نتائج الانتخابات الباكستانية

تتناول هذه الورقة نتائج الانتخابات الباكستانية والخارطة السياسية الجديدة التي أفرزتها وتأثيراتها على الاستقرار الداخلي والجيش والحرب على ما يوصف بالإرهاب، وكشمير والعلاقات مع أميركا، والسيناريوهات المختلفة المطروحة باكستانيا.
1_768917_1_34.jpg









إعداد/ د. أحمد موفق زيدان


السيناريوهات الثلاثة
دور المحددات الرئيسية









أحمد زيدان
حين نتحدث عن نتائج الانتخابات، والخارطة السياسية الجديدة التي أفرزتها، وتأثيراتها على الاستقرار الداخلي والجيش، والحرب على ما يوصف بالإرهاب، وكشمير والعلاقات مع أميركا، نتحدث في الحقيقة عن ثلاثة سيناريوهات، وهي كالتالي:

السيناريوهات الثلاثة


السيناريو الأول
وهو سيناريو تفاؤلي يتوقع حدوثه بإقامة تحالف بين حزب الشعب وحزب الرابطة جناح نواز شريف، وحزب عوامي، وحركة المهاجرين القومية، وستكون أولى نتائجه الإطاحة بالرئيس الباكستاني برويز مشرف وعودة القضاة وإضعاف قوة العسكر، هذا إن لم يستقل مشرف من تلقاء نفسه، كما ألمح أحد مساعديه لصحف أجنبية، لأن بقاء مشرف في السلطة يعني أن رسم السياسة الرئيسية بيده لا بيد البرلمان المنتخب. ويتوقع أن يحقق هذا السيناريو استقراراً للبلاد.






"
الانتخابات الأخيرة بددت المخاوف من عدم إجراء الانتخابات أو تزويرها أو حصول أعمال عنف أو إقبال ضئيل على الاقتراع
"

السيناريو الثاني
وهو سيناريو تشاؤمي يتوقع حدوثه بتشكيل تحالف بين حزب الشعب والحزب الموالي لمشرف، وهو سيناريو تترتب عليه زعزعة استقرار البلاد، فشروط المجتمع المدني والمقاطعين لن تتم تلبيتها إلا بتنحي مشرف وعودة القضاة، وإلا فإن الاحتجاجات ستعود إلى الشوارع.


السيناريو الثالث
وهو بعيد عن تخيل الكثيرين، ويتمثل في فشل الأحزاب السياسية في تشكيل ائتلاف، وهو ما قد يدفع العسكر إلى القفز على السلطة.



وهنا نسجل بعض النقاط الهامة التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة في باكستان:



1- رغم فوز حزب الشعب بالمرتبة الأولى، وصلت نسبة أصوات حزب الرابطة بأجنحته المختلفة الثلاث إلى 53% من المقترعين، في حين نال حزب الشعب نسبة 37% فقط.


2- خسارة الإسلاميين وحصولهم على أربعة مقاعد في البرلمان الاتحادي مقابل 59 مقعدا في البرلمان السابق، وهذا قد يعود إلى مشاركة جمعية علماء الإسلام لوحدها ومقاطعة أحزاب أخرى، بالإضافة إلى دخول نواز شريف الانتخابات واكتسابه أصوات المتعاطفين مع الإسلاميين المقاطعين.


3- حالة انعدام الأمن التي هيمنت في مناطق البشتون دفعت المقترعين إلى التصويت لصالح حزب عوامي البشتوني القومي، لكن هذا الحزب -حتى لو نجح في تشكيل حكومة محلية- سيفقد شعبيته إذا ما استجاب للسياسة الأميركية وحربها على المسلحين.


4- تصويت 18 فبراير/شباط 2008 أثبت أنه تصويت هش وتفويض أكثر هشاشة، فتشكيل حكومات ائتلافية في المركز والأطراف مسألة عويصة بالنظر إلى صعوبة تشكيل تحالفات بين السياسيين، ولو أنه أكثر سهولة بالنسبة للناخبين في محاسبة الائتلافيين تفادياً لاستفراد طرف واحد بالسلطة والاستبداد بها.


5- الانتخابات الأخيرة بددت المخاوف الأربعة المتمثلة في عدم إجراء الانتخابات أو تزويرها، أو حصول أعمال عنف، أو الإقبال الضئيل على الاقتراع، فقد عرفت إقبالا يمكن اعتباره الأضخم من نوعه خلال العقدين الماضيين.


6- التزام الجيش بعدم التدخل في الانتخابات جاء على عكس توقعات كثير من الباكستانيين في احتمال تدخله لصالح فريق ضد آخر.


7- كان مشرف -ربما للمرة الأولى- دقيقاً في وصفه حين نعت هذه الانتخابات بأنها "أم الانتخابات"، فالشعب قد صوت للتغيير الذي تمثل أساسا في خسارة الموالين لمشرف ولفظ وزير خارجيته الممثل لسياسته الخارجية.


8- بروز باكستان كدولة ديمقراطية قادرة على تأمين الاستقرار، خلافا للأساطير الغربية التي تنعتها بالدولة المتطرفة والفاشلة.


9- الدور البارز للسفيرة الأميركية في باكستان ألن بالمرستون لم يسبق أن تجلى بنفس هذا القدر من الوضوح، بحيث التقت قادة الأحزاب لتشكيل الائتلاف المقبل، وهو يعكس قلق الأميركيين من المستقبل.


10- نتائج الانتخابات الأخيرة أعادت ثقة الشعب في قدرته على التغيير بعدما حل الخصوم محل مشرف وأنصاره.



دور المحددات الرئيسية


بجانب كل هذا، هناك بضعة محددات قد تلعب دورا مهما في التشكيلة الائتلافية القادمة، وكذلك في مستقبل باكستان:





"
أي مفاوضات مع المسلحين تفضي إلى انسحاب قوات الجيش، تعني تقوية للمسلحين وتفرّغهم للجبهة الأفغانية بدل تشتيت قواتهم على جبهتين وهو ما سيضر بالمصلحة الأميركية
"

أولا- الاستقرار الداخلي

الاستقرار الداخلي مرهون بجملة عوامل ومعطيات، أولها مقاطعة شريحة مهمة من الشارع لهذه الانتخابات وعلى رأسها الجماعة الإسلامية القادرة على تعبئة الشارع، بالإضافة إلى حزب الإنصاف بزعامة نجم الكريكت العالمي عمران خان، ورابطة المحامين الباكستانيين التي تمثل قوى المجتمع المدني، فالمقاطعون حددوا تاريخ 7 مارس/آذار القادم موعداً للفائزين كي يفوا بوعودهم للشعب بإطاحة مشرف وعودة القضاة، وإلا فسينظمون مظاهرة ضخمة إلى إسلام آباد.

وهنا يفسر حرص زعيم حزب الشعب آصف زرداري على الاتصال بزعيم الجماعة الإسلامية القاضي حسين أحمد لكسبه تفادياً لمساعي زعزعته للحكومة المقبلة.


والعامل الثاني في الاستقرار الداخلي مرهون بالمسلحين القبليين الذين أعلنوا هدنة بمناسبة الانتخابات، وربطوا مواصلتها بمقاومة الحكومة الجديدة للضغوط الأميركية. وقد أشاد قائد الجيش الجديد بهذا الهدوء في مناطق القبائل، إلا أنه مما لا شك فيه أنه في حال تحقق السيناريو التفاؤلي فإن عمليات المسلحين ستتراجع إن لم تتوقف نهائيا، بخلاف ما إذا تحقق السيناريو التشاؤمي.


ثانيا- واشنطن والحرب على الإرهاب
رغم عودة نبرة حزب الشعب -الفائز الأول في الانتخابات- المؤيدة لمشرف في الحرب على القاعدة وطالبان، يبدو أن واشنطن قلقة إزاء الاتفاق السري الذي وقعته مع إسلام آباد والذي يخولها تنفيذ ضربات داخل الأراضي الباكستانية تستهدف القاعدة وطالبان ما دامت الخسائر المدنية قليلة، فواشنطن ترى في تصريحات قادة حزب الرابطة وحتى حزب الشعب بالدخول في مفاوضات مع المسلحين القبليين تهديداً لإستراتيجيتها فيما يخص الحرب على ما يوصف بالإرهاب، خاصة مع استعداد المسلحين للحوار، وبالتالي لن تتمكن من تنفيذ ما تريده بموافقة مشرف لوحده كما كان في السابق، بخلاف الواقع الجديد الذي أفرز برلمانا وحكومة منتخبة ودستوراً وربما قضاءً مستقلا.


فأي مفاوضات مع المسلحين تفضي إلى انسحاب قوات الجيش، تعني تقوية للمسلحين وتفرّغهم للجبهة الأفغانية بدل تشتيت قواتهم على جبهتين، وهو ما سيضر بالمصلحة الأميركية.


إذا كان فوز حزب عوامي قومي اليساري البشتوني في الإقليم الشمالي الغربي وعاصمته بيشاور يُنظر إليه على أنه فشل للإسلاميين المشاركين في الانتخابات، فإنه يُنظر إليه كذلك على أنه فوز لحزب مُعَادٍ تاريخياً للأميركيين وللإمبريالية، فعداء الحزب للأميركيين والإسرائيليين معروف ولو أن زعيمه التقى مراراً بالسفيرة الأميركية بعد الانتخابات لمساعدة حزب الشعب في تشكيلة الحكومة. ومع مرور الوقت، قد يخسر الحزب قاعدته الشعبية إن ظهر بمظهر المؤيد للأميركيين.


جاء الغموض السياسي الذي أفرزته الانتخابات في وقت غير مناسب للولايات المتحدة التي تعهدت مع حلفائها في حلف الناتو أن تكون الأشهر العشرة القادمة حاسمة في الحرب على ما يوصف بالإرهاب، وهو ما يفسر إصرار أميركا على إبقاء مشرف على رأس الدولة، الأمر الذي يتنافر مع حكومة منتخبة، فواشنطن ليس لديها من الوقت لتجرب خيارات أخرى للحد من تنامي دور المسلحين.


ويبدو أن ملف هذه الحرب سيظل بأيدي العسكر مع تغير في تكتيك الحكومة المنتخبة بمنح وقت أطول للمفاوضات مع المسلحين. والإستراتيجية السياسية هي التي ستطغى على التعامل مع القبائل، مع الأخذ في الاعتبار مصالح الجيش وعلاقاته المتشعبة مع الأميركيين.


ستجد واشنطن نفسها في مواجهة طرفين باكستانيين جديدين لم تتعامل معهما بشكل مباشر في حربها على ما يوصف بالإرهاب: طرف مدني ممثل بالحكومة الائتلافية، وطرف عسكري ممثل بقيادته الجديدة التي تسعى إلى الابتعاد عن السياسة، وقد تجلى ذلك في سحب مئات من ضباطه من المؤسسات المدنية وحظر أي اتصال للضباط مع السياسيين بمن فيهم مشرف نفسه.





"
في حال نجاح الحزبين الفائزين في مأسسة علاقة عمل بينهما سيشكل ذلك مرحلة جديدة من العمل السياسي، فالحزبان يتآمران ضد بعضهما البعض عبر المؤسسة العسكرية صاحبة أوركسترا العمل السياسي كما لا يخفى
"
ثالثا- التنسيق بين زرداري وشريف
إذا حصل التحالف بينهما فلن يكون طويل الأمد بسبب خلافات أيدولوجية وتباين الموروث الثقافي والسياسي، وستبرز بينهما عاجلاً أم آجلاً قضايا شائكة تشكل عقدة منشار، فحزب زرداري ليس متحمساً لعودة القضاة، فهو يحملهم مسؤولية شرعنة إعدام مؤسس الحزب ذو الفقار علي بوتو، كما أن إزاحة مشرف من منصبه -وهو مطلب آخر لحزب شريف- يتهرب زرداري منه عبر إحالته على البرلمان المقبل. يضاف إلى ذلك حساسيات تاريخية، فزرداري سُجِن في ظل حكومة شريف لمدة 11 سنة، كما أن علي بوتو -مؤسس الحزب- أمم كل ممتلكات والد شريف إلى أن جاء ضياء الحق -خصم حزب الشعب- وعين شريف وزيرا للمالية بإقليم البنجاب، ليرقّيه لاحقاً إلى كبير وزراء الإقليم وتنفتح أمامه أبواب السياسة.


وهنا يكمن التحدي الأكبر، ففي حال نجاح الحزبين الفائزين في مأسسة علاقة عمل بينهما سيشكل ذلك مرحلة جديدة من العمل السياسي. فقد كان الحزبان يتآمران ضد بعضهما البعض عبر المؤسسة العسكرية صاحبة أوركسترا العمل السياسي كما لا يخفى، إذ من يمارس السياسة على الأرض في باكستان مؤسسات غير منتخبة على رأسها المؤسسة العسكرية ومؤسسة البيرقراطية، أما الأحزاب السياسية فلم تنضج حتى تمارس العمل السياسي بعيداً عن الاستقواء بالعسكر.


وفي ما يخص الشأن السياسي الحالي، فبرنامج حزب الشعب يتميز بعدم الجدية في المطالبة بإعادة القضاة، والاستعداد للتعاون مع مشرف وفقاً لاتفاق سابق بين بي نظير بوتو وبرويز مشرف برعاية أميركية، بالإضافة إلى تعهد بوتو بالسماح لوكالة الطاقة الذرية بالتحقيق مع أبي المشروع النووي عبد القدير خان، وهي سياسات تتناقض مع مشروع شريف.


رابعا- الجيش
قد تكون هذه هي المرة الثانية في تاريخ باكستان -بعد كارثة بنغلاديش عام 1971- التي يتراجع فيها دور الجيش ويبرز دور السياسيين بهذا الشكل القوي. ولعل استمرار هذا الدور مرهون بتوحد الأحزاب، كما أنه مرهون بعدم تحالف بعضها مع الأحزاب الموالية لمشرف.


وهنا يبرز سؤال: ما الذي يريده الجيش؟ هل يريد مواصلة السياسة نفسها وهو الذي يتلقى مليار دولار سنوياً مقابل نشره ثمانين ألف جندي على الحدود؟ لكن يبدو أن الجيش بدأ يدرك كلفة هذا التعاون وكلفة تراجع شعبيته، ولذا ربما يسعى إلى رمي القفاز بوجه حكومة منتخبة تحمل عنه جزءا من العبء.


سيواجه هذا الواقع بمعارضة أميركية، وهي التي ظلت علاقاتها مع الجيش أقوى من علاقاتها مع الحكومات الديمقراطية المنتخبة لا سيما في أوقات الأزمات الدولية، ولذا من الصعب عليها أن تتعامل مع حكومة منتخبة في ملف بحجم الحرب على القاعدة وطالبان.


أما بشأن العلاقة مع الهند فسيستأنف الحوار الشامل الذي بدأه نواز شريف في فترته الثانية، وربما تتعزز إجراءات بناء الثقة بين الطرفين.
_______________
مدير مكتب قناة الجزيرة في إسلام آباد
أعدت الورقة بتاريخ: 26/2/2008

نبذة عن الكاتب