماعة ملء المسافات الطويلة الفاصلة بين مالي ونيجيريا والتي تمر حتمًا بالنيجر لتعزيز أجندتها للعسكرة والتطرف، بل استغلت أيضًا عجز الدولة النيجيرية عن الوفاء بأبرز مسؤولياتها الأساسية والمتمثلة في حماية مواطنيها وممتلكاتهم.

إن تدهور العلاقة بين "لاكوراوا" والسكان المحليين في المجتمعات الحدودية التي استضافتها، وتبني الجماعة التطرف المسلح لاحقًا يوحيان بأنها قد تكون أخطر من حركات العنف الرئيسية في نيجيريا المعروفة مثل "بوكو حرام" و"تنظيم الدولة الإسلامية ولاية غرب إفريقيا" و"السكان الأصليين في بيافرا"، وذلك لحقيقة أن "لاكوراوا" تبدو أكثر تنظيمًا وهيكلة، كما أنها تأسست على أيدي رعاة كانوا يزورون المنطقة لسنوات عديدة، وبالتالي هم على دراية بتضاريسها أكثر من الحكومات المحلية ومن أجهزة الأمن الوطنية. وهذه النقطة واضحة في جغرافية المجتمعات التي تتركز فيها "لاكوراوا" حاليًّا والتي تقع داخل حدود ولاية سوكوتو (مع جمهورية النيجر)، وتوفر أماكن الاختباء والمأوى للجماعة بسبب الغابات الكثيفة والمناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة. وهذا يعني صعوبة مكافحة الجماعة، وخاصة باعتبار الظروف المماثلة في "سامبيسا" بولاية بورنو (شمال شرق نيجيريا)، وهي منطقة غابات تربط بين العديد من المستوطنات وقد اتخذها مقاتلو "بوكو حرام" و"تنظيم الدولة الإسلامية ولاية غرب إفريقيا" مخبأ لهم؛ مما أعاق جهود الجيش النيجيري في محاربة التنظيمين الإرهابيين.

واعتمادًا على أن أتباع "لاكوراوا" لهم خطابهم الديني الوعظي الخاص بهم، ولا يتعاملون مع أي حركة إسلامية أخرى فإن منطقة الساحل بشكل عام ومناطق الحدود غير المستقرة بين نيجيريا وجمهورية النيجر قد تزداد اضطرابًا بسبب احتمال ظهور أيديولوجيات متطرفة واندلاع صراعات إثنية ودينية جديدة. كما أن النفوذ المتزايد للجماعة وتأثيرها على مستوى المجتمع المحلي، وخاصة بين الشباب، يعرِّضان سلطة الهيئات الإسلامية والتقليدية المحلية في المنطقة للتهديد والتحدي. ويؤكد على هذا ما ورد من أن أفراد الجماعة أجبروا السكان المحليين في أماكن وجودهم على الاستماع لجلسات الوعظ التي يعقدونها باستمرار، وأرهبوهم باستخدام الأسلحة لفرض نسختهم من الإسلام. وهذه الأفعال ونتائجها أجبرت حكومة ولاية سوكوتو، على التعاون مع مجلس سلطنة سوكوتو، وهو الهيئة الإسلامية والتقليدية الأساسية في المنطقة، وأجهزة الأمن الأخرى، على اتخاذ إجراءات منسقة للحد من انتشار أفكار الجماعة بين المجتمعات المحلية.

وعلى المستوى الإقليمي، يؤكد ظهور "لاكوراوا" وبنية عضويتها ما أشارت إليه الدراسات والتقارير منذ السنوات الماضية من احتمال وجود قنوات اتصال بين الإرهابيين من مختلف دول غرب إفريقيا والساحل، كما تثبت مواقف بعض الباحثين وخبراء الأمن من استمرارية تسلل الإرهابيين إلى نيجيريا من دول الساحل، وخاصة من مالي والنيجر. وتفيد الهجمات المختلفة في الأيام الأخيرة والتي نُسبت إلى "لاكوراوا" بأنه لدى هذه الجماعة إمكانية واضحة للتوسع، وخاصة أن أنشطتها العنيفة وهجماتها تنتشران في مجتمعات جديدة، هذا مع قدرتها على التأثير على مناطق إضافية بما في ذلك القرى الزراعية والمستوطنات النائية الواقعة بالقرب من هذه المناطق الحدودية المتضررة. إضافة إلى روابط "لاكوراوا" المحتملة بعناصر في مالي والنيجر والاضطرابات السياسية والأمنية في المنطقة، والتي تشكل كلها تهديدًا أكبر لعدد كبير من السكان خارج الحدود النيجيرية.

وتتضح التداعيات الإقليمية بشكل أكبر في حقيقة أن "غودو"، وهي إحدى مناطق الحكومات المحلية الثلاث التي تنشط فيها "لاكوراوا"، تبعد ثلاثة كيلومترات فقط عن الحدود الوطنية النيجيرية مع النيجر، بينما تبعد منطقة "تانغازا" ثمانية كيلومترات. وقد انتشر أعضاء الجماعة بشكل مطرد في ولاية زامفارا النيجيرية (المجاورة لجمهورية النيجر وولايات نيجيرية أخرى)، ويثبت هذا هجومها على سكان "ميرا" في ولاية كيبي النيجيرية، في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وأسفر عن مقتل 15 شخصًا وتشريد العديد من السكان الآخرين؛ الأمر الذي يوحي بخطة مقاتلي الجماعة لترسيخ وجودها داخل نيجيريا وخارجها.

وبالنظر إلى تزايد هجمات جماعة "بوكو حرام" في بحيرة تشاد مؤخرًا، والتي أسفرت عن مقتل بعض الجنود التشاديين والنيجيريين، فإن خبرات "لاكوراوا" في رعي المواشي قد تساعد أعضاءها في التوسع من خلال التسلل إلى دول الساحل الأخرى التي تحد جمهورية النيجر ومالي، وهو ما قد يزيد من إرهاق الجهود الإقليمية المشتركة لمكافحة الإرهاب، خاصة أن الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، هدَّد، في بداية نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بسحب أفراد جيش بلاده من قوة الأمن متعددة الجنسيات (التي تشمل عناصر عسكرية من بنين والكاميرون وتشاد وجمهورية النيجر ونيجيريا)؛ وذلك بسبب ما يراه فشلًا للقوة في مكافحة "بوكو حرام" والجماعات المسلحة الأخرى في منطقة بحيرة تشاد.

خاتمة

تجدر الإشارة إلى أن قوات الأمن النيجيرية أطلقت جهود مكافحة الجماعات الإرهابية في شمال غرب نيجيريا، بما في ذلك "لاكوراوا"، تحت عمليتي "فانسان ياما" (Fansan Yamma) و"فاروتار موجييا" (Farautar Mujiya)؛ إذ من خلالهما تُشن حملات جوية وبرية على قواعد تلك الجماعات. ومع ذلك، كشفت الحملات العسكرية منذ أكثر من عقد ضد "بوكو حرام" وفصائلها في نيجيريا وتشاد والكاميرون وجمهورية النيجر واستمرار الاشتباكات العنيفة بين المزارعين الريفيين والرعاة الفلانيين الرُّحل أن مجرد الحملات العسكرية لن تكون كافية لمكافحة "لاكوراوا"، وخاصة أن التدابير الأمنية الحالية في نيجيريا للوقوف في وجه هذه الجماعة وغيرها تأتي في الغالب من الحكومة الفيدرالية النيجيرية، بينما الواقع يُظهر أن جهود إنهاء الأزمة تتطلب أولًا معالجة عوامل ظهورها، وتمكين المجتمعات المحلية اقتصاديًّا وأمنيًّا، والسماح قانونيًّا لحكومات الولايات النيجيرية بإنشاء قوات شرطتها الخاصة بناءً على متطلباتها المتجددة وتحدياتها الخاصة، واستئناف حكومات نيجيريا ودول الساحل، وخاصة النيجر، لتعاونها الأمني المشترك.

نبذة عن الكاتب

مراجع

1- Dachen Isaac. “Sokoto Dep Gov raises alarm as another deadly terrorist group emerges.” Ripples Nigeria, November 5, 2024, https://shorturl.at/9wU7H (visited on November 22, 2024)

2- Olugbenga Ige. “DHQ confirms emergence of new terrorist group in Sokoto, others”. Punch, November 7, 2024, https://shorturl.at/fJ7j1 (visited on November 22, 2024)

3- Rakiya A. Muhammad. “Armed “Lakurawa” group: Situation calm in Sokoto’s Gudu and Tangaza LGs – Police.” Daily Trust, December 1, 2018, https://shorturl.at/Mllio (visited on November 22, 2024)

4- Barnett, James, Murtala Ahmed Rufa’i, and Abdulaziz Abdulaziz. "Northwestern Nigeria: A Jihadization of banditry, or a “Banditization” of Jihad." CTC Sentinel 15, no. 1 (2022): 46.

5- Rufa'i, Murtala Ahmed. "Importing Militant Jihadists: Analyzing the Response of Traditional Authorities to Muslim Youth Extremism in the Nigeria-Niger Border Areas of Sokoto State." In Traditional Authority and Security in Contemporary Nigeria, pp. 151-168. Routledge, 2023.

6- المصدر السابق.

7- Odita Sunday. “New terrorist group ‘Lakurawa’ affiliated to ISIS – DHQ.” The Guardian, November 7, 2024, https://shorturl.at/xnFqA (visited on November 22, 2024)

8- Ibrahim Adeyemi, Mansir Muhammed, & Alamin Umar Alamin Umar. “Mapping the Dangerous Enclaves of Lakurawa Terrorists in Northwest Nigeria.” HumAngle, November 7, 2024, https://shorturl.at/7EBN0 (visited on November 22, 2024)

9- حكيم ألادي نجم الدين، "الجماعات المسلحة بنيجيريا والسيناريوهات المحتملة بعد البغدادي"، مركز الجزيرة للدراسات، 24 ديسمبر/كانون الأول 2019 (تاريخ الدخول: 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، https://shorturl.at/Inmpn

10- حكيم ألادي نجم الدين، "الإرهاب في غرب إفريقيا والساحل: ما بعد تغير الأنظمة السياسية والمبادرات البديلة لمكافحته"، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 11 سبتمبر/أيلول 2024 (تاريخ الدخول: 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، https://shorturl.at/CACBv

11- مصدر سابق:

Rufa'i, Murtala Ahmed. "Importing Militant Jihadists: Analyzing the Response of Traditional Authorities to Muslim Youth Extremism in the Nigeria-Niger Border Areas of Sokoto State." P. 163.

12- “Chad threatens to withdraw from multinational security force.” Reuters, November 4, 2024, https://shorturl.at/bKW0x (visited on November 23, 2024)