
أعلن الرئيس الإيفواري، الحسن واتارا، ترشحه مجددًا لولاية رئاسية رابعة وذلك في 29 يوليو/تموز 2025، بعد أن رشحه حزبه "تجمع أنصار هوفويت من أجل الديمقراطية والسلام" (RHDP) الذي شكَّل تحالفًا انتخابيًّا، سنة 2005، يجمع الأحزاب والشخصيات التي تستلهم إرث الرئيس الإيفواري الراحل، فيليكس هوفويت بوانيي، قبل أن يتحول، سنة 2018، إلى حزب سياسي موحَّد بقيادة الرئيس الحالي، الحسن واتارا. وكان هذا الحزب قد رشَّح رسميًّا في مؤتمره الأخير، في يونيو/حزيران 2025، رئيسه، واتارا.
وفي هذا السياق السياسي المشحون، تم استبعاد مرشحين من المعارضة يُنظر إليهم على أنهم من "الوزن الثقيل"، مثل: لوران غباغبو، وتيجان تيام، وغيوم سورو، وشارل وبلي غوديه، وقد استبعدهم القضاء الإيفواري من المشاركة في استحقاق أكتوبر/تشرين الأول 2025، مصدرًا أحكامًا قضائية في حقهم.
في السابق تم شطب أبرز مرشحي المعارضة، الرئيس السابق، لوران غباغبو، من القوائم الانتخابية، في عام 2020، نتيجة إدانة قضائية مرتبطة بقضايا اقتصادية، وهي القضية المعروفة بـ"سطو البنك المركزي لدول غرب إفريقيا"، ورغم حصوله على عفو، فإنه لم يُمنح عفوًا شاملًا؛ مما يعني أن إدانته لا تزال مثبتة في سجله العدلي، وهذا يجعله غير مؤهل للترشح. لذلك قامت اللجنة المستقلة للانتخابات باستبعاده من القائمة الانتخابية الخاصة بالانتخابات الرئاسية، في أكتوبر/تشرين الأول 2025. ويُعد إقصاء غباغبو ضربة قوية لحزبه، حركة الأجيال القادرة (MGC) ، نظرًا لغياب بديل مقنع يمكن أن يظهر من داخل هذا الحزب.
أما السياسي تيجان تيام، وهو الرئيس السابق للحزب الديمقراطي لكوت ديفوار/ التجمع الديمقراطي الإفريقي (PDCI-RDA) ، فقد تخلَّى عن جنسيته الفرنسية، في 2025، في محاولة منه ليصبح مؤهلًا للترشح، غير أن القضاء الإيفواري عَدَّه قد فقد جنسيته الإيفوارية قانونيًّا عند حصوله على الجنسية الفرنسية، وهو ما أدى إلى شطب اسمه من القوائم الانتخابية.
أما رئيس الوزراء الأسبق، غيوم سورو، فكان قد حُكم عليه بالسجن 20 سنة غيابيًّا، إضافة إلى الحرمان من حقوقه المدنية والسياسية، وهو ما يمنعه من التصويت أو الترشح لأي انتخابات، وبناءً على ذلك، تم استبعاده من القائمة الانتخابية للانتخابات الرئاسية، في 2025.
والمعارض الرابع والأخير، شارل بلي غوديه، يتهمه القضاء الإيفواري بارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال أزمة ما بعد الانتخابات 2010–2011، وقد تم اعتقاله ثم تبرئته من قبل المحكمة الجنائية الدولية في 2019، لكنه حُكِم في كوت ديفوار بالسجن 20 عامًا، وهو ما يجعله في نظر اللجنة المستقلة للانتخابات الإيفوارية مستبعدًا من القائمة الانتخابية لعام 2025.
وقد أثارت هذه الاستبعادات انتقادات واسعة من جانب المعارضة التي ترى فيها توظيفًا للعدالة بهدف تحييد أبرز الخصوم السياسيين، وخلق موازين قوى غير متكافئة.
المظاهرات وحراك الشارع
ما إن أبعد القضاء الإيفواري أبرز المعارضين من لوائح الترشح لاستحقاقات أكتوبر/تشرين الأول 2025 حتى بدأ حراك في شوارع العاصمة الاقتصادية أبيدجان. وكانت الجبهة المشتركة للمعارضة قد أعلنت، في 4 يوليو/تموز 2025، عن تنظيم مسيرة سلمية كبرى، كان موعدها المبدئي قد حُدِّد بـ2 أغسطس/آب، ليعلن محافظ مدينة أبيدجان إلغاءها في البداية، ثم تم الترخيص لها رسميًّا بعد تأجيلها أسبوعًا فحدد لها التاسع من نفس الشهر، مع تغيير مسارها لتقتصر على شوارع حي يوبوغون (Yopougon)، لضبطها أمنيًّا، وحي يوبوغون هو أحد أكبر وأهم البلديات والمناطق الإدارية الواقعة في الجانب الغربي من أبيدجان، ويُعرف محليًّا أيضًا باسم "يوبي".
وقد أكدت التقارير الإعلامية أن مسيرة المعارضة تم تنظيمها بمشاركة كبيرة وصفتها عدة وسائل إعلامية بأنها الآلاف من المتظاهرين. وقد رفعت فيها شعارات تدعو لعودة قادة المعارضة إلى السباق الرئاسي، ونقض الأحكام القضائية التي قضت بإبعادهم من الاستحقاق، وشعارات تعلن رفض ترشح الرئيس واتارا لولاية رابعة.
وما إن انتهت مسيرة المعارضة حتى أعلنت النيابة العامة الإيفوارية عن إجراءات قضائية وأمنية من شأنها إمكانية وجود ملاحقات أو اعتقالات مرتبطة بالمسيرة، مشيرة إلى احتمال وجود ملاحقات، وهو ما يدل على أن المسار القضائي ما زال مفتوحًا. كما أعلنت الصحافة الموالية للحكومة تأكيدها على شرعية قرارات القضاء واللجنة الانتخابية، وعلى ضرورة حفظ النظام العام، مع التحذير من المعلومات المضللة وأي محاولة لإثارة الفوضى.
والملاحظ أن مسيرة المعارضة الإيفوارية كانت حاشدة ومنضبطة، وقد أعادت إلى الواجهة مطلب انتخابات رئاسية جامعة، بينما ركزت الصحافة الموالية على الأمن والشرعية القانونية، وترك الادعاء العام الباب مفتوحًا أمام إمكانية الملاحقات بعد الحدث.
اضطراب المشهد السياسي واستقرار الوضع الاقتصادي
في سياق الإقصاءات القضائية/الإدارية التي استهدفت زعماء المعارضة نجح نظام واتارا في الاستفراد بالمشهد السياسي والانتخابي، وقد أغضب ذلك المعارضة التي وجدت نفسها، بعد إبعاد قادتها، في وضع مقلق، ذلك أنه لا توجد لحد الآن بدائل مقنعة لهؤلاء القادة، بل إن بعض الأحزاب المعارضة بدأ يعرف تململًا خصوصًا بين أنصار لوران غباغبو، فقد أعلنت زوجته، سيمون إهيفيت غباغبو، ترشحها رسميًّا لاستحقاق أكتوبر 2025 الرئاسي، كممثلة لحزبها حركة الأجيال القادرة.
وبموازاة زوجة غباغبو ظهر مرشح ثان من أنصار غباغبو وهو أهوا دون ميلو (Ahoua Don Mello)، الذي أعلن ترشحه للرئاسة هو الآخر، واصفًا الأمر بأنه ترشيح احترازي في حال تعذُّر ترشُّح غباغبو. وقد عُدَّ هذا الترشح المزدوج، بين زوجة غباغبو وأحد أبرز مقرَّبيه، بمنزلة انقسام داخلي بين أنصار غباغبو.
وتشير "مجموعة الأزمات الدولية" إلى ما تسميه "المفارقة الإيفوارية"، وتعني وجود استقرار اقتصادي كلي مع تصاعد المخاطر السياسية. ففي تقرير نُشر بتاريخ أول أغسطس/آب 2025 تحت عنوان "لغز انتخابي: التعامل مع الانتخابات عالية المخاطر في ساحل العاج" أشارت المجموعة إلى أن ساحل العاج تتمتع باستقرار اقتصادي قوي، في الوقت نفسه الذي تظهر فيه هشاشة سياسية متصاعدة، ويتجلى هذا في تمتع الاقتصاد الإيفواري بمعدلات نمو قوية، يُتوقع أن يصل نمو الناتج المحلي إلى حوالي 6% لعام 2025. وهذا النمو يدعم، إلى حدٍّ كبير، الاستقرار الاقتصادي على الرغم من التوتر السياسي المترافق مع الانتخابات. وعلى رغم أن الاقتصاد في ساحل العاج يبدو مزدهرًا، فإن هناك خطرا سياسيا فعليا يلوح في الأفق، ويتمثل في تآكل المساحة الديمقراطية وتصاعد التوترات، مع احتمال نشوب صراعات جديدة حول عملية الانتخابات.
توقعات استحقاق أكتوبر/تشرين الأول 2025 الرئاسي
إذا انطلقنا من الوضع الراهن المتسم بإبعاد أبرز وجوه المعارضة فإن السيناريو الراجح، وهو فوز الحسن واتارا مرشح الحزب الحاكم "تجمع أنصار هوفويت من أجل الديمقراطية والسلام" (RHDP) ، احتمال وارد ومنطقي، خصوصًا أن قرب تاريخ تنظيم الاستحقاق الانتخابي سيمنع المعارضة من لم شملها وتقديم مرشح منافس قادر على الفوز.
وفي الوقت نفسه، فإن الحزب الحاكم أو "حزب الدولة" منتشر في كل أنحاء البلاد، وتظهر قوته الانتخابية في معاقل الوسط والشمال؛ وله إستراتيجية استحواذ على الميدان السياسي خصوصًا أن مسؤوليه يسيطرون على الإدارات، والبلديات، والأمن، ويحظى بولاء الوجهاء ورجال الأعمال. فهو حزب له قاعدة انتخابية منضبطة، ويتمتع بقوة الحكم والسيطرة على الدولة العميقة، وباستطاعته استخدام موارد الدولة، وهو أمر سار به العرف في أي انتخابات إفريقية، وهذا ما سيسهِّل فوز الحسن واتارا في الجولة الأولى من هذا الاستحقاق الرئاسي، خصوصًا أن المعارضة مشتتة و"غير مؤهلة" في الوقت الراهن لخوض أي استحقاق بشكل منضبط ومدروس. وعلى هذا فالطريق بات مفتوحا أمام الحسن واتارا لإعادة انتخابه من الجولة الأولى في اقتراع 25 أكتوبر/تشرين الأول 2025.
وهناك سيناريو ثان؛ وهو أن تنظم قوى المعارضة صفوفها وتصل إلى الحد الأدنى من التوافق، وربما ترشح أحد مناصري غباغبو، أي زوجته سيمون غباغبو، أو رفيقه السياسي، دون ميلو. وبهذا الاحتمال قد تستطيع المعارضة، إذا ارتفعت المشاركة في المدن وتمت تعبئة الناخبين، أن تقف دون نجاح الحسن واتارا في الجولة الأولى. وعموما فإن المعارضة في هذا السياق مضطرة إلى عقد تحالفات دفاعية، في ظل الإقصاءات والتوترات المؤسسية.
ومما يعزز هذا السيناريو الثاني أن الاتحاد الإفريقي أرسل بعثة استكشافية إلى أبيدجان، في يونيو/حزيران 2025، كنوع من إدارة المخاطر قبل الاستحقاق الانتخابي، حتى لا تتكرر أزمة 2020 السياسية والأمنية والتي بدأت بعض دينامياتها تظهر بشكل لافت.
ويبدو أن نظام الحسن واتارا دشَّن حركة استباقية بتفعيله "منظومة السيكوركرات" (sécurocrates)، وهي عبارة عن مجموعة من الضباط الأمنيين والعسكريين الإيفواريين الموثوقين ممن يتمتعون بنفوذ وسلطة واسعة داخل الدولة، ويُعهد إليهم بتقليص المخاطر الأمنية والتصدي للتهديدات المحتملة والحيلولة دون تكرار الاضطرابات السياسية أو العنف الانتخابي الذي حدث سنة 2020. ويتولى الرئيس واتارا تعيينهم لضمان الاستقرار وضبط الوضع الأمني، خصوصًا قبيل الانتخابات الرئاسية، وهذا يعني أن الإطار الانتخابي لهذا الاستحقاق الرئاسي ستُحدده أجهزة الدولة ومؤسساتها الأمنية أكثر مما قد يكون إفرازًا لمشهد سياسي متنافس، وهو ما يعني أن المعادلة القانونية–الأمنية باتت محدِّدًا جوهريًّا لمن يدخل السباق ومن يخرج منه، أكثر من البرامج والآلات الانتخابية وحدها.
خاتمة
يبقى المشهد السياسي الإيفواري مقبلًا على احتمالات غير مطمئنة، فمن الوارد أن تعيش البلاد في الأسابيع القادمة اضطرابات، وتعطيلًا للمشهد السياسي، وارتفاعًا في منسوب الاعتقالات والدعاوى ضد ناشطي المعارضة، وتوسيعَ دائرة الحوادث الأمنية مع استقطاب رقمي ومعلومات مضلِّلة ستقوم به الدوائر الرسمية حتى يتم تمرير نجاح مرشح الحزب الحاكم، الحسن واتارا. ومع ذلك لا يستبعد متابعي المشهد الإيفواري إمكانية فتح الحسن واتارا -في اللحظة الأخيرة- قنوات اتصال مع خصومه قد تُفضي إلى خفض التصعيد، وإلغاء القرارات القضائية القاضية بإبعاد أبرز منافسيه عن الاستحقاق الرئاسي، وهو ما يعني تقاسمًا جزئيًّا للمناصب بعد الانتخابات، خاصةً في ظل وساطة إفريقية محتملة من شأنها التوصل لتجنب العنف.