نجحت الوساطة القطرية في تحقيق وقف هذه الحرب لكن دون تسوية كاملة لأسبابها؛ ما يرجح استئنافها مجددًا في فترات قادمة.

سيقرأ مؤرخو الشرق الأوسط انخراط الولايات المتحدة في الحرب الإسرائيلية على إيران باعتباره إحدى المفارقات الأبرز في سياق حرب الاثني عشر يومًا. فبالمشاركة المباشرة في غمار الحرب، كان الأميركيون في الحقيقة يمهدون الطريق نحو وقف إطلاق النار. التحقت الولايات المتحدة بالحرب على إيران، فجر 22 يونيو/حزيران 2025، بضربات استهدفت ثلاثة مواقع رئيسة من البرنامج النووي الإيراني: نطنز، وأصفهان، وفوردو. قصفت المنشآت في نطنز وأصفهان بالصواريخ، أما موقع فوردو المحصن والأكثر صعوبة، فقد أسقطت عليه طائرات بي2 قنابل ثقيلة، مخصصة لاختراق التحصينات، تعد حكرًا على الجيش الأميركي.
عُدَّت الثورة الإسلامية الإيرانية، في 1979، في أحد أبعادها الرئيسة، ثورة ضد النفوذ الأميركي المتجذر في إيران الشاه منذ أوائل الخمسينات؛ وأدت بالفعل إلى انقلاب العلاقة بين البلدين إلى حالة من الخصومة والعداء المديدين. ولكن، وعلى الرغم من أن البلدين خاضا أكثر من مواجهة غير مباشرة في الإقليم، أو حروب بين الوكلاء، فهذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها الولايات المتحدة بتنفيذ عمل عسكري عدائي في عمق الأرض الإيرانية.
والمشكلة في هذا الهجوم الأميركي على إيران أنه لم يكن وليد تهديد حقيقي أو ملموس للمصالح الأميركية أو الأمن القومي الأميركي. تحدث الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وعدد من المسؤولين الغربيين الأوروبيين منذ بدء الحرب الإسرائيلية على إيران عن الخطر الذي يمثله المشروع النووي الإيراني على أمن العالم (بمعنى، العالم الغربي)، ولكنهم جميعًا يعرفون أن ليس ثمة ما يؤكد تحرك إيران نحو إنتاج سلاح نووي، أو أن إيران، حتى إن أصبح لديها القدرة على إنتاج القنبلة النووية، قد استطاعت تطوير وسائل إيصالها والتحكم فيها.
التدخل الأميركي في سياق الحرب هو في جوهره تعبير عن الالتزام الأميركي بعيد المدى بأمن إسرائيل وتفوقها الإستراتيجي في الشرق الأوسط، ومحاولة لتعويض عجز إسرائيل عن تدمير المنشآت النووية الإيرانية المحصنة. وهذا ما فهمه كبار تيار "اجعل أميركا قوية مرة أخرى"، الذي يمثل قاعدة الرئيس ترامب الشعبية، ويعارض في أغلبه تورطًا أميركيًّا جديدًا في الشرق الأوسط، سواء لحماية إسرائيل أو غيرها.
في مساء اليوم التالي، 23 يونيو/حزيران، ردَّ الإيرانيون على الضربة الأميركية بقصف قاعدة العديد الأميركية في الجارة العربية/الإسلامية، قطر. ولكن قصف العديد كان في حقيقته خطوة رمزية؛ نظرًا لأن القاعدة أُخليت كلية قبل ما يزيد عن أسبوع على قصفها؛ الأمر الذي كان الإيرانيون يعرفونه.
نجحت الدفاعات القطرية في اعتراض معظم الصواريخ الإيرانية ما عدا واحدًا منها فقط، سقط في منطقة غير مأهولة. بذلك، استطاعت القيادة الإيرانية الحفاظ على الكرامة الوطنية، وأوفت بوعدها لشعبها بالرد على الهجوم الأميركي، وفتحت الباب لاتفاق وقف النار في الوقت نفسه. والأرجح أن مباحثات وقف النار، التي أدارتها كل من الولايات المتحدة وقطر، كانت قد بدأت قبل ساعات من القصف الإيراني لقاعدة العديد. والأرجح، أيضًا، أن هذه المباحثات ما كان لها أن تبدأ بدون رغبة طرفي الحرب الأساسيين بوقف النار.
أطلق نتنياهو حربه بهدف تقويض المشروع النووي الإيراني، خلال الاثني عشر يومًا من القصف المتبادل، نفَّذ سلاح الجو الإسرائيلي آلاف الغارات على أهداف إيرانية مختلفة. في المقابل، نجحت إيران في إطلاق عدة مئات من الصواريخ، نجح ثلثها على الأقل في إصابة أهداف إسرائيلية. ولكن، وبمجرد الاتفاق على وقف إطلاق النار، أعلنت إيران النصر، وأكدت على أنها فرضت على إسرائيل التوقف عن العدوان، بينما أكدت إسرائيل أنها نجحت بالفعل، وبمساعدة أميركية، في تحقيق أهدافها الأساسية من الحرب.
فكيف يمكن قراءة هذه الحرب، التي لا تشبه أية حرب أخرى سابقة في الشرق الأوسط؟ لماذا توقفت على هذا التوازن بين الأطراف؟ وهل وضع اتفاق وقف النار نهاية فعلية للحرب، أو مجرد نهاية لمعركة واحدة فقط من حرب قد تستمر بصورة أخرى؟
حرب عن بعد
بدأت إسرائيل الحرب على إيران، فجر 13 يونيو/حزيران 2025 بسلسلة من الهجمات، استهدفت قيادات الصف الأول من الجيش الإيراني والحرس الثوري، إضافة إلى مواقع السيطرة والتحكم في العاصمة طهران، ومواقع للدفاع الجوي في وسط وغرب البلاد. وما لبثت إيران أن ردَّت في مساء اليوم نفسه بإطلاق عشرات من الصواريخ على عدد من المواقع الإسرائيلية ذات الطابع الإستراتيجي.
خلال الأيام الثمانية التالية التي سبقت الانخراط الأميركي، أصبحت الحرب أقرب إلى التبادل الروتيني للقصف. استخدم الإسرائيليون في هجماتهم عشرات من الطائرات المقاتلة وعددًا كبيرًا من الطائرات المسيرة، بينما ردَّ الإيرانيون بإطلاق صواريخ مختلفة الأحجام والكفاءة. ولكن، وفي حين حافظ الإسرائيليون على قوة النيران التي حملتها هجماتهم، فقد لوحظ قدر من التراجع التدريجي في قوة النيران التي وظفتها إيران، ربما لنجاح الإسرائيليين في تدمير جزء من مواقع إطلاق ومنصات الصواريخ الإيرانية، أو لأن القيادة الإيرانية خططت لخوض حرب طويلة. لتعويض التراجع في قوة النيران، لجأ الإيرانيون، منذ 22 يونيو/حزيران، إلى استخدام صواريخ متعددة الرؤوس، وإن بأعداد قليلة.
من جانب آخر، قد تكون إسرائيل نجحت في تدمير أو تحييد الدفاعات الجوية الإيرانية المتقدمة بصورة كاملة تقريبًا، خصوصًا في وسط ونصف إيران الغربي؛ مما وفر للطائرات الإسرائيلية فضاء مفتوحًا نسبيًّا، وحرية كافية لاختيار الأهداف التي خططوا لقصفها. في المقابل، تراجعت أيضًا كفاءة أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية في التصدي للصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية المهاجمة.
كان باستطاعة الإسرائيليين في أيام الحرب الأولى التصدي لما يزيد عن ثمانين بالمئة من الصواريخ ومعظم الطائرات المسيرة، ولكن هذا المستوى من الدفاع تراجع بصورة تدريجية، بحيث استطاع الإيرانيون، فجر 23 يونيو/حزيران، إيصال خمسين بالمئة من الصواريخ المطلقة إلى أهدافها. وهنا أيضًا يصعب تحديد أسباب هذا التراجع في كفاءة الدفاع الجوي الإسرائيلي، وما إن كان يعود إلى تحسن الأداء التكتيكي الإيراني أو إلى انخفاض مستوى أنظمة الدفاع الجوي المتاحة.
أعلن الإسرائيليون في يوم الحرب الأول أن الهدف الرئيس من الحرب هو تدمير البرنامج النووي الإيراني، الذي يشكِّل خطرًا وجوديًّا على دولة إسرائيل. وقال الإسرائيليون إن قرار الحرب اتُّخِذ لإدراكهم أن المفاوضات الأميركية-الإيرانية، التي كانت لم تزل جارية، لم تكن تسير باتجاه تجريد إيران من مقدراتها النووية، وأن إيران كانت تقترب بصورة متسارعة من امتلاك السلاح النووي. وعلى الرغم من أن الإسرائيليين لم يتحدثوا صراحة عن إسقاط النظام الإيراني، إلا أن نتنياهو لم يُخْفِ أمله بأن تفضي الحرب إلى إضعاف النظام، وأن يشجع إضعاف النظام قوى المعارضة إلى التحرك لإسقاطه.
كما أن الإدارة الأميركية حددت هدف الضربة التي تعهدتها لإيران بتدمير المنشآت النووية الرئيسية الثلاث، وقال المسؤولون الأميركيون صراحة إنهم لا يعملون على إسقاط النظام وإنهم يأملون عودة إيران إلى المفاوضات، وإنهم وجهوا تهديدات صريحة بمزيد من الضربات إن لجأت إيران إلى الرد. ولكن، وفي مساء 22 يونيو/حزيران، نشر الرئيس الأميركي على منصة تروث (الحقيقة) رسالة قال فيها إنه ما لم يعمل القادة الإيرانيون على النهوض بإيران "عظيمة مرة أخرى" فيجب ألا يُستبعد العمل على إسقاط النظام. والواضح، أن الرسالة، التي صيغت بصورة غامضة، قُصِد بها التهديد أكثر مما أوحت بوجود مخطط قابل للتنفيذ فعلًا.
حصيلة متباينة
ليس ثمة شك في أن الضربات الإسرائيلية، إلى جانب الضربة الأميركية الوحيدة، أوقعت خسائر فادحة في إيران. نجحت إسرائيل خلال أسبوع الحرب الأول في تصفية قادة الصف الأول للجيش والحرس الثوري، وعدد من العلماء الإيرانيين العاملين، أو من عملوا مسبقًا، في البرنامج النووي. ولكن الإيرانيين سرعان ما اتخذوا الحيطة الضرورية؛ مما أدى إلى تراجع ملموس في قدرة الإسرائيليين على اغتيال القادة العسكريين والعلماء. إضافة إلى ذلك، استهدفت إسرائيل مقار قيادية للجيش والحرس الثوري والبحرية الإيرانية، ومعسكرات، ومصانع للسلاح والصواريخ والطائرات المسيرة، ومواقع دفاع جوي، ومراكز تخزين وإطلاق الصواريخ. كما استهدفت المنشآت النووية في أصفهان ونطنز وأراك؛ وبينما يبدو أنها نجحت في تدمير الأخير كلية، ليس من الواضح ما إن كانت حققت أي مستوى من النجاح في المنشآت الأخرى، التي تُرِك عبء تدميرها للأميركيين. ولكن ثمة خلاف حول نتائج الضربة الأميركية؛ ما يرجِّح، أن موقعي نطنز وأصفهان قد دُمِّرا بصورة كبيرة؛ أما فوردو، الذي اعترف الإسرائيليون منذ بدء الحرب بصعوبة التعامل معه، فليس من الواضح ما إن كان الأميركيون قد دمروه فعلًا، كما يقول وزير الدفاع والرئيس الأميركيان، أو أنه لم يصب سوى بعطب جزئي، كما يقول الإيرانيون.
وربما تعود الأسباب خلف الإنجازات الإسرائيلية إلى النجاح، منذ أكثر من عقدين، في تجنيد وتنظيم شبكات من العملاء في كافة أنحاء إيران. لم يقم هؤلاء العملاء بتزويد إسرائيل بالمعلومات الضرورية حول المواقع وطبيعتها، وحول البشر، فقط، ولكن أيضًا بتنفيذ عمليات فعلية باستخدام الصواريخ وعشرات الطائرات المسيرة، التي خُزِّنت في أماكن مختلفة داخل إيران. كما نجحت إسرائيل، باستخدام وسائل مراقبة مختلفة وبالاعتماد على العملاء وبالتعاون مع وكالات الاستخبارات الغربية، في رسم خارطة دقيقة إلى حدٍّ كبير، وإن لم تكن شاملة، لمختلف المواقع العسكرية والنووية الإيرانية. أما السبب الثالث خلف الإنجازات الإسرائيلية فيعود إلى التفوق الهائل لسلاح الجو الإسرائيلي.
ولكن المؤكد أن ما حققته إيران من ردها على الهجمات الإسرائيلية، وإن كان أقل بكثير مما أُوقع بها من خسائر، لم يكن بدون أثر ملموس. أحد أبرز الأسباب خلف صعوبة تقدير مدى نجاح وفعالية الرد الإيراني هو التكتم الإسرائيلي البالغ حول طبيعة الأهداف التي استهدفتها الصواريخ الإيرانية، حتى عندما اعترف الإسرائيليون بفشلهم في التصدي لعدد معين من هذه الصواريخ. كما يبدو أن الإيرانيين يفتقدون القدرة على المتابعة والرقابة التي تؤهلهم لتقدير مدى دقة هجماتهم ونجاح هذه الهجمات. استطاعت إيران، مثلًا، إيقاع دمار بالغ بمعهد وايزمان، فخر مجال البحث العلمي في إسرائيل منذ عقود، وبمعهد الأبحاث البيولوجية. كما استطاعت إيقاف مصفاة حيفا عن العمل، وإصابة مطار بن غوريون بما يقارب الشلل الكامل.
في أكثر من مدينة، كما في تل أبيب وحيفا وبئر السبع، نُشرت لقطات مصورة لدمار بالغ في أبنية ومربعات سكنية، ليس من الواضح ما إن كانت مواقع قيادة عسكرية أو مراكز استخبارات، كما يقول الإيرانيون. ولكن، وبينما يبدو من المتيقن أن إيران لم تستهدف مفاعل ديمونا بعد، فإن من الصعب التحقق مما إن كانت إيران قد نجحت في إصابة وتدمير معسكرات للجيش الإسرائيلي أو لسلاح الطيران. أما على المستوى الاقتصادي، فالواضح أن عجلة العمل والإنتاج الإسرائيلية قد تأثرت إلى حدٍّ كبير؛ كما شهدت إسرائيل نزوحًا ملموسًا من كافة الأعمار إلى خارج البلاد، سواء باستخدام النقل البحري، أو عبور الحدود إلى مدن سيناء المصرية، ومنها إلى دول العالم الأخرى.
بيد أن السؤال الرئيس في هذه الحرب لم يعد في المقارنة بين خسائر وإنجازات طرفيها، بل في محاولة استطلاع النهاية التي يبدو أنها انتهت إليها، ومعنى هذه النهاية.
أفق ملغوم
بَنَت إسرائيل حربها على إيران على ثلاث فرضيات: أنها ستنجح في إيقاع عطب بالغ في البرنامج النووي الإيراني، سواء على مستوى المنشآت والمعامل أو الكادر العلمي، وستؤخره لعدة سنوات على الأقل؛ وأنها ستوقع دمارًا واسعًا في مقدرات إيران الصاروخية والطائرات بدون طيار، سواء على مستوى المخزون أو مستوى مراكز التصنيع؛ وأنها ستُضعف النظام إلى الدرجة التي يفقد فيها السيطرة على الشعب والأرض، مما سيسمح بدفع البلاد إلى الفوضى ويفتح الباب لقوى المعارضة في الداخل والخارج.
ما حدث أن إسرائيل أخفقت، جزئيًّا أو كليًّا، في تحويل كافة الفرضيات الثلاث إلى واقع ملموس.
قد تكون الضربات الإسرائيلية والأميركية قد أوقعت أضرارًا كبيرًا في أربع من المنشآت الإيرانية الرئيسة: نطنز، وأصفهان، وفوردو، وأراك. ولكن الصحيح، أيضًا، أن الإيرانيين نشروا برنامجهم النووي على عشرات النقاط والمعامل، بما في ذلك مراكز البحث الأكاديمية، وأن عدد العاملين في المشروع، الذي بدأ منذ 1981، تجاوز المئات من العلماء. ربما نجم عن الضربات الإسرائيلية خسائر باهظة بالمعنى الاقتصادي والتقني، وربما ستؤدي هذه الضربات إلى قدر من تباطؤ المشروع النووي، ولكن إيقافه كلية لم يزل هدفًا بعيد المنال. إضافة إلى ذلك، فالأرجح أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب إلى 60 بالمئة لم يزل آمنًا، ولم تَطُلْه أي من الضربات الأميركية والإسرائيلية.
وما ينطبق على البرنامج النووي، ينطبق كذلك على مقدرات إيران من سلاح الصواريخ والطائرات الموجهة. فعلى الرغم من الاستهداف الإسرائيلي واسع النطاق لمراكز التصنيع والتخزين والإطلاق الإيرانية، فالواضح أن مخزون إيران من الصواريخ والطائرات وقدرتها على إطلاقها لم تزل كبيرة.
أما هدف إضعاف النظام أو إسقاطه فكان من البداية نوعًا من المبالغات. فبغضِّ النظر عن حجم قاعدة النظام الشعبية، ومدى رضى الشعب الإيراني عن نظامه، فالمؤكد أن قبضة النظام على الشعب والأرض بلغت مستوى من الإحكام لم تعرفه إيران الحديثة منذ أوائل القرن العشرين. وليس هناك، لا داخل البلاد ولا خارجها، معارضة تتمتع بأي مستوى من القدرة التي تمكِّنها من تحدي النظام وسيطرته.
في الجانب الآخر، أقامت إيران حسابات أمنها، واستبعاد احتمال قيام إسرائيل بتعهد هجوم سافر وواسع النطاق، على أساس فعالية الردع الذاتي والإقليمي. حسبت إيران أن قوتها الصاروخية، من جهة، والقوى الإقليمية الحليفة، من جهة أخرى، كفيلة بأن تردع إسرائيل وتمنعها من التفكير في خوض حرب شاملة على أرضها ومقدراتها. ولكن الواضح أن إيران أخطأت الحساب؛ أولًا: لأن إسرائيل كانت قد نجحت في تجنيد المئات، وربما الآلاف، من العملاء، الذي مهدوا للحرب وقدموا الدعم الضروري لها، سواء في مجال المعرفة والمعلومات، أو المشاركة في العمليات. كما أن إسرائيل نجحت، وإن جزئيًّا، في التصدي لنسبة كبيرة من الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية. أما فيما يتعلق بحلفاء إيران الإقليميين، فقد عملت إسرائيل على إضعاف بعضهم، وعلى ردع بعضهم الآخر.
ما يعنيه هذا كله أنه على الرغم من الإنجازات الإسرائيلية الملموسة، وعلى الرغم من النجاحات الإيرانية الأقل نسبيًّا، فالمؤكد أن الطرفين ذهبا إلى وقف النار قبل أن تصل المواجهة إلى نهاية حاسمة. تم التوصل إلى وقف للنار طبقًا لتفاهم شفوي، وليس معاهدة مكتوبة لمعالجة الأسباب الأساسية التي أدت إلى اندلاع نيران الحرب. وليس من الواضح ما إن كان ثمة اتفاق على استئناف المفاوضات الأميركية-الإيرانية، وإن كان هناك استئناف للتفاوض، فعلى ماذا ستجري المفاوضات؟
إن عادت إيران إلى قاعة المفاوضات وقد أعلنت رفضًا قاطعًا لتسليم الأربعمئة كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بدرجة عالية، ورفضت التخلي عن التخصيب كلية داخل إيران والقبول بأن يجري تخصيب حاجتها من اليورانيوم خارج البلاد (وهما شرطا المقترح الأميركي)، سيعود النزاع حول البرنامج النووي الإيراني إلى المربع الأول.
ولذا، يبدو وقف إطلاق النار أقرب إلى نهاية معركة منه إلى نهاية حرب، وأن كلا الطرفين سيعود مباشرة بعد دفن الضحايا وإحصاء الخسائر إلى مراجعة حساباته، ومحاولة التعامل مع قصور الأدوات التي وظفها خلال أيام الحرب؛ وربما حتى إلى استئناف الحرب بوسائل أخرى، غير الطائرات والصواريخ.