انسحاب فرنسا من كوت ديفوار: تنسيقي أم مفاجئ؟

الخطوة الإيفوارية الداعية لسحب القوات الفرنسية ربما تمت بالتنسيق مع فرنسا؛ وهذا لا يعني الرحيل النهائي لأن الرئيس الحسن واتارا لا يزال رجل فرنسا المفضل بالمنطقة الحريص على أن تبقى بلاده حليفًا مهمًّا لفرنسا في غرب إفريقيا.
الرئيس الإيفواري الحسن واتارا أعلن عن انسحاب القوات الفرنسية من كوت ديفوار (الفرنسية).

في خطوة قد تبدو مفاجئة بعض الشيء، وفي خطاب نهاية عام 2024، أعلن الحسن واتارا، رئيس كوت ديفوار والمقرب من فرنسا، أن القوات الفرنسية ستنسحب من البلاد، واصفًا هذا الانسحاب بالمنسق والمنظم، في إشارة إلى أنه تم التنسيق بشأنه مع باريس، ومبرِّرًا ذلك بوجود جيش وطني حديث، ومؤكدًا في الوقت ذاته أن كتيبة المشاة البحرية الثالثة والأربعين (بيما)، وهي قاعدة للجيش الفرنسي تقع في بور-بويه Port-Bouet في العاصمة الاقتصادية، أبيدجان، سيتم "تسليمها" إلى الجيش اعتبارًا من يناير/كانون الثاني 2025(1).

هذه الخطوة رغم تماشيها مع الإستراتيجية الفرنسية الرامية لتقليص الوجود العسكري في دول غرب إفريقيا والساحل، وفي ظل حديث عن رغبة فرنسية، منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بخفض قواتها العاملة في كوت ديفوار، إلا أنها تطرح في المقابل تساؤلات حول أسباب هذا القرار في بلد يعد ذا أهمية إستراتيجية كبيرة لباريس في غرب إفريقيا، وذا نظام سياسي يحظى بعلاقات وطيدة معها، وكذلك توقيته الذي جاء بعد فترة وجيزة من إعلان تشاد ذات الأهمية الكبرى أيضًا لباريس وسط القارة آخر نفس الشهر، نوفمبر/تشرين الثاني، إنهاء اتفاقية التعاون العسكري معها، والمطالبة برحيل قواتها العاملة هناك بنهاية يناير/كانون الثاني 2025 أيضًا، وكذلك السنغال التي أعلن رئيسها، باسيرو ديوماي فاي، في نفس يوم خطاب واتارا، قرار بلاده بإنهاء كل الوجود العسكري للدول الأجنبية في السنغال اعتبارًا من عام 2025.

 والسؤال الثاني المطروح هو: هل معنى هذا القرار الإيفواري غياب التنسيق الأمني والمعلوماتي، أم ستظل هناك أوجه أخرى للتعاون بين الجانبين؟ كما تطرح تساؤلات أخرى عن بدائل فرنسا في كوت ديفوار، وهل سيكون البديل روسيا على غرار دول أخرى في الإقليم مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو، أم سيكون البديل هذه المرة أميركيًّا في ظل بحث واشنطن عن مقر إفريقي للأفريكوم(2)، وذلك مع وجود تقارير تفيد بأن كوت ديفوار قد تكون أحد البدائل في هذا الشأن؟

أسباب قرار الانسحاب

طرح هذا القرار العديد من التساؤلات حول الأسباب الكامنة وراءه، وهل تم بالإرادة المنفردة للنظام أم بالتنسيق مع باريس في ظل العلاقات الوطيدة بين الجانبين؛ إذ لعبت فرنسا دورًا محوريًّا في دعم واتارا بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2010، خاصة بعد رفض الرئيس السابق، لوران غباغبو، تسليم السلطة له، فتدخلت قوات فرنسية ضمن عملية "ليكورن"، وبالتنسيق مع قوات الأمم المتحدة، لإجبار غباغبو على التنحي وتسليم السلطة.

هذا الدعم عزز العلاقة بين واتارا وباريس، وجعلها شريكًا سياسيًّا رئيسيًّا له في مرحلة ما بعد الأزمة؛ إذ تعد أكبر شريك تجاري لكوت ديفوار، وتسيطر الشركات الفرنسية على قطاعات حيوية مثل الطاقة، والنقل، والبنية التحتية.

لذا ظل واتارا ملتزمًا بتعزيز العلاقات الاقتصادية مع فرنسا؛ مما ساعد على استقرار الاقتصاد الإيفواري، لكنه واجه انتقادات داخلية بسبب الاعتماد المفرط على باريس في العديد من القضايا الاقتصادية والأمنية.

فعلى الصعيد الاقتصادي هناك اتهام باحتكار الشركات الفرنسية المجالات الاقتصادية الرئيسية في البلاد، بما يخدم مصالحها على حساب المواطن الإيفواري، خاصة ما يتعلق بزراعة الكاكاو، وهو المحصول الرئيسي في البلاد، وتعد كوت ديفوار أحد أهم مورديه على مستوى العالم، فضلًا عن النظر إلى الفرنك الإفريقي CFA (العملة المستخدمة في 13 دولة في وسط وغرب إفريقيا ومنها كوت ديفوار) على أنه أداة للتحكم الفرنسي في اقتصادات الدول الإفريقية؛ إذ يُطبع في البنك المركزي الفرنسي، ويربط السياسة النقدية لهذه الدول بباريس ودول اليورو، وتضع هذه الدول قرابة 70% من احتياطياتها النقدية من العملات الأجنبية في الخزينة الفرنسية.

وعلى الجانب الثقافي والتعليمي، لا تزال اللغة الفرنسية والمناهج الدراسية تعكس إلى حدٍّ كبير الهوية الفرنسية على حساب نظيرتها الإيفوارية، وتعيق وجود هوية وطنية إفريقية مستقلة واضحة المعالم.

وعلى الجانب الأمني ينظر إلى الاتفاقيات الأمنية على أنها مزيد من تكبيل الجيش الوطني لصالح فرنسا في الإقليم بداية من اتفاقية 1961 التي وُقِّعت بعد الاستقلال مباشرة، ومن أهم بنودها السماح بوجود قوات فرنسية في البلاد، مرورًا باتفاقية 2011 بعد وصول واتارا للحكم بدعم فرنسي. ونصَّت تلك الاتفاقية على تحديث القوات المسلحة، وتدريب الضباط والجنود من قبل القوات الفرنسية، وكذلك اتفاقية التعاون بين الجانبين لدعم عملية "برخان الفرنسية 2014" في دول الساحل الخمس: تشاد ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وموريتانيا.

ورغم أن كوت ديفوار لا تدخل في نطاقها، إلا أنها كانت شريكًا مهمًّا لإنجاحها عبر السماح باستخدام أراضيها نقطة انطلاق لعمليات برخان، فضلًا عن تقديم الجيش الإيفواري الدعم اللوجستي للقوات الفرنسية المنتشرة في الساحل، والمشاركة المحدودة في العمليات الإقليمية. وأخيرًا هناك اتفاقية الوجود العسكري الفرنسي في معسكر بور-بويه التي تستخدم لدعم الاستقرار في غرب إفريقيا ولتنفيذ العمليات العسكرية الفرنسية في المنطقة. ولذا شهدت البلاد من حين لآخر مظاهرات ضد الوجود الفرنسي، خاصة في أوقات الأزمات السياسية.

وبالتالي، يمكن تفسير القرار برغبة واتارا في التنسيق مع فرنسا بالسير على خطى دول غرب إفريقيا الراغبة في إنهاء هذا الوجود العسكري فقط، في ظل وجود رأي عام داخلي رافض لهذا الوجود الفرنسي، فضلًا عن تفويت الفرصة على خصمه في الانتخابات القادمة، والتي يتوقع تنظيمها في أكتوبر/تشرين الأول 2025، وسيكون خصمه فيها الرئيس السابق، لوران غباغبو، الذي يركز منذ انتخابات 2010 التي خسرها أمام واتارا، على رفضه التبعية لفرنسا، وكذلك رغبة واتارا في نفي التهمة التي يثيرها معارضوه بأنه "دمية" في أيدي الغرب.

ومما يعضد من هذا التوجه، وجود تنسيق بين الجانبين بشأن الانسحاب، أمران:

الأول: عدم توتر العلاقات بينه وبين باريس خلال الآونة الأخيرة على عكس ما حدث مثلًا بين فرنسا والنظم الانقلابية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، فواتارا زار باريس، في أغسطس/آب 2024، واستُقبل بحفاوة من قبل الرئيس الفرنسي ماكرون، وأقيمت له مأدبة عشاء خاصة في قصر الإليزيه.

الثاني: إشادة الرجل في نفس خطابه، الذي أعلن فيه قرار إنهاء الوجود الفرنسي، بدور هذه القوات الفرنسية في دعم استقرار البلاد ومساعدة جيش بلاده في القتال ضد الجماعات المسلحة التي تنشط في منطقة الساحل وتتوسع في دول على طول خليج غينيا، بما في ذلك كوت ديفوار وغانا، كما أشاد أيضًا بدور فرنسا كجزء من مهمة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة خلال الحرب الأهلية الطويلة في البلاد من عام 2002 إلى عام 2011.

هذا التوجه وهذه التصريحات ليست جديدة على واتارا الذي أشار في مقابلة سابقة مع قناة فرنسا 24، في شهر فبراير/شباط 2022، بالتزامن مع بدء انسحاب القوات الفرنسية من مالي، أشار إلى أن فرنسا لا تنسحب من منطقة الساحل بالكامل، بل تكيف وجودها العسكري مع المتغيرات الحالية، مؤكدًا عدم وجود مشكلة لبلاده في استقبال قوات فرنسية لتحقيق الجانب الأمني جنبًا إلى جنب الجيوش الوطنية(3).

ومعنى هذا أن الرجل ربما أراد بقراره هذا تهدئة الرأي العام الداخلي الرافض لفرنسا والمتأثر باحتجاجات دول الجوار، وكذلك تهيئة الأجواء لطرح نفسه مرشحًا رئاسيًّا لدورة رابعة وسط جدل سياسي وقانوني حول أحقيته لذلك؛ إذ أقرَّ دستور 2016 بأحقية الرئيس بالترشح لدورتين متتاليتين مدة كل منهما 5 سنوات، وحينها أُثير تساؤل حول سريان هذا التعديل على الفترات السابقة للرئيس واتارا أم لا. وقد حسمت المحكمة الدستورية الأمر بتفسير التعديل الدستوري على أنه يبدأ من الانتخابات القادمة التي جرت سنة 2020، وهو ما يعني أن الرئيس الحسن واتارا، الذي كان قد قضى فترتين قبل 2016، يستطيع الترشح لفترة ثالثة في 2020، ثم في الانتخابات التي تليها 2025، وهو ما أكده في تصريحات لرويترز عام 2018(4).

وفي المقابل، نجد أن خطوة انسحاب القوات الفرنسية، تتماشى مع إستراتيجية باريس الجديدة في المنطقة، فبعد الانسحاب من مالي، وبوركينافاسو، والنيجر، تخطط فرنسا، أيضًا لتقليص وجودها العسكري بشكل كبير في قواعدها في كل من تشاد في وسط إفريقيا، والسنغال وكوت ديفوار في غربها، باستثناء جيبوتي في شرق القارة؛ إذ قدَّم جان ماري، المبعوث الشخصي للرئيس ماكرون إلى إفريقيا، توصياته بشأن هذا الموضوع للرئيس، في يوليو/تموز الماضي(5). وفي 28 فبراير/شباط 2023، وقبل يوم واحد من جولته الإفريقية التي شملت أربع دول؛ هي: الغابون، والكونغو الديمقراطية، والكونغو، وأنغولا، حدَّد ماكرون ملامح الإستراتيجية الجديدة لفرنسا في القارة، ومن أبرزها(6):

أولًا: خفض الوجود العسكري في القارة إلى أدنى مستوى، ويعني أن هناك توجهًا فرنسيًّا حتى قبل انقلاب النيجر، في أغسطس/آب 2023، إلى تقليص الوجود العسكري، وإنهاء القواعد العسكرية الفرنسية، وتحويلها إلى أكاديميات تشارك في إدارتها فرنسا والدول الأوروبية والإفريقية، وفي ذلك دلالة على الإدارة المشتركة بين فرنسا وشركائها الأفارقة في توفير النفقات، وتقليل للخسائر البشرية والمادية، وتهدئة للرأي العام الداخلي، خاصة في ظل موجة الغضب التي قوبل بها في زيارته الأخيرة لدول عدة، منها: الغابون وإفريقيا الوسطى. وبحسب تقرير لصحيفة لوموند الفرنسية، يوجد في إفريقيا الآن حوالي 15 أكاديمية وطنية لتدريب الجيوش الإفريقية تنتشر في الغابون، وكوت ديفوار، والسنغال، والكاميرون، والنيجر، وتوغو، وبنين، وتقدم هذه الأكاديميات جميع التدريبات اللازمة في مجالي الدفاع والأمن، ويعمل بها عدد من الخبراء، ولا يعرف عنها الرأي العام الكثير(7).

وفي إطار تنفيذ هذه الإستراتيجية الجديدة، قررت فرنسا، وبعد 6 أشهر من انتهاء عملية برخان، في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، تقليص عدد قواتها في عدد من قواعدها العسكرية الكبرى ومنها كوت ديفوار؛ حيث العدد الإجمالي 950 جنديًّا، ثم السنغال، فالغابون؛ إذ يضم كل منهما 350 جنديًّا، في حين لن يتأثر وجودها في قاعدة جيبوتي التي تضم 1500 جندي.  

ثانيًا: تقوم المقاربة الأمنية الجديدة أيضًا على تقديم الدعم للجيوش الإفريقية من خلال المعلومات الاستخباراتية، أو الخدمات اللوجستية، أو صادرات الأسلحة، أو الدعم الناري (Fire Support)، وهو دعم عسكري لعمليات محددة، وفي المقابل زيادة الاعتماد على أدوات القوة الناعمة غير العسكرية؛ مثلًا الأدوات الدبلوماسية، من خلال توسيع نطاق الشركاء في إفريقيا بوصف ذلك تحديًا حيويًّا لأوروبا بأكملها؛ إذ تحاول فرنسا إشراك دول الاتحاد الأوروبي معها في إفريقيا، لتكون هي قاطرة الاتحاد من ناحية، وفي المقابل تُقسِّم تكاليف التدخل إن حدث، وكذلك تكاليف عمليات التنمية التي تحتاجها القارة.

ثالثًا: تعد الأداة الاقتصادية إحدى ركائز هذه الإستراتيجية الجديدة من خلال التركيز على مشروعات التنمية، على غرار الصين، التي تعد أكبر ممول للبنية التحتية في إفريقيا.

رابعًا: المدخل الإنساني، من خلال توفير الاحتياجات الإنسانية، وكذلك المدخل الثقافي التقليدي المتمثل بتسهيل التأشيرات للطلاب، الذي يعد امتدادًا لسياسة "فرنسة الأفارقة" من خلال مناهج التعليم، وذهاب قدر كبير من الميزانية المخصصة للتنمية لهذا البند. وربما هذا ما يميز فرنسا عن باقي الدول الاستعمارية السابقة الأخرى، وهو الاهتمام بالجانب الثقافي كأحد أدوات استمرار الهيمنة، وربما ارتبط ذلك بنمط الإدارة المباشرة الذي انتهجته باريس منذ البداية في التعامل مع هذه "المستعمرات"، مقارنة بنمط الإدارة غير المباشرة الذي انتهجته بريطانيا، وترتب عليه زوال نفوذها التاريخي في القارة.

خامسًا: المدخل الرياضي، عبر مسار "دعم الرياضة" الذي لاحظناه بقوة في بطولة كأس العالم الأخيرة بقطر 2022، حيث كان معظم لاعبي المنتخب الفرنسي من أصول إفريقية.

ومعنى هذا أن القوات الفرنسية، وإن كانت سترحل عن البلاد عسكريًّا، إلا أن المصالح الفرنسية الأخرى لن تتأثر بهذا الانسحاب في ظل وجود رئيس حليف لها في البلاد.

البديلان، الروسي والأميركي، وكوت ديفوار

إذا كان هناك شبه اتفاق بين واتارا وفرنسا بشأن سحب القوات، فهل معنى هذا وجود بديل آخر لملء هذا الفراغ، ونقصد به تحديدًا البديلين، الروسي والأميركي؟

بالنسبة للبديل الروسي: يلاحظ أن القوات الروسية المنخرطة حاليًّا في الساحل لم تحقق نتائج أفضل، فضلًا عن أن الموقف الروسي من بشار الأسد وتخليها عنه، كان له أثر سلبي من ناحيتين، الأولى: تتعلق بفقدان الثقة في روسيا وإمكانية تخليها بسهولة عن الأنظمة الداعمة، والثانية: تتعلق بفاعلية هذا الدور والخشية من التأثير المحتمل لغلق القاعدة البحرية في طرطوس على البحر المتوسط، وقاعدة حميميم الجوية على جهود موسكو في مكافحة الإرهاب في شمال ووسط وغرب إفريقيا، وهما قاعدتان كانت تعتمد عليهما بصورة كبيرة في تقديم الدعم اللوجيستي في القارة الإفريقية، لاسيما في ظل ضعف البدائل الإفريقية؛ أي بنغازي في شرق إفريقيا التي يسيطر عليها حفتر، على اعتبار أنها ليست بذات كفاءة القواعد السورية، وربما يكون البديل هو قاعدة عسكرية في السودان على البحر الأحمر، وهو أمر خاضع للتفاوض حتى الآن(8). ومن ثم قد لا تكون روسيا بديلًا مفضلًا لكوت ديفوار في هذا التوقيت.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، فقد تكون بديلًا محتملًا، خاصة بعدما كشفت صحيفة لوموند الفرنسية، أوائل يوليو/تموز 2024، عن موافقة رئيس كوت ديفوار، الحسن وتارا، على تدشين قاعدة عسكرية أميركية شمال غرب البلاد بالقرب من منطقة أوديين "Odienne"، دون الإفصاح عن مزيد من التفاصيل حول هذه الاتفاقية؛ شروطها، وحجم القوات المنتشرة، ومستوى التسليح، ومدتها، وما سوى ذلك.

وربما استهدف واتارا من ذلك ضمان عدم اعتراض الولايات المتحدة على ترشحه لولاية رابعة في الانتخابات القادمة المزمع تنظيمها، في أكتوبر/تشرين الأول 2025، وهو استحقاق سيجعل واتارا مستمرًّا في الحكم منذ 2010، وسيكون قد فاز بثلاث ولايات حتى الآن.

بيد أن قرار ترشحه للرئاسة، عام 2020، بعد الوفاة المفاجئة لخليفته ورئيس الوزراء، أمادو جون كوليبالي، كان قد أثار غضبًا واسع النطاق لدى صفوف المعارضة الإيفوارية. ولم يخف الرجل فكرة الترشح؛ إذ ألمح إلى ذلك صراحة في خطابه أمام أعضاء السلك الدبلوماسي بأبيدجان، يوم 9 يناير/كانون الثاني 2025؛ أي بعد أسبوعين تقريبًا من قراره الخاص بانسحاب القوات الفرنسية. لقد أشار إلى أنه يرغب في الاستمرار في خدمة بلاده رئيسًا، مضيفًا أنه بصحة جيدة ومتحمس لمواصلة خدمة بلده، وهي أقوى إشارة حتى الآن على أنه يخطط للترشح مرة أخرى.

وفي المقابل، هناك حرص أميركي على إيجاد قواعد بديلة في الإقليم، خاصة بعد الانسحاب من النيجر، وهو ما أكده رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال سي كيو براون، في يونيو/حزيران 2024، بأن واشنطن تدرس تعزيز التعاون العسكري مع عدد من دول القارة، وأكَّده أيضًا أحد المسؤولين الأميركيين، عندما ذكر لوسائل الإعلام أن هذه الدول تشمل إما غانا أو بنين أو كوت ديفوار(9).

وذهب إلى نفس الأمر قائد قوات الأفريكوم "القيادة الأميركية الخاصة بالقارة"، الجنرال ميشيل لانجلي، الذي أشار إلى أن فقدان القواعد الأميركية في الساحل، سيقلِّل من قدرتنا على المراقبة والتحذير، بما في ذلك القيام بالمهام الدفاعية، انطلاقًا من هذه القواعد، وطبعًا لمواجهة الجماعات الجهادية والسلفية المنتشرة بقوة في هذه المناطق، فضلًا عن دعم جهود منظمة الإيكواس في مواجهة الإرهاب(10).

وحتى في ظل الوجود الأميركي المحتمل في كوت ديفوار، فقد لا يؤثر ذلك كثيرًا على الوجود الفرنسي المتغلغل في شتى مناحي الحياة. وربما قد يحدث تنسيق بين الجانبين، الفرنسي والأميركي، في هذا الشأن على غرار ما يحدث في جيبوتي التي تستضيف أكبر قاعدة فرنسية في القارة بمجاورة قاعدة لومونييه الأميركية.

خاتمة

يمكن القول في التحليل الأخير: إن الخطوة الإيفوارية ربما تمت بالتنسيق مع فرنسا، وإن الرحيل العسكري ليس معناه الرحيل النهائي بكل أبعاده عن كوت ديفوار، وإن الحسن واتارا لا يزال الرجل المفضل فرنسيًّا، والحريص على عدم وجود خلاف دبلوماسي بين البلدين، وأن تبقى بلاده حليفًا مهمًّا لفرنسا في غرب إفريقيا.

ونجد الرئيس واتارا لم يبد غضبًا أو حتى استياء من تصريحات ماكرون الأخيرة، في 7 يناير/كانون الثاني 2025، أمام مؤتمر الدبلوماسيين الفرنسيين السنوي في باريس، والذي وجَّه فيه انتقادات حادة لقادة العديد من الدول الإفريقية. وهي التصريحات التي تحمل في طياتها نوعًا من التعالي والمنِّ على هذه الدول المدينة بالشكر والعرفان لباريس، لكنها لم تفعل ذلك. وقد ذكَّر ماكرون قادة دول إفريقية لم يسمهم بأن أيًّا من تلك الدول ما كان لها أن تستقل لولا التدخل الفرنسي لدعمها لنيل استقلالها، وأن أحدًا منهم لا يستطيع إدارة دولة ذات سيادة من دون تدخل. وهي التصريحات التي أثارت حفيظة شركاء فرنسيين مثل تشاد والسنغال، وأخيرًا وليس آخرًا المجلس العسكري ببوركينا فاسو، في حين اكتفى واتارا بالصمت.

نبذة عن الكاتب

مراجع

1) حول أهم ما جاء في الخطابين، السنغالي والإيفواري، يمكن العودة إلى: فرنسا تسحب قواتها من كوت ديفوار والسنغال تؤكد إنهاء كل الوجود العسكري الأجنبي على أراضيها، فرانس 24، 1 يناير/كانون الثاني 2025 (تاريخ الدخول: 14 يناير/كانون الثاني 2025)، https://2cm.es/Ql3e

2) القيادة الأميركية في إفريقيا ومقرها شتوتغارت في ألمانيا هي واحدة من سبع قيادات قتالية جغرافية تابعة لوزارة الدفاع الأميركية، وهي مسؤولة عن جميع العمليات العسكرية الأميركية والتدريبات والتعاون الأمني والاستجابة للأزمات في القارة الإفريقية لدعم المصالح الأميركية وتعزيز الأمن الإقليمي والاستقرار والازدهار

3) الرئيس الإيفواري الحسن واتارا: فرنسا لا تنسحب من الساحل وإنما تكيف آلياتها بحسب علاقاتها مع مالي، فرنسا 24، 18 فبراير/شباط 2022 (تاريخ الدخول: 14 يناير/كانون الثاني 2025)، https://2cm.es/Ql4C

4) رئيس كوت ديفوار يقول إن من حقه الترشح مرة أخرى في 2020، رويترز، 4 يونيو/حزيران 2018، (تاريخ الدخول: 14 يناير/كانون الثاني 2025)، https://2cm.es/NTTk

5)- Glez. Damien, French military withdrawal from Côte d’Ivoire: Alassane Ouattara and the temptation of sovereignty, Jeune Afrique, January 2, 2025 (Visited 14 Jan 2025) https://2cm.es/QlMB

6) حول هذه الإستراتيجية وتفصيلاتها، يمكن العودة إلى: شافعي، بدر حسن، النفوذ الفرنسي في إفريقيا.. تراجع إستراتيجي أو انسحاب تكتيكي؟ الجزيرة نت، 16 سبتمبر/أيلول 2023 (تاريخ الدخول: 14 يناير/كانون الثاني 2025)، https://2cm.es/Ql57

7)- Vincent, Elise, France will further cut back military presence in Africa, le monde, August 1, 2023(Visited 14 Jan 2025) https://2cm.es/NTTO

8) لوفيغارو: لماذا يثير سقوط بشار الأسد قلق حلفاء روسيا الأفارقة؟، الجزيرة نت، 31 ديسمبر/كانون الأول 2024 (تاريخ الدخول: 14 يناير/كانون الثاني 2025)، https://2cm.es/Ql5B

9)- Phillips, Michael M, U.S. Seeks Drone Bases in Coastal West Africa to Stem Islamist Advance, The Wall Street Journal, Jan. 3, 2024, (Visited 14 Jan 2025) https://2cm.es/NTYD

10) حول هذه التصريحات والسعي الأميركي للبحث عن بدائل، يمكن العودة إلى: شافعي، بدر حسن، 3 أسباب وراء تدشين قاعدة أميركية جديدة في كوت ديفوار، الجزيرة نت، 11 أغسطس/آب 2024 (تاريخ الدخول: 14 يناير/كانون الثاني 2025)، https://2cm.es/NT-4