فوز زهران ممداني بعمادة مدينة نيويورك فتح إمكانات غير مسبوقة في السياسة الأميركية، فلقد حصد شعبية كبيرة في فترة وجيزة، وتغلب على معارضة أصحاب الثروات، وقدم حلولًا اشتراكية في مدينة وول ستريت، قلب الرأسمالية، وأشاد بكونه مهاجرًا، في عهد ترامب الذي حاز شعبية واسعة أقامها على إدانته للمهاجرين، وتعهده بترحيل كبير لهم، واعتز بإسلامه رغم تصاعد كراهية الإسلام في الولايات المتحدة، وتصريح ترامب بأن «الإسلام يكرهنا» ليعبِّر عن معتقده، ويكسب أصوات الفئات الأميركية اليمنية التي تشاركه نفس المعتقد. وعَدَّ حرب إسرائيل على غزة إبادة، وتوعد بالقبض على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو -تنفيذًا لقرار محكمة الجنايات الدولية- إذا زار نيويورك، مدينة اللوبي اليهودي، والتي تضم 2 مليون يهودي، التجمع السكاني الأكبر لليهود في العالم بعد إسرائيل.
قد تكون هذه التحولات ظرفية وسطحية ولن تستمر في نيويورك أو تتكرر في مدن أخرى لكنها قد تكون تحولات عميقة وبنيوية، وتشكِّل نمطًا جديدًا قد يتكرر على مستويات أعلى مثل منصب حاكم نيويورك (أعلى من منصب عمدة) أو في المناصب الفيدرالية مثل نواب الكونغرس ورئاسة الولايات المتحدة الأميركية.
قوة التشبيك
تميز صعود ممداني السياسي وارتفاع شعبيته بالسرعة، فلقد حصل على الجنسية الأميركية في 2018، وفاز بعضوية مجلس ولاية نيويورك في 2021، ولما خاض سباق عمادة نيويورك، حصل في بداية 2025 على نسبة 1% من التأييد ثم ارتفعت إلى 10% في مارس/آذار، ثم فاز بالعمادة بنسبة 50.4% في شهر نوفمبر/تشرين الثاني.(1)
يُفسَّر هذا الصعود بتأثير ما يسمى: عامل الشبكة، وهي مجموعة العقد وروابطها التي تنمو هندسيًّا وليس حسابيًّا. وقد مثَّلت شبكات التواصل الاجتماعي والاتصال المباشر إستراتيجية ممداني الانتخابية، ويمكن توضيحها بمثال شبكة مكونة من 10 أشخاص مؤيدين، فالروابط الممكنة بينهم ≈ 45؛ فإذا ارتفع عدد المؤيدين إلى 100 شخص تصير الروابط بينهم 4950، فالأشخاص زادوا 10 مرات، لكن الروابط زادت قرابة 110 مرات. وكما رفعت قوة الشبكة شعبية ممداني سريعًا، يمكنها أيضًا أن تهوي بشعبية خصومه سريعًا، كما أوضحت نسب التأييد المتتالية التي حصل عليها منافس ممداني الرئيسي، أندري كومو، إما لفضائحه الجنسية أو لفساده، فلقد كانت نسبة تأييد كومو في مارس/آذار 39%، ثم تراجعت في يوليو/تموز إلى 25%، ثم أنهى السباق بنسبة تأييد 41.6% بعد أن خرج من السباق بعض المتسابقين. (2)
وقد نسج ممداني شبكته المؤيدة في وسائل التواصل الاجتماعي التي تمكِّنه من التواصل مع أعداد كبيرة من فئات الشباب في نفس الوقت، وركز على تحسين الخدمات في السكن والنقل والصحة، وهي الموضوعات التي تجذب الفئات التي تشعر بالإحباط من الوضع الاقتصادي.
بدأ بحملات ميدانية في أحياء متنوعة مثل برونكس وأستوريا، فقصد المطاعم والباعة المتجولين، فنمت هذه الشبكة من خلال التواصل المباشر أو وسائط التواصل الاجتماعي.
ركز على قضايا اقتصادية واجتماعية تهم الطبقة العاملة مثل تجميد الإيجارات، ومجانية النقل، وفرض الضرائب على الأثرياء، جعلها كلها تحت شعار إتاحة نيويورك للنيويوركيين، استجابة لشعور فئات كثيرة من سكان نيويورك بالغربة داخل مدينتهم لأنهم لم يعودوا قادرين على تحمل تكلفة العيش فيها.
اختلف ممداني في ذلك عن حملات الديمقراطيين الانتخابية السابقة التي كانت تركز على تمثل التنوع الثقافي والجنسي والعرقي، وتهمل الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية. وقد يكون فوزه إيقاظًا لبقية الديمقراطيين بإعادة توجيه خطابهم الانتخابي إلى هذه الضغوطات لأنها جامعة لمختلف الفئات الثقافية والجنسية والعرقية.
رغم تضاد ترامب وممداني في التوجهات، الأول يتجه يمينًا والثاني يتجه يسارًا، إلا أنهما يتشابهان في صعودهما السياسي خارج الأطر الحزبية، وحصولهما على شعبية كبيرة من خلال التواصل المباشر مع الأميركيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو التواصل المباشر، ثم فرض نفسهما بعد ذلك على قيادة حزبيهما؛ فالجمهوريون اضطروا إلى اختيار ترامب لتمثيلهم على المستوى الوطني في الرئاسيات ليس لأنه يمتثل لتوجهات قيادة الحزب الجمهوري وإنما لأنه الأكثر شعبية بين المترشحين الجمهوريين للسباق الرئاسي. كذلك ممداني، لم تختره قيادة الحزب الديمقراطي لتمثيل الحزب في انتخابات عمادة نيويورك ليس لأنه الأكثر امتثالًا لتوجيهات قيادة الحزب، بل لأنه الأكثر شعبية بين المتنافسين الديمقراطيين، وقد فاز على مرشح ديمقراطي هو أندرو كومو.
معركة التمويل
قضى فوز ممداني على عدد من الانطباعات السائدة عن العلاقة بين المال والسياسة في الولايات المتحدة، فلقد كان هناك انطباع بأن أصحاب الأموال يتحكمون في السياسة الأميركية لأنهم يستطيعون تمويل حملات انتخابات باهظة الثمن لضمان فوز مرشحيهم.
تعهد ممداني في حملته الانتخابية بمواجهة أثرياء نيويورك الكبار، وبفرض ضرائب على أنشطتهم المالية والاقتصادية، ليستثمرها في تمكين سكان نيويورك من العيش في مدينتهم. فلقد تعهد بفرض ضريبة إضافية بمقدار 2% على كل من تتجاوز ثروته مليون دولار، ويقدر توفير نحو 4 مليارات دولار لخزينة ولاية نيويورك، لاستثمارها في البرامج الاجتماعية، مثل النقل المجاني، وبقالات مملوكة للولاية، وبناء نحو 200 ألف وحدة سكنية بأسعار معقولة، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 30 دولارًا للساعة بحلول 2030، وهو ضعف الحد الحالي البالغ نحو 16 دولارًا للساعة، وبتجميد إيجار المساكن. كل هذه الإجراءات تخفض أرباح الشركات الخاصة.
لم يناهض هؤلاء الأثرياء ممداني لأنه يهدد مصالحهم فحسب، بل لأن بعضهم استاء من نقد ممداني للقيادة الإسرائيلية، وتعهده بتنفيذ قرارات المحكمة الدولية القاضية بتوقيف نتنياهو بتهمة ارتكابه جرائم حرب. وقد كان من بين هؤلاء الأثرياء بيل أكمان، الداعم المتحمس لإسرائيل، والذي قاد حملة سابقة على إدارة الجامعات الأميركية التي سمحت للطلبة بالتعبير عن مساندتهم للحق الفلسطيني وإدانتهم الجرائم الإسرائيلية.
اعتمد ممداني في تمويل حملته على المتبرعين الصغار الذين يبلغ عددهم نحو 180 ألف متبرع، أسهموا بنحو 8 ملايين دولار، بمتوسط 98 دولارًا للمتبرع الواحد، وقد استفاد بمقتضى ذلك من التمويل العام من ولاية نيويورك الذي يضيف 8 دولارات لكل دولار من التبرعات، فحصل ممداني على السقف المسموح به من التمويل وهو 13 مليون دولار، وكان مجمل تمويل حملة الانتخابية 21 مليون دولار.(3)
تهز تداعيات نجاحه على الأثرياء قواعد العمل السياسي التي حاول هؤلاء الأثرياء ترسيخها، وهي جعل المشاركة السياسية مكلفة جدًّا، فييأس أصحاب الدخل الصغير أو المعوزين من التحكم في نتائجها، وسيكونون مضطرين إلى الاختيار من بين المترشحين الذين حَظَوْا برعاية الأثرياء، في مقابل تعهدهم باستعمال سلطتهم السياسية لحماية مصالح هؤلاء الرعاة. لكن نجاح ممداني سيعيد الأمل لأصحاب المداخيل المحدودة والمعوزين بقدرتهم، إذا تعاونوا ووثقوا في مرشحهم السياسي، على أن يتحكموا في نتيجة السباق السياسي.
رافعة الهجرة
قلب نجاح ممداني موجة مناهضة المهاجرين التي ركبها ترامب للفوز برئاسة الولايات المتحدة الأميركية، فلقد جاهر بالدفاع عن المهاجرين الذي يعمل ترامب على ترحيل أعداد هائلة منهم، تبلغ في تصريحاته نحو 20 مليون مهاجر، وأشاد بوطنيتهم الأميركية، ودورهم في حماية بلدهم وبنائه، فخالف ترامب الذي يرى أن المهاجرين يهددون أسلوب الحياة الأميركية، ويشيعون الجريمة، والاضطراب. وقد وظَّف ترامب هذا الموقف العنصري في مهاجمة القيادات السياسية المناوئة له، مثل اقتراحه على الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، أثناء زيارته واشنطن، في سبتمبر/أيلول 2025، أن يأخذ معه عضو الكونغرس من أصول صومالية، إلهان عمر. واستمراره في السخرية منها بالقول إن بلادها، يقصد الصومال لا تعرف التنظيمات الحديثة، وهذا نكران لهويتها الأميركية، وتمثيلها في نفس الوقت قطاعات أميركية واسعة في الكونغرس. وفعل ترامب نفس الشيء مع ممداني، لما شكَّك في هويته الأميركية وألمح إلى إمكانية تهجيره من أميركا.(4)
يمثل ممداني نموذج المهاجر، فهو أوغندي من أبوين هنديين، هاجرا للولايات المتحدة، وهو في سن السابعة، فحمل معه النظرة الناقدة للاستعمار واللامساواة، وأسس في الجامعة فرعًا لمنظمة طلاب من أجل فلسطين، وتخصص في الدراسات الإفريقية، وكانت أطروحته عن المفكر وعالم النفس المناهض للاستعمار فرانز فانون، ثم عمل مستشارًا في قضايا منع احتجاز المساكن، والتحق بعد ذلك بتنظيم الاشتراكيين الديمقراطيين في 2017؛ لأنه يتوافق مع مواقفه من فلسطين ومنع احتجاز المساكن. حصل على الجنسية الأميركية في 2018، وخاض الانتخابات المحلية، ففاز بمقعد في مجلس الولاية، ثم أعلن، في 2024، ترشحه لعمادة نيويورك التي فاز بها لاحقًا.(5)
كانت صفة المهاجر رافعة ممداني في المنافسة السياسية الأميركية ولم تكن عبئًا عليه، فاستمر في إبرازها والتفاخر بها، وجعلها تعبِّر عن الروح الأميركية الحقيقية التي تشكلت من طابع الهجرة الذي أنشأ الولايات المتحدة ودفع بها إلى مقدمة دول العالم؛ وتعهد بحماية المهاجرين في نيويورك من سياسة الترحيل الإجباري التي ينفذها ترامب. وقد توعد ترامب بمعاقبته والتضييق على نيويورك إذا تصدى ممداني لسياسات ترحيل المهاجرين.
يشير نجاح ممداني في الرهان على الإشادة بمكانة المهاجرين في الولايات لمتحدة إلى وجود تيار قوي قادر على التغلب على تيار ترامب المناوئ للمهاجرين، والمعبِّر عن مخاوف الأميركيين البيض، الذي يرون أنفسهم الأميركيين الحقيقيين أحفاد الجيل الأول من المهاجرين الأوروبيين البيض الذين أقاموا المستعمرات الأولى في الولايات المتحدة الأميركية، ويجعلون هذه الأسبقية حقًّا يمنحهم التمييز بين الأميركي الحق والمهاجر الدخيل غير المؤهل للحصول على المواطنة الأميركية لأنه يعود إلى أصول وضيعة أو لا تتوافق مع سبيل الحياة الأميركية. وقد نبَّه صموئيل هنتنغتون إلى تنامي هذا الصدع بين الأميركيين من أصول أوروبية بيضاء والأميركيين من أصول ملونة، وأوضح أن غلبة الفئات الثانية ستُفزع الفئة الأولى التي ستشعر بأنها تفقد السيطرة على ما تعده بلدهم الموروث عن أجدادهم المهاجرين الأوروبيين الأوائل، وأن هذا الفزع قد يتحول إلى رفض لسياسات تشجيع الهجرة، بل والتصدي لها بوسائل عنيفة.
دحر اللوبي
تميز ممداني أيضًا بخوض حملة انتخابية في مواجهة اللوبي الإسرائيلي النافذ في الولايات المتحدة، وفي نيويورك التي تضم أكبر تجمع لليهود في الولايات المتحدة وفي العالم بعد إسرائيل، وتتواجد بها أهم الهيئات التي تدعم إسرائيل، ومقر الأمم المتحدة الذي تستعمله الدبلوماسية الإسرائيلية لتقديم الحجج المؤيدة لسياستها الاستعمارية.
لم يتنازل ممداني عن مواقفه لإرضاء هذه القوى، بل ظل متمسكًا بدعم حملة المقاطعة للبضائع الإسرائيلية، ورفض اعتبار إسرائيل دولة لليهود، بل تمسك بحق كل سكانها في المساواة أمام القانون، مثل بقية دول العالم، وتوعد بالقبض على القيادات الإسرائيلية التي اتهمتها المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة. في المقابل، أصرَّ ممداني على التصدي للأنشطة المعادية لليهود في نيويورك، والتعامل معهم كبقية سكان نيويورك، في رفع قدرتهم الاقتصادية والاجتماعية للعيش بكرامة في ولايتهم.
استمال ممداني اليهود التقدميين الديمقراطيين، خاصة الشباب، وقد بلغ عدد من صوَّت له 33% من يهود نيويورك، التي يبلغ عدد سكانها اليهود 1.9 مليون نسمة(6). استفز ذلك الرئيس ترامب الذي صرَّح بأن أي يهودي يصوِّت لزهران ممداني، المثبَت أنه كاره لليهود والمعترف بذلك، هو غبي.(7)
نهضت عدة هيئات أميركية موالية لإسرائيلية لإفشال ممداني، فلقد أصدرت المجموعة الديمقراطية من أجل إسرائيل، وهي مجموعة من النواب الديمقراطيين، نفس حزب ممداني، بيانات تنتقده لمساندته حركة مقاطعة إسرائيل، ورفضت تبنِّيه شعار كوكبة الانتفاضة، وعدَّته تطورًا مقلقًا داخل الحزب. كذلك، تعاونت شبكة من المتبرعين القريبين من الإيباك لدعم منافسي ممداني ماليًّا، مثل المرشح أندرو كومو. ونشر نحو 850 حاخامًا في الولايات المتحدة مؤيدًا لإسرائيل، رسالة بعنوان "نداء الربانيين للتحرك: دافعوا عن مستقبل اليهود"، تُعارِض في البيان ترشح ممداني وتعده جزءًا من تطبيع معاداة السامية. كذلك انتقدته رابطة مكافحة التشهير الموالية لإسرائيل، وعدَّته جزءًا من مشكلة أكبر في التفريق بين معاداة السامية ومعاداة إسرائيل، وطلبت منه اللجنة اليهودية الأميركية بعد فوزه الشروع في حوار لتسوية الخلافات حول موقفه من إسرائيل، واستخدامه لكلمات مثل الإبادة والأبارتايد في وصف أفعال إسرائيل، وتحثه على تغيير لهجته، والتفاهم مع الفئات المؤيدة لإسرائيل.
تمكَّن ممداني من التغلب على كل ذلك، والفوز في المدينة التي تعد المعقل الثاني لليهود بعد إسرائيل، فأثبت أنه يمكن الفوز في الانتخابات الأميركية رغمًا عن اللوبي اليهودي، وبوعود سياسية مناهضة للسياسة الإسرائيلية، وقد يمهد هذا السبيل أمام مترشحين آخرين للتحرر من وصاية اللوبي اليهودي أو منازلته، لأنه تبين أن انتقاد إسرائيل قد يكون إما ورقة رابحة سياسيًّا أو على الأقل لا تستطيع أن تغير نتائج الانتخابات.
مرجِّحات النجاح أو الإخفاق
التقى ممداني بعد فوزه الرئيس ترامب في البيت الأبيض، لمناقشة التعاون بين عمادة المدينة ورئاسة البلاد المسؤولة على المستوى الفيدرالي. وقد كان الاعتقاد السائد أن الخلاف الحاد بين ترامب وممداني أثناء الحملة الانتخابية قد يخرب لقاءهما، ولكن اللقاء كان ناجحًا، فلقد أشاد به ترامب، وتفادى المواضيع الخلافية، وتوقع نجاح ممداني في مهمته، وتعهد بدعمه.(8)
إذا نفَّذ ترامب وعده، فإنه سيوفر مليارات الدولارات لنيويورك، يستثمرها ممداني في تحسين الأمن العام، وإنهاض الاقتصاد وتوفير فرص العمل، وحل مشكلة الغلاء والأسعار المرتفعة، ويحصل في المقابل ترامب على الثناء لأنه قدَّم مصلحة سكان نيويورك على خلافاته الأيديولوجية، وطمأن أسواق الأموال، لأن إثارة الفزع في نيويورك قد تعصف ببورصة وول ستريت، وقد تهتز مكانة الولايات المتحدة في الأسواق المالية.
إذا أثمر هذا التعاون نجاح ممداني، فلقد يرفع من مكانته داخل الديمقراطيين، فيتحول إلى مركز ثقل، يؤثر في اتجاهات الحزب وبنيته، وقد ترتفع شعبيته لتكون وطنية، فيكون من المتسابقين للرئاسيات، وإن كانت نيويورك لا تتشابه مع كافة المدن الأميركية.
لكن تحول دون نجاح ممداني في عمادته لنيويورك عقبات عديدة، فلن تقبل قيادة الحزب الديمقراطي التقليدية بفقدان السيطرة على الحزب، واستيلاء هذه القيادة التقدمية عليها، ولن يتوقف الأثرياء عن قتاله؛ لأنه انتزع منهم مكاسب كانوا يعتقدون أنها دائمة، وسيواصل اللوبي اليهودي قتاله؛ لأن إسرائيل لن تقبل بفقدان قاعدتها الرئيسية في الخارج. يجتمع هؤلاء على إفشال ممداني حتى لا يكون سابقة تشجع آخرين على اتباعها، فتفقد القوى التقليدية سيطرتها السياسية والاقتصادية.
المركز الصاعد
شكَّل فوز ممداني مركز جذب ثقل جديدًا، قد يتحول إلى المركز الرئيسي، ويتكون من أبعاد الهجرة، والهوية الإسلامية التي ينظر إليها كتنوع ثقافي في الولايات المتحدة، والمراهنة على الممولين الصغار، والتفريق بين اليهودي الأميركي واليهودي الداعم لإسرائيل، والسياسات الاشتراكية في تقديم الخدمات، واعتبار إسرائيل دولة أجنبية يجوز انتقادها، بل قد يكون محبذًا.
قد يتمكن ممداني من النجاح فيعزز بذلك مركز الثقل الناشئ، لكنه حتى وإن أخفق؛ فإنه سيكون تعثرًا مؤقتًا؛ لأنه يمثل في الولايات المتحدة تيارًا شبابيًّا كبيرًا متنوع الأعراق والثقافات يزداد ديمغرافيًّا. وقد أظهرت البيانات أن الولايات المتحدة اليوم أقل بياضًا وأقل بروتستانتية. وفي المقابل، تيار آخر يمثل أميركا التي تحن إلى الماضي، وهي أميركا جيل الشيوخ والمهاجرين الأنجلو ساكسونيين البروتستانت خاصة، كما وصفها هتنتغتون في كتابه "من نحن؟: تحديات الهوية القومية الأميركية"، وهي تتصف بالتناقص العددي بالنسبة إلى السكان وتزايد الشيخوخة، فلقد بلغ عدد هؤلاء نحو 42%من السكان ويتواجدون في المناطق الريفية والمدن الصغيرة، وقد أظهرت الانتخابات الرئاسية الأخيرة أنهم يدعمون ترامب لأنه يعبِّر عن مخاوفهم من فقدان التحكم في الولايات المتحدة. ومن الموازنة بين تيار صاعد يقوم على الشباب، وتيار هابط يستند إلى الشيوخ، فإن المستقبل لا محالة سيصنعه التيار الأول، وقد يكوم ممداني أحد رواده.
1- نيويورك تايمز، "كيف بنى ممداني حملة رابحة في عام قصير واحد؟"، 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 (تاريخ الدخول: 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2025)، https://www.nytimes.com/interactive/2025/11/04/nyregion/zohran-mamdani-…
2- نيويورك تايمز، «استطلاعات الرأي في انتخابات عمدة نيويورك 2025»، (تاريخ الدخول: 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2025)، https://www.nytimes.com/interactive/polls/nyc-mayoral-election-polls-20…
3- أوبن سيكريتس، «كيف شكل نظام التمويل العام في نيويورك سباق عمدة 2025»، 30 سبتمبر/أيلول 2025، (تاريخ الدخول: 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2025)، https://www.opensecrets.org/news/2025/09/how-new-yorks-public-financing…
4- الغارديان، «كيف يتحدى ممداني توقعات المهاجرين باحتضان هويته»، 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، (تاريخ الدخول: 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2025)، https://www.theguardian.com/us-news/2025/nov/09/zohran-mamdani-politics…
5- نيويورك ستيت أسيمبلي، «سيرة زهران ك. ممداني»، (تاريخ الدخول: 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2025)، https://nyassembly.gov/mem/Zohran-K-Mamdani
6- تايمز أوف إسرائيل، «استطلاع خروج: ثلث يهود نيويورك صوتوا لممداني المناهض لإسرائيل»، 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، (تاريخ الدخول: 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2025)، https://www.timesofisrael.com/exit-poll-finds-one-third-of-nyc-jews-bac…
7- أكسيوس، «ترامب يصف مؤيدي ممداني اليهود بـ"الأغبياء"»، 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، (تاريخ الدخول: 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2025)، https://www.axios.com/2025/11/04/trump-zohran-mamdani-jewish-supporters…
8- رويترز، «ترامب يشيد بممداني في لقاء ودي مفاجئ بالبيت الأبيض»، 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، (تاريخ الدخول: 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2025)، https://www.reuters.com/world/us/trump-meet-new-yorks-zohran-mamdani-cl…