
بعد ستة أشهر من وصولها إلى السلطة، أعلنت حركة طالبان استئناف أعمال الحفر في مشروع قناة خوشتيبة على نهر أمو، المعروف أيضًا باسم "نيل آسيا الوسطى". وتعود المخططات الأولية لبناء القناة إلى خمسينات القرن الماضي خلال حكومة الرئيس الأفغاني الأسبق، محمد داود خان، لكن الاجتياح السوفيتي لأفغانستان، عام 1979، والحروب الأهلية والاضطرابات السياسية عرقلت عملية حفر القناة. في عام 2018، أجرت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية دراسة جديدة بشأن قناة خوشتيبة بقيمة 3.6 ملايين دولار أميركي، وحفرت الحكومة الأفغانية السابقة برئاسة محمد أشرف غني أول سبعة كيلومترات من القناة قبل أن تُطيح بها حركة طالبان، عام 2021(1).
وتعد قناة خوشتيبة من أكبر المشاريع الإستراتيجية التي تنفذها حكومة حركة طالبان في أفغانستان؛ حيث تهدف إلى تحويل مساحات واسعة من الأراضي الصحراوية إلى أراض زراعية؛ مما يعزز الأمن الغذائي ويقلل من الاعتماد على الواردات. ومع ذلك، فإن المشروع يثير مخاوف إقليمية في دول آسيا الوسطى، مثل أوزبكستان وتركمانستان اللتين تعتمدان على نهر آمو "جيحون" مصدرًا رئيسيًّا لمواردهما المائية.
تحاول هذه الورقة التعريف بقناة خوشتيبة وبحث أسباب التعثر في إتمام المشروع، وتناقش الأسباب التي دفعت حركة طالبان إلى المبادرة بحفرها رغم اعتراض دول آسيا الوسطى على ذلك.
مشروع قناة خوشتيبة
تُعدُّ القناة، بلا شك، أكبر مشروع تنموي يُنفَّذ في تاريخ أفغانستان، من خزينة الدولة، ويهدف إلى إظهار قدرة حكومة حركة طالبان على إدارة مشروع بنية تحتية من شأنه الحد من الفقر، وزيادة الأراضي الزراعية، وتعزيز الأمن الغذائي وذلك في رسالة إلى الداخل الأفغاني والخارج أيضًا. يبلغ طول القناة 287 كيلومترًا وعمقها 8.5 أمتار، بمتوسط عرض 100 متر "يبدأ عرض القناة من 152 مترًا ويتناقص تدريجيًّا إلى 64 مترًا في نهايتها؛ ما يعني أن متوسط عرضها يبلغ حوالي 100 متر"(2) وتتضمن خطة العمل التي وضعتها حكومة حركة طالبان لشق القناة ثلاث مراحل رئيسية: الأولى تبدأ في ولاية بلخ بطول 108 كيلومترات، والمرحلة الثانية في ولايتي جوزجان وفارياب بطول 117 كيلومترًا، والمرحلة الأخيرة شق قنوات الري وشبكات المياه في الولايات الثلاث، وتبدو الحركة مصممة على إكمال بناء قناة خوشتيبة في أفغانستان لأسباب اقتصادية وإستراتيجية تهدف إلى تعزيز الاستقرار وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
ويقول القائمون على المشروع: إنه سيوفر أكثر من 1.2 مليون فدان من الأراضي الزراعية، وسيخلق حوالي 200 ألف فرصة عمل جديدة، ويعمل في بناء القناة وحفرها نحو 5000 عامل و4000 جرافة وشاحنة، وأن المرحلة الأولى انتهت قبل المدة المخصصة لها، وقد دخلت القناة في المرحلة الثانية، وحددت الحكومة الأفغانية الجدول الزمني ومدته ست سنوات لإكمال المشروع(3)، ولكن مصادر حكومية تقول: يمكن إنهاء العمل في أقل من المدة التي أعلنتها الحكومة الأفغانية.
تُمثل قناة خوشتيبة للسلطات الأفغانية الحالية رؤيةً جديدةً جريئةً لبلد انتظر خمسة عقود لإكمال المشروع. لم تكن طالبان أول من وضع خطتها، لكنها تبنَّتها بحماس، تمثل القناة جزءًا من جهد حركة طالبان السياسي لحشد الدعم الشعبي، وقد أطلقت الحركة حملة علاقات عامة واسعة النطاق حول القناة، تجسدت في فيديو مدته سبع وعشرون دقيقة، أُنتج في أوائل عام 2024 بعد انتهاء المرحلة الأولى من المشروع.
الاحتلال السوفيتي والمشروع
أدت الحرب السوفيتية الأفغانية في ثمانينات القرن الماضي إلى انهيار نظام الحكم في أفغانستان؛ مما أسهم في تدهور موارد الأراضي والمياه، ولا يُزرع الآن سوى نصف الأراضي الصالحة للزراعة بسبب نقص المياه، و11% من الأراضي الزراعية لا تصلها المياه، يتناقض هذا الواقع الحالي بشكل صارخ مع وضع أفغانستان في سبعينات القرن الماضي؛ حيث كانت البلاد لا تتمتع بالاكتفاء الغذائي فحسب، بل كانت من أكبر مُصدِّري الفواكه المجففة والمكسرات في العالم.
حسب الدراسات التي أُجريت حول أهمية القناة فهي ستحافظ على الأمن الغذائي لعدد السكان في أفغانستان الذي سيصل إلى 100 مليون نسمة بحلول نهاية القرن، إضافة إلى ذلك ستسهم بنحو 400 مليون دولار أميركي سنويًّا في الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان. من منظور إستراتيجي، قد ترى طالبان في المشروع وسيلة لتقليل الاعتماد على الدول المجاورة في إمدادات المياه والغذاء، مما يعزز سيادتها الوطنية. إكمال قناة خوشتيبة يمثل أولوية بالنسبة لطالبان لأنها تجمع بين الفوائد الاقتصادية، الاجتماعية، والسياسية في وقت حرج بالنسبة لهم(4).
يقع مشروع قناة خوشتيبة في منطقة ذات أهمية إستراتيجية بالغة في ثلاث ولايات شمالية بأفغانستان: ولاية بلخ، التي يبدأ فيها المشروع وينتهي في ولايتي جوزجان وفارياب؛ حيث يشكل نهر آمو "جيحون" حدود أفغانستان مع أوزبكستان وتركمانستان، يبلغ عدد السكان في هذه الولايات نحو 3.33 ملايين نسمة، وستؤثر القناة الجاري إنشاؤها حاليًّا في أفغانستان على نهر آمو بشكل كبير على توفير المياه للري والشرب في إحدى أكثر مناطق أفغانستان التي تعاني منذ عقود من الجفاف والتصحر.
ومن المثير للاهتمام أن مشروع قناة خوشتيبة كان قيد التنفيذ لعدة سنوات قبل وصول طالبان إلى السلطة، وبدأ العمل التمهيدي ودراسات الجدوى بدعم من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في عهد الحكومة الأفغانية السابقة. ومع ذلك، فقد اكتسب المشروع زخمًا ملموسًا بتوجيه من طالبان، بسبب التقدم المحرز والملحوظ إذ تكشف صور الأقمار الصناعية أنه في غضون عام واحد فقط، من مارس/آذار 2022 إلى 19 مايو/أيار 2023، تمكنت طالبان من حفر وبناء ما يقرب 100 كيلومتر من القناة(5).
لماذا أخفقت الحكومة السابقة في تنفيذ مشروع خوشتيبة وتمكنت طالبان منه؟ يقول مصدر أمني سابق: "مجموعة من أمراء الحرب السابقين كانوا يعرقلون أعمال البناء في القناة بتشجيع من دول آسيا الوسطى وكانوا يسلمون رشاوى وأموالًا، ويختلقون المشاكل الأمنية، وعندما بدأت طالبان المشروع أخذت نفس المجموعة تثير أسئلة عبر المواقع التواصل الاجتماعي وتشكِّك بقدرة طالبان على إكمال المشروع ولكن طالبان تمكنت من المضي قدمًا وأثبتت للأفغان أنها قادرة على ذلك"(6).
دراسة أميركية
حسب دراسة الجدوى التي أجرتها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، عام 2019، يمكن لقناة خوشتيبة أن تروي 1.2 مليون فدان من الأراضي سنويًّا، وسيتطلب الأمر استخراج ما يصل إلى 13.02 مليار متر مكعب من المياه من نهر آمو. ومع ذلك، يُقدَّر أن 49% فقط من إجمالي الأراضي المتاحة في المنطقة المحيطة صالحة للزراعة؛ وبالتالي، سيبلغ معدل استخراج المياه السنوي الفعلي حوالي 6.37 مليارات متر مكعب. "عند تحليل هذه الأرقام، واستبعاد الأراضي غير الصالحة للزراعة مثل الأراضي المالحة وتلك التي تهيمن عليها الكثبان الرملية، يبدو أن قناة خوشتيبة، قد تحتاج ما بين 8 و17% من مياه نهر آمو، وهي نسبة أقل من التقدير السابق، ومن الواضح أن هناك حاجة ملحَّة لمزيد من البحث حول كيفية تأثير القناة على تدفق مياه نهر آمو في أفغانستان وتركمانستان وأوزبكستان"(7).
يُذكر أنه وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي، وقَّعت دول آسيا الوسطى اتفاقية ألما آتا عام 1992، والتي استمرت في اتباع الإطار المُحدَّد في البروتوكول 566 لتقاسم المياه بينها. استُبعدت أفغانستان من المفاوضات، بينما فقدت اتفاقية عام 1946 مع الاتحاد السوفيتي السابق فاعليتها، لافتقارها إلى أحكام محددة لتخصيص المياه بين أفغانستان ودول آسيا الوسطى.
يُعرف نهر آمو بأنه أوسع أنهار آسيا الوسطى وثاني أطولها في أفغانستان، ويتدفق عبر ست دول: أفغانستان، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، وأوزبكستان. يمتد على مسافة 2540 كيلومترًا، ينبع من أفغانستان وطاجيكستان وينتهي في بحر آرال، ويشكِّل موردًا حيويًّا مشتركًا بين هذه الدول(8).
نهر آمو "جيحون"
ينبع نهر آمو من جبال بامير الأفغانية ويتدفق لمسافة حوالي 1126 كيلومترًا على طول الحدود الشمالية لأفغانستان مع طاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان، ولم تستفد أفغانستان من مياه نهر آمو بشكل كبير منذ سبعينات القرن الماضي لكن جمهوريات آسيا الوسطى السوفيتية السابقة كانت تستغل موارد المياه في الزراعة المكثفة للقطن ولا تزال تستهلك 92% من المياه المستخرجة من نهر آمو. وكان الاتحاد السوفيتي في عام 1987، قد قسم مياه النهر بنسبة -61.5 كيلومترًا مكعبًا- بين جمهوريات طاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان السوفيتية، أما أفغانستان التي كانت لا تزال خاضعة للغزو السوفيتي آنذاك، فقد عُزلت فعليًّا عن الخطة تمامًا. وعند اكتمالها ستسحب القناة سنويًّا أكثر من 10 مليارات متر مكعب من المياه من نهر آمو. إضافة إلى ذلك، تنوي حكومة طالبان إنشاء ثلاثة خزانات لتخزين المياه وتوليد الطاقة الكهرومائية(9).
لم تُسفر المناقشات التي عُقدت عام 1977 في طشقند بين أفغانستان والاتحاد السوفيتي عن نتيجة مثمرة. وقُوبِل طلب أفغانستان للحصول على 9 كيلومترات مكعبة من المياه بعرض مُقابل قدره 6 كيلومترات مكعبة من الجانب السوفيتي، ولم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي. ويزيد غياب المعاهدات أو الاتفاقيات الرسمية من تعقيد الوضع، لاسيما مع تقدم أفغانستان في مساعيها لاستخراج المياه؛ مما قد يؤثر على دول المصب مثل أوزبكستان وتركمانستان، التي تعتمد بشكل كبير على نهر آمو في إمدادات المياه(10).
وعندما بدأت حكومة حركة طالبان الاستفادة منها، اعترضت دول آسيا الوسطى، وخاصة أوزبكستان وتركمانستان، وقالت: إن المشروع الأفغاني يسبب الجفاف في دول المصب وطالبت باتفاق تقاسم المياه، "يُعدُّ إبرام اتفاقية شاملة بشأن نهر آمو، بين أفغانستان ودول آسيا الوسطى الأخرى، أمرًا ضروريًّا لضمان الأمن المائي على المدى الطويل ومنع نشوب صراعات مستقبلية على موارد المياه، لم تعد ترتيبات تقاسم المياه القديمة الناجمة عن الحقبة السوفيتية تعكس واقع المنطقة، ويحق لأفغانستان الاستفادة من مياهها وفق حاجتها إليها"(11).
ولم يغب مشروع قناة خوشتيبة، عن أنظار جيران أفغانستان في آسيا الوسطى. ففي عام 2023، دعا الرئيس الأوزبكي، شوكت ميرزا ووف، إلى دراسة متأنية لبناء القناة، مُحذِّرًا من أنه قد "يُغيِّر نظام المياه جذريًّا" في المنطقة. وقد أيدت تركمانستان هذا الرأي، وطالبت أفغانستان باتباع "نهج علمي" في إدارة المياه، بما يضمن أن يُنفَّذ بناء القناة بواسطة كوادر مؤهلة للتخفيف من المخاطر البيئية.
على الرغم من أن مشروع خوشتيبة يُسهم في الحد من الفقر وتحسين الأمن الغذائي في أفغانستان، إلا أنها تُثير مخاوف جدية لدى دول آسيا الوسطى المجاورة، مثل تركمانستان وأوزبكستان، وستُحوِّل القناة مياه نهر آمو بعيدًا عن هذه الدول، وهي المياه التي اعتمدت عليها لعقود في زراعة القطن والفواكه والخضراوات والعشب للماشية. وبالغت دول المصب في استخدام المياه الأفغانية وأقامت مشاريع زراعية وخزانات للطاقة الكهربائية دون التنسيق مع الجانب الأفغاني. والآن عندما أراد الأفغان الاستفادة من حقهم في مياه نهر آمو، يعترضون على مشروع خوشتيبة، وتوفر أفغانستان نحو 30% من مياه النهر ولا يستفيد من حقها"(12).
بالنسبة لحركة طالبان، تُمثل القناة سياسيًّا رسالة للشعب الأفغاني بكافة أطيافه؛ إذ تُشير إلى التزام طالبان بتحسين حياة جميع المواطنين، أما جيوسياسيًّا، فتُقدَّم دليلًا على أن أفغانستان، في ظل حكم طالبان، قادرة على إدارة مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق بنجاح وتحقيق مصالحها الوطنية.
تُحفِّز هذه الدوافع جهودًا كبيرة في مجال العلاقات العامة تُحيط بالمشروع، كما يتضح من تصريحات الملا عبد الغني برادر، نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، الذي أكَّد تركيز الإمارة الإسلامية على التنمية الزراعية وإدارة المياه، مُستخدمًا قناة خوشتيبة مثالًا رئيسيًّا على هذا الالتزام.
على الرغم من عدم انضمام أفغانستان إلى الاتفاقيات الدولية بشأن تقاسم المياه، أكد نائب رئيس الوزراء الأفغاني للشؤون الاقتصادية، الملا عبد الغني برادر، على حق أفغانستان في الاستفادة من الموارد المائية وفقًا للمعايير الدولية للقانون الدولي، ويُؤكد هذا الإعلان سعي أفغانستان للحصول على اعتراف قانوني، ويؤكد عزمها على ضمان شرعية المشروع(13).
يرى بعض الخبراء والمسؤولين الأفغان أنه لا ينبغي تحميل أفغانستان مسؤولية مشاكل ندرة المياه القائمة في المنطقة، فأفغانستان تعد من الدول التي تتشارك في مياه نهر آمو، ولكنها لا تستفيد منها، وحركة طالبان بصفتها نظامًا يسعى إلى الاعتراف الدولي وفرص التجارة والاستثمار في البنية التحتية، فإن الحفاظ على علاقات دبلوماسية مع جيرانه، يهتم بهذه العلاقات؛ حيث تُعدُّ أوزبكستان مورِّدًا رئيسيًّا للكهرباء، وتركمانستان مورِّدًا للغاز لأفغانستان. إن إثارة العداء بين الدول المجاورة قد تُعجِّل بتدهور العلاقات داخل منطقة آسيا الوسطى؛ مما قد يؤدي إلى تراجع التجارة واحتمال العزلة(14).
يُضيف بدء بناء القنوات في أفغانستان تحديًا هائلًا، وهو تحدٍّ لم تكن دول آسيا الوسطى مستعدة لمواجهته، ويُبرز غياب الأطر المؤسسية والقانونية لإدارة موارد المياه في أفغانستان مدى تعقيد هذه القضية.
ماذا تريد أوزبكستان وتركمانستان؟
يتسم موقف دول آسيا الوسطى، من قناة خوشتيبة في أفغانستان، بالقلق والمعارضة بشكل عام، وخاصة أوزبكستان وتركمانستان، كدول مصب لنهر آمو، وتعتبران أن القناة قد تقلل من تدفق المياه إليهما، مما يؤثر سلبيًّا على الزراعة، وخاصة زراعة القطن التي تعتمد عليها هذه الدول.
أفغانستان من جانبها، تسهم بنحو 30% من مياه النهر، لكنها كانت تاريخيًّا تستفيد منها بدرجة أقل مقارنة بدول المصب؛ مما دفعها للمضي في المشروع لتلبية احتياجاتها المحلية، يقول وزير المياه السابق، عارف نورزاي: "قناة خوشتيبة ليست السبب الأساسي أو المباشر لأزمة شاملة بين أفغانستان ودول آسيا الوسطى، لكنها أثارت توترات ومخاوف موجودة مسبقًا حول إدارة الموارد المائية في المنطقة، خاصة بين أفغانستان ودول المصب مثل أوزبكستان وتركمانستان".
والخلافات حول مياه نهر آمو (جيحون) تعود إلى ما بعد تفكك الاتحاد السوفيتي في 1991، عندما بدأت دول آسيا الوسطى تتنافس على الموارد المائية دون وجود إطار تنسيق قوي مع أفغانستان، رغم مساهمتها الكبيرة في النهر، التي كانت خارجة عن هذه الديناميكية لعقود بسبب الحروب والفوضى الداخلية؛ مما جعل حصتها غير مستغلة إلى حدٍّ كبير"(15). يبلغ متوسط تدفق مياه نهر آمو حوالي 75 مليار متر مكعب، وتستفيد أفغانستان 7% من استحقاق حصتها السنوية التي قدرها 22.5%.
تُعدُّ الزراعة المستهلك الرئيسي للموارد المائية في كلٍّ من أوزبكستان وتركمانستان؛ حيث تُمثِّل حوالي 90% من إجمالي استخدام المياه في كلٍّ من البلدين. وتُسهم الزراعة بنسبة 17% في الناتج المحلي الإجمالي لأوزبكستان و10% في الناتج المحلي الإجمالي لتركمانستان، مع تخصيص حصة كبيرة من المياه لإنتاج القطن.
ويعتقد بعض الخبراء أن هذه المخاوف قد تكون مبالغًا فيها. تشير دراسة حديثة أجراها الفريق الاقتصادي الألماني إلى أنه حتى لو حوَّلت قناة خوشتيبة 25% من مياه نهر آمو، سيؤدي ذلك إلى انخفاض نسبة 0.7% في الناتج المحلي الإجمالي لأوزبكستان بحلول عام 2030، لأن استخدام المياه الزراعية لن يكون كبيرًا في هذه المرحلة؛ حيث لم تُنشأ بعد القنوات الفرعية المخصصة لنقل المياه إلى الحقول، والحقول الزراعية غير مهيأة للزراعة.
عارضت أوزبكستان المشروع علنًا وطالبت بمفاوضات حول تقسيم المياه وإدارتها، مشيرة إلى أن حجم القناة قد يحوِّل نحو خمس مياه النهر، وأبدت تركمانستان مخاوف مماثلة، لكن يبدو أن الدولتين قبلتا بناء القناة بحكم الأمر الواقع ولم تتمكنا من منع تقدم المشروع، خاصة بعد اكتمال المرحلة الأولى في 2023 بتكلفة 91 مليون دولار، وأن دول الجوار ربما لأنها تستفيد من المياه دون المساهمة في تغذية النهر. شكَّلت أوزبكستان وكابل لجنة مشتركة لمناقشة القضايا المتعلقة بقناة خوشتيبة في أفغانستان، وعُقِد اجتماعان في كابل ومدينة مزار شريف، وسيُعقد الاجتماع الثالث قريبًا في طشقند عاصمة أوزبكستان، تقول أوزبكستان وتركمانستان: إن قناة خوشتيبة تهدف لتحويل نحو 20% من مياه نهر آمو وتهدد الزراعة في أوزبكستان وتركمانستان، خاصة زراعة القطن التي تعتمد على الري. هذا التهديد دفع أوزبكستان للتعبير عن "قلق عميق" ومطالبة أفغانستان بوقف العمل أو التفاوض ويبدو الوضع كصراع مائي محتمل لم يتفاقم إلى أزمة شاملة(16).
ويقول المبعوث الأوزبكي إلى أفغانستان، عصمة الله إريغشوف: "يمكن القول: إن لأفغانستان والشعب الأفغاني الحق في الاستفادة من مياه نهر آمو داريا كمبدأ، ولا توجد أي مخاوف أو تحديات بل المسألة الأساسية هي كمية المياه التي يجب سحبها من نهر آمو، وهنا يجب مراعاة مصالح جميع الدول التي تستخدم موارده المائية، ومسألة ثالثة هي أن منسوب المياه في نهر آمو يتغير كل عام"(17).
في العهد السوفيتي، كانت هناك اتفاقيات ثنائية مع أفغانستان لتقاسم مياه نهر آمو، مثل اتفاقية 1946 بين الاتحاد السوفيتي وأفغانستان، التي حددت حصة أفغانستان بنحو تسعة مليارات متر مكعب سنويًّا، لكن هذه الاتفاقيات لم تُحدَّث بشكل كبير بعد 1991، وبقيت غامضة في ظل عدم قدرة أفغانستان على استغلال حصتها بالكامل.
موقف طاجيكستان
في المقابل، طاجيكستان، وهي دولة منبع مثل أفغانستان، لم تُظهر معارضة قوية، ربما لأنها لا تتأثر مباشرة بانخفاض التدفق، وكلا البلدين كدولتي منبع، لم تُسجَّل بينهما اتفاقيات رسمية حديثة بشأن نهر آمو، لأن طاجيكستان تركز على مشاريعها الخاصة مثل "سد روغون" ولا تتأثر مباشرة بقناة خوشتيبة، وتميل العلاقات بينهما للتعاون الاقتصادي أكثر من النزاع المائي، أما كازاخستان وقيرغيزستان، فلم تُسجل مواقف بارزة بشأن القناة، لكن التقارب الاقتصادي مع أفغانستان، يعكس تحولًا نحو التعاون رغم التوترات المائية.
لا توجد اتفاقية إقليمية حديثة تنظم تقاسم مياه نهر آمو، وترى أفغانستان أنها تستخدم حقها السيادي في مواردها المائية، بينما ترى دول المصب أن ذلك ينتهك مبدأ "عدم الإضرار" بالدول الأخرى، وقناة خوشتيبة لم تُسبب أزمة كاملة بين أفغانستان ودول آسيا الوسطى حتى الآن، لكنها أثارت توترات كبيرة بسبب مخاوف الأمن المائي. ويعتمد الوضع على ما إذا كانت الدول ستتوصل إلى تفاهم أو إذا استمرت أفغانستان في سياستها الأحادية، مما قد يدفع التوتر إلى مستوى أعلى في المستقبل، لم تُتخذ بعدُ تدابير ملموسة من دول آسيا الوسطى، وكان أبرز تطور هو أول اجتماع ثلاثي بين تركمانستان وطاجيكستان وأوزبكستان في ظلّ تناقص موارد المياه، كانت إدارة المياه أحد المواضيع الرئيسية التي ناقشها الاجتماع (18)
قناة خوشتيبة أداة نفوذ
وسيُلقي بناء خوشتيبة بظلال من النفوذ على الدول المجاورة في آسيا الوسطى، مُطلقًا تداعياتٍ جسيمة؛ حيث تشير تقييماتٌ مُتنوعة إلى أنه في غضون 5-6 سنوات، ستواجه تركمانستان وأوزبكستان انخفاضًا ملحوظًا في متوسط سعة استيعابهما للمياه على طول الروافد الوسطى والسفلى للنهر العابر للحدود؛ حيث سينخفض من 80% إلى 65%. وبصفتها شريان حياة لهذه الدول، تتمتع مياه نهر آمو بأهميةٍ بالغة؛ حيث تُسهم بنسبةٍ هائلةٍ تبلغ 80% من إجمالي موارد المياه المُتاحة في الولايات الشمالية من أفغانستان(19).
من جهة أخرى، فإن اتفاقيات المياه الإقليمية بين دول آسيا الوسطى وأفغانستان ليست موحدة أو شاملة بشكل كبير، بل تعتمد في الغالب على ترتيبات ثنائية أو تاريخية، خاصة فيما يتعلق بإدارة الأنهار العابرة للحدود مثل نهر آمو، وهذه الاتفاقيات غالبًا ما تكون مرتبطة بالسياق السوفيتي السابق؛ حيث كانت إدارة الموارد المائية تُنظم مركزيًّا قبل تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991، وبعد ذلك أصبحت قضية تقاسم المياه مصدر توتر بين دول آسيا الوسطى وأفغانستان.
دبلوماسية المياه
بعد وصول الرئيس الأفغاني السابق، محمد أشرف غني، إلى الحكم، عام 2014، بدأت أفغانستان تستخدم المياه كأداة إستراتيجية ضد الجيران، وتُرجم هذا المفهوم إلى مشاريع ملموسة مثل سد كمال خان وخطط بناء السدود على نهر كابل وحفر قناة خوشتيبة. والآن تُعتبر القناة أداة إستراتيجية بيد طالبان سواء من الناحية الاقتصادية أو الجيو سياسية، وداخليًّا ليس مجرد مشروعي زراعي، بل أداة نفوذ إستراتيجية تستخدم لسيطرة طالبان، وفرض واقع جديد في علاقاتها مع الجوار الإقليمي والمجتمع الدولي.
أفغانستان رغم افتقارها للموارد الاقتصادية الكبيرة، تمتلك ورقة المياه التي تمنحها نفوذًا في مواجهة جيرانها، خاصة مع ندرة المياه في المنطقة(20).
تُجبِر قضية قناة خوشتيبة دول آسيا الوسطى وخاصة أوزبكستان وتركمانستان، في جوهرها، على الموازنة بين عدم الاستقرار الإقليمي وعدم الاستقرار الداخلي؛ إذ تُقيِّم هذه الدول فوائد وجود طالبان شمال أفغانستان، مقابل التكاليف التي قد يتحملها سكانها في حال ازداد استنزاف موارد نهر آمو المائية. ورغم أن الخطاب الأوزبكي الحالي، وغيابه في تركمانستان، قد يُفضي إلى استنتاج مفاده أن أوزبكستان تُقدِّر الاستقرار الداخلي، بينما تُقدِّر تركمانستان الانسجام الإقليمي، إلا أن سرعة تقدم المشروع قد تعني أيضًا أن طشقند وعشق آباد لم يُتح لهما الوقت الكافي لضبط ردودهما الدبلوماسية بشكل صحيح.
- Food-Climate Nexus in the North River Basin of Afghanistan: A Case Study of the Qush Tepa National Irrigation Canal, Faqiryar, Jalal Naser,12/02/2024 (visited on 18/03/2025) https://bit.ly/4c4lJAz
- The Qosh Tepa Canal: A Source of Hope in Afghanistan, Freshta Jalalzai,01/12/2023 (Visited On 17/03/2025) https://bit.ly/4hNLjel
- حميد الله محمد شاه، الجزيرة نت ترصد المرحلة الأولى من حفر قناة خوشتيبة، الجزيرة نت، 27 مارس/آذار 2023 (تاريخ الدخول: 22 مارس/آذار 2025)، https://bit.ly/4l4HOmO
- سيف قاضي زادة، معرفی کانال قوش تيپه در قاموس کبیر أفغانستان (التعريف بقناة خوشتيبة)، 1 سبتمبر/أيلول 2023 (تاريخ الدخول: 21 مارس/آذار 2025)، https://bit.ly/42b1n4e
- The Economic Importance and Self-Sufficiency of QOSH TEPA Irrigation Canal, Bakhti Khan Mushtaq, 30-01-2024(visited on 22/03/2025) https://bit.ly/4c9CxX2
- مقابلة الباحث مع مصدر حكومي سابق، 18 مارس/آذار 2025.
- بررسي روند احداث كانال آبي قوش تبه (نظرة إلى سير العمل في قناة خوشتيبة)، 2 أبريل/نيسان 2024 (تاريخ الدخول: 23 مارس/آذار 2025)، https://bit.ly/424wUVp
- غبار غلام محمد، أفغانستان در مسير تاريخ (أفغانستان في مسير التاريخ)، ج 1 ص 213 ط كابل 1973.
- The Qosh Tepeh Canal and Afghanistan’s Water Right in Amu Darya, Ikram Uddin Kamil, 04.05.2023(visited on 25/03/2025) https://bit.ly/3Y0zme4
- عارض غلام جيلاني، دريا أفغانستان (الأنهار الأفغانية) ص 58، ط كابل 1986.
- The Qosh Tepa Canal: its impact on Afghanistan and Central Asia, Tamilakhon Khaydarova,22/02/2024(visited on 24/03/2025) https://bit.ly/42h4IQb
- نادري، محمد نادر، د أفغانستان اوبه (المياه الأفغانية) مجلة سيمه ييز مطالعات (الدراسات الإقليمية) العدد 3 ص53، 2007.
- كلمة نائب رئيس الوزراء الأفغاني، الملا عبد الغني برادر، في حفل افتتاح مشروع خوشتيبة في ولاية بلخ شمال أفغانستان بتاريخ 13 مارس/آذار 2022.
- بختاني، عبد الله، د خوشتبي كانال اقتصادي ګټې (قناة خوشتيبة والاقتصاد الأفغاني) مجلة سيمه ييز مطالعات (الدراسات الإقليمية) العدد 7، ص83، 2008.
- مقابلة الباحث مع وزير المياه والطاقة السابق، عارف نورزاي، بتاريخ 20 مارس/آذار 2025.
- قوباش، حبيب الرحمن، استفاده از اب درياي آمو حق أفغانستان (من حق أفغانستان الاستفادة من نهر آمو)، موقع قناة طلوع، 18 أبريل/نيسان 2024 (تاريخ الدخول: 21 مارس/آذار 2025)، https://bit.ly/3DHiJxn
- فصل تازه در روابط طالبان با ازبكستان (صفحة جديدة في العلاقات بين طالبان وأوزبكستان)، موقع إذاعة الحرية، 12 سبتمبر/أيلول 2024 (تاريخ الدخول: 23 مارس/آذار 2025)، https://bit.ly/4iDUzTt
- فريد هيرمند، حق و سهم افغانستان از آب دریای آمو (حصة أفغانستان في نهر آمو)، موقع كفتمان، 22 فبراير/شباط 2024 (تاريخ الدخول: 23 مارس/آذار 2025)، https://bit.ly/4iXtQRC
- Charting Complex Currents: The Qush Tepa Canal and Central Asia’s Water, Mohd Faizee & Susanne Schmeier,23/08/2023 (visited on 22/03/2025) https://bit.ly/3FI2jVY
- أمان الله فريدون، د اوبو ديبلوماسي (دبلوماسية المياه)، مجلة الدراسات الإستراتيجية، ص 28، العدد 8، 2017.