الخطاب العربي والأجنبي عن الذكاء الاصطناعي في الصحافة: أنماط الفهم ونماذج المقاربة

ترصد الدراسة عناصر التشابه بين الخطابين العلميين، العربي والأجنبي، عن الذكاء الاصطناعي في الصحافة، خاصة في بعض الجوانب الأساسية (التقنية والمهنية والاقتصادية والإدارية) التي يخضع لها العمل الصحفي. وتبحث في أسباب هذا التشابه، وسياقاته المختلفة من خلال الإجابة عن هذين السؤالين: هل يكمن التشابه في تطابق فهم الخطابين للذكاء الاصطناعي؟ وهل الذكاء الاصطناعي معطى تقني يمارس تأثيره الموحد على الصحافة بصرف النظر عن طبيعة المؤسسة الإعلامية والسياق التاريخي والسياسي والثقافي للمجتمعات التي تطورت فيه؟ تُحلِّل الدراسة متنًا، يتكوَّن من 20 بحثًا أجنبيًّا و20 بحثًا عربيًّا، نُشِر في مجلات علمية أجنبية وعربية عن موضوع الذكاء الاصطناعي في الصحافة، خلال الفترة الممتدة من مايو/أيار 2016 إلى غاية يونيو/حزيران 2024. وتعتبر هذا المتن خطابًا علميًّا فَكَّكَته على هذه المستويات الثلاثة: النص، والسياق، والمقاصد.
الخطاب العربي عن الذكاء الاصطناعي يبدو موحدًا وميتافيزيقيًّا يقارب موضوعه بالتصور المجرد (غيتي)

مقدمة

على الرغم من حداثة استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative Artificial Intelligence)، ونموذجه الأكثر تطورًا "تشات جي بي تي" (ChatGPT)(1) الذي شُرِع في استخدامه في قاعات التحرير الصحفي منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2022، إلا أن الذكاء الاصطناعي أضحى انشغالًا علميًّا لدى الباحثين في الإعلام والاتصال، وهدفًا يُغري مالكي المؤسسات الإعلامية، ويخشاه الصحافيون بعد أن اندمج في العمل الصحفي كأدوات، ومنصات رقمية، وبرامج معلوماتية. وتبلور هذا الانشغال في ظل هيمنة اتجاهين: أحدهما يحتفي بهذا الذكاء، وثانيهما يتخوَّف منه. الأول يستند إلى منظور يرى أن الذكاء الاصطناعي سيُرِيح الصحافيين من الكثير من الأعباء والمهام التي تستنفد وقتهم وجهدهم، ويرتقي بعملهم. وهذا بناء على توصيفه من قِبَل أحد مخترعيه، مرفن لي مينسكي (Marvin Lee Minsky)، بقوله: "إنه العلم الذي يدفع بالآلات إلى القيام بالأشياء التي تتطلب الذكاء حال أداء البشر لها". والثاني منظور يتخوَّف من إيقاع تطور الذكاء الاصطناعي وسرعة انتشاره(3) انطلاقًا من المحاذير الخمسة التي أشار إليها أحد رواده، جيوفري هنتن (Geoffrey Hinton)، وهو يهم بتقديم استقالته من شركة غوغل بعد أن قضى عشر سنوات في خدمتها. وتتمثَّل هذه المحاذير في أن الآلة تتجاوز قدرات صانعها، وتُلغي مناصب العمل على أوسع نطاق، وتتطور بشكل أسرع من السعي لضبط نشاطها وتعديله، وإمكانية وقوعها في أياد خبيثة، ودفعها لممارسة التضليل وإنتاج السخافات(4).

في خضم هذا الانشغال اتضح أن مصطلح الذكاء الاصطناعي ذو معان متعددة، وحتى متناقضة؛ إذ يُعرَّف تارة بـ"أدوات ذكية تتعلَّم بالتجربة لإنجاز مهام شبيهة بتلك التي ينجزها الإنسان"(5) أي يتماهى مع الذكاء البشري، وطورًا يُصنَّف بأنه يتجاوز الذكاء البشري(6)، أي أهم من الذكاء البشري ومختلف عنه.

عندما يستعرض الباحث الخطاب العربي عن الذكاء الاصطناعي وتأثيره على الصحافة، يجده يتماهى مع الاتجاه المهيمن في الخطاب الأجنبي. هذا ما يُلاحظه على البحوث العربية التي توصلت إلى نتائج تتوافق في كثير من الجوانب مع البحوث الأجنبية(7)، وزكَّتها بعض الدراسات المقارنة بين البحوث العربية والأجنبية عن تأثير الذكاء الاصطناعي على الصحافة. ويتجلى أبرز مثال على ذلك في تأكيد إحدى الدراسات(8) أن "معظم البحوث العربية والأجنبية اتفقت على أن تقنيات الذكاء الاصطناعي أدت إلى تغيير الطرق والأساليب التي كانت تُمَارَس بها مهنة الصحافة وصناعتها واستهلاكها، وأن الدراسات العربية عظَّمت من أهمية تطبيق صحافة الروبوت لقدرتها على إنتاج وتقديم محتوى صحفي أكثر تميزًا عن الذي يُقدِّمه الصحفيون البشريون، كما أنها أكثر مصداقية لدى الجمهور". 

واستطردت الدراسة بالقول: "اتفقت البحوث العربية والأجنبية على أن المُسْتَقْبِل يقوم بدور القائم بالاتصال في إنتاج وإرسال المعلومات وردود الأفعال، مما يُشكِّل تحديًا للصحافة في ظل وجود مُسْتَقْبِل يقوم بكل شيء تقريبًا في العملية الاتصالية"، وأن "تقنيات الذكاء الاصطناعي ضمان لحرية تداول المعلومات اعتمادًا على تقنيات الثورة الصناعية الرابعة". يدعو هذا التوافق إلى التساؤل فعلًا: هل يُقدِّم الخطابان الفهم ذاته للذكاء الاصطناعي؟ وهل استعانت الصحافة العربية بالذكاء الاصطناعي بالقدر ذاته الذي تستعين به الصحافة في البلدان المتطورة، وللأغراض ذاتها حتى يتماهى الخطابان؟ وهل سياق تطور الصحافة في المنطقة العربية، الذي من المفروض أن يُشكِّل الإطار الذي يتبلور فيه الخطاب عن الذكاء الاصطناعي، هو ذاته الذي تطوَّرت فيه الصحافة في البلدان الأجنبية انطلاقًا من اقتناع بأن الذكاء الاصطناعي هو عُدَّة تقنية محايدة لا تتأثر بالمتغيرات السوسيو-مهنية والاقتصادية في قاعات التحرير؟

تقتضي الإجابة عن هذه الأسئلة المحورية التنقيبَ عن مصفوفات الخطابين، أي نظاميهما بتعبير الفيلسوف الفرنسي، ميشال فوكو (Michel Foucault)، ويُقصد به منطقهما الداخلي، وارتباطاتهما المؤسساتية، والبحث عن مصادرهما في فهم ماهية الذكاء الاصطناعي وتأثيره على الصحافة، وسياقهما، ومقاصد كليهما.   

1. اعتبارات منهجية ونظرية

بجانب تعدد أنواع الخطابات: الخطاب الأدبي، والديني، والسياسي، والعلمي، والفلسفي... توجد طائفة من الباحثين الذين اشتغلوا على تحليل الخطاب انطلاقًا من نماذج نظرية مختلفة من أجل ترسيخ فهمهم لماهيته، والكشف عن آليات تشكيله وبنائه وغاياته. لذلك يمتلك الخطاب معاني متعددة ومختلفة عبر التاريخ. فمن الملفوظات أو الكلام بالمفهوم السوسيري (نسبة إلى مؤسس المنهج البنيوي، فرديناند دو سوسير (Ferdinand de Saussure))، والمقال والرسالة، والنظام الفكري، بالمعنى الذي ذهب إليه رينيه ديكارت (René Descartes) في مُؤَلَّفِه: "خطاب المنهج"(9) ليصبح أخيرًا "معرفة سلطوية"(10) لدى ميشال فوكو. وهذا ما حدا بالباحث باتريك شارودو (Patrick Charaudeau) إلى القول بأن مفهوم الخطاب يكتنفه اللبس؛ إذ يختلط تارة بمعنى النص، وطورًا آخر بمعنى "الأساليب" الوصفية أو السردية وغيرها، وحينًا بـ"الإدلال" (signifiance) وفق المعنى الذي قصده عالم اللسانيات الفرنسي، إميل بينفينيست (Émile Benveniste)، أي أنظمة المعنى ذات التمظهرات الخطابية، التي تدمج مختلف هذه الأبعاد(11).

وفي هذه الدراسة، يقصد الباحث بالخطاب النص الذي تتشكَّل منه البحوث المنشورة في مجلات علمية محكمة داخل المنطقة العربية وخارجها، والذي أُنْتِج في سياق اجتماعي وثقافي ومعرفي مخصوص من أجل تقديم فهم لماهية الذكاء الاصطناعي، وتحديد تأثيره على قاعة التحرير الصحفي، وعلى العمل الصحفي، وصناعة الإعلام بصفة عامة، وما مقاصده.

ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى أن التحليل النقدي لهذا الخطاب يتضمن بعدين: البعد الأول "لا يقتصر على تحليل البنى المخصوصة للنص أو الخطاب، بل يرتبط بالسياق السوسيو-سياسي والثقافي، أي ينأى عن الاتجاه اللساني في تحليل الخطاب الذي رسخته المدرسة الفرنسية. والبعد الثاني، والذي يُعتبَر سبب وجوده، وهو استنطاق المسكوت عنه في الخطاب، والكشف عن مقاصده الضمنية ذات الصلة بالسلطة التي يُعبِّر عنها أو يُبرِّرها أو يُقاومها.

على هذا الأساس اختار الباحث متنًا يتكون من 20 بحثًا أجنبيًّا و20 بحثًا عربيًّا، نُشِر في مجلات علمية أجنبية وعربية عن موضوع الذكاء الاصطناعي في الصحافة، خلال الفترة الممتدة من مايو/أيار 2016 إلى غاية يونيو/حزيران 2024، ليُشكِّل مادة تحليل الخطاب. لقد تم اختيار مفردات هذا المتن وفق ما تسمح به العينة المتاحة من المنصات الآتية: بوابة الأبحاث "ريسيرش غيت" (ResearchGate)، و"أكاديميا.إدو" (Academia.edu)، و"الأرشيف المفتوح" (Archive ouverte HAL)، و"المنظومة"، و"المنصة الجزائرية للمجلات العلمية"، ومنصة "الدوريات المصرية".

إن الخطاب معطى معقد ذو بُعْد لساني باعتباره نصًّا أو جملة من الملفوظات، وبُعْد سوسيولوجي باعتباره مُنْتَجًا في سياق معين(12)، وبُعْد غائي. لذا سيُحلِّل الباحث وحدات المتن انطلاقًا من المستويات الثلاثة المذكورة آنفًا (النص، والسياق، والمقاصد) على الرغم من الصعوبة الإجرائية التي تواجه هذه الطريقة من التحليل، والتي يمكن أن نحصرها في هذه النقاط الثلاث:

- التداخل بين النص والسياق: يصف اللسانيون الخطاب انطلاقًا من التساكن، وحتى التداخل بين النص والسياق في المعنى وليس المبنى. فغني عن القول: إنه من الصعوبة بمكان فهم النص خارج سياقه. هذا الوصف جعل من السياق موضوعًا إشكاليًّا تصدَّى له الأكاديمي، توين فان دايك (Teun A. van Dijk)، المختص في تحليل الخطاب. فقد فَصَل السياق عن الوضعية التي يُنْجَز فيها النص الذي يُشكِّل الخطاب، لكن هذا الفصل لم يكن كافيًا لإزالة اللبس نظرًا لامتدادات السياق؛ إذ يُقال: إن لكل سياق سياقه(13). واللُّبْس ذاته يكتنف مقاصد الخطاب، وإن كان موجه أيضًا، يروم مقصدًا معينًّا، مثلما يؤكد الأكاديمي واللساني الفرنسي دومنيك منغينيو (Dominique Maingueneau). ويُعد شكلًا من أشكال فعل الخطاب وفق ما ذهب إليه الفيلسوف اللغوي                                                                                              جون أوستين (John Austin)(14). إنه الفعل الذي لا يكون متجليًا وظاهرًا دائمًا، بل مُضْمَرًا أحيانًا يُستشف من الملفوظات والسياق معًا. هذا ما يحاول الباحث بلوغه في هذه الدراسة.  
- لئن كان المتن/العينة والتحليل لا يغطي كل البحوث التي أُنْجِزت عن الذكاء الاصطناعي والصحافة في البلدان الأجنبية والمنطقة العربية، وما أغزرها، فإنهما يُبرِزان أهم الموضوعات والمؤشرات التي يتضمنها الخطاب الذي تحمله هذه البحوث على الرغم من عدم تجانسه وحتى تعارضه. 
- حاول الباحث في هذه الدراسة، قدر الإمكان، تجنب السقوط في المعضلة التي أشار إليها الباحثان، باتريك شارودو، ودومنيك منغينيو، في صيغة استفهامية: "ألا يؤدي الكشف عن أيديولوجيا النصوص إلى أيديولوجيا الباحث الذي يُحلِّلها؟"(15).

2. الخطاب عن الذكاء الاصطناعي والصحافة

أولًا: النص

يخضع العمل الصحفي، ومن ثم المؤسسة الإعلامية، إلى مناطق (جمع منطق) متفاعلة وحتى متداخلة، وهي: المنطق التقني، والاقتصادي، والإداري أو التسييري، والمهني. وغني عن القول: إن الذكاء الاصطناعي يؤثر على هذا العمل، ويتجلى على المستويات الأربعة المذكورة آنفًا. وسيحاول الباحث استكشاف هذا التأثير في خطابي البحوث الأجنبية والعربية.

جدول (1): تأثير الذكاء الاصطناعي على العمل الصحفي في خطابي البحوث الأجنبية والعربية

خطاب البحوث العربية

خطاب البحوث الأجنبية

1. المنطق التقني

- تقبل الصحافيين للذكاء الاصطناعي في قاعات التحرير.

- الاعتقاد بقدرة التكنولوجيا على تغيير الممارسة الإعلامية.

- الذكاء الاصطناعي يُنْتِج بيئة هجينة تتعايش فيها العُدَّة التقنية مع المجهود البشري؛ مما يثير السؤال عن ارتباط هذه العُدَّة بالقيم وروتين العمل والتجارب السوسيو-ثقافية في قاعات التحرير، وعن مقدرة الصحافيين على التفاعل مع التقنية والحفاظ على قدراتهم الإبداعية في مسار الإنتاج الإعلامي الجديد(16).

- أتمتة الصحافة لها انعكاسات متبادلة: تسليع متزايد للصحافة نتيجة ارتفاع كمية المواد الصحفية المنتجة على أوسع نطاق، وتحسنها المستمر لتضاهي أكثر المنتج البشري، وتخضع تدريجيًّا لنسق معياري يجعلها مقبولة في قاعة التحرير(17).

- إخضاع التقنية لحاجات قاعات التحرير.

2. المنطق الاقتصادي

- الذكاء الاصطناعي يُقلِّل من تكلفة الإنتاج الصحفي.

 

- ارتفاع تكلفة الذكاء الاصطناعي(18).

- إن الصحافيين، والمؤسسات الإعلامية، هم زبائن، ومستهلكو الخوارزميات حسب تصور المختصين والخبراء في المعلوماتية، فإلى أي حد يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يتحرَّر ويُحرِّر قاعات التحرير من تصور تصنيعه ومن إكراهات أسواق الاقتصاد السياسي؟(19).

- يُستخدم التعلم الآلي، باعتباره نوعًا من الذكاء الاصطناعي، لتعزيز النماذج التجارية لوسائل الإعلام وزيادة عوائدها المالية(20). 

- الذكاء الاصطناعي يُقلِّل من كلفة الإنتاج الإعلامي ويرفع من مدخول الوسيلة الإعلامية(21).

- الذكاء الاصطناعي يُعمِّق أزمة وسائل الإعلام التقليدية؛ لأنه يُعزِّز استحواذ المنصات الرقمية، ليست الإخبارية فقط، بل حتى تلك التي تجمع خاصية البحث والحوار، مثل "بيربلكستي" (Perplexity AI)، على أكبر نصيب من الإعلان بعد توجه المستخدم إلى النقر على الروابط الرقمية التي تتضمن محتويات وسائل الإعلام التقليدية التي كانت تجنى منه عائدًا ماليًّا(22).

3. المنطق الإداري والتسييري

- يساعد الذكاء الاصطناعي الصحافيين على تحديد جدول أعمالهم.

- تحليل بيانات الجمهور، وتوجيه الإعلانات، وتحليل بيانات المنافسين(23).

- إدارة المشتركين في المنصات والميديا الاجتماعية.

 

- يساعد الذكاء الاصطناعي الإدارة الإعلامية على تطليق التصور المجرد والعام للجمهور، والقارئ تحديدًا، والاقتراب أكثر من الجمهور في حالته الملموسة؛ إذ يسمح بمتابعة: ما يقرأ، وما يُفضِّل قراءته، والمدة التي يُخصِّصها للقراءة، وأين يقرأ، وكيف يتفاعل مع مادة القراءة، وغيرها من البيانات التي تسمح بتحديد دوافع القراءة وتحليل رغبات القرَّاء(24). وهذا من أجل تقديم محتويات حسب دوافع كل مستخدم ورغباته.  

- استخدام التطبيقات التي تسمح بإدارة الجماعات وغربلة التعليقات على المضامين المنشورة وتعديلها. فالشركات الكبرى، مثل غوغل، على سبيل المثال، تُزوِّد مسيِّري المواقع والمنصات ببرنامج "جيكسو" (Jigsaw) الذي يحجب التعليقات غير اللائقة أو التي تتنافى والسياسة التحريرية للموقع(25).

4. المنطق المهني

- تقنيات الذكاء الاصطناعي أدت إلى تغيير الطرق والأساليب التي كانت تُمَارس بها مهنة الصحافة وصناعتها واستهلاكها.

-المحتوى الصحفي الذي تُنْتِجُه صحافة الروبوت أكثر دقة من المحتوى الذي يُقدِّمه الصحافيون.  

- المحتوى الإعلامي للذكاء الاصطناعي أكثر موضوعية من محتوى الصحافيين.

- أتمتة العمل الصحفي تحظى بثقة الجمهور أكثر من الثقة في منتج الصحافيين.

- تطبيقات الذكاء الاصطناعي تُؤَتْمِت المهام "العادية"، وتُفَرِّغ الصحافي للقيام بالتحليل الصحفي.

- الذكاء الاصطناعي يُساعد الصحافيين على البحث عن المعلومات.  

- تخوف الصحفيين من النتائج السلبية الناتجة عن استخدام الذكاء الاصطناعي في الصحافة، كأن يُلْغِي وظيفة الصحفي، أو على الأقل يؤدي إلى تراجع العنصر البشري في الإنتاج الصحفي، والاكتفاء بأداء أدوار هامشية؛ إذ تقوم تلك التقنيات بالعبء الأكبر في إعداد المحتوى ونشره والتفاعل معه والتعامل مع التغذية الراجعة.

- تعزيز التواصل والتعاون بين الصحفيين.

 

- إدخال الذكاء الاصطناعي في صناعة الإعلام شمل المجالات الآتية: التعلم الآلي، والتعليم الآلي المعمق(26)، الذي تعتبر مرؤئية البيانات، أي تحليل المعطيات المرئية وتأويلها، أحد فروعه، وأتمتة الإنتاج الإعلامي وتوزيعه أو بثه، والتعرف على الصوت، ومعالجة اللغة الطبيعية، والتخطيط والتجويد. لكن البحوث ركزت على ما يُعرَف بالذكاء الاصطناعي الضعيف أو الضيق (Artificial narrow intelligence): أتمتة المهام الروتينية والمتواترة والبسيطة، وتفريغ المقابلات الصحفية، وتجميع البيانات من مصادر مختلفة، والترجمة، وتحرير أعداد رهيبة من المواد في أقل وقت ممكن(27)، خاصة الأخبار عن البورصة، وحالة الأحوال الجوية، ونتائج المقابلات والمنافسات الرياضية دون تدخل الإنسان، وتقديمها عبر الشاشة.

- الاختلاف في تقدير تأثير الذكاء الاصطناعي على ممارسة العمل الصحفي؛ إذ يرى بعض البحوث أن هذا الذكاء يستخلف البشر(28)، بينما يعتقد باحثون آخرون أن عدد العاملين في قطاع الإعلام سيرتفع باستخدام الذكاء الاصطناعي(29).

- الذكاء الاصطناعي التوليدي يُذيب سلطة محترفي العمل الإعلامي، ويُعزِّز تفاعل الجمهور مع الميديا، ويُغير الإنتاج الإعلامي التقليدي مما يطرح مسألة أخلاقيات الإعلام(30).

- ضعف الذكاء الاصطناعي في القيام بالمهام المعقدة التي تتطلب قدرًا من التفكير والإبداع، مثل المقالات الفكرية التي تُعبِّر عن الخط الافتتاحي للوسيلة الإعلامية.

- لا يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يُسائل البيانات وإقامة العلاقات السببية. هذا علاوة على محدودية قدراته على ملاحظة المجتمع والتعبير عن التعاطف، وتوجيه الرأي العام(31).

- الذكاء الاصطناعي يثير خلافًا حول حقوق المُؤَلِّف والحقوق المجاورة(32).

- الذكاء الاصطناعي يفتح المجال لتعددية مصادر الأخبار والمعلومات ويُحرِّر الصحافيين من أعباء العمل الروتيني ليتوجهوا إلى العمل الإبداعي الذي يتطلب كفاءات بشرية(33).   

ثانيًا: سياق الخطاب

ثمة مجموعة من العناصر التي أسهمت في تشكيل سياق الخطاب الأجنبي عن الذكاء الاصطناعي وتداعياته على الصحافة، نذكر منها ما يلي:

- التوريب (uberization)(34): يعتقد البعض أن الميديا الاجتماعية أسهمت في "توريب" الصحافة؛ إذ وفَّر موقع فيسبوك، على سبيل المثال، لوسائل الإعلام خدمة "المقالات الآنية" (Instant Articles) التي تُمكِّنها من إدراج موادها الإعلامية الآنية في الموقع من أجل مضاعفة عدد جمهورها بفضل اقتسام ما تنشره على المستخدمين والمشتركين في الموقع، ومن ثم رفع نصيبها من الإشهار نتيجة النقر على وصلة موقع الوسيلة الإعلامية. لكن توريب الصحافة بدأ قبل ميلاد الميديا الاجتماعية(35)، بل ظهر مع بروز العديد من المؤسسات التي تستكتب الصحافيين المستقلين بالقطعة، وتُجْبِر كل صحافي على كتابة مقال كل ساعة في شتى المواضيع لتضعه تحت تصرف المؤسسات الإعلامية الزبونة. ويتقاضى هذا الصحافي 0.05 دولار على الكلمة في المقال الذي يتضمن 800 كلمة، أي حوالي 40 دولارًا عن المقال. ولرفع أجره لا يسعه سوى مضاعفة إنتاجه، أي اللجوء إلى ترديد البيانات الصحفية والمعلومات المتداولة في الفضاء الافتراضي. فقبل ميلاد شبكة الإنترنت تراوح أجر هذا الصحافي ما بين دولار وثلاثة دولارات(36). لكن كيف يكون وضع هؤلاء الصحافيين؟ وما نوعية منتجاتهم إن استعانوا ببرامج الذكاء الاصطناعي التي تُحرِّر كمية كبيرة من المقالات والأخبار النمطية بالعديد من اللغات في أوجز وقت ممكن؟ وما تداعيات هذه العملية على الصعيدين المهني والأخلاقي؟ وما المعايير التي تُدخِلها على العمل الصحفي، والتي تستدعي إعادة النظر في تعريف ما هو الصحافي؟

- انفصال المحمول عن الحامل: هذا ما حدث في عالم الميديا لأول مرة في التاريخ، فأدى إلى تغيير في أساليب الإنتاج الصحفي لِيَتَكَيَّف مع كل وسائل الإعلام مُجَسِّدًا بذلك ما أصبح يُعرف بــ"عبر الوسائط" (Transmedia). وسيعمل الذكاء الاصطناعي على تلبية متطلبات هذا الانفصال أكثر على صعيدين: الأول: توفير مستلزمات إنتاج هذه المادة بالنهل من المصادر المختلفة والمتنوعة غير التقليدية. والثاني: على مستوى الجمهور؛ إذ يُزوِّد المؤسسة الإعلامية بالبرامج ومحركات البحث التي تسمح لها بمعرفة أدق التفاصيل عن جمهورها، وتقديم المادة الإعلامية والثقافية على مقاس وميل كل فرد منه. 

- إعادة النظر في مشروعية العمل الصحفي: قبل ميلاد شبكة الإنترنت، كانت شرعية الصحافة تُسْتَمَد من عنصرين أساسيين هما: مصداقية الأخبار التي تتحقق بالاعتماد على أكثر من مصدر موثوق، وعدم الاكتفاء بانتقاء الأخبار ونشرها. فأصبحت الصحافة، بعد ظهور الويب، خاصة الويب 2، تستند إلى سرعة نشر الخبر واتساع رقعة انتشاره. فكلما زاد عدد المطلعين عليه ارتفع منسوب مصداقيته. وأضحى نجاح المنتج الصحفي، ومن ثم قيمته، تُقاس بعدد النقرات على رابطه الرقمي. وقد أسهم التنافس المحموم على عدد النقرات في رفع منسوب الأخبار الملفقة. وقد دفع هذا الواقع بالصحافيين والسياسيين والباحثين إلى التحذير من مخاطر الذكاء الاصطناعي على خصوصية الأشخاص ومستقبل الديمقراطية، وتماسك المجتمعات(37). فلا تزال فضيحة "كامبريدج أناليتيكا" (Cambridge Analytica) حية في الأذهان؛ إذ قامت هذه المؤسسة باستغلال 87 مليون حساب سُرِّب من موقع فيسبوك، وتلاعبت بها من أجل توسيع قاعدة ناخبي مرشح الرئاسة الأميركية، دونالد ترامب، في 2016، وكذلك تعزيز صوت الناخبين البريطانيين الداعين إلى الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.

- إصدار دليل للتعامل مع الذكاء الاصطناعي: شرعت المؤسسات الإعلامية الأجنبية منذ 1990 في التحري عن صحة الأخبار والتصريحات التي يُدلي بها المسؤولون عن الشأن العام، وفي مصداقية الإحصائيات التي تتضمنها التقارير بواسطة الصحافيين والروبوتات. وأصدرت دليلًا بشأن كيفية تعامل صحافييها مع مواقع الشبكات الاجتماعية(38)، ومع استخدامها للذكاء الاصطناعي سارعت إلى إصدار لوائح وتعليمات تُرشِد صحافييها لكيفية التعامل مع منتجاته، وتُساعد جمهورها على معرفة الإنتاج الذي اعتمدت فيه على أدوات الذكاء الاصطناعي(39). لا تزال بعض المؤسسات الإعلامية تقاوم دخول عُدَّة الذكاء الاصطناعي في قاعات تحريرها، مثل الصحيفة البريطانية "فايننشال تايمز" (Financial Times) بيد أن بعض جمعيات الصحافيين أضحت تُسمِّي أدوات الذكاء الاصطناعي زملاء العمل، مثل "جمعية الصحافيين الألمان" (DJV)(40) التي تُعَد من أكبر التنظيمات الصحفية في ألمانيا.

إن رصد العناصر المذكورة أعلاه يجب ألا يحجب السياق التاريخي الذي تشكَّلت فيه الصحافة بالمنطقة العربية، والذي يزن بكل ثقله على حاضر ممارستها. ويُساعد هذا السياق، بهذا القدر أو ذاك، في فهم عوائق استخدام الذكاء الاصطناعي في المؤسسات الإعلامية في المنطقة العربية.  

تشكَّلت الصحافة العربية في ظل فلسفة الموالاة أو التجنيد والتعبئة التي تحدَّث عنها الباحث الأميركي، وليام رو (William  Rugh)(41). لذا يُلاحظ الباحث اعتمادها المفرط، في الغالب، على أحادية المصدر الذي يكون عادة رسميًّا. ويَحدُث في بعض الأحيان ألا تعتمد على أي مصدر معلوم؛ مما ينم عن غياب الشفافية في طريقة جمع الأخبار وانتقائها. ولعل هذا الأمر يُفسِّر غياب خدمة التعليقات على المنتج الإعلامي في العديد من مواقع وسائل الإعلام في المنطقة العربية(42). لقد اضطر العديد من الصحف إلى إلغاء التعليقات في مواقعه الرقمية. ولا يعود السبب في ذلك إلى التجاوزات التي تمس بأخلاقيات الإعلام، بل إلى تمسكها، في الغالب، بأحادية الرأي ومصدر الأخبار والمعلومات. وهذا يمثل أحد عوائق استخدام الذكاء الاصطناعي في جل المؤسسات الإعلامية العربية. وما يُعزِّز أكثر هذا الرأي أن المؤسسات الرسمية ووسائل الإعلام في المنطقة العربية استخدمت وتستخدم مواقع الشبكات الاجتماعية ضمن منطق التوزيع: نشر الأخبار والمعلومات والتصريحات وكأنها قناة تليفزيونية أو جريدة، أو محطة إذاعية. بينما تخضع هذه المواقع إلى منطق يروم المشاركة، والتشارك، والتفاعل، وإبداء الرأي وإقامة علاقات. وهذا ما تستهدفه بعض أدوات الذكاء الاصطناعي وبرامجه.

على الرغم من أن بعض المؤسسات الإعلامية العربية -وإن كان عددها قليلًا- تستخدم محركات بحث للتحري عن صحة الأخبار والبيانات التي تنشرها، مثل قناة الجزيرة وموقعها على الإنترنت، إلا أن عملية التأكد من مصداقية الأخبار لم تُشكِّل هاجسًا مركزيًّا مهنيًّا وسياسيًّا لدى العديد من المؤسسات الإعلامية العربية، ولا تُقدِّر قيمتها المؤثرة على ثقة الجمهور فيها. فالأخبار الملفقة في السياق السياسي العربي شكَّلت أداة للرقابة والتحكُّم في المحتوى الإعلامي المتداول، والتأثير على الرأي العام وتضليله والتلاعب به(43). وهذا منذ البيانات الصحفية التي كان أحمد سعيد يُذيعها في الإذاعة المصرية أثناء حرب النكسة، في الخامس من يونيو/حزيران 1967، وتصريحات محمد سعيد الصحاف التي كان يُدلي بها لوسائل الإعلام العراقية والعربية أثناء الغزو الأميركي للعراق في 2003، وصولًا إلى برقيات وكالات الأنباء الجزائرية وأشرطة الأخبار في الإذاعة والصور المفبركة في القنوات التليفزيونية الجزائرية التي كانت تجزم كلها أن الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، يتمتع بصحة جيدة، وأنه قادر على إدارة شؤون الدولة، بينما يدرك الجزائريون أن الرئيس مصاب بجلطة في المخ أقعدته على كرسي متحرك، وأضعفت قدرته على الكلام منذ سنوات عديدة.

وإذا كان المال المحرك الأساسي لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الصحافة الأجنبية، وعائدات الإعلان تحديدًا، فإن توزيعها على وسائل الإعلام المختلفة في البلدان العربية لا يخضع لمتطلبات السوق، ولا لأي اعتبار من الاعتبارات المعمول بها في البلدان الغربية، بل يُمنَح في الغالب وفق الولاءات السياسية والمحسوبية.  

وتؤكد بعض الدراسات الميدانية الأجنبية في البلدان ذات الوضع الأقرب لوضع بعض البلدان العربية أن الميديا ذات المنشأ الرقمي أكثر استخدامًا للذكاء الاصطناعي من وسائل الإعلام التقليدية(44). ويؤكد الواقع العربي أن مواقع وسائل الإعلام العربية في شبكة الإنترنت لم تتحرَّر بعد من مخيال الصحافة الورقية، فظلت تنشر محتوياتها في صيغة المستندات المنقولة "بي دي إف" (PDF)، والكثير منها لا يُحَيِّن محتوياته.

ثالثًا: مقاصد الخطاب 

يكشف تحليل الخطاب العربي والأجنبي عن الذكاء الاصطناعي في الصحافة تقاطع واختلاف مقاصدهما، سواء تمَّ التعبير عنها بشكل صريح أو ضمني، كما هو مُبَيَّن في الجدول رقم (2).

جدول (2): مقاصد الخطاب العربي والأجنبي عن الذكاء الاصطناعي

خطاب البحوث الأجنبية

خطاب البحوث العربية

1. شرح وتوضيح ما هو الذكاء الاصطناعي وتأثيره على الصحافة.

2. يجب طرح الذكاء الاصطناعي في إطار أوسع، يتمثَّل في رقمنة الحياة الاجتماعية والميديا وعبر إعادة تشكيل تاريخ الصحافة في ظل المعلوماتية(45).

3. النأي عن أَسْطَرَة تأثير الذكاء الاصطناعي على الصحافة. إن جوهر الحديث عنه لا يختلف كثيرًا عن المبتكرات السوسيو-تقنية السالفة(46): )شبكة الإنترنت، المدونات الإلكترونية، مدونات الفيديو، الهاتف الذكي، الميديا الاجتماعية، والبودكاست).

4. التأكيد على أن التحولات التي تعيشها قاعات التحرير في عصر الذكاء الاصطناعي ليست وليدة التكنولوجيا فقط.

5. الذكاء الاصطناعي غيَّر براديغم العمل الصحفي ليس على مستوى مُنْتَج المادة الصحفية، ولا مُتَلَقِّيها فحسب، بل على مستوى الأداة التي أصبحت تقوم بدور أساسي.

6. الكشف عن معيارية الاستخدام من خلال بعض التجارب.

7. استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد يتطلب صياغة دليل يُوجِّه الصحافيين في استخدامه وينصحهم، ويُضفي طابع الشفافية على استخدامه لتبصير الجمهور. ويشارك في هذه الصياغة هيئات المجتمع المدني، ونقابات الصحافيين، وأساتذة الجامعة، وجمعيات الصحافيين(47).

8. التحذير من أن الذكاء الاصطناعي يقضي على الابتكار والإبداع(48)؛ لأنه يعيد إنتاج ما هو متوافر في بنوك البيانات ومواقع الإنترنت المختلفة، والميديا الاجتماعية.  

9. العمل على خلق التوازن بين الاستقطاب الذي يُحْدِثه الذكاء الاصطناعي ومتطلبات الخدمة العمومية في الصحافة(49).

10. ملء الفجوة المعرفية والاتصالية بين التكنولوجيين والصحافيين.

11. وجوب الاعتماد على رؤية إستراتيجية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في قاعات التحرير.

12. تطوير البحث في ظاهرة الهجانة التي تجمع الأتمتة، والعمل البشري، وتأثيرها على كمية ونوعية الأخبار(50).

1. تعريف الذكاء الاصطناعي وتأثيره على الصحافة.

2. إبراز رأي الصحافيين ومسؤولي المؤسسات الإعلامية وطلبة الإعلام عن الذكاء الاصطناعي.

3. المطالبة بضرورة تأهيل الصحافيين في مجال الذكاء الاصطناعي.

4. توجيه الاستثمارات المالية في مجال الذكاء الاصطناعي.  

5. ضرورة إصدار قوانين لتأطير استخدام الذكاء الاصطناعي في المؤسسات الإعلامية.

6. التأكيد على نجاح الذكاء الاصطناعي في بعض المؤسسات الإعلامية.

7. الذكاء الاصطناعي غيَّر طريقة العمل الصحفي على مستوى القائم بالاتصال، ومتلقي المادة الإعلامية. 

8. التأكيد على الطابع الأدائي للذكاء الاصطناعي في المؤسسات الإعلامية.

9. التركيز على ما يستطيع الذكاء الاصطناعي القيام به وليس على ما قام به في قاعات التحرير.

3. نتائج الدراسة ومناقشتها

يتسم الخطاب الأجنبي عن الذكاء الاصطناعي في الصحافة بثرائه وتعدُّد دلالاته، ويرتكز على تعريفين على الأقل: الأول وصفي ذو طبيعة تقنية، يُلخِّصه القول: "إنه فرع من المعلوماتية يتمحور حول محاكاة الذكاء البشري الذي انخرط مؤخرًا في التعليم الآلي: تدريب آليات التعلم على معرفة النماذج انطلاقًا من البيانات، وعلى تقديم أحكام بعدية، مع أدنى حدٍّ من التدخل البشري، وحتى بدونه"(51). وقد اشتُق من هذا التعريف مفهوم "الصحافة الحاسوبية" (Computational Journalism) التي يصبح فيها تصميم الخوارزميات الطريقة الجديدة لممارسة الصحافة، فتضطلع بالمسؤوليات الأخلاقية للمهنة وتجسد القيم الصحفية(52). والتعريف الثاني إشكالي-فكري ينص على أن الذكاء الاصطناعي "فكرة، وبنية تحتية، وصناعة، وشكل من ممارسة السلطة، وطريقة من الرؤية أو الأيديولوجيا، وتجلٍّ من تجليات رأسمال الأكثر تنظيمًا (…) إنه كلمتين ترسم فيهما جملة معقدة من التوقعات والرغبات والمخاوف"(53)، بل يذهب هذا الخطاب إلى حدِّ توظيف مضمون الفكرة الصادمة لأستاذة الإعلام في الجامعة الأسترالية والباحثة في شركة مايكروسوفت، كيت كراوفورد (Kate Crawford)، والتي مفادها أن "ما يُسمَّى ذكاء اصطناعيًّا ليس ذكاء أصلًا، وغير اصطناعي. إنه ليس سوى صناعة الحساب المكثف، وصناعة استخراجية تخدم المصالح المهيمِنة. إنه تكنولوجيا السلطة التي تعكس العلاقات الاجتماعية وتُنتِجها، وتُقدِّم فهمًا للعالم"(54).

تتجلى صورة هذا التعريف بوضوح في مجال الصحافة. فأتمتة الإنتاج الصحفي لا تعني البتة أن العُدَّة التقنية تُنتِج المواد الصحفية من العدم، أو أن ما تعرضه من بنات أفكارها. كل ما في الأمر أن الخوارزميات تقوم بالبحث في مختلف المواقع الإخبارية، وبنوك البيانات، ومعطيات مراكز البحث، والجامعات، والموسوعات، والصحف والمجلات، ووكالات الأنباء، وتربط بينها، وتُحلِّلها، وتُمَحِصُّها، وتُعيد تركيبها وصياغتها. وهذا ما دعا الباحثيْن، آن ألومبرت (Anne Alombert)، وجوزيبي لونغو (Giuseppe Longo)، إلى استبدال الأتمتة الرقمية بــ"الذكاء الاصطناعي" لإحداث قطيعة مع الأيديولوجيات الإعلانية(55). فما يُسمَّى، تجاوزًا، ذكاء اصطناعيًّا هو في حقيقة الأمر ذكاء جماعي. إن ذكاء الحشود يسمو على أي ذكاء منفرد ومعزول، ويتفوق عليه، مثلما يشير الفيلسوف بيير ليفي (Pierre Levy)، الذي رأى أن الذكاء الجماعي يأخذ ثلاثة أشكال تتجسد في "الذكاء الاصطناعي"(56).

ويُشكِّل تقييم الخطاب الأجنبي لتأثير الذكاء الاصطناعي على العمل الصحفي موضع خلاف وحتى تناقض؛ إذ يرى بعض البحوث أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يدفع إلى الاستغناء عن البشر، وبعضها الآخر يؤكد عكس ذلك.  ويُعزَى السبب في ذلك إلى عاملين أساسيين على الأقل، مسكوت عنهما، وهما:

أ- أجري العديد من البحوث الأمبريقية في مؤسسات إعلامية في بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والبرازيل؛ فعاينت برامج وأدوات الذكاء الاصطناعي التي تستخدمها، سواء تلك المتاحة مجانًا في شبكة الإنترنت أو تصنعها هي ذاتها، مثل وكالة رويترز، ومؤسسة "بي بي سي" التي تعمل على تجريب نموذجها الخاص للذكاء الاصطناعي انطلاقًا من أرشيفها المكتوب لتعزيز جهود قاعة التحرير. هذا بعد أن عرضت خدمة تحديد مصدر الفيديوهات والصور التي تبثها؛ إذ يستطيع المستخدم أن ينقر على الأيقونة ليتأكد من أصلها. وفي هذا الصدد تقول مديرة "بي بي سي"، ديبورا تورنيس (Deborah Turness): "إن ثقة الجمهور فينا تتحقق بالشفافية، أي عندما لا يكون على علم بما نعرف، فحسب، بل عندما يعلم أيضًا كيف نعرف ما نعرفه"(57).

وشملت البحوث أيضًا المؤسسات التي تشتري برامج الذكاء الاصطناعي من الشركات المختصة الناشئة التي تُصَمِّمها لتلبية حاجياتها المخصوصة، مثلما تفعل وكالة "أسوشيتد برس"، وصحيفة "لوموند"، التي تُعد أول صحيفة فرنسية اشترت تطبيق "سيلابس" (Sylabs)، في 2015، لِنَشْر 36 ألف خبر كُتِب آليًّا عن نتائج الانتخابات في كل بلدية من بلديات فرنسا فور الانتهاء من التصويت.

وقيَّمت هذا الاستخدام بالاعتماد على شهادات الصحافيين ومسؤولي وفنيي هذه المؤسسات الإعلامية، وعلى التقارير التي أعدَّتها مراكز البحث(58). وقد أدت هذه البحوث إلى نتائج مختلفة ومتناقضة، لكن الخطاب الأجنبي لا يخوض في خلفيات هذا التناقض، وكيفية تجنُّبه بعيدًا عن العقل الأداتي.

ب- انطلقت هذه البحوث من براديغم الباحثيْن، ستيوارت راسل (Stuart J. Russell) وبيتر نورفيغ (Peter Norvig)، اللذين قيَّما أداء الذكاء الاصطناعي انطلاقًا من الذكاء البشري(59)، أي قاما بقياسه بالنظر إلى الذكاء البشري؛ فَخَلُصا إلى نتيجتين متعارضتين: إن هذا الذكاء يُحاكي ذكاء البشر، ويتفوق عليه ويتجاوز لا عقلانيته، ومن ثم قد يحلُّ محلَّه في كثير من المهام المعقدة التي قد يعجز عن القيام بها.

ويتسم الخطاب العربي عن الذكاء الاصطناعي بأحاديته، وخُلُوِّه من أي إشكال، وابتعاده عن أي تنظير. لقد تقيَّد بالتعريف التقني البسيط للذكاء الاصطناعي، فهو "علم يهتم بماهية الذكاء الإنساني، ويسعى إلى تحديد أبعاده، ومن ثم محاكاة بعض خواصه، وترجمة العمليات الذهنية إلى عمليات حسابية تزيد من قدرة الآلة على حلِّ المشكلات المعقدة، بناء على الاكتشافات الحديثة في علم الأعصاب والاستعانة بنظريات جديدة لتمثيل المعلومات"(60). كما أن محاولات تعريف الذكاء الاصطناعي إجرائيًّا لم تساعد في تشخيص بُعْدِه الأنطولوجي، مثل هذا التعريف الذي يُحدِّده في: "الأنظمة والبرمجيات الذكية القائمة على محاكاة الملكات العقلية للإنسان باستخدام البرامج الحسابية، لتصبح قادرة على التعلم، والتخطيط والاستنتاج المنطقي والاستدلال، لمعالجة البيانات الضخمة، ونمذجة الفكر والسلوك، واتخاذ القرارات على أساس فهم اللغة المنطوقة، وإنجاز أعمال متطورة"(61).  

هذا الغفول الإجرائي قد يدفع قارئ الكثير من البحوث العربية عن الذكاء الاصطناعي في الصحافة إلى طرح هذا السؤال: ما الأدوات والبرامج والمنصات التي تدرسها بالضبط باستثناء سَبْر آراء الصحافيين حول "صحافة الروبوت"، والتي يُقصد بها إنتاج الأخبار ونشرها آليًّا في هذه المؤسسة الإعلامية أو الموقع الرقمي؟(62) وراء التعميم، وحتى الغموض الذي يكتنف بعض التعريفات، يختفي الفهم الوضعي للذكاء الاصطناعي في الخطاب العربي؛ إذ يعتبر هذا الذكاء بمنزلة معطى تقني يمارس تأثيره المنتظر والمنطقي والموحَّد والمسلَّم به على العمل الصحفي والمؤسسة الإعلامية شأنه في ذلك شأن ولوج الكمبيوتر، ثم الإنترنت، وقاعة التحرير سابقًا، وإن كان تأثير هذا الذكاء أكثر قوة ويُبشِّر بعصر جديد للصحافة. وهذا انطلاقًا من المسكوت عنه، وهو الاقتناع الضمني بالحتمية التكنولوجية التي تُعَظِّم دور التكنولوجيا في تطوير أو " تثوير" العمل الصحفي. ويمكن الإشارة في هذا المقام إلى أن التمسك بهذه الحتمية له نتائج علمية وخيمة. لقد ربط البعض تَوَجَّه الصحافة إلى الالتزام بالموضوعية والدقة في نقل الأحداث بالتكنولوجيا، أي بميلاد التليغراف أثناء الحرب الأهلية الأميركية، في 1862، والذي كان وراء بروز قالب الهرم المعكوس في كتابة الأخبار الصحفية(63). فالمراسل الصحفي أصبح يَعُدُّ كلماته، ويقتصد فيما يُرْسِله عبر هذا الجهاز نظرًا لارتفاع تكلفة الإرسال. وها نحن اليوم نفسر الاستقطاب والتحيز والتضليل بالسبب ذاته: التكنولوجيا، ممثلة في خوارزميات الذكاء الاصطناعي.

يسقط الخطاب العربي عن الذكاء الاصطناعي في جملة من التناقضات، لعل أبرزها يتمثَّل في تأكيد بعض البحوث أن المنتج الإعلامي الذي يُنتجه هذا الذكاء أكثر موضوعية ومصداقية(64)، وبحوث أخرى تصفه بأنه مُضلِّل ومتلاعب(65)  

لتفسير هذا التناقض، يمكن القول: إن الخلل يكمن في أداة البحث أو آليات إنتاج الخطاب العربي. فَجُلُّ البحوث والدراسات العربية لم تقم بتقييم استخدام برامج وأدوات ومنصات الذكاء الاصطناعي في المؤسسات الإعلامية في المنطقة العربية، حتى وإن كان بعضها يزعم ذلك(66)، وكيف لها أن تفعل ذلك وهي تُقِرُّ بعدم وجود تجارب حقيقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في المؤسسات الإعلامية العربية(67)، وترى أن أداء الذكاء الاصطناعي اقتصر بدرجة أساسية على تصحيــح الأخطاء اللغويــة والمهنية بشــكل آلــي(68)، واستخدام الروبوت في كتابة بعض الأخبار وتقديم نشرات الأخبار في الإذاعة والتليفزيون والمواقع الإخبارية!(69). والحقيقة أن محدودية استخدام الذكاء الاصطناعي في قاعات تحرير المؤسسات الإعلامية، واقتصاره على المذيع الافتراضي، والترجمة، والتدقيق اللغوي، والتلخيص، والبحث عن المعلومات، لا يعود إلى ضعف الإمكانيات المادية، والتأهيل التقني للعاملين في قطاع الإعلام فقط، على الرغم من أهميتهما، بل يرجع بدرجة أساسية إلى أن معظم الشركات النشيطة في تطوير النماذج اللغوية الكبرى أميركية، إضافة إلى الشركة الكندية "كوهير" (Cohere)،  والشركة الفرنسية "سيلابس"، وكلها تقريبًا تستخدم اللغة الإنجليزية، والنماذج التي يجري التدريب عليها تصدر بهذه اللغة، ولا تُسهِم اللغة العربية في هذا المجال سوى بنسبة 0.6%(70). هذا علاوة على ضعف الإنتاج العربي الرقمي. فمثلما ذكر الباحث آنفًا فإن الذكاء الاصطناعي لا يُبدِع ولا يبتكر، بل يستخدم المتوافر في شبكة الإنترنت باللغات الأجنبية، والإنجليزية بدرجة أساسية. وهذا يعني ترسيخ التبعية لمصادر الأخبار والمعلومات الأجنبية. وقد ظلت هذه التبعية في نطاق المسكوت عنه، وغير المُفَكَّر فيه.  

إن علَّة الخطاب العربي تكمن، بحسب رأي الباحث، في مستنداته وآليات إنتاجه، أي في التموقع الإبستمولوجي لمنتجيه: الباحثون في موضوع تأثير الذكاء الاصطناعي. فأمام محدودية استخدام الذكاء الاصطناعي في قاعات التحرير الصحفي في المنطقة العربية، وفي ظل غياب الشغف بما أضافته عُدَّة الذكاء الاصطناعي فعلًا للعمل الصحفي، اعتمد منتجو هذا الخطاب على إستراتيجيتين: الأولى: استطلاع آراء الصحافيين وطلبة الإعلام عن الذكاء الاصطناعي، وكأن استخدام عُدَّة الذكاء الاصطناعي اختيار شخصي، ولا علاقة له بإستراتيجية المؤسسة الإعلامية. وقسمت المبحوثين إلى معسكرين: مؤيدي استخدام الذكاء الاصطناعي، وكانت نسبتهم عالية، ومعارضي استخدامه بنسبة متواضعة(71)، وتكميم -من الكم- أسباب التأييد أو المعارضة(72). وهذا يعني أن أداتي الاستبيان والمقابلة المستخدمة في هذه البحوث استندت إلى أسئلة الرأي وليس المعلومة. وهذا خلافًا للبحوث الأجنبية التي قامت على أسئلة المعلومات من أجل تقييم تجربة الصحافيين مع الذكاء الاصطناعي وما يقومون به(73). يمكن أن نستثني في هذا المقام البحث الذي أُنْجِز عن الجزيرة(74) والذي استعان بالمبحوثين لاستعراض تجربة شبكتها في التحري في صحة الأخبار والمعلومات، وتجربة "سند"، بدرجة أساسية، وهي وكالة للتحقق الإخباري تقوم بالرصد، والتحري، والتحليل المعمق للأخبار من أجل التأكد من مصداقيتها وموثوقيتها، واقتراح مصادر أخرى، وتقديم مقترحات لمواد إعلامية، وإنشاء بنك للبيانات وتنظيم الأرشيف. وهناك أيضًا فريق البحث والتطوير الذي يعمل بالتعاون مع قسم المعلوماتية من أجل تطوير الأدوات والبرامج بما فيها ذات الصلة بالتعليم الآلي لمساعدة الصحافيين في التحري عن صحة ما يكتبونه أو ينشرونه من صور وفيديوهات، وفريق الميديا الاجتماعية الذي يقدم ملاحظاته ومقترحاته في هذا المجال فيغربل منشورات هذه الميديا، خاصة تلك التي تملك قيمة إخبارية، علاوة على الاستعانة بالخوارزميات لإدارة متابعيها عبر مختلف منصاتها. 

لقد اتَّكأ "الخطاب" العربي على العديد من النظريات لتفسير ماهية الذكاء الاصطناعي، والكشف عن تبعاته على العمل الصحفي، لعل أبرزها نموذج القبول التكنولوجي (Model Acceptance Technology)، والذي يُفترَض أن ينطلق من المستخدم الفعلي لعُدَّة تكنولوجية محددة، وليس مما اعتمدته جلُّ البحوث في المنطقة العربية؛ أي مما يُفكر فيه عن الذكاء الاصطناعي بناء على ما تناهى إلى سمعه أو قرأه أو تخيله. فلا يمكن الحكم على أداء منصات الذكاء الاصطناعي وبرامجه وأدواته، وتأثيرها على الممارسة الصحفية في المنطقة العربية دون تجريبها واستعمالها.

إذن، الخطاب العربي لا يتحدث عما قامت به عُدَّة الذكاء الاصطناعي، وما يمكن القيام به في السياق التاريخي لتطور المؤسسات الإعلامية والصعوبات التي تواجهها اليوم، بل يركز على ما يمكن أن تقوم به انطلاقًا من التجارب التي خاضتها مؤسسات الإعلام الأجنبية(75). قد يقول قائل: يمكن إدراج الخطاب العربي عن الذكاء الاصطناعي في أفق استشرافي؛ لأن العُدَّة التقنية التي استخدمتها وسائل الإعلام الغربية ستصل إلى قاعات التحرير في المنطقة العربية إن أجلًا أو عاجلًا. إن الأمر مختلف بالنسبة للذكاء الاصطناعي وذلك لارتفاع كلفته. فالبحوث المسحية بيَّنت أنه لا مجال للمقارنة بين تطبيق الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا الشمالية، وفي بلدان الجنوب؛ إذ إن هناك تفاوتًا كبيرًا بين مستوى استخدام هذا الذكاء في صناعة الإعلام في بلدان آسيا وإفريقيا(76). ومن الصعب إسقاط مستوى تطور وسائل الإعلام في أميركا وأوروبا الشمالية على وسائل الإعلام في المنطقة العربية.

خلاصة

تأسيسًا على ما سبق ذكره، يمكن القول: إن الخطاب العربي عن الذكاء الاصطناعي بُنِي على الفهم الوصفي ذي الطبيعة التقنية والجاهز والمستقى من الاتجاه المهيمن في الخطاب الأجنبي. لذا يبدو موحدًا وأكثر تجانسًا. ونجم عن هذا الفهم تقارب في تقدير تأثير هذا الذكاء على قاعات التحرير، الذي بلغ حد الرضا عن مستوى تطبيقه في بعض المؤسسات الإعلامية العربية؛ إذ وُصِف بالناجح جدًّا(77). فلم نعثر في هذا الخطاب على أي رابط بين برامج الذكاء الاصطناعي وأدواته، ووضع الكثير من المؤسسات الإعلامية التي تُعاني من أزمة خانقة، وترهُّل اليد العاملة وتضخمها نتيجة غياب سياسة التوظيف وفق معايير واضحة وحاجات حقيقية، وتبعيتها إلى السلطات التنفيذية وقوى المال، وتراجع ثقة الجمهور فيما تنشره أو تبثه، وغيرها من مظاهر هذه الأزمة. لذا يبدو الخطاب عن الذكاء الاصطناعي في بحوث الإعلام العربية خطابًا "ميتافيزيقيًّا" بالمعنى الكانطي للمفهوم، أي خطابًا يُقارب موضوعه بالتصور المجرد، ولا يُسْتَمد من مظاهر الأزمة التي تتخبط فيها العديد من المؤسسات الإعلامية في المنطقة العربية، ولا من السياق الذي ذُكِر آنفًا. فما القصد من التأكيد أن ما تُنتجه العُدَّة التقنية من أخبار أكثر موضوعية ومصداقية مما يُنتجه البشر، في الوقت الذي تنص فيه كل اللوائح والتعليمات الصادرة عن المؤسسات الصحفية الأجنبية والمنظمات المهنية على ضرورة عدم نشر أو بث ما تُنتجه الآلة من أخبار دون إشراف بشري، وأن رفض المؤسسات الإعلامية، التي ذُكرت سابقًا، استخدام الذكاء الاصطناعي، يعود لعدم ثقتها في دقة الأخبار التي يُنتجها، ولضعف مصداقيتها؟ وما معنى القول: إن أتمتة العمل الصحفي تُريح صحافيي المؤسسات الإعلامية التابعة للقطاع، الذين يعيشون بطالة مقنعة من الأعمال الروتينية والمكررة؟ وما معنى القول: إنهم يتفرغون إلى الإنتاج الإعلامي المعمق، والأكثر دسامة وإبداعًا، بعد أتمتة مراحل الإنتاج الصحفي وتقديمه، في قاعة التحرير التي من النادر جدًّا أن تنجز تحقيقًا صحفيًّا عن قضية من القضايا التي تشغل بال الجمهور، بل تكتفي، في الغالب، بإعادة صياغة برقيات وكالات الأنباء الوطنية والأجنبية، ونقل ما ينشره المسؤولون الرسميون في مواقع الشبكات الاجتماعية دون تقديم معلومات إضافية له أو تحليله لاستجلاء دلالته؟ وماذا تنتظر المؤسسة الإعلامية العربية التي لم تتمكن من تنظيم أرشيفها الداخلي وعجزت عن إنشاء بنك للمعلومات وفق حاجاتها من برامج الذكاء الاصطناعي التي تبحث، وتربط، لاستخراج البيانات مما هو متوافر في شبكة الإنترنت ومراكز البحث والمعلومات؟

إن الخطاب العربي عن الذكاء الاصطناعي يُنشِئ سياقه الخاص المستمد من بحوث الإعلام الأجنبية. وهذا ما يُفسِّر وجود هامش كبير للمؤتلف أكثر من المختلف مع الخطاب الأجنبي عن الذكاء الاصطناعي. والمؤتلف هنا هو ما يفصح عنه الاتجاه المهيمن في الخطاب الأجنبي الذي يتستر على الأيديولوجيا التجارية والإعلانية الامتثالية. 

يتضمن الخطاب الأجنبي عن الذكاء الاصطناعي ومكانته في صناعة الإعلام في العصر الراهن بعدًا نقديًّا، لكنه قليل التأثير على العقل الأداتي المسيطر، الذي يُبرِّر استخدام الذكاء الاصطناعي في قاعات التحرير ويُرافع لصالحه. وهذا لا يدعو إلى الخشية من الانجرار وراء استخدامه دون تأطير قانوني وأخلاقي ومهني فحسب، بل إلى الخوف أيضًا على مستقل الويب ككل، "فيختزله في استخراج البيانات، وتقليص القدرات التعبيرية للبشر في الحسابات المؤتمتة"(78).

ويتسم الخطاب الأجنبي بتنوعه؛ لأنه يتضمن تعددية التعريفات للذكاء الاصطناعي. ويتعايش فيه الفهم الوصفي ذو الطبيعة التقنية، والفهم الإشكالي ذو الطبيعة الفكرية. وقد ترتب عن هذا التنوع اختلاف في تقدير تأثير الذكاء الاصطناعي على العمل الصحفي. فالبعض يعتقد أن المؤسسات الإعلامية تستخدم هذا الذكاء وفق حاجياتها المخصوصة مما يتماشى ووظيفتها ودورها ومسؤولياتها؛ فيضمن لها التمسك بالقيم وأخلاقيات العمل الصحفي. وبعضها يرى أنه لم يحدث في تاريخ الصحافة منذ صدور أول صحيفة، عام 1605، أن وُجِد وراء "حراس البوابة الإعلامية" التقليديون حراس رقميون، تضطلع خوارزميات الذكاء الاصطناعي بدورهم(79). فالخبر الصحفي، الذي يُشكِّل الحجر الأساس لكل الأنواع -الأجناس- الصحفية لا يمنح معناه. فمعناه يكون ثمرة إنتاج مشترك بين الخوارزميات والمتلقي. وقد يتعدد هذا المعنى بتعدد تأويل متلقيه. فـ"الكل يعلم أن الصحافيين يستقون أخبارهم من مصادر تريد أن يكون تأويلها للأحداث مقبولًا، وهذا لا يعني أنه كاذب، بل يُعرَض في سياق يمنح لهم مصداقية ومشروعية، مع تهميش التأويلات البديلة وتجريدها من أي شرعية"(80).

أخيرًا، يمكن أن نطرح هذا السؤال: هل الذكاء الاصطناعي سيدفع إلى تشكيل نموذج جديد من الصحافة أم سيُجدِّد البعض من النماذج التي تعاقبت منذ 1605(81): صحافة النقل في القرن 17، وصحافة الرأي في القرن 19، وصحافة الأخبار في القرن 20، وصحافة الاتصال (1980-1970) والصحافة المدنية (1981-1990)، وصحافة البيانات في القرن 21؟ وغني عن القول: إن بعض هذه النماذج لم يكن لها وجود في الصحافة بالمنطقة العربية لأسباب تاريخية وسياسية وثقافية.

نشرت هذه الدراسة في العدد الخامس من مجلة الجزيرة لدراسات الاتصال والإعلام، للاطلاع على العدد كاملًا (اضغط هنا)

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1) "شات جي بي تي" (ChatGPT) -المحول التوليدي المدرب مسبقًا للدردشة- روبوت الدردشة الذي طوَّرته مؤسسة الذكاء الاصطناعي غير الربحية "أوبن إيه آي" (OpenAI) التي تأسست في 2015 بسان فرنسيسكو. يستطيع هذا الربوت أن يُجري محادثة، ويُلخص النصوص ويُترجمها ويُحرِّرها.

(2) Arnault Pachot, Céline Patissier, Intelligence Artificielle et Protection de l’Environnement: le paradoxe d’une technologie énergivore au service des défis écologiques de demain, (Open Studio, 2022), 32.

(3) يمكن الإشارة إلى أن التحديث الرابع لـ"تشات جي بي تي" تمَّ في مدة لم تزد عن أربعة أشهر فقط.

(4) Jenifer Bitar, "Les 5 dangers de l’IA selon Geoffrey Hinton, un de ses pionniers," le Point, May 2, 2023, "accessed April 1, 2024". https://urlz.fr/rwa1.

(5) Francesco Marconi, Newsmakers: Artificial Intelligence and the Future of Journalism, (New York: Columbia University Press, 2020), ix.

(6) Andrey Miroshnichenko, "AI to Bypass Creativity: Will Robots Replace Journalists? (The Answer Is "Yes")," Information, Vol. 9, No. 7, (July 23, 2018): 183.

(7) انظر من باب التوضيح:

- آلاء عزمي المصري، "اتجاه دارسي الإعلام في صعيد مصر نحو استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بالعمل الإعلامي"، مجلة البحوث الإعلامية (جامعة الأزهر، كلية الإعلام بالقاهرة، مصر، المجلد، 4، العدد 59، أكتوبر/تشرين الأول 2022)، ص 2184-2246.

- فتحي إبراهيم إسماعيل، "اتجاهات الصحفيين نحو استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير المحتوى الصحفي بالصحف والمواقع المصرية: دراسة ميدانية لمواقع المصري اليوم، مصراوي، القاهرة 24"، المجلة المصرية لبحوث الرأي العام (جامعة القاهرة، كلية الإعلام، مركز بحوث الرأي العام، مصر، المجلد 21، العدد 4، ديسمبر/كانون الأول 2022)، ص 31-86.

(8) أسماء أحمد علام، "الاتجاهات الحديثة في بحوث ودراسات استخدامات الذكاء الاصطناعي في الصحافة"، مجلة الإعلام والدراسات البينية (جامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والآداب، كلية الإعلام، مصر، العدد 1، 2022)، ص 155-203.

(9) Lois Tyson, Critical   Theory Today: A User-Friendly Guide, (London: Routledge, Taylor & Francis Group, 2006), 285.

(10) حسن مصدق، النظرية النقدية التواصلية: يورغن هابرماس ومدرسة فرانكفورت، (المغرب، المركز الثقافي العربي، 2005)، ص 76.

(11) Entretien avec Patrick Charaudeau, "Le discours doit être analysé en rapport avec les dispositifs de mise en scène," Mots, les langages du politique, No. 111, (2016): 131-146.

(12)  نجد هذا المنظور للخطاب لدى الباحث فرانك كوبي (Franck Cobby) في دراسته عن أبعاد الخطاب ومكوناته وعلاقته بالسياق: نقلًا عن:

Marie Berthin et al., Analyse du discours sectaire, (Mémoire de Master 2, Institut de Management et de Communication Interculturels, Paris, 2021), 1-96.

(13) Raphaël Micheli, "Contexte et contextualisation en analyse du discours: regard sur les travaux de T. Van Dijk," Semen, Vol. 21, (2006), "accessed April 2, 2024". http://semen.revues.org/document1971.html.

(14) Dominique Maingueneau, Analyser les textes de communication, (Paris: Armand Colin, 2016), 48.

(15) Patrick Charaudeau, Dominique Maingueneau, Dictionnaire d’Analyse du Discours, (Paris: du Seuil, 2002), 44.

(16) Andreas Graefe et al., "Readers’ perception of computer-generated news: Credibility, expertise, and readability," Journalism, Vol. 19, No. 5, (2016): 595–610.

(17) Aljosha Karim Schapals, Colin Porlezza, "Assistance or Resistance? Evaluating the Intersection of Automated Journalism and Journalistic Role Conception," Media and Communication, Vol. 8, Issue. 3, (2020): 16–26.

(18) Mathias-Felipe de-Lima-Santos, Wilson Ceron, "Artificial Intelligence in News Media: Current Perceptions and Future Outlook," Journalism and Media, Vol. 3, (2022): 13–26.

(19) Graefe et al., "Readers’ perception of computer-generated news,": 595–610.

(20) de-Lima-Santos, Ceron, "Artificial Intelligence in News Media,": 13–26.

(21) Graefe et al., "Readers’ perception of computer-generated news,": 595–610.

(22) لجأت بعض الدول، مثل كندا، إلى إصدار قانون، في 22 يونيو/حزيران 2023، يلزم المنصات الرقمية بدفع مقابل مالي جرَّاء تملُّكها للمحتوى الذي تنشره وسائل الإعلام التقليدية، والذي من المفروض أن يجلب لها عائدًا ماليًّا من الإعلان. ويهدف هذا القانون إلى حماية وسائل الإعلام التقليدية التي تُعاني من أزمة مالية غير مسبوقة؛ إذ يحاول إنقاذها؛ لأنها تُعد مرفقًا عموميًّا وأداة لترسيخ الديمقراطية.

(23) محمد طلال مساوى، "رؤية مستقبلية: دور إستراتيجيات الاتصالية في صناعة المحتوى في ضوء تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي"، المجلة المصرية لبحوث الإعلام (جامعة القاهرة، كلية الإعلام، مصر، العدد 78، مارس/آذار 2022)، ص 659-721.

(24) Miroshnichenko, "AI to Bypass Creativity,": 183.

(25) de-Lima-Santos, Ceron, "Artificial Intelligence in News Media,": 13–26.

(26) يُعرِّف كي-فو-لي (Kai-Fu-Lee) هذا النمط من التعلم بالقول: إنه عبارة عن جملة من الخوارزميات التي تستخدم كميات ضخمة من البيانات التي تمَّ تجميعها عن موضوع معين أو في مجال ما، من أجل اتخاذ أفضل القرارات بالنظر إلى الهدف المرجو. وتبلغ إلى ذلك بالتدريب على معرفة الأنماط المدفونة بعمق، وكذا الارتباطات بين العديد من القيم والسؤال المطروح. للاستزادة، انظر:

Pachot, Patissier, Intelligence Artificielle et Protection de l’Environnement, 21.

(27) تمكن برنامج "ووردسمث" (Wordsmith)، الذي استُخدم في تحرير الأخبار، من نشر مليار ونصف المليار من الأخبار في العام 2016. وهذا العدد يقترب من عدد الأخبار التي نشرها الصحافيون أو يزيد عنها. للاستزادة، انظر:

Miroshnichenko, "AI to Bypass Creativity,": 183.

(28) Ibid, 183.

(29) انظر:

Seth C. Lewis, "Artificial Intelligence and Journalism," Journalism & Mass Communication Quarterly, Vol. 93, No. 3, (2019): 673-695.

(30) Yi Shi, Lin Sun, "How Generative AI is Transforming Journalism: Development, Application and Ethics," Journalism and Media, Vol. 5, No. 2, (2024): 582-594.

(31) Andreas Graefe et al., "Readers’ perception of computer-generated news: Credibility, expertise, and readability," Journalism, Vol. 19, No. 5, (2018): 595-610.

(32) إذا كان بعض الباحثين ينظرون إلى مسألة حقوق المُؤَلِّف في ظل ولوج الذكاء الاصطناعي عالم الصحافة من زاوية أخلاقية: استحواذ الآلة على المجهود البشري، وتجريد البشر من حقوقهم الأدبية قبل المادية، مثل الباحثين: ماك دوز (Mark Deuze)، شارلي بيكيت (Charlie Beckett)، فإن آخرين، مثل جيف جارفيس (Jeff Jarvis)، يرون أن الأمر يختلف في الولايات المتحدة؛ إذ إن قانون 1790 لم يغط الصحف والمجلات، بل اقتصر على الكتب والرسوم والخرائط لحماية المستثمرين أكثر من الصحافيين المبدعين. انظر:

- Mark Deuze, Charlie Beckett, "Imagination, Algorithms and News: Developing AI Literacy for Journalism," Digital Journalism, Vol. 10, No. 10, (2022): 1913-1918.

- Jeff Jarvis, "The new pyramid of discovery," buzzmachine, June, 2024, "accessed April 2, 2024". https://rb.gy/y58z4j.

(33) Aljosha K. Schapals, Colin Porlezza, "Assistance or Resistance? Evaluating the Intersection of Automated Journalism and Journalistic Role Conceptions," Media and Communication, Vol. 8, No. 3, (2020): 16–26.

(34) يستخدم مصطلح "التوريب" نسبة إلى الشركة الأميركية (Uber) التي قضت على الوسيط بين الزبون ومؤدي الخدمة بفضل التطبيق الرقمي الذي يُتيح التواصل والاتفاق بينهما. بدأت هذه الشركة نشاطها في التنقل بالسيارات ووصلت أخيرًا إلى العمل الصحفي. وبهذا أعادت النظر في المسار الاقتصادي التقليدي للعديد من القطاعات.

(35) خصصت صحيفة "لوموند دبلوماتيك"، في عددها الصادر في يوليو/تموز 2024، تحقيقًا لهذه الشركات والإشكاليات التي تطرحها على العمل الصحفي. للاستزادة، انظر:

Vincent Bresson, " Nouvelles figures d’une profession: On ubérise bien les journalistes," Le monde Diplomatique, (Juillet 2024): 22-23.

(36) Meredith Broussard et al., "Artificial Intelligence and Journalism," Journalism & Mass Communication Quarterly, Vol. 96, No. 3, (July 21, 2019): 673-695.

(37) انظر على سبيل المثال:

- Sophia Cheng, "When Journalism Meets AI: Risk or Opportunity, Digital Government," Digital Government: Research and Practice, June 1, 2024, "accessed June 10, 2024". https://rb.gy/47b6hm.

- Florent Parmentier, Virginie Tournay, "ChatGPT: un outil des guerres cognitives de demain, March 17, 2023, "accessed June 10, 2024". https://rb.gy/c7ra94.

(38) انظر على سبيل المثال إلى دليل وكالة الأنباء الفرنسية:

"Guide de Participation: Des Journalistes AFP aux Reseaux Sociaux," afp, July 17, 2013, "accessed June 10, 2024". https://rb.gy/gb8fu1.

ودليل إذاعة فرنسا الدولية:

"Guide des bonnes pratiques pour l’usage des réseaux sociaux par les salariés de Radio France," radiofrance, June 15, 2021, "accessed June 10, 2024". https://rb.gy/4ck7jj.

(39) تُعد رويترز للأنباء أول وكالة أنباء عالمية شرعت في استخدام "تشات جي بي تي" لكتابة برقيات أخبارها. وأكدت، في مايو/أيار 2023، أن كل صحافييها شركاء فيما يُحرِّره هذا البرنامج، ومسؤولون عنه. وتشير بكل شفافية إلى الأخبار التي حرَّرتها الآلة أو المقاطع التي استعان بها صحافيوها في إعداد موادهم الصحفية. وهذا ما قامت به وكالة الأنباء الهولندية (ANP)، وطبَّقه العديد من الصحف، مثل الصحيفة السويدية "أفتون بلادت" (Aftonbladet)، و"فيردينس غانغ" النرويغية (Verdens Gang)، والصحيفة الفرنسية "لو باريزيان" (Le Parisien)، والصحيفة الرقمية السويسرية "هايدي نيوز" (Heidi.news)، والصحيفة الشعبية في هولندا "فولكسكرانت" (Volkskrant). بينما تؤكد الصحيفة البريطانية "الغارديان" (the Guardian) أنها لا تستعين بالذكاء الاصطناعي إلا في الحالات التي تتطلب ذلك مع لزوم موافقة صريحة من رئيس التحرير. للاستزادة، انظر: 

Hannes Cools, "Towards Guidelines for Guidelines on the Use of Generative AI in Newsrooms," generative-ai-newsroom, July 10, 2023, "accessed June 10, 2024". https://urlz.fr/rCQF.

(40) Ibid.

(41) نصر الدين لعياضي، "أزمة الصحافة العربية وعسر التحول في البيئة الرقمية"، مجلة الجزيرة لدراسات الاتصال والإعلام (مركز الجزيرة للدراسات، قطر، العدد 1، يناير/كانون الأول 2023)، ص 14- 66.

(42) المرجع السابق، ص 14-66.

(43) Ahmed El Gody, "Using Artificial Intelligence in the al Jazeera Newsroom to Combat Fake News," Al Jazeera Media Institute, (2021), "accessed June 10, 2024". https://tinyurl.com/m8ha8xk8.

(44) يُذْكَر أن نسبة برامج الذكاء الاصطناعي في الميديا ذات المنشأ الرقمي في البرازيل، على سبيل المثال، بلغت 48%، مقابل 28% في وسائل الإعلام التقليدية. للاستزادة، انظر:

Moisés Costa Pinto, Suzana Oliveira Barbosa, "Artificial Intelligence (AI) in Brazilian Digital Journalism: Historical Context and Innovative Processes," Journalism and Media, Vol. 5, No. 1, (March 12, 2024): 325–341.

(45) انظر:

Broussard et al., "Artificial Intelligence and Journalism,": 673-695.

(46) Ibid.

(47) للاستزادة، انظر:

Shi, Sun, "How Generative AI is Transforming Journalism,": 582-594.

(48) للاستزادة، انظر:

Miroshnichenko, "AI to Bypass Creativity,": 183.

(49) للاستزادة، انظر:

Mark Hansen et al., "Artificial Intelligence, Practice and Implications for Journalism," Tow Center for Digital Journalism, September 2017, "accessed June 10, 2024". https://tinyurl.com/mrtcmhcv.

(50) انظر:

Lewis, "Artificial Intelligence and Journalism,": 673-695.

(51) Broussard et al., "Artificial Intelligence and Journalism,": 673-695.

(52) Nicholas Diakopoulos, Automating the News: How Algorithms are Rewriting the Media, (Harvard University Press, 2019), 28.

(53) Kate Crawford, Atlas of AI: Power, Politics, and the Planetary Costs of Artificial Intelligence, (Yale University Press, 2021), 18-19.

(54) Ibid, 8.

(55) يُبرِّر الباحثان، آن ألومبرت (Anne Alombert)، وجوزيبي لونغو (Giuseppe Longo)، دعوتهما إلى استبدال الأتمتة الرقمية بــ"الذكاء الاصطناعي" بالقول: "على الرغم من كفاءة هذه الخوارزميات إلا أنها لا تُبدِع ولا تخترع. فهي ليست ذكية؛ لأن الذكاء لا يقتصر على القدرة على الحساب ومعالجة البيانات". انظر:

Anne Alombert, Giuseppe Longo, "Il n’y a pas d’ "intelligence artificielle": parlons d’automates numériques pour rompre avec les idéologies publicitaires!," l’humanité, July 11, 2023. "accessed June 10, 2024". https://urlz.fr/rHkv

(56) يُبيِّن بيير ليفي (Pierre Lévy) الأشكال الثلاثة للذكاء الجماعي: أولًا: ذكاء إحصائي قابل للعد، يُفترض أن أصحابه لا يتواصلون بين بعضهم البعض؛ إذ إن أفكارهم ومعلوماتهم تتقارب واختياراتهم وتنبؤاتهم تنتشر على أوسع نطاق فتغطي على الأخطاء والتحيزات الفردية، كما هو الشأن في استطلاع الرأي والانتخابات. ثانيًا: الذكاء الجماعي التداولي، والذي يستند إلى التواصل بين أصحابه؛ فيتبادلون المعلومات ووجهات النظر إزاء قضية معينة من أجل التوافق والإجماع، مثلما يُلاحظ في مشاريع الكتابة الجماعية، مثل موسوعة ويكبيديا. ثالثًا: ذكاء التنسيق الوصمي أو الستيغميرجيا (Stigmergy)، الذي يستند إلى نمط من التواصل غير المباشر بين أصحابه، في بيئة تتشكَّل وتُضبط ذاتيًّا؛ إذ إن الأشخاص يتواصلون مع بعضهم البعض من خلال تغيير بيئتهم.

Pierre Lévy, "Intelligence collective, intelligence artificielle et partage du savoir," pierrelevyblog, May 12, 2023, "accessed June 10, 2024". https://urlz.fr/rGW1.

(57) "New technology to show why images and video are genuine launches on BBC News," BBC, March 4, 2024, "accessed June 10, 2024". https://tinyurl.com/45xm5br5.

(58) انظر هذه التقارير:

- Nicholas Diakopoulos et al., "Generative AI in Journalism: The Evolution of Newswork and Ethics in a Generative Information Ecosystem," The Associated Press, (2024), "accessed June 10, 2024". https://urlz.fr/rGUC

- Mark Hansen et al., "Artificial Intelligence, Practice and Implications for Journalism," Tow Center for Digital Journalism, September 2017, "accessed June 10, 2024". https://tinyurl.com/mrtcmhcv.

- Charlie Beckett, "New powers, new responsibilities: A global survey of journalism and artificial intelligence," London School of Economics and Political Science, November 18, 2019, "accessed June 10, 2024". https://tinyurl.com/bdctyzha.                                          …; - Charlie Beckett, Mira Yaseen, "Generating Change: A global survey of what news organizations are doing with artificial Intelligence," Journalism AI, Polis Journalism at LSE, The London School of Economics and Political Science, July 26, 2023, "accessed June 10, 2024". https://tinyurl.com/476bdj2x.

- David Caswell, "AI and journalism: What's next," reutersinstitute, September 19, 2023, "accessed June 10, 2024". https://tinyurl.com/964uutf9.

(59) Miroshnichenko, "AI to Bypass Creativity,": 183.

(60) المصري، "اتجاه دارسي الإعلام في صعيد مصر نحو استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بالعمل الإعلامي"، مرجع سابق، ص 2184-2246.

(61) عيسى عبد الباقي علي، أحمد عادل محمد، "اتجاهات الصحافيين والقيادات نحو توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي داخل غرف الأخبار بالمؤسسات الصحفية المصرية: دراسة تطبيقية"، المجلة المصرية لبحوث الرأي العام (جامعة القاهرة، كلية الإعلام، مركز بحوث الرأي العام، مصر، المجلد 19، العدد 1، 2020)، ص 1-66. 

(62) انظر:

محمد جمال بدوي، "آليات تطبيق وإنتاج صحافة الروبوت في مصر في ضوء استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي: دراسة حالة موقع القاهرة 24 الإخباري، المجلة المصرية لبحوث الإعلام (جامعة القاهرة، كلية الإعلام، العدد 75، يونيو/حزيران 2021)، ص 47-120.

(63) Hugo de Burgh, Investigative Journalism, Context and Practice, (London: Routledge, 2000), 41.

(64) انظر: بدوي، "آليات تطبيق وإنتاج صحافة الروبوت في مصر في ضوء استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي"، مرجع سابق، ص 47-120.

(65) المصري، "اتجاه دارسي الإعلام في صعيد مصر نحو استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بالعمل الإعلامي"، مرجع سابق، ص 2184-2246.

(66) انظر: أحمد بن علي الزهراني، "تبني الصحفيين العرب لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في المؤسسات الإعلامية"، المجلة الجزائرية لبحوث الإعلام والرأي العام (جامعة عمار ثليجي، كلية العلوم الإنسانية والعلوم الإسلامية والحضارة، الجزائر، المجلد 5، العدد 1، يونيو/حزيران 2022)، ص 15–39.

(67) علام، "الاتجاهات الحديثة في بحوث ودراسات استخدامات الذكاء الاصطناعي في الصحافة"، مرجع سابق، ص 155-203.

(68) انظر على سبيل المثال:

أيمن محمد بريك، "اتجاهات القائمين بالاتصال نحو استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في المؤسسات الصحفية المصرية والسعودية: دراسة ميدانية في إطار النظرية الموحدة لقبول واستخدام التكنولوجيا (UTAUT)، مجلة البحوث الإعلامية (جامعة الأزهر، كلية الإعلام بالقاهرة، مصر، العدد 52، الجزء 2، يناير/كانون الثاني 2020)، ص 447-526.

(69) أخذ الروبوت أسماء مختلفة: (فريد) في قناة رؤيا الأردنية، و(فضة) في صحيفة "الكويت نيوز"، و(نورا) في برنامج "هاشتاج" على قناة الجزيرة مباشر، و(سالم) في شبكة أبو ظبي للإعلام. وذهبت بعض المؤسسات خطوات أبعد من الاستعانة بالمذيع الافتراضي. فوكالة المغرب للأنباء على سبيل المثال، تستعمل برامج الذكاء الاصطناعي المتاحة في شبكة الإنترنت لإنجاز بعض المهام: التدقيق اللغوي، وتجويد الصياغة، والترجمة، وتحويل الملف السمعي إلى نص مكتوب، والعكس، وإدارة التعليقات على المنشورات وتعديلها. انظر:

Hassen Hassoun, "Appropriations de l’IA dans le journalisme au Maroc, etat des lieux," Revue Economie et société, Vol. 3, No. 2, (Avril/Juin 2024): 18-30.

(70) مناف زيتون، "كيف يتحدث غير الناطقين بالإنجليزية مع تشات جي بي تي"؟ حبر، 18 يونيو/حزيران 2024، (تاريخ الدخول: 20 يونيو/حزيران 2024)، https://urlz.fr/rwiX.

(71) بعض الباحثين يصنف مؤيدي ومعارضي استخدام الذكاء الاصطناعي إلى متفائلين ومتشائمين. للاستزادة، انظر:

بريك، "اتجاهات القائمين بالاتصال نحو استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في المؤسسات الصحفية المصرية والسعودية"، مرجع سابق، ص 447-526.

(72) انظر مثلًا:

عمرو محمد عبد الحميد، "تقبل طلبة الإعلام في مصر والإمارات لتطبيقات الذكاء الاصطناعي وتأثيرها على مستقبلهم الوظيفي: دراسة في إطار نموذج قبول التكنولوجيا"، المجلة المصرية لبحوث الرأي العام (جامعة القاهرة، كلية الإعلام، مركز بحوث الرأي العام، المجلد 19، العدد 2، 2020)، ص 341-409.

(73) يمكن أن نذكر على سبيل المثال البحث الذي أُجري في إسبانيا. لقد قدم عرضًا عن الشركات والمؤسسات الإسبانية العاملة على تطوير الذكاء الاصطناعي للتطبيق في العمل الصحفي، مع إبراز الوظائف والخدمات التي يمكن أن يؤديها عبر مراحل الإنتاج الصحفي وتوزيعه، وأجرى مقابلات معمقة مع 45 مسؤولًا عن عملية التطوير لهذا الذكاء، وأنجز استبيانًا تضمَّن المحاور الآتية: عرض خصوصية المؤسسات الصحفية، والعُدَّة التكنولوجيا المستخدمة، والخدمات المخصوصة الموظفة في العمل الصحفي، ومستقبل الذكاء الاصطناعي في المؤسسات الصحفية المدروسة. للاستزادة، انظر:

Pilar Sánchez-García et al., Spanish technological development of artificial intelligence applied to journalism: companies and tools for documentation, production and distribution of information," Profesional de la información, Vol. 32, No. 2, (March 2023), "accessed June 20, 2024". https://rb.gy/odjtg6.

(74) انظر:

Ahmed El Gody, "Using Artificial Intelligence in the al Jazeera Newsroom to Combat Fake News," Al Jazeera Media Institute, (2021), "accessed June 10, 2024". https://tinyurl.com/m8ha8xk8.

(75) انظر على سبيل المثال:

غادة موسى صقر، "تأثير البيئة الرقمية والذكاء الاصطناعي على الصحافة الإلكترونية في مصر: مقاربة نظرية"، المجلة العربية لبحوث الإعلام والاتصال (جامعة الأهرام الكندية، مصر، العدد 35، 2021)، ص368-396.

(76) de-Lima-Santos, Ceron, "Artificial Intelligence in News Media,": 13–26.

(77) انظر:

- بدوي، "آليات تطبيق وإنتاج صحافة الروبوت في مصر في ضوء استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي"، مرجع سابق، ص 47-120.

- إسماعيل، "اتجاهات الصحفيين نحو استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير المحتوى الصحفي بالصحف والمواقع المصرية"، مرجع سابق، ص 31-86.

(78) Anne Alombert, "ChatGPT: derrière le mythe de l'intelligence artificielle, les dangers des automates computationnels, 27 Mars 2023, "accessed June 10, 2024". https://urlz.fr/rHQn.

(79) Jeff Jarvis, "The new Pyramid of Discovery," buzzmachine, June, 2024, "accessed April 2, 2024". https://rb.gy/y58z4j.

(80) Carole Fleming, "Journalism and new technology," in Hugo de Burgh, Investigative journalism, context and practice, 169.

(81) نصر الدين لعياضي، أزمة، فوضى، نهاية أو نشأة مستأنفة؟: محاولة لفهم التحولات التي تعيشها الصحافة وتأويلها، مجلة سمات (جامعة البحرين، كلية العلوم الاجتماعية والانسانية، المجلد 4، العدد 1، 2016)، ص 160-172.