
اكتسبت القمة غير العادية للجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) التي استضافتها أبوجا، عاصمة نيجيريا في السابع من يوليو/تموز 2024، أهمية خاصة لاعتبارات عدة أهمها توقيت انعقادها بعد يوم واحد من القمة التي عقدها قادة الانقلاب في كل من مالي والنيجر وبوركينافاسو، وأعلنوا خلالها المضي قدمًا في تشكيل اتحاد كونفيدرالي فيما بينهم بات يعرف بتحالف دول الساحل.
وقد تأكد قرارهم في يناير/كانون الثاني 2024، بالانسحاب الفوري من الإيكواس؛ وهو ما شكَّل تحديًا لأحد أهم المنظمات الإقليمية في القارة؛ والتي حققت نجاحات معتبرة على الصعيد الاقتصادي خاصة ما يتعلق بحريَّة تنقل الأشخاص والبضائع بين دول المنظمة الخمس عشرة بجواز سفر موحد؛ فضلًا عن كونها أول منظمة إفريقية تركز على البعد الأمني وأهميته لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
وكانت الإيكواس سباقة في صياغة بروتوكولات أمنية مثل عدم الاعتداء 1978، والمساعدة الجماعية في حالة الدفاع 1981؛ ثم استحداث آلية لمنع وإدارة وتسوية الصراعات وحفظ السلام والأمن 1999، التي كان من أهم بنودها توسيع قاعدة تدخل قوات المنظمة في الصراع الداخلي في حالة التهديد بحدوث كارثة إنسانية؛ أو وجود أعمال عنف تنتهك حقوق الإنسان وحكم القانون بصورة كبيرة، أو في حالة الإطاحة بحكومة منتخبة. هذا الانسحاب، أو الانشقاق، إن صح التعبير، يطرح تساؤلًا رئيسًا تحاول هذه الدراسة الإجابة عنه حول مستقبل الدور السياسي والأمني للإيكواس.
لذا سوف تنقسم هذه الدراسة لثلاثة أقسام رئيسية، ينبثق عنها نقاط فرعية، هي:
أولًا: الآليات السياسية والأمنية في الإيكواس.
ثانيًا: تقييم الدور السياسي والأمني للإيكواس قبل وأثناء الانقلابات الأخيرة.
ثالثًا: مستقبل الإيكواس بعد تشكيل تحالف الساحل الجديد "السيناريوهات".
القسم الأول: الهياكل السياسية والأمنية
كانت الإيكواس أول منظمة إقليمية "فرعية" في القارة التي تهتم بالربط بين الجانب الأمني والسياسي من ناحية، والجانب الاقتصادي من ناحية ثانية، على اعتبار أن التكامل الاقتصادي المنشود -بحسب اتفاقية لاغوس المنشئة لها عام 1975- لن يتحقق في ظل الحروب البينية أو الداخلية ذات الامتدادات الإقليمية. وبالتالي، فإن تحقيق الاستقرار السياسي والأمني يعد شرطًا أوليًّا للتكامل الاقتصادي بمراحله المختلفة التي تبدأ من المعاملة التفضيلية، ومنطقة التجارة الحرة، مرورًا بالاتحاد الجمركي، والسوق المشتركة، وصولًا إلى الوحدة النقدية الشاملة "عملة موحدة وبنك مركزي موحد".
لذا استحدثت الإيكواس مجموعة من البروتوكولات والقوانين "السياسية والأمنية" لتحكم تدخلها في تسوية الصراعات بين أو داخل الدول الأعضاء، أبرزها ما يلي:
أولًا: بروتوكول عدم الاعتداء Protocol on Non- Aggression الذي تم توقيعه عام 1978، والذي جاء بمنزلة إعلان مبادئ فيما يتعلق بالنواحي الدفاعية لعدم تضمينه أية هياكل مؤسسية للتدخل، وأشار في مادته الأولى إلى ضرورة امتناع الدول الأعضاء عن استخدام القوة أو الاعتداء، أو استخدام أي وسيلة لا تتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة أو منظمة الوحدة الإفريقية أو تنال من استقلالية أو سيادة أي دولة عضو في علاقاتها ببعضها البعض(1).
ثانيًا: بروتوكول المساعدة الجماعية في حالة الدفاع Protocol Relating to Mutual Assistance on Defence والذي عُرف باسم ميثاق دفاع الجماعة ECOWAS Defence Pact، والذي تم التوقيع عليه عام 1981، ويعد التدشين الحقيقي لنظام الأمن الجماعي لها؛ حيث كان أكثر تفصيلًا وإيضاحًا للعديد من النقاط التي لم يتناولها بروتوكول 1978، سواء فيما يتعلق بتحديد الصراعات التي تستوجب التدخل الجماعي، والآليات المنوطة بذلك.
وقد حدد الميثاق حالات التدخل ومنها حالة وجود صراع داخلي تتم إدارته ودعمه من الخارج بما يهدد السلم والأمن في الجماعة. وفي هذه الحالة فإن هيئة الجماعة "رؤساء الدول والحكومات" هي التي تحدد هذا الموقف، وتقرر التعامل معه (مادة 4، فقرة 2)، أما في حالة وجود صراع داخلي بحت فإن قوات الجماعة لا تتدخل (مادة 18- فقرة 2). كما نص على ضرورة وجود قوات خاصة للجماعة جاهزة للتدخل، هذه القوات ستعرف باسم القوات المسلحة المتحالفة للجماعة Allied Armed Forces of The Community والتي تعرف اختصارًا باسم (AAFC). ويتم تشكيلها من خلال تعهد الدول الأعضاء بوضع وحدات خاصة من قواتها المسلحة تحت تصرف الجماعة في حالة أي تدخل عسكري (مادة 13 – فقرة 1)(2).
ويلاحظ أن البروتوكول لم ينص على نظام معين للتصويت بشأن قرارات التدخل، ومعنى ذلك أن عملية التصويت تخضع لقاعدة الإجماع التي تحكم عملية اتخاذ القرار في الجماعة والتي من شأنها عرقلة عملية التدخل، وهو ما أكدته قمة باماكو، نوفمبر/تشرين الثاني 1990، التي عُقدت لمناقشة الصراع في ليبيريا التي أعادت التأكيد على قاعدة الإجماع.
ثالثًا: آلية منع وإدارة وتسوية الصراعات وحفظ السلام والأمن.Mechanism for Conflict Prevention, Management, Resolution, Peacekeeping and Security. على غرار آلية منظمة الوحدة الإفريقية لمنع الصراعات قبل وقوعها التي تم تدشينها عام 1993. وقد تم توقيع البروتوكول المنشئ لآلية الإيكواس في قمة لومي، عاصمة توغو، في 10 ديسمبر/كانون الأول 1999، وكان من أهم بنودها توسيع قاعدة تدخل قوات الجماعة في الصراع الداخلي في حالة التهديد بحدوث كارثة إنسانية، أو وجود أعمال عنف تنتهك حقوق الإنسان وحكم القانون بصورة كبيرة، أو في حالة الإطاحة بحكومة منتخبة. وهو ما يتم الاستناد إليه في حالات التدخل لمواجهة الانقلابات العسكرية.
ولقد حدد بروتوكول الآلية القوات العسكرية التابعة للإيكواس، وهي(3):
قوات مراقبة وقف إطلاق النار (الإيكوموج)
حرص بروتوكول الآلية على تقنين وضع قوات مراقبة وقف إطلاق النار التابعة للجماعة (الإيكوموج) والتي أثارت جدلًا واسعًا بشأن مدى مشروعيتها إبان تدخلها في حرب ليبيريا عام 1990، وكذلك أثناء الاجتماعات التي سبقت إقراره. وكانت المحصلة النهائية لذلك إقرار البروتوكول بأن تكون قوات الإيكوموج هي أحد الأجهزة المعاونة لمجلس الوساطة والأمن "الجهاز الأمني للمنظمة" على غرار مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي.
ويلاحظ أن الجماعة كانت سبَّاقة فيما يتعلق بتشكيل هذه القوات وتقنينها؛ حيث سبقت منظمة الوحدة الإفريقية وآلياتها الخاصة بتسوية الصراعات، وكذلك سبقت المنظمات الإقليمية الفرعية الأخرى كالسادك في الجنوب والإيكاس في الوسط. ولقد عمل الاتحاد الإفريقي، الذي حل محل منظمة الوحدة، على تفادي هذه السلبية من خلال الإقرار في المادة الثانية من البروتوكول المنشئ له بوجود قوات سريعة للتدخل من بين الأجهزة المعاونة (الفرعية) لمجلس السلم والأمن.
لقد نصَّت المادة (21) من البروتوكول على أن قوات الإيكوموج تعد أحد كيانات الإيكواس، وتتشكل من قوات مدنية وعسكرية، تتمركز في بلدانها الأساسية في حالة تأهب، وتكون جاهزة للانتشار الفوري عند الحاجة، كما حددت ذات المادة مهام بعثات الإيكوموج فيما يلي:
- المراقبة والملاحظة.
- حفظ السلام واستعادة الأمن.
- التدخل الإنساني لدعم ضحايا الكوارث الإنسانية.
- فرض العقوبات بما في ذلك فرض الحظر الاقتصادي.
- بناء السلام ونزع الأسلحة وتسريح القوات المتحاربة.
- أنشطة ذات طابع سياسي تتضمن السيطرة على الجريمة المنظمة وعمليات الغش والاحتيال.
- أية عمليات يمكن أن تفوض أو تكلف بها من قبل المجلس.
ويمكن ملاحظة أمرين فيما يتعلق بتفويض الإيكوموج:
الأول: أن البروتوكول تحدث عن الصلاحيات الممنوحة للإيكوموج في عمليات حفظ السلام/بناء السلام/صنع السلام، في حين لم يتحدث بوضوح عن فرض السلام "استخدام القوة الخشنة لإجبار طرف على التخلي عن الحرب، والجلوس للتفاوض"، كما حدث في ليبيريا وسيراليون في تسعينات القرن الماضي، وقد يكون واضعو البروتوكول استهدفوا الدمج بين حفظ السلام وفرض السلام على اعتبار أن مهام الأولى قد تتحول إلى الثانية، لكن يبقى التمييز بينهما أمرًا مهمًّا؛ لأنه سينعكس على طبيعة التفويض الممنوح من ناحية، ومستوى التسليح من ناحية ثانية، فعمليات حفظ السلام التقليدية قد تتطلب وجود أسلحة دفاعية خفيفة مع القوات المتدخلة، والتي ينحصر دورها في الإشراف على اتفاقات السلام الموقعة بين أطراف الصراع، وتستخدم هذه الأسلحة في حالة الدفاع عن النفس، أما في حالة فرض السلام فإن الأمر يتطلب مستوى تسليح عاليًا (معدات ثقيلة)؛ من أجل القيام بالمهمة الأساسية وهي فرض السلام في مواجهة أطراف الصراع(4).
الثاني: أن عمليات التفويض والمهام الممنوحة للقوات قد يتم تغييرها وفقًا لمقتضيات الوضع على الأرض، وبموافقة المجلس (م/29)، وهو ما يُكسب الإيكوموج مرونة كبيرة في التعامل مع هذه الأزمات.
وقد خُصِّص الفصل السابع من الآلية للحديث عن مصادر تمويل هذه القوات المتدخلة، وتحديدها في ثلاثة مصادر أساسية كالتالي:
- تخصيص حصة من ميزانية المنظمة لتمويل الآلية، حيث تقوم السكرتارية التنفيذية -أثناء إعداد ميزانيتها السنوية- بإدراج جزء خاص بتمويل أنشطة الآلية بها، وبمجرد دخول البروتوكول حيز النفاذ، فإن نسبة من هذه الحصص سيتم تخصيصها لأنشطة الآلية (مادة 36/1).
- الحصول على دعم من المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، أو الإقليمية مثل منظمة الوحدة الإفريقية في حينها، أو المنظمات الأخرى (مادة 36/2).
- المساهمات التطوعية والمنح التي قد تأتي من مصادر ثنائية أو متعددة (مادة 36/3).
وفي حالة عدم اكتمال توافر التمويل اللازم لعملية التدخل، فإنه قد يتم توجيه الدعوة للدول المشاركة بقوات لتحمل تكلفة قواتها المشاركة خلال الأشهر الثلاثة الأولى لعملية التدخل (مادة 37/1)، على أن تقوم المنظمة برد هذه النفقات خلال ستة أشهر على الأكثر، وتبدأ الجماعة بعدها تمويل هذه العمليات (مادة 37/2).
بروتوكول الديمقراطية والحكم الجيد عام 2001 Protocol on Democracy and Good Governance والذي يتناول أسباب وجذور الصراعات، ومنها الفساد، وعدم الاستقرار، ويتعامل مع عدة قضايا أبرزها حرية ونزاهة الانتخابات، وإشراف المجتمع المدني على المؤسسة العسكرية، والتأكيد مرة أخرى على رفض التغيرات غير الدستورية في نظم الحكم(5). وربما هذه هي النقطة الأهم التي تستند عليها الإيكواس في رفض الانقلابات العسكرية، وإمكانية التدخل "بكل أشكاله" لاستعادة النظام الديمقراطي..
وإذا كانت هذه هي الهياكل القانونية والمؤسسية للمنظمة، فماذا عن الجانب العملي؟ ولماذا برز نشاطها في عمليات التدخل خلال عقد التسعينات وأوائل القرن الحادي والعشرين، ثم تراجع بصورة أقل خلال العقد الثاني، ليسجل تراجعًا كبيرًا خلال العقد الثالث والأخير؟
القسم الثاني: تقييم أداء تدخل الإيكواس في تسوية الصراعات
يمكن تقسيم هذه الجزئية إلى مرحلتين أساسيتين: الأولى: مرحلة ما قبل الانقلابات الأخيرة 1990-2020، والثانية: مرحلة الانقلابات الأخيرة 2020-2024، وسوف نتحدث عنهما بشيء من الإيجاز:
أولًا: مرحلة ما قبل الانقلابات الأخيرة 1990-2020
منذ أوائل تسعينات القرن الماضي، صارت الجوانب الأمنية هي النشاط الأبرز لإيكواس، مقارنة بالجوانب الاقتصادية، أو بمعنى آخر فإن الجوانب الاقتصادية تراجعت لحساب الجوانب الأمنية، وقد يرجع ذلك لكثرة الصراعات الداخلية من ناحية، وبروز الخلافات السياسية بين الدول الأعضاء من ناحية ثانية؛ الأمر الذي يعوق التكامل الاقتصادي، ويجعل الأولوية دائمًا للجوانب الأمنية، فضلًا عن وجود دولة قائدة تسعى للهيمنة في الإقليم، وهي نيجيريا في عهد الرئيس الراحل، إبراهيم بابانغيدا.
ويلاحظ أنه حتى عام 2006، تدخلت الجماعة لمواجهة الصراعات الداخلية، ذات الامتدادات الإقليمية، في 4 دول، هي: ليبيريا، وسيراليون، وساحل العاج، وغينيا بيساو.
ويمكن القول بأنها حققت نتائج لا بأس بها خاصة في حالتي ليبيريا حيث الحرب الأهلية ومواجهة الرئيس تشارلز تايلور، وفي سيراليون لإعادة الرئيس الراحل، تيجان كاباه، الذي أُطيح به في انقلاب 1996، والتي كانت نتاج استخدام أدوات التسوية السياسية والعسكرية معًا، وكان من أبرز هذه النجاحات التوصل لعدة اتفاقات بشأن إحلال السلام في ليبيريا مما مهَّد لإجراء الانتخابات البرلمانية، عام 1997، وشهدت البلاد حالة من الاستقرار النسبي لمدة ثلاث سنوات، ونفس الدور لعبته المنظمة في المرحلة الثانية للصراع، عام 2000، وإن كان الدور الأكبر للقوات الدولية؛ مما أدى لإجراء الانتخابات، عام 2005، التي أسفرت عن فوز إيلين سيرليف جونسون. أما فيما يتعلق بالصراع في سيراليون فقد كان من أبرز جهود المنظمة عودة النظام الديمقراطي برئاسة كاباه للحكم، مارس/آذار 1998، كما شاركت -بالتعاون مع الأمم المتحدة- في إجراء انتخابات 2002 التي أسفرت عن فوز كاباه بها وإعلان انتهاء الحرب في البلاد. وبالنسبة لغينيا بيساو فقد اقتصر دورها على وسائل التسوية السياسية تحديدًا من خلال التعاون الوثيق مع الأمم المتحدة ومنظمة الدول الناطقة بالبرتغالية، والإشراف على انتخابات 1999 البرلمانية والرئاسية، ونفس الأمر بالنسبة لانتخابات 2004، و2005 البرلمانية والرئاسية. وفي أزمة كوت ديفوار لعبت الإيكواس -جنبًا إلى جنب الأمم المتحدة وفرنسا- دورًا في التوصل لاتفاق ليناس ماركوسيس الذي يعد أساس عملية السلام في البلاد، ونفس الأمر بالنسبة لاتفاق أكرا، 3 يوليو/تموز 2004، الذي حسم أهم مشكلتين تواجهان البلاد، وهما مشكلة المواطنة والترشيح للانتخابات، ووراثة عقود إيجار الأراضي الزراعية(6).
كما تدخلت الإيكواس بعد هذه الحالات الأربع، وإن بصورة أقل، في كل من كوت ديفوار 2010، ومالي 2013، وغامبيا 2017، لمواجهة الرئيس يحيى جامع (لم تحدث مواجهات) والذي رفض الاعتراف بنتيجة الانتخابات. وبحلول عام 2017، باتت جميع دول المنظمة لديها حكومات دستورية بقيادة مدنية(7).
المرحلة الثانية: الانقلابات الأخيرة (2022-2024)
يلاحظ أن الإيكواس لم تتدخل عسكريًّا لمواجهة 7 انقلابات شهدتها 4 دول خلال السنوات الأربع الأخيرة، وهي: مالي شهدت انقلابين في 2020، و2021، وغينيا في انقلاب سبتمبر/أيلول 2021، وبوركينا فاسو شهدت انقلابين عام 2022، والنيجر، في أغسطس/آب 2023، واكتفت بتعليق عضويتها، وفرض عقوبات اقتصادية وتجارية، وإعطاء مهلة لقادة الانقلاب للقيام بعملية التحول الديمقراطي، رغم أنه لم يتم الالتزام بها حتى الآن، ولم تتخذ الإيكواس إجراءات تصعيدية متمثلة في التدخل العسكري بشأنهم نتيجة لعدة إشكاليات سواء أكانت إشكاليات سياسية (توافق الإرادة السياسية للتدخل لدى الدول الأعضاء بالمنظمة) أو مالية (توفير التمويل اللازم للتدخل)، أو حتى إشكاليات تتعلق بقبول الرأي العام في الدولة المتدخلة لهذا التدخل، أو غياب دور نيجيريا التي انشغلت بملفاتها الداخلية خاصة ما يتعلق بالتنمية ومواجهة الحركات المسلحة مثل بوكو حرام وغيرها.
الإيكواس وانقلاب النيجر 2023
أما بالنسبة لانقلاب النيجر، يوليو/تموز 2023، والذي هددت فيه الإيكواس بالتدخل العسكري لإعادة الرئيس المعزول، محمد بازوم، للحكم، فقد اعتراه أيضًا مجموعة من الاعتبارات(8):
أولًا: الاعتبارات السياسية المتعلقة بمدى تأييد دول الإيكواس لهذا التدخل: إذ يمكن القول بوجود حالة من الانقسام داخل الدول الأعضاء، ما بين دول مؤيدة للتدخل، وفي مقدمتها نيجيريا والسنغال، وأخرى رافضة للتدخل، وهي تحديدًا مالي وبوركينا فاسو وغينيا، وبالطبع سبب الرفض يرجع إلى أن النظم الحاكمة بها وصلت للسلطة عبر الانقلاب. وهناك الفريق الثالث الذي لم يحدد موقفه بالضبط من التدخل وإن كان يميل إلى التسوية السياسية.
ثانيًا: كما يرتبط بذلك أيضًا مجموعة من التحديات تتعلق بنيجيريا الدولة الأكبر في الإقليم، وصاحبة التدخلات السابقة، فضلًا عن كونها صاحبة أكبر حدود مع النيجر. فالرئيس النيجيري المنتخب في حينها، بولا أحمد تينوبو، يواجه عدة إشكاليات منها وجود مشاكل اقتصادية وأمنية هائلة أبرزها محاربة بوكو حرام المنتشرة في كثير من الولايات، وبالتالي فإن سحب جانب من قوات بلاده إلى النيجر، قد يؤثر على كفاءة عملية المواجهة الداخلية، كما أن حدوث حالة من السيولة الأمنية في النيجر جرَّاء عدم الاستقرار، قد يسهم في تدفق عناصر من تنظيم الدولة وغيره من ليبيا عبر النيجر إلى نيجيريا وغيرها من دول الجوار، فضلًا عن الفاتورة الاقتصادية التي يصعب دفعها على نيجيريا بمفردها، وأخيرًا وليس آخرًا، رفض مجلس الشيوخ في البلاد طلب الرئيس بشأن التدخل. صحيح أنه يجوز للرئيس اتخاذ قرار مخالف للمجلس بموجب الدستور حال الحديث عن تهديد للسلم والأمن في البلاد، لكنه قد لا يقدم منفردًا على هذه الخطوة بهذه السرعة، لاسيما أن قوى المعارضة الرئيسية ترفض التدخل أيضًا، وتميل للحلول السياسية.
ثالثًا: الاعتبارات المالية المتعلقة بتمويل التدخل العسكري بصفة عامة، والتي ظهرت بوضوح أثناء عمليات تدخل الإيكوموج في حالات ليبيريا وسيراليون وغينيا بيساو في تسعينات القرن الماضي، ففي أزمة ليبيريا كان الاتفاق المبدئي أن تقوم كل دولة مشاركة بتمويل قواتها المشاركة خلال الشهر الأول، على أن تقع المسؤولية بعد ذلك على المنظمة، لكن بعض الدول لم تقم بدفع حصتها لرفضها إرسال قوات إلى ليبيريا، ونفس الأمر حدث في سيراليون؛ حيث تحملت نيجيريا -كذلك- معظم نفقات بعثة الإيكوموج، ورغم أن بروتوكول آلية منع الصراع، نصَّ على طرق التمويل، ومنها مساهمات الدول الأعضاء، وإمكانية الحصول على مساعدات أجنبية، إلا أن سكرتيرها التنفيذي السابق، لانساي كوياتي Lansay Koyate، حذَّر من خطورة عملية التمويل الخارجي بقوله: "إذا اعتمدنا بنسبة 100% على المانحين، فإن كل الأفكار الجيدة التي تسعى الجماعة لتحقيقها لن تتحقق"(9).
رابعًا: الاعتبارات المتعلقة بطبيعة مهام القوات المتدخلة، وهل ستكون حفظ سلام أم فرض سلام، مع الفروق الكبيرة بينهما، ففرض السلام يستلزم مهام قتالية، وأسلحة ومعدات ثقيلة، فضلًا عن التكلفة الباهظة، ناهيك عن الخسائر البشرية والمادية المتوقعة. وبالتالي، فإن إقصاء الانقلابيين في النيجر يتطلب مواجهة عسكرية مباشرة، وعدد قوات لا يقل عن 10 آلاف لمواجهة جيش نظامي، وهذه أمور صعب توفيرها في وقت يسير، خاصة أن قادة الانقلاب أعدوا العدة لذلك، وقاموا بغلق الحدود، وإعادة انتشار القوات، فضلًا عن أن قائد الانقلاب كان في وقت من الأوقات قائد قوات الإيكواس المتدخلة في كوت ديفوار؛ وبالتالي، يعرف جيدًا طبيعة القوات المتدخلة، ونقاط القوة والضعف وغير ذلك، ناهيك عن إعلان كل من مالي وبوركينا فاسو وقوفهما إلى جانب الانقلابيين؛ ما يعني أن القوات المتدخلة لن تواجه جيشًا نظاميًّا واحدًا، وإنما جيوش دول أخرى متحالفة معه؛ ما يعني إطالة أمد الحرب من ناحية، وزيادة فاتورة الخسائر المادية والبشرية من ناحية ثانية.
خامسًا: الاعتبارات المتعلقة بإمكانية انهيار وضعف فاعلية الإيكواس التي تشهد منذ أول تدخل في ليبيريا حالة من الانقسام بين الدول الأنجلوفونية بقيادة نيجيريا، والدول الفرنكفونية بقيادة كوت ديفوار في حينها، وأزمة عدم الثقة بين التكتلين، وتأثير ذلك على فاعليتها في عملية التدخل. وفي أزمة النيجر الأخيرة، نجد هذا الانقسام ليس فقط بين دول مؤيدة ودول معارضة، ولكن يلاحظ أن الأخيرة تهدد بالانسحاب من المنظمة، بل حدث هذا بالفعل، وهو ما قد يؤثر على قوتها وفاعليتها..
لذا، وإزاء هذه العقبات، قررت الإيكواس في البداية فرض عقوبات اقتصادية صارمة على الانقلابيين في النيجر، إلا أنه مع تشدد هؤلاء، ورفضهم عودة الرئيس بازوم للحكم، أو حتى إطلاق سراحه، فضلًا عن تضامن كل من نظامي بوركينا فاسو ومالي معهم، وإعلان تشكيل تحالف دفاعي لمواجهة أي حالة تدخل، ثم إعلان الانسحاب بعد ذلك من الإيكواس، اضطرت الأخيرة لإبداء مرونة في التعامل مع دول الترويكا هذه، خاصة مع النيجر، حيث بذلت المنظمة قصارى جهدها لتلبية احتياجات هذه الدول، ومن ذلك رفع العقوبات المفروضة على السفر والتجارة والاقتصاد(10)، حتى عندما لم يكن هناك أي ضمانات بأن تقدم القيادات العسكرية في هذه الدول، أية خطوة إيجابية في طريق تسوية الأمر.
القسم الثالث: مستقبل الإيكواس بعد إعلان تحالف دول الساحل "السيناريوهات"
لا شك أن إعلان قيام الكونفيدرالية الجديدة بين الدول الثلاث، يفرض مجموعة من التحديات، ويطرح العديد من التساؤلات حول السيناريوهات المستقبلية بشأن الإيكواس.
أولًا: التحديات
يمكن القول بأن عملية انسحاب الدول الثلاث من الإيكواس، تجعل المنظمة أمام ثلاثة تحديات أساسية، أمنية واقتصادية واجتماعية، عبَّر عنها بوضوح رئيس مفوضيتها، عمر توراي، في قمة أبوجا، يوليو/تموز 2024، بقوله عن التحدي الاقتصادي: "إن حرية الحركة والسوق المشتركة التي تضم 400 مليون نسمة، باتت معرضة للخطر حال انسحاب الدول الثلاث؛ وإن تمويل مشروعات اقتصادية بقيمة تزيد على 500 مليون دولار في بوركينا فاسو ومالي والنيجر ربما يتوقف"(11).
فمن شأن هذا الانسحاب إلغاء اتفاقية التجارة الحرة وانتقال السلع والخدمات، والعمل بدون تأشيرة وإعادة الحواجز الجمركية بين دول المنظمة ودول الساحل الإفريقي؛ كما سيؤثر على اقتصادات دول الساحل الإفريقي التي تعتمد على الواردات بصورة كبيرة؛ فضلًا عن كونها دولًا حبيسة؛ كما سيعرقل جهود الإيكواس كمنظمة للبحث عن عملة مختلفة عن الفرنك الفرنسي الإفريقي الذي تتعامل به 8 دول في المنظمة "الدول الفرنكفونية"، في حين تتعامل باقي دول المنظمة بعملتها الوطنية. لذا، كانت هناك مناقشات داخل المنظمة بإقامة منطقة نقدية متكاملة تستخدم العملة الموحدة (إيكو) بحلول عام 2027. لكن من الواضح أن هناك مجموعة من التحديات والتباينات بشأنها داخل المنظمة، ومن أبرزها مدى استعداد كل من نيجيريا وغانا، وهما دولتان أنجلوفونيتان للتخلي عن عملتيهما الوطنيتين، خصوصًا في ظل ارتباط العملة الجديدة باليورو أيضًا، وتشكيك البعض بأنها ستكون أداة جديدة للتبعية الغربية الأوربية، في مقابل وجود اتجاه آخر يمثله الرئيس السنغالي الجديد، باصيرو ديوماي فاي، يطالب بضرورة القيام ببعض الإصلاحات بشأن الفرنك قبل الانتقال للعملة الجديدة(12).
ولا شك أن انسحاب الدول الثلاث (وهي فرنكفونية)، وبحثها عن عملة بديلة موحدة، يجعلنا أمام 3 مناطق نقدية داخل المنظمة الواحدة؛ ما قد يعوق عملية التكامل الاقتصادي. ولابد هنا من الإشارة إلى أن أكثر من نصف الدول الأعضاء بالمنظمة، ومنها الدول الثلاث، تصنَّف -حسب بيانات البنك الدولي العام الماضي- ضمن الدول ذات الدخل المنخفض؛ أما باقي الدول فتصنَّف في خانة الدول ذات الدخل المتوسط المنخفض(13).
وبالنسبة للتحدي الأمني، أشار رئيس المفوضية إلى أن انسحاب الدول الثلاث سيشكل ضربة قوية للتعاون الأمني، لاسيما تبادل المعلومات المخابراتية والمشاركة في الحرب على الإرهاب.
ومن المعروف أن منطقة غرب إفريقيا، وخاصة هذه الدول الثلاث، تواجه تصاعدًا في عمليات الجماعات المسلحة بها بعد الانقلابات الأخيرة، وباتت أوضاعها غير المستقرة تهدد دول الجوار أعضاء الإيكواس؛ وصارت المنطقة بصفة عامة تحتل المكانة الأولى عالميًّا في العمليات المسلحة؛ فوفقًا للمؤشر العالمي للإرهاب 2023، فإن بوركينا فاسو تتبوأ الصدارة العالمية (8.5 من 10)، ثم مالي في المرتبة الثالثة (8 من 10)، أما النيجر فتحتل المرتبة الثامنة (7.5 من 10) ( 14) .
لذا، إذا كان موضوع الإرهاب أحد أسباب خروج هذه الدول من تجمع الساحل الذي أقامته فرنسا قبل حوالي 10 أعوام، فإنه بات يشكل تحديًا لها ولدول المنظمة، بعد الفراغ الذي أحدثه انسحابها مؤخرًا(15).
أما بالنسبة للتحدي الاجتماعي فأوضح رئيس المفوضية بأنه قد تكون هناك أيضًا إجراءات جديدة لفرض حصول مواطني هذه الدول الثلاث على تأشيرات لدخول دول أخرى في المنطقة. وهذا سيشكل تحديًا اجتماعيًّا وليس اقتصاديًّا فحسب، في ظل وجود العديد من الإثنيات الممتدة في أكثر من دولة، مما قد يعرقل حركتها، وارتفاع تكلفة تنقلها.
ثانيًا: السيناريوهات
هذه التحديات تطرح تساؤلا حول البدائل والسيناريوهات المطروحة أمام المنظمة للتعامل مع موضوع الانسحاب.
السيناريو الأول: السعي لعودة هذه الدول الثلاث مرة أخرى للمنظمة: ويمكن أن يتم ذلك عبر جهود الوساطة؛ إذ كلفت المنظمة رئيسي السنغال وتوغو بالقيام بذلك في إطار علاقتيهما الوطيدة مع المجالس العسكرية في دول التحالف لإقناعهم بالعودة مرة أخرى للمنظمة. وفي هذا الصدد يمكن للمنظمة، عبر الوسطاء، القيام بأمرين:
الأول: إعادة النظر في الشروط التي وضعتها المنظمة للمجالس العسكرية في دول التحالف ومنها الفترة الانتقالية القصيرة، وعدم ترشح قادة الانقلابات في الانتخابات القادمة، لأن من شأن هذه الشروط تشدد القائمين على هذه الانقلابات(16)، كما يترتب عليها تأجيل الانتخابات التي كان يفترض إجراؤها في مالي وبوركينا فاسو في مارس/آذار ويوليو/تموز هذا العام وفقًا لترتيبات الإيكواس؛ ونفس الأمر بالنسبة للفترة الانتقالية؛ حيث تم تمديدها في بوركينا فاسو خمس سنوات أخرى تنتهي في 2029؛ مع النص على حق الرئيس العسكري الانتقالي، إبراهيم تراوري، في الترشح؛ ونفس الأمر في مؤتمر الحوار الوطني "المؤدلج" في مالي والذي طالب بتمديد الفترة الانتقالية ثلاثة أعوام أخرى (تنتهي عام 2027)؛ مع أحقية رئيس المجلس العسكري، عاصيمي غويتا، في الترشح في الانتخابات؛ في حين أن قادة الانقلاب في النيجر لم يحددوا أصلًا موعدًا للفترة الانتقالية وبالتالي الانتخابات.
لكن هناك خشية من أن يؤدي ذلك إلى تجرؤ العسكريين على قواعد الديمقراطية في باقي الدول الأعضاء، تمامًا كما حدث في النيجر؛ عندما تراجعت الإيكواس عن شرط إعادة الرئيس المخلوع، محمد بازوم، للحكم؛ حيث لم يقم العسكريون بإطلاق سراحه حتى الآن. وهنا قد يمكن الوصول لحل وسط من خلال تمديد معقول للجداول الزمنية الحالية للانتقالية، بما في ذلك في النيجر، مع تحديد واضح للخطوات التالية، مع تعهد الإيكواس بالمساعدة في تحقيق أهداف المرحلة الانتقالية وفق الإطار الزمني الجديد(17).
أو بمعنى آخر، عدم قطع العلاقات مع دول التحالف الجديد، أو فرض مزيد من العقوبات عليها، لكن في المقابل التمسك بضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية، وبدء عملية التحول الديمقراطي(18)، وذلك حتى لا ينفرط عقد الإيكواس، أو تنتشر موجة الانقلابات العسكرية في بلدان أخرى على حساب الجماعة التي ستكون عاجزة في هذه الحالة عن التعامل معها، كما ستفقد أهم الأسس التي كانت سببًا في وجود هذه الهياكل الأمنية والسياسية: عدم جواز الوصول للحكم عن طريق الانقلابات.
الثاني: قيام المنظمة بتكثيف جهودها في مجال مكافحة الإرهاب عبر تفعيل تلك المبادرة التي تمت الموافقة عليها نهاية 2022، حيث أعلنت الإيكواس، في مايو/أيار الماضي، توفير الترتيبات اللازمة لهذه القوات بمدينة لونجي في سيراليون؛ والاتفاق على خطط لتعبئة قوة احتياطية إقليمية لمكافحة الإرهاب قوامها 5000 فرد؛ مع تخصيص 2.4 مليار دولار لها؛ تقوم الدول الأعضاء بتوفير مليار دولار ابتداء(19). وبالتالي، يمكن من خلال هذه الآلية تعزيز جهود مكافحة الإرهاب في محاولة لاستمالة هذه الدول من جديد، خاصة أن هذه الانتقادات "عدم كفاءة مواجهة الإرهاب" كانت موجهة للإيكواس وفرنسا معًا؛ وكانت أحد الأسس التي استندت إليها الزمرة العسكرية في الدول الثلاث لتبرير خروجها من الإيكواس.
السيناريو الثاني: قيام المنظمة بالتصعيد ضد هذه الدول الثلاث، خشية قيام قيادات عسكرية في دول أخرى بإجراءات مماثلة؛ ما قد يؤدي إلى انهيار المنظمة وانفراط عقدها. وهي تستند في ذلك إلى أن التحالف الثلاثي الجديد قد ينهار سريعًا بسبب ضعف الأسس التي يقوم عليها، فضلًا عن التحديات الأمنية التي تواجه دوله والتي لم تفلح في ظل تحالف هذه الدول مع فرنسا وأوروبا وفي ظل وجود مظلة من مجلس الأمن في وقف العمليات الإرهابية؛ وكذلك التحديات الاقتصادية "دول حبيسة ذات دخل منخفض؛ وتحتاج للتعامل مع العالم الخارجي تصديرًا واستيرادًا؛ ناهيك عن التحديات الاجتماعية المتعلقة بانتقال المواطنين لدول الجوار".
وفي ظل هذا السيناريو، يمكن أن تقوم المنظمة بعدة خطوات:
الأولى: استمرار العقوبات الاقتصادية المفروضة على الدول الثلاث، مع إمكانية عودة فرض العقوبات التي تم رفعها جزئيًّا عن النيجر؛ والتي قد تؤثر بصورة كبيرة على اقتصادات هذه الدول المتأزمة أصلًا، كما أن كونها دولة حبيسة يفاقم من معاناتها الاقتصادية وإمكانية خنق هذه النظام اقتصاديًّا؛ وهو ما قد يسبِّب -مع استمرار الهجمات المسلحة- مزيدًا من تدهور الأوضاع بها؛ وقد أدى وقف نيجيريا على سبيل المثال تزويد النيجر بالكهرباء بعد الانقلاب؛ إلى دخول البلاد في ظلام دامس في ظل اعتمادها بنسبة 70% على كهرباء نيجيريا.
الثانية: إمكانية فرض قيود التأشيرة على دخول مواطني هذه الدول لدول المنظمة؛ ما يعني حرمانها من أسباب العيش من ناحية؛ فضلًا عن إمكانية قطع الروابط الإثنية لهذه الدول الثلاث مع دول الجوار.
الثالثة: تفعيل الإطار المؤسسي للإيكواس
لقد أظهرت القيادة السنغالية الجديدة التزامًا بإصلاح منظمة الإيكواس، ومن خلال تسليط الضوء على مخاطر الانقلابات، يمكنها إقناع القادة الآخرين بالتصديق على البروتوكول.
ويرتبط بهذه الجزئية ضرورة تخلي المنظمة عن المعايير المزدوجة في تنفيذ بنود بروتوكول الديمقراطية والحكم الرشيد، فخلال الفترة الأخيرة اتخذت المنظمة إجراءات صارمة ضد الانقلابات العسكرية، لكنها غضَّت الطرف عن "الانقلابات المؤسسية أو الدستورية" التي تنفذها الحكومات المنتخبة من خلال تغيير الدستور بما يسمح لها بالترشح لأكثر من دورتين، كما حدث في كوت ديفوار وغينيا؛ ما أدى لتقويض مصداقية المنظمة لدول الدول الأعضاء(23).
لذا ينبغي عليها إلزام الدول الأعضاء بضرورة ألا تزيد مدة تولي الرئاسة عن دورتين متتاليتين، مع ضرورة إجراء انتخابات حرة وشفافة، ورفض فكرة أن هذه الأمور تخضع للسيادة الداخلية، وفرض عقوبات على المخالفين(24). وإن كان من الصعب تطبيق هذا المقترح في ظل رغبة العديد من رؤساء الدول في تمديد فترة حكمهم عبر تعديل الدستور، كما أن اتخاذ المنظمة أية إجراءات عقابية بحق هؤلاء، يتطلب اتخاذ قرار بالإجماع، وهذه إحدى المثالب التي تعوقها عن اتخاذ القرارات الحيوية المهمة. ولعل هذه القضية وغيرها ستكون في مقدمة أجندة اجتماع القمة الاستثنائية القادمة (2025) حول مستقبل التكامل الإقليمي في غرب إفريقيا التي أعلن عنها رؤساء دول المنظمة في قمتهم الاستثنائية، في يوليو/تموز الماضي، والتي تستهدف استعادة زخم الإيكواس وتفعيل دورها من جديد في الجانبين، السياسي والأمني، الذي يتطلب من وجهة نظرنا ضرورة توافق إرادة سياسية على ضرورة التخلي عن كل من الانقلابات غير الدستورية والمؤسسية الدستورية على حدٍّ سواء. وهو أمر يبدو بعيد المنال من وجهة نظرنا المتواضعة حتى الآن. وهو ما يُفقد الثقة الشعبية في المنظمة التي بات ينظر إليها على أنها "اتحاد أو نقابة لرؤساء الدول" "union of heads of state"؛ ما يعطي الفرصة لمزيد من الانقلابات العسكرية التي قد تجد دعمًا شعبويًّا بعد خيبة أمل الشعوب في حكامها، وفي المؤسسة الرئيسة في الإقليم التي قد يؤدي انهيارها أو حتى ضعفها إلى انتشار هذه العدوى في منظمات وأقاليم أخرى في القارة وهو أمر يحتاج إلى دراسة أو حتى دراسات أخرى حول مستقبل المؤسسات الإقليمية في إفريقيا.
1)- Shaw ,Timothy M. & Okolo ,Julius Emeka , The Political Economy of Foreign in Ecowas (USA: St. Martin`s Press , 1994).p.146
2)- Ecowas: Protocol Relating to Mutual Assistance on Defence , in Protocols Annexed to The Treaty of Ecowas ,.
3)- Protocol Relating to the Mechanism for Conflict Prevention, Management, Resolution, Peace– Keeping and Security (1999)
4)- Adebajo,Adekye Building Peace in West Africa: Liberia – Sierra Leone and Guinea Bissau , (USA& London: Lynne Rienner Publisher , 2002). , P. 155.
5)- Protocol A/SP1/12/01 on Democracy and Good Governance Supplementary to the Protocol relating to the Mechanism For Conflict Prevention, Management, Resolution, Peacekeeping and Security 2001
6) حول هذه النتائج، انظر، شافعي، بدر حسن، تسوية الصراعات في إفريقيا، نموذج الإيكواس، (القاهرة: دار النشر للجامعات، 2009) ص 369.
7)- Melly,Paul Niger coup underlines challenge to democracy across West Africa, Chatham House,21 August 2023(visited 24 Oct.,2024) https://n9.cl/zapnws
8) حول هذه الاعتبارات، انظر: بدر حسن شافعي، إيكواس واحتمالات التدخل العسكري في النيجر، الجزيرة نت، 8 أغسطس/آب 2023 (تاريخ الدخول: 20 أكتوبر/تشرين الأول 2024)، https://2u.pw/wyEapfH
9)- Adebajo,Adekye.Op.cit., P. 158
10)- Obadare, Ebenezer An Opportunity to Reimagine ECOWAS, July 15, 2024, (visited 24 Oct.,2024)
11) إيكواس.... نواجه خطر التفكك، الجزيرة نت، 7 يوليو/تموز 2024 (تاريخ الدخول: 20 أكتوبر/تشرين الأول 2024)، https://n9.cl/8ajr7
12)- The withdrawal of three West African states from ECOWAS, Strategic Comments
June 2024(visited 24 Oct.,2024) https://2cm.es/OuCD
13)- Aikins, Enoch Randy ECOWAS Introduction: Prospects and Challenges of Ecowas, African Futures & Innovation Programme, 03 June 2024,p.2
14)- 2023 Global Terrorism Index, (visited 24 Oct.,2024) https://2cm.es/OuCL
15) شافعي، بدر حسن، بعد انسحاب 3 دول منها.... هل تنهار منظمة إيكواس؟ الجزيرة نت، 20 يوليو/تموز 2024 (تاريخ الدخول: 20 أكتوبر/تشرين الأول 2024)، https://2cm.es/OuCP
16)- Could Senegal help mediate tensions between ECOWAS and AES states? Institute for Security Studies, 12 June 2024 , (visited 24 Oct.,2024) https://2u.pw/0A3MALiP
17) شافعي، بدر حسن، بعد انسحاب 3 دول منها.... مرجع سابق.
18)- Obadare,Ebenezer op.cit
19) آيات، إدريس، قوة إيكواس لمكافحة الإرهاب.. هل تفلح فيما فشلت به مبادرات سابقة؟، الجزيرة نت، 15 مايو/أيار 2024 (تاريخ الدخول: 20 أكتوبر/تشرين الأول 2024)، https://2u.pw/Qdx2OnhG
20) SIXTY-SIXTH (66 TH) ORDINARY SESSION OF THE AUTHORITY OF HEADS OF STATE AND GOVERNMENT 15th December 2024, Abuja, Federal Republic of Nigeria. (visited 30 Jan.,2025) https://2u.pw/NKmkgpHc
Ecowas commission. Press release . 29 Jan 2025(visited 30 Jan.,2025) (21
22)- Aïssatou Kanté, Rethinking Coup Management in West Africa, The Institute for Security Studies, September 30, 2024 (visited 24 Oct.,2024) https://2cm.es/M82r
23)- Proposed ECOWAS exits leave West Africa at a crossroads, Institute for security studies, 08 February 2024 ,ISS Today, (visited 24 Oct.,2024) https://2u.pw/rsSeUdhw
24)- Mefor,Law Democracy backslide and future of ECOWAS after exit of three nations, February 7, 2024, (visited 24 Oct.,2024) https://n9.cl/ogl44