
مقدمة
يوجد حاليًّا طلب عالمي مرتفع على المعادن الإستراتيجية، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية لعام 2023، تضاعف حجم السوق على مدى السنوات الماضية، ليصل إلى 320 مليار دولار في عام 2022. من المتوقع أن يزداد الطلب بأكثر من الضعف بحلول عام 2030 وأربعة أضعاف بحلول عام 2050، مع إيرادات سنوية تصل إلى 400 مليار دولار. استجابة للطلب العالمي المرتفع، ارتفع الاستثمار في تطوير هذه المعادن أيضًا بنسبة 20% في عام 2021 و30% في عام 2022. حاليًّا، تهيمن الصين على سوق المعادن الإستراتيجية. هذه الهيمنة أصبحت تشكل تهديدًا جيوسياسيًّا وأمنيًّا للدول الغربية؛ إذ تستخدم الصين بالفعل هذا النفوذ من خلال فرض قيود على صادراتها من المعادن الحيوية، وقطع الإمدادات وتهديد سلاسل التوريد للشركات الأميركية والأوروبية واليابانية. لذلك تحول الاقتصادات الغربية الآن اهتمامها إلى البلدان الإفريقية، وهي منطقة تهيمن عليها الصين بالفعل، لتوريد المعادن الإستراتيجية. بعد أن أدركت الدول الغربية ضعفها أمام الصين، بدأت في البحث عن بدائل للإمداد الصيني لضمان إمدادات أكثر تنوعًا وأمانًا واستدامة. وهكذا أصبحت إفريقيا وجهة مهمة لمختلف القوى الغربية، وكذلك للقوى الصاعدة الراغبة في وضع نفسها في ساحة المعادن الإستراتيجية؛ وهو الأمر الذي يشير لبوادر نشوب صراع عالمي جديد ستكون إفريقيا ميدانًا أساسيًّا فيه.
لذلك، تهدف هذه الورقة لدراسة المكانة التي تتبوؤها إفريقيا وسط ديناميكيات الصراع الدولي حول المعادن الإستراتيجية، وذلك من خلال تحليل مختلف إستراتيجيات القوى الخاصة بالمعادن الإستراتيجية وتفاعلاتها وأبعادها الجيوسياسية.
إفريقيا في سوق المعادن العالمية
تشمل المعادن "الحرجة" أو "الإستراتيجية" مجموعة من المصادر الأساسية للطاقة والتحول الرقمي والأمن القومي(1). يتم تقييم أهمية المعدن بشكل أساسي؛ أولًا: من حيث طبيعته الأساسية للصناعات التي تعتبرها الدولة إستراتيجية (الدفاع والفضاء، والإلكترونيات، وتوليد طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وصناعة السيارات، وما إلى ذلك)، وثانيًا: من حيث المخاطر التي تتعرض لها سلاسل التوريد، أي بسبب نقص الاحتياطيات أو الإنتاج الخام على نطاق عالمي. من المهم ملاحظة أن تقييم أهمية المعادن متغير حسب كل دولة وهو نتيجة للظروف الاقتصادية والجيوسياسية في وقت معين. لذلك، تقوم البلدان والتكتلات الإقليمية ببناء قوائمها الخاصة من المعادن الإستراتيجية باستخدام معايير مختلفة.
تمثل إفريقيا حوالي 30% من احتياطيات المعادن الحرجة في العالم. وتعد منتجًا رئيسيًّا للعديد من المعادن التي يصنفها العالم الغربي على أنها معادن إستراتيجية أو حرجة (انظر الجدول)(2).
احتياطيات بعض المعادن الإستراتيجية في إفريقيا
المعدن |
حصة إفريقيا |
المنتجون الرئيسيون |
الليثيوم |
5% من احتياطيات الليثيوم في العالم |
جمهورية الكونغو الديمقراطية، زيمبابوي، ناميبيا، غانا |
الكوبالت |
حوالي 47% من احتياطيات الكوبالت في العالم |
جمهورية الكونغو الديمقراطية |
النحاس |
حوالي 6% من احتياطيات النحاس في العالم |
زامبيا |
الجرافيت |
أكثر من 21% من احتياطيات العالم |
مدغشقر، موزمبيق، تنزانيا |
الكروم |
حوالي 80% من احتياطيات الكروم في العالم |
جنوب إفريقيا |
العناصر الأرضية النادرة |
حوالي 15% من احتياطيات العناصر الأرضية النادرة في العالم |
جمهورية الكونغو الديمقراطية |
المنغنيز |
حوالي 85% من احتياطيات المنغنيز في العالم |
جنوب إفريقيا، الغابون |
مجموعة معادن البلاتين |
حوالي 80% من احتياطيات مجموعة معادن البلاتين في العالم |
جنوب إفريقيا، زيمبابوي |
علاوة على ذلك، تعد إفريقيا ثالث أكبر وجهة للاستثمار في التعدين في العالم، على الرغم من ميزانية الاستكشاف والاستثمارات الجديدة المنخفضة نسبيًّا؛ إذ استفادت إفريقيا من 13.9% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في مجال التعدين بين عامي 2018 و2022؛ مما جعل القارة، بمبلغ تراكمي قدره 77 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر، ثالث أكبر وجهة بعد أميركا اللاتينية (114 مليارًا) وكندا (80 مليارًا). ورغم ذلك، تعد إفريقيا أيضًا واحدة من الوجهات التي استحوذت على أقل قدر من الإنفاق على الاستكشاف خلال نفس الفترة بمبلغ 4.7 ملايين دولار أميركي، أو ما يقرب من ثلث المبلغ المخصص للاستكشاف في أميركا اللاتينية. هذا يدل على أن إفريقيا لم تكن جذابة للغاية خلال السنوات الماضية مقارنة بالوجهات الأخرى. مع تسارع التحول الطاقي والرقمي، نمت حاجة العالم إلى المعادن الإستراتيجية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ومن المتوقع أن يزداد الطلب على المعادن الحيوية بمقدار 3.5 أضعاف بحلول عام 2030(3). وتأمل إفريقيا، التي لديها موارد مهمة أن تستفيد من هذه الطفرة لتعزيز دورها في سلاسل القيمة العالمية، لاسيما مع تصاعد التوترات الجيوسياسية الدولية المرتبطة بالمعادن الإستراتيجية؛ إذ بدأ المزيد من الدول ينفذ إستراتيجيات مختلفة للوصول لهذه الموارد من ضمنها عقد شراكات مع الدول الإفريقية الغنية.
ميدان مزدحم: من الهيمنة الغربية إلى تعدد الشراكات
أصبحت الثروات الإفريقية تثير اهتمام القوى الصناعية؛ حيث تدخل الدول الإفريقية بشكل متزايد في اتفاقات شراكة التي عادة ما تكون مستنيرة بالإستراتيجيات الوطنية للمعادن في كل بلد وتختلف في أهدافها ومضمونها وأصنافها وأصحاب المصلحة الرئيسيين فيها.
وبغض النظر عن محتوياتها، تعكس هذه الاتفاقيات المشهد الجيوسياسي المعاصر في حين أن المملكة المتحدة وكندا وأستراليا هم أبطال قطاع المعادن الإفريقي، فإنهم يواجهون منافسة متزايدة من طرف لاعبين جدد على الساحة الإفريقية:
- الهيمنة التاريخية للقوى الغربية
لطالما تم تنفيذ نشاط التعدين الإفريقي بشكل حصري تقريبًا من قبل الشركات الغربية. كان للقوى الاستعمارية السابقة قبضة خانقة على استغلال باطن الأرض لمستعمراتها حتى استقلالها. تمثل موجة استقلال البلدان الإفريقية تراجعًا نسبيًّا للقوى الاستعمارية السابقة، فلم تعد تحتفظ دول، كفرنسا وبلجيكا والبرتغال وإيطاليا وألمانيا، بنفس التأثير في قطاعات التعدين في مستعمراتها السابقة. حتى الآن، إذا نظرنا إلى حصة كل شركة من إجمالي إنتاج التعدين الإفريقي، نرى أن الشركات الغربية في المقدمة إلى حدٍّ كبير Anglo American (المملكة المتحدة) Glencore (سويسرا) First Quantum (كندا) هم أبطال إنتاج التعدين الإفريقي ويمثلون معًا ما يقرب من ربع إنتاج عام 2018(4).
من خلال الاستفادة من علاقاتها داخل الكومنولث ووجودها الطويل الأمد في قطاع التعدين الإفريقي، أقامت المملكة المتحدة شراكات مع دول مثل جنوب إفريقيا ونيجيريا وزامبيا لضمان الوصول إلى المعادن الحيوية(5). بما أن اعتماد الاتحاد الأوروبي الشديد على الصين في هذه المعادن يقوض تحوله في مجال الطاقة الأوسع، فقد وجَّه جهوده في "مبادرة البوابة العالمية"، نحو البلدان الإفريقية وذلك بتوقيع شراكات إستراتيجية مع ناميبيا (2022)، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وزامبيا (2023)، ورواندا (2024) لتطوير سلاسل قيمة مستدامة(6).
مدفوعة بمخاوف الأمن الاقتصادي والدفاع الوطني، وقعت الولايات المتحدة والدول الإفريقية مذكرة التفاهم بشأن دعم تطوير سلسلة قيمة في قطاع بطاريات السيارات الكهربائية مع جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا، ومذكرة التفاهم لعام 2023 بشأن تطوير ممر لوبيتو وخط سكة حديد زامبيا-لوبيتو، التي وقعتها مع أنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية والاتحاد الأوروبي وزامبيا، لا ترتبط ارتباطا مباشرا بمصادر المعادن أو معالجتها بل بنقلها. بالإضافة إلى المبادرات المتعددة الأطراف مثل شراكة أمن المعادن ومبادرة حوكمة موارد الطاقة(7).
وبالتالي، فإن مكانة الجهات الفاعلة الغربية في سوق المعادن الإفريقية لا تزال دينامية إلى حدٍّ ما رغم دخول العديد من المنافسين على الساحة.
- دخول لاعبين جدد إلى الساحة
لم تشهد طفرة التعدين في الفترة 2003-2008 تأكيد القوى الصناعية التقليدية على الأراضي الإفريقية فحسب، بل شهدت أيضًا ظهور ما يسمى بالجهات الفاعلة "الناشئة". تمكنت إفريقيا من إقامة علاقات مع موسكو وبكين وبرازيليا ونيودلهي في سياق إنهاء الاستعمار وولادة حركة عدم الانحياز خلال الحرب الباردة. لكن هذه الروابط ضعفت على الأقل في الثمانينات. بعد ذلك، سيؤدي التسارع المستمر في معدلات النمو الاقتصادي إلى عودة قوية لهؤلاء اللاعبين إلى الساحة. ومنذ عام 2005، أصبحت شركات التعدين من البلدان الناشئة منافسين جادين للشركات الغربية(8).
للتخفيف من مخاطر اضطراب سلسلة التوريد، سعت الصين إلى توسيع وتعزيز شبكتها الواسعة من العلاقات الدبلوماسية لتعزيز التعاون في قطاع المعادن، لاسيما مع الدول الإفريقية التي ترتبط معها بـ19 شراكة معدنية، تغطي مناطق في جميع أنحاء القارة. تم إبرام العديد من هذه الشراكات في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وبعضها في عام 2010، إلى جانب اتفاقيات أحدث. كما أبرمت الصين ما يمكن تسميته اتفاقيات "البنية التحتية مقابل الموارد" كجزء من مبادرة الحزام والطريق. وتستلزم هذه الاتفاقيات قيام الصين بتوفير مشاريع البنية التحتية الرئيسية مقابل امتيازات التعدين الإفريقية. بالإضافة إلى ذلك، شجعت الحكومة الصينية الاستثمار الخارجي من قبل الشركات المملوكة للدولة والخاصة منذ بداية سياسة "التوجه نحو الخارج" في عام 2000(9).
كما أبرمت روسيا اتفاقيات ثنائية مع العديد من البلدان الإفريقية -أغلبها غير منشور- يعود تاريخ بعضها إلى عام 1999 (جنوب إفريقيا)، بينما تم إبرام البعض الآخر مؤخرًا، مثل تلك المبرمة مع أنغولا في عامي 2009 و2019، وناميبيا في عام 2016، وزيمبابوي في عامي 2019 و2020. من جهتها أبرمت الهند شراكات مع تسع دول إفريقية، غالبية هذه الشراكات مع دول تنتمي إلى الكومنولث، يعود تاريخ إحدى هذه الاتفاقيات إلى عام 1997 مع جنوب إفريقيا، بينما تم توقيع الغالبية بعد عام 2010 مع زامبيا وزيمبابوي ومالي وغيرها(10).
على نحو مماثل، وقَّعت كل من كوريا الجنوبية واليابان وإندونيسيا وتركيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عدة اتفاقيات شراكة تخص المعادن مع البلدان الإفريقية(11). بشكل عام، أصبح اللاعبون كثرًا، بمن فيهم الأفارقة أنفسهم.
- قوى إفريقية مبادِرة
من المهم ملاحظة أنه في حين أن النطاق يتركز على الجهات الفاعلة الخارجية، فإن البلدان الإفريقية ليست مشاركة سلبية في هذه الشراكات؛ فلطالما كانت جنوب إفريقيا استثناء في القارة، إنها أهم فاعل في إنتاج المعادن الإفريقية ولديها عدد كبير من الشركات النشطة للغاية ويمكن مقارنتها في الحجم بأكبر المستثمرين على الأراضي الإفريقية؛ إذ طورت شركات ذات مستوى عالمي -بما في ذلك AngloGold Ashanti وAnglo American Platinum وImpala Platinum وGold Fields- والتي تعد من بين أكبر 50 شركة تعدين في العالم. بفضل هذه الشركات الكبيرة والصغيرة، تعد جنوب إفريقيا لاعبًا مهمًّا ليس فقط على أراضيها ولكن أيضًا على نطاق قاري وفي العالم. كما يعمل المغرب على تطوير إستراتيجية إفريقية طموحة من خلال جهات فاعلة مثل Managem أو مجموعة OCP. Managem هي الشركة الرائدة في قطاع التعدين المغربي، التي تمكنت من الاستحواذ على حصة في شركة SEMAFO الكندية للتنقيب عن المعادن في عام 1997. حتى الآن، تدير الشركة 15 منجمًا لإنتاج النحاس والزنك والرصاص والذهب والفضة والكوبالت والفلوريت في ثماني دول إفريقية، كما أظهرت ديناميكية لا تنضب بامتلاكها أصول شركة Iamgold الكندية في السنغال ومالي وغينيا، في ديسمبر/كانون الأول 2022. لم تتمكن دول إفريقية أخرى من تطوير شركات بهذا الحجم، ومع ذلك، شهدت طفرة التعدين ظهور سلسلة من الجهات الفاعلة الإفريقية ذات النطاق الوطني. بشكل أعم، هناك رغبة في العديد من البلدان في تنشيط الشركات الوطنية القديمة -مثل Gécamines أو (SOMIKO) في جمهورية الكونغو الديمقراطية- أو إنشاء شركات جديدة مثل شركة "معادن موريتانيا" التي أُنشئت عام 2020(12).
بالتالي، فإن الرغبة في استعادة السيطرة على قطاع التعدين الوطني أصبحت قوية، سواء انعكست في إنشاء شركات جديدة أو في إصلاح عقود التعدين الموجودة.
هل تتحول معادن إفريقيا لرهان آخر للصراع الدولي؟
يضيف عدم الاستقرار السياسي المتفشي في إفريقيا مزيدًا من التعقيد للصراع الجيوسياسي على المعادن الإستراتيجية؛ حيث تتنافس الولايات المتحدة والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي وغيرها في ساحة غير مستقرة بشكل متزايد.
كان -ولا يزال- الاستيلاء على الثروات المعدنية في الخارج هدفًا أساسيًّا للسياسة الخارجية الأميركية؛ ذلك ما يفسِّر رغبة الرئيس ترامب في إبرام صفقة معادن مع أوكرانيا وضم جزيرة غرينلاند وكندا.
كما أصبحت الولايات المتحدة تدرك الطبيعة الإستراتيجية للمعادن المنتجة في إفريقيا وأعلنت عن نيتها تعزيز وجودها في هذا القطاع(13). وقد حاول بعض الأفارقة استغلال هذه الزاوية؛ إذ عرضت جمهورية الكونغو الديمقراطية إمكانية الوصول لمواردها المعدنية مقابل تقديم المساعدة في تحقيق الأمن والاستقرار(14)، كما أن الجزائر أبدت استعدادها لربط شراكة مع واشنطن بخصوص مواردها المعدنية المطلوبة عالميًّا(15).
بسبب المنافسة مع الصين، كان البحث عن هذه المعادن الإستراتيجية ضرورة للولايات المتحدة منذ ما يقرب من عقد من الزمن.
وفي وقت سابق، شكَّل مسؤولون في وزارة الخارجية خلال ولايته السابقة مع مجموعة من الدول تحالفًا لمناقشة إنشاء أو تعزيز سلاسل توريد المعادن الحيوية خارج الصين، كما أسَّسوا منتدى حتى تتمكَّن البلدان الغنية بالمعادن من التواصل مع الدول العميلة المحتملة والشركات الأجنبية بشأن تطوير المناجم ومصانع المعالجة.
لقد بذلت الصين جهودًا كبيرة على مدار سنوات طويلة لتطوير هيمنتها العالمية في استخراج ومعالجة المعادن الحيوية، في الوقت الذي اضطرت فيه الولايات المتحدة إلى استيراد كميات كبيرة للاستخدام التجاري والعسكري على حدٍّ سواء(16)؛ إذ تعتمد الولايات المتحدة بنسبة 100%على الواردات من 14 معدنًا في قائمة المعادن الحرجة، وأكثر من 75% على الواردات من 10 معادن أخرى(17). وتعد الصين أكبر منتج لـ29 من المعادن الحيوية، كما أنَّها أظهرت على نحو متكرر استعدادها لاستخدام هذه المعادن كسلاح، بما في ذلك فرض قيود على التصدير وحظرها على مجموعة من المعادن الخام(18).
رغم محاولات الرئيس السابق، جو بايدن، للاستثمار وتعميق الشراكات المعدنية؛ إذ تم في عام 2022 توقيع مذكرات تفاهم مع زامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية للتعاون في بناء سلسلة توريد بطاريات السيارات الكهربائية، كما تم في تنزانيا البدء في بناء مصنع لتكرير بطاريات النيكل مدعومة من الولايات المتحدة وهو الأول من نوعه في القارة(19)، فإن حضور الولايات المتحدة في إفريقيا في هذا المجال ما زال ضعيفًا.
فقد أدت سياسة "التوجه نحو الخارج" جنبًا إلى جنبِ الزيادة المذهلة في الطلب الصيني في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى مضاعفة استثماراتها، لاسيما في إفريقيا، التي اجتذبت ما يقرب من ثلث (30.2%) استثمارات التعدين الصينية بين عامي 2018 و2022. والصين راسخة بشكل خاص في إنتاج الكوبالت في جمهورية الكونغو الديمقراطية والبلاتين في جنوب إفريقيا، وتزيد استثماراتها في البوكسيت الغيني(20).
والصين هي أكبر لاعب حتى الآن في قطاع التعدين الإفريقي؛ إذ استثمرت المليارات على مدى السنوات القليلة الماضية كجزء من مبادرة الحزام والطريق. في عام 2022 وحده، استوردت الصين بقيمة 10 مليارات دولار من "المعادن الأرضية النادرة" من القارة. بالإضافة إلى هيمنتها، تعد الصين أكبر مصفاة في العالم للعديد من المعادن الإستراتيجية؛ إذ توفر المصافي الصينية 68% من النيكل في العام، و40% من النحاس، و59% من الليثيوم، و73% من الكوبالت(21).
منذ سنوات، بدأ العالم "الغربي" يدرك هذا الوضع الدقيق وقرر أن يكون استباقيًّا. ولكن بينما يعمل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة على تنويع سلاسل التوريد للمعادن الأرضية النادرة وغيرها من المواد الخام الإستراتيجية، فإنهم يكتشفون أن الأمر ليس سهلًا. فقد تم إثبات خطورة سيطرة الصين، لاسيما على المعادن الأرضية النادرة؛ إذ تهيمن حاليًّا على السوق، التي تنتج حوالي 60%، وتعالج وتكرر حوالي 80% منها، وهي اللاعب الرئيسي في سلسلة التوريد العالمية. لذلك فإن الخوف من أن تتسبب قيود التوريد، أو حتى عمليات الإغلاق، في أضرار جسيمة للاقتصادات والصناعات وخطط إزالة الكربون(22). كما أن تصاعد التوترات الجيوسياسية والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين يزيد من هذه المخاوف؛ فقد هددت الصين مرارًا وتكرارًا بخفض أو منع صادراتها إلى الولايات المتحدة.
من ناحية ثانية، في جهودها لتشكيل تحالف ضد الغرب، تقدم روسيا للدول المورِّدة خبرتها في مجال التعدين جنبًا إلى جنب مجموعة من الخدمات الأخرى، بما في ذلك الخدمات الأمنية، وخاصة من خلال شركتها العسكرية "فيلق إفريقيا"، باستخدام الدعم العسكري ضد التمردات الجهادية لتوسيع نفوذها السياسي وتأمين وصولها إلى الموارد. تتمثل أهداف هذه الارتباطات في تأمين الموارد الطبيعية (في المقام الأول الذهب والمعادن الحيوية أيضًا)، فضلًا عن التفوق على الجهود الصينية والأميركية في تأسيس نفوذها الخاص هناك. ولدى المجموعة قوات على الأرض في ليبيا وموزمبيق ومالي وجمهورية إفريقيا الوسطى والسودان (مع شائعات عن انتشارها في جمهورية الكونغو الديمقراطية)(23). ولها امتيازات معدنية في السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى، بالإضافة لتأثيرها القوي جدًّا في مالي وبوركينا فاسو، وهما بلدان فيهما مناجم الذهب التي استغلتها الشركات الروسية لأكثر من عقد من الزمان(24).
ومثل الصين، وإن كان ذلك لأسباب مختلفة إلى حدٍّ كبير، تعد روسيا شريكًا إقليميًّا يصعب على الولايات المتحدة منافسته؛ إذ لم تقدم واشنطن هذا النوع من الدعم الذي تقدمه موسكو للعواصم الإفريقية.
إلى جانب الصين وروسيا يرى العديد من الدول أن إفريقيا هي مجال لتوسيع نطاقات نفوذها. ولدى هذه البلدان إستراتيجيات استثمارية تتجاوز قطاع التعدين وحده ولها أهداف ليس فقط لاستغلال الثروات ولكن أيضًا لنشر نفوذها في جميع أنحاء القارة. وبالتالي، فإن الاستثمار في المعادن الإستراتيجية والنفوذ الجيوسياسي في البلدان الإفريقية أصبحا متشابكين أكثر فأكثر.
في خضم هذه الديناميكية، يحاول الاتحاد الأوروبي زيادة حضوره؛ إذ تدير الشكات الأوروبية 46 منجمًا، ويمتلك العديد من الشركات المتوسطة والصغيرة في فرنسا وفنلندا وقبرص وهولندا والسويد وألمانيا وبلجيكا وأيرلندا ورومانيا والبرتغال أصولًا تعدينية في إفريقيا، لاسيما في الكروم والنحاس والماس(25). كما أن مشروع "البوابة العالمية" من شأنه أن يسهم في تسهيل استغلال احتياطيات كبيرة من المعادن الأرضية النادرة التي تحتفظ بها عدة بلدان مثل الجزائر وبوروندي والغابون وتنزانيا وغيرها. كما وضعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان إستراتيجيات هجومية تهدف إلى تأمين إمداداتها والحد من اعتمادها على الصين. من خلال تنظيم اجتماع، في سبتمبر/أيلول 2022، مع دول التعدين الإفريقية الرئيسية (جمهورية الكونغو الديمقراطية، زامبيا، موزمبيق، ناميبيا، تنزانيا،...إلخ) لاستكشاف طرق ووسائل اختراق هذه الأسواق والحصول على مواردها الإستراتيجية(26).
لذلك، في حين أن العديد من الحكومات الإفريقية يرغب في مشاركة غربية أكبر، إلا أنها لم تكن في عجلة من أمرها للتخلي عن الصين وروسيا؛ إذ يتبين أنهم حريصون على زيادة المنافسة حتى تتمكن البلدان الإفريقية من الحصول على صفقات أفضل من طرف كل اللاعبين المشاركين.
هذا التدافع السريع حول قطاع المعادن الحيوية في إفريقيا يضع القارة في قلب ديناميكية جيوستراتيجية جديدة، لا يزال من الصعب إدراك آثارها الكاملة. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أنه في خضم هذه الفترة من الصراع وإعادة تشكيل التحالفات، تجتذب الموارد المعدنية الإفريقية المزيد والمزيد من الاهتمام. السؤال المطروح هو: كيف سيكون نهج القوى العالمية مستقبلًا: هل سيكون نهجًا للتعاون المربح مع بلدان القارة أم أنه فقط جشع جديد لمواردها، أو مجرد رهان للصراع العالمي وساحة للمواجهة، ستكون البلدان الإفريقية الطرف الخاسر فيهما؟
فرص وتحديات متشابكة
إن تموقع إفريقيا وسط هذه الديناميكيات أصبح يتيح عددًا لا يُحصى من الفرص والتحديات المتشابكة:
أولًا: الفرص: من خلال الاستفادة من الصراعات الجيوسياسية: مثل القيود الأميركية على الصين، والتي ستفتح المجال لإفريقيا لتعويض النقص في سلسلة توريد المعادن. والنمو الاقتصادي الذي سيحفز الطلب على المعادن الحيوية الإفريقية، وزيادة عائدات التصدير، وجذب الاستثمارات ورؤوس الأموال الأجنبية وفرص الشغل، والسماح بمفاوضات متوازنة: مثل مراجعة شراكات المعادن لزيادة العائدات وفرض بنود تتعلق بتوسيع المساهمة المحلية في سلسلة القيمة العالمية، والتحول تدريجيًّا من التصدير الخام إلى التصنيع، وذلك عبر تطوير مرافق التكرير والتصنيع الأولي، بدعم من مؤسسات التمويل الدولية. وتوسيع الشراكات (الصين والاتحاد الأوروبي وبريكس) لتقليل الاعتماد على اللاعبين الغربيين، بما يمكِّن من تحقيق المزيد من المكاسب الاقتصادية واكتساب تأثير عالمي أكبر.
ثانيًا: التحديات: المتمثلة في التفاوت العالمي: إفريقيا تمتلك 30% من احتياطيات المعادن الحرجة عالميًّا، لكنها تحصل على 10% فقط من الإيرادات العالمية الناتجة عنها(27). بالإضافة إلى أن اعتماد اقتصادات المنطقة على التصدير الخام دون إضافة قيمة صناعية، يحدُّ من الفوائد الاقتصادية، لاسيما في ظل المنافسة العالمية، وضعف البنيات التحتية وهيمنة الصين على الإنتاج. وتهديد الأمن والاستقرار: فقد تبين أن ارتفاع أسعار المعادن في إفريقيا قد أدى في السابق إلى زيادة العنف والصراعات المسلحة؛ إذ تقوم الجماعات المتمردة والميليشيات بتمويل أنشطتها عبر استغلال المناجم، مما يتسبب في توسع النزاعات وانتشارها إلى مناطق أخرى مع تأثيرات طويلة الأمد على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي(28). والآثار البيئية: حيث سيكون الأفارقة مجبرين على تحقيق توازن صعب بين تعزيز اقتصادهم عبر استغلال المعادن الحيوية وبين المخاطر البيئية الكبيرة الناتجة عن استخراجها.
خاتمة
لقد أصبح الصراع حول الوصول للمعادن الإستراتيجية يجسد نموذجًا مصغرًا للتوترات الجيوسياسية والجيواقتصادية المعاصرة. بينما يحتفظ اللاعبون الغربيون بنفوذهم من خلال خبراتهم واستثماراتهم، تعيد الدول الناشئة رسم خريطة الشراكات. في خضم ذلك، يكمن التحدي الأكبر الذي تواجهه الدول الإفريقية في تحويل "لعنة الموارد" إلى فرصة هيكلية تؤدي إلى وضع إفريقيا لاعبًا مركزيًّا في الاقتصاد العالمي، وفي قدرتها على التموقع بذكاء والعمل على تحويل الجشع الدولي لمواردها لمصدر نفوذ جيوسياسي وجيواقتصادي ورافعة للتنمية الاقتصادية المستدامة، من خلال التعاون والتفاوض الجيد والاستثمار في البحث والتطوير وتعزيز الحوكمة والتنظيم والمهارات المحلية.
(1) J. Boafo, J. Obodai, E. Stemn, and P. N. Nkrumah, “The race for critical minerals in Africa: A blessing or another resource curse?,” Resources Policy, vol. 93, Jun. 2024. (accessed Apr. 01, 2025). https://tinyurl.com/4ne9whak
(2) Ibid.
(3) Ibidem.
(4) ‘Julien Gourdon, Hugo Lapeyronie ‘Le potentiel minier de l’Afrique: Panorama, enjeux et défis’ , Editions Agence française de développment, 19, 2024. (accessed Apr. 01, 2025). https://tinyurl.com/mvw3w7cd
(5) P. Beuter et al., “Mapping Africa’s Green Mineral Partnerships,” APRI, Jan. 20, 2025. (accessed Apr. 01, 2025). https://tinyurl.com/bdd8mez3
(6) S. Logan, “Can Europe Compete with China in the Race for Africa’s Critical Minerals? – chinaobservers,” chinaobservers, Jan. 07, 2025. (accessed Apr. 01, 2025). https://tinyurl.com/6rmzezpz
(7) “Mapping Africa’s Green Mineral Partnerships,” Ibid.
(8) ‘Le potentiel minier de l’Afrique’Ibid.
(9) “Mapping Africa’s Green Mineral Partnerships,” Ibid.
(10) Ibidem.
(11) Ibidem.
(12) ‘Le potentiel minier de l’Afrique’Ibid.
(17) “Africa and the Global Race for Critical Minerals,” Bradley.com, Aug. 31, 2023. (accessed Apr. 01, 2025). https://tinyurl.com/2ratmt5v
(18) “How Trump and Biden’s Focus” Ibid.
(19) “Africa and the Global Race for Critical Minerals,” Ibid.
(20) ‘Le potentiel minier de l’Afrique’Ibid.
(21) “Africa and the Global Race for Critical Minerals,” Ibid.
(22) Arslan Chikhaoui, “LA GEOPOLITIQUE DES TERRES RARES: ENJEUX ET JEUX D’INFLUENCE EN MEDITERAFRIQUE” Nesa-center.org, 2024. (accessed Apr. 01, 2025).https://tinyurl.com/ms5ymyyx
(23) “Africa and the Global Race for Critical Minerals,” Ibid.
(24) ‘Le potentiel minier de l’Afrique’Ibid.
(25) Ibidem.
(26) M. Diop, “Guerre des grandes puissances pour le contrôle des métaux critiques: une opportunité pour l’Afrique, mais…,” Le 360 Afrique, Jul. 03, 2023. (accessed Apr. 01, 2025). https://tinyurl.com/3kp635t8
(27) A. Lemma, “Critical minerals, critical moment: Africa’s role in the AI revolution,” ODI: Think change, Feb. 10, 2025. (accessed Apr. 01, 2025). https://tinyurl.com/47d8nsa3
(28) N. Berman, “Comment le ‘boom des minerais’ augmente la violence en Afrique,” The Conversation, Apr. 24, 2019. (accessed Apr. 01, 2025). https://tinyurl.com/yvku59jy