الانتخابات العراقية.. نتائج بانتظار التوافقات وبظل سياق خارجي متوتر

جرت الانتخابات العامة في العراق دون مشكلات أو خروقات مؤثرة (الفرنسية)

 

سيطرت القوى السياسية التقليدية على مقاعد مجلس النواب العراقي في دورته السادسة منذ العام 2003، لكن كان هناك رغم ذلك تغير جوهري في خارطة القوة والتأثير، بعدما تصدَّر تحالف يقوده رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، جميع الفائزين وحصل على 46 مقعدًا من أصل 329 مقعدًا.

هذا العدد من المقاعد ليس الأكبر في تاريخ المجلس؛ ففي الانتخابات السابقة، عام 2021، حقق التيار الصدري وحده رقمًا قياسيًّا حينما حصل على 73 مقعدًا، وقبل ذلك حصل رئيس تحالف كان يقوده رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي، على 48 مقعدًا، بل إن تحالفًا قاده إياد علاوي حصل في انتخابات عام 2009 على 92 مقعدًا، لكن رغم ذلك لم يحظ أي من الفائزين القياسيين السابقين بحق تشكيل الحكومة، بل إن التيار الصدري اضطر إلى دفع جميع نوابه الفائزين للاستقالة، عام 2021، وقاطع الانتخابات الحالية، كما حُرِم العبادي قبل ذلك من ولاية ثانية. وقبله، في عام 2010، لم يحظ إياد علاوي بالحصول على استحقاقه بتشكيل الحكومة ليحافظ نوري المالكي الذي جاء ثانيًا على منصبه في ولاية ثانية.

لكلٍّ من هذه الحالات أسبابها وظروفها الخاصة، لكنها يمكن أن تؤشر على أن الفوز ليس معيارًا للحصول الطبيعي على حق تشكيل الحكومة، وأن السباق الانتخابي المشحون والصعب والمكلف ليس غير مرحلة أولى من الصراع السياسي الذي سيزداد صعوبة وتعقيدًا في مرحلة المفاوضات والتسويات.

وبرغم سيطرة القوى التقليدية، فقد أفرزت النتائج متغيرات مهمة وذات مغزى، منها خسارة مرشحي القوى المدنية، ومنهم من كان عضوًا نشطًا في مجلس النواب المنتهية ولايته. ويبدو أن الزخم الذي أحدثته (انتفاضة تشرين) في انتخابات العام 2021 قد تلاشى ولم يؤسس لنفسه تيارًا اجتماعيًّا وسياسيًّا مؤثرًا.

وبالمقابل، حقق المرشحون المرتبطون بالفصائل المسلحة وأحزاب تمثل أجنحة سياسية لهذه الفصائل فوزًا لافتًا، تمثَّلَ خصوصًا بحصول كتلة "صادقون" التابعة لفصيل (عصائب أهل الحق) التي حصلت على 28 مقعدًا لتحظى بالمركز الثالث، فيما زادت مقاعد حركة حقوق التابعة لكتاب (حزب الله العراق) إلى 6 مقاعد وكذلك حركة خدمات التابعة إلى (كتائب الإمام علي) التي حصلت على 5 مقاعد. ويمثل العدد المهم من المقاعد للفصائل المسلحة تطورًا مهمًّا في مجلس النواب الجديد.

ظاهرة لافتة أخرى شهدتها الانتخابات تمثلت بخسارة أبرز شيوخ القبائل العراقية في جميع أنحاء البلاد، في نتيجة غير متوقعة، لاسيما مع ارتفاع زخم القبيلة وتأثيرها في السياق الاجتماعي وحتى السياسي والأمني.   

ينص الدستور العراقي لعام 2005 على أن رئيس الجمهورية يكلف مرشح "الكتلة النيابية الأكثر عددًا" بتشكيل الحكومة الجديدة، وهذا يعني أن أي طرف بين القوى الفائزة يتمكن من تشكيل تحالف يضم أكبر عدد من المقاعد سيكون هو المرشح لتشكيل الحكومة، وذلك يبدو ممكنًا، لكن المرشح المكلَّف سيحتاج لاحقًا إلى أغلبية النصف زائد واحد ليحظى بموافقة مجلس النواب على حكومته، وهو ما يعني ضمان 165 نائبًا حدًّا أدنى. ولذلك فالتحالفات التي تلي إعلان النتائج هي الأكثر أهمية لأنها ستفرز الكتلة الأكبر في البرلمان والمؤهلة لتشكيل الحكومة.

لكن ضمان الأغلبية البسيطة لن يزيل التعقيد، فقبل تكليف رئيس الحكومة، ينبغي انتخاب رئيس الجمهورية بأغلبية الثلثين، وهذه خطوة دستورية حاسمة لا يمكن تجاوزها. غير أنه مع صعوبة توفير الثلثين من دون توافق بين الجميع، فإن أي تحالف 110 نواب أو ثلث عدد المقاعد يمكن أن يعطِّل انتخاب الرئيس وبالتالي تكليف رئيس الوزراء وذلك يمكن أن يستمر لأشهر وربما سنوات، وهو أمر حصل من قبل في العراق، ولكنه ليس مرجحًا أن يحدث في الدورة الجديدة.

مشاركة واسعة وجدل حول المال السياسي

كانت الانتخابات لعام 2025 الأفضل من حيث الإدارة الفنية والتقنية والأمنية من سابقاتها وكذلك من حيث نسبة التصويت؛ حيث بلغت نسبة المشاركين نحو 56% من بين أكثر من 20 مليون ناخب مسجل، لاختيار 329 عضوًا في مجلس النواب من بين عدد ضخم من المرشحين بلغ أكثر من 7700 مرشح. استخدمت القوى السياسية والمرشحون المشاركون في التنافس الانتخابي موارد مالية ربما وصلت إلى 3 مليارات دولار، حسب تقديرات الخبراء في العراق، وهو ما يجعل هذه الانتخابات الأكثر استخدامًا للمال السياسي.

وتعدَّى إنفاق هذه الأموال الحملات الإعلانية التقليدية والمهرجانات الضخمة، إلى شراء الأصوات من خلال وعود بمنح مبالغ مالية مقابل التصويت لمرشح معين، وكذلك شراء البطاقات الانتخابية ذاتها. وقال زعيم منظمة بدر والقيادي في الإطار التنسيقي، هادي العامري: إن سعر البطاقة الواحدة وصل إلى نحو 300 ألف دينار (نحو 230 دولارًا)، وقد وردت نفس الاتهامات بعد إعلان النتائج؛ حيث عَدَّ عددٌ من المرشحين الخاسرين أن ناخبيهم المفترضين (باعوا) أصواتهم لمرشحين آخرين.

تسبب الاستخدام الواسع للأموال في كسب الأصوات بغلبة المرشحين أو التحالفات ذات الموارد المالية الكبيرة، ومعظمها جزء من بنية الدولة بالأساس، ولها منافذ عديدة لمراكمة الأموال وتسخيرها في تمويل أنشطتها المختلفة، ولذلك كان من الاستثنائي فوز مرشحين متواضعي الإمكانيات أو من المنتمين لتحالفات صغيرة.

ومن بين مظاهر قوة المال السياسي استخدام حق الكيانات السياسية في تعيين مراقبين للإشراف على عمليات التصويت والعد والفرز داخل المحطات الانتخابية، لاستخدام عدد غير مسبوق من هؤلاء المراقبين بلغ أكثر من مليوني مراقب توزعوا على نحو 9 آلاف مركز انتخابي على امتداد البلاد.

وقد قدَّر سياسيون ووسائل إعلام عراقية أن كل مراقب من بين هؤلاء تقاضى من مشغِّليه مبلغًا يتراوح بين 100 ألف إلى 150 ألف دينار عراقي (75-100 دولار)، أي إن الأموال التي مُنحت لهؤلاء فقط بلغت نحو 200 مليار دينار عراقي (أكثر من 150 مليون دولار)، علمًا بأن هؤلاء يمثلون وحدهم نحو 15 بالمئة من الكتلة التي قامت بالتصويت بالفعل، ومن المتوقع أنهم توزعوا على الكيانات القوية الممسكة بالمال، بواقع عشرات وربما مئات الآلاف لكل منها؛ مما يمكن أن يسهم في حسم نتائج مرشحين لتلك الكيانات.

ولم تكن الأموال فقط هي من كرست هيمنة القوى التقليدية، بل كذلك القانون الانتخابي المعروف بـ(سانت ليغو 1.7) الذي جرى إقراره لهذه الدورة الانتخابية وعدَّته القوى السياسية الصغيرة مقصودًا لإبعادها عن فرص الفوز، لكن في نهاية الأمر شارك الجميع في ظل هذا القانون، طائعين أو مرغمين.

نتائج غير حاسمة

بعد إعلان النتائج النهائية يوم السابع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2025، من المتوقع أن يجري حسم الطعون والشكاوى القانونية وإحالة النتائج للمحكمة الاتحادية خلال أسبوعين أو أقل. وحسب ما حصل عقب الانتخابات، لا يبدو أن هذه الدورة ستشهد طعونًا قوية كما حدث في مرات ماضية حينما تسببت الشكاوى بالتزوير أو بفشل العدِّ الإلكتروني في إجراءات معقدة للفرز والعدِّ اليدوي استغرقت وقتًا طويلًا، بل إن حريقًا استهدف مخازن بطاقات الاقتراع بعد اتهامات بالتزوير الواسع في انتخابات عام 2018، أكده رئيس الوزراء في حينه، حيدر العبادي، وهو ما حال دون إعادة النظر بالنتائج واعتمادها كما هي.

وفي غياب الطعون القوية أو اتهامات التزوير يبدو أن النتائج لن تتغير بشكل جوهري، وربما تجري المصادقة عليها بشكل أسرع من سابقاتها، وهو ما حدا بالجميع للمسارعة فورًا بالبدء بمفاوضات سياسية لإنشاء التحالفات النيابية قبل إعلان النتائج الرسمية.

بعد مصادقة المحكمة الاتحادية على النتائج النهائية. يتولى رئيس الجمهورية الحالي الدعوة إلى انعقاد أول جلسة للمجلس الجديد خلال فترة 15 يومًا؛ حيث يجري اختيار رئيس مجلس النواب ونائبيه، وإعلان الكتلة الأكبر التي يُفترض أن ترشح من بينها المكلف بتشكيل الحكومة.

وسيكون موعد مصادقة المحكمة الاتحادية مهمًّا أيضًا للمتغيرات المتوقعة في خارطة توزيع النواب الفائزين، فبعد ذلك التوقيت سيكون بمقدور هؤلاء أن يقوموا بتغيير ارتباطهم بقوائمهم التي ترشحوا ضمنها ليرتبطوا بكتل أخرى، وهو أمر متوقع بقوة، وتتدخل فيه صفقات وعلاقات شخصية وحزبية ودفع أموال مقابل الانتقال. لكن في النهاية ومع انعقاد الجلسة الأولى للمجلس، فمن المتوقع أن تحدث تغييرات في خارطة توزيع المقاعد، وبالتالي في قوة وهيمنة التحالفات النيابية بغية الوصول إلى الكتلة الأكبر التي تضم أكبر عدد من النواب.

ويبدو أن الإطار التنسيقي الذي يضم جميع الكتل الشيعية قد اتخذ قراره مبكرًا، واستبق المدد الدستورية بإعلان أنه الكتلة الأكبر بالتزامن مع إعلان النتائج النهائية، وقام بالفعل بتشكيل لجنة لاختيار مرشحه لرئاسة الوزراء، وقد كان حضور رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، اجتماع الإطار وتوقيعه على قرار الكتلة الأكبر خارج التوقعات، التي افترضت من قبل أنه ذاهب لتشكيل كتلة مستقلة بتحالفات واسعة ليضمن الفوز بولاية ثانية. ومن الواضح أنه اكتشف تعقيدات تحول دون ذلك فقرر العودة إلى الإطار التنسيقي ليكون جزءًا من الحكومة المقبلة، دون ولاية ثانية على الأرجح، وقد يكتفي بزعامة كتلته الكبيرة نسبيًّا في مجلس النواب.

وبوضعه الحالي، يمكن لقوى الإطار التنسيقي أن تضمن الغالبية البسيطة البالغة 165 مقعدًا نيابيًّا لتمرير حكومتها المقبلة دون حاجة لتحالفات مع قوى من خارج الإطار، إلا أن هذه الخطوة التي تبدو بالمتناول ينبغي أن تسبقها خطوة جوهرية تتمثل بانتخاب رئيس الجمهورية بأغلبية الثلثين. يتوجب التقدم للترشيح لمنصب رئيس الجمهورية في أول جلسة للمجلس الجديد، وسيكون انتخابه حاسمًا ليقوم بتكليف المرشح لرئاسة الحكومة من الكتلة الأكبر. ومن المؤكد أن الإطار التنسيقي سيحتاج إلى التوافق مع القوى السنية والكردية بشكل خاص لضمان أغلبية الثلثين، وكذلك لحسم هوية المرشح للمنصب.

في العرف السياسي العراقي الراهن يكون منصب رئيس الجمهورية من حصة الكرد، وهم بأحزابهم المختلفة من يتولون ترشيحه، لكن ليس هناك يقين من أن الحزبين الكرديين الرئيسين متفقان على هوية المرشح والحزب الذي ينتمي إليه. وعدا عن ذلك، فإن زعيم كتلة تقدم، محمد الحلبوسي، كان قد أبدى عشية الانتخابات رغبة حزبه بأن يتولى العرب السنَّة منصب رئيس الجمهورية، وأن تكون رئاسة مجلس النواب من حصة الكرد، لكن ذلك كان مجرد مقترح قبل الانتخابات وَوُوجِهَ حينها برفض كردي، وستكون هويتا رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ومرجعيتهما خاضعة للمفاوضات التي يجب حسمها قبل الجلسة الأولى للمجلس التي قد تُعقد في شهر يناير/كانون الثاني المقبل.

وقد أوحت الخلافات والتصريحات المتشنجة التي ظهرت خلال الحملات الانتخابية باحتمالات ظهور تعقيدات في التفاهم بين القوى السياسية، داخل المكون الواحد أو بين المكونات، لكن يبدو أن اللغة الخشنة خلال الحملات الانتخابية قد استعادت زخمها السياسي، وتجسد ذلك بشكل سريع في اتفاق الإطار التنسيقي ومشاركة السوداني فيه، وهو ما يبدو أنه سيحدث أيضًا بالنسبة للسنَّة والكرد.

تأثير السياق الخارجي

جرت الانتخابات الأخيرة وسط أجواء إقليمية متوترة ومؤثرة بشكل مباشر على مجمل الحركة السياسية والتطورات المتوقعة في العراق.

لقد فرض تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة، ولاسيما في سوريا، والتهديدات الإسرائيلية ضد الفصائل الحليفة لطهران، وكذلك الرغبة الأميركية بإنهاء النفوذ الإيراني في العراق، واقعًا جيوسياسيًّا جديدًا أثَّر بقوة في العراق وعلاقاته السياسية الداخلية.

ورغم أن التطورات الإقليمية لم تظهر في الحملات الانتخابية إلا أن القوى السياسية الطامحة بتشكيل الحكومة كانت تعلم من جانب أنها ستواجه تحديات مختلفة خلال الفترة المقبلة، وفي نفس الوقت يدرك الجميع أن طبيعة التدخل الخارجي في آلية تشكيل هياكل السلطة بعد الانتخابات ستكون مختلفة عمَّا جرى خلال الانتخابات الخمس السابقة.

منذ انتخابات العام 2005، كانت المفاوضات السياسية لتشكيل الحكومات الجديدة تخضع لآليتين: الأولى مرتبطة بالنسق الداخلي وعلاقات القوة والمصالح والأوزان النيابية والميدانية لكل طرف. والآلية الثانية كانت التأثير الخارجي المتعلق بشكل خاص بالتفاهم بين إيران والولايات المتحدة. وفيما يتصل بالآلية الثانية، فإن هذه الانتخابات هي الأولى التي جرت في ظل صراع أميركي-إيراني يشمل بشكل خاص السعي للانفراد بتنفيذ كل من البلدين رؤيته الخاصة في العراق على حساب مصالح وانشغالات البلد الثاني.

لقد ظل (التفاهم) الأميركي-الإيراني عنصرًا مهمًّا في غالبية الجولات الانتخابية العراقية السابقة، ولم ينقطع ذلك حتى بعد الانسحاب الأميركي من العراق، عام 2011، رغم أنه كان يتفاوت شكلًا ومضمونًا بين جولة انتخابية وأخرى حسب السياق السائد والإدارة الحاكمة في واشنطن، ولم ينقطع ذلك حتى في انتخابات العام 2018 خلال الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب، رغم تصاعد النزاع مع إيران وانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران تزامنًا مع موعد تلك الانتخابات.

في واقع الأمر، كان النزاع بين الطرفين ما زال مستثنى من مساحات خاصة أسسها المبعوث الأميركي الخاص للعراق آنذاك، بريت مكغورك، الذي كان قد عُيِّن في ذلك الموقع في عهد الرئيس باراك أوباما، واتهم في حينه من قبل النائب الجمهوري، جو ويلسون، بتنفيذ سياسات "أدَّت إلى تمكين إيران ووكلائها في المنطقة" والعلاقة الخاصة مع رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، القريب من إيران. ولم يكن مكغورك، في عام 2018، بعيدًا عن تنسيق تقليدي مع إيران لتثبيت الحكومة الجديدة التي استبعدت رئيس الوزراء، حيدر العبادي، الفائز في حينه بأعلى الأصوات برغم قيادته لحملة طرد داعش، وتنفيذه سياسات متوازنة وغير طائفية، لكنه تعرض لانتقادات شديدة من طهران ومن القوى السياسية الحليفة لها في العراق على خلفية إعلانه قبيل موعد الانتخابات عن التزام حكومته بالعقوبات التي أعلنتها إدارة ترامب ضد طهران.

مثل هذا (التفاهم) أو حتى الخلط في موضوع العراق قد لا يبدو حاضرًا اليوم، فهناك تصور أميركي واضح فيما يتعلق بالمنطقة ومنها العراق، والمبعوث الرئاسي الأميركي الجديد، مارك سافايا، وهو من أصل عراقي، قدَّم لمهمته بتصريحات واضحة تنتقد النفوذ الإيراني وترفض وجود الفصائل المسلحة الحليفة لطهران، وذلك قد يشير إلى احتمال غياب فرص التنسيق هذه المرة بين واشنطن وطهران، وربما لجوء كل منهما لاستخدام أسباب النفوذ والضغوط المتقابلة على الكتل السياسية وحتى الأشخاص من النواب المنتخبين لضمان وجود حكومة مؤيدة لأحد الطرفين في مرحلة مفصلية من تاريخ المنطقة.

لكن هذه التصورات قد لا تكون واقعية تمامًا، وربما تذهب واشنطن إلى ترك الأمور تأخذ مجراها الطبيعي حتى بوجود الفصائل المسلحة القريبة من إيران داخل مجلس النواب والحكومة، وأن تقرر عدم التدخل الواسع في تحديد طبيعة الحكومة المقبلة وهوية رئيسها. مثل هذا الأمر متوقع أيضا، ويعتمد على أولويات إدارة ترامب، الإقليمية والدولية، ورؤيتها الحقيقية للعراق والاتجاه الذي يذهب نحوه.

وفي الحالتين فإن هذا السياق، يمنح الانتخابات العراقية أهمية خاصة تتجاوز بعدها المحلي بكثير، فنتائج ما سيحصل في مرحلة السباق السياسي لتشكيل الحكومة وسائر هياكل السلطة ستحدد المعسكر الذي يقف فيه العراق، فمن جهة تريد طهران الاحتفاظ به بوصفه آخر خطوط دفاعها أمنيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا. وبالمقابل، تريده واشنطن جزءًا من أجندتها للمنطقة سواء في مواجهة إيران والضغط عليها وعدم التعامل معها اقتصاديًّا في أقل تقدير، أو في مجال الانخراط ضمن النظام الجديد للشرق الأوسط القائم على مبادئ التنسيق الاقتصادي وفي إطار التطبيع مع إسرائيل.

وبانتظار نتائج المشاورات السياسية والتسابق المحتدم للحصول على أكبر تأييد ممكن وفق قواعد وصفقات صارت مألوفة في المشهد السياسي العراقي، فإن ما يمكن أن تقوم به كل من إيران والولايات المتحدة باتجاهين متعاكسين سيكون بدوره مؤثرًا بقوة من دون أن يبدو مؤكدًا الوصول إلى نتائج حاسمة في وقت قريب.

نبذة عن الكاتب