العرب والجوار التركي الإيراني..تحديات مستقبلية

يفرض الجوار العربي لتركيا وإيران أسئلة تخص طبيعة العلاقات التي ينبغي أن تجمع بينهم، ليتم تجاوز الإشكالات الموجودة ومواجهة التحديات الإقليمية المشتركة.


بعد غياب طويل عادت الروح الفكرية والعلمية والحركة البناءة إلى مركز الجزيرة للدراسات، حيث قام في الآونة الأخيرة بإصدار أوراق عمل في مجال السياسات العامة في كل مناحيها عربيا ودوليا.

والحق أن تلك الدراسات، أو إن شئت أوراق السياسات التي يعدها باحثون متخصصون في المركز أو متعاونون معه، تعتبر في غاية الأهمية ولا غنى عنها لصانع قرار أيا كان مركزه السياسي.

كما أنه يقوم بإصدار كتب محكمة تحكيما أكاديميا في مجالات سياسية وأمنية واقتصادية، ومن أهمها وأخطرها كتاب تحت التنفيذ عن مسألة التركيبة السكانية في منطقة الخليج العربي إلى جانب مواضيع أخرى.

وهذا لا يعني أن المركز لم يقدم أي جهد في الماضي، لا أقول ذلك، كانت ندواته المتلفزة مشهودا لها بالموضوعية والحكمة، لكن جاء من يضيف فكانت إضافة تعتبر عندي نقلة نوعية.

في الأسبوع الماضي وفي غياب إعلامي أعتقد أنه كان مقصودا، دعا مركز الجزيرة للدراسات نخبة من أهل الرأي والقلم في دائرتنا الحضارية العربية والإسلامية (عربا وأتراكا وإيرانيين) للتداول في كيفية التعاطي مع أزماتنا المعاصرة تحت مظلة أطلق عليها "منتدى المشرق".

وتناول رواد المنتدى معظم القضايا التي تفرقنا وكيفية التعاطي معها وتحويلها من قضايا صراعية إلى قضايا وفاقية، كما تداولوا القضايا التي تجمع ولا تفرق، وكيفية ترسيخ ما يجمعنا ونبشر به في كل قُطر من أقطار أمتنا.

كان محور الارتكاز في تقديري العرب والجوار، وكل أهل المنتدى أجمعوا على أهمية اللقاء، وكلنا متفقون على أن هذه المنطقة، أي منطقة الشرق الأوسط، مستهدفة من قبل قوى خارجية ولا بد لهذه الشعوب الثلاثة من مواجهة التحدي مجتمعة.

إننا نمتلك مجتمعين قوة لا يستهان بها لكوننا نسيطر على جميع الممرات المائية التي تصل الشرق بالغرب، ونستطيع التحكم في المجال البري والجوي، كما أن المنطقة تملك من الثروات بجميع أصنافها ما يجعلها قادرة على أداء دور في السياسة الدولية يحسب لها الحساب، نملك سوقا واسعا تتدافع الدول الغربية على اكتسابه ليكون مأوى صادراتها، وإذا أردنا امتلاك القوة العسكرية فلدينا مقوماتها.





"
منطقة الشرق الأوسط مستهدفة من قبل قوى خارجية ولا بد لهذه الشعوب الثلاثة من مواجهة التحدي مجتمعة
"

مطالب عربية
لا جدال عندي أن للعرب مطالب من القوتين إيران وتركيا أراضي ومواقف، وقد طرحت ذلك على أهل المنتدى، وكان من بين المطالب التي يجب ألا تغيب عن البال قضية الجزر الإماراتية المحتلة منذ عهد الشاه وحتى عهد الثورة الوريث لعهد الشاه البائد.

ومسألة الأحواز التي سكتت عنها بعض الأنظمة العربية، وقضية المياه التي تأتي من الهضبة الإيرانية من نهر الزاب الأسفل ونهر ديالى، حيث بدأت إيران تتحكم في مجرى الأنهار الطبيعية وكذلك الأودية غير الدائمة الجريان مثل "أب كونجير"، وكنجان جم، وقلال بدرة وغيرها من الأودية، الأمر الذي أثر تأثيرا بليغا على الموارد المائية لقضاء بدرة ومندلي في العراق. موقف إيران في المسألة العراقية يثير أيضا القلق عند الجانب العربي.

الجانب الإيراني يتهم الجانب العربي بأنه جعل منطقة الخليج مجالا حيويا للقوى الأجنبية عسكريا واقتصاديا وأمنيا، عادت بعض الدول العربية الثورة الإيرانية منذ اليوم الأول لقيامها، حيث يساوون بينها في مجال التسلح وبين إسرائيل على الرغم من عداء إيران لإسرائيل وتأييدها لحركة المقاومة في لبنان وفلسطين وكل القضايا العربية.

في الجانب التركي يريد العرب من تركيا تحديد هويتها، هل هي أوروبية أم شرق أوسطية؟ ثم ماذا عن لواء الإسكندرونة الذي استقطع من بلاد عربية، وماذا عن الاعتداءات العسكرية على شمال العراق في كل الحقب التاريخية وحتى اليوم، وماذا عن الطيران الإسرائيلي الذي يعبر الأجواء التركية للعدوان على سوريا.




"
شعوب المنطقة في أمس الحاجة للتعاون والتعالي عن نكسات ومعضلات التاريخ التي لم تكن من صناعتنا، وتحدد أهدافها كوحدة واحدة لأن العدو يتربص بكل قومياتها من أجل تسييد دولة الكيان الصهيوني
"

بيان الموقف
موقف تركيا من إسرائيل بالنسبة للعرب يثير الشكوك، فماذا عن المياه؟ المعروف أن الهضبة التركية تنساب منها المياه عبر التاريخ ليصب نهرا الخابور والزاب الأعلى في مجرى نهر دجلة الذي يعتمد العراق في معظم مصادره المائية على مياهه الواردة من الهضبة التركية.

لقد أقامت تركيا العديد من السدود أي ما يعرف بمشروع "الجاب" لمنع انسياب المياه إلى كل من سوريا والعراق، الأمر الذي أثر على الدولتين العربيتين خاصة في مجال الزراعة.

تقول تركيا إنها ستزود إسرائيل بما قدرته هي بثلاثة مليارات متر مكعب من المياه عبر الأراضي السورية، أو أنبوب السلام دون أن يؤثر ذلك على مخزون المياه التركية، يضاف إلى ذلك أن نهري سيا وجيان تصب مياههما البالغة 14 مليار متر مكعب في البحر الأبيض المتوسط في الوقت الذي تقيم السدود في جنوب الأناضول لحرمان العراق وسوريا من المياه الوفيرة.

في ظل تلك الأجواء من الحوارات الرفيعة المستوى رغم المرارة عند البعض إلا أنها كانت حوارات مثمرة ومتميزة، وخلص المنتدى إلى دعم مزيد من الحوارات مع التركيز على ما يوحد بيننا لا ما يفرق، وأن التاريخ يمكن إعادة قراءته وكتابته، وأن المعتقد من الصعب التأثير فيه، وليس المعتقد هم أهل الفكر والقلم فإنه يدخل في اختصاص أهل الفقه والحديث.

إننا في أمس الحاجة نحن شعوب المنطقة للتعاون والتعالي عن نكسات ومعضلات التاريخ التي لم تكن من صناعتنا، علينا أن نحدد أهدافنا كوحدة واحدة لأن العدو يتربص بهذه المنطقة بكل قومياتها من أجل تسييد دولة الكيان الصهيوني في المنطقة.

وآخر القول لقد قفز مركز الجزيرة للدراسات قفزة نوعية بتأسيسه "منتدى المشرق" أتمنى ألا تنتكس أو يهن حماسه وأن يستمر في عطائه من أجل أمة قادرة على العطاء وقادرة على دحر أعدائها كلما توافرت لها الإرادة والقيادة الصادقة، ولم لا تتوافر وأهل القلم والرأي في خدمتها.
_______________
أكاديمي قطري.
المقالة نشرت في صحيفة الشرق القطرية بتاريخ 13 يونيو/حزيران 2008.