بعد أن اجتمع العالم في كوبنهاغن، عاصمة الدنمارك، في مارس/آذار 1995، وبحضور ضخم بلغ أكثر من 14 ألف شخص، من بينهم ممثلون عن 186 دولة، منهم 117 دولة على مستوى رؤساء الدول أو الحكومات، يعود هذا العالم للاجتماع تارة أخرى في الدوحة بعد ثلاثين عامًا، وقد تأزمت قضاياه الاجتماعية وتعقدت، رغم تعهد المجتمعين بالالتزام بالتوصيات والقرارات منذ ذلك التاريخ، واستمرار المؤتمرات والندوات والاجتماعات ذات الصلة طوال عقود ثلاثة ماضية.
يعود العالم ليجتمع من جديد في قمة التنمية الاجتماعية الثانية، وقد تغيرت حكومات واختفت رموز سياسية وظهرت قضايا وأزمات عديدة حول العالم، كان لها دون شك الأثر البالغ على أبرز القضايا الاجتماعية التي عُقِدت القمة الأولى بشأنها والمتمثلة في محاربة الفقر والبطالة والتكامل الاجتماعي.
يجتمع العالم في ثلاثة أيام، بدءًا من اليوم الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2025 حتى السادس منه، عبر عديد الاجتماعات واللقاءات والمنتديات، لينتهي إلى أبرز المهام في القمة المتمثلة في اعتماد إعلان الدوحة السياسي، الذي تم التوافق عليه خلال عملية تفاوض حكومية دولية جرت في الأمم المتحدة في نيويورك. ويشكِّل هذا الإعلان، بحسب بيان منشور على موقع الأمم المتحدة، "لحظة محورية في الجهد العالمي الرامي إلى تسريع التقدم الاجتماعي، والقضاء على الفقر، وبناء مجتمعات أكثر شمولًا وعدلًا واستدامة".
وقد ورد في الإعلان تجديد الدول المشاركة في القمة الالتزام بإعلان وبرنامج عمل كوبنهاغن لأنهما، بحسب ما جاء في الإعلان، "لا يزالان مهميْن وصالحيْن". وأكدت تلك الدول تمسكها بالمبادرات الأخرى للتنمية الاجتماعية التي اعتمدتها الجمعية العامة، بما في ذلك دورتها الاستثنائية الرابعة والعشرين، وبالحوار العالمي المستمر بشأن قضايا التنمية الاجتماعية. وأشارت إلى أن المواضيع الأساسية للتنمية الاجتماعية، وهي: القضاء على الفقر، والعمالة الكاملة والمنتجة، وتوفير العمل اللائق للجميع، والإدماج الاجتماعي، مترابطة ويعزز بعضها بعضًا، وأنه يتعين عليها "تهيئة بيئة تمكينية بحيث يمكن السعي إلى تحقيق الأهداف الأربعة جميعها في وقت واحد".
سيكون إعلان الدوحة محطة مهمة من أجل دفع مسار التنمية الاجتماعية عالميًّا، كما تقول السيدة أمينة محمد، نائب الأمين العام للأمم المتحدة، في كلمة لها مسجلة ألقتها عبر تقنية الفيديو في منتدى الدوحة للحلول من أجل التنمية الاجتماعية يوم الاثنين الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني، وأضافت أن "حوالي نصف سكان العالم تقريبًا يفتقرون إلى الحماية الاجتماعية"، مشيرة في هذا الإطار إلى جهود دولة قطر في مجال دفع الجهود العالمية من أجل سد الفجوات في مجال التنمية الاجتماعية، ومعبِّرة في ختام كلمتها عن شكرها لكل من قطر وفرنسا، على تنظيم منتدى الحلول من أجل التنمية الاجتماعية بهدف تعزيز الابتكار الاجتماعي وتبادل الحلول التي تواجه التحديات العالمية.
أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أعرب خلال كلمته أمام المؤتمر في الجلسة الافتتاحية عن ثقته بأن إعلان الدوحة السياسي، الذي يؤكد على الالتزام برؤية سياسية واقتصادية وأخلاقية للتنمية الاجتماعية قائمة على الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان والمساواة والسلام، سيعطي زخمًا لتسريع تنفيذ خطة 2030، وسيمثل خارطة طريق وأساسًا متينًا لمعالجة قضايا التنمية الاجتماعية، لاسيما الفقر والبطالة والإقصاء الاجتماعي.
وانتهز أمير دولة قطر فرصة وجود هذا الحشد العالمي للتذكير مجددًا، كعادته في كل مناسبة محلية أو إقليمية أو دولية، بالقضية الفلسطينية؛ فأشار إلى أن الشعب الفلسطيني الشقيق يحتاج إلى كل دعم ممكن من أجل معالجة الآثار الكارثية التي خلَّفها العدوان الإسرائيلي الغاشم، والتصدي لعملية بناء نظام فصل عنصري في فلسطين.
ودعا سموه، في كلمته إلى مضاعفة الجهود وتقديم الدعم للشعب الفلسطيني لإعادة الإعمار وتأمين الاحتياجات الأساسية لهذا الشعب الصامد حتى تحقيق العدالة وممارسة حقوقه المشروعة على أرضه ووطنه، وقال: "إنه لا يمكن تحقيق التنمية الاجتماعية في المجتمعات من دون السلام والاستقرار.."، معربًا عن إيمانه بأن السلام الدائم، خلافًا للتسويات المؤقتة، هو السلام العادل.
وفي سياق انتهاكات بعض الأطراف لحقوق الإنسان، أشار في كلمته إلى هول ما يجري في السودان من فظائع، قائلًا: "لا يسعني أن اختتم هذه الكلمة دون الإشارة إلى صدمتنا جميعًا من هول الفظائع التي ارتُكبت في مدينة الفاشر في إقليم دارفور في السودان وإدانتنا القاطعة لها. وهل كنا بحاجة إلى دليل آخر لندرك أن تجاهل العبث بأمن الدول وسيادتها واستقرارها، وسهولة إدارة الظهر للحروب الأهلية وفظائعها لابد أن تقود إلى مثل هذه الصدمات؟"، مشيرًا إلى أن السودان عاش أهوال هذه الحرب منذ عامين ونصف، وقد "آن الأوان لوقفها، والتوصل إلى حل سياسي يضمن وحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه".
قمة الدوحة، بالاستناد إلى التزامات العالم في إعلان كوبنهاغن قبل ثلاثين عامًا من اليوم، ومستوى التمثيل الرسمي العالمي، يؤمَّل منها تعزيز جهود القضاء على الفقر، وتعزيز التوظيف الكامل والعمل اللائق، والإدماج الاجتماعي، لضمان عدم ترك أحد خلف الركب في عالم يزداد تعقيدًا وترابطًا. بالإضافة إلى تأكيد الالتزام العالمي بالتنمية الاجتماعية، ومنح زخم جديد لتنفيذ أجندة التنمية المستدامة 2030، وأهمية قيام قادة العالم وحكوماته بتوحيد تعريف إستراتيجيات التقدم الاجتماعي، وتعزيز الشراكات العالمية، وتعزيز السياسات الشاملة التي تعزِّز الفرص العادلة للجميع، سعيًا إلى بناء مجتمعات أكثر عدلًا ومرونة وشمولية واستدامة.