استنتاجات

يقتصر هذا الفصل على تعداد موجز لأهم العناصر المستخلصة من الفصول السابقة، لرؤية المعطيات المختلفة المؤثرة أكثر من سواها في البحث عن الصورة المستقبلية المرجحة لحلف شمال الأطلسي، وموقع العالم الإسلامي في منظوره، تمهيدا لاقتراح خيارات التعامل العربي والإسلامي مع الحلف.

يقتصر هذا الفصل على تعداد موجز لأهم العناصر المستخلصة من الفصول السابقة، لرؤية المعطيات المختلفة المؤثرة أكثر من سواها في البحث عن الصورة المستقبلية المرجحة لحلف شمال الأطلسي، وموقع العالم الإسلامي في منظوره، تمهيدا لاقتراح خيارات التعامل العربي والإسلامي مع الحلف.


مستقبل الحلف
العالم الإسلامي بمنظور أطلسي


مستقبل الحلف





بدأ الحلف في قمته الستينية محاولة جديدة لإعادة صياغة مهامه الأمنية الدولية، ولا يمكن الجزم بحصيلتها مسبقا، على ضوء الخلافات المستمرة حولها.
1- بلغ التوسع الأطلسي جغرافيا حدودا تدفع إلى تعديل صياغة العلاقات بروسيا على أساس حلول وسطية، مع عودة الاستقرار إلى العلاقات عبر الأطلسي بين شطريه الأوروبي والأميركي، وترجيح تقوية الجناح الأوروبي لاسيما بعد عودة فرنسا إلى البنية العسكرية للحلف.

2- من المنتظر أن تتضاعف مساعي دول الحلف لتثبيت موقعه الدولي في إطار تفاهم أكبر بين أقطاب الشمال، قد ينطوي على التعددية القطبية، وأبرز محاوره منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، ومكافحة الإرهاب، ودعم نسيج شبكة المصالح الاقتصادية والمالية.


3- تعديل البنية العسكرية الأطلسية متواصل مع ظهور معالم التراجع عن مشاريع كبرى، مثل اختصار حجم قوة "الرد السريع" وإعادة النظر في مشروع الدرع الصاروخي الأميركي، كما بدأ الحلف في قمته الستينية محاولة جديدة لإعادة صياغة مهامه الأمنية الدولية، ولا يمكن الجزم بحصيلتها مسبقا، على ضوء الخلافات المستمرة حولها.


4- رغم استمرار الصيغ التطبيقية لمقولة "الإسلام عدو بديل" تحت عنوان الحرب على الإرهاب، ووفق أسلوب الخطوات الاستباقية، يبقى المرجح اضمحلال استخدام الوسائل العسكرية المباشرة، وتطوير أكثر من صيغة لشراكة أمنية عسكرية مع الأنظمة القائمة في العالم الإسلامي.


5- سيستمر هاجس اختلاف القيم ومفعوله المستقبلي، مع التركيز على صيغ جديدة للتأثير على المستويات الشعبية في تعميم المنظومة الغربية، بدلا من أطروحات التغيير عبر السلطات (من الأعلى) تحت عناوين تثبيت الديمقراطية وحقوق الإنسان.


6- لا ينتظر تراجع المساعي الغربية لتعزيز نشر الرؤى الرأسمالية الليبرالية، وما ينبثق عنها على الأصعدة التجارية والمالية والاستثمارية وغيرها، وفق المعادلات القائمة منذ الحرب العالمية الثانية لصالح العالم الغربي الرأسمالي.


العالم الإسلامي بمنظور أطلسي 


من حيث المبدأ تحتاج المنطقة الإسلامية إلى تثبيت معالم صورة مشتركة بين دولها والقوى الفاعلة فيها، بشأن استيعاب موقعها هي في منظور حلف شمال الأطلسي مستقبليا، وما يرتبط بذلك من مخاطر أو فرص، كخطوة أولى لتقرير مواقف تشمل تحديد الإمكانات المتاحة للتعامل مع الحلف مستقبلا، مع مراعاة تطويرها المتواصل ومعطيات الواقع الآني في العالم الإسلامي.


من هذه المعطيات:



  1. ينظر العرب بالريبة إلى حلف شمال الأطلسي، رغم التهافت على علاقات وثيقة مع أميركا وقوى غربية أخرى. وتتناقض النظرة الرسمية إلى وجود علاقات ودية مع الحلف والغرب عموما، مع النظرة الشعبية العربية وشرائح نخبوية التي ترى في الحلف مجرد امتداد للتطلعات الاستعمارية القديمة، وساهم في ذلك أن الولايات المتحدة ورطت الحلف في سلسلة حروب في المنطقة الإسلامية.





  2. ينظر العرب بالريبة إلى حلف شمال الأطلسي، رغم التهافت على علاقات وثيقة مع أميركا وقوى غربية أخرى.
    يحكم النظرة الأطلسية الرسمية حيال المنطقة اعتباران: أولهما، إثبات أن الحلف ليس من دعاة صدام الحضارات وأنه يريد إقامة علاقات عادية وتعاونية مع الدول العربية والإسلامية، وأنه لا يقيم أي علاقة بين الإرهاب والإسلام كدين. وثانيهما، الشروع في مبادرات تعاونية مع بعض دول المنطقة في إطار خدمة الأمن بواسطة الشراكات. ومن أسباب ذلك إدراك أن الأمن والاستقرار في المنطقة خدمة لأمن الجميع، كما يعد أمن الطاقة (النفط والغاز) هاجساً أطلسياً مما يقتضي الحاجة إلى تعاون وتفاهم وليس إلى المواجهة مع الدول العربية والإسلامية.


  3. ليس العرب كتلة واحدة من المنظور الإستراتيجي على صعيد المصالح والسلوك، فالدول العربية تتنافس "عكسيا" على التقرب من القوى الغربية، ليس للحصول على المزيد من المكاسب الإستراتيجية، وإنما لحرمان الطرف العربي الآخر من الحصول على ميزات، ولكن أي "شراكة إستراتيجية" تتطلب تصورات مشتركة للتهديدات، وهو ما لم يتحقق بين الدول العربية -فرادى ومجتمعة- وحلف شمال الأطلسي، فغياب قرار سياسي عربي موحد وغياب هيكلية عسكرية مشتركة، يسببان الازدواجية والتفتت في النظرة إلى الحلف والعلاقات معه.


  4. لا يمكن التعويض عن ذلك في المستقبل المنظور دون الانتباه إلى جملة من المعيقات الكابحة للوضع العربي الإسلامي والعمل على معالجتها، ومنها:

    • غلبة نقاط الخلاف في تعامل التيارات المتعددة وتغييب القواسم العملية المشتركة.
    • عدم الثقة بين السلطة والفكر المحلي المستقل عنها، وتفضيل مدارس فكرية دولية وخبراء دوليين.
    • تغليب ردود الأفعال على الأحداث ومواقف الآخر على المستويين الإقليمي والدولي.
    • الأولوية في التعامل مع الآخر خارج الحدود للرؤى التجزيئية للقطر على حساب الإقليم، وللإقليم على حساب الأرضية الجامعة عربيا وإسلاميا، وللمنطقة العربية أو الإسلامية على حساب منطقة الجنوب رغم القواسم المشتركة مع دوله الأخرى.


  5. يتطلب الانتقال إلى تحديد رؤى إستراتيجية مستقبلية من منطلق جماعي يتكامل مع المنطلق القطري والإقليمي، نهجين متوازيين:

    • شروع السلطات قطريا وإقليميا -بغض النظر عن القضايا الأخرى- في اعتماد الصيغة الإستراتيجية المستقبلية -حيثما يمكن ذلك عمليا- للتعامل مع الحلف وسواه دوليا، واعتمادها في التطبيقات العملية.
    • تثبيت ميادين مشتركة على المستوى الجماعي لا تنطوي على أسباب خلاف مرتبطة مباشرة بها، وإقصاؤها عن مفعول الخلافات في ميادين أخرى لا ترتبط بها، للشروع في تحديد رؤى إستراتيجية مشتركة على صعيدها، واستخلاص الخطوات العملية القابلة للتطبيق تبعا لذلك.

عودة للصفحة الرئيسية للتقرير