مخطط استراتيجي للساحة الإسرائيلية الفلسطينية

يتضمن كتاب "مخطط استراتيجي للساحة الإسرائيلية الفلسطينية" مشروعًا يهدف إلى إيجاد حل نهائي يقوم على الفصل النهائي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، دون إعطاء الفلسطينيين أي حقوق سياسية تسمح لهم بإقامة دولة فلسطينية حقيقية.
10 ديسمبر 2018
36ea3cc29113461b90ba2e9ee32a2531_18.jpg
(الجزيرة)

مقدمة

يتطرق هذا الكتاب إلى الوضع الأمني والسياسي في الضفة الغربية، ومستقبل السلطة الفلسطينية، والحفاظ على الاستيطان، وغيرها من القضايا ذات العلاقة، وحظي نشره بتغطية إعلامية وبحثية إسرائيلية واسعة، سواء بسبب أهمية المشاركين في تأليفه، والمساهمين فيه، أو بسبب توقيت صدوره بالتزامن مع التحضيرات لما سمي "صفقة القرن" الأميركية.

هذا وقد شهدت الساحتان، الفلسطينية والإسرائيلية، في ظل الجمود السياسي القائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتوقف المفاوضات بينهما منذ أربع سنوات، خروج العديد من الأفكار والمقترحات السياسية، والمشاريع التي تحاول إيجاد حلول للصراع القائم والمتجدد بين الجانبين. وآخر هذه المقترحات تضمنها هذا الكتاب الذي صدر عن "معهد أبحاث الأمن القومي" التابع لجامعة تل أبيب في إسرائيل، أوائل نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وحمل عنوان "مخطط استراتيجي للساحة الإسرائيلية الفلسطينية"، وهو محل هذه المراجعة.

يشار إلى أن هذا المخطط جاء نتيجة مشروع بحثي أُعدَّ خلال عامين بمشاركة نخبة من كبار باحثي المعهد الذين وضعوا جملة بدائل، واختاروا أكثرها استقرارًا، والتي تجعل إسرائيل قادرة على "التصدي لتحديات المستقبل بصورة أفضل، وتحافظ على مصالحها الأمنية". وفي ختام العمل أشرف ثلاثة من الجنرالات الإسرائيليين، هم: عاموس يادلين، وأودي ديكل، وكيم لافيا على صياغة المخطط في حلته النهائية ضمن هذا الكتاب.

ويعتبر معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، من أرفع المراكز البحثية في إسرائيل، ويستقطب بالعادة صنَّاع القرار بين الحين والآخر ما يشير إلى أهمية ما يصدر عنه، ويتركز جل عمله على دراسة التهديدات المحيطة بإسرائيل، والأوضاع المتغيرة في منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره، وأثرها على إسرائيل في مختلف المجالات: السياسية والعسكرية والاستراتيجية والاقتصادية. 

مع العلم بأن النخبة الأساسية العاملة في المعهد قادمة من الأوساط العسكرية والاستخبارية، وبالتالي فهم يضعون خبرتهم في خدمته، وعلى رأسهم وهو أحد المشرفين على الكتاب، رئيس المعهد، الجنرال عاموس يادلين، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، وأحد قادة سلاح الجو السابقين، ويعد من العقول الاستراتيجية المركزية بإسرائيل، ما يجعل هذا المشروع يحظى باهتمام دوائر صنع القرار الإسرائيلي، انطلاقًا من أهمية القائمين عليه.

الأهداف العامة للمشروع الإسرائيلي ومبرراته

يقوم المخطط الإسرائيلي الاستراتيجي على عدة أفكار رئيسية، يمكن اختصار أهمها في الآتي:

- إيجاد حل سياسي متفق عليه بين الجانبين: الفلسطيني والإسرائيلي، لتجاوز حالة الانسداد السياسي التي تسود بين الجانبين منذ توقف المفاوضات بينهما في 2014، والتي وضعت إسرائيل أمام مخاطر جمة. ويأمل المعهد ذو العلاقة الوثيقة مع دوائر صنع القرار الإسرائيلي أن يحقق هذا المشروع هدفين مركزيين اثنين: أولهما: تحسين الوضع الاستراتيجي لإسرائيل، في ظل التطورات الإقليمية والدولية المتلاحقة. ثانيهما: منع تدهور الوضع مع الفلسطينيين، والحيلولة دون ذهاب الأمور نحو حل الدولة الواحدة.

- العمل على فتح خيارات سياسية مستقبلية أمام إسرائيل تؤدي في مجملها إلى إنهاء سيطرتها على الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتوفير أغلبية سكانية يهودية داخل إسرائيل "الديمقراطية"، سعيًا لإيجاد الظروف، ميدانية وسياسية، تمهد للوصول إلى واقع يحافظ على إسرائيل: "ديمقراطية، يهودية، آمنة". 

- تعزيز الانفصال السياسي والجغرافي عن الفلسطينيين، تحضيرًا لحل الدولتين للشعبين في المستقبل، متى ما توفرت ظروف تحقيقه، ليكون الحل النهائي الشامل مع الفلسطينيين، وذلك بالتزامن مع حفظ مصالحها الأمنية والحرص على وضع جملة من الخطوات المنسقة التي تحافظ على هذه المصالح. 

- الحفاظ على الشرعية الدولية والتأثير الإقليمي اللذين تحتاجهما إسرائيل، من خلال التعاون بينها وبين دول المنطقة المحيطة بها في المجالات: الأمنية، والسياسية، والاقتصادية، والبنية التحتية. 

كما يسعى هذا المخطط في الوقت ذاته لإفساح المجال لتحديد جملة من الخيارات المستقبلية لإسرائيل، حتى في ظل غياب شريك فلسطيني يصل معها إلى حلول لقضايا الحل النهائي، ويعمل على تحقيق استقرار استراتيجي فترة طويلة من الزمن. فضلًا عن السعي لتحقيق تفاهمات داخلية في إسرائيل بين مختلف مكونات المجتمع والحلبة السياسية فيها، وصولًا لتحقيق تفاهمات دولية مع مختلف الأطراف ذات العلاقة: المجتمع الدولي، والدول العربية البراغماتية، والفلسطينيين أنفسهم.

ويعتقد واضعو المشروع أن لدى إسرائيل القدر الكافي من التصميم كي تحدد بالضبط هويتها في المستقبل، على الرغم من أنها لا تقدم حلًّا سياسيًّا بالمعنى الحرفي للكلمة وبصورة نهائية، وجل ما يسعى إليه هذا المشروع السعي لإيجاد واقع استراتيجي حسن لإسرائيل، يجعلها في وضع تحافظ فيه على الإمساك بزمام المبادرة بين يديها. 

تجدر الإشارة أن صدور هذا المخطط يتزامن مع "حمى" إصدار جملة من القوانين الإسرائيلية ذات البعد العنصري والتوسعي والاستيطاني، سواء قانون الضم الخاص بالمستوطنات في الضفة الغربية، وفرض القانون المدني الإسرائيلي عليها، باعتبارها أراضي إسرائيلية بحتة، أو قانون القومية اليهودية الذي يمهد الطريق لطرد قرابة مليون ونصف المليون فلسطيني يعيشون داخل إسرائيل.

مستقبل الضفة الغربية

تشكِّل الضفة الغربية المحور الأساسي للمخطط الإسرائيلي، في ظل انفصال قطاع غزة عنها، والقناعات الإسرائيلية بأن حسم مستقبل الصراع في الضفة، سيحدد مستقبل الدولة اليهودية، في ظل العدد الكبير من المستوطنات اليهودية فيها، على أن يتم ضمها لاحقًا لإسرائيل.

ينطلق الدافع الأساسي لهذا المشروع الإسرائيلي من فرضية اختيار إسرائيل للبديل الأفضل لها من جملة بدائل وسيناريوهات تناسب بيئتها الاستراتيجية، وهذه أهم أسسه ومنطلقاته:

1- التمسك بالعوامل الأمنية من خلال تخفيف مستوى الاحتكاك مع السكان الفلسطينيين، والحفاظ على حرية الحركة للجيش الإسرائيلي بتنفيذ عملياته العسكرية في كل أرجاء الضفة الغربية، على طول الحدود الأردنية، وإلى الغرب منها، بما في ذلك التعاون والتنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، كلما كان ذلك ممكنًا؛ الأمر الذي من شأنه التقليل من العمليات التي ينفذها الجيش الإسرائيلي بنفسه وبقواته داخل الضفة الغربية. 

2- الوصول إلى وضع تحافظ إسرائيل من خلاله على مصالحها السياسية والأمنية والجغرافية في الضفة الغربية، تحضيرا لأي ترتيبات سياسية مستقبلية مع الفلسطينيين، بما في ذلك تحسين وضعها الاستراتيجي مع غياب أي أفق سياسي للتعايش مع الفلسطينيين، لاسيما أن أهم مقاصدها النهائية هي الانفصال الكامل عنهم سياسيًّا وجغرافيًّا، وإيجاد الظروف الملائمة في المستقبل لتحقيق حل الدولتين. 

3- تقوية البنى التحتية والاقتصادية الفلسطينية، ولذلك سيتم العمل تدريجيًّا من خلال مساعدة دولية لتحسين وتوسيع صلاحيات السلطة الفلسطينية، بحيث يتم منحها المزيد من التطوير الاقتصادي والبنى التحتية، وبناء الأسس الأولى للدولة الفلسطينية، كي تكون في المستقبل ذات صلاحيات جدية لإقامة هذه الدولة المستقلة.

4- العمل على إيجاد فوارق جغرافية داخل الضفة الغربية بحيث يتم الاستمرار في البناء الاستيطاني كمقدمة لإبقائها داخل الحدود المستقبلية لدولة إسرائيل من خلال توافق إسرائيلي داخلي، على أن يتم تجميد البناء الاستيطاني في المستوطنات المتفرقة الصغيرة المنتشرة في عمق المناطق الفلسطينية، ووقف الدعم الحكومي لها، على أن يتم طرح إخلاء هذه النقاط الاستيطانية فقط من خلال مفاوضات الحل النهائي والدائم مع الفلسطينيين. 

يتحدث المشروع عن إعلان التزام إسرائيل بحل الدولتين للشعبين، بحيث تكون مستعدة للدخول في مفاوضات مباشرة مع الفلسطينيين للتوصل إلى اتفاق شامل، فيما تبدأ إسرائيل بتنفيذ بنود هذا المشروع المستند على خطة للانفصال عن الفلسطينيين، وإنهاء سيطرتها على الغالبية العظمى منهم في الضفة الغربية، من أجل تحصيل دعم دولي لهذا المشروع، وبضمنها دعم الدول العربية.

وأوضح المشروع أن إسرائيل لا تستطيع الاكتفاء بإبداء جاهزيتها للدخول في مفاوضات مباشرة مع الفلسطينيين، وإنما عليها أن تعرض محدداتها للاتفاق السياسي المطلوب مع الفلسطينيين، وفي حال وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، أو فشلت، تستطيع إسرائيل أن تواصل هذا المشروع، وتنفيذه على الأرض، وصياغة واقع سياسي وأمني ومدني مستقر من خلاله، وطوال فترة طويلة من الزمن.

لعل ما يطرحه المخطط الحالي يتعارض مع السياسة الإسرائيلية الرسمية السائدة اليوم، التي لا ترى ضرورة أن يكون إنهاء الصراع مع الفلسطينيين مستندًا إلى فرضية حل الدولتين، في ظل أن الممارسات الميدانية والسلوكيات السياسية والأداء الدبلوماسي للحكومة الإسرائيلية منذ أربع سنوات، يتعامل ضمن صيغة طي صفحة حل الدولتين. 

"يهرب" الإسرائيليون من حل الدولتين، الذي يطرحه هذا المخطط، ويوجد عليه إجماع دولي، بطرح صيغ أو فرضيات أخرى، مثل:

1- الحكم الذاتي الموسَّع في الضفة الغربية. 

2- العودة إلى نموذج روابط القرى الذي حاولت تطبيقه إسرائيل في سبعينات القرن الماضي.

3- الوصول إلى فرضية الكونفيدرالية مع الأردن التي جرى حولها كلام كثير.

السلام الاقتصادي

يذكر المخطط أن إسرائيل تعمل كل ما بوسعها لاستكمال مشروع الجدار الفاصل في الضفة الغربية الذي يحدد معالم الانفصال النهائي عن الفلسطينيين، ويحمي مصالحها الأمنية والجغرافية في المستقبل، بجانب إعلانها عن تجميد البناء الاستيطاني في المناطق الفلسطينية العميقة شرق الجدار الفاصل. 

كما ستحدد إسرائيل أن 20% من أراضي الضفة الغربية هي مناطق أمنية ضرورية، معظمها في غور الأردن، بما في ذلك طرق ومفترقات طرق استراتيجية يجب أن تبقى تحت سيطرتها لفترة من الزمن، إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق سياسي مع الفلسطينيين يتضمن إجراءات أمنية كافية لإسرائيل، ويقام خلالها كيان فلسطيني مسؤول.

يتحدث المشروع عن أن إسرائيل لديها مصلحة في إقامة سلطة فلسطينية فعالة مستقرة، تتعاون معها للتوصل إلى حل سياسي، لذلك يجب أن تقوم إسرائيل بجملة من الخطوات القادمة لتقوية هذه السلطة، ومن أهمها:

1- نقل صلاحيات أمنية للسلطة الفلسطينية في المناطق "ب" بالضفة الغربية، تشبه الصلاحيات القائمة في المناطق "أ"، بحيث ينشأ كيان فلسطيني في المناطق "أ+ب"، يكون الأرضية المستقبلية للدولة الفلسطينية، وتتحول هذه الدولة إلى حدود مؤقتة، مع أن هذه المناطق تقترب مساحتها من 40% من أراضي الضفة الغربية، يسكن فيها أكثر من 98% من السكان الفلسطينيين.

2- تستقطع إسرائيل 25% من مساحة الضفة الغربية، خاصة من مناطق "ج"، بغرض تطوير البنى التحتية والمشاريع الاقتصادية لتطوير الاقتصاد الفلسطيني، وتتم الاستعانة بالمجتمع الدولي لإقامة مشاغل صناعية، وإنتاج الطاقة الخضراء، ومشاريع سياحية وهاي تك وبناء وحدات سكنية وغيرها. 

ينوِّه المشروع إلى أن المرحلة الأولى لا تتطلب من إسرائيل أن تنقل فورًا الصلاحيات الأمنية إلى السلطة الفلسطينية في هذه المناطق التطويرية، ولكن تبقى على الرف، ويتم نقلها تدريجيًّا إلى السلطة الفلسطينية. 

3- يعتقد المشروع أنه من المهم أن يكون هناك تواصل جغرافي فلسطيني، من خلال شبكة مواصلات وطرق متراصة من شمال الضفة الغربية إلى جنوبها، من أجل تخفيف الاحتكاك اليومي بين الجيش الإسرائيلي والمستوطنين اليهود من جهة، مع السكان الفلسطينيين من جهة أخرى، وتتم إزالة الحواجز والعقبات التي من شأنها الحيلولة دون تطوير الاقتصاد الفلسطيني. 

4- إيجاد خطة اقتصادية هدفها على المدى القصير تحسين مستوى حياة الفلسطينيين، وعلى المدى البعيد تعزيز الاستقلال الاقتصادي الفلسطيني، تمهيدًا لتحقيق الانفصال الاقتصادي عن إسرائيل في المستقبل، مما يتطلب إقامة جهاز ومنظومة دولية تشرف على ذلك. 

يرى معدو الخطة الإسرائيلية أن هذه الخطوات من شأنها إقامة بنية تحتية للكيان الفلسطيني المستقل على جزء حيوي من أراضي الضفة الغربية، بما يصل نسبته 65% من مساحتها الإجمالية، وفي ذات المرحلة تواصل إسرائيل السيطرة على باقي مناطق "أ، ب"، وفي هذه المناطق يوجد ما نسبته 10% من النقاط الاستيطانية الحيوية لإسرائيل التي تبقى تحت سيطرتها في أي اتفاق مستقبلي مع الفلسطينيين. 

إن القراءة الموضوعية للبنود أعلاه تشير ضمنًا إلى الهوية السياسة والأيديولوجية لواضعي هذا المشروع، وغالبيتهم من جنرالات الجيش الإسرائيلي وأجهزة المخابرات وسفراء ودبلوماسيين، ولعلهم تقريبًا يقفون في مواجهة الخط اليميني المتطرف الذي يوجه الحكومة الإسرائيلية الحالية. ومع ذلك، فإن هذا المشروع الذي عمل المعهد على ترويجه لدى السفارات الأجنبية في إسرائيل يقدم وجهة النظر الإسرائيلية في عمومها، بعيدًا عن الخلافات الحزبية هنا وهناك.

ومن المهم التنويه إلى أن إسرائيل، بحسب المشروع، ستلجأ للحصول على اعتراف دولي من خطواتها هذه، وتطلب مقابلها ضمانات دولية في حالة فشل المسار السياسي والمفاوضات المباشرة، أو القيام بخطوات أحادية الجانب. كما ستطلب إسرائيل تجديد الالتزامات الأميركية الواردة في كتاب الرئيس الأسبق، جورج بوش الابن، إلى رئيس الحكومة الراحل، آريل شارون، في 2004، وتقضي بإقامة منظومة دولية لتطوير الاقتصاد الفلسطيني، ومنع الفساد، وامتناع السلطة الفلسطينية عن ممارسة الأعمال المعادية، والاعتراف بالترتيبات الأمنية لإسرائيل.

ملاحظات على المشروع

اللافت أن المشروع الإسرائيلي الموسع لم يتضمن الحديث عن حل مشاكل قطاع غزة فهو ليس جزءًا منه، فالقطاع ليس مرتبطًا بمخطط الضفة الغربية من أي وجه. والحديث عن غزة اقتصر على ضرورة وجود إشراف دولي لتحسين الوضع الإنساني فيها، ووقف الأزمة القائمة هناك، وإعادة إعمارها مقابل إقامة منظومة دولية تراقب وقف تعاظم قوة حماس العسكرية، وذلك بغضِّ النظر عمَّا يحصل في الضفة الغربية. 

وهذا المشروع "المخطط" يسعى لإيجاد بدائل سياسية أمام إسرائيل بعيدًا عن شعارات "كل شيء أو لا شيء"، من خلال إقامة دولة فلسطينية بحدود مؤقتة، وإحداث تغيير في شكل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي من صراع تحرر وطني إلى نزاع بين دولتين، وإدارة مفاوضات مباشرة لتحقيق حل سياسي بينهما، وفي حالة غياب التعاون الإسرائيلي الفلسطيني، يتم العمل على تحقيق خطوات الانفصال بصورة مستقلة، بما يتناسب مع مصالح إسرائيل الأمنية. ومن خلال دراسة كل البدائل السياسية الأخرى، فإن هذا المشروع يبدو الأكثر واقعية، لأنه يقضي بـ:

1- الحفاظ على مصالح إسرائيل الأمنية والاستيطانية. 

2- توفير تجنيد ودعم دولي وإقليمي لإنجاح المشروع.

3- لا يشمل المشروع إخلاء مستوطنات في المستقبل القريب.

4- توفير هامش مناورة سياسي لإسرائيل، وتحسين واقعها القائم.

5- استيعاب المخاطر المحيطة بإسرائيل، والتخلص من صيغة الأمر الواقع.

6- الحيلولة دون نجاح صيغة الدولة الواحدة، مع توفر القدرة على الانفصال مع الفلسطينيين.

لعل ما يدعو للاعتقاد بأن هذا المشروع قد يحظى بالاعتبار في إسرائيل، أن معظم من عمل على إعداده لديهم خبرات طويلة في قضايا الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وشارك بعضهم فعليًّا في جولات مفاوضات مكثفة مع الفلسطينيين خلال العقود الأخيرة لاسيما الجنرالات التالون: عاموس يدلين، وشلومو بروم، وآساف أوريون، وفانينا باروخ-شربيط، وغلعاد شير، وأودي ديكل، والسفير عوديد عيران، وكوبي ميخائيل، وعنات كورتس، وتسيفي يسرائيلي، والبروفيسور عيران ياشيف، وآخرون.

كما أن المشروع يحاكي توجهات قطاع عريض من الخارطة الحزبية الإسرائيلية، ولعل بعض بنوده تتفق مع صفقة القرن الأميركية، رغم أنها تصطدم بالتوجهات اليمينية الحاكمة في إسرائيل. ولكن تبقى فرصة تسويق هذا المشروع أكثر أهمية في الداخل الإسرائيلي، المنزاح يمينًا في الآونة الأخيرة، من تسويقه وقبوله فلسطينيًّا وإقليميًّا ودوليًّا.

مع العلم بأن هذا المخطط تحدث في أجزاء واسعة منه حول التعاون الأمني والاقتصادي مع الدول العربية التي وصفها بـ"البراغماتية"، لإنجاحه، وهو ما يتزامن مع حالة التطبيع السائدة في الآونة الأخيرة بين إسرائيل وعدد من العواصم العربية، بصورة لافتة.

خاتمة

الجهد الإسرائيلي الواضح الذي بذله معدُّو هذا المشروع يحمل دلالتين مهمتين:

أولاهما: أن الساحة السياسية الإسرائيلية تشعر بحالة من الجمود الكامل في مستقبل العلاقة مع الفلسطينيين، وعدم وجود رغبة جادة عند الحكومة الحالية بكسر هذا الجمود، بما يعكس استفادتها منه، وبالتالي عدم وجود ترحيب رسمي من قبلها بمثل هذه المشاريع الداعية لكسر هذا الجمود.

ثانيتهما: لا يُخفي القائمون على هذا المشروع هويتهم السياسية وأيديولوجيتهم الحزبية التي لا تتفق مع اليمين الحاكم اليوم، فـ"يادلين" المشرف العام على المشروع، ترشح في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، 2015، على قائمة حزب العمل، وكان سيحصل على حقيبة وزارة الدفاع، وكذلك باقي القائمين على المشروع من المدرسة الإسرائيلية الداعية لإيجاد حل سياسي مع الفلسطينيين؛ مما يرجح أن يكون مثل هذا المشروع البرنامج السياسي للمعسكر السياسي المناوئ لليمين الحاكم.

 

معلومات الكتاب

عنوان الكتاب: مخطط استراتيجي للساحة الإسرائيلية الفلسطينية

المؤلفون: عاموس يادلين، أودي ديكل، كيم لافيا

صفحات الكتاب: 125 صفحة

دار النشر: معهد أبحاث الأمن القومي-تل أبيب

سنة الصدور: نوفمبر/تشرين الثاني 2018

لغة الكتاب: العبرية

نبذة عن الكاتب