في السابع من أغسطس/آب 2019، وعلى خلفية اتهام المجلس الانتقالي الجنوبي للحكومة اليمنية الشرعية، وحزب التجمع اليمني للإصلاح، بالوقوف خلف استهداف قائد اللواء الأول دعم وإسناد (حزام أمني)، العميد منير محمود اليافعي "أبو اليمامة"، الذي اعترف الحوثيون بضلوعهم فيه؛ شنَّت قوات الحزام الأمني، وقوات أمنية أخرى موالية للمجلس الانتقالي، هجمات واسعة على قوات الحماية الرئاسية الحكومية، بمدينة عدن، جنوبي اليمن، تطورت إلى معارك شرسة، أفضت، خلال ثلاثة أيام، إلى سيطرة قوات المجلس الانتقالي على كافة معسكرات الحماية الرئاسية، والهيئات الحكومية بالمدينة، وإحكام قبضتها على الهيئات الأمنية بمحافظتي لحج والضالع، اللتين ينتمي إليهما معظم مقاتلي قوات الحزام الأمني، والمقاتلين القبليين الذين ساندوها في هذه المعارك.
غيَّرت هذه التطورات الميدانية من معادلة القوة في الجنوب، وفرضت على مختلف الأطراف واقعًا جديدًا، فكيف سيستثمر المجلس الانتقالي هذا التقدم العسكري على صعيد تموقعه السياسي مستقبلًا؟ وما احتمالات التسوية أو الحسم، سواء بين طرفي التحالف السعودي-الإماراتي إقليميًّا، أو بين قوى الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي محليًّا؟
من معركة عدن إلى استثمار مكاسبها
استثمارًا للنصر الذي حققته القوات التابعة للمجلس الانتقالي، في 10 أغسطس/آب 2019، وقطعًا للطريق أمام مطالبات قيادة السلطة الشرعية، بإعادة الوضع في عدن إلى ما قبل 7 أغسطس/آب 2019، كشرط للدخول في أية مفاوضات يرعاها التحالف بين الطرفين؛ بادر المجلس إلى فرض واقع جديد يطوي نتائج سيطرته على عدن، وينقل الأزمة إلى ميدان وواقع آخر، وقد تمثَّل ذلك بالتفاوض مع السلطات المحلية بمحافظتي شبوة وأبين، على تسليم المحافظتين لممثلي المجلس فيهما، ولقواته العسكرية ووحداته الأمنية، ممثلةً بقوات النخبة الشبوانية بشبوة، وقوات الحزام الأمني بأبين، أو اللجوء إلى القوة لفرض الأمر الواقع، على غرار أحداث عدن.
في الوقت ذاته، كانت قيادة السلطة الشرعية تُحضِّرُ لاستعادة السيطرة على عدن، بعملية عسكرية لم يُكْشَف عن تفاصيلها، وقد مثَّل إقدام المجلس الانتقالي على إسقاط محافظتي، شبوة وأبين، في قبضة قواته، فرصةً أمام السلطة الشرعية للانقضاض على معسكرات قوات النخبة الشبوانية بشبوة، وقوات الحزام الأمني بأبين، التي شكَّلت صداعًا مزمنًا لها، وتمكنت من ذلك خلال أسبوع من اندلاع القتال بينهما بمدينة عتق (مركز محافظة شبوة)، يوم 22 أغسطس/آب 2019، والتقدم جنوبًا نحو مدينة عدن، في وقت كانت فيه المدينة تشهد مواجهات مسلحة عنيفة بين القوات الموالية للمجلس الانتقالي، ومقاتلين وُصِفوا بأنهم مقاومة شعبية، غير أن معظمهم تابعون لألوية الحماية الرئاسية، تشكَّلوا في عدة خلايا، بعد سقوط معسكراتهم في أحداث أوائل أغسطس/آب.
اجتاحت القوات الحكومية مناطق الساحل الجنوبي الممتد بين بلحاف بشبوة، ونُقطة (حاجز) العَلَم، الواقعة على بعد 12كم شرقي مدينة عدن، وما أن وصلت هذه القوات إلى نقطة العلم، في 29 أغسطس/آب، حتى أغارت عليها الطائرات الحربية الإماراتية، وأغارت كذلك على موقع آخر لتجمُّع القوات الحكومية، بمنطقة دوفس بأبين، وقُدِّرت أعداد تلك الغارات بنحو 18 غارة، وقد أفادت مصادر حكومية بأن هذه الغارات خلَّفت 70 قتيلًا، فيما بلغ مجموع الضحايا 300 فرد، ومعها توقف هجوم القوات الحكومية على عدن، وتراجعت إلى مناطق بمحافظة أبين المجاورة، على بعد 100 كم، واعتبرت الحكومة الإماراتية هذه الغارات عملًا مشروعًا لأنها استهدفت مجاميع إرهابية تقاتل قوات التحالف؛ الأمر الذي نفته الحكومة اليمنية.
التموضع السياسي والعسكري لمختلف الأطراف
أفرزت أحداث الصراع بين المجلس الانتقالي الجنوبي، والحكومة الشرعية اليمنية، خلال الفترة بين 22-30 أغسطس/آب 2019، واقعًا جديدًا، تموضعت فيه مختلف الأطراف ذات الصلة بهذه الأحداث على النحو التالي:
أولًا: المجلس الانتقالي الجنوبي
1- عسكريًّا
-
خسر المجلس الانتقالي الجنوبي أقوى تشكيلاته المسلحة بمحافظة شبوة، وهي قوات النخبة الشبوانية، المكوَّنة من سبعة ألوية مشاة، بكافة منشآتها، وأسلحتها الخفيفة والمتوسطة، وعربات المشاة المدوبلة (القتالية)، والمركبات الآلية الأخرى رباعية الدفع.
-
تقلَّص الوجود العسكري للمجلس الانتقالي بمحافظة أبين (مسقط رأس الرئيس، عبد ربه منصور هادي) بدرجة كبيرة، وتثور الشكوك حول ولاء قادة وحدات الحزام الأمني للمجلس الانتقالي؛ نتيجة لاتخاذ الصراع طابعًا مناطقيًّا، أعاد إلى الواجهة صراع القُطبية على السلطة، بين "الضالع وأبين"، خلال العقود الخمسة الماضية.
-
عزَّز المجلس الانتقالي قواته في مختلف مناطق عدن، ولا يزال يتلقى دعمًا إماراتيًّا بالأسلحة، وعربات المشاة المدولبة، لجسر الفجوة التي أحدثتها خسارته بمحافظة شبوة، فيما شرعت فرقهُ الهندسية بعدن، في بناء تحصينات دفاعية حول المدينة.
-
يعتمد الوجود العسكري للمجلس الانتقالي، في محافظتي لحج والضالع، على النزعة المناطقية؛ حيث تُمثِّلُ هاتان المحافظتان موردًا بشريًّا لتشكيلاته العسكرية والأمنية وأجهزته المخابراتية.
-
لا يزال وجوده العسكري مُقيَّدَ النشاطِ والتأثير، في عددٍ من مناطق نفوذ السلطة الشرعية، مثل: لواء شلَّال الذي يتمركز بين المكلا وشبوة، وألوية النخبة الحضرمية (حضرموت الساحل)، ومجاميع مسلحة تتمركز في الساحل الغربي، والحدود مع السعودية.
-
يراهن المجلس الانتقالي على إسناد الطيران الحربي الإماراتي، ودور القيادة الإماراتية بعدن، في القيادة والسيطرة على المعارك المتوقعة.
2- سياسيًّا
يناور المجلس الانتقالي الجنوبي بالقبول بالمفاوضات السياسية مع السلطة الشرعية، التي دعت إليها السعودية عبر وزارة خارجيتها، بعد سيطرته على عدن، في 10 أغسطس/آب 2019، لكن مع رفضه لأي انسحاب مسبق من المعسكرات والهيئات الحكومية التي سيطر عليها بمدينة عدن، وقد زادت قناعته بموقفه، بعد خسارته محافظة شبوة ومعظم مناطق محافظة أبين.
ثانيًا: السلطة الشرعية
1- عسكريًّا
-
استكملت السلطة الشرعية سيطرتها على محافظة شبوة، وعزَّزت وجودها في محافظة أبين، مع تحقق إمكانية الانتفاع العسكري بالموانئ البحرية الموجودة فيهما.
-
حققت ترابطًا جغرافيًّا وعملياتيًّا بين ثلاث مناطق عسكرية، هي: الأولى: (حضرموت الوادي والصحراء)، والثانية: (حضرموت الساحل، والمهرة)، والثالثة: (مأرب، وشبوة)، وأجزاء من المنطقة الرابعة عبر محافظة أبين.
-
تراجع نفوذ السلطة الشرعية بعدن، والضالع، ولحج، عقب الإجراءات القمعية التي نفَّذها المجلس الانتقالي تجاه المناوئين له؛ حيث مثَّلت أحداث عدن أواخر أغسطس/آب 2019، كشفًا للجيوب التي كان يتمركز فيها هؤلاء المناوئون.
-
دمج معظم منتسبي قوات النخبة الشبوانية ضمن قوات وزارة الدفاع، ومع ما يمثِّله ذلك من مكسب، إلَّا أنَّ ضمان نجاحه يتطلب برامجَ صهرٍ مكثفةٍ تعيد تصويب رؤاهم ومعتقداتهم إزاء قضايا تعرَّضت للتشويه، أبرزها الوحدة اليمنية.
-
لا يزال الطيران الحربي الإماراتي، يمثِّل تهديدًا لأية محاولة تعتزم القوات الحكومية القيام بها لإعادة السيطرة على عدن.
2- سياسيًّا
تصِّرُ السلطة الشرعية على خروج قوات المجلس الانتقالي من المعسكرات والهيئات الحكومية التي سيطر عليها بمدينة عدن، ومحافظتي لحج والضالع، قبل الدخول في أية مفاوضات.
ثالثًا: الإمارات والسعودية
-
فقدت الإمارات نفوذها في شبوة، وتراجع في أبين، وتقوَّى في عدن.
-
تنامى الوجود السعودي في شبوة وأبين، لاسيما مناطق الساحل، التي تشهد "سعودة عسكرية"، على غرار نشاطها بمحافظة المهرة المجاورة لسلطنة عُمان.
-
دخل التنافس على النفوذ بين الإمارات والسعودية منعطفًا جديدًا، أبرز السعودية بأنها أكثر تعطشًا لموانئ السواحل الجنوبية من الإمارات.
السيناريوهات المتوقعة
السيناريو الأول: المفاوضات
قد تدفع السعودية بالسلطة الشرعية إلى قبول المفاوضات، مع بقاء وضع عدن على الحالة التي كانت عليها قبل 7 أغسطس/آب 2019، مقابل ضمانات تقدمها، مع الإمارات، للسلطة الشرعية؛ بحيث تنفِّذُ قوات المجلس الانتقالي الانسحاب من المعسكرات والهيئات الحكومية، في سياق الترتيبات الممنوحة له في كيان الحكومة، بموجب هذه المفاوضات. وقد يستجيب المجلس الانتقالي لانسحاب قواته جزئيًّا؛ على أن يجري استكمال ذلك في سياق الترتيبات الممنوحة له في كيان الحكومة، بموجب هذه المفاوضات. ويُعدُّ هذا السيناريو أقرب إلى التحقق.
السيناريو الثاني: خيار القوة العسكرية
قد يطول الوضع الراهن، مع سعي السلطة الشرعية، والمجلس الانتقالي، إلى تعزيز قدراتهما العسكرية، لفرض إدارتهما السياسية، مرحليًّا وعلى فترات طويلة نسبيًّا. وقد ينشأ خلال ذلك تحالف عسكري-سياسي، بين المجلس الانتقالي، وحزب المؤتمر الشعبي، الذي تتزعمه قيادات مقرَّبة من الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، وذات ارتباط وثيق بالإمارات.
السيناريو الثالث: خلط الأوراق
يجسِّد هذا السيناريو مقولة "الفوضى الخلَّاقة"، ويمكن أن يلجأ إليه التحالف (الإمارات بشكل رئيس)، من خلال إحداث انقلابٍ بمأرب، أو فوضى أمنية بتعز، أو في أي من مناطق سيطرة السلطة الشرعية، أو تدبير أو تسهيل وقوع اختراقات خطيرة من قبل الحوثيين، لحمل السلطة الشرعية على القبول بأي أجندة تَفرِضُ المجلسَ الانتقاليَّ كشريك يقاسمها السلطة.
المسارات
ستواجه السلطة الشرعية تحديات كثيرة فيما لو قبلت بالمفاوضات؛ إذ ليس من المتوقع أن يتخلى المجلس الانتقالي عن المعسكرات التي سيطر عليها، والتفريط في القوات التي تُعدُّ دعامة نفوذه؛ ولأنَّ غايته من المفاوضات، الحصول على الشرعية التي تمكِّنه من تمرير "مشروع انفصال الجنوب"، من خلال حصوله على مجموعة من الحقائب السيادية، أبرزها حقيبة الدفاع و/أو الداخلية، بوصفهما أقرب الطرق إلى استعادة نفوذه في المحافظات الجنوبية التي خسرها، واستكمال نفوذه في المحافظات التي لا يزال تأثيره فيها ضعيفًا.