كثر الحديث بعد الثورات العربية حول ضرورة إصلاح الأجهزة الأمنية باعتبارها الجهة التي كانت منوطة بعمليات الضبط والسيطرة وحماية الأنظمة وقمع المعارضين، وتحملت بذلك مسؤولية كل فساد تلك الأنظمة باعتبارها أحد أدواتها الأساسية.
ويقصد بإعادة الهيكلة مجموعة السياسات والبرامج التي تؤدي إلى تطوير مرفق الأمن ليصبح أكثر قدرة على أداء واجباته بما يتماشى مع المبادئ الديمقراطية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان ومتطلبات التحول الديمقراطي بصفة عامة في تلك الدول، حيث يتضمن ذلك التحول تغييرا في طبيعة وتوجهات النظام السياسي يتطلب بالضرورة تطوير الأداء الأمني ليكون داعما لهذا التحول، ولعل الحالة التونسية والمصرية واليمنية إلى حد ما قريبة من ذلك.
وبصفة عامة، فإن إعادة هيكلة القطاع الأمني أو ما اصطلح على تسميته إصلاح ذلك القطاع يتضمن كذلك فرض قيم العدالة وإعلاء دولة القانون والتركيز على قيم المواطنة لرفع كفاءة القطاعات الأمنية وانضباطها ضمن الإطار القانوني الذي يحدد صلاحياتها(1).
أولاً: الحالة التونسية
1- مؤسسات القطاع الأمني في تونس قبل الثورة
قوات الأمن الداخلي
يشمل القطاع الأمني في تونس الشرطة والحرس الوطني والشرطة القضائية (والتي تعمل في وزارة العدل والمحاكم، ولكنها تتبع وزارة الداخلية) وقوات التدخل وقوات الحرس الرئاسي.
ومن الصعب تقدير حجم القوات الأمنية قبل الثورة، فلا توجد إحصاءات رسمية حول عددها، وتذهب بعض التقديرات الإعلامية إلى أن حجمها يتراوح ما بين 150 و200 ألف، غير أن وزارة الداخلية أعلنت أن هذه الأرقام مبالغ فيها، بينما ذهبت تقديرات أخرى إلى أن حجم تلك القوات تتراوح ما بين 40 و80 ألف فرد، وتضم هذه القوات ما يلي:
-
الشرطة العادية والبوليس السياسي: وقد تم حل البوليس السياسي في مارس 2011، وتم دمجه في الشرطة العادية(2)، مع احتفاظه بهيكلية إدارية موازية.
-
الحرس الوطني: ويعمل بصورة أساسية في المناطق الساحلية والريفية، وهو أقرب إلى منظمة شبه عسكرية أو قوات الدرك، ويقدر عدده بحوالي 12 ألف جندي.
-
الشرطة القضائية: وهي جزء من وزارة الداخلية، ولكنها تعمل داخل السلطة القضائية، وهي المعنية بالتحقيقات داخل وزارة الداخلية، كما أنها المسؤولة عن جمع الأدلة وإجراء التحقيقات وكتابة تقارير التحقيق الرسمية للقضايا قبل رفعها أمام المحاكم، غير أن الشرطة القضائية تفتقد للأدوات اللازمة التي تؤهلها للقيام بتحقيقات مهنية عالية الكفاءة.
-
قوات الحرس الرئاسي: وهي قوات أمن تابعة لرئاسة الجمهورية، وكانت وظيفتها الأساسية حماية الرئيس والقصور الرئاسية، وكانت تعمل مستقلة تقريبا، وتخضع للإشراف المباشر لمؤسسة الرئاسة(3).
-
الاستخبارات العامة: وهي وكالة مستقلة كانت تتبع رئيس الجمهورية بالإضافة إلى وجود استخبارات داخل كل من وزارة الدفاع ووزارة الشؤون الخارجية، ولا تتوفر تفاصيل معلنة حول حقيقة عمل أي منها، ومن الملاحظ أنه ليس هناك قانون يحكم جهاز الاستخبارات في تونس، ومن ثم، فإن وجود إطار قانوني يعد شرطا لازما من أجل وجود جهاز يمتاز بالكفاءة والفاعلية وخاضع للمساءلة(4).
2- جهود إصلاح الأجهزة الأمنية في تونس
تمثلت جهود إصلاح الأجهزة الأمنية في تونس فيما يلي:
-
قام وزير الداخلية بعد الثورة فرحات رجحي بطرد 42 مسؤولا رفيع المستوى من الوزارة، كما أعلن عن حل البوليس السياسي، غير أن جهوده الإصلاحية توقفت عندما أجبر على الاستقالة بعد شهرين نتيجة لوجود مقاومة لسياساته من وزارة الداخلية.
-
أصدر وزير الداخلية الكتاب الأبيض حول إصلاح الشرطة أو "الأمن والتنمية: نحو الأمن في خدمة الديمقراطية"، والذي كان بمثابة خريطة طريق لإصلاح الشرطة من أداة قمعية إلى مؤسسة لخدمة المواطنين، وركزت على جوانب مثل: تدريب قوات الشرطة، وإدخال مدونة لقواعد السلوك للشرطة، ومزيد من الشفافية في عمل الشرطة، والنص الصريح على الإجراءات التأديبية، ولامركزية الشرطة، ومزيد من السيطرة والمساءلة لجهاز الاستخبارات التونسي(5).
-
واجه وزير الداخلية عن حزب النهضة علي العريض مقاومة شديدة من جانب وزارة الداخلية عندما سعى لعزل المسؤولين المقربين من النظام السابق، فعندما حاول في 2012 عزل رئيس قوات التدخل السريع منصف العجيمي والمتهم بإصدار أوامر بإطلاق النار ضد المتظاهرين، فوجئ بالمئات من أنصاره يقومون بتنظيم اعتصام أمام وزارة الداخلية، الأمر الذي جعله يتراجع عن قراره.
-
لم تستطع حكومة النهضة –حتى الآن– القيام بأية إصلاحات شاملة وهيكلية للأجهزة الأمنية بما يتناسب مع التغيرات الديمقراطية.
ويمكن إرجاع تردد النهضة في إصلاح الأجهزة الأمنية في الخوف من أن القيام بإصلاحات شاملة داخل الوزارة قد يؤدي لحدوث اضطرابات داخل الأجهزة الأمنية في الوقت الذي تشهد فيه تونس اضطرابات داخلية، ومن ثم، فقد تكون حكومة النهضة جعلت من إصلاح الأجهزة الأمنية هدفا على المدى الطويل، وأيا ما كان السبب، إلا أن الواقع يكشف عن استمرار بعض انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة من قبل الشرطة في مرحلة ما بعد بن علي، وقد وثقتها جماعات حقوق الإنسان المحلية والدولية، ولعل أبرزها:
-
استخدام القوة المفرطة في تفريق بعض المظاهرات.
-
التوظيف السياسي للشرطة وتسامحها مع أعمال العنف التي تنسب للسلفيين والتي شهدت تصاعدا في تونس مؤخرا من مهاجمة مطاعم تبيع الكحول إلى الهجوم على صحفيين وفنانين والهجوم على السفارة الأميركية(6)، غير أنه يمكن القول إن هناك تغيرا طرأ على العلاقة بين المواطن والشرطة، فلم يعد المواطن التونسي يهاب الشرطة(7) كما كان في السابق.
3- مقترحات إصلاح الأجهزة الأمنية في تونس
إن إصلاح قطاع الشرطة يعد من أكبر التحديات في مرحلة ما بعد الثورة التونسية، وقد عبّرت كل من الحكومة الانتقالية وحكومة النهضة عن التزامها بإصلاح قوات الشرطة التونسية وتحويلها إلى شرطة تخدم مصالح الدولة والمواطنين بدلا من خدمة مصالح النظام، وأن تدار وفق حكم القانون، كما قامت الحكومة التونسية بعمل شراكة مع الوكالات الدولية مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومركز جينيف للسيطرة الديمقراطية على القوات المسلحة، وقد رأت هذه الهيئات الدولية أن إصلاح الأجهزة الأمنية في تونس يتطلب إحداث تغييرات على ثلاثة مستويات هي:
-
تشريعيا، فهناك حاجة لتشريعات واضحة لكل أوجه عمل الشرطة، بالإضافة إلى إلغاء القوانين القمعية التي سنّها النظام السابق.
-
مؤسسيا، فإن الإصلاح ينبغي أن يتركز على إعادة هيكلة كافة قطاعات مرفق الأمن.
-
ثقافيا، هناك حاجة لتغيير ثقافة الشرطة من ثقافة التعذيب والانتهاكات إلى ثقافة حكم القانون واحترام حقوق الإنسان(8).
-
تضمين الدستور فصلا عن الحوكمة الرشيدة لقوات الأمن الداخلي، بما في ذلك احترام تلك القوات للمعاهدات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان.
-
تحويل اللجنة الوطنية التونسية لاستقصاء حقائق الانتهاكات والتجاوزات (لحقوق الإنسان) واللجنة الوطنية للتحقيق في الفساد والاختلاس إلى هيئة قضائية انتقالية مستقلة، وضمان خضوع مختلف الطلبات المقدمة من قبل هذه السلطة إلى الوزارات لآلية فعّالة للمتابعة والمراقبة.
-
الشفافية في التعيينات والتنقلات الجديدة داخل وزارة الداخلية.
-
ضمان احترام الحق بالتظاهر وحق التجمع وأن يتم تنسيق الاحتجاجات من خلال التواصل المستمر بين الشرطة ومنظمي الاحتجاجات لضمان حدوثها بشكل سلمي ولمنع العنف أو التخويف من قبل أيٍ من الطرفين.
-
تأسيس برامج في المعهد الأعلى للقضاء مصممة لمكافحة الفساد وضمان احترام حقوق الإنسان والمبادئ المتضمنة في المعاهدات الدولية ذات الصلة(9).
ثانياً: الحالة المصرية
1- الأجهزة الأمنية في مصر قبل الثورة
-
جهاز الشرطة: هو المكون الأساس لقطاع الأمن المصري، ويترأسه وزير الداخلية، ويعود النظام الوزاري في مصر الى عام 1805 عندما أسس والي مصر محمد علي باشا ديوان الوالي الذي يختص بالمحافظة على القانون والنظام في المدينة (العاصمة) وحل النزاعات التي يمكن أن تنشأ بين المواطنين والأجانب على حد سواء، وفي 25 فبراير/شباط 1857، أصدر محمد سعيد باشا قرارا بترقية ثلاث إدارات (الداخلية، والحربية، والمالية) إلى مستوي وزارات وتعيين وزير لكل منها.
وتنص صلاحيات جهاز الشرطة في العموم أن رسالتها هي الحفاظ على النظام العام والأمن والأخلاق وحماية الأرواح والأعراض والممتلكات وكذلك منع الجرائم والتصدي للمجرمين، وتختص هيئة الشرطة بالمحافظة على النظام والأمن العام والآداب، وبحماية الأرواح والأعراض والأموال وعلى الأخص منع الجرائم وضبطها، كما تختص بكفالة الأمن والأمان للمواطنين في كافة المجالات، وبتنفيذ ما تفرضه عليها القوانين واللوائح من واجبات.
وينقسم جهاز الشرطة إلى قطاعات أساسية وإقليمية، ويرأس كل قطاع مساعد أول/مساعد للوزير ويمكن أن يساعده واحد أو أكثر من النواب لتمثيله في غيابه، وتتضح صلاحيات النائب أو النواب تفصيلا في القرار الوزاري الخاص بذلك، وينص الإطار التشريعي الحاكم لعمل جهاز الشرطة على التالي: تحدد المادة 184 من الدستور المصري (دستور 1971) طبيعة وصلاحيات جهاز الشرطة، وهي تنص على أن "الشرطة هيئة مدنية نظامية، رئيسها الأعلى رئيس الجمهورية تؤدي مهامها وصلاحياتها تحت قيادة وزير الداخلية الذي يصدر جميع القرارات التي تنظم شؤون ونظم عملها". وقد لعب جهاز الشرطة أدوارا عدة في مصر حيث حافظ على الأمن الداخلي وكذلك الخارجي بالمشاركة في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الأراضي التي تشهد نزاعات، ولكنه طالما اتهمه الإعلام بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان إضافة إلى دوره في إدارة الانتخابات الوطنية بصورة غير نزيهة(10).
-
قوات الأمن المركزي: هي المكون الثاني لقطاع الأمن في مصر، وتوزع قواتها على مراكز المدينة والأماكن الحساسة مثل السفارات الأجنبية أو الجامعات الحكومية بغرض الحفاظ على الأمن والنظام، وفي عام 1986 أظهرت قوات الأمن المركزي عدم رضاها عن ظروف الحياة والأجور وعبرت عنه بعنف شديد وبشكل مدمر في مظاهرات في القاهرة، وفي المقابل، أظهر النظام التنفيذي رد فعل متعاون عبر تحسين ظروف الحياة والأجور الخاصة بالأمن المركزي(11).
وقد تم تعزيز قوات الأمن المركزي وتحويله من جهاز إلى قطاع يضم إدارات جغرافية موزعة على مناطق الجمهورية، وخصص لمعسكراته مساحات شاسعة وزادت موارده البشرية وميزانية تسليحه وتدريبه، كما تضاعفت الحوافز المالية لقواته مقارنة بأقرانهم(12).
-
جهاز أمن الدولة: ويتولى المسؤولية الرئيسة فيما يتعلق بمواجهة النشاط الإرهابي، والتطرف الديني، والجريمة المنظمة، وعمليات التجسس الأجنبي المختلفة، إلا أنه في السنوات الأخيرة، وفي إطار مشروع التوريث السياسي، تداخل العمل الأمني للجهاز مع واجبات سياسية كلفه بها قيادات الحزب الحاكم بموافقة وزير الداخلية، وتجاوز الجهاز واجباته الأساسية بتولي مهام في الانتخابات التشريعية والمحلية لصالح أنصار ذلك الحزب، فضلا عن دوره في الموافقة على من يتولى المناصب القيادية والحكومية وقيادات الجامعات والشركات، وهو ما جعله صاحب القرار المؤثر في كافة دوائر الدولة السياسية والاقتصادية والأمنية والإعلامية.
كما قام الجهاز بدور الوسيط في النزاعات الاجتماعية، حيث لعب أمن الدولة دور الوسيط في إضراب الصيادلة بين النقابيين ومندوبي وزارة الصحة والمالية، وكذلك في الوساطة بين إدارة السكك الحديدية والموظفين(13)، وفضلا عن ذلك، قام بدور كبير في إطار ما يسمى بالمراجعات الفكرية خاصة لقيادات الجماعة الإسلامية.
-
المخابرات العامة: وتم إنشاؤه في عام 1954 وحقق عدة نجاحات منذ ذلك الحين خاصة في إطار الصراع مع إسرائيل، ويحكم عمل المخابرات العامة القانون رقم 100 الذي يحدد مهامها وواجباتها، وهي تتبع رئيس الجمهورية مباشرة، وتتركز مهامها الأساسية في مقاومة التجسس الأجنبي بعناصره المختلفة، والقيام بمهمة جمع المعلومات التي تخدم الأمن القومي المصري من خلال عمليات التجسس الخارجية، ويتمثل نجاح المخابرات العامة الأكبر في التعامل مع خطة الخداع المصرية أثناء حرب أكتوبر 1973، كما لعبت دورا أساسيا في الحد من ظاهرة الإرهاب على الصعيد الدولي والوطني(14)، وتحظى المخابرات -شأنها شأن الجيش- باحترام شعبي، نظرا لدورها في الكفاح ضد إسرائيل قبل حرب أكتوبر 1973 وبعدها(15).
2- جهود إصلاح الأجهزة الأمنية في مصر
قامت وزارة الداخلية بعد الثورة باتخاذ عدد من الإجراءات في إطار إعادة هيكلة وإصلاح القطاع الأمني كان من أهمها:
-
تحويل جهاز أمن الدولة إلى جهاز للأمن الوطني وسحب الكثير من الاختصاصات التي كانت قد منحت له وتتجاوز صلاحياته، وإلغاء عدد من الإدارات التي عبرت عن هذا التجاوز(16).
-
أصدرت وزارة الداخلية "مدونة قواعد سلوك وأخلاقيات العمل الشرطي"، تناولت رسالة، وأهداف، وواجبات وحقوق العمل الشرطي المصري، وذلك بهدف تغيير عقيدة الشرطة وتوجيهها لاحترام حقوق الإنسان وحكم القانون.
-
إجراء تعديلات علي أحكام القانون رقم 109 لسنة 1971 بشأن تنظيم هيئة الشرطة والذي وافق عليه مجلس الشعب بتاريخ 4-6-2012، ومن أهمها تقليص صلاحية المجلس الأعلى للشرطة فيما يتعلق بحق تأديب الضباط، ومنح هذا الحق لوزير الداخلية مع اعتبار رأى المجلس "استشارياً"، كما نص على "تنظيم الشؤون الوظيفية للضباط والأفراد وقواعد تعيينهم وتنقلاتهم وترقياتهم وقواعد التأديب والإجازات والإعارات والانتدابات، بالإضافة لجداول المرتبات للاستفادة من العنصر البشري داخل وزارة الداخلية في دعم السياسات الأمنية وتحسين الأوضاع الوظيفية لأفراد الشرطة وأبرزها استحداث فئة جديدة ضمن أعضاء هيئة الشرطة هي فئة "ضباط الشرف"، التي يترقى فيها أمين الشرطة إلى "ضابط شرف"، وتمثل هذه التعديلات استجابة للحد الأدنى من المطالب والمقترحات(17).
3- مقترحات إصلاح الأجهزة الأمنية في مصر
الأصل في وظيفة وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية والرقابية علي اختلافها هو حماية أمن الوطن, وتنبيه متخذي القرار إلي أي مخاطر يمكن أن تهدد الأمن القومي المصري بمعناه الشامل الذي يعني حمايته من الأخطار الخارجية والداخلية.
بالتالي فإن السنوات الماضية شهدت تضخما في أعداد العاملين بالقطاعين, وتزايدت بصورة ملحوظة مهام جهاز أمن الدولة بالتحديد لتشمل كل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية, وأصبح المرجع الرئيس لتولي الوظائف في كافة الوزارات كما سبق القول, وحدث تداخل بين قيادات الجهاز وقيادات الحزب الوطني, وتم توظيف الجهاز لتحقيق مصالح حزبية, كما تزايدت في نفس الوقت أعداد العاملين في قطاع الأمن المركزي, ولم تعد وظيفته قاصرة علي مواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة, ولكن دخل هو وجهاز أمن الدولة, حسب سياسات وزراء الداخلية المتعاقبين في قضايا كان في غنى عنها, فأصبح منوطا بهما مواجهة الإضرابات العمالية, ومواجهة جماعات سياسية أرادت التعبير عن مواقف معارضة للنظام، كما تم تكليفه بالسيطرة علي توجهات وسياسات القطاعات الإعلامية ومهام رقابية اقتصادية ورطت بعض عناصره في قضايا لم تكن من اختصاصها، وهو ما أحدث الفجوة بين تلك الأجهزة المنوط بها تحقيق الأمن والاستقرار وقطاعات شعبية كبيرة.
وفي التقدير أنه من الضروري التأكيد علي حاجة الوطن الضرورية لقطاعات مرفق الأمن على اختلافها علي شرط أن يتم تحقيق ما يلي:
-
أن تتم إعادة هيكلة جهاز الأمن الوطني بصورة أكبر، بما يعني إلغاء الإدارات التي كانت تختص بمتابعة القوى السياسية المعارضة للنظام, فقد سقط النظام, وهناك نظام جديد يتم بناؤه علي أسس الحرية وحق كافة القوى السياسية في ممارسة العمل السياسي والسعي بطرق مشروعة لتصدر العمل السياسي, حيث لم تعد الكثير من الأنشطة السياسية والاقتصادية أو الإعلامية, وكذلك القوى السياسية والدينية التي لا تمارس العنف المسلح هدفا للمتابعة أو المراقبة, فقد أصبحت تلك القوى بعد الثورة جزءا من النظام السياسي، بل أصبحت عبر صناديق الانتخاب شريكة في صنع القرار.
-
قصر دور الجهاز علي الوظائف والمهام الضرورية لحماية الأمن القومي المصري، وهو قادر علي تحقيق ذلك, ولديه الكوادر الوطنية القادرة علي تحقيق هذا الهدف، خاصة في مجالات مواجهة الأنشطة الإرهابية والاختراقات الخارجية والجريمة المنظمة, ومتابعة الأنشطة الأجنبية للأفراد والمنظمات وعمليات التجسس الاقتصادي والعلمي وغسيل الأموال وغيرها.
-
النظر في تولي قيادة من خارج جهاز أمن الدولة رئاسة الجهاز وأن يصدق على تعيينه رئيس الجمهورية ومجلس الشعب بعد جلسة استماع يحدد خلالها السياسة العليا للجهاز وأدواته للعمل, وليكون هناك اتفاق جماعي بهذا الخصوص.
-
أن تكون مدة رئيس الجهاز ونوابه ومعاونيه الكبار مرتبطة بمدة رئيس الجمهورية, وتنتهي بانتهاء مدته لإفساح المجال لتداول المناصب القيادية.
-
وضع قانون خاص ولوائح تنظم عمل الجهاز كما هو متبع في المخابرات العامة وتنشر في الجريدة الرسمية ويجري حولها نقاش عام ويتم خلالها تجريم أيه تجاوزات بخصوص حقوق الإنسان, ويلتزم خلالها الجهاز كذلك بالرد علي تقارير منظمات المجتمع المدني الخاصة بحدوث تجاوزات من أفراده, وأن تعقد جلسات استماع في مجلس الشعب بهذا الخصوص. وهكذا يعود هذا القطاع قويا يحمي الأمن القومي المصري، ويواجه المخاطر، وينبه للتهديدات التي يتعرض لها الوطن, ويحافظ علي عناصره الشريفة ليشاركوا جميعا في بناء النظام السياسي الجديد, فليس من مصلحة مصر أن يتم استئصال أي فئة ولكن المطلوب هو تقويم الأداء وترشيده.
وفيما يتعلق بقطاع الأمن المركزي, وهو القطاع الذي تضخم بصورة كبيرة والذي خذل النظام والداخلية عندما احتاجته ثلاث مرات في تاريخه سواء في ثورة الخبز عام 1977 أو عندما هدد هو الأمن العام عام 1986 وكذلك عندما اصطدم بثورة 25 يناير وهو ما أكد أنه يتولى مهاما تتجاوز قدراته, ولا يجب أن يكون مسؤولا عنها, ويجب أن يكون حاميا للوطن والمواطنين, طبقا للدستور والقانون, وليس حاميا لرئيس الجمهورية، وفي ظل المتغيرات التي أعقبت الثورة المصرية وطبيعة النظام السياسي الجديد فلا شك أن إصلاح هذا القطاع سيتطلب ما يلي:
-
النظر في خفض أعداد الأفراد الذين يتم إلحاقهم بالأمن المركزي, ويتم إلحاقهم بالأقسام والمراكز ليزداد أعداد الأفراد العاملين في الأمن العام بقطاعاته المختلفة, وهو ما سيخفض أعداد قطاع الأمن المركزي ارتباطا بتغير مهامه ووظائفه في النظام السياسي الذي يتم بناؤه في الفترة الحالية.
-
أن يكتفي بمجموعات مدربة وذات كفاءة عالية وبالأعداد التي ترسخها الكوادر الأمنية ذات الخبرة كقوات تدخل سريع لمواجهة الظروف الأمنية الطارئة, ودعم المهام الجديدة لجهاز الأمن الوطني, ومواجهة الأخطار والتهديدات الطارئة.
كما أن هناك حاجة لعقد اجتماعي جديد بين الشعب والشرطة, تقدم الشرطة نفسها كجهاز حام للاستقرار والأمن ولتحقيق ذلك فإن وزارة الداخلية مطالبة بتقديم مبادرات مثل:
-
تعيين ضابط علاقات عامة مؤهل في كل قسم أو مركز شرطة.
-
وضع كاميرات مراقبة تراقب العمل داخل وحدات الشرطة علي اختلافها سوف تضمن احترام كافة الأطراف للقانون والنظام.
-
ضرورة تقديم مبادرات شعبية مماثلة تدعو إليها منظمات المجتمع لمساندة الشرطة واستعادة هيبتها التي هي من هيبة الدولة.
-
السماح لممثلي بعض منظمات المجتمع المدني المصرية بزيارات لوحدات وزارة الداخلية في فترة لاحقة ليس من خلال منظور رقابي, ولكن علي قاعدة أننا جميعا شركاء في هذا الوطن(18).
-
إن العملية المرجوة لإعادة بناء وإصلاح وزارة الداخلية هي عملية "إعادة بناء" وليست عملية إصلاح.
-
يجب أن تنطلق عملية إعادة بناء أجهزة وزارة الداخلية من عقيدة أمنية جديدة، ترتكز على حماية أمن الوطن والمواطن، بدلا من العقيدة السابقة الفاسدة، التي كانت ترتكز على خدمة الحاكم وأعوانه.
-
ألا تنطوي عملية إعادة البناء والهيكلة على رغبة انتقامية من بعض الفصائل السياسية والدينية، لتصفية حسابات الماضي.
-
أن يكون المعيار في عملية فصل وإدماج بعض الإدارات والأنشطة، التي كانت موكلة إلى وزارة الداخلية من عدمه، هو مدى الارتباط الوثيق لتلك الإدارات والأنشطة بالمهام والمسؤوليات الأمنية التي تقع على عاتق الأجهزة الأمنية في الدول الديمقراطية.
-
مراعاة عدم الوقوع في الفهم الخاطئ لنظام "الشرطة المجتمعية" في بعض دول العالم، واستنساخها بصورة مشوهة تؤدي إلى تكوين كيانات نظامية "شبه عسكرية" ومسلحة، في ضوء استجابة المواطنين وتعاطفهم مع تجربة "اللجان الشعبية"، إبان الشهور الأولي للثورة، التي لا ينبغي الارتكان إليها في الأحوال العادية.
-
أن يتسق الهيكل التنظيمي المقترح مع المسؤوليات والمهام التي تضطلع بها الوزارة.
-
أن تكون الاستعانة بخريجي بعض الكليات والمعاهد المصرية، مثل كلية الحقوق للالتحاق بأكاديمية الشرطة، ذات طبيعة استثنائية، تفرضها ظروف التداعيات الأمنية فحسب(19).
ثالثا: الحالة الليبية
1- الأجهزة الأمنية في ليبيا قبل الثورة
ارتبط مفهوم الأمن الوطني في ليبيا خلال فترة حكم القذافي بأمن النظام، الذي ارتكز على المحافظة على النظام السياسي، وسبل تعزيزه وتقويته، وهناك العديد من المظاهر التي أكدت سيادة هذا المفهوم كأحد أقوى مفاهيم الأمن السائدة في ليبيا خلال السنوات الماضية، ومن هذه المظاهر ما يلي:
-
محاولات تحييد المؤسسة العسكرية وإضعافها، وعسكرة المدنيين، إلا أنه ومع مرور الزمن برزت ظاهرة الإحلال والتي من خلالها تم تشكيل قوات بديلة أخذت على عاتقها التركيز على الجوانب الأمنية المتعلقة بالمحافظة على النظام، مثل اللجان الثورية والتي لعبت دورا في الدفاع عن وحماية النظام، بالإضافة إلى إنشاء جيش بديل تمثل في الكتائب الأمنية التي تعتبر مليشيات عائلية بالدرجة الأولى.
-
اعتماد التجنيد للمؤسسة العسكرية، والمؤسسات الأمنية الأخرى على مصادر التجنيد التقليدية، كالقرابة، والولاء الأيديولوجي، وصارت في السنوات الأخيرة أساسا للتجنيد في المناصب العسكرية بصفة عامة، والأمنية على وجه الخصوص، وكان التركيز على دور القرابة، خاصة قرابة الدم في تولي المناصب منذ الثمانينيات من القرن الماضي فيما عرف بإعادة القبلية للمجتمع الليبي، وكذلك سيادة واستشراء ظاهرة التحكم غير الديمقراطي في قطاع الأمن، وهذا ما أكدته مسألة الحق الحصري في تعيين القيادات المختلفة لقطاع الأمن والجيش(20).
2- واقع الأجهزة الأمنية في ليبيا بعد الثورة
أدى ارتباط جانب كبير من الأجهزة الأمنية في الحالة الليبية بنظام القذافي، حتى اللحظات الأخيرة قبل سقوطه، إلى اقصاء هذه المؤسسات، كما أدى هروب أو مقتل عدد كبير من كبار القيادات الأمنية في الجيش والشرطة إلى انهيار المؤسسات الأمنية الرسمية للدولة، وذلك في الوقت الذي برزت فيه دور المليشيات الثورية التي لعبت دورا بارزا في القضاء على نظام القذافي كلاعب أساسي، غير أن المشكلة أن هذه الكتائب افتقرت إلى القيادة المركزية الموحدة، كما غلب على بعضها التنافس الشديد فيما بينها.
وتعد أبرز الكتائب التي سيطرت على الوضع الأمني، كتائب مصراتة وبنغازي والزنتان، وقام المقاتلون المدنيون في مصراتة بفرض سيطرتهم على موانئ ومطارات مصراتة، كما سيطر مقاتلو الزنتان على المطار الدولي بطرابلس بعد سقوطها في أغسطس/آب 2011، أما مقاتلو زوارة فقد استولوا على معبر رأس جدير الحدودي مع تونس الذي يعتبر أحد أكثر معابر البلاد ازدحاما، في حين سقطت المراكز الحدودية الأخرى بأيدي جماعات مختلفة، مثل قبيلة التبو، وقد حاول المجلس الوطني الانتقالي على مدار 2011 / 2012 سحب بعض الجماعات المسلحة من الموانئ والمطارات الرئيسية لكن من دون جدوى، والجدير بالذكر أن المحاولات التي بذلت لسحب الفرق العسكرية التابعة لزوارة من رأس جدير قوبل بمعارضة عنيفة، كما تعثرت مرارا وتكرارا محاولات إخراج كتائب الزنتان من مطار طرابلس، ومع أن تلك القوات خرجت فعلا في مايو/أيار 2012، ألا أنها استبدل بها ميليشيات أخرى من مصراتة(21)، ومن ثم، فإن الدولة الليبية ليس لها سيطرة فعلية على الكتائب التي تضطلع بمهام حرس الحدود.
ويمكن القول أن الأجهزة الأمنية التي تشكلت بعد الثورة شملت مجموعات تنتمي إلى مليشيات متضاربة الأهداف والمصالح، ومن أهم الأجهزة الأمنية التي تشكلت بعد الثورة ما يلي:
-
اللجنة الأمنية العليا: وهي جهاز مواز لقوات الشرطة الليبية، وتتكون من مليشيات عدة تدين بالولاء بصورة أساسية لقادتها، وتتواصل الجهود لتحويل ولائها للدولة الليبية.
-
قوات درع ليبيا: وهي تحالف من المليشيات من الشرق ومصراته والزنتان، والتي تعمل كقوة موازنة للجيش الوطني الليبي، وقد تكونت بمبادرة من قادة المليشيات أنفسهم، وذلك بغرض مساعدة الجيش الوطني وأجهزة الأمن(22).
وجاء تعيين أسامة الجويلي وزيرا للدفاع في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 كاعتراف بثقل مليشيات الزنتان، والتي تعد أهم المليشيات الموجودة في ليبيا من حيث فاعليتها وتنظيمها، وهي المسؤولة عن اعتقال سيف الإسلام القذافي، وتتولى حماية المؤسسات الحكومية الليبية في طرابلس، والمنشآت الاقتصادية وحقول النفط، كما تحمي الحدود الليبية مع تونس والجزائر، ومن ثم تتحكم في تدفق البضائع عبر الحدود سواء المهربة أو المشروعة، كما تم تعيين فوزي عبد العال وزيرا للداخلية وهو يترأس إحدى المليشيات من مصراتة، وهي أحد أبرز المليشيات التي ساهمت في إسقاط نظام القذافي.
وقد أدت الهجمات على القنصلية الأميركية في بنغازي ومقتل السفير الأميركي، إلى لفت الانتباه إلى دور الجماعات السلفية الجهادية والمليشيات المرتبطة بها، ولعل أبرز هذه الجماعات هي المليشيات المرتبطة بأنصار الشريعة وكتائب الشيخ عمر عبد الرحمن، والتي لا تزال تمثل مهددا للأمن في ليبيا(23).
3- إصلاح الأجهزة الأمنية في ليبيا
-
أطلقت الحكومة الليبية حملة ضد المليشيات غير المنضوية تحت لواء الأجهزة الأمنية، إلا أن التفكك السريع لأنصار الشريعة في بنغازي وانسحابها منها دون قتال يذكر، يدل على رمزية هذه الإجراءات بصورة كبيرة، وأن هذه المليشيات فضلت الانسحاب والاحتفاظ بقوتها العسكرية، على الدخول في مواجهات مع الأجهزة الأمنية.
-
قامت الحكومة الليبية بتغيير القيادات للمليشيات المسلحة المنضوية تحت لواء الأجهزة الأمنية، في مسعى منها للسيطرة على هذه المليشيات، وإخضاعها للسيطرة الحكومية، غير أنه لا يعتقد أن هذا الإجراء سينجح نظرا لاحتفاظ هذه المليشيات بولائهم للقادة الأصليين، كما يوضح ذلك مليشيا راف الله السحاتي القريبة من الإخوان المسلمين.
-
أطلقت الحكومة الليبية حملة واسعة لجمع الأسلحة غير المرخصة وتلك التي نهبت أثناء الثورة من مخازن السلاح الليبي، وخصصت عددا كبيرا من الجوائز القيمة لتحفيز الشباب على تسليم سلاحه(24)، إلا أن نجاح هذه الإجراءات كان محدودا كذلك.
4- مقترحات إصلاح الأجهزة الأمنية في ليبيا
-
العمل على تطبيق مبدأ السيطرة الديمقراطية على المؤسسات الأمنية، مع ربط مفهوم الأمن بقضايا حقوق الإنسان.
-
بناء المؤسسة العسكرية ودعمها وتحديد دورها من خلال الدستور كحامية وأداة للدفاع عن الوطن والقيم الدستورية والديمقراطية.
-
التأكيد على تعزيز حكم القانون، وحل المليشيات المسلحة غير المرتبطة بالدولة، والقضاء على التجاوزات التي ارتكبتها هذه المليشيات، خاصة مع التجاوزات وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها بعض هذه المليشيات(25).
-
ضرورة تحويل ولاء المليشيات المسلحة التي تم دمجها في الأجهزة الأمنية إلى الدولة الليبية، كما ينبغي الاستفادة من الكفاءات الموجودة في الأجهزة الأمنية السابقة خاصة الشرطية، والتي لم ترتكب أية انتهاكات ولم تتورط في قمع الليبيين.
رابعاً: الحالة اليمنية
1- الأجهزة الأمنية في اليمن قبل الثورة
-
وزارة الداخلية: تعد وزارة الداخلية في اليمن إحدى المؤسسات الأمنية وأكبرها من حيث الأجهزة التابعة لها، وتقوم الوزارة بموجب اللائحة الداخلية بالقرار الجمهوري رقم 169 لسنة 1995 بإدارة شؤون الأمن في مختلف المجالات، وهذا يعني أنها تقوم بجميع المهام الأمنية والضبطية كافة، وهو ما يتعارض مع اختصاص بعض الأجهزة الأمنية الأخرى، ويقدر حجم الكادر الأمني من الأفراد وصف الضباط والضباط لوزارة الداخلية بأكثر من مئة ألف، موزعين على كافة الهيئات والمؤسسات الأمنية التابعة للوزارة.
ويعد جهاز الأمن العام في الشرطة وفقا للدستور هيئة مدنية نظامية تتولى حماية أمن المواطنين وحفظ النظام والأمن العام، وتتولى تنفيذ أوامر السلطة القضائية، ويساعدها في تأدية مهامها التقنية جهاز البحث الجنائي، وفي سياق مكافحة الإرهاب أنشئ جهاز جديد بالقرار الجمهوري رقم 159 لسنة 2004 هو الإدارة العامة لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
-
وحدات الأمن المركزي: تتبع وزارة الداخلية من الناحية اللائحية فقط، ولكنها من الناحية الفعلية لا تخضع لها، وهي وحدات شبه عسكرية، وفي سياق مكافحة الإرهاب استحدثت وحدة جديدة هي وحدة مكافحة الإرهاب.
-
جهاز الأمن السياسي: وقد أنشئ بالقرار الجمهوري رقم 121 لسنة 1992 بعد دمج جهازي أمن الدولة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (سابقا) وجهاز الأمن الوطني في الجمهورية العربية اليمنية سابقا، في جهاز واحد سمي الجهاز المركزي للأمن السياسي، وقد تم إنشاء جهاز الأمن القومي بموجب القرار الجمهوري رقم 261 لسنة 2002 وحددت المهام والاختصاصات الممنوحة لهذا الجهاز بحيث "يتولى رصد وجمع وتوفير وتحليل المعلومات الاستخباراتية عن كافة المواقف والأنشطة المعادية الموجهة من الخارج التي تشكل تهديدا للأمن القومي للبلاد وسيادتها ونظامها السياسي ومركزها الاقتصادي والعسكري"، كما منح القرار هذا الجهاز والعاملين فيه الصلاحيات المخولة قانونا لرجال الضبط القضائي وفقا لقانون الإجراءات الجزائية، ويحق لهذا الجهاز إنشاء فروع له في جميع المحافظات، وأعطى القرار الجمهوري هذا الجهاز نوعا من التميز على الأجهزة الأمنية الأخرى، ويتبع مباشرة رئيس الجمهورية.
ومهام هذه الأجهزة متداخلة ومتعارضة، فمعظم الصلاحيات الممنوحة لجهازي الأمن السياسي والأمن القومي تكاد تكون متطابقة أو شبه متطابقة، وللجهازين صلاحيات واختصاصات، بموجب قرار إنشاء كل منهما، هي من صلاحيات أجهزة الأمن الشرطية التابعة لوزارة الداخلية وبعض الأجهزة الأخرى التابعة لها، مثل مهام خفر السواحل وحرس الحدود والبحث الجنائي فيما يتعلق بأنشطة التهريب والسرقات، ومن ناحية أخرى، فقد أعطى القانون الحق لجهازي الأمن بإبرام الاتفاقات الأمنية مع الأجهزة المماثلة في البلدان الشقيقة والصديقة والتعاون والتنسيق فيما بينهما في مكافحة الأنشطة المتعلقة بأمن البلدان وأنظمتها من الناحية الأمنية، وهو الأمر المخول لوزارة الداخلية أيضا، وتتكرر وحدات مكافحة الإرهاب في أجهزة الأمن المختلفة؛ مثل الإدارة العامة لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وتتبع الأمن العام، ووحدة مكافحة الإرهاب في الأمن المركزي، وحدة مكافحة الإرهاب في الحرس الجمهوري.
وإجمالا، فإن أهم سمات القطاع الأمني في اليمن:
-
التضخم من حيث عدد الأجهزة والأفراد.
-
التداخل في المهام والصلاحيات.
-
التسييس العالي لأفراد الأمن السياسي والأمن القومي، والامتيازات الخاصة بهم والتي لا تمنح لمنتسبي الشرطة أو الأمن العام.
-
الاستناد في كل أجهزة الأمن إلى الولاء الشخصي أو المناطقي في عملية التنسيب والترفيع وتولي المناصب، وضعف المهنية والتدريب.
وقد ترتب على ذلك، عجز الأجهزة الأمنية عن الحفاظ على الأمن والاستقرار ومكافحة الجريمة.
ومن الملاحظ أن الرقابة على الأجهزة الأمنية والشفافية في أداء مهامها وعملها تكاد تكون منعدمة، بل غائبة كليا وبالذات على الأجهزة الأمنية المؤثرة والفاعلة كالأمن السياسي والأمن القومي، التي تتبع مباشرة رئيس الدولة، ولا تخضع إلا له، وهي مسؤولة أمامه في أداء جميع أعمالها، ومراقبتها في أداء مهامها غير ممكنة من قبل المؤسسة التشريعية (البرلمان) لأن دورها الرقابي غر فاعل ولا حاسم(26).
2- ما تم في إصلاح الأجهزة الأمنية اليمنية
ويمكن القول إن إصلاح الأجهزة الأمنية تمثل في إقالة كبار المسؤولين الأمنيين الموالين لعلي عبد الله صالح، فقد أجرى الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي تعديلا شمل بعض الوزراء والمسؤولين الأمنيين في خطوة تهدف إلى تقليص نفوذ الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وبدل رئيس الوزراء أيضا مدير دائرة الاستخبارات العسكرية ورئيس جهاز الأمن القومي لأنهما مقربان من صالح وعين بدلا منهما أحمد محسن اليافعي الذي كان مسؤولا كبيرا سابقا بوزارة الدفاع، كما عيّن علي حسن الأحمدي المحافظ السابق لمحافظة شبوة في جنوب اليمن كرئيس لجهاز الأمن القومي الجديد(27).
3- مقترحات إصلاح القطاع الأمني في اليمن
-
إن السبب الرئيس في فشل إصلاح الأمن يرجع إلى عدم التوافق على إصلاح النظام السياسي، ومن ثم، فإن بدء عملية إصلاح النظام السياسي سوف يساعد على إصلاح الأجهزة الأمنية.
-
تحتاج عملية إصلاح القطاع الأمني في اليمن إلى وضع حد لظاهرة تعدد الأجهزة الأمنية المتنافسة، وإلى وضع آليات فعّالة للرقابة التشريعية والقضائية والمدنية على القطاع، كما يجب حظر تدخل الأجهزة الأمنية في الحياة السياسية، بالإضافة إلى فرض المساءلة والشفافية فيما يتعلق بأداء الجهاز الأمني.
-
توحيد جهاز الأمن العام (جهاز هيئة الشرطة والأجهزة المساعدة له) وجهاز الأمن الخاص (الأمن المركزي) في إطار واحد هو جهاز الأمن العام، لإنهاء حالة التعدد وتعارض المهام وما تسببه من انفلات وتعد على المواطنين وحقوقهم، كما يجب قصر تبعية الأمن العام لوزارة الداخلية وحصر مهام الأمن العام بالوزارة، بحيث تدمج جميعها بما في ذلك الأمن المركزي، وتكون للوزارة السيطرة عليها، وحظر اعتماد أية نفقات أمنية خارج وزارة الداخلية.
-
تحديث الأجهزة المعنية بتطبيق القانون وتخليصها من عناصر الفساد والأمية القانونية، وخاصة في الأمن العام والبحث الجنائي.
-
إصلاح وزارة الداخلية وأجهزة الشرطة والأمن بما يتفق مع كونها هيئة مدنية، وإزالة التداخل والازدواج في التشكيلات والاختصاصات بينها وبين القوات المسلحة، ورفع كفاءتها في مكافحة الجريمة وتحقيق الاستقرار الأمني واحترام حقوق الإنسان(28).
-
اعتماد عقيدة أمنية وطنية تقوم على الولاء لحكم القانون وحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وخدمة المواطن وتحسين مهنية العاملين فيها والاستناد في عمله إلى معايير الكفاءة والاحتراف ويتولى قيادتها أشخاص يخضعون للمساءلة وتدوير المناصب.
-
إخضاع هذه الأجهزة لرقابة السلطة التشريعية والقضائية ورقابة الحكومة في مجال الأداء والإنفاق.
الخلاصة
إن استعراض ما تم من جهود دول الثورات العربية يشير بوضوح إلى وجود صعوبة تعاني منها هذه الدول في تحقيق إصلاح سريع في قطاع الأمن، حيث يصعب عليها عملية إعادة بناء المؤسسات التابعة له في ظل ظروف عدم الاستقرار التي تعاني منها، وبالتالي فإن هذه العملية –وإن تفاوتت من دولة لأخرى– من المرجح أن تتم عبر مراحل تدرجية للوصول إلى الغايات النهائية، وإن كان من الثابت بوضوح أن مجتمعات هذه الدول قد بدأت تجني بعض ثمرات ثورتها خاصة في تحقيق نوع من الانضباط في أداء القطاعات الأمنية وتصاعد احترامها لحقوق الإنسان والالتزام قدر الإمكان بالقانون وهو ما يزيد من الأمل في أن تتحول هذه المجتمعات إلى مراحل أفضل من الحداثة والتطور والعدالة.
_________________________________________
د. محمد مجاهد الزيات - خبير في الشؤون الأمنية والإستراتيجية ونائب رئيس المركز القومى لدراسات الشرق الأوسط بالقاهرة.
المصادر
1- اللواء صلاح حافظ، محمد محمود عبد العال، رشا عبد الواحد، المؤسسة الأمنية (الشرطة) في مصر وتحديات الإصلاح، 6/8/2012، مركز "محيط " للدراسات السياسية والإستراتيجية، موجود على الرابط التالي: http://www.moheet.com/2012/08/06/
2- Querine Hanlon, Security Sector Reform in Tunisia: A Year after the Jasmine Revolution, United States Institute of Peace, Special Report 304, March 2012, p. 6.
3- Ibid., p.p. 6 – 7.
4- Querine Hanlon, The Prospects for Security Sector Reform in Tunisia A Year After the Revolution, Strategic Studies Institute, September 2012, p.p. 20 – 21.
5- Derek Lutterbeck, After the Fall: Security Sector Reform in post-Ben Ali Tunisia, Arab reform Initiative, September 2012, p.p. 17 – 18.
6- Ibid., p.p. 23 – 24.
7- Ibid., p. 24.
8- Derek Lutterbeck, After the Fall: Security Sector Reform in post-Ben Ali Tunisia, Arab reform Initiative, September 2012, p.p. 14 – 16.
9- جماعة الأزمات الدولية، تونس: مكافحة الإفلات من العقاب، واستعادة الأمن، موجود على الرابط التالي: http://www.crisisgroup.org/ar/Regions%20Countries/Middle%20East%20-%20North%20Africa/North%20Africa/Tunisia/123-tunisia-combatting-impunity-restoring-security.aspx
10- د. محمد قدري سعيد، د. نهى بكر، إصلاح قطاعات الأمن في مصر، مبادر الإصلاح العربي، يناير 2011، ص 2.
11- د. محمد قدري سعيد، د. نهى بكر، مرجع سابق، ص 2.
12- عبد الحليم المحجوب، إصلاح الأمن الداخلي في ضوء المتغيرات الثورية في مصر، أوراق الشرق الأوسط، العدد 56، أبريل 2012، ص 69.
13- توفيق أكليمندوس، إصلاح أنظمة الأمن المصرية: قراءة في الصحف والأفكار المتعارف عليها والشائعات، مبادرة الإصلاح العربي، يونيو 2011، ص 5.
14- د. محمد قدري سعيد، د. نهى بكر، إصلاح قطاعات الأمن في مصر، مبادر الإصلاح العربي، يناير 2011، ص ص 2 – 6.
15- توفيق أكليمندوس، مرجع سابق، ص 5.
16- رابحة سيف علام، كيف نصلح الشرطة المصرية من وحي التجارب الدولية؟، منتدى البدائل العربي للدراسات، 2011، ص 6.
17- اللواء صلاح حافظ، محمد محمود عبد العال، رشا عبد الواحد، المؤسسة الأمنية (الشرطة) في مصر وتحديات الإصلاح، 6/8/2012، مركز "محيط " الدراسات السياسية والإستراتيجية، موجود على الرابط التالي: http://www.moheet.com/2012/08/06/
18- الدكتور محمد مجاهد الزيات، نحو ترشيد أداء القطاعات الأمنية، موجود على الرابط التالي: www.ahram.org.eg/465/2011/03/07/4/66351/219.aspx
19- حسين حمودة، معضلة الأمن?: مؤسسات الأمن الداخلي بين إعادة الهيكلة والبناء في مصر، موجود على الرابط التالي: http://www.siyassa.org.eg/NewsContent/3/111/2341/
20- آمال العبيدي، الأمن الوطني في ليبيا: تحديات المرحلة الانتقالية، ورقة مقدمة لمؤتمر ليبيا من الثورة إلى الدولة: تحديات المرحلة الانتقالية، يناير 2012، الدوحة، ص 3.
21- بيتر كول، فوضى خطوط الحدود: تأمين حدود ليبيا، أوراق كارنيغي، أكتوبر 2012، ص 13.
22- Frederic Wehrey, Libya's Militia Menace, Foreign Affairs, July 2012, accessible at: http://www.carnegieendowment.org/2012/07/15/libya-s-militia-menace/csdq
23- Geoff D. Porter, The attack on the U.S. consulate: Emerging signs of Jihadist sentiment in Libya, CTC sentinel, Vol. 5, issue 2, September 2012, p. 4.
24- http://www.bernama.com/arabic/v2/news_details.php?news_cat=fea&id=38159
25- آمال العبيدي، مرجع سابق، الدوحة، ص 11.
26- محمد أحمد علي المخلافي، عبد الكافي شرف الدين الرحبي، القطاع الأمني في اليمن ومتطلبات إصلاحه، مبادرة الإصلاح العربي، مايو 2012، ص ص 2 – 9.
27- للاطلاع، إضغط هنا.
28- محمد أحمد علي المخلافي، مرجع سابق، ص ص 9 – 10.0
عودة إلى الصفحة الرئيسية للملف |