معاقبة جرائم الحرب بغزة

اعتبرت الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية واللجنة الدولية للصليب الأحمر أن ما ارتكبته القوات الإسرائيلية يصنف ضمن جرائم الحرب. وحتى في إسرائيل احتج بعض المثقفين الشجعان بشدة على قصف المستشفيات والمدارس والمناطق السكنية.







 
جان زيغلر


قصفَ الطيرانُ الإسرائيلية والبحرية والمدرعات والمدفعية في الفترة ما بين 27 ديسمبر/ كانون الأول إلى 22 يناير/ كانون الثاني 2009 قطاع غزة ذلك المكان المعزول والمكتظ، وكانت النتيجة موت أكثر من ألف وثلاثمائة قتيل وأكثر من ستة آلاف جريح من ذوي الإصابات الخطيرة وهم ما بين مبتور ومشلول ومحروق وغالبيتهم العظمى من المدنيين وخصوصا الأطفال.





اعتبرت الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية واللجنة الدولية للصليب الأحمر أن ما ارتكبته القوات الإسرائيلية في غزة يصنف ضمن جرائم الحرب
وقد اعتبرت الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية واللجنة الدولية للصليب الأحمر أن ما ارتكبته القوات الإسرائيلية يصنف ضمن جرائم الحرب. وحتى في إسرائيل احتج بعض المثقفين الشجعان من أمثال جدعون ليفي ومايكل وارشاوسكي وإيلان بابيه بشدة على قصف المستشفيات والمدارس والمناطق السكنية.

وفي الثاني عشر من يناير/ كانون الثاني وفي مباني الأمم المتحدة بجنيف اجتمع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في دورة استثنائية لمناقشة المجازر الإسرائيلية.


وتميزت تلك الدورة بصرامتها ودقتها في تحديد لائحة الاتهام التي وردت على لسان سفير الجزائر إدريس الجزائري. صحيح أن سفراء الاتحاد الأوروبي قد رفضوا التصويت على قرار الإدانة. لماذا ذلك الرفض؟ لقد أجاب ريجيس دوبريه(1) حين كتب "لقد نزعوا الخوذات فرؤوسهم المطأطأة بقيت استعمارية"، فهذا هو رد فعلهم عندما يكون الجاني أبيض والضحية عربية.


من المعلوم أن إسرائيل هي رابع أكبر مصدر للأسلحة عالميا. وكما فعلت إسرائيل في عدوانها على لبنان صيف 2006 ها هي تختبر أسلحتها الأكثر حداثة في غزة. واستنادا إلى العديد من المراقبين فإن اندلاع العدوان ما كان إلا لاختبار تلك الأسلحة.


فعلى سبيل المثال، تم اختبار سلاح لم يكن معروفا بالمرة يطلق عليه "الداين" (DINE) وهي الحروف الأولى للعبارة الإنجليزية Dense Inert Metal Explosive (أي المتفجرات المعدنية الخام المكثفة) وقد استهدفت تلك المتفجرات مخيمات اللاجئين المكتظة بالسكان.


ومتفجرات "الداين" عبارة عن كريات كربونية صغيرة تحتوي على مزيج من التنغستين والكوبالت والنيكل أو الحديد ولها قوة انفجار هائلة، وهي تتبدد على بعد عشرة أمتار.


وقد نقلت صحيفة لوموند الفرنسية في 13 يناير/ كانون الثاني 2009 عن طبيب نرويجي كان في عين المكان قوله: "على بعد مترين شاهدت جسما مقطوعا إلى نصفين وعلى بعد ثمانية أمتار أرجل مقطوعة وقد احترقت وكأن آلاف الإبر قد غرست بها".


وفي غزة اختبر الإسرائيليون كذلك قذائف الفوسفور الأبيض التي توقع بالضحايا حروقا رهيبة. وكل هذه الأسلحة الجديدة ستظهر قريبا في نشرات بيع صناعة الأسلحة الإسرائيلية مع عبارة : "... وقد أثبتت فعاليتها في قطاع غزة".





تلقى المدعى العام لدى محكمة الجنايات الدولية ومنذ 20 فبراير/شباط 2009 ما يبلغ 221 شكوى تعرض أصحابها لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية كانت القوات الإسرائيلية قد ارتكبتها في غزة
وعلى النقيض من ذلك فإن القصف الإسرائيلي ساهم في "إزالة" بعض الأسلحة القديمة. فبدلا من تدمير هذه الأسلحة القديمة بوسائل مكلفة أي تلك القنابل والقذائف القديمة الصنع فإن إيهود باراك قد ألقاها على اللاجئين الفلسطينيين.

إن اتفاقية روما الموقعة عام 1998 والتي نشأت بموجبها محكمة الجنايات الدولية تتضمن تعريفات مفصلة للغاية لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.


فإطلاق النار من مسافة قريبة لقتل أسر فلسطينية عُزل، وقصف المستشفيات والمدارس، وتفجير سيارات الإسعاف، واستعمال الحصار الغذائي ضد المدنيين، وعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء، كلها جرائم تعاقب عليها محكمة الجنايات الدولية.


كيف تعاقب هذه الجرائم؟
لقد تلقى المدعى العام لدى محكمة الجنايات الدولية لويس مورينو أوكامبو ومنذ 20 فبراير/شباط 2009 ما يبلغ 221 شكوى تعرض أصحابها لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية كانت القوات الإسرائيلية قد ارتكبتها في غزة.


وهذه الشكاوى جاءت من أسر الضحايا ومن المنظمات غير الحكومية الفلسطينية والأجنبية وخصوصا الفرنسية منها. كما جاءت من الاتحاد اليهودي من أجل السلام.


وهناك مشكل، وهو أن مورينو أوكامبو لا يمكنه إقامة دعوى ضد مواطني دولة لم توقع على اتفاقية روما لسنة 1998. فلا إسرائيل ولا السلطة الفلسطينية كانت قد وقعتا على هذه الاتفاقية.


ولكن هناك حل آخر، وهو أن يطلب مجلس الأمن الدولي إجراء تحقيق ونقله إلى محكمة مجرمي الحروب أيا كانوا. وبطبيعة الحال فإن احتمال استعمال الولايات المتحدة حق النقض وارد في هذه الحالة. لكن هذا الأمر يتوقف على تعبئة وضغط المجتمع المدني الدولي. فإذا ما حدث مثل هذا الضغط وكان قويا فإن أمريكا قد لا تستعمل حق النقض.
_______________
جان زيغلر: عضو المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، ومؤلف كتاب: كراهية الغرب، نشر آلبين ميشيل، 2008


هامش
1- ريجيس دوبريه: محام وكاتب وإعلامي فرنسي

نبذة عن الكاتب