بدائل الطاقة ومستقبل النفط والغاز في منطقة الخليج

تركز هذه الورقة البحثية على أهمية ارتباط تقييم بدائل الطاقة بعدد من الأمور مثل الاستخدام الأمثل للطاقة، خاصة في ظل استمرار الطلب على الطاقة مثل الكهرباء للأغراض المنزلية والصناعية.
201511491459739797_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
تفرض التطورات الدولية والإقليمية الراهنة في ميدان الطاقة، وخاصة ما يتصل بالنفط والغاز الطبيعي، على دول مجلس التعاون الخليجي، ضرورة اللجوء لخيارات أخرى مثل الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، وتوجيه المزيد من الغاز نحو التصدير بدل الاستهلاك المحلي؛ من أجل تعزيز إيرادات الخزانة العامة لهذه الدول في المستقبل المنظور والبعيد.

تركز هذه الورقة البحثية على أهمية ارتباط تقييم بدائل الطاقة بعدد من الأمور مثل الاستخدام الأمثل للطاقة، خاصة في ظل استمرار الطلب على الطاقة مثل الكهرباء للأغراض المنزلية والصناعية.

وتنوه إلى ما تتمتع به دول مجلس التعاون الخليجي من مستويات مرتفعة من مخزون بدائل الطاقة المتنوعة؛ ليس فقط النفط الخام والغاز الطبيعي المسال، ولكن أيضًا مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية، والطاقة النووية، إضافة إلى الطاقة الكهرومائية.

ويبقى من أهم البدائل المتاحة في هذا الصدد، بناء محطات نووية في دول مجلس التعاون عبر توقيع عقود مع شركات متخصصة؛ للمساعدة في تلبية احتياجاتها من الطاقة، مع التأكيد على الاستخدام السلمي لهذا المصدر الحيوي، عبر التنسيق مع الجهات الدولية ذات العلاقة لضمان سلامة المنشآت.

مقدمة

لا يرتبط الحديث حول بدائل الطاقة لسبب وجود نقص للمصادر الرئيسية للطاقة، أي النفط والفحم والغاز. بل يمكن تفهم جهود البحث عن بدائل الطاقة بعيدًا عن النفط والغاز، فضلاً عن الفحم لأسباب تتعلق بعدم صواب الاعتماد بشكل مبالغ فيه على مصادر محددة، في ظل توافر بدائل أخرى لا تقلُّ أهمية.

فهناك الطاقة الكهرومائية والطاقة النووية، إضافة إلى مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح. ففي الوقت الذي يوجد فيه نوع من التحفُّظ على الطاقة النووية بالنظر لحساسية المسألة، والتي قد تعني إمكانية اكتساب تقنية تصنيع القنابل النووية، تتميز مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح بالاستمرارية والتجديد، خلاف ما عليه الحال بالنسبة للمصادر الهيدروكربونية مثل النفط والغاز؛ حيث التهديد الدائم بنضوبها.

وفيما يخص دول مجلس التعاون الخليجي، فمن شأن اللجوء لخيارات أخرى مثل الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء توجيه المزيد من الغاز نحو التصدير بدل الاستهلاك المحلي، وبالتالي تعزيز إيرادات الخزانة العامة للدول. أيضًا، يرتبط الحديث حول تقييم بدائل الطاقة بأمور مثل الاستخدام الأمثل للطاقة، في ظل استمرار الطلب على الطاقة مثل الكهرباء للأغراض المنزلية والصناعية.

ومما لا شك فيه، لا يمكن إغفال دور أسعار الطاقة والتقنية عند تقييم البدائل المختلفة، حيث جرت العادة تاريخيًّا أن يزداد الحديث حول بدائل النفط في ظل ارتفاع أسعار الذهب الأسود وبقائها مرتفعة لفترة زمنية. لقد تم إعداد هذا التقرير في خضم هبوط أسعار النفط بنحو 25% في الربع الأخير من عام 2014، لكن لا يمكن تغافل حقيقة بقاء متوسط أسعار النفط فوق حاجز 100 دولار للبرميل ما بين 2011 و2013 والنصف الأول من 2014.

يناقش هذا التقرير بدائل الطاقة، مع التركيز على أهميتها المستقبلية بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي الست؛ أي السعودية والإمارات وقطر والكويت وعُمان والبحرين.

الأهمية النسبية لمصادر الطاقة

يتوزع مزيج الطاقة من حيث الأهمية النسبية على النحو التالي: 1- النفط. 2- الفحم. 3- الغاز. 4- الطاقة الكهرومائية. 5- الطاقة النووية. 6- الطاقة المتجددة. (انظر: الجدول رقم 1).

يعدُّ القطاع النفطي بلا شك جوهريًّا بالنسبة لمزيج الطاقة، لكن دونما إغفال الأهمية النسبية للفحم من جهة، وتنامي مصادر الطاقة المتجددة من جهة أخرى. إضافة إلى النفط والغاز، تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بمصادر الطاقة الصديقة للبيئة، الأمر الذي يعني استمرار الاحتفاظ بموقع الصدارة لتوفير مزيج الطاقة.

الجدول رقم 1: الاستهلاك العالمي لمصادر الطاقة، أرقام 2013

مصدر الطاقة %
النفط  32.9
الفحم 30.0 
الغاز الطبيعي  23.3
الهيدروإلكتريك
(الطاقة الكهرومائية)
6.7 
 الطاقة النووية  4.4
 الطاقة المتجددة 2.7 
 المجموع  100.0
المصدر: شركة بريتيش بتروليوم - تقرير إحصاءات الطاقة، يونيو/حزيران 2014،
BP Statistical Review of world Energy June 2014,
http://www.bp.com/en/global/corporate/about-bp/energy-economics/statistical-review-of-world-energy.html 

النفط

يعدُّ القطاع النفطي بشقيه -النفط والغاز- المساهم الأول لمصادر الطاقة، بدليل توفيره نحو 56% لمزيج الطاقة على الأقل حتى بداية 2014، وهي نسبة جديرة وكبيرة في ظل منافسة وتواجد بدائل أخرى. وبشكل أكثر تحديدًا، يستحوذ النفط على ثلث مصادر الطاقة، الأمر الذي يعكس الأهمية النسبية الكبيرة لهذا المصدر. إذ تشمل أسباب بقاء النفط المصدر الأبرز للطاقة أمورًا مثل ارتباط الحياة العصرية بالمشتقات النفطية مثل وقود السيارات والطائرات. كما يتم استخدام النفط والغاز كمواد أوَّليَّة للعديد من المنتجات اليومية من أسمدة ومستحضرات تجميل ومواد بناء، وغيرها كثير من السلع.

لا يوجد نقص للاحتياطي النفطي جملة وتفصيلاً، وخصوصًا في ظل الاكتشافات المستمرة في مختلف بقاع الأرض. فحسب تقرير الطاقة -ومصدره شركة بريتتش بتروليوم التي تعدُّ مرجعًا لإحصاءات الطاقة- يكفي الاحتياطي النفطي العالمي المكتشف على مستوى العالم لنحو 53 سنة، بناء على مستويات الإنتاج الحالية (88 مليون برميل يوميًّا أو 31 مليار برميل في السنة مقارنة مع 1688 مليار برميل حجم الاحتياطي). في التفاصيل، تبلغ فترة بقاء الاحتياطي النفطي لمنطقة الشرق الأوسط -بما في ذلك دول مجلس التعاون- نحو 82 سنة، أي أعلى بكثير من المتوسط. كما يرتفع المتوسط إلى قرابة 120 سنة في مناطق أخرى، مثل جنوب القارة الأميركية ومثال ذلك فنزويلا.

لقد ساهمت الاكتشافات النفطية -في مختلف مناطق العالم، وبشكل لافت في السنوات القليلة الماضية في قارة أميركا الجنوبية- في تعزيز حجم الاحتياطي العالمي من 1041 مليار برميل في عام 1993 إلى 1334 مليار برميل في 2003، ومن ثَمَّ 1688 مليار برميل في 2013.

وهذا ربما يفسِّر نجاح فنزويلا وليس السعودية بالاستحواذ على أعلى نسبة من الاحتياطي النفطي المكتشف؛ حيث تسيطر فنزويلا والسعودية بنحو 17,7% و15,8% على التوالي من الاحتياطي النفطي العالمي. وفيما يخص الإنتاج النفطي العالمي، تساهم السعودية وفنزويلا بنحو 13% و3,3% على التوالي؛ نظرًا لتباين مستويات القدرة الإنتاجية (انظر: الجدول رقم 2).

الجدول رقم 2: الاحتياطي العالمي للنفط والغاز، إحصاءات 2013

 

% من النفط الخام المكتشف

% من الإنتاج النفطي العالمي

% من الغاز الطبيعي المكتشف

% من الإنتاج العالمي للغاز

فنزويلا

17,7

3,3

3,0

1,0

السعودية

15,8

13,1

4,4

3,0

كندا

10,3

4,7

1,1

4,6

إيران

9,3

4,0

18,2

4,9

العراق

8,9

3,7

1,9

-

الكويت

6,0

3,7

1,0

-

الإمارات

5,8

4,0

3,3

1,6

روسيا

5,5

12,9

16,8

17,8

ليبيا

2,9

2,7

-

-

الولايات المتحدة

2,2

10,8

5,0

20,5

نيجيريا

2,2

2,7

2,7

-

كازاخستان

1,8

2,0

-

-

قطر

1,5

2,0

13,3

4,7

الصين

1,1

5,0

1,8

3,4

البرازيل

0,9

2,7

-

-

أنجولا

0,8

2,1

-

-

الجزائر

0,7

1,7

2,4

2,3

المكسيك

0,7

3,4

-

1,7

النرويج

0,5

2,0

1,1

3,2

عُمان

0,3

1,1

-

-

تركمانستان

-

-

9,4

1,8

أستراليا

-

-

2,0

-

إندونيسيا

-

-

1,6

2,1

ماليزيا

-

-

-

2,0

هولندا

-

-

-

2,0

المملكة المتحدة

-

-

-

1,6

أخرى

5,1

12,4

11,0

21,8

المجموع

100

100

100

100

نصيب منظمة أوبك

71,9

42,1

 

 

دول الاتحاد السوفيتي سابقًا

7,8

16,5

28,5

22,8

الاتحاد الأوروبي

0,4

1,7

0,8

4,9

 المصدر: شركة بريتيش بتروليوم - تقرير إحصاءات الطاقة، يونيو/حزيران 2014،
BP Statistical Review of world Energy June 2014,
http://www.bp.com/en/global/corporate/about-bp/energy-economics/statistical-review-of-world-energy.html
 

الفحم

خلافًا لما هو متعارف عليه، يعتبر الفحم ثاني أهم مصدر للطاقة بعد النفط ولكن قبل الغاز الطبيعي، بدليل تشكيله قرابة 30% من مجموع الاستهلاك العالمي للطاقة في 2013. وربما ترتفع النسبة مستقبلاً في ظل التقدير العالمي للفحم النظيف. بالطبع، لا يمكن إنكار عامل كلفة اقتناء الفحم قياسًا ببعض المصادر الأخرى، الأمر الذي يفسر بشكل جزئي مدى انتشار هذا البديل، على الرغم من عدم قدرته على منافسة القطاع النفطي بالنسبة للاستهلاك.

ويلاحظ تراجع مستوى احتياطي الفحم من 1,039,181 مليون طن في عام 1993 إلى 984,453 مليون طن في 2003 إلى 891,531 مليون طن في 2013. لكن لا يعني ذلك الكثير؛ لأن بمقدور الكمية المكتشفة ضمان بقاء الإنتاج لنحو 113 سنة بناء على مستويات الإنتاج الحالية، أي لأكثر من قرن من الزمان.

لا غرابة، أن تستحوذ الصين على نصيب الأسد من إنتاج الفحم وتحديدًا 47% بالنظر لتوافر المخزون من الاحتياطي والقدرة الإنتاجية، لكن دونما إغفال عامل عدم التشدد في المسائل البيئية. ويمكن للزائر ملاحظة مستوى الضباب والجو الملوَّث في سماء العاصمة بكين كانعكاس لسياسة الدولة تجاه القضايا البيئية. لكن قد تتشدد السلطات الصينية في المسائل البيئية مستقبلاً بما في ذلك العمل في المناجم، الأمر الذي سوف يترك تداعياته بالنسبة لاستخدام الفحم كمصدر للطاقة في هذه البلاد المترامية الأطراف.

بالمقابل، تمتلك ألمانيا قرابة 4,5% من الاحتياطي، لكن نصيبها من الإنتاج العالمي للفحم في حدود 1% فقط. تعكس هذه الحقيقة تبني ألمانيا خيارًا استراتيجيًّا تجاه استخدام الفحم؛ لأسباب تتعلق بالقوانين البيئية المعمول بها في دول الاتحاد الأوروبي. ويلاحظ عدم وجود ذكر لدول مجلس التعاون الخليجي فيما يخص ثروة الفحم، سواء من حيث الاحتياطي المكتشف أو الإنتاج؛ لأسباب لها علاقة بالطبيعة والجغرافيا (انظر: الجدول رقم 3).

الجدول رقم 3: الفحم كمصدر رئيسي للطاقة، 2013

 

% من الفحم المكتشف

% من إنتاج الفحم

الولايات المتحدة

26,6

12,9

روسيا

17,6

4,3

الصين

12,8

47,4

أستراليا

8,6

6,9

الهند

6,8

5,9

 ألمانيا

4.5 

1.1 

أوكرانيا

3,8

1,2

جنوب إفريقيا

3,4

3,7

إندونيسيا

3,1

6,7

أخرى

12,8

8,9

المجموع

100

100

دول الاتحاد السوفيتي سابقًا

25,6

7,1

الاتحاد الأوروبي

6,3

3,9

 المصدر: شركة بريتيش بتروليوم - تقرير إحصاءات الطاقة، يونيو/حزيران 2014،
BP Statistical Review of world Energy June 2014,
http://www.bp.com/en/global/corporate/about-bp/energy-economics/statistical-review-of-world-energy.html

الغاز

يأتي ترتيب الغاز في المرتبة الثالثة بعد النفط والفحم، من حيث المساهمة في استهلاك مصادر الطاقة. لكن يوجد شبه اتفاق حول تعزيز الأهمية المستقبلية للغاز كمصدر جوهري للطاقة على خلفية الاكتشافات الضخمة للغاز الطبيعي في قارتي أميركا الجنوبية وأميركا الشمالية، إضافة إلى الصين، فضلا عن تنامي ظاهرة الغاز الصخري الأميركي كمصدر حيوي في ظل الاستخدامات الصناعية للغاز كمصدر حيوي لإنتاج الكهرباء على سبيل المثال.

اللافت هو حصول ارتفاع لحجم الاحتياطي من الغاز الطبيعي المكتشف من 118 تريليون متر مكعب في عام 1993 إلى 157 تريليون متر مكعب في 2003، ومن ثَمَّ 187 تريليون متر مكعب في 2013 على خلفية الاكتشافات المستمرة في العديد من بقاع العالم، وخصوصًا إيران وروسيا (انظر: الجدول رقم 2). حيث يغطي الاحتياطي المكتشف من الغاز الطبيعي قرابة 54 سنة، بناء على مستويات الإنتاج الحالية. لكن بمقدور الاحتياطي من الغاز الطبيعي من منطقة الشرق الأوسط -بما في ذلك قطر- الاستمرار لمدة 130 سنة، أي الأعلى في العالم في الوقت الحاضر.

الجدير بالإشارة أيضًا هو سيطرة ثلاث دول على الاحتياطي من الغاز، وهي على التوالي إيران وروسيا وقطر. خلافًا لقطر، هناك في العالم الغربي من يعتبر إيران وروسيا دولتين غير صديقتين لأسباب سياسية. كما لدى الغرب تجربة قاسية مع روسيا في مسألة تزويد أوروبا بالغاز، وبالأخص خلال فصل الشتاء؛ حيث يزداد الطلب على استهلاك الغاز لأغراض التدفئة. وربما تحدث تغييرات جوهرية لترتيب الدول الأكثر استحواذًا على احتياطي الغاز بالنظر للاكتشافات المستمرة للغاز الصخري.

الهيدروإلكتريك (الطاقة الكهرومائية)

يساهم هذا المصدر بنحو 6,7% من المزيج العالمي للطاقة، وذلك بهدف إنتاج الكهرباء من خلال إنشاء محطات للطاقة الكهرومائية على سدود الأنهار؛ لغرض الاستفادة من المياه. يعتبر البعض هذا المصدر نوعًا من المصادر المتجددة، بالنظر لحالة الاستفادة من عنصر الماء.

الطاقة النووية

شكَّل هذا المصدر نحو 4,4% لاستهلاك مصادر الطاقة في عام 2013، وهي أقل نسبة منذ 1984. ويعود الأمر بشكل رئيسي إلى تراجع اليابان عن استخدام الطاقة النووية في أعقاب كارثة مفاعل فوكوشيما. وكرد فعل، قررت دول أخرى الحد من استخدام الطاقة النووية لأسباب يمكن تفهمها. كما يوجد لغط وتخوف عالمي من الاستفادة من هذا المصدر؛ كونه ممهدًا للاستخدام العسكري غير السلمي، بدليل مواقف الدول الغربية من المشروع النووي الإيراني.

على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، فقد قطعت الإمارات شوطًا لتأمين هذا المصدر من الطاقة، كما يتجلى ذلك من خلال إبرام اتفاق مع كوريا الجنوبية لإنشاء محطات للطاقة النووية خاضعة لإشراف الجهات الدولية ذات العلاقة. حيث تحتاج الإمارات الطاقة النووية؛ لتلبية الطلب المحلي من الطاقة الكهربائية في إطار النمو الاقتصادي الكبير في البلاد، وسعيها لتعزيز موقعها في الاقتصاد العالمي.

الطاقة المتجددة

تشكِّل مصادر الطاقة المتجددة أقل من 3% من مزيج الطاقة، لكن النسبة قابلة للارتفاع؛ حيث توجد أسباب موضوعية وراء توقع تعزيز الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة بدل الغاز لإنتاج الكهرباء، على خلفية الحاجة لتعزيز إنتاج الكهرباء لتلبية الطلب الصناعي والمنزلي على الصعيد العالمي.

وفيما يخص المنظومة الخليجية، ينمو الطلب على الكهرباء بنسبة 8% سنويًّا، ما يعني وجود الحاجة لمضاعفة الإنتاج مرة كل عقد من الزمن، وهو أمر مكلِّف وغير هيِّن في الوقت نفسه. ومن شأن إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة توفير المزيد من النفط الخام والغاز لأغراض التصدير، وعليه تعزيز فرص رفع مستوى إيرادات الخزانة العامة.

إضافة لذلك تعتبر دول الخليج من بين أسوأ 14 دولة في مجال انبعاث ثاني أكسيد الكربون؛ بسبب مصادر الطاقة الهيدروكربونية أو الوقود الأحفوري، أي النفط والغاز. لكن من الممكن الحد من المشكلة عبر الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة، والتي تتميز بالمحافظة على البيئة. ويتوقع على نطاق واسع تراجع كلفة الإنتاج المرتبطة بمصادر الطاقة المتجددة في السنوات القادمة؛ نظرًا لتطور التقنية وارتفاع مستويات الإنتاج(1).

ومما يبعث على الاطمئنان أن دول مجلس التعاون وضعت أهدافًا للاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة حتى عام 2020؛ نظرًا للحاجة للتخطيط السليم. في بعض التفاصيل، تأمل أبو ظبي بإنتاج 24% من حاجاتها من الكهرباء عبر مصادر الطاقة المتجددة بحلول 2020، بما في ذلك إنتاج كميات معتبرة من الطاقة الشمسية والرياح والمخلفات. ومن ثَمَّ التقليل من الاعتماد على الغاز الذي يشكل نسبة 97% من الطاقة المستخدمة لإنتاج الكهرباء في الإمارات العربية المتحدة حاليًا، وعليه يعدّ الهدف واقعيًّا وليس بالضرورة طموحًا(2).

ويمكن تفهم توجُّه إمارة أبو ظبي نحو تعزيز فرص الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة؛ لأسباب تتعلق باستضافتها لمقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إرينا). والعمل جارٍ لإنشاء مدينة متخصصة قريبة من العاصمة أبو ظبي تحمل مسمى "مصدر" عبر شراكة بين جهات مختلفة تشمل "شركة مبادلة"، والتي تتمتع بثروة ضخمة؛ حيث بلغت قيمة الثروة السيادية لشركة مبادلة قرابة 61 مليار دولار حتى سبتمبر/أيلول 2014، وذلك حسب إحصاءات معهد الثروة السيادية. وتدخل ضمن الثروة السيادية للإمارات، بالنظر لكونها تتبع إمارة أبو ظبي(3).

وينتظر أن تتخذ إرينا من مدينة مصدر مقرًّا لها كمدينة تعتمد بشكل كامل على مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح؛ لتلبية احتياجاتها من الطاقة، مع عدم السماح فيها باستخدام السيارات(4).

من جهة أخرى، لدى إمارة دبي وحدها خطة دقيقة لتنويع مصادر الطاقة في غضون عقد ونصف العقد، كما يتجلى من الجدول التالي:

الجدول رقم 4: تنويع مصادر الطاقة في دبي بحلول 2030

 

%
  من مجموع مصادر الطاقة

الغاز

71

الطاقة النووية

12

الفحم
  النظيف

12

الطاقة الشمسية

5

 المصدر: هيئة كهرباء وماء دبي، نقلاً عن لمياء القلاب، "الإمارات تستهدف إنتاج 24% من احتياجاتها من الكهرباء من مصادر نظيفة":

وزارة الطاقة، الإمارات العربية المتحدة، 27 يوليو/تموز 2014، الموقع الإلكتروني:
http://www.zawya.com/ar/story/ZAWYA20140727192313/

بدورها، تسعى قطر لتوليد 16% من احتياجاتها من الكهرباء من الطاقة الشمسية بحلول عام 2018، وتعتبر هذه الخطة الأكثر طموحًا من غيرها في دول مجلس التعاون الخليجي(5).

تأكيدًا للاهتمام الرسمي بالطاقة المتجددة، يُسجَّل لدول مجلس التعاون نجاحها في استضافة مؤتمرات دولية رئيسة في مجال الطاقة المتجددة مثل القمة العالمية لطاقة المستقبل لعام 2013 في الإمارات، تتويجًا لاستضافة مقر إرينا في أبو ظبي. أيضًا، وقع الاختيار على قطر لاستضافة قمة الطاقة الشمسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2014.

وتعزو الجهات ذات العلاقة مثل إرينا تأخر دول مجلس التعاون الخليجي في الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة للدعم المقدَّم لاستهلاك المصادر الهيدروكربونية، أي المشتقات النفطية والحال كذلك للغاز، سواء للأفراد أو المؤسسات. وليس من المستبعد أن تلجأ بعض دول مجلس التعاون مثل عُمان والبحرين وربما الكويت إلى خيار إعادة توزيع الدعم، وذلك في إطار التكيف مع هبوط أسعار النفط في الربع الأخير من عام 2014. وربما تكون سلطنة عُمان هي السباقة بين دول مجلس التعاون في إعادة توزيع الدعم في 2015؛ بغية تعزيز دخل الخزانة العامة.

وفي سياق استهلاك الطاقة، كشفت دراسة متخصصة أن السعودية تحتل المرتبة السادسة عالميًّا من حيث استهلاك النفط، والمركز السابع في مجال استهلاك الغاز. وبلغة الأرقام، تستهلك السعودية ما يصل إلى 750 ألف برميل يوميًّا خلال أشهر الصيف، أي أكثر من 10% من إجمالي صادرات المملكة من النفط الخام. لا شك بأنَّ السعودية تتربع على عرش الدول المصدِّرة للنفط الخام، لكن يشكِّل مستوى الاستهلاك خسائر للخزانة العامة للدولة وهدرًا للطاقة وكُلفًا أخرى مثل الحاجة للتعامل مع التداعيات السلبية على البيئة، وضرورة ضخ أموال في البنية التحتية لمواكبة الطلب(6).

الاحتياطي الخليجي من النفط والغاز

تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بوافر من الاحتياطي من النفط والغاز، أي 30% و21% على التوالي (انظر: الجدول رقم 5).

الجدول رقم 5: احتياطي النفط والغاز لدول مجلس التعاون للعام 2013

 

% من الاحتياطي العالمي من
  النفط الخام

%
 
من الاحتياطي العالمي من الغاز الطبيعي

السعودية

15,9

4,4

الكويت

6,6

1,0

الإمارات

5,9

3,3

قطر

1,5

13,3

عمان

0,3

0,5

البحرين

-

0,1

المجموع

30,2

22,6

 المصدر: شركة بريتيش بتروليوم - تقرير الطاقة يونيو/حزيران 2014،
BP Statistical Review of world Energy June 2014,
http://www.bp.com/en/global/corporate/about-bp/energy-economics/statistical-review-of-world-energy.html
 

فضلاً عن استحواذ المرتبة الأولى في مجال تصدير النفط الخام بلا منازع، فقد تحوَّلت السعودية إلى أكبر منتج للذهب الأسود في عام 2013 على خلفية تعويضها للأسواق الدولية للنقص الذي حدث بسبب مشكلات الإنتاج في ليبيا وسورية واليمن لأسباب سياسية وأمنية، فضلاً عن إيران على خلفية تقييد الدول الغربية توريد النفط الإيراني؛ بسبب برنامجها النووي. ومن ثَمَّ تتمتع السعودية من بين سائر دول منظمة أوبك بقدرة زيادة الطاقة الإنتاجية من النفط الخام بنحو مليوني برميل في اليوم، متى ما تطلب الأمر.

بدورها، تعتبر قطر أكبر مصدر في العالم للغاز الطبيعي المسال عبر استحواذها على ثلث الإنتاج العالمي، الأمر الذي يعزِّز من الدور الجوهري لدول مجلس التعاون على القطاع النفطي الدولي. بل تتميز قطر عن الدول الأخرى التي تمتلك احتياطي ضخم من الغاز، من خلال بناء وتدشين مشاريع لإنتاج الغاز الطبيعي المسال.

وتضم قائمة الدول المستوردة للغاز الطبيعي المسال من قطر كلاًّ من اليابان وكوريا الجنوبية والهند وإسبانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، فضلاً عن دول أخرى. وتعتبر اليابان أول دولة تبرم اتفاقيات لتوريد الغاز الطبيعي المسال من قطر وتحديدًا شركة جوبو إليكتريك باور كومبني في العام 1992، وفعلاً ذهبت أول شحنة من المنتج إلى الشركة اليابانية في عام 1997، وهي الشحنة التي دشنت دخول الاقتصاد القطري مرحلة جديدة من النمو والتطور.

واستمرارًا لنفس الأداء، تؤكد تقارير شركة بريتيش بتروليوم أن قطر كانت المصدِّر الأهم للنمو الذي حصل للغاز الطبيعي المسال ما بين عامي 2013 و2014. حيث تبلغ الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعي المسال في قطر نحو 77 مليون طن سنويًّا، وبمقدور قطر تعزيز مستوى الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعي المسال، في حال سمحت قوانين العرض والطلب بذلك.

وربما تضطر غالبية دول مجلس التعاون -باستثناء قطر- إلى استيراد الغاز في السنوات القادمة؛ لتلبية الطلب المحلي. ولا يعود هذا الأمر بالضرورة لوجود نقص في الإنتاج أو الاحتياطي، بل لطبيعة ارتباطات الدول بعقود لتوريد الغاز لعدد من الموردين عبر عقود طويلة الأجل تمتد بعضها إلى 20 سنة، وهي الطريقة الدارجة في هذه الصناعة. ويضاف لذلك الطلب المحلي على الغاز؛ لتلبية الحاجات التنموية مثل التصنيع والاستهلاك العام(7).

الغاز والنفط الصخري

يفرض الغاز والنفط الصخري -على حد سواء من الولايات المتحدة وبدرجة أقل من الصين- واقعًا جديدًا للقطاع النفطي العالمي برُمَّته، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي. حيث يعد التنقيب عن الغاز الصخري عملية دقيقة ومعقدة تتطلب الاستفادة من وسائل التقنية المتطورة والحديثة لاستخراج الغاز الطبيعي غير التقليدي، لكنه على الرغم من ذلك يحقق تقدمًا مضطردًا(8).

وفي هذا الصدد، تشير بعض الدراسات إلى أن الغاز الصخري استحوذ على 15% من عرض الغاز في 2013، لكن الرقم مرشَّح للوصول إلى 50% في غضون 20 سنة لا أكثر، بالنظر لاستخدامات الغاز لتوليد الكهرباء، إضافة إلى المجال الصناعي. في الوقت الحاضر، يشكِّل الغاز الصخري 40% من إنتاج الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي، والرقم مرشح للارتفاع.

كما من الممكن أن يصل المخزون من الاحتياطي النفطي الصخري قرابة 345 مليار برميل في السنوات القليلة القادمة، عبر الاستفادة من التقنية للوصول للمخزون في بواطن الأرض، وخصوصًا في الولايات المتحدة الأميركية. وتقترب هذه الإحصائية من حجم الاحتياطي النفطي لكل من السعودية وفنزويلا، أي 298 مليار برميل و265 مليار برميل على التوالي(9).

ويعتقد على نطاق واسع أن توافر كميات كبيرة وتجارية من النفط الصخري الأميركي ساهم في تراجع أسعار النفط في النصف الثاني من عام 2014. الحديث هنا عن تعزيز العرض العالمي مقابل الطلب، الأمر الذي ترك ولا يزال يترك أثره على الأسعار في إطار معادلة العرض والطلب.

وليس من الواضح فيما إذا كانت الأسعار المتدنية للنفط سوف تنال من إمكانية إنتاج النفط الصخري الأميركي -على وجه التحديد- لكميات تجارية بالنظر لكُلْفة عمليات التنقيب قياسًا بالنفط الخام من المصادر التقليدية في دول مجلس التعاون الخليجي. ويوجد اعتقاد مفاده أن عمليات التنقيب عن النفط الصخري باتت أكثر كلفة بعد انتفاء الموارد السهلة نسبيًّا(10).

الخاتمة

تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بمستويات مرتفعة من مخزون بدائل الطاقة، وليس فقط النفط الخام والغاز الطبيعي المسال. صحيح، بأنَّ الدول الخليجية الست تفتقر لمصدر الفحم، لكنها تمتلك جانبًا مهمًّا من مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية؛ نظرًا لطبيعة المناخ في هذه الدول، حيث تسطع الشمس لشهور عديدة. كما تتوافر أيضًا طاقة الرياح بالنظر لتوافر المساحة، وخصوصًا في السعودية. وفيما يخص الطاقة النووية، يفرض الخيار الوطني نفسه بدليل توجُّه الإمارات العربية المتحدة لبناء محطات نووية عبر توقيع عقود مع كوريا الجنوبية للمساعدة في تلبية احتياجاتها من الطاقة، مع التأكيد على الاستخدام السلمي لهذا المصدر الحيوي عبر التنسيق مع الجهات الدولية ذات العلاقة لضمان سلامة المنشآت.

يتوقع أن يحافظ القطاع النفطي على ديمومته في الاقتصاد العالمي من خلال استخدام المشتقات النفطية مثل وقود السيارات والديزل وغيرها؛ نظرًا لأنه من الصعوبة بمكان إيجاد بدائل عملية وواقعية، وخير مثال على ذلك إمكانيات الاستفادة من الطاقة النووية. ورغم ذلك، تعتبر دول مجلس التعاون الخليجي حجر الزاوية فيما يخص القطاع النفطي العالمي، سواء للمخزون المكتشف من الاحتياطي والحال كذلك للإنتاج، مع عدم إغفال نمو الأهمية النسبية للغاز والنفط الصخري في الولايات المتحدة الأميريكة والصين.
_________________________________
د. جاسم حسن - باحث ومحلل اقتصادي

مصادر البحث
(1) International Renewable Energy Agency (IRENA), Renewable energy in the gulf: facts and figures, http://www.irena.org/DocumentDownloads/factsheet/Renewable%20Energy%20in%20the%20Gulf.pdf
(2) لمياء القلاب، " الإمارات تستهدف إنتاج 24% من احتياجاتها من الكهرباء من مصادر نظيفة":
وزارة الطاقة، الإمارات العربية المتحدة، 27 يوليو/تموز 2014، الموقع الإلكتروني:
 http://www.zawya.com/ar/story/ZAWYA20140727192313/

(3) Sovereign Funds Institute, Fund Ranking, Nov 2014,
http://www.swfinstitute.org/fund-rankings/
(4) مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، "خيارات الطاقة المتجددة في دول مجلس التعاون الخليجي"، صحيفة أخبار الخليج (البحرينية)، 13 أغسطس/آب 2013، الموقع الإلكتروني:
http://www.akhbar-alkhaleej.com/12920/article_touch/40917.html
(5) Zachary Shahan Gulf Cooperation Council’s Renewable Energy Targets — Considerable Or Weak? 9 July, 2013,
http://greenenergyinvesting.net/gulf-cooperation-councils-renewable-energy-targets-considerable-or-weak
(6) العربية، "التساهل بترشيد الطاقة يهدد موارد دول الخليج" حول دراسة معهد أكسفورد لدراسات الطاقة بعنوان "آفاق الطاقة المتجددة في دول مجلس التعاون الخليجي: الفرص والحاجة للإصلاح" 9 سبتمبر/أيلول 2014، الموقع الإلكتروني:
http://www.alarabiya.net/ar/aswaq/2014/09/09/%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B3%D8%A7%D9%87%D9%84-%D8%A8%D8%AA%D8%B1%D8%B4%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%82%D8%A9-%D9%8A%D9%87%D8%AF%D8%AF-%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%AF-%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC.html
(7) "تمتلك 23% من الاحتياط العالمي دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء قطر قد تضطر إلى استيراد الغاز لتلبي احتياجاتها،" صحيفة الحياة، 12 ديسمبر/كانون الأول 2010، الموقع الإلكتروني:
http://daharchives.alhayat.com/issue_archive/Hayat%20INT/2010/5/12/
(8) د. مصطفى البزركان، "ثورة الغاز الصخري: هل تحقق استقلال أميركا من سيطرة الشرق الأوسط؟" مركز الجزيرة للدراسات، 20 يناير/كانون الثاني 2013، الموقع الإلكتروني:
http://studies.aljazeera.net/issues/2013/01/2013120113758690180.htm
(9) Mark Scottjune, "Scouring the World for Shale-Based Energy, Shale Investments Could Reshape Global Market," The New York Times, 17 June 2014,
http://www.nytimes.com/2014/06/18/business/energy-environment/shale-investments-could-reshape-globalmarket.html?module=Search&mabReward=relbias%3Ar%2C%7B%222%22%3A%22RI%3A12%22%7D
(10) "تقرير: النفط الصخري أكثر تأثرًا بهبوط الأسعار من التقليدي"، 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، الموقع الإلكتروني:
http://www.aawsat.com/home/article/214001/

عودة للصفحة الرئيسية للملف

نبذة عن الكاتب