احتمالات ضئيلة: المشاركة الأميركية في الهجوم على إيران

16 يونيو 2025
حاجة إسرائيلية للشبح بي 2 الأمريكية (رويترز)

الهجوم الإسرائيلي على إيران الذي بدأ في 13 يونيو/حزيران 2025، يشتمل على دوافع قد تجعل الولايات المتحدة تشارك في الحرب مشاركة كاملة ومكشوفة، سواء كانت للدفاع عن إسرائيل أو للهجوم على إيران، لكن تشتمل أيضًا على كوابح قد تعطل ذلك. ما يرجح أحدهما على الآخر، هو ترابط عوامل بعضها ظاهر مثل الإصرار الأميركي على رفض المشاركة في الحرب وبعضها لا يزال قيد التشكل حسب مجريات الحرب مثل حادث عرضي كاستهداف قوات أميركية عن طريق الخطأ. وإن كان المرجح بين الأمرين هو تمسك الولايات المتحدة برفض المشاركة المباشرة في الهجوم على إيران، وإن كانت تمدهم علنًا بالسلاح والعتاد وخفية بالمعلومات الاستخباراتية والتوجيه بالأقمار الصناعية، وكذلك بدعم إسرائيل في التصدي للهجمات الإيرانية.

رفض الانخراط

أكدت الإدارة الأميركية أنها لا تشارك في الحرب الإسرائيلية على إيران، فصرَّح وزير الخارجية، ماركو روبيو، في 13 يونيو/حزيران، بأن إسرائيل اتخذت إجراءات ضد إيران من جانب واحد، لسنا متورطين فيها، وأولويتنا القصوى هي حماية الأرواح الأميركية، في إشارة إلى القوات الأميركية المتواجدة في قواعد بدول مجاورة لإيران مثل العراق. لكن الإدارة الأميركية سعيدة في نفس الوقت بهذه الهجمات الإسرائيلية، فوصفها الرئيس، دونالد ترامب، بأنها ممتازة، وأشار إلى المزيد القادم إذا لم تقبل إيران بالشروط الأميركية في المفاوضات على المشروع النووي. وقد كان أشار كذلك إلى إبلاغ إسرائيل له بموعد هجومها، وكشف تقرير لفايننشيال تايمز أن ترامب نفسه شارك في عملية الخداع بالتصريح عدة مرات بأنه طلب من نتنياهو الامتناع عن شنِّ هجوم عسكري على إيران، ثم كان قد صرح بأنه يأمل نجاح المفاوضات بين الوفد الأميركي والإيراني المقررة يوم الأحد 15 يونيو/حزيران في عُمان، بينما وقع الهجوم الإسرائيلي قبل ذلك، في 13 يونيو/حزيران، وصرح ترامب بأنه كان عارفًا به. أوقع ذلك القيادة الإيرانية في خطأ جسيم، فلقد حسبت أن الهجوم الإسرائيلي لن يقع ما دامت المفاوضات مع الأميركيين جارية، ورجحوا أن الهجوم الإسرائيلي قد يقع الاثنين، 16 يونيو/حزيران، إذا فشلت جولة المفاوضات، فلم يأخذوا احتياطاتهم كاملة، فنجحت إسرائيل في أول الهجوم في اغتيال غالبية القادة العسكريين الإيرانيين خلال لقائهم في اجتماع بمكان غير حصين.

ذلك يكشف عن الموقف الأميركي المعقد الذي يوازن بين الرغبة في القضاء على المشروع النووي الإيراني لكنه يحذر في ذات الوقت خوض حرب مباشرة مع إيران ستعرض حياة قواته بالمنطقة للخطر، وتضرب قواعده العسكرية المتواجدة فيها، وقد يقع مجددًا في مستنقع شبيه بالمستنقع العراقي أو الأفغاني يستنزف موارد الولايات المتحدة، ويؤلِّب الرأي العام الأميركي عليه لأنه حنث بوعد إنهاء الحروب الأميركية العبثية بالخارج، وقد حصل على ثقة غالبية الأميركيين بقطعه عهود بسط السلام في العالم وإنهاء الحروب.

الإيعاز الإسرائيلي

من عوامل دفع الولايات المتحدة للانخراط المباشر في الهجوم على إيران: رغبة القيادة الإسرائيلية في ذلك، خصوصًا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي حرص على تصوير الهجوم الإسرائيلي على إيران بأنه نيابة عن كل القوى الغربية التي تعد إيران تهديدًا لها، ودعا الرئيس الأميركي ترامب إلى المشاركة في العمليات الهجومية. يستند موقف نتنياهو هذا على اعتبارين: تحميل الولايات المتحدة عبء الحرب لتتخفف منه إسرائيل، ثانيًا: يعلم نتنياهو أن إسرائيل لا تمتلك القدرات العسكرية للقضاء التام على المشروع النووي الإيراني. تستطيع القوات الجوية الإسرائيلية ضرب المنشآت النووية الموجود فوق الأرض، كمنشأة نطنز ومركز أصفهان للتكنولوجيا النووية، لكنها لا تستطيع الوصول إلى منشأة فوردو الموجودة تحت الأرض بنحو 80-100 متر داخل جبل، ولا تستطيع حاليًّا الوصول إليها إلا الولايات المتحدة لأنها تتفرد بامتلاك طائرات بي 2 التي تستطيع حمل قنبلة جي بي يو 57 الخارقة للتحصينات، علمًا بأنه ليس مؤكدًا أن هذه القاذفات نفسها قادرة على التخريب الكامل لمنشأة فوردو لأن مدى اختراق قنابل جي بي يو هو نحو 60 مترًا، وهو أقل من مدى تواجد غرف التخصيب، ولعل أقصى ما تستطيع هذه القنابل هو هدم الأنفاق أو منافذ التهوية.

قد يستعين نتنياهو بمواليه في واشنطن للضغط على ترامب للمشاركة في الهجوم على إيران لكن إدارة ترامب تصر حاليًّا على النأي عن المشاركة في الهجوم، وقد أظهرت سابقًا حرصًا على إبعاد الموالين لنتنياهو من دوائر صنَّاع القرار في إدارة ترامب، فلقد أقال ترامب مستشار الأمن القومي السابق، مايكل والتز، لأنه كان ينسق مع إسرائيل في الهجوم على إيران دون علم إدارته، وأقال أيضًا عضوين آخرين في مجلس الأمن القومي منحازين للأجندة ألإسرائيلية في ضرب إيران، وكذلك يعارض نائب الرئيس، جي دي فانس، التورط في الحروب، كما اتضح في تسريبات سيغنال معارضته لقرار ضرب الحوثيين.

نمط الافتراق

من المنظور التاريخي، لم يسبق أن اشتركت الولايات المتحدة وإسرائيل في خوض حرب على عدو مشترك حتى في أحلك أوقات إسرائيل، مثل حرب 1973، لما تعرضت إسرائيل في بداية الحرب لهزيمة عسكرية، وحرصت الولايات المتحدة على أن يكون دعمها غير مباشر، كالإمدادات في العتاد والأسلحة، والمعلومات الاستخباراتية، والدعم المالي والتقني، والمشاركة في صدِّ الهجمات على إسرائيل. واستمرت الولايات المتحدة على هذا النمط حتى في الحرب على تنظيم الدولة في دول مجاورة لإسرائيل مثل سوريا، حتى لا تقضي المشاركة الإسرائيلية على التحالفات الإقليمية التي شكَّلتها الولايات المتحدة لقتال تنظيم الدولة، لأن الدول العربية المشاركة في هذه التحالفات ستنسحب كي لا تشارك في القتال بجنب القوات الإسرائيلية.

ستنطبق هذه الحسابات على الوضع الحالي، فإذا شاركت الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل في الهجوم على إيران، ستعرِّض قواتها في الدول العربية المجاورة لإيران للرد الإيراني، فتتعرض هذه الدول العربية للهجمات الإيرانية، فإذا ردَّت هذه الدول العربية على الهجمات الإيرانية تبدو أنها شريكة في تحالف إسرائيلي/أميركي للحرب على بلد مسلم، وهذا يضر بشرعية القيادات العربية المشارك، لأنها تبدو شريكة في حرب إسرائيلية وليس في الدفاع عن أراضيها.

وضعيات غير قتالية

لم تشرع الولايات المتحدة في اتخاذ إجراءات تشير إلى مشاركتها في الهجوم المباشر على إيران، فلم تحشد القوات اللازمة بالمنطقة، والقطع البحرية، والمضادات الجوية الكافية لحماية قواتها وقواعدها، ولم تُعِدْ توزيع قواتها في المنطقة، أو إعادتهم إلى بلدهم حتى يكونوا في مأمن. كذلك يحتاج هذا القرار إلى موافقة الكونغرس الأميركي، وتماسك الإدارة الأميركية الحالية الموزعة بين الصقور كوزير الدفاع، روبيو، الذي يميل إلى الحرب ونائب الرئيس، جي دي فانس، الذي يميل إلى تفاديها، وقد تتصدع الإدارة إذا قرر ترامب خوض الحرب، لأن بعض أعضائها قد يحسبون أن هذا القرار فاقد للشعبية، وسيضر بفرص نجاحهم ونجاح حزبهم الجمهوري في الانتخابات القادمة.

موقف سائل

يترجح من كل ذلك امتناع إدارة ترامب عن المشاركة في الهجوم على إيران، والاكتفاء بالدعم غير المباشر، والمشاركة في صد الهجمات على إسرائيل، وقد برزت مؤشرات هذا الاتجاه في تصريحات ترامب عن إمكانية توسط الرئيس الروسي، بوتين، بين إيران وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق بوقف القتال، وتكراره رغبة الولايات المتحدة في مواصلة المفاوضات مع إيران حول المشروع النووي، وتصريحه بالرغبة في خفض التصعيد بين إسرائيل وإيران.

قد تكون هذه الدعوات إلى خفض التصعيد ناتجة عن إيقاع إيران أضرارًا كبيرة بإسرائيل في الأيام الأولى للحرب، وخشية الولايات المتحدة من قدرة إيران إيقاع أضرار أكبر بإسرائيل قد توقف وظائفها الرئيسية مثل شبكة الاتصالات والنقل والكهرباء والبنوك والتعليم، وقد يرتفع عدد القتلى الإسرائيليين إلى معدلات غير مسبوقة تاريخيًّا قياسًا بعدد السكان، وهو معدل تستطيع إيران تحمله لأن عدد سكانها يتجاوز 92 مليونًا مقارنة بعدد السكان الإسرائيليين الذي يبلغ 10 ملايين.

لكن قد يميل الموقف الأميركي للمشاركة في الحرب، إذا ساءت وضعية إسرائيل ولم تعد قادرة على كبح الهجمات الإيرانية، فقد تلوِّح باستعمال النووي حتى تحافظ على بقائها، فتتدخل الولايات المتحدة لوقف الضربات الإيرانية حتى تتخلى إسرائيل عن الخيار النووي. وقد تتدخل الولايات المتحدة إذا بدت إيران ضعيفة غير قادرة على توجيه ضربات مؤلمة توقع خسائر كبيرة، فتستنتج الولايات المتحدة أن إيران غير قادرة على إيقاع أضرار كبيرة بقواتها في المنطقة، فتنجذب إلى خيار المشاركة في الهجوم على إيران للقضاء التام على المشروع النووي الإيراني.

قد تشارك الولايات المتحدة في الحرب أيضًا إذا وقع هجوم عرضي غير مقصود على قواتها بالمنطقة وأوقع قتلى، قد تعده الإدارة الأميركية إهانة تستوجب الرد بالمثل، لكن هذا الافتراض بعيد جدًّا لأن إيران حريصة على تفادي المواجهة مع الولايات المتحدة حتى تنفرد بإسرائيل.

يوجد كذلك احتمال اتخاذ ترامب قرارًا مفاجئًا بالمشاركة في الهجوم على إيران لأن طبيعته متقلبة، تتأرجح بين قرارات متعارضة جدًّا، كما بيَّن في قرارات التعريفات الجمركية، فيعلن رفع نسبتها ثم يعلن عن إعادتها إلى سابق عهدها، حسب التداعيات الناتجة. لكن هذا الاحتمال مستبعد جدًّا لأن تحضيرات تنفيذه معقدة جدًّا، وتشمل نقل القوات إلى المنطقة، وتكون سابقة عن الإعلان عنه، وقد تثير هذه الإجراءات معارضة شديدة في المؤسسات الأميركية ترغم ترامب على العدول عن هذه التدابير قبل الشروع فيها.

نبذة عن الكاتب