تجربة الصحافة الاستقصائية وسياقات الانتقال السياسي والإعلامي والمهني في تونس (2011-2021)

تتتبَّع الدراسة تطورات ممارسة الصحافة الاستقصائية في السياق التونسي، خلال الفترة الممتدة من 2011 إلى نهاية 2021، باعتماد منهجية تستبعد المقاربة المعيارية التي تُعالج الصحافة الاستقصائية من منظور وظائفها المُثْلَى لصالح مقاربة إجرائية تهتم بالسياقات والفاعلين. تُركِّز المقاربة المعيارية على ما يجب أن تكون عليه الصحافة الاستقصائية، لذلك تعوق النظرَ إلى ما هي عليه فعلًا. في المقابل، تُعالج المقاربة الإجرائية الممارسات الصحفية في سياقاتها المخصوصة، أي الصحافة كما تُمَارَس وليس كما يجب أن تكون.
تطور الصحافة الاستقصائية التونسية رهين بسياقات تتيح الحريات السياسية وشروط مؤسسية (الجزيرة)

تهدف الدراسة(1) إلى فهم تجربة الصحافة الاستقصائية في تونس من خلال منهجية مخصوصة تعتمد على مدخلين: يهتم المدخل الأول بدراسة السياقات المؤثرة في تَشَكُّل هذه التجربة، وهي الانتقال السياسي والانتقال الميديائي (الإعلامي) والانتقال المهني. ويُركِّز المدخل الثاني على الفاعلين في الصحافة الاستقصائية، وهم الصحفيون، والمؤسسات الصحفية، والمنظمات الدولية، كذلك الدولة. كما تستعرض الدراسة الدروس المستخلصة من التجربة التونسية في مجال الصحافة الاستقصائية باعتبارها تجربة مُبْتَكَرة في السياق العربي.

1. منهجية دراسة التجربة التونسية في مجال الصحافة الاستقصائية

إن الصحافة الاستقصائية نوعٌ من الصحافة يتمايز عن الأنواع الأخرى من المنظور المهني الصحفي؛ إذ تقوم على منهجية مخصوصة في مستوى أول، وتسعى إلى تحقيق غايات على غرار كشف الفساد والرقابة على النخب السياسية في مستوى ثان. وتتطلَّب في مستوى ثالث شروطًا معينة ترتبط كلها بالبيئة الديمقراطية. وفي مستوى رابع تستند الصحافة الاستقصائية إلى معايير أخلاقيات مخصوصة.

وتُجسِّد الصحافة الاستقصائية أحد أهم مُثُل الصحافة من خلال السعي إلى الحقيقة من جهة أولى؛ إذ تُعَد من مهن السعي إلى الحقيقة (truth- seeking professions)(2)، وباعتبارها مؤسسة من مؤسسات البحث عن الحقيقة (truth-seeking institutions)، على غرار القضاء والجامعة(3)... وهي من جهة ثانية إحدى أهم مؤسسات الحياة الديمقراطية، ومؤسسة من مؤسسات توازن السلطات (القضاء، البرلمان، الصحافة)(4). كما تُجسِّد الصحافة الاستقصائية أيضًا مبدأ الهيئات الوسيطة (Intermediary bodies) التي تقوم عليها الحياة السياسية والعامة في الديمقراطيات على غرار الصحافة والأحزاب والنقابات والجمعيات(5).

ومن هذا المنظور، يمكن دراسة الصحافة الاستقصائية من مدخلين، أولهما: المدخل المعياري؛ إذ إن الصحافة موضوع لتصورات معيارية تُحدِّد لها وظائف مُثْلَى تقوم بها في المجتمع الديمقراطي. وقد تَشَكَّل لدى الباحثين المنظور المعياري انطلاقًا من كتاب: "أربع نظريات للصحافة" (6)الذي أعدَّه الثلاثي الأكاديمي، فريد سيبرت (Fred Siebert)، وتيودور باترسون (Theodore Peterson)، وويلبور شرام (Wilbur Schramm). فقد وضع هؤلاء الباحثون نماذج للصحافة وفق الأنظمة السياسية، ومنها النموذج الليبرالي في الأنظمة الديمقراطية، ونموذج آخر أطلقوا عليه نموذج "المسؤولية الاجتماعية"(7). ففي الأنظمة الليبرالية، تقوم الصحافة بأدوار تنظيم منتدى الآراء والأفكار، الذي يُعَد ضروريًّا لظهور "الحقيقة"، والرقابة على السلطة السياسية، وتنوير الرأي العام. وفي بعض الأنظمة الليبرالية الأخرى، تخضع الصحافة لمبادئ المسؤولية الاجتماعية، والتي تتمثَّل في آليات التنظيم الذاتي (self-regulation) عبر المواثيق الأخلاقية وآليات المساءلة المتاحة للجمهور. وفي هذه الأنظمة الليبرالية، تقوم الصحافة أيضًا بأدوار تزويد المواطنين بالأخبار الموثوقة وتنظيم النقاش العام.

وفي نموذج الباحثيْن الأكاديمييْن، غاي بلومر (Jay Blumler)، وميشال غروفيتش (Michael Gurevitch)، تؤدي الصحافة(8) أدوار مراقبة البيئة الاجتماعية السياسية، وعرض التصورات ذات العلاقة برفاهية المواطنين، وتحديد أجندة السياسة، والمواضيع الأساسية والقوى التي تقف وراءها، وتُتيح منصةً يتحدث فيها السياسيون وممثلو المجتمع المدني ويُعبِّرون من خلالها عن رؤاهم للرأي العام. كما توفر الصحافة آليات لمساءلة المسؤولين، وتدفع المواطنين إلى المشاركة بدل الاكتفاء بالمشاهدة. وتُقاوِم المساعي لإخضاعها وتهديد استقلاليتها، واحترام الجمهور والنظر إليه باعتباره قادرًا على فهم البيئة السياسية.

ومن منظور السياسة التداولية للفيلسوف يورغن هابرماس (Jürgen Habermas)(9)، فإن الصحافة والميديا وكلاء (mandataires) جمهور مُتَنَوِّر. وتفترض الصحافة أن الجمهور له إرادة التعلم والقدرة النقدية. وهي، على غرار القضاء، محايدة ومستقلة عن الفاعلين السياسيين والاجتماعيين. ويتكفَّل الإعلام بمشاغل ومقترحات المواطنين، وهو قوة ضغط على النظام السياسي لـ"شَرْعَنَة" نفسه باستمرار، ولتبرير نفسه، ولتقبُّل النقد. ويجب في كل الأحوال ألا تتجسَّد السلطة الإدارية في سلطة "سياسية صحفية".

واستخرج الأكاديمي بجامعة السوربون، أوليفي كوش (Olivier Koch)(10)، من أدبيات ما يُسمَّى الانتقال الميديائي (media transition) في مراحل الانتقال السياسي نحو الديمقراطية، وظائفَ ذات طابع معياري للصحافة على غرار تَمْثِيل التنوع السياسي، وإرساء تنظيم جديد لإدارة الصراعات، وتوفير النقاشات السياسية التي تُتيح للفاعلين السياسيين الظهور في المجال العمومي. كما أن الصحافة تُمثِّل في هذه السياقات الانتقالية آلية لمراقبة النخب السياسية، وتعزيز مسؤولياتهم، وتربية جمهور المواطنين على القيم الديمقراطية وثقافة القانون.

وتعرَّض المنظور المعياري إلى عدة انتقادات؛ إذ يجعل من التجربة الليبرالية المرجع الوحيد الممكن لتقييم الميديا، ويقيس تطوُّرها بالاستناد إلى نموذج الميديا الغربية. وعلى هذا النحو يُوجِّه الدارس اهتمامه لما يجب أن تكون عليه الميديا والصحافة بدل النظر إلى ما عليه هي فعلًا. ومن ثم، فإن المنظور المعياري يَحْجُب أكثر مما يسمح بالنظر، ويعتبر ما لا يوجِد نقصًا.

ولذلك، فإن وظيفة الصحافة الاستقصائية تتصل بهذه الأدوار المعيارية التي تقوم بها الصحافة في الأنظمة الديمقراطية. ومن هذا المنظور، فنحن لا يمكن أن نتصوَّر وجودها خارج هذه الأدوار ودون الشروط التي توفرها الحياة الديمقراطية.   

أما المدخل الإجرائي فينظر إلى الممارسات الصحفية في سياقاتها المخصوصة، أي الصحافة كما تُمَارَس وليس الصحافة كما يجب أن تكون. وتتضمن مقاربة الأنظمة الميديائية للأكاديمييْن، دانيال هالين (Daniel Hallin) وباولو مانشيني (Paolo Mancini)، التي قاما بتطويرها في كتابهما: "مقارنة أنظمة الإعلام: ثلاثة نماذج للإعلام والسياسة"، شبكةً تحليليةً مركَّبةً يمكن أن نستلهم منها منهجية دراسة الصحافة الاستقصائية. وتتضمن هذه الشبكة(11) أربعة أبعاد تتمثَّل في بنية سوق الميديا، وهو البعد الأول الذي يهتم بمدى انتشار الصحف وعلاقة الميديا بالجمهور، وأدوار الوساطة التي تقوم بها الصحافة بين النخب والجمهور، وتوازن الصحافة الوطنية والجهوية والمحلية وطبيعة مؤسسات الميديا (ضعيفة أم قوية). أما البعد الثاني فيتعلق بالتوازي السياسي، ويشمل علاقة الميديا بالمجال السياسي (تماثل-تنافر)، وطبيعة التنوع في مجال الميديا. فالتنوع الداخلي في الميديا يعكس التنوع الأيديولوجي والسياسي، أو التنوع الخارجي، وهل يعكس حقل الميديا برمته التنوع الأيديولوجي والسياسي للمجتمع؟ أما البعد الثالث فيَخُصُّ المهنية، والتي تشمل الاستقلالية والضغوط على المهنة، وسيطرة الصحفيين على إدارة عملية التحرير واستقلالية التحرير، وفاعلية المعايير المهنية المخصوصة على غرار حماية المصادر والتمييز بين الإشهار والتحرير. ويتعلق البعد الرابع بدور الدولة، أي التمويل العمومي للميديا العمومية وآليات الدعم المباشر، أو غير المباشر، لمؤسسات الميديا الخاصة والتنظيم والتشريع.

وتقوم المنهجية التي يقترحها الباحث لدراسة التجربة التونسية في مجال الصحافة الاستقصائية على مدخلين: أولًا: السياقات المساعدة والمؤثرة، وثانيًا: الفاعلين. وهذه المنهجية ذات طابع إجرائي تستبعد تقييم تجربة الصحافة الاستقصائية في السياق التونسي من منظور الأدوار المُثْلَى التي يجب أن تقوم بها، ولكن من منظور إمبريقي ينظر إليها من زاوية ما هي عليه فعلًا. إن مدخل السياقات والفاعلين يسمح بالنظر إلى تجربة الصحافة الاستقصائية في بيئتها بالبحث عما جعلها ممكنة في مرحلة أولى، ومُهَدَّدَة في وجودها في مرحلة ثانية.

2. السياقات المساعدة للصحافة الاستقصائية في تونس

أسهمت السياقات الثورية والسياسية والميديائية والمهنية في ازدهار الصحافة الاستقصائية، باعتبارها مُبْتَكَرًا جديدًا في "النظام الميديائي" التونسي الجديد.  

- السياق الثوري: لقد قامت الثورة التونسية على مشروع الهدم وإعادة البناء، وهو مطمح "غامض" اشتركت فيه قوى متنافرة (أيديولوجيًّا وسياسيًّا في علاقتها بالديمقراطية). ومهَّد انهيار النظام السياسي القديم (السياق الأول) وكل مؤسساته تقريبًا لرفع مطلب إعادة تشكيل النظام السياسي عبر "المجلس التأسيسي" باعتباره الآلية المُثْلَى لتحقيق أهداف إعادة التأسيس الشامل بما في ذلك في الصحافة.

- السياق السياسي الانتقالي: تمخَّض عن المسار الثوري سياق ثان تمثَّل في حالة الانتقال السياسي، وهو الفترة التي تفصل انهيار النظام القديم وتوطيد ديمقراطية التحوُّل. كانت تونس لمدة عقد كامل تُمثِّل "الديمقراطية العربية الوحيدة"(12) قبل أن تتراجع(13) وتُصنَّف "نظامًا سياسيًّا هجينًا" مثل العديد من الدول العربية التي تكون فيها الديمقراطية شكلية محضة. أتاحت الحريات الجديدة واندثار الآليات السلطوية آفاق "التجريب" في كل المجالات، بما في ذلك المجال الميديائي والصحفي. إن تجربة الصحافة الاستقصائية مرتبطة على هذا النحو بديناميكية التجريب والتجديد التي شملت السياسة والمجتمع.   

تضمَّن الانتقال السياسي انتقالات أخرى، مثل الانتقال الميديائي (الإعلامي) والانتقال القضائي... لقد كان الانتقال الميديائي أحد أهم مجالات تجسيد الانتقال السياسي. وتأسَّس هذا الانتقال على إرساء إطار قانوني جديد تمثَّل في تنظيم القطاع السمعي البصري وفق المعايير الدولية، وتنظيم قطاع الصحافة المكتوبة، وحرية التعبير والنشر، وإلغاء وزارة الاتصال الإعلام.

وبشكل عام، شمل الانتقال الميديائي أطرًا قانونية جديدة على غرار المرسوم 115(14) لتنظيم قطاع الصحافة، والمرسوم 116 لتنظيم القطاع الإذاعي والتليفزيوني(15)، وأحكام قانونية جديدة ضامنة لحريات أساسية أقرَّها دستور عام 2014 الجديد على غرار حرية المعتقد وحرية الرأي والتعبير (حريات أساسية)، وآليات تنظيمية جديدة للميديا السمعية البصرية في ما يُسمَّى بكراسات الشروط التي تُنظِّم عملية إسناد تراخيص القنوات الإذاعية والتليفزيونية على غرار الأحكام المتصلة بالشفافية المالية وباستقلالية مؤسسات الميديا عن المستشهرين (المعلنين) والفاعلين السياسيين (خاصة الأحزاب)، وإدراج مبدأ الالتزامات المعيارية في القوانين التي تُنظِّم الصحافة، مثل حرية التعبير وحماية التنوع السياسي والأيديولوجي. وتضمن الإطار القانوني الجديد أحكامًا لحماية غرفة الأخبار من التدخل الخارجي عنها. كما تمَّ إنشاء هيئة النفاذ إلى المعلومة بمقتضى قانون أساسي، وهي هيئة عادة ما يلجأ إليها الصحفيون للنفاذ إلى معلومات تَحْجُبُها المؤسسات الحكومية.

وشهدت مهنة الصحافة بدورها نوعًا من المسار الانتقالي تشكَّلت فيه أدوار جديدة تقوم بها في المجال الميديائي والسياسي بواسطة نقابة الصحفيين على غرار الإضرابات العامة للدفاع عن حرية الصحافة والحريات الأساسية. وهكذا تكوَّنت أيديولوجيا مهنية(16) صحفية جديدة تُحيل على تمثُّلات جديدة للمهنة نفسها كـ"مهنة أمينة على حرية التعبير وحرية الرأي"، وأيضًا لأدوار الصحفيين في المجتمع وعلى خطابات شرعنة لمهنتهم باعتبارها "سلطة رابعة". وفي هذا السياق المهني الجديد أيضًا تشكَّلت قيم صحفية تمحورت حول الاستقلالية والحرية والوظيفة السياسية كسلطة رابعة تُراقب السلط الأخرى. كما تشكَّلت مبادرات مهنية صحفية للتنظيم الذاتي في مستوى الميديا العمومية والخاصة (مجالس تحرير، وسطاء (Ombudsman)، مجلس صحافة مستقل(17)، مواثيق تحريرية).

إذن، أصبحت الصحافة حقلًا للتجريب في كل المجالات لفاعلين داخليين، وخاصة فاعلين خارجيين (عبر برامج التدريب التي طوَّرتها منظمات دولية) في مجالات بعينها على غرار التنظيم والتنظيم الذاتي والأخلاقيات والعمل النقابي وتقنيات التحرير في مجالات جديدة، مثل التحري وصحافة البيانات والرصد. كما تمثَّلت التجارب الجديدة في مستوى أدوار جديدة على غرار إدارة النقاش الانتخابي والمناظرات التليفزيونية(18) في الانتخابات الرئاسية والتشريعية 2019.

وعلى هذا النحو، فإن ازدهار الصحافة الاستقصائية يتصل بكل هذه السياقات المواتية الثورية والسياسية والميديائية والمهنية التي وفرت شروط إطلاق المبادرات الفردية في الميديا العمومية والخاصة أو إطلاق مشاريع مبتكرة.

3. الفاعلون في الصحافة الاستقصائية التونسية

أولًا: الصحفيون

تَشَكَّل لدى الصحفيين تَمَثُّلٌ جديد للصحافة باعتبارها فاعلًا جديدًا في الحياة السياسية وفي الحياة العامة، وسلطة رابعة تُراقب السلطة الأخرى وتقوم بكشف الفساد، والتي تحوَّلت إلى مسألة أساسية من مسائل المجال العمومي منذ العام 2011 إلى اليوم، وكشف فساد النظام السابق باعتباره نظامًا فاسدًا. وقد أعطت مهمة كشف الفساد نوعين من الصحافة، من جهة أولى صحافة صفراء، أو صحافة الإثارة، التي تُمَارِس نوعًا من مبدأ "التحقيق" أو "الاستقصاء" الفضائحي. أما النوع الثاني فتَمَثَّل في صحافة استقصائية تجسَّدت في مبادرات صحفية فردية في مؤسسات الميديا العمومية: الإذاعة العمومية، ووكالة تونس إفريقيا للأنباء، ثم هناك صحفيون في الميديا البديلة أو الجمعياتية: صحفيون كانوا منضالين/معارضين ضد النظام السابق، أو صحفيون من الميديا الخاصة تحوَّلوا إلى أصحاب مشاريع مهنية في الميديا البديلة على غرار مواقع "نواة"، و"انكفاضة"، ثم "الكتيبة".      

ثانيًا: مؤسسات الصحافة/الميديا      

لم ينخرط جلُّ المؤسسات الصحفية/الميديا في مجال صحافة الاستقصائية؛ إذ يُلاحظ الباحث عزوفًا تامًّا عنها في الميديا الخاصة، وعزوفًا شبه تام في المؤسسات العمومية (مع بعض الاستثناءات صادرة عن صحفيين). فالتليفزيون العمومي لم يُطوِّر برامج، أو مضامين تحريرية، ذات علاقة بالصحافة، وتَجَاهَل بشكل كامل صحافة الاستقصاء. أما وكالة تونس إفريقيا للأنباء فهي المؤسسة الوحيدة التي أنشأت وحدة خاصة بالصحافة الاستقصائية وتمَّ إلغاؤها فيما بعد.

وبشكل عام، فإن الصحافة الاستقصائية تطورت في الميديا العمومية بفضل محاولات فردية داخل المؤسسات الإذاعية العمومية على وجه الخصوص. وقد يُفَسَّر العزوف في الميديا العمومية بالتزام الحياد إزاء الفاعلين السياسيين وحماية "المرفق العمومي" من الصراعات.

والواقع أن الصحافة الاستقصائية تطورت خاصة في الميديا الجمعياتية، أو "البديلة"، في شكل مشاريع قديمة استمرت على غرار موقع "نواة"(19)، أو مواقع جديدة تجمع صحفيين مناضلين وصحفيين مهنيين. وأَطْلَق هذه المشاريع الجديدة (انكفاضة(20) والكتيبة(21)) صحفيون مخضرمون. ويقوم النموذج الاقتصادي لهذه المواقع الإخبارية على التمويلات الدولية (منظمات دولية/حكومات)، وبعض الموارد الأخرى الذاتية على غرار التدريب أو الخدمات في مجال النشر.

ثالثًا: المنظمات الدولية  

لقد تعزَّزت في فترة الانتقال السياسي (2021-2011) أدوار الفاعلين الدوليين: حكومات ومنظمات دولية. وتحوَّلت تونس في العشرية الماضية إلى قِبْلَة للمنظمات الدولية(22)، بل تحوَّلت إلى مجال للسياسات العمومية الأوروبية في الصحافة والميديا، باعتبار تونس الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي حتى حدود عام 2021. وقد شملت البرامج الدولية كل المجالات على غرار المجتمع المدني والميديا والصحافة والأمن والقضاء والاتصال الحكومي والاقتصاد. وفي هذا الإطار، يمكن القول: إن أوروبا طوَّرت "سياسة عمومية" في مجال الصحافة والميديا في تونس، انطلاقًا من تجارب أوروبا الشرقية على وجه الخصوص. وتقوم هذه البرامج على فلسفة مخصوصة تؤمن بالعلاقة التفاعلية بين الميديا والصحافة ومسار الديمقراطية. وشملت التمويلات الدولية (ذات المنشأ العمومي في أغلبها) إصلاح الميديا ودعم المؤسسات (ميديا ومؤسسات أكاديمية)، وتدريب الصحفيين والنشر الأكاديمي، ودعم حرية الصحافة والنفاذ إلى المعلومات، والشفافية، والحوكمة.

رابعًا: الدولة

تُبيِّن التجارب العالمية أن الصحافة الاستقصائية تزدهر في المؤسسات الصحفية القوية (التاريخية)، أو في مؤسسات الميديا العمومية. فعلى سبيل المثال، فإن أهم برنامج استقصائي تليفزيوني فرنسي يُبَثُّ على قناة تليفزيونية عمومية؛ فالدولة الديمقراطية تحتاج -كما يقول هابرماس- إلى صحافة إخبارية ذات جودة "يجب ألا يُنظر إلى سعي الدولة لحماية الصالح العام، وخاصة ما تُمثِّله الميديا الجيدة، على أنه "خَلَل في النظام". المسألة برمتها تكمن في معرفة أفضل السبل لتحقيق ذلك، وهذا ليس سوى سؤال عملي"(23).

وفي السياق التونسي، يمكن القول: إن النخب السياسية جعلت من عدم إصلاح الميديا سياسة عمومية للدولة في مجال الصحافة والميديا (الإعلام). فالسياسة العمومية في تعريفها الدقيق ليست ما تتخذه الدولة من إجراءات، بل كذلك ما لا تتخذه من إجراءات.

وفي المقابل، فقد خصَّص معهد الصحافة وعلوم الإخبار بجامعة منوبة برنامج ماجستير مهنيًّا في الصحافة الاستقصائية    هو الأول من نوعه في العالم العربي(24). ومنذ سنوات ومع تطورات النظام الميديائي في تونس (فرضية الانهيار(25))، يواجه التكوين في صحافة الاستقصاء عدة صعوبات منها ما يتعلق بندرة فرص التدريب للطلبة، ومحدودية النفاذ إلى المعلومات التي يوفرها الاتصال الحكومي، وشَيْطَنَة العمل الصحفي، وخاصة ذلك المتصل بالاستقصاء.

4. دروس التجربة التونسية في الصحافة الاستقصائية

أولًا: تجربة فريدة 

تعددت أوجه الابتكار في مستوى المؤسسات والصحفيين والنموذج الاقتصادي والأدوار والمضامين التحريرية. ففي مستوى المؤسسات يُلاحظ أنها نشأت عن مبادرات صحفية ذاتية وجمعياتية. وهي بهذا المعنى كشفت عن أدوار جديدة يقوم بها الصحفيون في اقتصاد الميديا وفي النظام الميديائي بشكل عام. أما في المؤسسات العمومية، فإن الصحافة الاستقصائية نشأت في أغلب الحالات عن مبادرات صحفية ذاتية. وهي بهذا لا تعكس سياسة عمومية في مجال الميديا العمومية.

كما أن ازدهار الصحافة الاستقصائية ارتبط أيضًا في السياق التونسي بتَمَثُّلات جديدة لمهنة الصحافة ودورها في المجتمع. فنموذج الصحفي الاستقصائي يُمثِّل قطيعة مع نموذج "الصحفي الناقل"، من جهة أولى، ونموذج الصحفي المرتبط بالقوى السياسية والأيديولوجية، من جهة ثانية. فنموذج الصحفي الاستقصائي يُكرِّس دور الصحفي في خدمة الحقيقة، وهو المبدأ الأساسي الذي ورد في خدمة حق الجمهور في المعرفة. وهذا الدور يُحيل بدوره على مهمات كشف الفساد والرقابة على الفاعلين السياسيين، والتحقيق في المسارات الانتخابية، وحَوْكَمَة المؤسسات العمومية. وفي هذا الإطار أثارت بعض الاستقصاءات تحقيقات برلمانية وقضائية على غرار "أوراق بنما"(26). ومن هذا المنظور، فإن الصحافة الاستقصائية هي الصحافة التي تُعبِّر عن اندماج الصحفيين في "الكونية الصحفية". لكن نموذج الصحفي الاستقصائي -باعتباره صحفيًّا ميدانيًّا يقوم بدور الإخبار بفضل ما يقوم به من جمع للمعلومات والتحري فيها ومعالجتها- لا يزال في المخيال المهني محدودًا لصالح نموذج الصحفي "قائد الرأي" الذي يحظى بمكانة متميزة. وعلى هذا النحو ما زال "ازدراء" الميدان، وكل ما يتطلب من أشكال صحفية بما في ذلك الاستقصاء والتحقيق، سائدًا في الثقافة المهنية.

وفي مستوى النموذج الاقتصادي، تَشَكَّلت الصحافة الاستقصائية في مشاريع صحفية بديلة، وتجارب طوَّرت مبادرات في مجال النشر، والتدريب والمهرجانات الفنية. لكن أهم مبتَكَر يكمن في النماذج التحريرية التي طوَّرتها الصحافة الاستقصائية، باعتبارها صحافة جديدة ارتبطت بـ"براديغم" صحفي يتضمن تصورات وتعريفات الصحافة وتقنياتها وقيمها في حقبة معينة. هكذا تَشَكَّلَت في الصحافة الاستقصائية مضامين جديدة على غرار السرد الصحفي الرقمي، وصحافة البيانات، والصحافة التفسيرية، وصحافة التحري، والريبورتاج والبورتريه.

ثانيًا: شروط ديمومة الصحافة الاستقصائية غير متوافرة نسقيًّا  

تُمثِّل الصحافة الاستقصائية مبتكرًا من المبتكرات الصحفية المتصلة بالانتقال السياسي. وهذا المبتكر يتصل ببيئة شاملة (écosystème) وفرت شروط الحياة المتعددة بالنسبة للصحافة. ومن هذه الشروط الحريات السياسية الجديدة التي أتاحت للمهنة فرص إعادة تشكيل نفسها على قاعدة مطمح السلطة الرابعة. فالصحافة الاستقصائية جزء من صحافة إخبارية جدية تُجسِّد دور الصحافة مُزَوِّدًا مستقلًّا للأخبار عبر أشكال صحفية إخبارية، مثل: التحقيقات والريبورتاج والاستقصاء والملمح والتفسير والتحري والبيانات.

إن الصحافة الاستقصائية جزء من الصحافة الإخبارية التي ازدهرت في سياق الانتقال السياسي. وتتمايز هذه الصحافة الإخبارية عن الصحافة الناقلة، من جهة أولى، وعن الصحافة التعبيرية، من جهة ثانية.

تقوم "الصحافة الناقلة" على مضامين مخصوصة تأتي من المصادر المؤسسية (وزارات، مؤسسات عمومية، جمعيات، نقابات، هيئات) وتُعيد نقلها إلى الجمهور من دون أي معالجة صحفية. وهذه الصحافة التي تنتفي فيها الوساطة الصحفية التي تقتضي المعالجة وتنويع المصادر والتحري والاستقصاء والبحث، تُعَد وريثة الصحافة التي تشكَّلت مع دولة الاستقلال. وعلى هذا النحو، فإن "صحافة النقل" -باعتبارها تُمثِّل حلقة وصل بين النظام المُؤَسَّسِي والمجتمع- ظلت مستمرة حتى بعد انهيار مؤسسات النظام القديم. وتؤكد هذه الاستمرارية الطابع المركَّب للانتقال السياسي في علاقته بالصحافة والميديا بما أن هذه الاستمرارية تُشير إلى أن النظام السياسي (انهيار النظام السياسي وتلاشي مؤسساته) لا يؤدي بطريقة آلية إلى تغيير عميق وشامل في الحقل الصحفي.  

في المقابل، عرف الحقل الصحفي التونسي ظهور نوع فريد ومخصوص من الصحافة نُطلِق عليه صفة الصحافة التعبيرية. وقد تشكَّلت هذه الصحافة في البرامج الحوارية "التوك شو" (Talk show) التي ازدهرت في القنوات التليفزيونية والإذاعية بعد الثورة. فهذه البرامج، التي استنسخت بعض نماذج البرامج الحوارية في القنوات الفضائية العربية، كانت تختزل مبادئ الحرية الصحفية والتنوع باعتبارها منتدى للأفكار والنقاشات العامة. لكن هذه البرامج في الوقت ذاته كانت بالنسبة لصناعة الميديا الجديدة التي ظهرت بعد الثورة الشكلَ "الصحفي" الأقل تكلفة. وتأتي سمة "التعبيرية" من أن هذه البرامج تقوم على الحوارات بين ضيوف سياسيين، وفاعلين جُدُد يُطلَق عليهم صفة "الكرونيكور". ويأتي الكرونيكور من خارج حقل الصحافة ليُمَارِسَ دورًا مخصوصًا تختلط فيه المواقف السياسية الجلية والصريحة بالتعيير عن الرأي. وعلى هذا النحو، فالكرونيكور هو فاعل هجين(27) يمزج بين أدوار الاتصال السياسي بما أنه يدافع عن فاعل سياسي بعينه بطرقة خفية في كلِّ الأحوال وبين دور الصحفي صاحب الرأي. ويتسم أسلوب الكرونيكور عادة بأنه مزيج بين الرأي والمشاعر. ويُعبِّر هذا المزيج عن نفسه بطريقة لا تأخذ في الاعتبار المعايير الصحفية. وهكذا يتبيِّن كيف خَسِر الصحفيون سلطتهم على الصحافة لصالح الدخلاء، خاصة بسبب غياب منظومات للتنظيم الذاتي التي كانت شكلية، غائبة أو غير فعَّالة، والتي كان بإمكانها أن تُؤَسِّس للاستقلالية الصحفية.  

ومن مفارقات الانتقال السياسي أن القوانين الجديدة التي وضعها، وتفكيك مؤسسات النظام القديمة التي كانت تُدير الصحافة والميديا، إضافة إلى العدد الضخم من برامج التدريب الصحفي وآليات تطوير مؤسسات الميديا العمومية والخاصة، لم تُفْضِ كلها إلا بشكل جزئي جدًّا إلى ظهور صحافة إخبارية ذات جودة. وتطوَّرت هذه الصحافة الإخبارية الجيدة بشكل متقطع وجزئي ومتناثر في مؤسسات الميديا الخاصة والعامة وبشكل أعمق في الميديا البديلة.

ويمكن أيضًا أن نضيف إلى السياقات التي أدت إلى ضمور الصحافة الإخبارية لصالح صحافة النقل والصحافة التعبيرية هيمنة الاستقطاب السياسي والأيديولوجي في الحياة البرلمانية والسياسية وتنامي حركات وفاعلين سياسيين ذات اتجاهات شعبوية في سياق تراجع الثقة في الأجسام الوسطية، والحقد على النخب، وتدهور الإيمان بالديمقراطية، باعتبارها النظام السياسي الأمثل، والعزوف المتواصل عن الأخبار والسياسة والانتخابات.

ومن نتائج صعود الحركات الشعبوية تنامي الحملات المتنوعة لنزع الشرعية عن الصحافة منذ 2011 إلى اليوم؛ إذ يمكن القول: إن الكثير من الفاعلين السياسيين، أو المجموعات المتصلة بهم، انخرطوا بدرجات متفاوتة في نزع الشرعية عن الصحافة. وتُمثِّل حملات شَيْطَنَة الصحافة تهديدًا لوجود الصحافة الإخبارية بشكل عام، وصحافة الاستقصاء بشكل خاص، باعتبارها صحافة معنية أولًا بالبحث عن الحقيقة واستقصائها بشكل مستقل عن الاستقطاب السياسي والأيديولوجي.

ومن العوامل المهددة لاستمرارية الصحافة الاستقصائية وتطويرها استمرار التنظيم التقليدي في مستوى إدارة مؤسسات الميديا الخاصة والعمومية، وهيمنة الرتابة الصحفية في مستوى التحرير وإدارة غرف الأخبار، والضعف الفادح للرقمنة في كلِّ المستويات. وهكذا لم تكن السياقات المُؤَسَّسِية قادرة على أن تكون حاضنة للابتكار. فلم تتوافر بعدُ الشروطُ الضرورية للصحفي الجديد/المبتكر حتى يصبح واقعًا ممكنًا.

ومن مصادر ضعف ديمومة الصحافة الاستقصائية سَوْق إشهارية غير منظمة وغير شفافة، وسطوة وكالات الإشهار   واستئثار الشبكات الاجتماعية بميزانيات الإشهار. فالنموذج الاقتصادي للميديا التونسية غير مناسب لصحافة الجودة أو لصحافة مبتكرة، باعتباره غير مُبْتَكِر ولا يتناسب مع تحولات البيئة الاتصالية. وبشكل عام، فإن الصحافة الاستقصائية في الميديا التي تشكَّلت فيها مواقع الصحافة البديلة، لم تتمكن بعد رغم المبادرات والتجريب المستمر للصحافة في تطوير نموذج اقتصادي دائم.

خلاصة

تتصل مسألة الصحافة الاستقصائية بمصير الجديد بشكل عام في مسار الانتقال السياسي الذي عرفته تونس بعد الثورة، في أوائل العام 2011. فهذا الجديد الذي أراد أن يتشكَّل في مجالات عدة، مثل السياسة والثقافة والقضاء والميديا، بقي هامشيًّا أو أن شروط وجوده واستمراره لم تكن متوافرة أو تمَّ تعطيلها بإستراتيجيات فعلية وإرادية.

وعلى هذا النحو، فإن الدرس الأساسي الأول هو أن الجديد المحض في الصحافة والميديا لا يزال هامشيًّا يستمر في فضاء ضيق لم تتوافر له الموارد ليُنَافِس الصحافة السائدة، باعتباره موجودًا على الهامش يتشكَّل في مواقع، مثل "الكتيبة" و"انكفاضة" و"نواة". أما الدرس الأساسي الثاني فهو أن الصحافة الاستقصائية لا يمكن أن تتطور فعلًا وتصبح قابلة للحياة وراسخة في سياقات عامة غير مواتية، بل تحتاج إلى سياقات تُتيح الحريات السياسية وإلى شروط مُؤَسَّسِية، أي مؤسسات قوية تُتيح الابتكار الصحفي، والعمل الجماعي، والموارد البشرية والتكنولوجية والمالية... وكفاءة مهنية وأخلاقيات. 

نُشِرت هذه الدراسة في العدد السادس من مجلة الجزيرة لدراسات الاتصال والإعلام، للاطلاع على العدد كاملًا (اضغط هنا)

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1) تستند هذه الدراسة إلى مجموعة من المصادر، وهي كتاب: "الإعلام التونسي: أفق جديد، تونس، دار آفاق، بريسبكتيف للنشر، 2012"، وفصل بعنوان "دراسة الميديا في السياق الانتقالي: الميديا التونسية نموذجًا"، في كتاب: "الإعلام العربي ورهانات التغيير في ظل التحولات، بيروت، مركز الوحدة العربية، 2017"، وكتاب: "ديمقراطية مشهدية: الميديا والاتصال والسياسة في تونس، تونس دار محمد علي للنشر، 2022"، ودراسة "انهيار النظام الإعلامي التونسي: المظاهر والمصادر والنتائج"، موقع الكتيبة، 8 فبراير/شباط 2024

(2) Yochai Benkler et al., Network Propaganda: Manipulation, Disinformation, and Radicalization in American politics, (Oxford University Press, 2018).

(3) Kristin Gilger, "Recovering Truth: What Journalists and Academics Can Learn From Each Other," Columbia Journalism Review, January 23, 2024, "accessed January 1, 2025". https://tinyurl.com/24z8znkw. 

(4) Raymond Pingree et al., Restoring Trust in Truth-Seekers: Effects of op/eds Defending Journalism and Justice, PloS one, Vol. 16, No. 5, (May 21, 2021): e0251284.

(5) انظر إلى دراسة الباحثة الإيطالية في العلوم السياسية، ناديا أوربيناتي، حول مفهوم الأجسام الوسيطة، والذي تتناول فيه الأصول التاريخية والنظرية للمفهوم وتطوراته في الديمقراطيات المعاصرة، ضمن سياقات تنامي الشعبوية.

- Nadia Urbinati, "A Revolt Against Intermediary Bodies," Constellations: An International Journal of Critical & Democratic Theory, Vol. 22, No. 4, (2015): 477-486.

وانظر أيضًا كتاب: مجموعة باحثين، أزمة الأجسام الوسيطة: دراسات في الحالة التونسية، (تونس، منشورات مركز الدراسات الإستراتيجية حول المغرب العربي، 2024).

(6) Fred Siebert et al., Four Theories of the Press: The Authoritarian, Libertarian, Social Responsibility, and Soviet Communist Concepts of What the Press Should Be and Do, (University of Illinois Press, 1956).

(7) حوَّلت الرتابة البحثية هذا النموذج إلى نظرية يستخدمها الباحثون في دراسة الصحافة في السياقات العربية التي تختلف تمامًا عن السياق الذي تَشَكَّل فيه نموذج المسؤولية الاجتماعية للصحافة. 

(8) Jay Blumler, Michael Gurevitch, "Political Communication Systems and Democratic Values," in Blumler, Gurevitch, The Crisis of Public Communication, 1re éd. (London: Routledge, 1995): 11-22.

(9) Jürgen Habermas, "Sur le Droit et démocratie," Le débat, Vol.  5, No. 97, (novembre-décembre 1997): 42-47.

(10) Olivier Koch, "Les médias dans les transitions démocratiques: état des lieux et prospective‪," Questions de Communication, Vol. 28, No. 2, (2015): 211-229.

(11) Daniel Hallin, Paolo Mancini, Comparing Media Systems: Three Models of Media and Politics. Cambridge University Press, 2004).

(12) للاستزادة، انظر التقرير الذي صنَّف تونس "الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي" في فئة "الديمقراطيات غير المكتملة" في المرتبة 54. 

 - "Democracy Index 2020 In sickness and in health?," The Economist Intelligence Unit, (February 3, 2021): 41.

(13) انظر "مؤشر الديمقراطية في العالم لـ2021: تونس تتراجع بـ21 مرتبة وتُصنَّف ك"نظام هجين""، موقع ألترا تونس، 10 فبراير/شباط 2022، (تاريخ الدخول: 1 يناير/كانون الثاني 2025)، https://shorturl.at/tmDyh.

(14) "مرسوم عدد 115 لسنة 2011 مؤرخ في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 يتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر"، legislation-securite.tn، 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، (تاريخ الدخول: 2 يناير/كانون الثاني 2025)، https://shorturl.at/PqOMS.

(15) "مرسوم عدد 116 لسنة 2011 مؤرخ في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 يتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري وبإحداث هيئة عليا مستقلة للاتصال السمعي والبصري"، legislation-securite.tn، 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، (تاريخ الدخول: 2 يناير/كانون الثاني 2025)، https://shorturl.at/p9991.

(16) للاستزادة، انظر حول هذا المفهوم: "الأيديولوجيا الصحفية" دراسة للأكاديمي مارك دوز بجامعة أمستردام: 

- Mark Deuze, "What is Journalism? Professional Identity and Ideology of Journalists Reconsidered," Journalism, Vol. 6, No. 4, (novembre 2005): 442-464. 

(17) للاستزادة حول مشروع النظام الأساسي لمجلس الصحافة والمهام والمسؤوليات التي يضطلع بها، انظر: مجلس الصحافة (Conseil de Presse)، conseildepresse.tn، (تاريخ الدخول: 2 يناير/كانون الثاني 2025)، https://tinyurl.com/2e3cmc3r.

(18) "لأول مرة في تونس.. مناظرات تليفزيونية بين مرشحي الرئاسة"، الجزيرة نت، 8 سبتمبر/أيلول 2019، (تاريخ الدخول: 2 يناير/كانون الثاني 2025)، https://shorturl.at/nKuMe.

- الصادق الحمامي، "في المناظرات التليفزيونية وأفكار أخرى في علاقات الصحافة بالسياسة"، ألترا صوت، 23 فبراير/شباط 2020، (تاريخ الدخول: 2 يناير/كانون الثاني 2025)، https://shorturl.at/sKJYt

(19) موقع نواة، https://nawaat.org.

(20) موقع انكفاضة،  .https://inkyfada.com/fr

(21) موقع الكتيبة، .alqatiba.com

(22) على غرار إنتر نيوز (Internews) في الولايات المتحدة الأميركية، و"بي بي سي ميديا أكشن" (BBC media Action) في بريطانيا، و"سي إف آي"  (CFI) بفرنسا، و"آي إم إس" (IMS) في الدنمارك، إضافة إلى "المادة 19"، وبرنامج إصلاح ودعم الإعلام التونسي الذي وضعه والاتحاد الأوروبي.

(23) Jürgen Habermas, "Il faut sauver la presse de qualité," Traduit de l'allemand par Christian Bouchindhomme, May 21, 2007, "accessed January 4, 2025". https://tinyurl.com/yc68yby2.

(24) "من أجل صحافة نافذة، دليل أكاديمية الصحافة الاستقصائية، معهد الصحافة وعلوم الإخبار، 2021، (تاريخ الدخول: 2 يناير/كانون الثاني 2025)،  .https://shorturl.at/l1hYn

(25) انظر الصادق الحمامي، "انهيار النظام الإعلامي التونسي: المظاهر والمصادر والنتائج"، مرجع سابق.

(26) ""وثائق بنما".. النيابة العمومية في تونس تفتح بحثًا تحقيقيًّا"، ألترا صوت، 12 سبتمبر/أيلول 2023، (تاريخ الدخول: 2 يناير/كانون الثاني 2025)، .https://shorturl.at/whJni

(27) انظر الصادق الحمامي، "الدخلاء أو كيف فقد الصحفيون التونسيون السلطة على الصحافة؟"، ألترا صوت، 23 فبراير/شباط 2022، (تاريخ الدخول: 2 يناير/كانون الثاني 2025)، https://shorturl.at/zvrok.