مصر وغزة وحماس: ماذا بعد الحرب؟ (2)

تبدو الخيارات المتاحة أمام مصر, والتي بدت وكأنها تقف في الجانب المعادي لحماس أثناء الحرب, محدودة، وستتوقف هذه الخيارات, على طريقة مصر في تقييمها لنتائج الحرب على غزة.
10 فبراير 2009







 
حسن نافعة


انتهى الجزء الأول من هذه الورقة إلى مجموعة من النتائج أهمها:


1- حدوث تحول جوهري في نظرية الأمن الوطني المصري عقب إبرام السادات معاهدة سلام منفرد مع إسرائيل, وراح هذا التحول يتجذر ويزداد رسوخا بالتوازي مع نجاح مبارك في إخراج مصر من عزلتها الدولية والإقليمية دون مساس بالمعاهدة مع إسرائيل. وكان من الطبيعي, في هذا السياق, أن يتضاءل موقع ومكانة المشرق العربي في مفهوم الأمن الوطني المصري بعد أن تقلصت خطوطه لتتطابق مع حدود مصر التاريخية أو الجغرافية.


2- غياب رؤية مصرية واضحة ومحددة، للتعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي ترتبط برؤية أشمل لأمنها الوطني بعد تمكن مصر من تسوية مشكلاتها الخاصة مع إسرائيل، وتحول هذا الصراع بالنسبة لها إلى مجموعة مسارات مختلفة تهم أطرافها المباشرة في المقام الأول, دون أن يحول ذلك من إمكانية أن تلعب مصر دورا للمساعدة في التوصل إلى تسويات على هذه المسارات، إذا ما رغبت الأطراف المعنية في ذلك, وفي الحدود التي تحقق مصالحها الوطنية كما تراها النخبة الحاكمة.


3- يستنتج من توجهات السياسة الخارجية المصرية في السنوات الأخيرة أن مصر بنت مواقفها من أزمات المنطقة على أساس تصور للمصلحة الوطنية المصرية ينطلق من الحرص على:


أ- بلورة علاقة تعاون استراتيجي مع الولايات المتحدة وتكييف علاقة مصر مع إسرائيل في الحدود التي تحافظ على تماسك هذه العلاقة.


ب- التعامل مع العالم العربي على أساس قاعدة تبادل المصالح, وتفضيل صيغ التعاون الثنائي على صيغ العمل الجماعي, وتجنب الانجرار وراء أي نوع من المزايدات.


وبالمقابل،لأن فتح الأبواب الأمريكية المغلقة لا يتم إلا عبر إسرائيل, فقد شهدت العلاقات المصرية الإسرائلية تطورا مثيرا في السنوات الأخيرة جسده قرار الإفراج عن عزام عزام, وتوقيع اتفاقية الكويز, وإبرام صفقة الغاز.


4- بوصول عملية التسوية إلى مأزق, وتصاعد المقاومة في كل من لبنان وفلسطين وتحقيقها لإنجازات عسكرية وسياسية مهمة, وإصرار الرئيس مبارك رغم ذلك على المضي قدما في سياساته دون مراجعة, خصوصا مع تزايد الدور الذي تلعبه لجنة السياسات في الحزب الحاكم بقيادة جمال مبارك, أصبح من الطبيعي أن تصبح مصر طرفا فاعلا في محاور بدت في الأصل حريصة على تجنبها, مما أضعف من قدرتها ليس فقط على:



  • على رأب الصدع الفلسطيني وتجنب انفجار وقوع مذبحة غزة.
  • وعلى طرح خيارات قادرة على الخروج من المأزق الراهن.

 وتتابع هذه الصفحة القسم الثاني من الورقة، وهو المخصص لبحث خيارات مصر المتاحة في المرحلة القادمة.


* * *


إن عجز مصر عن منع وقوع المجزرة لم يكن وليد فشل في إدارة أزمة بدأ عدها التنازلي مع انتهاء فترة التهدئة وقرار حماس بعدم تجديدها في ظل استمرار الحصار, ولكنه كان محصلة لتراكم فشل متواصل عبر سلسلة طويلة من الحلقات كان أهمها الفشل في الحيلولة دون حدوث الانشقاق الفلسطيني أصلا, ثم الفشل بعد ذلك في تحقيق مصالحة حقيقية بين فتح وحماس.






من الصعب على نظام سياسي يمنح الأولوية لارتباطاته مع الولايات المتحدة وإسرائيل، أن يلعب دور الوسيط النزيه في صراع بهذا التعقيد, خاصة وانه يتعامل في الوقت نفسه مع حماس, وهي القوة الصاعدة على الساحة الفلسطينية, كخصم وكعدو محتمل
حتمية الفشل وأخطاء السياسية المصرية
ومن الواضح الآن أن هذا الفشل كان حتميا بعد أن أصبح الدور المصري محشورا بين سياسة إسرائلية متعنتة, وسلطة فلسطينية يعشش فيها الفساد, وتصاعد التأييد الشعبي لحماس, والتي لا يرى فيها النظام أكثر من كونها امتدادا لجماعة الإخوان المسلمين المعارضة. ويتجلى ذلك بوضوح مما يلي:


1- فقد أدت السياسة الإسرائيلية, بمواقفها المتعنتة من عملية التسوية, إلى إضعاف حركة فتح, سواء في عهد الرئيس عرفات أو في عهد محمود عباس, ثم تمادت إسرائيل في تعنتها بسبب اعتقادها أن تعميق الانقسام بين حركتي فتح وحماس يضعف الحركة الوطنية الفلسطينية ككل، ويمكن إسرائيل من فرض تسوية بشروطها.



2- وعكست مواقف السلطة الفلسطينية ضعف الأداء السياسي والتكتيكي لمحمود عباس, مقارنة بسلفه عرفات, والعجز عن منع انتشار الفساد في بعض صفوف السلطة, مما أدى إلى إضعاف موقفه التفاوضي من ناحية, وتدهور مكانته لدى الشعب الفلسطيني من ناحية أخرى. وعندما أفضت هذه السياسة إلى فوز حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي في يناير 2006، لم يتمكن عباس من توظيفه لتحسين موقفه التفاوضي، واتخذ مواقف خاطئة ساعدت على تعميق الانقسام الفلسطيني.



3- حالت الطبيعة العقائدية لحركة حماس وقلة خبرتها دون القدرة على التنبه لحجم وطبيعة الأخطار القادمة, مما أصاب الحركة بالارتباك وأدى إلى اتساع فجوة عدم الثقة مع عباس والسلطة من ناحية, ومع النظام المصري من ناحية أخرى. وفي سياق كهذا كان من الصعب على نظام سياسي يمنح الأولوية لارتباطاته مع الولايات المتحدة وإسرائيل، أن يلعب دور الوسيط النزيه في صراع بهذا التعقيد , خاصة وانه يتعامل في الوقت نفسه مع حماس, وهي القوة الصاعدة على الساحة الفلسطينية, كخصم وكعدو محتمل.



أخطاء السياسة المصرية
وبهذا ارتكبت السياسة المصرية, في تقديري, جملة من الأخطاء أهمها:



1- التأخر في فتح قناة اتصال جيدة وموحية بالثقة مع حماس في مرحلة مبكرة, وعجز الأجهزة الأمنية والسياسية المصرية عن التنبؤ بالنتائج المحتملة للانتخابات التشريعية التي فازت بها حماس, رغم التواحد الأمني المصري المكثف في قطاع غزة منذ عودة السلطة إلى القطاع عام 1995.



2- عدم متابعة التنفيذ المتكامل لاتفاق وقع بالقاهرة عام 2005 -وضمن التزام حماس بعدم عرقلة الانتخابات الرئاسية- رغم النجاح الباهر في إبرامه, خاصة ما يتعلق منه بإعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية.



3- التعامل مع حماس باستخفاف عقب فوزها في الانتخابات النيابية. ويلاحظ هنا أن الرئيس مبارك لم يقابل خالد مشعل قط, ولم تنشأ علاقة عمل جيدة بين اسماعيل هنية ورئيس الوزراء المصري.



4- عدم بذل جهود كافية أو الضغط لتشكيل حكومة إئتلافية عقب الانتخابات النيابية مباشرة, مما ولد انطباعا خاطئا بأن مصر تتبنى السياسة الرامية إلى إفشال حماس.



5- القبول بموقف اللجنة الرباعية وممارسة ضغوط على حماس لحملها على الاعتراف بإسرائيل والقبول بالاتفاقيات السابقة, رغم غياب عرض جدي بالتسوية. وكان الأجدى أن تصر مصر على بلورة مشروع جدي متكامل للتسوية قبل ممارسة الضغط على حماس لتغيير موقفها من الاعتراف بإسرائيل.



6- إغلاق معبر رفح على الجانب المصري بعد انسحاب المراقبين الأوربيين من المعبر على الجانب الفلسطيني, على الرغم من أنها ليست طرفا في اتفاقية المعابر لعام 2005, وعدم وجود ما يلزمها قانونا بإغلاقه.



7- إحجامها عن توجيه اللوم لإسرائيل عنما قامت هذه الأخيرة بخرق متكرر لاتفاقية تهدئة لعبت فيها مصر دور الوسيط.



وكان من الطبيعي أن تقود هذه السلسلة من الأخطاء المتراكمة إلى أزمة ثقة بين الطرفين راحت تتفاقم تدريجيا إلى أن انفجرت حين رفضت حماس, ومعها ثلاث فصائل أخرى, حضور لقاء للمصالحة بين الفصائل الفلسطينية كان مقررا عقده بالقاهرة في أكتوبر/تشرين اول الماضي.



كما ولد الشكل الاحتفالي للمؤتمر انطباعا لدى حماس بأن القاهرة لا تهدف من المؤتمر سوى الحصول على موافقتها على التمديد لعباس ثم ترك القضايا الإشكالية الأخرى، تتوه وتتجمد في دهاليز اللجان التي كان مزمعا تشكيلها لهذا الغرض.



ولا جدال في أن قيام القاهرة بتحميل حماس مسئولية إفشال مؤتمر المصالحة, وتداول تقارير تشير إلى وجود خطط إسرائيلية أمريكية مصرية تستهدف تمكين السلطة من استعادة سيطرتها على القطاع بالقوة, ساعد على خلق أجواء سمحت لإسرائيل بشن عدوانها والقيام بمجزرتها الوحشية على قطاع غزة.



وتجدر الإشارة هنا، إلى أن سلوك النظام المصري قبيل الأزمة فسر على أنه منحاز للسلطة, ويعمل على إضعاف حماس, ويسعى لكسب وقت تحتاجه إسرائيل لتدمير حماس كليا.



البدائل المتاحة للتعامل مع نتائج الحرب



إذا خلص التقييم المصري الرسمي إلى نتيجة مفادها أن الحرب أضعفت حماس سياسيا وعسكريا, كلاهما أو أحدهما، فمن المتوقع أن تبقى التوجهات العامة لسياسات مصر في مرحلة ما بعد الحرب على ما هي عليه
ليس من الواضح ما إذا كان تتوافر لدي الأجهزة السياسية والأمنية المصرية دراسات تقييمية دقيقة للنتائج السياسية والعسكرية التي أسفرت عنها الحرب على غزة، يمكن استنادا إليها استخلاص الدروس الصحيحة.


و يمكن القول في حدود ما هو ظاهر أمامنا، أن إسرائيل لم تنجح في تحقيق أي من الأهداف المعلنة أو الخفية التي سعت لتحقيقها. فإذا كان الهدف هو منع إطلاق الصواريخ من قطاع غزة, فقد انتهت الحرب دون أن تتمكن من إسكاتها.



وإذا كان الهدف إضعاف حماس سياسيا, بتأليب الشعب الفلسطيني عليها وإلقاء القبض على قياداتها الرئيسية أو قتلهم وتمكين السلطة من إعادة سيطرتها على القطاع, فقد أدت الحملة العسكرية إلى نتائج عكسية تماما:




  • فقد خرجت حماس من الجولة أقوى سياسيا، وشعب غزة لم يثر عليها.


  • ولم تتمكن إسرائيل من القبض على قياداتها أو قتلهم, وبدا موقف السلطة الفلسطينية باهتا وأحيانا مخزيا.


أما إذا كان الهدف هو تدمير البنية العسكرية التحتية لحماس, فمن الواضح أن هذا الهدف أيضا لم يتحقق. صحيح أن إسرائيل تدعي أن 80% من منصات الصواريخ دمرت وأن عددا كبيرا من القيادات العسكرية قتل, وأن معظم المخابئ والأنفاق دمرت..الخ, لكن لا يوجد ما يشير إلى صحة هذه المعلومات, فضلا عن أن نتائجها السياسية, بافتراض صحتها, تبدو محدودة جدا.



وعلى صعيد آخر, تبدو خسائر إسرائيل السياسية والأخلاقية هائلة:




  • فقد تم تدمير ما تبقى من عملية السلام, وانتهت أسطورة إسرائيل كدولة ديمقراطية راغبة في السلام.


  • وأصبحت نموذجا للدولة المعتدية والهمجية، والخارجة على القانون التي يمكن أن يلاحق قادتها العسكريون والسياسيون كمجرمي حرب في كل مكان.


على أي حال, فسوف يكون على إسرائيل أن تقدم تنازلات كبيرة جدا إذا أرادت إعادة إحياء عملية السلام, وهو أمر يبدو صعبا إن لم يكن مستحيلا ما لم تقبل حماس بشروطه.


فإذا أضفنا إلى ذلك كله أن الحرب دفعت بالقضية الفلسطينية إلى صدارة جدول أعمال الإدارة الأمريكية الجديدة, وهو أمر لا يبدو أن إسرائيل كانت راغبة فيه, يمكن القول أن الحساب الختامي للأزمة لا يميل موضوعيا لصالحها.



في سياق كهذا تبدو الخيارات المتاحة أمام مصر, والتي بدت وكأنها تقف في الجانب المعادي لحماس أثناء الحرب, محدودة. وأيا كان الأمر, فستتوقف هذه الخيارات, في تقديري, على طريقة مصر في تقييمها لنتائج الحرب على غزة.


فإذا خلص التقييم الرسمي إلى نتيجة مفادها أن الحرب أضعفت حماس سياسيا وعسكريا, كلاهما أو أحدهما، فمن المتوقع أن تبقى التوجهات العامة لسياساتها في مرحلة ما بعد الحرب على ما هي عليه, وبالتالي ستستمر في محاولاتها للضغط على حماس والعمل على إجبارها على تقديم مزيد من التنازلات التي تساعد على إضعافها أكثر في المستقبل.



أما إذا خلص التقييم إلى نتيجة مفادها أن حماس, ومعها فصائل المقاومة الأخرى, خرجت من الحرب أقوى سياسيا وما تزال في وضع يمكنها من استعادة قوتها العسكرية بسرعة وتعويض ما فقدته من عتاد, فمن المتوقع أن تبدي مصر مرونة أكبر في التعامل مع حماس كشريك مؤهل للبحث عن تسوية، ليس فقط لأزمة غزة ولكن عن أفق لتسوية شاملة للقضية الفلسطينية ككل.



خيارات مصر في ظل سياساتها الراهنة



أن حرص مصر على الإبقاء على علاقات استراتيجية قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية, ومع إسرائيل بالتبعية, سيشكل كابحا حقيقيا أمام إمكانية حدوث تحول جذري في السياسة المصرية في ظل استمرار النظام الراهن
إذا خلص التقييم الرسمي لنتائج الحرب على غزة إلى تثبيت قناعات صانع القرار المصري بصحة السياسات المتبعة حتى الآن في مواجهة حماس, فمن المتوقع أن تحاول مصر إدارة مرحلة ما بعد غزة من خلال رؤية أو خطة تستهدف ما يلي:


1- تثبيت وقف إطلاق النار الحالي وعدم السماح للأوضاع على الحدود بالتدهور خلال الفترة المتبقية على الانتخابات الإسرائيلية, وهي فترة حرجة وقابلة للاستغلال من جانب أطراف إسرائيلية معينة لأغراض انتخابية.



2- دعم السلطة الفلسطينية والعمل على إظهارها كطرف مسؤول وغير متهور, ومساعدتها على تثبيت مراكزها السياسية في أي اتفاقات يمكن التوصل إليها سواء تعلق الأمر بفتح المعابر, أو برفع الحصار, أو بإعمار قطاع غزة, أو بتبادل الأسرى..الخ.



3- السعي لتجسير الفجوة بين الأطراف الفلسطينية المتصارعة بما يضمن قبول الجميع لتهدئة طويلة نسبيا, والعمل على استغلال فترة التهدئة لتنظيم انتخابات رئاسية ونيابية خلال النصف الثاني من عام 2009، على قاعدة لا غالب ولا مغلوب.


ويمكن التوقع في سياق رؤية من هذا النوع، أن مصر ستظهر قدرا أكبر من المرونة في اتجاه تلبية بعض المطالب الإسرائيلية الخاصة بضرورة إغلاق الأنفاق ومراقبة عمليات تهريب السلاح, وربما القبول بمساعدات دولية لتحقيق هذا الغرض. وربما تظهر مصر الرسمية أيضا قدرا أكبر من العناد والصمود في وجه الضغوط الشعبية المطالبة بوقف تدفق الغاز لإسرائيل ووقف التطبيع معها وسحب السفير منها.



غير أننا نعتقد أن الأساس الذي تنطلق منه هذه الرؤية والافتراض الذي تبني عليه، يبدو أساسا واهيا وافتراضا غير واقعي, وبالتالي فالأرجح أن لا تكلل أي سياسات أو خطط ترمي لاستبعاد حماس وإخراجها من معادلة التسوية بالنجاح، وستخلق مزيدا من المشكلات والتعقيدات، وربما تفضي إلى متاهات جديدة في وقت تبدو فيه الحاجة ماسة للبحث عن حلول واقعية لقضية لم تعد تحتمل التسويف.



خيارات مصر في حال التغيير
هناك عوامل كثيرة تضغط على مصر لتغيير سياساتها الراهنة تجاه القضية الفلسطينية بشكل عام, وسياستها تجاه غزة وحماس بشكل خاص, أهمها:



1- شكوك متزايدة حول نوايا إسرائيلية ترى في سيناء متنفسا للتكدس السكاني في غزة, في سياق محاولاتها الدؤوبة لإجهاض خيار حل الدولتين وتفضيل الخيار الأردني عليه، أو حتى خيار الوطن البديل في الأردن وفي سيناء!. وهذا المنطق الإسرائيلي مرفوض بالمطلق من جانب مصر.



2- مخاوف حقيقية من محاولات إسرائيل المكشوفة لاستغلال الأزمة الراهنة لفرض قيود جديدة على السيادة المصرية في سيناء والسعي لابتزاز مصر لاحقا, بدعوى تسامحها فيما مضى مع عمليات تهريب السلاح إلى قطاع غزة.


ولا جدال في أن إصرار إسرائيل على تواجد كثيف لسفن حلف الأطلنطي قبالة الشواطئ المصرية, وهو ما توحي به مذكرة التفاهم الموقعة بين وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس ووزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني في آخر أيام إدارة الرئيس بوش, يشكل مصدر قلق كبير بالنسبة لمصر ويعرضها لانتقادات حادة في الداخل والخارج على السواء.



3- إحساس متزايد باتساع الفجوة بين النظام المصري وقواعده الشعبية في ظل اتساع نطاق المعارضة لسياساته الراهنة, خصوصا ما يتعلق منها بإغلاق المعبر, وخشيته من تزايد هذه الفجوة بشكل أكبر في حالة الإصرار على إغلاق المعبر أو المضي قدما نحو استمرار التطبيع مع إسرائيل رغم ما ارتكبته من مذابح.



غير أننا نعتقد في الوقت نفسه أن الحرص على الإبقاء على علاقات استراتيجية قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية, ومع إسرائيل بالتبعية, سيشكل كابحا حقيقيا أمام إمكانية حدوث تحول جذري في السياسة المصرية في ظل استمرار النظام الراهن.



ومع ذلك فليس من المستبعد في الوقت نفسه أن يحاول هذا النظام الاستفادة من التغير المحتمل في السياسة الأمريكية في ظل رئيس أمريكي جديد رفع شعار التغيير أثناء حملته الانتخابية, وأبدي اهتماما فوريا بما يجري وقام بإرسال مبعوث شخصي يحظى باحترام دولي واسع, مما يعني أنه قرر منذ اللحظة الأولى وضع قضية الشرق الأوسط على رأس جدول أعمال إدارته.



وإذا صح هذا الاستنتاج فلن يكون من المستبعد قيام النظام المصري بإدخال تعديلات على سياسته الراهنة, ولكن في حدود ما يمكن أن تكون الإدارة الأمريكية الجديدة مهيأة لقبوله. وفي هذه الحالة يمكن حدوث التغييرات المتوقعة على مسارين:



الاتجاه الأول:
إزالة الاحتقان الراهنة في العلاقة مع حماس والسعي لتوظيف موقفها لتحسين الموقف التفاوضي الفلسطيني والعربي.



المسارين الثاني:
التحرك عقب الانتخابات الإسرائيلية مباشرة للتنسيق مع الإدارة الأمريكية الجديدة من أجل الإسراع بعقد مؤتمر دولي جديد للبحث عن أسس وآليات جديدة لتسوية شاملة للقضية الفلسطينية وإحياء عملية السلام.
______________
الأمين العام لمنتدي الفكر العربي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

نبذة عن الكاتب