
تسعى هذه الورقة إلى تتبع مظاهر ومستويات التنافس الدولي في إفريقيا، وأهم الأطراف في هذا التنافس ومسار العلاقة والاحتكاك والصراع بينها، ثم تتناول أهم التحديات الناشئة عن هذا التنافس على مستوى الدول والمناطق وكذا على مستوى الإطار القاري الجامع، وتحاول أن تبرز الفرص الكامنة في هذه التحديات، أو القابلة لأن تكون فيها، مفضلة في كل ذلك أسلوب التحليل والمقارنة والاستنتاج، فاتحة آفاقًا بحثية حول نفس الموضوع أو المواضيع ذات الصلة.
مدخل
تشتهر القارة الإفريقية، حسب أغلب التقارير والدراسات، بالهشاشة، وتوصف أغلب دولها بالتخلف والفقر(1). ودون شك فإن الهشاشة والتخلف مغريان للقوى الاستعمارية والجهات الباحثة عن النفوذ والسيطرة. وإذا أضفنا لعنصري الهشاشة والتخلف ما تؤكده نفس التقارير والدراسات عن أهمية إفريقيا في الحال والمآل، وأنها تزخر بالخيرات الظاهرة والخفية، فضلًا عن أنها قارة شابة وواعدة خلافًا لقارات شابت أو بلغت منتهاها في التطور أو قريبًا من ذلك.
يلخص باحثون أهمية إفريقيا في أمور، لعل أهمها:
* كونها تمثل 20% من اليابسة.
* كونها تمثل حوالي 15% من ساكنة العالم.
* كونها خزان العالم الإستراتيجي من الموارد الطبيعية والمواد الأولية والأحجار النفيسة.
* كونها تحوي 10% من احتياطي النفط العالمي وحوالي 8% من احتياطيات الغاز مع أنه من الوارد زيادة هذه النسب على نحو معتبر مع الاكتشافات الواقعة والمتوقعة.
* كونها تضم 90% من الكروم والبلاتين.
* كونها تمثل أكثر من ربع الأمم المتحدة (54 دولة).
* كونها في موقع إستراتيجي من القارات الكبرى (أميركا غربًا وأوروبا شمالًا وآسيا شرقًا).
* كونها تحوي 65% من الأراضي الصالحة للزراعة، ونحو 10% من مصادر المياه العذبة المتجددة.
سيكون من الطبيعي بالنسبة لقارة توصف بالهشاشة والتخلف المذكورين، وبهذه الأهمية المتزايدة والمتصاعدة، أن تتوجه إليها اهتمامات القوى الدولية المتنافسة، وأن تحرص القوى السائدة وتلك الصاعدة، بحسب تعبير د. محمد المختار الشنقيطي، على البقاء فيها أو الدخول إليها، والناظر لحجم وتنوع القمم المشتركة مع إفريقيا سيلحظ الأمر بكل وضوح وتفصيل:
القمة الفرنسية-الإفريقية، والقمة الصينية-الإفريقية، والقمة الأميركية-الإفريقية، والقمة الروسية-الإفريقية، والقمة الأوروبية-الإفريقية، والقمة البريطانية-الإفريقية، والقمة الهندية-الإفريقية، والقمة التركية-الإفريقية، والقمة اليابانية-الإفريقية، والقمة العربية-الإفريقية، والقمة الكورية-الإفريقية، والقمة البرازيلية-الإفريقية.
وهناك قمم بمستوى آخر مع كل من إيطاليا، والسعودية، وإسبانيا، وألمانيا، وسويسرا، وجامعة الدول العربية، ومجلس دول الخليج العربية.
أما المحاولات الإسرائيلية لانتظام قمة أو لقاء من هذا النوع فعديدة. ودون شك فإن طبيعة القوى الدولية لازمة الاستحضار عند التعامل معها، وهو ما أشار إليه السيد عمرو موسى بعد تجربة حافلة في بلد مهم وفي جامعة تقع في تقاطع المصالح "إن التعامل في النظام الدولي يحتاج إلى الذكاء والحنكة، فهذه القوى ليس لديها رحمة، ولا تقيم وزنًا للصداقة في سبيل تحقيق مصالحها"(2).
فهل تدرك إفريقيا، قارة ومناطق ودولًا، هذه الطبيعة في القوى الدولية؟ وهل تتابع ما طرأ ويطرأ على ميزان القوة والنفوذ في هذه القوى؟ وهل تعي ما لديها من أوراق تستطيع توظيفها؟ وهل تدرك خطوط التداخل والاحتكاك بين هذه القوى ومصالحها؟ والأهم من كل ذلك: هل تقدر حجم التحديات الناتجة عن التعامل مع هذه القوى، وأنواع هذه التحديات وتأثيراتها المختلفة؟ ثم هل تستطيع تحويل كل هذه التحديات أو أغلبها أو جزء معتبر منها إلى فرص تكون الاستفادة منها أكبر وأهم؟
لقد طرح الرئيس السنغالي قبل السابق، الأستاذ عبد الله واد، السؤال الوحدوي كمدخل لاحتلال إفريقيا مكانة دولية أهم ودورًا أبرز في الاقتصاد العالمي: "إن إفريقيا على مسار التنمية أهم للاقتصاد العالمي من عدد من الدول الصغيرة يستمر حقنها على نحو دائم"(3).
فهل وحدة إفريقيا، وتعاملها مع التحديات التي يطرحها التنافس الدولي فيها وعليها موحدة وفي إطارها الجامع هو المدخل الأنجح في تحويل التحديات إلى فرص؟ لنستعرض أولًا هذا التنافس، مستوياته ومظاهره وجهاته، لندلف بعد ذلك للتحديات والفرص.
المحور الأول: التنافس الدولي في إفريقيا
أولًا: الحضور الأوروبي في إفريقيا
الحديث عن التنافس الدولي في إفريقيا وعليها حديث متشعب وواسع، ويكاد الباحث يضيع فيه ما لم يضع له حدودًا ويضبط خطوطه اختصارًا وتركيزًا. وقد رأيت أن أقسِّم دوائر هذا التنافس والسعي للحضور والنفوذ في هذه القارة شديدة الأهمية إلى ثلاثة مستويات: مستوى القوى الاستعمارية التقليدية، ومستوى القوى الدولية الكبيرة، ومستوى القوى الصاعدة الجديدة.
حاول الكاتبان، أنطوان كلازير وستيفن سميث، في كتابهما "كيف خسرت فرنسا إفريقيا؟"(4) أن يتتبعا الخطوات الفرنسية إهمالًا واستغلالًا وتدخلًا، التي أدت إلى خسارة فرنسا لقدر من نفوذها في قارة كانت تعد على نطاق واسع حديقتها الخلفية وفضاء رحبًا للغتها ومصالحها؟ مع ذلك، يبقى لفرنسا دور وحضور خصوصًا مع اشتداد وتوسع التنافس الدولي على القارة، ودخول أطراف تناصبها فرنسا بعض العداء، يتعلق الأمر هنا بالصين وروسيا وتركيا.
يعيد البعض الحضور الفرنسي في إفريقيا إلى القرن السابع عشر وبالتحديد إلى سنة 1624 ولكن نفوذها سيبرز مع احتلال الجزائر، 1830، والذي سيبدأ التوسع الفرنسي بعده شمالًا وغربًا ووسطًا وحتى جنوبًا(5).
ومع تقاسم النفوذ مع بريطانيا وبعض الدول الأوروبية الأخرى في إفريقيا، فإن فرنسا ركزت جهودها في هذه القارة، وعملت على ربطها بها اقتصاديًّا وثقافيًّا وعسكريًّا وحتى قانونيًّا(6). وقد لخَّص الرئيس السنغالي السابق، ماكي صال، علاقة فرنسا وإفريقيا قائلًا: "فرنسا محتاجة لإفريقيا، وإفريقيا محتاجة لفرنسا"(7).
ورغم التراجع الذي لاحظه الكاتبان الآنفان، ورغم مشاكل فرنسا في حزام الساحل وحوله: مالي والنيجر وبوركينافاسو وغينيا والغابون وحتى الكونغو برازفيل، فقد اعتبرت وزيرة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية، كاترين كولونا، في حوار داخل الجمعية الوطنية الفرنسية نهاية العام 2023(8)، أن العلاقات مع إفريقيا تتطور وتتوسع، وأن الحضور الفرنسي يتمدد إلى دول إفريقية لم تكن تقليديًّا في دائرة الأولويات الفرنسية، كما حدث مع نيجيريا التي تضاعفت الاستثمارات الفرنسية فيها خلال عشر سنوات، كما أن الوجهة الأولى للطلاب الأفارقة ما زالت فرنسا (95 ألفًا من الطلاب الأفارقة اختاروا جامعاتنا، تقول الوزيرة). واعتبرت رئيسة الدبلوماسية الفرنسية أن افتتاح مكاتب في الخارجية الفرنسية تعمل باللغات الفلانية والهوساوية والولفية مؤشر على مزيد اهتمام وحضور.
وفرنسا هي الشريك الأوروبي الأول لإفريقيا مع حجم تبادل وصل مئة مليار دولار، وهي صاحبة القواعد العسكرية التي احتفظت بستٍّ منها (كبيرة في جيبوتي وثلاث مهمة في السنغال وساحل العاج والغابون، والاثنتان الباقيتان وهما الأضعف في وسط إفريقيا وتشاد) ولها وجود عسكري محدود في دول إفريقية أخرى، هذا وتنشط لفرنسا في القارة الإفريقية أكثر من ألف ومئة شركة كبرى، وأكثر من ألفين ومئتي شركة صغرى(9).
ولم يعد عدد من القادة الأفارقة يخفي تحفظه من الدور الفرنسي، ويرى أنه لم يعد يلائم قارة تريد أن تكون شريكًا لا تابعًا، وطرفًا محترمًا لا مستعمرًا سابقًا، ولعل المخضرم الرئيس الكونغولي، دنيس ساسو أنغيسو، عبَّر عن ذلك بوصف القمم الإفريقية مع الصين وروسيا والولايات المتحدة وإيطاليا وتركيا، بالمهمة والمنتجة(10)، واكتفى عند سؤاله عن العلاقة مع فرنسا بقوله: "لها حالات ارتفاع، كما لها حالات انخفاض"(11).
وفي حين رأى الرئيس عبد الله واد في فرنسا صاحبة دور مهم وجمعها مع الولايات المتحدة، قائلًا: "تستطيع دولتان لعب دور أساسي ومفتاحي في تطور إفريقيا، إنهما الولايات المتحدة وفرنسا"(12)، فإن عددًا من القادة وصنَّاع الرأي في إفريقيا يرون أن فرنسا ملزمة بمراجعة أسلوبها والحد من نفوذها، والتكيف مع متغيرات القارة والعالم، حتى تحافظ على مكانة معقولة لها في قارة مستعمرات الأمس، وحتى إن مصطلحًا مثل "مزاج ضد فرنسا anti-francais" أصبح سيَّارًا، ويسأل عنه كل رئيس إفريقي في أي مقابلة إعلامية يجريها.
وطبعًا مع فرنسا من القوى الاستعمارية التقليدية، بريطانيا التي كانت تستعمر عددًا من أهم الدول الإفريقية، ولكن أفول المملكة المتحدة وتوجهها نحو آسيا وارتباطها بالولايات المتحدة أكثر من بقية أوروبا، جعلها تزهد في إفريقيا وتتركها غالبًا لفرنسا، إلا أن خروج لندن من الاتحاد الأوروبي وتفرغها لاستعادة بعض عظمتها، وحاجة الغربيين لها في إفريقيا بعد الدخول القوي للصين وروسيا وتركيا، دفع البريطانيين إلى إحياء وجودهم في إفريقيا وتقوية نفوذهم فيها. وفي هذا السياق، قام وزراء بريطانيون خصوصًا في الخارجية والدفاع بجولات شملت منطقتي القارة الحساستين (الساحل والقرن الإفريقي)، كما عيَّنت بريطانيا، على غرار القوى الكبرى، مبعوثًا خاصًّا للقرن الإفريقي في شخص الدبلوماسية المحترفة، سارة مونتغمري، وذلك بتاريخ 21 يونيو/حزيران 2022، وقبل ذلك في فبراير/شباط استضافت لندن حوار الشراكة الأمنية والدفاعية مع نيجيريا، وفي نفس السنة كان انعقاد القمة الإفريقية-البريطانية(13)، وتحتفظ بريطانيا بقاعدة "باتوك" في كينيا ووجود عسكري في كل من جيبوتي والصومال، وعلى مستوى التجارة أبرمت اتفاقيات تجارية مع اثنتي عشرة دولة إفريقية(14).
ومع فرنسا وبريطانيا يضم صف الدول الاستعمارية التقليدية، إسبانيا وإيطاليا وبلجيكا ومعهم ألمانيا وسويسرا، فكل هذه الدول أبدت وتبدي اهتمامًا يتزايد بإفريقيا، فإسبانيا أطلقت مشروع إفريقيا 3، سنة 2019(15)، واعتبرت إفريقيا أولوية في سياستها الخارجية، بل برمجت خلال سنتين 250 فعالية في إفريقيا(16)، وجاء الوزير الأول الإسباني ليصرِّح، 2021: "سنجعل من السنوات العشر القادمة، عقد إسبانيا في إفريقيا"(17). وقد حرصت إسبانيا أن تُدخل لغتها معها تعزيزًا للحضور والنفوذ، وتقول بعض الإحصائيات: إن قرابة مليون أو يزيد يدرسون اللغة الإسبانية الآن في كل من ساحل العاج وبنين والسنغال(18).
ولم تكن إيطاليا وهي التي استعمرت أربع دول إفريقية لتتأخر عن هذا التسابق والتنافس، ومع أنها كانت حاضرة نسبيًّا، وبلغ التبادل التجاري بينها وبين إفريقيا ثلاثين مليارًا سنة 2022، فإنها طورت ذلك لتُتوجه بالقمة الإيطالية-الإفريقية، في يناير/كانون الثاني 2024، وتعلن عن دعم أولي يزيد على 5.5 مليارات يورو بين الاعتمادات والهبات والضمانات(19). وتعطي إيطاليا أهمية خاصة للقرن الإفريقي، ربما بحكم السابقة الاستعمارية(20).
أما ألمانيا، وهي أقدم استعمارًا من نظيراتها الأوروبيات، كما أنها شبه متحررة من الإرث الاستعماري الحديث، فقد ركزت على الحضور الاقتصادي ومستويات من التعاون الفني والعسكري. لقد كشفت الوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية، في 23 يناير/كانون الثاني 2023، عن إستراتيجية بلادها في إفريقيا والتي تمحورت حول ستة مجالات، وهي: التنمية الاقتصادية المستدامة، والتغلب على الفقر والجوع وبناء الحماية الاجتماعية، والصحة والوقاية من الأوبئة، والتنمية النسوية والمساواة بين الجنسين، وسيادة القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان، وقضايا السلام والأمن(21).
وكمؤشر على حجم التجارة بين ألمانيا والقارة، بلغ التعاون 24 مليارًا مع جنوب إفريقيا وحدها، وأعلن المستشار الألماني أنه من المقرر استثمار عشرين مليارًا سنويًّا في إفريقيا، وتسهم ألمانيا في عدد من مهام حفظ السلام في القارة(22).
ويكاد ينحصر حضور بلجيكا في دولة الكونغو الديمقراطية (زائير سابقًا) بحكم العلاقة الاستعمارية السابقة. وحتى سويسرا فإنها اهتمت بإفريقيا وتوجهت إليها؛ حيث تستفيد ثماني عشرة دولة من الدول الإفريقية جنوب الصحراء من برامج التعاون السويسري. كما تحضر الفيدرالية السويسرية في إفريقيا من خلال خمس عشرة سفارة وتسعة مكاتب للتعاون وقنصليتين(23). ولهولندا والبرتغال ودول أوروبية أخرى حضور في إفريقيا.
ومع هذه الدول يتبنى الاتحاد الأوروبي سياسة شراكة مع إفريقيا، جعلته إلى عهد قريب أول شريك خارجي لإفريقيا، وتحرص القمة الأوروبية-الإفريقية على أن تعطي لهذه الشراكة ولهذا النفوذ بعدًا أوسع وأشمل، خصوصًا مع القوة التي ظهرت بها الصين وروسيا في القارة الإفريقية، وقد وعد الأوروبيون باستثمار 150 مليار يورو في إفريقيا على مدى سبع سنوات.
ثانيًا: نفوذ القوى غير الأوروبية
وإلى جانب القوى الاستعمارية التقليدية، تأتي القوى الدولية الكبرى التي سارعت إلى العودة بالتركيز على الاقتصاد والتنمية مثل حالة الصين، أو بالتركيز على الاقتصاد والأمن والسياسة مثل حالة الولايات المتحدة، أو سارعت إلى الدخول والتمدد بالتركيز على الجوانب العسكرية والأمنية مثل حالة روسيا.
لم تكن الصين غائبة عن إفريقيا، بل إنها حضرت فيها سياسيًّا أيام حركات التحرر ومطالب الاستقلال، وحضرت ببعض الدعم التنموي الذي تبرز معالمه في بعض العواصم الإفريقية شاهدة على رد جميل إفريقيا التي لم تبخل بما تستطيعه من إسناد للقضية الصينية.
ويكفي أن نعرف في هذا الصدد أن 26 صوتًا من أصل 76 التي أدخلت الصين العضوية الدائمة في مجلس الأمن جاءت من إفريقيا، ولكن الذي يهمنا هنا هو الدخول الصيني الثاني الذي أطَّره الانفتاح والتطور الصيني الهائل مع دينغ شياو بينغ، وأشار إليه الرئيس السنغالي السابق، ماكي صال، حين قال: "قبل عقد من الزمان، أدركت الصين قيمة الإمكان الديمغرافي والاقتصادي في إفريقيا"(24)، ولعل فقرة نسبها كتاب "شينافريك، Chinafrique" لسرج مونبولي، المستشار في الرئاسة ببرازفيل، ويلخص فيه الشعور الإيجابي تجاه الصينيين والذي بدأ ينتشر في القارة، إذ يقول: "يوفر لنا الصينيون الشيء الملموس، بينما يتحدث الغربيون عن قيم هلامية، بما تفيد الشفافية والحكامة، إذا كان الناس لا يجدون الكهرباء ولا الشغل، الديمقراطية لا تؤكل"(25).
لا يختلف اثنان على الدخول القوي للصين قارة إفريقيا، والظاهر أنها تعطي للبعد الاقتصادي والتنموي والاستثمار في البنى التحتية الأهمية الأكبر، فنالت بذلك قدرًا من القبول جعل الرئيس النيجري الأسبق، آباسانجو، يخاطب الرئيس الصيني، هوجنتاو، في لاغوس، أبريل/نيسان 2006، قائلًا: "إننا نرغب في أن تقود الصين العالم، وعندما يتحقق ذلك نريد أن نكون وراءكم ودعمًا لكم"(26).
بلغ التبادل التجاري بين الصين وإفريقيا 282 مليار دولار سنة 2023، وارتفع خلال الأشهر السبعة الأولى من سنة 2024 إلى 167 مليارًا في مؤشر واضح على تصاعده(27). وقد شيدت الصين عشرات الآلاف من الطرق المعبَّدة، وحوالي ألف جسر، وعددًا كبيرًا من المستشفيات والمنشآت التعليمية والرياضية(28). وقد وصل الصينيون إلى كل مناطق وأطراف القارة متسلحين بمثل صيني يقول: "إذا تحركت الشجرة عن موقعها تموت، أما الإنسان فإذا تنقل في الأرض فإنه يصنع الثروة"(29).
لقد لاحظها وزير خارجية سابق في غينيا الذي صرَّح بأن: "الصينيين بصدد القضاء على الأوروبيين في إفريقيا"، واليوم يؤكدها كثير من المتابعين والباحثين بصيغة أخف وأكثر واقعية، إنهم يهزمونهم ويتصدرون عليهم(30).
وحتى وزير الأشغال العمومية الجزائري الأسبق اعتبر أن الحاجة للصينيين حقيقية لميزتهم الظاهرة؛ ذلك أن "الصينيين مختلفون، ونحتاج لثقافتهم في العمل الجدي"(31).
تجتهد الصين حتى الآن ألا تُظهر أهدافها السياسية الكبرى، وإن بدا أن الإستراتيجية الصينية -ليس في إفريقيا فقط- تقوم على التدرج والتراكم وبناء ميزان قوة مكتمل، يسمح لها حينها بتوضيح كل أجندتها.
لم تكن الولايات المتحدة الأميركية، تضع إفريقيا -خصوصًا منها جنوب الصحراء- في مقدمة أولوياتها الإستراتيجية، وإن ظلت حاضرة ومهتمة، ولكن استهداف السفارتين الأميركيتين في تنزانيا وكينيا، ثم تصدر إستراتيجية مكافحة الإرهاب الاهتمام الأميركي، والتي ستأخذ مداها بعد 11 سبتمبر، دفع بإفريقيا إلى مقدمة التخطيط الأميركي، فأقيمت القاعدة العسكرية الدائمة في جيبوتي (لمونيي)، 2002، ومعها أطلقت مبادرة "بان ساحل" (PANSAHEL) لدعم جهود رقابة الحدود في الساحل، وأنشئت الأفريكوم AFRICOM في 2007 (وهي بنية عسكرية)، كما أنشئت الآغوا AGOA (وهي للتجارة والاستثمار)، وما بين 2001 و2008 أصبح الوقود الإفريقي يمثل ربع الواردات الأميركية(32).
لقد انتقل الدعم الأميركي لإفريقيا من 2.5 مليار، سنة 2000، إلى 7.5 مليارات، سنة 2007، وصنَّفت الولايات المتحدة ثلاث مناطق في إفريقيا حساسة ومهمة: القرن الإفريقي وخصوصًا الصومال وجيبوتي وكينيا، وإفريقيا الشمالية وخصوصًا ليبيا، والساحل خصوصًا الكاميرون وتشاد والنيجر.
ومنذ 2009 أنفق الأميركيون 892 مليون دولار لدعم قدرات حفظ السلام والمؤسسات الإفريقية، واستفادت دول، مثل السنغال وغانا وإثيوبيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا، من برنامج دعم قدرات الجيوش الإفريقية الذي خصصت له 110 ملايين دولار سنويًّا(33).
أما ثالث القوى الدولية الكبرى الداخلة بقوة إلى إفريقيا فكانت روسيا، ويأتي دخولها لهذه القارة ضمن التوجه الإستراتيجي للرئيس فلاديمير بوتين والمصرُّ على إعادة السوفيت، وإن خذلته القدرات الاقتصادية الكبيرة، فإن الباب الأمني والعسكري هو مدخله لهذا التوجه.
وقد صار خبر فاغنر، وهي منظمة عسكرية تنفذ لروسيا مهامها الصعبة والتي لا تريد لجيشها أن يباشرها، أمرًا ملحوظًا في إفريقيا، وكونها وُجِدت في بعض الدول الإفريقية خصوصًا في منطقة الساحل، والنموذج الأبرز كان دولة مالي التي وصلت فيها لدرجة قيادة إخراج المسلحين من كيدال، 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ثم رفع علم فاغنر وسط المدينة، يوم 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وتذكر بعض التقارير أن فاغنر تضم أربعين ألف مقاتل، وأنها قد تكتتب مسلحين من السكان المحليين(34).
وفي جيبوتي، حيث تتزاحم مختلف القوى والأطراف، تدرِّب روسيا طياري الحوامات دون أن تحصل على موافقة لإقامة قاعدة عسكرية على غرار غيرها(35)، كما تعمل روسيا على تطوير وتوسيع علاقاتها الأمنية العسكرية مع عدد من الدول الإفريقية.
وفي جانب آخر، مثَّلت القمة الروسية-الإفريقية، التي عُقدت في أكتوبر/تشرين الأول 2019، انطلاقة مهمة في الشراكة مع القارة؛ حيث وقَّعت 50 وثيقة بغلاف مالي قُدِّر بـ800 مليار روبل (12.5 مليار دولار)، ولم تكن القمة الأخيرة بنفس الزخم ولا على نفس المستوى.
ثالثًا: نفوذ القوى الصاعدة في إفريقيا
وإلى جانب القوى الاستعمارية التقليدية، والقوى الدولية الكبرى، توجد قوى صاعدة بعضها متقدم في التصنيفات الدولية عسكريًّا واقتصاديًّا، والبعض ذو تجربة ناجحة ومغرية، والبعض غني بالإمكانيات والموارد، وكل هؤلاء اهتموا بإفريقيا، وأصبحوا فيها من المتنافسين، وعليها من المنافسين، يتعلق الأمر باليابان والهند وتركيا والبرازيل وكوريا الجنوبية والسعودية وغيرها.
ولعل اليابان هي أول دولة نظَّمت لقاء اقتصاديًّا مع القارة الإفريقية عُرِف بـ"تيكاد" TICAD وذلك عام 1993. ويبدو أنه هو الذي ألهم القوى الأخرى بفكرة القمم الاقتصادية مع إفريقيا، وكانت آخر دوراته (تيكاد 8)، في أغسطس/آب 2022، في تونس، وأعلنت فيه اليابان عن خطة استثمار كبيرة في إفريقيا مدتها ثلاث سنوات بقيمة 30 مليار دولار، وتنشط في القارة الإفريقية 796 شركة يابانية(36).
وتمتاز الشراكة الهندية-الإفريقية بالشمول والتنوع؛ إذ عملت القمم الثلاث المشتركة المنعقدة حتى الآن في مجالات: الزراعة والأمن الغذائي والصحة والتعليم وتكنولوجيا المعلومات والتغير المناخي والاقتصاد الأزرق، وكانت استثمارات الهند في إفريقيا قد بلغت، سنة 2018، ما يُقدَّر بـ63 مليار دولار، وتوجه الهند نسبة 21% من استثماراتها الخارجية إلى هذه القارة. بالإضافة إلى هذا فقد زادت السفارات الهندية من 29 إلى 47(37).
وتضيف الهند الجانب العسكري، ومن آخر مظاهره المناورات الهندية-الإفريقية، مارس/آذار 2023، وقد شاركت فيها قوات 23 بلدًا إفريقيًّا. ولعل خصوصية الهند البارزة هي الوجود البشري المتزايد في القارة؛ إذ يُقدَّر الهنود بمليون ونصف في جنوب إفريقيا و855 ألفًا في موريشيوس، ومئة ألف في كل من كينيا وتنزانيا، وتسعين ألفًا في أوغندا(38).
أما تركيا فقد حققت طفرة كبيرة في التوجه نحو إفريقيا وأسواقها، وقد أوردت مجلة جون أفريك الفرنسية أن تركيا أقامت شبكة من الكيانات الخادمة لهذه العلاقة "فهناك القمم التركية الإفريقية، ومنتديات رجال الأعمال، وفرق الصداقة البرلمانية مع خمسين دولة في إفريقيا، مقابل تسع وثلاثين مع آسيا، و36 مع أوروبا. كما أن لتركيا أربعة وأربعين سفارة في القارة مقابل اثنتي عشرة كانت مسجلة سنة 2009"(39).
وتطير الخطوط الجوية التركية نحو ستين مدينة في إفريقيا، ولمنظمة "تيكا" اثنان وعشرون مكتبًا ولها ألف وثمانمئة مشروع ما بين 2017 و2022، ووصل التبادل التجاري 40.7 مليار دولار عام 2022، وأطلقت شبكة "تي أر تي" التركية قناة خاصة بإفريقيا أسمتها "تي آر تي أفريكا" (TRTAFRIKA)، تتحدث اللغات الفرنسية والإنجليزية والسواحلية والهوسا(40). ولتركيا حضور في تجارة السلاح في القارة خصوصًا المسيرات.
ومع عودة الرئيس لولا سيلفا إلى قيادة البرازيل انتعشت العلاقات البرازيلية بعد أن أصابها فتور وتراجع في عهد سلفه، وقد تطورت التجارة بين الطرفين، يكفي مؤثر نموها السنوي، ففي سنة 2021 بلغت بين البرازيل وإفريقيا ستة عشر مليار دولار في حين وصلت، 2022، إلى 22.4 مليار دولار.
وكان المنتدى البرازيلي-الإفريقي، المنعقد 2023 في ساو باولو، فرصة لتطوير الشراكة والاستثمارات، وفيه أعلنت البرازيل أن الأولوية بالنسبة لها في 2024 ستكون إفريقيا.
وفي قمة كوريا-إفريقيا، المنعقدة في يونيو/حزيران 2024، رفع المجتمعون شعار "المستقبل الذي نصنعه معًا: نمو مشترك، استمرارية وتضامن"(41).
وقد لخص نائب وزير الخارجية الكوري "شانك بيانك وون" سياسة كوريا قائلًا: "حكومتنا تعهدت بمضاعفة دعم التنمية (في إفريقيا) من هنا وحتى 2030"(42).
وقد شكَّل الكوريون الجنوبيون مجلسًا لوزراء الزراعة وآخر لمسؤولي الجمارك، كما أن لكوريا عددًا من المؤسسات التي تقوم باستثمارات مهمة في عديد من الدول الإفريقية.
وليس جديدًا على السعودية توجيه الدعم لإفريقيا، بل إن ولي العهد السعودي في القمة السعودية-الإفريقية، المنعقدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، في الرياض، ذكر أن المملكة قدمت في الماضي خمسة وأربعين مليار دولار لدعم المشروعات التنموية والإنسانية في إفريقيا، وأن مساعدات مركز الملك سلمان للإغاثة بلغت أربعمئة وخمسين مليون دولار في ست وأربعين دولة إفريقية. وتعهدت قمة الرياض المذكورة بضخ استثمارات سعودية في مختلف القطاعات بالقارة بما يزيد على 25 مليار دولار، وأعلنت المملكة أنها ستزيد سفاراتها في إفريقيا لأكثر من أربعين سفارة(43).
وليس الأمر مقصورًا على هذه الدول الخمس، بل إن المحاولات الإسرائيلية ما فتئت تتجدد للتأثير في إفريقيا، وتوسيع العلاقات مع دولها حتى بلغ بها الأمر السعي لأن تكون عضوًا مراقبًا في الاتحاد الإفريقي، وهو ما كاد يتحقق لولا المعارضة القوية من مجموعة من الدول الإفريقية تتقدمها الجزائر وجنوب إفريقيا.
ولإسرائيل علاقات مع أربعين دولة إفريقية، ستة وثلاثون منها جنوب الصحراء، كما فتحت خمس عشرة سفارة حتى الآن، وزارها بعض الرؤساء الأفارقة(44).
ولكندا وباكستان وإيران والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت حضور وأنشطة وعلاقات ودعم في إفريقيا أو بعض دولها.
المحور الثاني: التحديات والفرص
يبدو من خلال الاستعراض السابق، أن التحديات الناجمة عن هذا التنافس الواسع على إفريقيا وفيها، كثيرة ومتنوعة، ودون شك يسهل اكتشاف أو استخراج الفرص الكامنة في عديد هذه التحديات، بينما يصعب في بعضها:
أول هذه التحديات هو التحديات ذات الطابع العسكري والأمني، فنحن نتحدث عن عدد كبير من الدول، وعن أجهزتها الأمنية، وعن قواعدها العسكرية، وعن برامج الشراكة السيبرانية والاستخباراتية، ونتحدث عن كل هذا في قارة حكمنا عليها بالهشاشة، ووصفناها بالفقر والتخلف، فالخطر قائم، والقدرات الخاصة بأغلب الدول الإفريقية ليست مؤهلة لتحويل هذا التعاون العسكري والأمني إلى فرصة نستفيد منها تكوينًا وتأهيلًا وعلاقات، ونقلِّل هامش الاختراق والإضرار.
ثم إن هذه الأطراف المتنافسة، ومع اتساع دائرة وجودها، قد تجعل من إفريقيا ساحة للاحتكاك والصراع. وقد ذكر الرئيس الجيبوتي، إسماعيل عمر جيله، بصراحته المعروفة، أن قاعدة الصينيين بجيبوتي تشغل 40 هكتارًا، وقاعدة الأميركيين 150 هكتارًا، أما القاعدة الفرنسية فلم يكفها إلا 450 هكتارًا(45). فكم تشغل القواعد الأخرى في جيبوتي؟ وما مظاهر الحضور العسكري والتغلغل الأمني في مختلف البلدان الإفريقية؟ إن هذا الموضوع يحتاج لقدر من الحذر لا يبدو أنه موجود عند كثير من قادة القارة.
ثاني هذه التحديات هو التحديات الاقتصادية والتنموية، ومع أن برامج الشراكة والتعاون مع أغلب القوى المتنافسة، توفر دعمًا وتطورًا للتنمية في القارة وفي دولها، إلا أن عيون هذه القوى ما زالت منصبة على خيرات وثروات إفريقيا سواء منها الواقعة أو المتوقعة. وستحرص من خلال الاتفاقيات المختلفة على أكبر هامش لاستغلال هذه الثروات حالًا ومضاعفة ذلك الاستغلال مآلًا. وعادة ما يوظف بعض الشركاء ضعف الحكام الأفارقة وإشكالية شرعيتهم، وينجحون في ذلك. هناك حاجة حقيقية لما أسماه الرئيس عبد الله واد: إفريقيا الشريكة "على المثقفين الأفارقة أن يفرضوا صورة إفريقيا شريكًا وندًّا، لا إفريقيا تحت الرعاية"(46).
وهنا لابد من الانتباه لما يُعرف بفخ الديون الصينية، وإشكال الاشتراطات الأميركية، وخطر الملحقات الأوروبية، وميوعة الالتزامات الروسية.
ثالث التحديات هو التي تكون في المجالات الثقافية والاجتماعية؛ إذ يثور النقاش كل مرة حول القضايا الاجتماعية والمسائل الثقافية خصوصًا مع الأوروبيين الذين لا يدركون خصوصيات المجتمعات ويصرون على عولمة قيمهم، ودون ذلك الأميركيون، أما الصين وروسيا وجهات أخرى فالتحدي الثقافي أخف وأقل ضجيجًا، وقد أشار الرئيس ماكي صال في كتابه "السنغال في القلب" لهذا الموضوع حين قال: إن "الفرق مع أوروبا، هو أن الصين لا تتعامل معنا إلا في الجانب الاقتصادي، في الإشكالات المجتمعية نكون أحيانًا على خلاف مع الغرب"(47).
وقد عبَّر عن ذلك الرئيس الرواندي، بول كاغامي، بوضوحه المعهود مصرِّحًا أنه: "آسف للغرب، لكن لا يعنينا ما تفكر فيه هذه الدول الغربية"(48).
أما رابع التحديات فهو التحدي الوحدوي؛ ذلك أنه لإفريقيا خلافاتها، ولكل منطقة مشاكلها الخاصة، بل لكل دولة اهتمامات وتحديات تخصها، ولكن نجاح القارة في التطوير النسبي للاتحاد الإفريقي، وشعور الكثيرين حكامًا ونخبةً بأهمية الوحدة الإفريقية خاصة عند التعامل مع الآخرين، جعل الخلافات تخف وفتح الباب أمام حضور أكبر للاتحاد الإفريقي في مشاكل القارة.
ويبقى التنافس الدولي في إفريقيا وتناقض وصراع بعض أطرافه أمرًا سيحد من الجهود الوحدوية، بل ربما يؤدي لاصطفافات تتبع أو تتأثر باصطفافات المتنافسين. من هنا، اعتبر الحكماء في القارة أن مفتاح النجاح في التعاطي مع الشركاء والمتنافسين هو وحدة القارة وتنسيقها وتكاملها "ينبغي أن نستمر في هذا التوجه (الشراكة والتعاون) لكن بتغيير قواعد اللعبة في أسرع وقت، ويبقى مفتاح ذلك هو وحدة إفريقيا"(49).
وخامس التحديات هو تحدي الإغراء وضعف الندية؛ ذلك أن كثرة المتنافسين، ووفرة برامج التعاون، وتعدد أشكال الدعم، لا يشجع على الاعتماد على الذات، ويحد من الطموح في التطور الذاتي، فأمام ما يوفَّر للقارة أو يصدَّر إليها، وأمام هذا التنوع في الداعمين والمستثمرين، لن تتطور الصناعات والصناعات النوعية بالذات، كما لن تبدع القارة في مجال الخدمات وأهمها التعليم والصحة، ولن تسارع دولها نحو ما يضمن الاستقلال الحقيقي الذي يجعلنا شركاء وأندادًا بل منافسين.
وحين تدرك إفريقيا أنها تعطي وتعطي أشياء مهمة، وأن الآخرين لم يأتوا للعمل الخيري، وإنما للتبادل والمصالح، وقديمًا قالها الحكيم الصيني، سون تسو: "من أجل أن تأخذ، يلزم قبل ذلك أن تعطي"(50).
وفي هذا السياق على إفريقيا أن تدرك قيمة ثرواتها، وأهمية موقعها، وشبابية ساكنتها، والأفق الذي أمامها، وكتلتها التصويتية في المنتظمات الأممية.
أما سادس التحديات فيمكن تعريفه بتحدي غياب الحلم، على لغة أستاذ جامعة كولومبيا، المؤرخ السنغالي ممادو ديوف، وذلك حين علَّق على الصعوبات الاقتصادية في دولنا الإفريقية بقوله: "لكن وبعيدًا عن الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها دولنا، فإن الذي لا يحتمل هو هذا الغياب المزمن للحلم"(51).
ويأتي التحدي السابع وهو تحدي الموازنة والتوازن، لقد أوضحتها السيدة إنكوزي أوكونغو إيويلا، المديرة العامة للمنظمة العالمية للتجارة، بقولها: إنه ينبغي علينا أن نذكِّر القوى الكبرى، أنها تستطيع الجمع بين التعاون الإستراتيجي (مع إفريقيا) والتنافس الإستراتيجي عليها(52). وعن التعامل مع الصراع الصيني الأميركي الأوروبي، أكدت هذه المسؤولة الإفريقية أنه يمكن لإفريقيا أن تكون الزوجة المحظوظة، ولا يتعلق الأمر بتأييد طرف ضد الآخر؛ ذلك أن الأفارقة جرَّبوا ذلك في الحرب الباردة ولا نتيجة ثم، ونقول لحكامنا: انظروا كيف يساعدكم كل طرف في حل مشاكلكم(53).
ويبقى هذا التحدي مربط الفرس، ومحل الفرص، فكيف تستطيع إفريقيا أن تأخذ ما ينفعها من كل طرف، وتجمع الجميع على طاولة مصالحها ونهضتها، والكل رابح طبعًا؟ أو كيف تخفف الآثار السلبية لتنافس الأصدقاء والداعمين؟ ولعل من أهم ما يساعد على ذلك وحدة الصفوف وشرعية الحكام ورقابة الشعوب وكفاءة الممثلين والمتعاملين مع الآخر.
وعلى سبيل الختام:
تتفاوت الدول المتنافسة على إفريقيا في مجال التركيز، ففي حين تتقدم الصين في الجانب الاقتصادي والتنموي متبوعة بالأوروبيين، تتقدم روسيا لائحة مصدِّري الأسلحة إلى إفريقيا، من خلال ذراعها العسكرية الأمنية، فاغنر.
تتداخل خطوط ومصالح هذه القوى المتنافسة في إفريقيا، ويتقارب بعضها مع بعض، على نحو التفاهم الأميركي-الأوروبي الذي قد لا يكون سلسًا أحيانًا، أو التقارب الروسي-الصيني مع ملاحظة الحذر في هذه العلاقة.
لن تستطيع إفريقيا التغلب على التحديات الناتجة عن هذا التنافس الدولي، ولكنها تستطيع تخفيفها، وتحويل بعضها إلى فرص تفتح إمكانية العبور نحو إفريقيا قوية وشريكة جدية للقوى الكبرى والصاعدة.
إن بإمكان عمل بحثي جاد يسائل وضعية ثماني دول إفريقية وازنة، ويناقش منطقها الذاتي في التعامل مع المتنافسين على القارة ومع السؤال الوحدوي للقارة أن يكمل النظر والرؤية في شأن الإستراتيجية الإفريقية في التعامل مع القوى المتنافسة والحاضرة في إفريقيا، يتعلق الأمر هنا بجنوب إفريقيا ونيجيريا وإثيوبيا ورواندا وأنغولا والجزائر والمغرب ومصر.
1 - المتغيرات الدولية وأثرها على الواقع الإقليمي للقارة الإفريقية، الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين، 29 أبريل/نيسان 2025 (تاريخ الدخول: 20 أبريل/نيسان 2025)، https://apa-inter.com/post.php?id=3522
2 - كتاباه: الكتاب الأول: النشأة وسنوات الدبلوماسية، عمرو موسى، ط الثالثة، 2017، دار الشروق، القاهرة، مصر، ص 475.
5 - د. بدر حسن شافعي، النفوذ الفرنسي بإفريقيا: من مركز تجاري إلى مستعمرات منهوبة، الجزيرة نت، 3 سبتمبر/أيلول 2023 (تاريخ الدخول: 25 أبريل/نيسان 2025)، https://tinyurl.com/2s4zf5u3
6 - نفس المرجع السابق.
9 - د. بدر حسن الشافعي، مرجع سابق.
13 - دلالات تنامي الحضور البريطاني في القارة الإفريقية، موقع المستقبل للأبحاث، 18 يوليو/تموز 2022 (تاريخ الدخول: 5 أبريل/نيسان 2025)، https://tinyurl.com/4vbhsmmr
14 - نفس المرجع السابق.
19 - موقع مركز الجزيرة للدراسات، إيطاليا والاستدارة جنوبًا نحو إفريقيا، بوحنية قوي، 6 مارس/آذار 2024 (تاريخ الدخول: 3 أبريل/نيسان 2025)، https://studies.aljazeera.net/ar/article/5867
20 - نفس المرجع السابق.
21 - ما أبعاد الدور الألماني في إفريقيا؟، د. محمود زكريا، الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين، 8 أكتوبر/تشرين الأول 2024 (تاريخ الدخول: 6 أبريل/نيسان 2025)، https://apa-inter.com/post.php?id=6039
22 - نفس المرجع السابق.
27- ارتفاع حجم التجارة بين الصين وإفريقيا، الجزيرة نت، 23 أغسطس/آب 2024 (تاريخ الدخول: 22 أبريل/نيسان 2025)، https://tinyurl.com/y9z78t2f
28 - د. الخير عمر سليمان، منتدى التعاون الصيني الإفريقي.. صراع النفوذ والسيطرة، الجزيرة نت، 6 سبتمبر/أيلول 2024، (تاريخ الدخول: 22 أبريل/نيسان 2025)، https://tinyurl.com/53t4ry9b
29- La Chinafrique: pekin à la conquête du continent noir, p: 79 (Op. Cit.).
30- La Chinafrique: pekin à la conquête du continent noir, p: 24 (Op. Cit.).
31- La Chinafrique: pekin à la conquête du continent noir, p: 71159 (Op. Cit.).
34- Jeune Afrique, N° 3132 - Mardi 02 janvier 2024, P 24.
35- Jeune Afrique, N° 3123, Jeudi 30 mars 2023, intrview pt Ismail Omar guelleh / p: 49
36 - د. حمدي عبد الرحمن، دوافع التحول الجيو-إستراتيجي الياباني نحو إفريقيا، المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 7 سبتمبر/أيلول 2022 (تاريخ الدخول: 22 أبريل/نيسان 2025)، https://tinyurl.com/4u58sast
37 - نهاد محمود، التوجه الهندي نحو إفريقيا: النشأة - الدوافع- المآخذ، قراءات إفريقية، 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 (تاريخ الدخول: 18 أبريل/نيسان 2025)، https://tinyurl.com/yc6vtdcy
38 - نفس المرجع السابق.
43- وكالة الأنباء السعودية، إعلان الرياض.. القمة السعودية الإفريقية، 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 (تاريخ الدخول: 22 أبريل/نيسان 2025)، https://www.spa.gov.sa/N1995044